روايات

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية وبها متيمم أنا الجزء الثالث عشر

رواية وبها متيمم أنا البارت الثالث عشر

وبها متيمم أنا
وبها متيمم أنا

رواية وبها متيمم أنا الحلقة الثالثة عشر

بشعور من الفرح يغمرها، حتى انها كانت لا تقوى على كبت ابتسامة ارتسمت على ملامح وجهها، لدرجة انتبهت إليها والدتها وهي تتابعها من وقت ان عادت من الخارج لتلج لداخل المنزل حتى جلست بالقرب منها بوسط الصالة، تلقي التحية بنعومة غريبة عنها وهي تتكئ على الوسادة الصغيرة خلفها بأريحية:
– مساء الخير يا ماما عاملالنا ايه بقى أكل النهاردة؟
– مساء الخير يا قلب امك، خرجتي من غير ما تدي خبر، كنتي فين بقى؟
قالتها نرجس تفيقها من حالمية تكتنف مشاعرها من وقت ان تركته، واثر لمساته عليها ورائحة عطره التي اختلطت برائحة التبغ مازالت تعبث برأسها فتجعلها وكأنها في عالم آخر، فصدر صوتها بهدوء وعدم تركيز:
– يعني هكون فين يعني؟ عند واحدة صاحبتي طبعًا، لقيت نفسي مخنوقة، وقولت افك واغير مودي شوية بدل الحبسة.
عقبت نرجس بلهجة ساخرة ممتزجة بغضبها؛
– وفكيتي بقى يا حبيبتي عن خُلقك، ولا زادت عليكي الغلب زي اهلك ما بيعملوا معاكي؟
انقلب وجهها فجأة واحتدت عينيها لتهتف بغضب نحو والدتها:
– ايه يا ست الحبايب؟ هو انتي هتتريقي عليا ولا ايه؟ ولا يكون صعبان عليكي انك تشوفيني في مرة فرحانة!ا
نتفضت نرجس خشية من فورة غضب ابنتها وعصبيتها المخيفة بالأساس دائمًا معها، وخرج ردها بتردد:
– يا ختي انا لا بتريق ولا عايزة انكد عليكي، انا بس بسألك، تاني مرة متخرجيش من غير ما تقولي، انا مش ناقصة خوف وقلق، دا غير ان اختك لو عرفت هتعملها حكا…….
قاطعتها أمنية تجفلها بصرختها:
– طب خليها تكلمني بس، عشان اكون مطلعة عليها القديم والجديد، هي فاكرة نفسها راجل البيت بحق ولا ايه؟ قال سكتنالوا دخل بحماره….
انعقد لسان نرجس وتخشبت محلها بفزع لا تقدر ولا تقوى على الاعتراض، فهذه عادتها مع ابنتها تخشى من غضبها او انها اجبن أن من توجهها.
❈-❈❈
– وانت مالك؟ كانت عمارتك هي ولا دا بيت اهلك؟
سؤالها الحاد بهيئتُها النارية المنفعلة أمامه، كان وحده كفيل أن يضحكه، ولكنه تمالك بصعوبة ليقارعها؛
– انتي يا بنتي مجنونة؟ مالك انتي ان كنت انا صاحب العمارة او حتى من اهل البيت، حضرتك جايا تعملي عندنا بحث اجتماعي بقى؟
زادت شراستها لتهدر به أمام حارس البناية الذي كان يقف متسمرًا بدهشة بالقرب منهم:
– انت كمان ليك نفس تهزر ولا تقلش يا جدع انت؟ بقولك ايه ابعد عن وشي الساعة دي، انا خلقي في وروحي مناخيري داوقت.
حاولت ان تتخطاه ولكنه تصدر بجســ ده أمامها، بسماجة لوقفها قائلًا:
– مش لما تجاوبي على سؤالي الاول، انتي كنتي عند مين في العمارة هنا؟
صاحت به بتهديد:
– واضح انك انسان مستفز، وانا اقسم بالله لو ما اتحركت دلوقتي لكون مبلغة عنك الشرطة والبسك مصيبة، شاهد يا عم انت؟
هتفت بالاَخيرة نحو حارس البناية الذي هم ان يتكلم ولكن امين اوقفه بنظرة محذرة، ليتلجم الرجل بعدم فهم، فقال الاَخر:
– انا هبعد يا اَنسة من غير تهديد ووعيد، بس سؤال معلش، هو انتي لما تبلغي البوليس عني، ايه بقى التهمة اللي هتلبسهالي؟
– انك متحرش، وساعتها بقى اقل ظابط في القسم هيروقك، يكفي ولا تحب ازود اكتر؟
كبت بصعوبة ابتسامة مستترة وتحرك قليلًا لينزاح من أمامها، قائلًا باستسلام:
– لا وعلى ايه؟ هو انا ناقص تهم باطلة ولا ظباط يحفلوا عليا، اتفضلي يا انسة.
رمقته بنظرة متعالية تتمتم قبل ان تذهب وتغادر:
– ايوة كدة، ناس تخاف متختشيش.
تابعها حتى خرجت من البناية نهائيا، ثم التف نحو الحارس سائلًا:
– متعرفش بقى، دي كانت عند مين في العمارة؟
نفى الرجل بتحريك رأسه مرددًا:
-‘لا والله يا باشا ما اعرف، شكلها دخلت وقت ما كنت انا بصلي.
❈-❈-❈
بمزاج رائق، يتبختر بخطواته واضعًا كفيه في جيبي بنطاله القطني، وفمه في الأعلى يصدر صوت صفير بلحن، والده الذي كان جالسًا على كرسيه العتيق خارج وكالته( وكالة الحاج عابد الورداني للعطارة ) يدخن من ذراع الشيشة الممسك بها، واليــ د الأخرى تمسك بالهاتف الذي كان يتحدث به:
– يا ولية بقولك قدامي اهو، راجع وكأن على رجله نقش الحنة، عيل تنح ومعندوش دم……….. بس يا ولية مسمعش حسك تاني، اقفلي ياللا، خلينا نبص لأكل عيشنا، هو انا مواريش غير المحروس ابنك ولا ايه؟
كان ابراهيم وقد وصل قي الاخيرة وعابد الورداني ينهي المكالمة، فتكلم بتخمين:
– امي دي اللي بتتكلم معاها صح؟
كركر عابد في وعاء المياه الزجاجي ثم زفر الدخان من طرف فمه، وهو يضع الهاتف على الطاولة قبل أن يرد بقرف:
– ايوة يا خويا امك اللي قارفاني ليل ونهار بالسؤال عنك يا حيلتها، وكأنها بتدور على تايه، مش شحط طويل عريض زيك.
من تحت أسنانه التي كان يكز عليها بغيظ، تمتم هامسًا:
– وطي صوتك شوية يا حج عابد، الزباين على باب الوكالة داخلة طالعة، مش كل مرة تسمعهم كلامك ده
– نعم يا خويا، وانا بقول ايه بقى؟ هو انا شتمتك؟ انا بس برد على سؤالك، واعلق على سؤال امك عنك، كنت فين ياد؟ تغيب وتختفي ومحدش يعرفلك طريق، دا بدل ما تمسك ولا تشيل الدكان اللي مشغل فيها الغريب، عشان معنديش اللي يسد عني، وكأني مخلفتش.
زفر ابراهيم باحتقان صــ دره ليجلس على الكرسي المقابل، معاودًا الرد بتحذير:
– يابا متحرقش دمي الله يخليك، انا مش عايز ارد ولا اتعصب عليك قدام الناس، ولا هي حكاية وكل يوم هنكررها؟ كل يوم اقولك، مليش انا في شغل العطارة والكلام اللي ميجبش همه ده، لزومو ايه بقى التقطيم ده؟
– عندك حق، مالوش لزوم اللت ولا العجن في موضوع منهي اساسًا، الضرب في الميت حرام اساسًا، المهم بقى يا غالي قفل عن كلام الهبل اللي يحرق الدم، انا مش ناقص ضغطي يعلى ع الصبح، بتتنكر لكار ابوك وتقول ميجبش همه، على اساس ان الصياعة هي اللي هتجيب الفايدة معاك..
-يووه
هتف بها ابراهيم مقاطعًا، لينهض بعنف جعل الكرسي يرتد للخلف ، وهو يتابع:
– انا ماشي وسايبهالك خالص، عشان تستريح.
مصمص عابد خلف ظهره يغمغم بكلمات مسموعة ومعلومة لأذن الاَخر من كثرة سماعها:
– هو دا الي فالح فيه، تاكل وتشرب وتقعد ع القهوة بخيبتك التقيلة وخيبتني انا قبلك في الخلفة اللي تعر، قال اسمه واد وشايل اسمي قال! يا ريتها كانت خلفت دكر بط احسن منك، اه لو كانت شهد هي اللي بنتي، اهو دا الخلف صح، بت لكن بمية راجل من عينتك.
سمع منه لتشتد خطوته، ويسرع بالابتعاد عنه متمتمًا بسخطه:
– المحروسة وسيرة المحروسة، مش هخلص انا من الذل ده بسببها، يكش تولع هي وكل اللي له صلة بيها، عشان اخلص منها وسيرتها بقى .
❈-❈-❈
-كل دا مع البنت دي يا ميرنا؟ بتعملي إيه معاها دا كله؟
هتف نحوها فور ان ولجت اليه بداخل الجناح الخاص به، بنبرة حادة أجفلتها في البداية، قبل ان تستدرك سريعًا لتجيبه بمهادنة:
– يعني هكون بعمل إيه بس يا باشا، مش بتعرف عليها زي ما انت قولتلك.
استشاط غيظًا ليصيح بها، وهو يضرب بكفه على ذراع الكرسي الجالس عليه:
– انا قولت صبا، صبا، مش الزفتة دي، ما لي انا بيها دي.
ردت تدافع بتبرير:
– ايوة يا باشا، عارفة والله عارفة، بس ايه اللي هيجيب رجل دي غير دي.
– يعني إيه؟
سألها باستفهام، وجاء ردها بلكنة تزيد من هدوئها لامتصاص غضبه:
– يعني حضرتك، انا بصاحب مودة واتعرف عليها لجل ما اتعرف على صبا واتعرف على شخصيتها من خلالها، عشان اعرف سكتها واختار الطريق اللي هدخلها منه، حكم دي بت شايفة نفسها ومش ساهلة في التعامل زي مودة، انت مشوفتهاش ما اتعرفتنا على بعض، سلمت عليا بطرف صوابعها، ومدتنيش فرصة حتى اكلمها.
ردد خلفها بتتفكير:
– يعني مش ساهلة لأي حد!
لمعة عينيه في نطقها جعلت شعور غير مريح يتسرب إليها، رغم استرسالها والمتابعة:
– دا اللي انا شوفته وفهمته من حكاوي صاحبتها عنها، لكن بقى الله اعلم، مش يمكن تكون هي بنت واعية وبتعرف تخبي امورها، انا اعرف بنات كتير اوي من العينة دي.
عاد لانفعاله مرة أخرى يهدر:
– هي فزورة! ما تخلصيني يا بقى ميرنا في الموضوع ده، ولا انقلها انا عندك واريح دماغي .
رددت من خلفها ضاحكة وكأنه قال مزحة:
– تريح فين يا باشا؟ دي اهلها صعايدة، وقبلوا يوظفوها هنا بالعافية، بوساطة من جارهم اللي اسمه شادي اللي حسب ما سمعت انهم واثقين فيه
صمت وصوت انفاسه الحارقة تهدر بصخب، لينهض عن كرسيه يعطيها ظهره، لقد شعر من البداية انها مختلفة، حتى جمالها مميز عن غيرها، وكأنه يخصها وحدها، وهذا ما جذبه نحوها، ولكنه في المقابل، يكتشف كل لحظة مدى صعوبة القرب منها، رغم انها أمام عينيه وتعمل تحت امرته، ولكن وضعه يقيده عن الاقتراب منها، يعلم مدى صعوبة ما يدور برأسه وما يريده، حتى التعارف البسيط لا يجد له فرصة أيضًا معها.
– ما تشغلش نفسك يا باشا، اكيد هنلاقي معاها.
التف إليها سائلًا:
– عندك الطريقة.
– لأ بس كل حاجة بتيجي مع الوقت، وانت عايز كل حاجة في يوم ولا يومين، الصبر شوية يا باشا…
قالتها لتكمل بمغزى:
– وعلى ما يحصل اللي انت عايزه، احنا برضو تحت امرك يا باشا ودايمًا جاهزين.
صمتت تناظره بإغواء وكفها ارتفعت لتلامس ساعده العريض من فوق قماش قميصه، نزعه سريعًا يقول بضيق:
– اطلعي يا ميرنا وسيبني دلوقتي.
همت ان تجادل ولكنه اوقفها:
– بقولك اخرجي يا للا انا عايز اغير هدومي ورايا شغل مهم .
ابتلعت صدمتها في اول رفض منه لها، لتذعن لأمره وتخرج على الفور، وبداخلها شعور متعاظم، انه لن يكون الاَخير، مدام عقله قد تعلق بهذه الفتاة.
❈-❈-
“كنتي حلوة اوي النهاردة بلبس الرياضة”
” تجنني”
” اكيد قريتي تعليقي على المنشور النهاردة واستفزك زي ما استفز العديد من معجبينك، واللي دخلوا شتموني كالعادة، بس انا برضوا هفضل انتقدك لحد ما تردي زي المرة اللي فاتت”
“ردي “
” عارفك متغاظة ومخنوقه مني، بس انا برضوا مش هسكت، ما هو انا ميتحرقش دمي لوحدي، انا بغلي من جوا كل ما افتكر عدد الناس اللي بتتفرج على المكشوف من جســ مك أو جو هدوم لازقة فيه او محدداه”
” انا بغير، بغيييير”
” جوزك الغبي مييفهمش معني الكلمة دي؟
إلى هنا واكتفت من القراءة لنص العدد من الرسائل التي يبعثها هذا المعتوه، ينقدها على العام وفي الرسائل يتحفها بكم الرسائل الملتهبة، منذ أن أخطأت وردت في اول مرة وهو لم يكف بعدها، حتى بعد الحظر، دخل اليها من حساب اَخر، انه جيد جدًا في التكنولوجيا، وهي ضعيفة عن حتى عن الرد بقسوة او تكرار الحظر، لا ترد ولكن تشاهد رسائله بفضول قاتل، يتغزل بها، يظهر غيرته الشديدة عليها حتى من الملابس التي ترتديها، يشبعها كلمات من الغزل لا تجدها من زوجها، سوى في الأوقات الحميمية، لا تجدها منه بدون عرض، لا تجدها من اجل العشق او الحب الخالص.
كم هي تعيسة فهذه الكلمة بمعناها الحرفي تبتعد عن محيطها منذ سنوات، من وقت ان ضحت بأسرتها وشقيقتها من أجله.
– سرحانة في ايه؟
انتفضت مجفلة على فراشها الذي كانت مستلقية عليه بنصف نومة وقد قطع صوته الحاد شرودها، اجلت حلقها لترد التحية وهي تعتدل بجذعها قليلًا، مبعده الهاتف للناحية الأخرى من التخت:
-مساء النور يا حبيبي.
بوجه جامد متجهم كان يخلع سترته، ثم جلس ليقول وهو يخلع الحذاء ايضًا:
– جهزي نفسك بعد يومين، عدي عزام عامل حفلة كبيرة للفندق، بمناسبة مرور خمسين سنة على انشاؤه، الحفل هيحضره نجوم المجتمع والفن.
– بس انا محدش بعتلي دعوة
– هتيجيلك،
قالها باقتضاب وهو ينهض ليفتح في ازرار القميص الأبيض، بملامح متعبة وكأنه يقاوم النوم، وعقبت هي:
– طيب انت جاي تنام ولا اخلي الشغالة تحضرلك الأكل؟
اشار بكفه متمتمًا:
– انا داخل اخدلي شاور وهطلع اغير البدلة عشان عندي مشوار مع عميل مهم.
اوقفته قبل ان يصل لحمام الى غرفته:
– كارم، هو انت شوفت الفيديو اللي نزلته النهاردة؟ ايه رأيك في اللي كنت لابساه؟
التف إليها بملامح نزقة يجيب:
– ماله اللي كنتي لبساه؟ جميل يا رباب جميل.
انهى كلماته استدار نحو وجهته على الفور، لتظل هي على تختها بتفكير في عبارة قرأتها منذ قليل، وما زالت تتكرر في عقلها:
” انا بغير، بغيييير”
” جوزك الغبي مييفهمش معني الكلمة دي؟
❈-❈-❈
على سطح مكتبه وصنية صغيرة وضعها فوقه، كان يتناول من اطباقها الطعام وعينيه في الناحية الأخرى لا تمل من مراقبتها مستغلًا تركيزها في العمل، والذي انساها طعامها هي الأخرى:
– افطري يا صبا الشغل مش همشي.
ردت بإصرار خاطفة نظرة سريعة نحوه:
– انا من الأول جولت مش جعانة، كمل انت فطورك.
– وانا جيبت أكل يبقى من الزوق انك تقبلي ومتكسفنيش.
استطاع بجملته البسيطة التأثير بها، لتتوقف عما تفعله، والتفت إليه، تقول بحرج:
– مش موضوع كسوف والله، بس انا محبش اكل برا البيت
بابتسامة خفيفة زاد على قوله:
– بس انا سيبت كل حاجة وجيبت اكل ليكي وليا، يعني ع الأقل قدريني ودوقي منه واستطعمي، ولا انتي مبتحبيش أكل الشيف منصور؟
التمعت عينيها لتشير بسبابتها نحو اطباق الطعام أمامها:
– دا بجد؟ يعني الأكل ده بتاع الشيف منصور فعلا؟
اومأ لها بأجفانه مشجعًا:
-ايوه هو فعلا، دوقي بقى وقولي رأيك، عشان لو عندك انتقاد، اروح ابلغه وافرح فيه.
بابتسامة رائعة تشجعت لتتناول بالملعقة الصغيرة احد الاصناف المشهورة عن الرجل، وبداخل فمها استطعمت بها لتقول بمرح:
-جمييل، تسلم ايده بجد!
ختمت لتتبعها بعدة معالق بعدها تتلذذ بالطعم الرائع، وتدخل بقلبه هو البهجة برؤيتها لتقبلها لشيء منه، كما انها اصبحت تهديه بعض مفرادتها الجنوبية بدون ان تقصد.
بعد لحظات رفع رأسهِ إليها يسألها:
– صبا هو انتي اتعرفتي على مودة دي ازاي؟ وهي جيرانا في الشارع التاني؟
أجابت بهزة من كتفيها:
– متعرفتش، دي هي اللي عرفتني بيها، بعد ما جينا وسكنا في المنطقة، كانت شغاله في محل هدايا وأدوات مكياج، وانا كنت بشتري منها، مرة في مرة الكلام اخد بعضه وزادت معرفتي بيها، خصوصًا لما بجت تزورني في بيتنا.
– طب وانتي مالك بالمكياج؟ هو انتي محتاجة؟
غمغم بصوت خفيض، قبل ان ينتبه لسؤالها:
– لكن انت بتسأل ليه؟
تحمحم بصمت لحظات بتفكير وهو يتلاعب في طعامه، قبل يحسم قائلًا:
– مش عايزة ابقى بحشر نفسي، بس انا بصراحة مستغرب صدقاتكم، فرق الشرق والغرب ما بينكم، وانا هنا مقصدتش الشكل ولا التعليم، انا اقصد الشخصية نفسها…
– ما لها الشخصية؟
سألته بتوجس ليجيبها على الفور وبدون تردد:
– خفيفة يا صبا، مش تقيلة بتعرف توزن الأمور زيك، اي حد يكلمها تهزر معاه وتاخد عليه بسرعة، فهماني يا صبا؟
– فهماك والله.
قالتها بنبرة اسعدته بداخله، وأضافت:
– يمكن عشان تربيتها وحيدة، وشغلها اللي نزلته من وهي صغيرة، هي طيبة بس عايزة اللي بوجها، وانا بحاول والله دايمًا، اصل بحس اني مسؤلة عنها….
قاطعها بحدة:
-مفيش حد مسؤل عن حد يا صبا، انتي صاحبتها وواجبك أنك تنصحيها وبس، خدت بالنصيحة يبقى تمام، مخدتش يبقى مع نفسها بقى، وتشوفي انتي نفسك بعيد عنها، ماشي يا صبا.
نصيحة لها بهذه الطريقة لم يكن في مخططه، لكن ما فاجئه وأسعده هو انها تقبلت لتوميء له برأسها، ولم تعترض على تدخله
❈-❈-❈
على الطاولة المميزة في المطعم الفاخر وبعد انتهى من المفاوضات مع العميل الأجنبي وشريكته، كانا يتناولان معهما عشاء عمل ومائدة ارتصت عليها العديد من الأصناف، ببذخ واسراف، في جانب وحدهم استغل كارم انشغال الرجل مع شريكته لينفرد بالاَخر وحديث بالهمس:
– مالك؟ وشك مقلوب من اول القعدة؟
زفرة ساخطة كتمها الاَخر بصعوبة ليجيب الاَخر، وفمه بلوك الطعام بغير شهية:
– مخنوق وقرفان، وحضرت المقابلة دي غصبن عني عشان تعرف.
خطف كارم نظرة نحو الشريكين فالتقت انظاره بالمرأة التي شيعته بابتسامة وهي ترتشف من كأسها، بادلها بواحدة مثلها، قبل ان يعود للآخر ليرد:
– حتى لو كنت مخنوق برضوا متبينش، دا انت مولود في السوق يا عم عدي، هو انا اللي هقولك ولا افهمك.
التوى ثغر الاَخير، فمزاجه العكر لا يحتمل نصائح او حتى حديث عادي، فتابع كارم:
– بلاش الوش الجامد ده، انا مش عايز اخنقك ولا ازيد عليك، انا عايزك تنبسط يا عم، خلي بالك انا جاي وانا تقريبًا جســ مي هلكان تعب من الشغل، لكن مع ذلك اهو مع فرحتي بإنجاز صفقة مهمة كدة، بقى عندي طاقة اكمل للصبح، خصوصا وانا شايف الترحيب في عيون العملا.
قال الاَخيرة بمغزى نحو المرأة التي لا تكف على مغازلته بنظراتها.، انتبه عدي ليخاطبه بتحذير هامس:
– إيه يا كارم، إنت مش بتقول تعبان برضوا ولا انا سمعت غلط؟
– يا سيدي مسمعتش غلط بس كمل الجملة، انا قولت تعبان وبرضوا عندي طاقة اكمل للصبح.
تبسم عدي ساخرًا يعقب:
– مفيش فايدة فيك، قلبك الجامد ده، على قد ما بيعجبني في أوقات كتير، لكن برضوا بيخوفني.
– لا يا باشا متخفش، احنا بنوطد العلاقات بين الدولتين، وبنعمق جذور التفاهم.
استجاب عدي هذه المرة لمزحته حتى صدر صوت ضحكته، ليتنبه عليه الشريك الاَخر، ليوميء له بابتسامة رافعًا كأسه له بتحية، رد الرجل برفع كأسهِ هو الاَخر.
فعقب كارم:
– اديك ضحكت اهو، كمل بقى السهرة معانا وانت تفك وتنسى.
عاد إليه عدي يقول بشرود فيما يشغل عقله:
– انسى إيه؟ هو انا لسة ابتديت عشان انسى؟ دماغي مشغولة في شيء…. مشكلتي اني مش لاقي الطريقة عشان اوصله رغم كل الهيلمان اللي انا فيه.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
خرج حسن بجســ د منهك يجر أقدامه جرا حتى جلس يشارك شقيقه على مائدة الإفطار:
– صباح الخير يا سعادة الظابط
رد امين التحية بابتسامة رائقة:
– صباح الهنا يا بشمهندس، ايه يا عم؟ نايم للساعة تسعة
ولسة برضو مافوقتش؟
برأس ثقيل قال حسن:
– اعمل ايه بس يا عم؟ امبارح كان يوم مشحون بالحسابات والتعامل مع المقاولين في المشروع الجديد، يالا بقى مش عايز ازعجك.
بلهجة غامضة اردف الاَخر:
– اه وانا اقول يا عم، ايه سبب التأخير والهدوء الغريب ده، عشان كدة
ضافت عيني حسن واهتزت رأسهِ باستفسار، التقطه الاَخر ليهمس بخبث مستغلًا غياب مجيدة في هذه اللحظة تسقي النباتات في الشرفة:
– انا قصدي عشان الخناقة.
– خناقة ايه؟
سأله حسن ليقترب الاَخر منه برأسهِ يقول:
– انا بصراحة كنت متوقعك تعمل خناقة مع ماما، بعد ما تعرف انها اتصلت بشهد امبارح، وجابتها هنا في البيت .
– شهد كانت هنا في البيت امبارح؟
قالها بعدم تصديق وصوت عالي جعل شقيقه يتابع همسه بتحذير:
– يا جدع اسمع بقى ومدخلنيش في حوار مع مجيدة..
جز حسن على أسنانه يردد بهمس واعصابه تغلي كما البركان:
– ماشي يا امين، قول، قول يا حبيبي وفهمني.
على الفور استجاب الأخيرة بابتسامة متسلية يقول:
– اصل انا يا سيدي عرفت الموضوع ده امبارح بالصدفة، كنت راجع بدري عن ميعاد شغلي، قوم بقى اتفاجأ ان بيتنا الطاهر ده، فيه أنثي غير الست والدتك. اينعم هي لابسة زي الرجالة، بس انثي.
قال الأخيرة بغمزة بطرف عينه، ليتلقى جزاءه على الفور بقبضة قوية على ساعده من حسن يأمره بصوت خشن:
– لم نفسك وبلاش تفاصيل مستفزة .
– حاضر حاضر.
رددها بطاعة ليردف:
– المهم يا سيدي انا طبعا سلمت بكل ادب واحترام والست والدتك عرفتها عليا وعرفتني عليها، ساعتها بس عرفت ان هي دي المقاول شهد، وعرفت وقدرت بصراحة نظرة والدتك…
دفعه حسن بغيظ جعله يقهقه خلفه بضحك، وقد نهض الاَخر عن مقعده يهتف مناديًا بصوت عالي:
– يا ماما يا ست الناظرة؟ ممكن تيجي هنا لو سمحتي مش عايز صوتنا يوصل للجيران، يا ماما……
– ايه يا زفت انت مالك في ايه؟
هتفت بها مجيدة بدورها وهي تخرج اليه من الشرفة، لتكمل بخطواتها حتى وصلت اليهم، ليستقبلها بسؤاله:
– هي شهد كانت امبارح هنا صح يا ماما؟
القت مجيدة نظرة خاطفة نحو امين الذي ادعي انشغاله في الطعام لتتمتم بتوعد:
– ماشي يا ابن الفتانة.
قالتها ثم التفت لحسن تجيبه بعدم اكتراث كعادتها وهي تجلس على مقعد المائدة:
– اه يا حبيبي كانت هنا امبارح، انت ايه دخلك بقى؟.
ردد إليها باحتقان:
– انا ايه دخلي يا ماما؟ يعني لما اترفد من شغلي بسبب عمايلك، هيبقى دا برضوا كلامك ساعتها؟
شهقت امامه لتقول باستنكار:
– اسم الله يا غالي، وايه جاب سيرة الشغل بقى؟ انا كنت قاعدة مع صاحبتي، بتدخل نفسك ليه انت، وشغلك معانا.
– يا ماما بلاش اسلوبك ده، بلاش تعصبيني.
صاح بها بغضب حقيقي وتدخل امين:
– يا جماعة انا مش عايزكم تتخناقوا وكل حاجة تيجي بالتفاهم……
– إخرس يا واد.
هتفت بها مجيدة تقاطعه بحدة، ليذعن لها الاخير مرددًا بأدب:
– حاضر يا ست الكل .
صاح بها حسن:
– يا ماما ارجوكى بقى، بلاش تتصرفي من دماغك، عايزة تعزميها انا مش معترض، بس اللي بطلبه اني منك، ان كل حاجة تبقى بعلمي، متختمش على قفايا كدة كل مرة.
– اسم الله عليك يا حبيبي وعلى قفاك.
عقبت لتزيد من غيظه والاًخر بجوارها لم يعد قادرًا على كبت ضحكاته، حتى شاركته هي نفسها الضحك، ليصيح بهم حسن بنفاذ الصبر:
– هتجنوني انتو الانتنين هتموتي ناقص عمر.
– بعد الشر عليك يا قلبي .
عقب بها هذه المرة امين، فهم ان يهجم عليه لينفس به عن غيظه، ولكن رنين الهاتف منعه، ليضطر للرد مع رؤيته لرقم المتصل باستغراب:
– الوو… ايوة يا عبد الرحيم طالبني ليه في حاجة؟
وصل صوت الاخر بلهفة تثير الجزع:
– الوو يا بشمهندس، تعالي بسرعة الحقنا، الموقع حصل فيه مصيبة.
مصيبة ايه اللي يخرب بيتك؟
بصوت لاهث قال عبد الرحيم :
– عبيد عامل النصبة حضرتك، كان معدي جمب المبني اللي شغالين فيه العمال يوصل طلبات، العمال كانو لسة بيقولو يا هادي، فجأة وقع قالب طوب من واحد منهم،
نزل على دماغ عبيد ومحدش منطق.
– يخرب بيتك يعني مات؟
– والله ما اعرف، احنا لميناه من ع الارض سايح في دمه وجرينا بيه ودلوقتي احنا في طريقنا للمستشفى، انا بلغت الست شهد عشان تسبقني على هناك، وقولت ابلغ حضرتك كمان..
– ماشي يا عبد الرحيم، اقفل دلوقتي وتبعتلي اسم المستشفى في رسالة وانا جاي حالا وهحصلكم، سلام.
اغلق وخطأ يعدوا سريعًا نحو غرفته، حتى انه لم ينتبه للإجابة عن اسئلة شقيقه ودعوات والدته التي فزعت برعب:
– هو ايه اللي حصل بالظبط يا حسن؟
جيب العواقب سليمه يارب، استر يارب
❈-❈-
بخطواته السريعة وصل إلى القسم المذكور وامام غرفة العمليات التقى عبد الرحيم مع عدد من العمال أتو بملابس العمل صافحهم على عجالة قبل ان ينفرد به سائلًا:
– ايه اخر الاخبار دلوقت؟ حصل ايه مع عبيد؟
أجاب عبد الرحيم:
– لسة على اعصابنا والله يا بشمهندس، احنا اول ما جينا دخلنا بيه طوارئ، فحوصات واشعة وبلاوي زرقة، وفي الاَخر قرروا يدخلوه غرفة العمليات حالا، الست شهد مضت ع الإقرار، وادينا في انتظار خروجه.
– طب هي فين شهد دلوقتي؟
– هناك اهي.
قالها عبد الرحيم وهو يومئ بذقنه نحو الجانب الاَخر، حيث كانت واقفة مستندة بظهرها على الجدار الأبيض خلفها، بأعين زائغة ووجه مخطوف، وصل إليها سريعًا يبادرها بقوله:
– مالك يا شهد؟ شكلك مش طبيعي.
التفت برأسها إليه صامتة فتابع بقلق:
– هو انتي خايفة لتجراله حاجة لا قدر الله؟ اكيد مسؤوليته مش هتبقى عليكي، دا يبقى قضاء الله وقدره…..
– متقولش كدة الله يخليك.
قالتها مقاطعة له، لتكمل بجزع:
– دا عيل صغير، يدوب مكملش سبع تاشر سنة، وحيد امه على بنتين متجوزين……
اصفرار وجهها وهذه الرعب المرتسم عليه، جعله يشعر وكأن يــ دًا بشربة تقبض على قلبه، بألم يفوق احتماله، قلقًا عليها، يود احتضانها ليمتص خوفها، يزرع داخلها امانًا تفتقده، وقد زاد عليه هذا الحادث.
– انا جيت متأخر ومشتفتوش وهو غرقان في دمه، قالولي انه كان شكله يخوف وميبنش أبدًا انه بخير، يا خوفي ليروح فيها يا خوفي ..
ظلت تردد وتغمغم بها عدة لحظات حتى خرج الطبيب من حجرة العمليات، ركضت إليه سريعًا تسأله:
– ايه الأخبار دلوقتي يا دكتور؟ في امل أنه يعيش.
بملامح مجهدة ووجه متعرق، اجابها الطبيب على عجالة قبل أن يكمل طريقه:
– الأمل في الله وحده، ربنا كريم ادعوله.
تسمرت محلها بعدم فهم لتنقل بعينيها نحو حسن الذي حاول طمأنتها بقوله:
– ان شاء خير يا شهد، الحاجات دي بتبقى معقدة وعايزة وقت على ما تبان النتيجة…
فُتح باب الحجرة فجأة ليخرج ممرضي المشفي بالسرير النقال الذي يحمل عبيد بحالته الصعبة، التف اصدقائه حوله وتوقف حسن محله يراقب شهد التي تخشبت محلها وانظارها معلقة نحو الفتى حتى اختفى من امامه بذهابه إلى غرفة العناية الفائقة، تكلم حسن خاطبها:
– شهد كفاية كدة وتعالي اروحك.
لم تجيبه بل ظلت على حالها في الشرود وكأنها غائبة عن الوعي، تابع لها بقلق يزداد لحظة بعد لحظة ليرطقع بأصابعه أمامها:
– يا شهد، انا بكلمك ارجوكي ردي عليا.
في هذه اللحظة التفت إليه لتلتقي عينيها بخاصتيه، بنظرات مشتتة، قبل ان تجفله فجأة بسقوطها الذي تداركه سريعًا ليتقطها قبل أن تصل إلى الأرض، ثم رفعها من أسفل ركبتيها ليحملها على ذراعيه يصرخ على مساعدها بجزع :
– شوف لنا دكتور يا عبد الرحيم، هات لنا دكتور بسرعة.

يتبع……

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى