رواية وبها متيمم أنا الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم أمل نصر
رواية وبها متيمم أنا الجزء التاسع والعشرون
رواية وبها متيمم أنا البارت التاسع والعشرون
رواية وبها متيمم أنا الحلقة التاسعة والعشرون
على الكرسي المجاور للسرير الطبي المستلقية عليه شقيقتها منذ الأمس، وكأنها التصقت به، فقد طالت جلستها في السهر عليه حتى سقطت رأسها على الفراش حينما غلبها النُعاس، وقد أصرت على المكوث بجوارها حتى تطمئن عليها جيدًا، رغم استفاقتها بالأمس والتي لم تدم إلا دقائق معدودة، فلم تكن فترة كافية لتريح قلبها الملتاع عليها.
كان لضوء النهار الذي اخترق النافذة الزجاجية الفضل في استيقظها لتحرك رأسها يمينًا ويسارًا، حتى تفك التشنج الذي قلص عضلات الرقبة، توقفت فجأة عن الحركة، وقد وقعت عينيها بخاصتي الأخرى والتي كانت مستندة بجسدها على الوسادة خلفها بنصف نومة، ومتابعة لها بوعي واضح، منصب كل تركيزها عليها ، على تخوف وتردد اقتربت منها تخاطبها:
– رباب، انتي معايا؟
بصوت مبحوح يرافقه دمعه ساخنة سالت على جانب وجهها:
– معاكي يا كاميليا، انا من امبارح وانا معاكي، حتى لما فوقت بنص وعي ومقدرتش اتكلم ولا ارد على حد منكم، برضوا كنت معاكي قبل التعب ما يغلبني واعود للنوم من تاني، عشان اصحى من الفجر والاقيكي جمبي بالوضع ده، واعرف قد ايه انا كنت غبية.
نهضت كاميليا لتقبلها على أعلى رأسها ووجنتيها، قائلة بصوت متأثر هي الأخرى امتزج بحنانها:
– الحمد لله انك فوقتي يا حبيبتي، انا كنت خايفة قوي عليكي امبارح، حتى وانا شايفة عيونك مفنجلة دلوقتي، والله ما كنت مصدقة غير بعد ما سمعت صوتك كويس.
– ليه يا كاميليا؟
ردت على سؤالها بسؤال:
– ليه إيه؟
– ليه تتعبي نفسك وتسهري مع واحدة باعتك وباعة أهلها عشان نفسها، دا غير انها رمت كل اللي عملتيه معاها ورا ضهرها؟
الصدق الذي كان ينبع من فحوى كلماتها جعل كاميليا تنتبه لهذا التغير المفاجيء من شقيقتها، حتى وهي تعلم انه ربما يكون عرض وقتي نتيجة ما حدث، وربما يعود كل شيء لوضعه السابق بمجرد الوقوف على قدميها، ولكنها ومع ذلك رحبت مستبشرة الخير لتجيبها بابتسامة:
– السؤال ده ما ينفعش اساسًا يا قلبي، لأن انتي مهما عملتي أو أي حد من خواتك عمل، أو حتى مهما يحصل ما بينا؟ ف احنا ف الأول والآخر اخوات، والضفر عمره ما يطلع من لحمه.
هذه المرة كانت المفاجأة أكبر من توقعها، طالعت كاميليا شقيقتها وهذا الصمت المطبق، النظرة الكسيرة بعينيها، ارتعاش شفتيها مع دموع لم تنتظر الإذن لتنهمر على وجنتيها، هيئة ادخلت الروع بقلبها، لتردف بنظرة استجداء اَلمتها:
– انا عارفة اني غلطانة وكلي عيوب، لكني بشر والبشر خطاء…….. انااا…..
تابعت بلهجة راجية اوجعتها بحق
– ما تسبنيش يا كاميليا، والنبي ما تبعدوني تاني عنكم.
إلى هنا وانفلت زمام امرها، اطبقت الأخيرة بذراعيها، لتضمها بلوعة واشتياق مرير مرددة:
– والله ما هاسيبك، عمري ما هاسيبك تاني، حتى لو انتي مش عايزة كمان، انا هفرض نفسي عليكي، ومش هبعد عنك تاني أبدًا.
قالتها بدموع حارقة كانت تسيل منها هي الأخرى، يعتريها اندهاش غير عادي لهذا الضعف، لقد كانت تظنها سعيدة وغير مهتمة، تظنها استغنت عن العلاقة الأخوية بالمال والشهرة، وذلك لمتابعتها لكل فيدو وكل صورة تصدر منها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وقد نست أن العالم الأفتراضي ليس هو المقياس الحقيقي لواقع الشخص.
– إيه ده؟ إيه ده؟ طب براحة طيب وسيبولنا شوية يا شباب.
تفوه بها طارق والذي حضر في غمرة الأحضان بين الشقيقتين بصحبة محمد اللذي قال هو الاَخر فور أن ارتفعت رؤسهما إليه:
– على رأي طارق، سيبولنا شوية طيب، عاملة إيه يا رباب.
أجابته بوجه مشرق رغم التعب:
– كويسة يا حبيبي، يا ريتك ما كنت مشيت، مكنش كل كل ده حصل.
قالتها لينتبه إليها طارق فيسألها بفضول:
– هو انتي فاكرة كل اللي حصل يا رباب؟
ردت تعصر بذهنها:
– لأ طبعا انا عايزاكم تحكولي عشان افهم، أنا كل اللي متذكراه دلوقتي؛ هو الأولاد اللي حاولوا يخطفوني وحامد أنقذني منهم وبعدها اداني عصير….
– اولاد مين تاني كمان؟
صاح بها محمد بعصبية جعلتها تستدرك منتبهة لتسأله أيضًا:
– هو انت ايه اللي كسرلك دراعك؟
وقبل أن يجيبها اندفع الباب بقوة أجفلت الجميع، ليلج إليهم كارم بوجه متجهم، مظلم بغضب جحيمي، وقف أمامهم متخصرًا يوزع النظرات المشتعلة على أربعتهم، ليتوقف عند رباب بأنفاس خشنة يصدر صوته:
– ممكن افهم ايه اللي بيحصل؟ والقصة الغريبة اللي سمعتها من البوليس عن خطف الهانم حرمنا…. ايه أصلها ؟
❈-❈-❈
أمام الموقد الذي كانت تقف عليه لتسوية الفول بالشكل الذي اعتادت، كطبق رئيسي لوجبة الفطور التي تعدها الاَن في وقت الصباح، دوى هاتفها الذي كانت تسنده على الرخامة بالقرب منها، تناولته لترد بعدم انتباه لصاحب الرقم:
– الوو… مين معايا؟
– الوو صباح الخير يا طنت.
قطبت مجيدة لتبعد الهاتف عن اذنها لتتأكد من صاحبة الصوت، قبل ان تجيبها باستغراب:
– صباح الفل يا لينا عاملة ايه انتي؟
– كويسة يا طنت والحمد اا…..
قالتها وقبل أن تكمل قاطعتها بسؤال فضولي نبع من خوف حقيقي ان يكون خلف الاتصال هو حدوث شيء ما:
– طب ماما هي كمان كويسة يا حبيبتي، ولا يكونش التعب زاد عليها؟
فهمت لينا المغزى من خلف السؤال فردت على الفور تدخل في الموضوع مباشرةً:
– كويسة والله طنت والحمد لله، انا كنت بتصل بس عشان اكلم حضرة الظابط ابنك.
– حضرة الظابط ابني أنا؟
قالتها مجيدة بعدم تصديق فاغرة فمها، بأعين اتسعت على اَخرها وهي تسمع رد الأخرى:
– أيوة يا طنت طبعًا، أمين ابن حضرتك، كنت عايزة اسأله سؤال بس.
بلهفة مكشوفة تحركت من امام الموقد لتخرج من المطبخ نحو غرفة الاَخر مرددة:
– سؤال واحد، قولي اتنين تلاتة زي ما تحبي دا انتي تسألي مجموعة اسئلة يا حبيبتي ولا يغلي عليكي الظابط ولا ام الظابط كمان.
ردت لينا ضاحكة بحرج من جهتها:
– مرسي يا طنت ربنا يخليكي، يكفي السؤال، مش عايزين اكتر من كدة.
سمعت منها مجيدة وهي تلج إلى الاَخر، والذي كان واقفًا يصفف شعر رأسه أمام المراَة بعد ان ارتدى ملابسه للذهاب إلى العمل، ليفاجأ بوالدته، وهي تهزهز كتفيها بما يشبه الرقص الغريب، بضجكات مكتومة تلوح له بالهاتف، ليردد لها بعدم فهم:
– إيه في إيه؟
اقتربت تهمس له بصوت واضح:
– دي لينا بت ام لينا، عايزاك في سؤال.
– لينا مين؟
خرجت منه بصوت عالي جعل والدته تلكزه بالقبضة التي ما زالت ممسكة بملعقة التقليب، والتي كان بها من اثر الطعام الذي لوث كم القميص المنشي، مما جعل الاَخر يصيح بها بنزق:
– يا ماما حسبي بقعتي القميص الله.
عضت مجيدة على شفتها السفلى تردف من تحت أسنانها لابنها ثقيل الفهم كما جاء برأسها في هذا الوقت:
– كلم البت واعرف مين لينا؟ وان كان ع القميص غيره بواحد تاني، وانا رايحة اشوف أكلي اللي ع النار، جاتك نيلة.
قالت الأخيرة وهي تحدجه بنظرة حانقة، قبل أن تتركه وتذهب، رفع الهاتف لمستوى اذنه مغمغمًا:
– هي مالها اتنفرزت اوي كدة ليه؟ الوو….
جاءه الرد من الناحية الأخرى بلهجة متهكمة:
– الوو يا حضرة، انا لينا اللي وصلتها امبارح بنت الست أنيسة يارب تفتكرني؟
رغم حالة التعجب التي انتابته مع سماع نبرة صوتها الناعمة بحدتها كالمعتاد، والتي جعلته لا يصدق في البداية أنها صاحبة الاتصال بالفعل، إلا أنه تمالك سريعًا ليرد بمناكفة مستهبلًا:
– أيوة أيوة يا شاطرة افتكرتك، انا مش نساي أوي لدرجادي يعني؟
قالها ليفاجأ برد لم يتوقعه على الإطلاق:
– طبعًا أكيد ما هو باين من سؤالك فاكرني أوي…..
لهجتها الساخرة جعلت حاجبًا واحدًا منه يرتفع بشك قطعته بجملتها متابعة:
– المهم بقى أنا كنت بتصل عشان أسألك، اصلي بدور على سلسلة كانت في رقبتي وانا راجعة من الشغل امبارح، ودلوقتي بدور عليها في كل حتة مش لقياها…
قاطعها باستظراف يستفزها رغم علمه بما تقصده:
– اه بقى، وانتي دلوقتي متصلة عشان اعملك محضر ولا اخلي الشرطة تبحث عنها.
– هه هه هه.
ضحكة سخيفة اطلقتها بغيظ جعلته يضحك بصوت مكتوم بعدم مقدرة على التوقف، فمشاكستها أصبحت من أحب الهوايات لديه، ف استطردت بسأم:
– يا حضرة الظابط انا قصدي تشوف العربية، لتكون سقطت مني وانا مش واخدة بالي اثناء توصيلك ليا.
– امممم
زام بها بفمه، ليكمل بلمحة من الجدية يتصنعها عن قصد:
– خلاص يا لينا فهمت قصدك، على الرغم اني مش مقتنع بس حاضر، هدور واشوف.
تنهيدة نزقة خرجت منها لتصله عبر الاثير أنفاس حاده قبل أن تنهي بما يشبه الإمتنان:
– ماشي يا حضرة الظابط، ع العموم لو لقيتها يبقى شاكرين افضالك.
ردد خلفها بتشدق:
– لو لقيتها يا لينا هتصل واقولك ؟!
– لو لقيتها يا سيدي اتصل وبلغني، سلام بقى
– سلام .
انهى المكالمة ليضع كف يده داخل جيب بنطاله، ثم يخرج هذا الشي الأنيق والذي وجده منذ الأمس بالصدفة بعد رجوعه للمنزل بعد زيارتهم، على المقعد الذي كانت تحتله، سلسال ذهبي يتدلى منه قلب مع عين زرقاء وكف فضي أيضًا لمنع الحسد، غمغم بمرح وهو يتأمله ويلفه حول سبابته:
– ودا هندور عليه ازاي بقى؟ دا انا كدة لازم ادور بضمير عشان القاه.
❈-❈-❈
خرج من الغرفة ليجد والدته وشقيقه على مائدة السفرة في انتظاره، القى التحية على عجالة بدت كغمغمة وهو يسرع الخطا ليقترب ويجلس سريعًا، حتى سبقهم في تناول الطعام، عقب حسن محتجًا لوالدته:
– بقالك ساعة لطعاني استنى الحليوة عشان نجتمع وناكل مع بعضينا، اديه خرج يحف من غير ما يستنانا ولا يقول بسم الله حتى.
– والله العظيم سميت.
قالها أمين يلوك في الطعام الذي يمتلأ به فمه، لتعلق مجيدة وهي ترمقه بابتسامة خبيثة:
– معلش يا حبيبي اصل ما بينش عليك ابدًا انك نطقتها، اللي يشوفك ما شاء الله عليك يعني، يقول انك بتاكل لناس تانية معاك.
تقلصت تعابير وجهه يدعي الضيق ليلوك ببعض التمهل حتى يسلم من السنتهم، ولكن مجيدة لم ترحمه:
– لينا بتتصل عايزة تسألك في إيه يا أمين؟
توقف فجأة عن المضغ، وبدا وكأنه يفكر، قبل يعود للطعام مرة أخرى، يدعي إجابة بدون تركيز:
– عادي يا ماما، بتسأل على حاجة كدة، هبقى اقولك عليها بعدين.
ردت مجيدة بلهجة يملأها الإصرار:
– وبعدين ليه بقى؟ ما تقول دلوقت.
حاصرته بقولها، وهو لا يريد الرد لأنه لا يضمن فعلها، ولكن وفي رحلة بحثه عن رد مناسب تدخل حسن قائلًا:
– يعني سبب التأخير في الخروج م الأوضة عشان انت بتتكلم في التليفون مع لينا؟
استغل أمين ليبعد تركيز والدته عنه فصاح بمبالغة:
– وما اتكلم يا سيدي زي ما انا عايز اتكلم، ما انت بتحب طول الليل في التليفون مع خطيبتك، جات على العبد الغلبان يعني، انا قايم وسايبهالكم، دا انتوا بقيتوا غلسين اوي.
وصل الى الباب الخارجي ليلقي بعبارته الأخيرة، قبل أن يغادر نهائيًا ويتركهما:
– عالم غريبة والله.
ردد حسن باستهجان وهو يطالع اثر الباب الذي صفقه شقيقه:
– دا بيقول علينا احنا عالم غريبة يا ماما، هو الواد ده ماله؟
تبسمت مجيدة بمكر تجيبه:
– معلش يا حبيبي، هو فاكر انه كدة هرب من سؤالي، ولكن حياتك عندي يا غالي، لاعرف منه هو نفسه كل حاجة، استنى عليا بس لما يرجع.
❈-❈-❈
بأعين متوسعة على وجه شاحب كشحوب الموتي، بتخيلها لما كان سيحدث بها وما حيك حولها من خطة غريبة للإيقاع بها، تسبقها شواهد هي وحدها من كانت تعاني منها ولا يشعر بها أحد.
– انا كان هيتعمل فيا كدة؟ ومن مين؟ من حامد اللي بيشتغل عندي كمأن؟
صرخت بها بعدم استيعاب ليضيف على قولها كارم بحدة، وبدون تصديق نحو محمد الذي كان يسرد على عجالة:
– ازاي يعني؟ دا راجلي اللي شغال تحت إيدي بقالوا سنين، يجي دلوقتي ويخوني بالطريقة الدنيئة دي؟ وانت….. وانت اللي تقدر على بغل زيه وتنقذ اختك؟ ايه الفيلم الهندي ده؟
تدخلت كاميليا بدفاعية عن شقيقها برد حازم وموجز:
– والله الأسئلة دي انت اللي تحاول تلاقي اجابتها من نفسك، ولو تروح القسم اللي بلغنا فيه وتتأكد، واهو وبالمرة تعرف لنا مين الست اللي كانت معاه، أكيد ليها علاقة بيك يا كارم .
قولها الاَخير اثار بقلبه الضغينة ليهدر بها والشرر يتطاير من عينيه:
– انتي تخرسي خالص ومدخليش نفسك في الموضوع ده احسنلك.
– إحترم نفسك يا أخ انت، انا مش هسمحلك تعلي صوتك على مراتي.
قيلت بقوة قاطعة من طارق الذي كان واقفًا بتأهب لأي رد فعل منه، ليزيد على حنق الاَخر، يحدجه ببغض، قبل أن يرد له:
– وانا إيش ضمني ان الموضوع ده ما يبقاش لعبة منك ولا من مراتك، بعد ما فشلت كل محاولات الصلح معانا أنا ومراتي.
بحالة من الذهول الغير عادي رددت كاميليا بعدم استيعاب:
– إنت مجنون؟ يعني انت بعد كل اللي قولناه ده عقلك برضوا بيفكر بنظام المؤامرة، وان كل اللي حصل دا لعبة مننا، انت مصدق نفسك؟
– أه مصدق نفسي.
قالها بتحدي يثير التعجب، ليأتيه الرد المفاجئ من رباب نفسها:
– بس انا مصدقة يا كارم، عشان كنت شاكة فيه بقالي فترة ونبهت عليك تغيره.
تقلصت تعابيره بارتباك ملحوظ لقولها المباغت له أمام اعدائه، فخرج رده بدفاعية:
– انتي قولتي انك عايزة تغيري السواق والحارس عشان مش عاجبينك، ما وضحتيش سبب منطقي عشان انفذ طلبك.
– عشان مكانش معايا دليل.
صرخت بها بأعين باكية وبقهر تتابع:
– دايما كانت بتجيني رسايل مريبة من معجب مجهول، في الأول كنت بطنش، لكن لما زادت عن حدها اشتكيت لمروان اخويا، بس قالي متخديش في بالك، لكن الرسايل دي زادت حدتها لما بقى المجهول يوصف اللي لابساها ويحدد الأماكن اللي بروحها بالتفصيل عشان يجنني، كل ده كان بيخليني اشك في الاتنين حامد والسواق.
مع قولها الصادم وهذه الحقيقية التي رمتها بوجهه وسط هذا الظرف وامام هولاء، اربد وجهه بظلام دامس، براكين الغضب في عينيه تقدح شررًا، عروقه اصبحت بارزة، يضغط على قبضته حتى ابيضت مفاصله، فخرج سؤاله من قعر الجحيم، يجاهد بكل قوته حتى لا يفتك بها أمامهم:
– ولما انتي بيحصل معاكي دا كله، مقولتليش ليه؟
ردت بصيحة غير مبالية، وقد سقطت الأقنعة ولم يعد لديها ادنى طاقة للمواربة:
– عشان كنت خايفة منك، لأن كنت متأكدة أن عمرك ما هتصدقني، السنين اللي عيشتها معاك خلتني عرفتك كويس، إنسان ظالم، والنية السيئة بتسبق عندك في أي شيء، كنت هتحط اللوم عليا، ومش بيعيد تقتلني من غير بينة.
– أنا كنت هعمل كدة؟
تفوه بها، يعتبرها إهانة في حقه، رغم زحام الأفكار التي كانت تدور كالرحا برأسه الاَن في هذه اللحظة، وبموقف القوة التي لا يتخلى عنها، تابع ينهي النقاش رافعًا سبابته أمامها بتهديد :
– انا خارج دلوقتي حالا اتأكد من صحة الكلام ده، وسواء كان طلع صح ولا غلط، الحساب ما بينا وع الكلام اللي اتقال دلوقتي مش هيعدي بالساهل يا رباب.
تحرك بعضبه وقبل أن يصل لنصف المسافة استدار مؤكدًا:
– وحطيها قاعدة في دماغك.
قالها متوجها لفتح باب الغرفة والذي تفاجأ باندفاعه للداخل فجأة، ليلج منه جاسر الريان وخلفه مدير امنه الشخصي إمام، تواجهت الأعين بحديث سريع ومقتضب، قبل ان يبادر جاسر بإلقاء التحية:
– مساء الخير يا جماعة، عامل ايه يا كارم؟
أخرج كتلة من الهواء ليبدوا متماسكًا ومسيطرًا كعادته
في الرد بلهجة تبدوا عادية:
– أنا تمام وفل الفل يا باشا، بس مضطر اَسفًا إني أسيبك دلوقتي، عشان عندي مشوار ضروري لازم اعمله، عن أذنكم.
❈-❈-❈
ترجلت صبا من حافلة العمل الخاصة بموظفي الفندق وكانت في طريقها نحو وجهتها تتبع رئيسها الذي كان بالصدفة يمر أمامها، ولكنه لم ينتبه عليها خلفه، همت لتناديه حتى يقف وينتظرها لترافقه إلى القسم ولكن رنين الهاتف منعها، توقفت لتنظر من المتصل، فتقلصت تعابير وجهها بالضيق وهي ترى الرقم المميز على شاشة الهاتف أمامها، لتستجيب مضطرة للرد على صاحبه وقد تذكرت كلماته بالأمس عن وضع مودة:
– الوو السلام عليكم.
– السلام عليكم يا صبا، عاملة ايه بقى؟
سألها بنبرته الهادئة والتي دائمًا ما تثير عصبيتها، تمالكت لترد بجديتها المعهودة:
– تمام والحمد لله يا فندم، كنت عايزة أسألك بقى عن مودة.
– كدة ع التليفون يا صبا.
قالها ليصدر صوت طقطقة بفمه قبل أن يتابع:
– أنا منتظرك تجيني عشان افهمك الوضع كويس.
اومأت برأسها ترد سريعًا:
– تمام تمام يا فندم، يعني انا دلوقتي لو جيت المكتب هدخل على طول .
– لأ.
قالها لترد بعدم فهم:
– لأ ليه؟
ردد يؤكد لها:
– بقولك لأ يا صبا، عشان انا مش موجود في الفندق النهاردة، انا عندي اعمال تانية بتابعها، لكن عشان خاطرك مخصوص اضطريت اوقف النهاردة ساعة وانتظرك في المطعم.
باستنكار احتلط بعدم التصديق رددت خلفه:
– مطعم ايه اللي عايزيني اجيلك فيه؟
اجابها محافظًا على هدوئه المستفز،
– المطعم اللي جتيه المرة اللي فاتت يا صبا في عيد الميلاد ولا انتي مش فاكرة؟
افتر فمها وهمت أن تجيب برد غبي وليحدث ما يحدث بعدها، ولكن صوت الحكمة بداخلها لجم لسانها في اَخر لحظة، ليخرج صوتها وبصعوبة شديدة تجاهد لكبح انفعالها:
– يا فندم مينفعش انا المرة اللي فاتت روحت على عزومة كلها بنات، لكن دلوقتي بقى اروح ليه على مطعم غريب مع راجل غريب، مع احترامي طبعًا لحفظ الألقاب مع حضرتك، بس دا مينفعش معايا، دا……
– صبا انا مش تحت أمرك انتي وصاحبتك.
قالها بحزم وقد تخلى عن بروده ليردف:
– عارف ان تقاليدك تمنعك بس انا مش طالبك في شقة خصوصي، دا مكان عام وانتي جاية بصفتك موظفة عند رئيسك صاحب العمل بخصوص مشكلة تخص زميلتك في العمل.
توقف برهة يصله صوت أنفاسها، ليتابع بصرامة:
– قدامك ساعة تحصليني فيها قبل ما امشي واسيب المطعم، دا لو عايزة حل لصاحبتك، لكن لو مش عايزة انتي حرة ، أنا مش راجل فاسد ولا سيء السمعة عشان تخافي مني، عن أذنك يا صبا.
قالها وأنهى المكالمة، ليتركها في تخبطها وقد فاز في هذه الجولة بتكبيلها ونزع الخيارات عنها ، لتوافق مجبرة، فلا مناص من التهرب او التراجع لقد بدأت طريق ومن الواجب أن تنهيه، ضربت بقدمها على الأرض
لتستدير مغادرة نحو المطعم البائس، مغمغمة بالكلمات الحانقة عليه وعلى اليوم الذي رأت فيه مودة واليوم الذي طلبت فيه من شادي مرافقة هذه الفتاة للعمل معها هنا في الفندق.
❈-❈-❈
– وايه تاني كمان؟ كملي.
قالها ابراهيم في جلسته مع أمنية على إحدى الكافيهات الشعبية والمنتشرة على كورنيش النيل بكثرة، لتتابع له الأخرى بأسلوب يقارب الولولة، وهو يستمع بانتباه شديد دون كلل أو ملل:
– أكمل ايه تاني؟ بقولك جايبلها هدايا ياما وكلهم حاجة فاخر من الاَخر زي ما بيقولوا، دا انا صورت الطقم الفوشيا بس وسألت على تمنه في جروب ع الفيس، عرفت انه غالي نار، عارف يعني ايه غالي نار؟ يعني الطقمة اللي اشتريتهم كلفوا العريس مبلغ وقدره وهو لسة حتى مكتبش كتابه، ولا حتى لبس دبل، واخد بالك بقى من الكلام ده يا براهيم؟
نثر بطرف سبابته الرماد المحترق من السيجارة التي يدخنها ليسألها بهدوء مريب:
– قصدك إيه يا أمنية؟ مش فاهمك
ضربت بكفتيها على فخذيها مرددة بغباء أعماها عن هيبته الغير مطمئنة:
– لأ انت فاهم يا ابراهيم، يعني متعملهمش عليا، دا انت يدوب لبستني الشبكة وكأنها خلصت على كدة، مفيش مرة جيبلتي فيها شنطة ولا جزمة ولا بوك حتى، مش هدووم بالكوووم، كدة مرة واحدة.
بابتسامة جانبية جافة رمقها وهو يدخن من سيجارته بنهم، لينفث الدخان في الهواء، قبل أن يفاجئها بقوله:
– عينك زاغت ع البشمهندس ابن الناس يا أمنية، ومبقتش انا مالي عينك صح؟
بوجه انسحبت منه الدماء، وقد وعت لنفسها بعد هذا الإسهاب الأحمق منها، لتردد نافية على الفور برعب، تخشى رد فعله العنيف:
– لا والله يا ابراهيم، أنا عمري ما اقصد الكلام ده، دا انا بس بقول ع الهدايا، ااا أصلها عجبتني بصراحة، وبنفس الوقت اضايقت، عشان انا الصغيرة، يبقى انا الأول بالدلع ده كله، مش هي.
على نفس الوتيرة أردف بلغة النصح ليزيد على جزعها:
– يا بت خالتي انا مش غريب عنك، انتي عرفاني وعارفة حالي م الأول، أينعم ابويا مقتدر، بس انا اخري باخد اجرتي زي أي عامل عنده في الدكان، يعني هاجي اي بقى جمب البشمهندس خطيب اختك ولا اخوه الظابط، ولا والدته اللي عاملة فيها الست المتواضعة، وهي راشقة في عيلة تسد عين الشمس بالبهوات رجال الأعمال ولا الرتب العالية فيها.
– إنت جيبت المعلومات دي منين؟
سألته وقد اعتراها اندهاش شديد من كم المعلومات التي يلقيها عليها مرة واحدة وبدون تمهيد، فجاء رده بنبرة تقارب الإقناع:
– طبعًا سألت عشان اعرف أصلهم وفصلهم، ولا انتي فاكراني هعديها كدة؛ ان واحد غريب يدخل على خالتي وبنات خالتي، من غير ما اعرف هو مين ولا عيلته ايه؟
كالعادة وبدون تفكير أو تدقيق، صدقت حجته لتردف بغليلها:
– عشان كدة بقى، شايفة نفسها وبتقول يا أرض انهدي ما عليكي قدي، طبعًا من حقها، فضلت تستعبط وتقول انا مش عايزة اتجوز، وهي بتنمر ع الجوكر اللي يقش، ااه.
خرجت الأخيرة منها بحرقة تعض على قبضتها المضمومة من الغيظ، عقب على هيئتها بابتسامة ماكرة:
– محروقة منها أوي انتي يا أمنية.
ردت موافقة بتحسر:
– أوي يا ابراهيم أوي، اصلك متعرفش هي اتغيرت وبقت ازاي؟ دي بقت مهتمة أوي بنفسها، بتحط كريمات ومكياج، وتلبس الجديد، لو شوفتها النهاردة وهي نازلة الشغل هتصدق كلامي .
– شوفتها.
دمدم بها بداخله وبذهنه يعيد الصورة الجديدة لها، أو بمعنى أصح، تستعيد أمجادها القديمة، في الجمال والأناقة التي كانت تتميز بها، دونًا عن كل فتيات المنطقة، الحلم الذي كان يؤرق لياليه طويلاً.
– سرحت في إيه يا براهيم؟
قالتها أمنية لينتبه لها، فنظر لها بمكر قائلًا:
– في حالكم طبعا يا أمنية، اصلي يعني جوازة عليوي زي دي، أكيد لازمها جهاز عليوي من اختك، ودا طبعا هيكلف أضعاف.
رددت بسخط وقد تلون وجهها بالغضب:
– يكلف أضعاف، ودي هتجيب منين ان شاءالله؟ ولا هي فالحة بس تعملهم عليا وتقول ان مفيش فلوس لجهازي؟
مط بشفتيه يردف بفحيح:
– يبقى لازم تخلي بالك يا أمنية وتبقي عينك على كل قرش داخل أو خارج، دي ممكن تشتري عمارة وانتوا بهبلكم مش حاسين.
وقع قلبها تحت قدميها لتصيح بعدم احتمال تخيل الفكرة نفسها:
– يا نهار اسود، يعني ممكن تعملها صح؟ طب انا هعرف ازاي يا ابراهيم؟
أخرج من فمه دخان كثيف بانتشاء وقد وصل إلى مبتغاه ليردف:
– انا هقولك يا أمنية هتعملي إيه؟
❈-❈-❈
وصلت إلى الطابق الثاني من المطعم، بعد سؤالها عنه في الأسفل فور ولوجها بداخله، لتجد إحدى النادلات تسحبها من يدها بعد أن عرفت عن هويتها، ثم تأتي بها إلى هنا ، في هذه القاعة الفاخرة، والمحاطة بالزجاج الشفاف من كل الجهات، بإضاءة طبيعية، نتيجة الشمس التي تحدها من جميع النواحي، ومع برودة المكيف المركزي، لتجعل جوًا مميزًا من الرقي والرفاهية المبالغ فيها، وصاحب المطعم جالسًا على طاولة مستديرة وحده، ارتصت أمامه العديد من الأصناف الخاصة بالمطعم، يتابعها بعينيه وهي تقترب بخطوات مترددة، وشعور بعدم الراحة يطبق على أنفاسها مع هذا الهدوء المريب وخلاء المطعم من الرواد.
– السلام عليكم.
القت التحية فور أن وصلت إليه، لتجده انتفض واقفًا بزوق أجفلها، لتمتد كفه إليها بغرض المصافحة قائلًا:
– وعليكم السلام، إزيك يا صبا؟
بفعل طبيعي اضطرت لمبادلته المصافحة، مع إحساس بعدم الجدوي لذلك، الا تكفي التحية الشفهية:
– اهلا يا فندم.
قالتها باقتضاب وقد تمكنت من سحب كفها سريعًا، أدهشه فعلها فابتسم ليجلس ويدعوها:
– اقعدي يا صبا.
خرج ردها سريعًا بانفعال:
– اقعد فين يا فندم؟ المطعم فاضي.
زاد اتساع ابتسامته وهو يستريح بجلسته على المقعد قائلًا بتسلية:
– فاضي فين يا صبا؟ امال انا قاعد هنا بعمل إيه؟ ولا الجرسونات اللي واقفين ورايا دول، شفافين أوي لدرجادي يعني عشان متشوفيهمش؟
نظرت صبا نحو ما يقصد لعدد من الندلاء فتيات وفتيان واقفين بتأهب، لخدمة السلطان المعظم، والذي كان يستفزها بعنجهيته وهذا التعالي المبالغ فيه، رغم تكرار دعوته بلطف:
– يا صبا اقعدي، هو انتي هتفضلي واقفة؟
أخرجت كتلة من الهواء محتجزة داخل صدرها ، لتجلس وتنهي هذا المشوار الثقيل.
انتشى بداخله ليبادره بقوله:
– اتفضلي بقى افطري معايا؟
باستنكار اعتلى ملامحها ردت بالرفض محتجة:
– لا طبعا مينفعش افطر حضرتك، افطر انت بألف هنا وشفا.
قابل رفضها بمناكفة قائلًا:
– ومالك بتقوليها وانت متعصبة كدة، دا فطار يعني حاجة بسيطة، ثم انا كمان محبش اكل لوحدي.
بدت الشراسة تتراقص على صفحة وجهها بشكل زاد من تسليته لترد بانفعال يقارب الفظاظة:
– يا فندم بقولك مينفعش، دي عادة واتعودت عليها، أخري كباية شاي بلبن وفيها بسكوتة، أكتر من كدة مقدرش.
– طب ما هي دي عادة غلط على فكرة يا صبا، لازم الفطار يبقى متكامل عشان صحة الفرد.
قالها ببرود كاد أن يصيبها بجلطة دماغية، بعدم قدرة على التحمل تنحت بوجهها عنه، حتى لا يزلف فمها بحماقة قد تضرها، ثم ما لبثت أن تعود بابتسامة صفراء تجيبه:
– ماشي يا فندم، لو قدرت اغير العادة الزفت دي، هغيرها ان شاء الله، المهم دلوقتي انا عايزة اسألك عن موضوع مودة، انا سايبة شغلي ولسة ممضتش حضور.
كان بوده المماطلة أكثر من ذلك ولكنها حاصرته بقولها المباشر فلم يجد أمام سوى الرد، تاركًا طعامه، ليركز كل حواسه معها:
– ماشي يا صبا هجاوبك عشان متتأخريش، ما انا برضوا مرضاش بأذيتك….
ركزت اهتمامها بشكل كامل معه، ليتابع بحرص حتى لا يتوه ببحر عينيها التي انعكس الضياء عليها، ليزيدها بهاءًا وروعة:
– شوفي يا ستي أنا كلمت مدام ناهد صاحبة الخاتم ، هي في الأول كانت معترضة، بس انا لما ضغطت وافقت اخيرا بس بشرط:
– شرط إيه؟
– الشرط هو انها تمضي على وصل أمانة بتمن الخاتم، لضمان رجوعه.
دمدمت بعدم استيعاب:
– إيه؟ وصل أمانة، يا نهار اسود، وافترض ملقتهوش هيحصل إيه؟
رد يمط شفتيه بعدم اكتراث:
– دا كلام الست وحقها على فكرة، انها تملك ضمان في إيديها، ولا انتي مش ضامنة صاحبتك ترجعه؟
ردت عن قناعة أدهشته:
– انا لو مش واثقة فيها رغم كل عيوبها مكنتش هتدخل لها، ولا كنت هتجرأ واكلمك عشانها.
عاد بجسده للخلف بتفكير عميق وعينيه لا تحيد عن تفاصيلها على الإطلاق، ليردف بعرض آخر:
– خلاص يا صبا مدام انت واثقة فيها اوي كدة، ما تضمنيها انتي عند الست، انا شايف انك شكلك ثقة، ولو اتدخلت انا بتقلي كمان ممكن اخليها توافق على كدة.
❈-❈-❈
جيرمين!
ضرب الأسم برأسها كصاعق كهربائي دفعها بعنف عليًا فجأة قبل أن يوقعها مغروزة لسابع طبقة في الأرض، على الفور اكتنفها دوار جعلها تميل للخلف برأسها، مغمضة عينيها بتعب، انتبهت عليها كاميليا لتتلقفها سائلة بخوف:
– ايه مالك يا رباب؟ حاسة بتعب ولا حاجة؟
تطلع الجميع لها بانتباه، ف استدركت كي لا تزيد أمرها سوءًا مرددة بلهجة مطمئنة:
– اطمنوا يا جماعة مفيش حاجة، انا بس استغربت من الأسم، دي جوزها يبقى ابن عم كارم، راجل كبير ومحترم……و… هو انتوا متأكدين من الكلام ده.
– أيوة طبعًا متأكدين.
قالها حامد ليتابع شارحًا:
– كاميرات العمارة والشارع، جايبة الست بطولها من ساعة ما دخلت الشقة اياها ولحد ما خرجت بتجري تركب عربيتها، إحنا مجيبناس حاجة من عندنا.
اضافت على قوله كاميليا بظن رأسها لما تعلمه قديمًا بوجود علاقة وثيقة لهذه المرأة مع كارم:
– الست دي بتنتقم من جوزك فيكي، أنا عارفة من الأول إن في علاقة تجمعها بيه.
اومأت لها بهز رأسها وقد جف ريقها لهذه المصيبة الغير متوقعة على الإطلاق، ماذا تقول؟ والحقيقة المخزية لفعلتها في تصوير المرأة في علاقتها مع زوجها، هي المسبب الرئيسي لكل ما حدث.
وصلها صوت طارق بحنو يطمئنها:
– متقلقيش من حاجة يا رباب، ولا تشيلي هم جوزك المجنون ده، احنا كلنا حواليكي بقلبنا، ندافع عليكي بروحنا.
اضاف جاسر على قوله:
– دا غير ان اللي عملوا كدة هيتجابوا من قفاهم، البوليس شغال واحنا كمان شغالين ومش هنهدى غير لما يتحاسبوا وياخدوا جزاءهم.
إمام هو الاَخر خرج قوله بتفاخر وأعين مشبعة بأعجاب نحو محمد:
– وراكي رجالة يا ست رباب، واديكي شوفتي بنفسك اصغر فرد في العيلة حلها لوحده من غير بوليس ولا مساعدة، بطل على حق.
تبسم الجميع ردًا على قوله، كما ضحك محمد مرددًا له:
– واحنا نيجي فيك ايه بس يا عم تايسون.
اطلق إمام ضحكة عالية قبل أن يرد بجدية هذه المرة:
– حلوة تايسون دي، بس عشان منبقاش اللي بنهيل بزيادة للبطل قبل ما يتغر ويقع على راسه، انت غلطت يا محمد.
بصدمة وتحول مفاجئ من الفرح إلى شعور بعدم الفم سأله مندهشًا:
– أنا غلطت طب في إيه؟
جاءه الرد من جاسر هو الاَخر:
– مكانش لازم تدخل شقة غريبة وتتواجه مع واحد بالحجم ده، دا ممكن كان قتلك ساعتها، او كان عمل فيك حاجة بشعة لا قدر عشان يكتم نفسك.
رد محمد بدفاعية مبررًا:
– ما انا مكنتش فاهم حاجة والله، كل اللي كان في دماغي هو إني اطمن عليها، تفكيري ساعتها مكنش موصل انها عملية خطف نهائي.
رد إمام بابتسامة مشاكسة غامزًا:
– دا عشان كان حظك حلو، بالك انت لو كبير شوية كنت أكيد هتفكر قبل ما تخطي خطوة وتعمل حسابك كمان، بس برضوا دا كان كرم من ربنا، خطوتك الغير محسوبة دي عجلت بإنقاذ اختك قبل ما يحصل فيها حاجة على ما يجي البوليس.
– الحمد لله.
تمتم بها الجميع بارتياح، مترافقة مع دمعات ساخنة سقطت على وجنتي صاحبة الأمر، وقد أثرت فيها الكلمات التي عنت لها الكثير الاَن.
توقفت على طرق على باب الغرفة، قبل أن يلج لداخل الغرفة رجل غريب موجهًا حديثه للجميع :
– هي دي غرفة مدام رباب؟ أنا الظابط المكلف بالتحقيق معها في قضيتها
❈-❈-❈
بداخل قسم الشرطة وعلى الكرسي المقابل لحضرة الضابط المتابع لقضية زوجته، كان يتناول منها الصور التي انطبعت من كاميرات التسجيل في المبني والشارع ، يشرح له بإيجاز عما تم التوصل إليه:
– زي ما انت شايف حضرتك، دي صورة الراجل اللي اتعرف عليه اخو المدام وقال ان اسمه حامد من كلام حارس العمارة وبنته، واللي قالوا كمان، انه صاحبنا ده كان مأجر الشقة من شهور بس، فكان بيتردد عليها لوحده والست دي اللي ظهرت معاه امبارح، كانت اول مرة تزور الشقة، دخلت بنسخة من المفتاح وفضلت مستنياه على ما وصل بالمدام ، زي انت شايف كدة يا فندم، وهو شايلها متخدرة بمادة قوية مستوردة من الخارج، على حسب كلام الطبيب اللي اسعفها.
بدم يغلي كسيل الأسيد الحارق في أوردته، كان يتأمل الصورة وهذا الحيوان الذي يضع يده على زوجته ويحملها حتى يفعل بها ما يشاء، وبمشاركة من جيرمين، عشيقته السابقة والتي تركته من نفسها، بعد مدة قصيرة من زواجه، الكلب الخائن والعشيقة الفاسدة، ترى ما الذي جمع بينهما، ليتفقا عليه؟ وينتقما منه في زوجته؟
إجابة السؤال سيعرفها قريبًا بعد أن يأتي بهم كالبهائم ، ليذيقهما من الوان العذاب شهورا وايام، حتى يكتفي، قبل أن يتخلص منهما.
– كارم باشا.
هتف بها الضابط حينما طال تأمله في بعض الصور، رفع رأسه بتماسك يحسد عليه، ناظرًا إليه بتساؤل، فتابع له:
– كنت عايزة اسألك يعني لو تعرف الست دي ، زي ما اتعرفت على حامد الحارس بتاع المدام
بصفحة ثلجية شملت ملامحه، رسم الجمود يجيب بإنكار محكم:
– طبعا اعرفها، دي تبقى مرات ابن عمي اللوا نجيب، بس انا اللي اعرفه انه راجل محترم، متخيلتش ابدًا أن مراته تطلع بالأخلاق دي
يتبع……
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبها متيمم أنا)