روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الثالث والعشرون

رواية وبها متيمم أنا البارت الثالث والعشرون

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثالثة والعشرون

الفصل الثالث والعشرون
بفعل لم تفعله الا نادرًا أتت اليوم بصحبة سائقها والحارس الخاص بها، لتنتظر بداخل السيارة، خروج طفلها من حضانته، كي تستأثر به كالأمس، في خطة أعدتها لعدم السماح لأحد بإنقاص حقها فيه، حتى لو اضطرت لتحدي والدة زوجها التي تكرهها ولا تطيق رؤيتها، وتعمل دائمًا على الإبتعاد عنها، لقد قررت تعويض ما أهدر منها طول السنوات الماضية، لفعل زوجها المسيطر والمتحكم بكل أمورها، ولكنها كبرت الاَن ولم تعد تلك الصغيرة التي يطوعها كيف يشاء، وعت لتُمسك بزمام الأمر، فترواده بحنكة النساء ومكرهن، حتى تحصل منه على كل ما تريده، الا يكفي ابتلاع الخيانة!
دوى صوت الهاتف لتفاجأ بهوية المتصلة، التي ترفعت وتواضعت لتحادثها، قطبت باستغراب تناظر الرقم وكأنها تتأكد من الأسم جيدًا، ولتفكر سريعًا قبل أن تجيب برقة مدروسة:
– الووو……. أهلا يا طنت.
– الووو يا ست رباب، ممكن افهم بقى، انتي مانعة حفيدي عني ليه؟
– أنااا يا طنت؟ مين قال كدة بس؟ دا كلها يوم واحد اللي غابوا عن الزيارة، والنهاردة عنده مشوار مهم للمدرب في النادي.
– اقدر انا ع المشوار دا يا ست رباب، ابعني الولد وانا اوديه…..
– ويقعد بقية اليوم عندك زي كل مرة، اسفة يا طنت، أنا فضيت نفسي مخصوص عشانه النهاردة، يوم تاني بقى.
– يعني ايه حفيدي مش هيجي النهاردة كمان؟…
– الوو يا طنت، معلش مش سمعاكي كويس، الطريق زحمة ازي…… الوو يا طنت، الووو.
انهت المكالمة لتخرج زفيرًا بضيق، فهي تعلم ان المرأة لن تسكت على فعلها، وحتما ستخبر زوجها، وعليها تجهز نفسها لذلك.
انتبهت على خروج ابنها من باب المدرسة، لتنتفض مترجلة من السيارة ، ثم تتلقاه بالاحضان بعد أن رفعته عن الأرض أمام زملائه، وتلفت أنظار الجميع إليها كالعادة.
بداخل السيارة وبعد أن تحركت بهم، على الفور تلقت رسالة من الرقم المجهول.
– (( حلو اوي الفستان القصير على جسمك، وجماله بان أكتر لما رفعته الكتوت، وانشد لفوق ركبتك، ايه الحلاوة دي))
– يا أبن ال……
تفوهت بها بغيظ تعدى الغضب وفاق الحد، لتهتف نحو سائقها:
– وقف العرببة دي بسرعة يا عم كريم، بسرعة ارجوك .
على الأمر توقف الرجل ليناظرها بتساؤل تجاهلته لتلتف نحو حارسها :
– انزل من العرببة يا حامد، انا عايزة اعرف مين اللي بيراقبني؟ حاسة فيه حد بيراقبني؟
انتفض الحارس على الأمر، يخرج سلاحه على وضع التحفز مرددًا:
– يراقبك، يراقبك ازاي يا هانم وانا موجود؟
قالها وترجل يبحث في الإنحاء، ويتجه بخطواته نحو الطريق باحثًا، يمينًا ويسارُا، حتى ابتعد وهي تنتظر بزعر وصل للطفل ليسألها ببرائة:
– في حاجة يا مامي؟
– لا يا قلب مامي.
قالتها لتقبله على جبهته، وتضم رأسهِ إليها بعد ذلك، فتلتمس الدفء بغمرته، واجهت بعين المراَة وجه السائق، الذي كان يتابعها فتكلم برفق رغم حيرته من فعلها:
– متقلقيش يا هانم من حاجة، الدنيا أمان، وانتي قاعدة في عربيتك، ومعاكي رجلين يحموكي لو في خطر، دا لو فيه يعني.
وصلها امتعاضها الغير معلن، وكأنه يراها تفتعل ذلك عن قصد.
دلف فجأة السائق بعنف جعل السيارة تهتز ليخاطبها بلهاث:
– انا دورت في كل حتة يا هانم، وملقتش أي مخلوق يهدد امن حضرتك والبيه الصغير، المنطقة هادية اساسًا، تحبي انزل ادور تاني؟
لوت شفتيها بحنق تأمرهما بإماءة صغيرة بذقنها وقد بلغ اليأس منها مبلغه:
– لا خلاص بقى، امشي على طول يا عم كريم.
❈-❈-❈
في المخزن الخلفي لدكان العطارة الذي يملكه عابد الورداني، وقد أتت إليه خلسة كالسابق، ولكن هذه المرة كانت للعتاب، بعد ليلة كئيبة وصعبة مرت عليها في البكاء وشعور القهر المتعاظم داخلها، حتى أنهكت وفاض بها، للدرجة التي جعلتها تتلقف كالغريقة اتصاله في الرد عليها اخيرًا اليوم، تطالبه متلهفة بشدة للقاءه، ليستغل ما كان يظنه فرصة للاستفراد بها في المخزن هنا وقد وافقت دون تردد، ليعبث ويفعل ما يحلو له معها، قبل أن يفاجأ برؤية وجهها المقلوب، ثم انفجارها بمجرد أن انغلق الباب عليهما، لتعبر عما يجيش بصدرها بالدموع الحارقة:
– مكنتش اعرف اني قيمتي قليلة أوي عندك كدة يا ابراهيم؟ اكتر من مية رسالة وغيرهم في الاتصال عليك من امبارح، ولا مرة تكلف نفسك وترد، غير بعد ما جالك مزاجك؟ طب يمكن في ضيقة ومحتاجالك ، أو تعبانة وعايزاك تجيني وتخفف عليا، اعمل ايه عشان تحس بيا وتعملي قيمة زي بقية المخطوبين؟
رافعًا طرف شفته باستنكار خطا يقترب منها ليطالع هذا الانفعال المفاجأ منها الشهقات المتتالية، بسيل الدمعات التي لا تتوقف، حتى خرج صوته بذهول:
– انتي هبلة ولا عبيطة يا بت؟ بقى كل المناحة دي عشان مرديتش ارد عليكي؟ وهي دي اول مرة تحصل يا ختي؟ ما انا بتقل عليكي بكيفي وبرد برضوا بكيفي، مبيمشيش معايا كهن النسوان، بلا مخطوبين بلا نيلة.
جفاءه المعتاد، وأن يحتد بتعالي؛ لم يكن جديدًا عليها، لتتقبل غضبه مضطرة، أو تنكمش بخوف منه فتتغاضي كالعادة، إلا اليوم، فهي لم ولن تحتمل على الإطلاق، سمعت منه لتسقط على عدد من الاجولة المرتصة فوق بعضها، لتردد بانهيار:
– انا كنت عارفة من الاول، وقولتلك، انت عمرك ما حسيت بيا ولا نصفتني حتى، زي ما حصل امبارح، لما ابوك زعقلي قدام الكل وكسفني، انت مكلفتش نفسك حتى تجبر بخاطري.
اهتزت رأسه بعدم تحمل لا يستوعب ما تلتقطه أذنيه منها، ليضرب كفه بالاَخر وقد نفذ صبره لهذا العته، نادمًا على اختلائه بها ومقابلتها من الأساس:
– الله يخرب بيتك على بيت معرفتك السودة، يعني انتي كل عمايلك دي على قصة ابويا وكلمتينه امبارح، طب والله عنده حق، وياريته كان اداكي كفين بالمرة يا أمنية.
– كمااان.
صرخت بها لتقف على أقدامها وتواجه عنفه بنهنهة عالية لبكائها المستمر، تردد باستعطاف، علّ قلبه يرق ويؤازرها في محنتها:
– دا بدل ما تقولي ايه اللي تاعبك يا حبيبتي؟ ايه اللي موصلك للحالة دي؟ دا انا مليش غيرك يا ابراهيم، لا عيلة ولا خوات بيحبوني، ولا انت ناسي كلامك ليا؟
اكتست ملامحه بالسأم والضيق، ولكنه كان متريثًا هذه المرة في رده، ليعرف السر الحقيقي خلف هذه المحزنة.
– لا يا ختي طبعًا مش ناسي، بس ايه لزوم الكلام ده دلوقتي؟ هو انتي اتخانقتي مع حد فيهم؟ ولا يكونش واحدة منهم ضايقتك يا بت؟
جاء السؤال الذي كانت في انتظاره منذ الأمس، لتجد من يسمع شكوتها بحرية، فهو الوحيد القادر على فهم ما تقصده، لأنه يخصه أيضًا!
– قول مين مضايقنيش؟ دا انا بتحسر من امبارح وقلبي بيتقطع من جوا، لأن بالأكيد جوازتنا مش هتم السنادي يا ابراهيم، ومش بعيد نقعد اكتر كمان، على ما اخلص جهازي، مدام الكبيرة دورها جه، يبقى تتنيل على عينها أمنية وتستني بقى، ما اهو انا حظي كدة……
– كبيرة مين يا بت الهبلة؟
هدر بها قوية عنيفة، ليُصمت فمها الذي يثرثر بغباء، يكاد يصيبه بالصمم، والكلمة التي أسقطتها في الوسط، يشك في صحة سماعها، لتؤكد له بغليل نفسها السيئة:
– بقولك الكبيرة، المحروسة راحت امبارح عزومة العشا عند الست مجيدة رجعت لنا مخطوبة من ابنها البشمهندس، والبيت مقلوب من امبارح، البت رؤى بت الجزمة، كل ما تشوفني بتقعد تزغرط وتغني، عشان تغيظني…… اَه
صدر منها تأوهًا بوجع، وقد باغتها بأن اطبق بكفيه الكبيران على ساعديها الغليظان، ليتمتم متسائلَا بهدير خطر، وقد أظلم وجهه؛ واشتد بخطوط طولية، لتبرق عينيه بالشر بشكل فاجئها وأخافها بنفس الوقت:
– انتي بتقولي مين يا بت؟ المحروسة اختك، ربة الصون والعفاف، مع الواد المهندس اللي رايح جاي معاه.
استطرد يهدر بصوت خرج من أعماق الجحيم وهو يهزهز جسدها بعنف:
– يعني كانت بتقرطسنا، وعاملة فيها البت المحترمة، وهي ماشية مع الرجالة وبتجيبهم البيت، يبقى انا بقى كان عندي حق لما اتخانقت معاها ع المسخرة وقلة الأدب، كان عندي حق لما خوفت عليكم وعلى سمعتكم.
– خلااااص يا ابراهيم حرام عليك، دراعاتي الاتنين هينكسرو في إيديك
صرختها كانت بقوة لتعيده لصوابه، فيشعر بنفسه، ويرفع كفيه عن ذراعيها، لتردد مرة أخرى بشهقات البكاء، وألم جسدي حقيقي، فقد كان على شفا اقتلاعهم بهزهزته العنيفة دون وعي، او كسرهم بالضفط الرهيب منه، هذا ما كانت تشعر به، لتدلك بكفيها عليهما وهي تبتعد بارتياع، فهيئته كانت غير طبيعية على الإطلاق، حتى خرج صوتها باهتزاز:
– هو انا بشتكيلك عشان تواسيني، ولا عشان تيجي عليا انت كمان وتخسرني صحتي، وتبقى كملت عليا بالمرة.
– امشي.
تفوه بها سريعة لدرجة لم تصدقها في البداية، قبل أن يفاجئها بصيحة قوية:
– بقولك امشي، امشي يا أمنية، غوري من وشي .
انتفضت في الاخيرة لتتسارع خطواتها المرتدة نحو الباب حتى فتحته، وخرجت راكضة، بدون حتى أن تأخذ حذرها ككل مرة، فكان المهم هو أن تهرب من أمامه، تاركته يزفر بصوت عالي، وانفاس ساخنة تخرج م حريق شب بداخله، بنيران كالبركان تطلق حممًا قادرة على إحراق الأخضر واليابس
❈-❈-❈
في غرفتها وعلى فراشها المكوم بإهمال أسفل قدميها، فقد كانت جالسة ضامة ركبتيها إلى صدرها بشرود، لا تدري بما ورطت نفسها؟ أو بالأصح ما وجدت نفسها تقع فيه ببرائة أو بلاهة بغفلة منها، ولكنها كانت كالمغيبة وكل شيء حدث سريعًا بشكل لا يصدق، مفاتحة مجيدة لها، ثم تهليل بموافقة لا تتذكر كيف نطقت بها؟ ثم المباركات والتهنئة القلبية من اقرب القلوب إليها، بأنها خطبت، خطبت لحسن، معقول؟
لقد رأت بعينيها حجم السعادة التي بدت عليه، ليلثم بشفتيه جلد كفها، ويعبر لها ممتنًا عن موافقتها به.
فتظل هي لفترة طويلة من الوقت مزبهلة تناظرهم بذهول، حتى استفاقت لنفسها بعض الشيء، لتهم بمغادرة المنزل، عاقدة النية على الهروب، فكانت الكبيرة حينما فاجئها باتصال عمها، صديق أباها الراحل، وعرابها في رحلة الشقاء للحفاظ على ارث والدها، ابو ليلة الذي هلل بالفرح، معربًا عن سعادته بالأمر، ومشددًا في نفس الوقت على ان يتم الأمر بصورة رسمية، بجلسة تتم بمنزل العروس في حضوره، بصفته الوكيل لها في كل صغيرة وكبيرة في الاتفاق.
– يا إلهي.
رفعت رأسها فجأة لتطن الفكرة مرة أخرى:
– هل هي بالفعل أصبحت عروس؟
طرقة خفيفية على باب غرفتها، جاءت كوقت مستقطع ترحم به عقلها المتعب ولو قليلًا:
– ادخلي يا رؤى، واقفة عندك ليه؟
طرقة أخيرة ختمت بها شقيقتها، لتخطو إليها
بوجهها الصبوح، وقد ارتسمت على قسماته الفرحة بقوة، فتكلمت بغنج المراهقات المفتعل في مثل هذه المواقف:
– عاملة ايه يا عروستنا ؟ لسة برضو متوترة؟ بصراحة الله يكون في عونك، دا العريس قمر، قمر يا ناس.
افتر فاه شهد تهم لترد بغشم كالعادة، ثم ما لبثت أن تتراجع، بزفرة محبطة وقد تذكرت وضعها.
– رؤى، عشان خاطري وحياة غلاوتي عندك، بلاش وخفي عليا شوية..
– اخف عليكي في ايه يا قلبي؟ انتي لازم تفرحي يا شهد، انتي تستاهلي الفرحة.
قالتها بعفوية وهي لم تستوعب بعد مقدار ما يدور برأس شقيقتها الكبرى، من تشتت وحيرة لأمر طرأ فجأة دون أن استعداد او تمهيد، فكيف توصل لها فكرتها؟ فجاء سؤالها بفظاظة:
– طب انتي داخلة ليه دلوقتي؟ أنا مش قولت عايزة اختلي بنفسي واريح دماغي.
قوست رؤى شفتيها، تتصنع البؤس، رغم ابتسامة ما زالت تفضحها في قولها:
– الله يسامحك عشان انتي احرجتيني فعلًا على فكرة
بشبح ابتسامة استجابت شهد لمناكفة شقيقتها، وردت تزيد عليها:
– ما انتي اللي بتجيبي الاحراج لنفسك، انا مش ذنبي.
– كد برضوا يا شهد.
هتفت بها متخصرة بفعل طفولي، لتتابع بغيظ:
– ع العموم يا ست هانم انا كنت داخلة اقولك ان عم ابو ليلة قاعد منتظرك برا، وقالي روح……
قاطعتها بلهفة تسألها، وكأنها قد دبت بها روح جديدة:
– انتي بتتكلمي جد؟
– لا بهزر.
قالتها بموعية واستدارت لتذهب وفور أن امسكت بمقبض الباب شاكستها مرة أخرى:
– هقوله نايمة ومش عايزة تشوفك.
ختمت بأن أخرجت لها لسانها، لتنتفض شهد عن الفراش ناهضة تردد لها بتوعد:
– هي مين دي اللي مش عايزة تشوفه يا بنت ال؟ ماشي رؤى.
❈-❈-❈
خرجت إليه وقد كان جالسًا بوسط الصالة، يتسامر مع رؤى بمزاحه المعتاد عن قصر قامتها، والسخرية من وزنها الذي يقارب عود خلة الاسنان كما يقول، وهي تضحك وتقارعه بالحديث المرح، ليضحك لها بصوته الرجولي الرخيم، قبل أن ينتبه إليها، فانتفض واقفًا بوجه مشرق، بضياء الفرح لشيء عظيم يهلل:
– يا أهلا يا اهلا، بست البنات اللي كبرت وبجت عروسة تملى العين وتسر الخاطر.
قوست شفتيها لتستقبله بابتسامة ضعيفة قائلة بعتب:
– على طول كدة، طب استني اقعد الأول حتى عشان نعرف نتخانق.
قهقه بصوت جهوري وهو يجلس على الكرسي المقابل لها، يردد خلفها بدهشة امتزجت بمشاكسة:
– وه، نتخانج كمان؟ ليه يا بوي؟ دا احنا النهاردة يوم فرح يا بت
طالعته بحنق، لتطرد زفيرًا معبئًا من صدرها، في مقدمة لما نوت عليه، لتنفجر به، مخرجة مخاوفها وهواجسها وحيرتها وتشتتها بالشجار معه:
– ايوة نتخانق، عشان انت امبارح، اديت موافقة وقررت مع الناس في التليفون من غير ما تاخد رأيي، دا كان ناقص بس تحدد معاهم ميعاد الفرح.
– اخد رأيك ليه؟ مش انتي اديتي موافقة للجماعة؟
– وهو انا لحقت اقول ولا اعيد؟ دي الست كروتتني وسحبت مني كلام انا مش عارفة قولته ازاي؟
صاحت بها تجفله في بداية الأمر، قبل أن يستوعب جيدا، ثم ما لبث أن ينطلق ضاحكًا هذه المرة بشكل اقوى من السابق، حتى أدمعت عينيه، ليزيد من غيظها، مرددًا:
– يعني الست مجيدة كروتتك، زي ما عملت معايا ولفتني انا الراجل الكبارة، طب والله براوة عليها الست دي.
همت لتصب به جام قهرها، ولكن نرجس كانت قد أتت إليه بصنية القهوة، لتضايفه قائلة بزوق متعمد.
– الشاي يا حج ابو ليلة، هو انتوا بتتخانقوا ولا ايه؟ دا حتى النهاردة مينفعش خناق.
بحياء ليس بغريب عن رجل يعرف بالأصول ويعطيها حقها، رد أبو ليلة مطرقًا برأسهِ، وعينيه في الأرض:
– ربنا ما يجيب عرايك ولا خناج، ويعديها على خير ان شاء الله.
وقفت نرجس تنتظر تفسيرًا أوضح، ولكن النظرة القاتمة من شهد جعلتها تتحرك على الفور ، لتستئذن مغادرة بحرج، رغم الفضول الذي يقتلها، ثم التفت شهد إليه بتحفز، فسبقها بقوله:
– من غير كلام ولا رط كتير، انتي شايفة المهندس راجل زين ويستاهلك ولا عفش ومينفعكيش؟
باستنكار جلي وضح من تبدل ملامحها، لتهتف بانفعال:
– يا ابوليلة انا معنديش نقد ع الراجل، انا اعتراضي ع الموضوع نفسه، مكنش في دماغي خالص حكاية الجواز، فجأة الاقيني مخطوبة والنهاردة قراية فاتحتي، طب ازاي؟…..
– عشان النصيب.
قالها ليقطع استرسال هذيانها، ليتابع بلهجة لينة حنونة:
– خفي على نفسك يا بت اخوي، دي جراية فاتحة مش كتب كتاب، وعلى راجل زين يتحط ع الجرح يطيب، وامه اطيب منه، واخوه جيمه وسيمة، عيلة تفخري بيها وتساهليها……
صمت برهة أمام استجداء النظرات من عينيها، وهذا الخوف الذي اكتسى ملامحها، ليستطرد بمزيد من اللطف:
– عيشي فرحتك النهاردة يا بتي، وريحي مخك شوية من التفكير، يا بت افرحي، دي خالتك زبيدة وصبا، ما
جاعدين على حيلهم من امبارح، كان هاين عليهم بجوكي من الصبح، انا بس اللي منعتهم عشان يجوا العشبة بالمرة.
❈-❈-❈
بعدوٍ أقرب للركض، كانت مودة تقطع الرواق في طريقها للذهاب، يساعدها جسدها النحيف وطولها المتوسط، في السرعة التي كانت تبدوا كالطيران بخفتها، حتى خرجت من الفندق لتعتلي سيارة الأجرة التي كانت مصطفة في انتظارها، وتنضم مع الأخرى، قائلة بلهاث:
– اتأخرت عليكي؟
تبسمت ميرنا لتعتدل بجلستها اولا، ثم تصدر أمرها للسائق حتى يتحرك قبل أن تجيبها:
– لا يا غالية متأخرتيش ولا حاجة، انا بس مستغربة النهتان دا كله، هو انتي كنتي بتجري؟
أومأت مودة بهز رأسها وصدرها يصعد وبهبط بتسارع، حتى تمكنت من التقاط أنفاسها جيدًا لترد:
– مش جري، بس انا كنت سريعة قوي في خروجي، بعد ما اتأخرت في الوردية، وبصراحة كنت عايزة اللحق قبل أتوبيس الموظفين ما يوصل.
– قصدك قبل البرنسيسة ما تشوفك؟
قالتها ميرنا بحدة، تحدجها بغليل أربكها لترد بمماطلة لم تنطلي عليها:
– قصدك صبا يعني؟ ليه هو انتي فاكراني جبانة، ولا هي ست الأبلة اللي مسكالي العصاية، انا بس عشان مش عايزة ازعاج منها ولا صداع.
– يا شيخة، اممم
قالتها بتهكم صريح لم تغفل عنه مودة ولكنها تغاضت، تتدعي التجاهل، لتسألها عن الأهم الاَن:
– مقولتليش بقى، هتاخديني على فين كدة؟
إبتسامة سريعة اعتلت ثغر الأخرى لتميل برأسها تقول بثقة:
– على أكبر مول في البلد كلها، يعني كل المحلات هناك،
عشان نشتري كل اللي احنا عاوزينه، نخرج من محل ندخل التاني، دا غير الفرجة ع العروض اللي هناك، دا انا ههوسك.
بحماس كبير، كطفلة توشك على الخروج في رحلة مع أباها، هللت تصفق بكفيها مرددة:
– هاااي، ايوة بقى يا أحلى ميرنا، ما يحرمني منك،
– ولا منك انتي كمان يا قلبي
قالتها بابتسامة تظهر على السطح المودة والطيبة، وداخلها تخفي ظلامًا من الغموض، لا يعرف اخره إلا هي
❈-❈-❈
في طريق ذهابه للمغادرة بعد انتهاء نوبة العمل، وقعت عينيه عليها، وهي تقطع طريقها من الجهة الأخرى، بوجه تبدل عن ملامحها العادية، فقد كانت عابسة، شاردة في أمر ما، جعلها لا تنتبه إليه إلا بعد مدة ليست قليلة من الوقت، رغم وقوفه في انتظارها اتجاه أنظارها بالضبط.
بادرها بالسؤال فور أن اقتربت منه:
– انتي جاية منين يا صبا؟ وفين صاحبتك اللي بتمشي معاها.
تنهدت بثقل تجيبه بحيرة وقلق تغلغل داخلها دون سبب واضح له:
– صاحبتي مشيت وسابتني، انا روحت اسأل عنها في قسمها، قالولي انها مخلصة شغلها من نص ساعة، اتصلت بيها قالتلي انها في موعد ضروري، طب هو إيه؟ قالت انها هتعملي مفاجأة.
– مفاجأة!
تلفظ بها متعجبًا، ليردف وهو يستكمل طريقه معها:
– طب وانتي ايه اللي مضايقك؟ مش يمكن تكون مفاجأة سعيدة.
– أتمنى.
قالتها لتصمت لحظات قبل أن تستطرد بما يقلقها:
– اللي محيرني انها عرفت تخبي عليا المرة دي، مكدبش عليك، بس مودة دي أخيب واحدة تعرف تخبي او تكتم سر، مكشوفة دايما قدامي.
ظل صامتًا بأعين مشبعة بالإعجاب يطالعها، صبا المميزة والرائعة دايمًا، لا تتوقف عن ابهاره، الأ يكفيها تضخم قلبه بعشق ميؤس منه؟ وقربُ منها يهلكه، بعذابًا لا يجد له حل؟
توقف بها أمام السيارة الصغيرة التي امتلكها بكده وعرقه، ود أن يعزم عليها لترافقه حتى يوصلها للمنزل، أن تشاركه الهواء داخلها، فطريقهم واحد، فخرج صوته بتردد:
– صبا لو حاسة نفسك هتضايقي من الرجوع وحدك في اتوبيس الشغل، انا ممكن اوصلك.
نفت برأسه، تفاجئه الرد:
– لا ما انا مش هركب الأتوبيس المرة دي، اصل طريجي مختلف، ابويا وامي سبجوني على خطوبة شهد، بنت المرحوم صاحب ابويا وانا اتصلت بأوبر وهحصلهم.
اومأ رأسه بتفهم قبل أن يستدرك وتتغير ملامحه بشراسة قائلًا:
– يعني هتركبي تاكسي مع سواق لوحدك؟
– أيوة طبعًا، وفيها ايه دي يعني؟
قالتها بعفوية قبل أن يفاجئها بعصبيتة:
– مفيش ركوب مع حد غريب لوحدك، اركبي انا هوصلك المكان اللي انتي عايزاه.
– ايوة بس انا طريجي غير طريجك.
– هغير طريقي وهوصلك المكان اللي انتي عايزاه، اخلصي يا صبا
قالها حازمة مسيطرة لدرجة جعلتها تتحرك على الفور مذعنة لأمره، بدون تردد لتستقل المقعد المجاور له في الأمام، فجلس هو أيضًا يتخذ مقعده خلف عجلة القيادة، ولم يشعر بالوضع سوى بعد أن وصلته رائحتها المسكية، لينتبه اخيرا لتهوره، وقد طغى حضورها على الأجواء من حوله، انها بجواره وداخل سيارته، حسناءه الفاتنة، التي لطالما ابتعد عن محيطها بإرادته، انها بالقرب الاَن، أيضًا بإرادته، بزفرة متعبه تحمحم يخاطبها بعد أن ابتلع ريقه، وأنظاره موجهه للأمام، يدعي الانشغال بالقيادة:
– اربطي حزام الأمان عليكي كويس يا صبا.
سمعت لتنفذ ما طلب منها بطاعة صامته، ثم التفت رأسها للطريق من نافذة السيارة بشرود اثار فضوله، ليرمقها بنظرة جانبية سريعة، قبل أن يعود لقيادته بتأنيب ضميره اليقظ دائمًا، ليتمتم داخله بالإستغفار، يناجي العون من الله.
❈-❈-❈
كالأعصار ولج المنزل، ليصيح على والده الجالس على مائدة الطعام يتناول وجبة غذائه:
– قاعد في بيتك وبتاكل كمان، طبعا ما انت نايم على ودانك يا حج، ومش داري باللي بيحصل.
توقفت اللقيمة بحلق عابد، ليكف عن المضغ، متسائلًا بحنق:
– نعم يا روح امك، داخل زي زعابيب امشير وبتهلفط بكلام مش مفهوم، أنت شارب ولا شامم يالا؟
– لا انا شارب ولا انا شامم، انا بس صعبان عليا الهيبة والمرجلة لما يداس عليها، وتتعامل زي الغربا.
قالها وتقدم بخطواته ليميل برأسه نحو والده، يردف بغليل وحقد، يريد بث الفتنة بقلب الرجل:
– المحروسة اللي بتشكر فيها وفي تربيتها، قرطستك وراحت اتخطبت في بيوت الناس، من غير ما تعملك اعتبار ولا خاطر، وكأنها ملهاش أهل .
ضاق الرجل وفاض به ليهدر به ساخطًا بنفاذ صبر:
– ما تفسر يا بن الهبلة وبطل اللغازك، انا معنديش مرارة .
وقبل أن يهم ابراهيم بالرد، سبقت والدته، تتدخل بفحيح:
– ابنك يقصد شهد يا حج، اصلها فاجأت الكل امبارح عشية بخبر خطوبتها على المهندس، من غير شورة ولا قوله من حد، ولا اكن ليها اهل، دي مهانش عليها حتى تدي خبر لاختي اللي ربتها زي امها وعاملالها خدامة تخدمها، بلغتها بالخبر كأنها واحدة غريبة ولا تسوى.
انتعش إبراهيم، وقد وجد من تؤازره، ليزيد على الرجل:
– لا وعلى كدة مكفهاش كمان، عاملة النهاردة قراية فاتحة، وجايبة الراجل الصعيدي، اللي اسمه ابو ليلة، عشان يبقى وكيلها، طب كانت افتكرت وقدرتك، ع الأقل تعمل حساب للجيرة ولا النسب حتى، دا انت كل ما تشوفها تنفخ فيها وتكبرها، وهي سوسة وقلبها اسود.
بوجوم ظاهر تطلع الرجل إلى الاثنان صامتًا عدة لحظات، قبل أن يوجه السؤال لزوجته:
– وعلى كدة عاملة ليلة ع الواسع ولا حاجة ع الضيق؟
رفعت كفيها للأعلى مرددة بادعاء عدم الفهم:
– الله أعلم يا حج، دا انا عرفت الحكاية دي بالصدفة واختي بتكلمني في التليفون، أصلها كانت مقهورة يا حبة عيني، وانت عارفاها غلبانة، ما تقدر تعترض ولا تدي رأي حتى معاها، دي بت شديدة وكلمتها من دماغها.
بقبضة كفه المضمومة طرق ابراهيم على سطح المائدة أمام الرجل يطالبه مشددًا:
– إنت لازم يبقالك كلمة في الموضوع دا يا عم الحج، ولا تكبرك في الوحشة عشان مصلحتها، وتيجي عند الفرح، ولا تعبرك.
❈-❈-❈
أمام مراَتها وقد استسلمت اخيرًا لواقعها، لتمسك الفرشاة وتجرب وضع المساحيق على البشرة التي اهملتها فترة طويلة حتى نست أنها أنثى، ليأتي هذا اليوم الذي تجبر على التزين فيه من اجل هذه المناسبة،
بحيلة اقنعت بها نفسها، أن الأمر مجرد خطبة، فترة تمهيدية حتى تستوعب الأمر، وفرصة للتجربة، إذا نجح الأمر كان بها، وان فشل………
زفرت بتحريك رأسها حتى تجليها من هواجس ومخاوف كانت في غنا عنها، لولا هذا الموقف.
– اووووف.
صدرت منها بقوة وهي تترك من يدها كل شيء، لتنهض من مقعدها بيأس، وسارت حتى تختها ، لتسفط جالسة على طرفه بتعب، وضعت كفيها على رأسها المنهك بأفكاره، لا تعلم كم مر من الوقت، حتى سمعت بطرق على باب غرفتها، لتطل لها صبا بوجهها المشرق قائلة بلهجتها الصعيدية:
– سالخير يا عروستنا، عاملة ايه يا به؟
استطاعت بفعلها التي ترسم ابتسامة سعيدة بمجيئها وقولها الطريف، لتتلقاها بحضن الشقيقة لشقيقتها:
– وحشتيني يا بت ابو ليلة، هتخليني اندم عشان اقنعت ابوكي يوافق على شغلك.
رددت صبا تتابع مشاكستها:
– باه باه باه، ليه بس يا بت عمي؟ وايه ذنب الشغل؟…. اه
تفوهت بها، وقد بوغتت بلكزة خفيفة على خلف كتفها، بقبضة شهد، تقرص عليها بعتب الأحباب مرددة
– عشان هو اللي خدك مني، بعد ما كنا اعز أصحاب واخوات.
رمقتها صبا بتفحص وكأنها تستكشف ما بها لتقول بتقرير وتأكيد:
– والله ومازلنا، بس انتي اللي جالبة عليا النهاردة، ومتوتره بزيادة، بس برضك انا عذراكي.
ابتلعت شهد ريقها ليخرج صوتها سائلة بتوجس:
– ابو ليلة حكالك صح؟ أنا عارفاه ما بيتبلش في بقه فوله.
اطلقت صبا ضحكة رنانة لتنهض فجأة، وهي تخلع عنها حقيبة يدها وحجاب الرأس قائلة:
– لو سمعك ابو ليلة كان اداكي فوج دماغك عليها دي، بس معلش هو برضوا مبيردش ع العيال الصغيرين، خصوصا لما يكونو عرايس حلوين ومتوترين.
قالت الأخيرة لترفعها عن مقعدها، غير عابئة بذهولها، حتى عادت بها لتجلسها أمام المرآة، تستطرد:
– وبرضك نسامح احنا كمان على حج الراجل الكبارة، لاجل عيون المقاول شهد.
دنت برأسها لتسال انعكاس وجهها، بعد أن أمسكت الفرشاة:
– تحبي اخلي المكياج خفيف ولا تجيل ويزغلل عين العريس؟
ضحكت شهد تجيبها وقد تسرب شعور جميل بالارتياح لدعمها والتخفيف عنها:
– لا يا عسل خفيف.
– انا بجول كدة برضوا، حكم العريس مش ناقص زغللة
قالتها صبا بشقاوة جعلت شهد تضحك بصوت مرح، لتعود بلكزها مرددة:
– يا بت بطلي بقى، بقيتي مصيبة يا بنت ابو ليلة.
❈-❈-❈
بداخل المجمع التجاري الضخم، وقد كانت تتسوق به، وكأنها وجدت جنتها، تنتقي ما حرمت منه طوال سنوات عمرها، حتى وهي تعمل منذ نعومة اظافرها، في المحال كبائعة، فقد كان ما تتحصل عليه، بالكاد يكفي طعامها، والأشياء الأساسيه بالحياة.
ولكن الاَن، ورغم أن مبلغ المرتب كان كبيرًا بالنسبة لها، الا أنه على الحسبة الأصليه لم يكن ليكفي سوى القليل مما انتقته من اشياء قيمة وغالية، لكن ميرنا كانت المنقذة لها دائمًا، مرة بدعمها بالنقود الناقصة، ومرة بمعرفتها بأصحاب المحلات، فقد كانت كالزبونة المميزة لمعظمهم، لتضيف مزيدًا من الابهار في عقل الأخرى، تمكنت مودة من ابتياع حذائين، وبعض أدوات المكياج وبعض قطع الملابس، فلم يتبقى سوى فستان احلامها والذي اشارت عليه من خلف الزجاج لتسحبها الأخرى على الفور تقتحم المحل بجلبة أجفلتها:
– ادخلي يا بت ونقي على كيفك، مدام ناهد عندها أحلى الماركات.
بدهشة وعدم تصديق تطلعت مودة نحو المرأة الجالسة خلف المكتب الزجاجي، والتي تبدوا من هيئتها الراقية، انها من أصحاب الذوات التي تسمع عنهم او تراهم على شاشة التلفاز، من مرتادي الاجنحة الفاخرة بالفندق، تقف بابتسامة بعرض وجهها لتستقبلهن بحفاوة بالغة لم تتخيلها:
– يا أهلا يا ميرنا، اتفضلي انتي والقمر اللي معاكي، المحل محلكم .
اقتربت الأخيرة بزهو لتتحدث مع المرأة باسترسال، وكأنها على معرفة قديمة بالمرأة:
– تعيشي يا ست الكل يا قمراية، افتكرتي على طول كدة وعرفتني، دا انا خوفت لتكوني نسيتني
– طبعًا، وحد برضوا يقدر ينساكي؟ اتفضلي حبيبتي.
قالتها المرأة ثم انتقلت بكلامها المعسول إلى مودة:
– وانتي جميلة، اي فستان بقى عاجبك؟
بلهفة قوية التفت مودة تشير بذراعها نحو ما تقصد:
– هو ده.
تدخلت ميرنا بينهن بقولها:
– ايوة بس يا مدام، بس عشان نتفق كدة من أولها، احنا طماعنين في كرمك، تعاملينا غير بقية الناس.
تبسم ثغر المرأة في خطابها للإثنتان:
– هي تلبس الفستان وتشوفه حلو ولا وحش عليها، وأكيد ان شاءالله نتفق، ودا عشان خاطرك يا ميرنا
❈-❈-❈
بعد قليل خرجت لهم تلتف بالفستان يمينًا ويسارًا بفرحة، وقد راقها من جميع النواحي لتسألهن:
– ها إيه رأيكم بقى؟ حلو .
– حلو اوي ولايق على جسمك المنمنم، مبينك قطقوطة كدة.
ضحكت مودة وقد أسعدها قول المرأة، وجاء رأي ميرنا متوافقًا أيضًا معها:
– المدام عندها حق يا مودة ومكدبتش، الفستان فعلا جميل وهينطق عليكي.
بسعادة غامرة جعلتها تهتز بحركتها المعتادة في هذه الأوقات، مشبكة كفيها خلف ظهرها كطفلة مبتهجة، قبل أن تستدرك لتسألهن:
– اا طب احنا كدة عايزين نتفق ع السعر، ولا انتي ايه رأيك يا ميرنا.
قالتها وهي تغمز لها بطرف عينيها، لتفهم مقصدها، فردت الأخرى ضاحكة:
– من غير ما تغمزي انا فاهمة، وألمدام كمان فاهمة، انا اتفقت معاها على سعر كويس، يناسب المتبقي من الفلوس معاكي، هيصي ياللا يا ستي.
– ايوة بقى.
تفوهت بها مودة لتهلل بفرح، ثم توجه كلمات الشكر والامتنان للمرأة التي وافقت بالعرض، وميرنا التي ساعدتها اليوم بجهدها ووقتها لتبتاع ما تشاء، لتغير من هيئتها، في خطوة جدية لتبديل واقعها البائس.
حينما خرجت من بروفة الفستان، تحمله بيدها، لتعطيه المرأة حتى تنهي الحساب، كانت ميرنا هي الأخرى، انتقت واحدًا اعجبها، رفعته أمامها تسالها:
– ها يا مودة، ايه رأيك في الفستان، يليق عليا ولا اغيره؟
بحيرة نظرت له ولعدد اخر، من المعروضبن خلفها، قبل ان تجيبها:
– مش عارفة بصراحة، بس انا شايفاه من النوع اللي انتي بتحبي تلبسيه، الفساتين الطويلة والضيقة، دا الاستيل اللي بيليق عليكي، عشان جسمك الرشيق زي المليكان
وافقتها المرأة القول، تضيف عليها بإعجاب:
– فعلا يا مودة، دا كان رأيي انا كمان قبل ما تخرجي، شطورة وعندك زوق.
عقبت ميرنا بمداهنة طريفة منها:
– يا ولد، ما انتي بتفهمي اهو في الموضة، امال عاملة نفسك ليه غشيمة، ومخلياني من الصبح انقيلك؟ دا انتي بلوة مسيحة.
بمسحة من التفاخر مستها، ردت مودة بخجل من الاثنتان:
– يعني يا ستي على قدي، انا اصلا بفهم لغيري بس، لكن ليا لأ، ما انا عندي عين بتشوف برضوا.
– تسلم عيونك.
قالتها ميرنا وهي تتناول الفستان متجهة نحو البروفة قائلة:
– طب انا هدخل اجربه عليا واشوفه لايق ولا لأ، استنوني اخرج، وتقولو رأيكم .
اختفت بداخل غرفة البروفة وانتظرت مودة مع المرأة، التي كانت تجهز لها الفاتورة، قبل أن تجفل على نداء ميرنا من الداخل:
– مدام ناهد، ممكن دقيقة عشان خاطري حاسة الفستان انحشر فيا، وخايفة ليتقطع وانا بقلعه، اصله طلع ضيق قوي.
– حاضر ثواني.
هتفت بها لترد عليها قبل ان توجه خطابها لمودة:
– ممكن يا حبيبتي تخلي بالك هنا على ما ادخل اشوفها جوا، او ترجع البنت اللي بتشتغل معايا بطلب القهوة اللي بعتها عليه من الكافيه.
أومأت مودة بطاعة تنتظرها وجلست على المقعد المجاور للمكتب المرأة، تهزهز قدميها وتتجول بعينها في الإنحاء حولها، تشاهد المعروض من الملابس الحديثة، وتصميم المحل الفاخر، ثم هذا المكتب الغريب بتصميمه، ومقعد الهانم الذي كانت تجلس عليه، ثم……
وقعت عينيها فجأة على الأرض لتفاجأ بهذا الشيء الذي يلتمع بقوة، دنت تتناوله لتعرف ما هو، لتصعق بهذا الجمال المبهر، خاتم ذو فص كبير، لا تعلم ان كان من الألماس او الألماظ الحر، أو حتى أن يكون تقليد، كالذي ابتاعته في يوم ما، ولكنه كان رائعًا، بشكل جعلها تطالعه وتقلب فيه بذهول لمدة من الوقت لا تعلمها، قبل أن تجفل على صوت المرأة وقد بدا أنها على وشك الخروج من الغرفة، لترتبك سريعًا باضطراب، لا تدري بماذا تتصرف وكيف تخبرها؟ لتجد الحل قبل ان تظهر المرأة، وقد تصرفت يدها بما تعودت عليه، بأن وضعته في جيب سترتها
❈-❈-❈
في المساء
وقد اجتمعت الأسرتين، بحضور مسعود ابو ليلة وزوجته وابنته، بصفته ولي العروس ليستقبل العريس ووالدته وشقيقه، ونساء العائلة من شقيقاتها، وأنيسة التي وصلت متأخرًا مع ابنتها، بعد انتهاء دوام عملها في الشركة مع طارق، لتنضم مع صبا في تزين العروس، لتصبح اَيه من جمال حقيقي خلقت به، ولكن بالاهمال كان مدفونًا، ليظهر اليوم بصورة اجفلت جميع الحضور، حتى ممن يسكن معها في البيت، فما بالك بقلب محب، يكاد قلبه ان يتوقف من فرط فرحه بها، يطالعها بعدم تصديق وقد أصبحت اليوم خطيبته، لتكون قريبًا
عروسه .
شهد العسل، وهو فارسها، المهندس حسن.
….

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى