روايات

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل العشرون 20 بقلم منال سالم وياسمين عادل

موقع كتابك في سطور

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل العشرون 20 بقلم منال سالم وياسمين عادل

رواية وبقي منها حطام أنثى الجزء العشرون

رواية وبقي منها حطام أنثى البارت العشرون

وبقي منها حطام أنثى
وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى الحلقة العشرون

صمت رهيب ساد في اﻷجواء بينهما لكن أعينهما كانت تنطق بالكثير …
قست تعابير وجه مالك ، وبدت نظراته أكثر حدة وهو يحدجها بنظرات مطولة متعمداً التقليل من شأنها .. فهي بالنسبة له تعد رمزاً للخيانة والغدر ، من جرحته بضراوة في فؤاده ، من دفعته للرحيل والتخلي عن أحبائه …
أما حال إيثار فكان لا يتختلف عنه .. هو أهانها وظلمها في وقت كانت تعاني فيه بمفردها ، كانت في أمس الحاجة إليه ، و اختارت أن تضحي بحبها من أجل حمايته هو حتى وإن كان الثمن حريتها …
هي أرادت أن تحميه على طريقتها ، لكن انقلبت الظروف ضدها ..
ابتلعت ريقها بتوجس كبير ، و لم تنس رغم كل شيء صدق حبها له ..
تفاجئت به يجذب صغيرته منها عنوة ليضمها إلى صدره فصرخت الصغيرة برعب قليل قبل أن تبدأ في البكاء من إثر الخضة ،
حاول هو تهدئتها ولكنه فشل بسبب حركاته العصبية ..
صدمت إيثار من ردة فعله ومن تصرفه المباغت الذي أفزع الصغيرة ، فهتفت بلا وعي مستنكرة فعلته :
-انت خضيت البنت !!
رمقها بنظرات نارية قبل أن يصيح بصوت قاتم :
-انتي هتعرفيني أربي بنتي ازاي ؟
فغرت شفتيها مذهولة وهي تمتم بصوت متقطع :
-هاه .. ب.. بنتك !!!
ثم صاح فجـــأة بصوت جهوري أجفل جسدها، وأفزع الصغيرة أكثر :
-راوية .. راوية تعالي خدي البنت !!
خطت الخادمة بخطوات سريعة نحوه وهي تردد بإمتثال :
-حاضر يا مالك باشا
تناولت الصغيرة منه بحذر .. وسارت بها مبتعدة وهي تحاول هدهدتها لتكف عن البكاء .. .
شعرت إيثار بالخوف من وجودها بمفردها مع مالك .. فوجود تلك الصغيرة كان يشكل درعاً يقيها من انفعاله المباغت ..
دنا منها خطوة ، فتراجعت عفوياً للخلف متحاشية القرب منه ..
نظر لها بإحتقار ، ثم أردف قائلاً بجمود :
-ايوه دي بنتي ، كنتي مفكرة هافضل زي ما أنا أبكي على فراقك وحبك الرخيص !
صدمت من كلماته اللاذعة ، واضطربت دقات قلبها ، وردت بصوت متذبذب :
-انت .. آآ
تابع قائلاً بشراسة وهو يتعمد تجريحها :
-أنا يا مدام عشت حياتي وقابلت انسانة حبيتني بجد واتجوزنا وخلفت منها ، مش واحدة زيك !!!!
لم تقو على الرد عليه .. بل حدقت فيه بصدمة حزينة .
شعور رهيب بالخذلان سيطر عليها ، وتملك من مشاعرها المضطربة ..
فمجرد تخيل امتلاك أخرى لقلب حبيبها ومشاركتها إياه لحياته بكل تفاصيلها أتعبها نوعاً ما ، وعذب روحها ..
فماذا عن انجابه منها من يحمل صفاته ؟ يا إلهي إنه اكثر إيلاماً !
حزن موجع أرهق قلبها .. ووخزات مؤلمة أتعبت روحها .. لقد عاش حياته .. استطاع ان ينهض من جديد ، بينما ظلت هي تقاسي من ذكريات الماضي ..
تابع متساءلاً بتهكم مهين ليخرجها من شرودها المؤقت :
-وإزي جوزك المحترم ؟
استشعرت من نبرته حجم البغض الذي يكنه له ..وعجزت للحظات عن الرد عليه ، أتخبره بأنها كانت ضحية خدعة كبيرة تحملت تبعاتها لوحدها ؟!
ارتفع حاجبه للاعلى ليضيف بسخرية :
-والبيه موافق انك تنزلي تشتغلي بيبي سيتر ؟ ولا انتي جاية من وراه ؟
لم تستطع الصمود أمام تجريحه العلني ، فصرخت بشموخ وكبرياء وقد تشنجت تعابير وجهها :
-ماسمحلكش !
ابتسم بتهكم ثم قال بنبرة مهينة :
-يبقى زي ما توقعت طلع نأبك معاه على فاشوش ، ومش قادر يصرف عليكي زي ما كنتي مفكرة !
كانت كلماته كالسوط الذي يسلخ جلدها الملتهب ، فلم تتحمله ، وصرخت فيه بصوت منفعل :
-انت متعرفش حاجة عني عشان تقول كده !
نظر لها شزراً ، وتابع بإستخفاف :
-مش محتاج اعرف .. كفاية اني شايفك النهاردة قدامي عشان اخمن كل حاجة !
تسارعت دقات قلبها ، وكورت قبضة يدها بعنف ، واشتعلت عينيها بحمرة غاضبة للغاية ..
تحرك خطوة أخـــرى نحوها ، وأكمل بشراسة وقد قست نظراته :
-واحدة طماعة بتجري ورا الفلوس وبتحبها اكتر من نفسها باعت الغالي بالرخيص ، ومهمهاش تدوس على مين في طريقها وهي بتعمل كده ، المهم توقع المغفل اللي هيدفع اكتر .. بس الظاهر انه جيبه طلع فاضي ، فراحت تدور على مصلحة جديدة !!!!
أوجعتها عباراته العنيفة التي تتهمها بلا رحمة ، فهبط قلبها في قدميها قهراً .. هو كغيره حكم عليها دون أن يترك لها المجال لتدافع عن نفسها ..
أصدر حكمه بإدانتها متأكداً بأنها الجانية بالفعل ..
لم تتحمل أكثر من هذا الظلم ، فاستجمعت شجاعتها ، وصرخت فيه بصوت هــــادر وهي تشير بيدها وعينيها تنطقان شرراً مخيفاً :
-اخرس .. ولا كلمة زيادة !!
أغضبه بشدة صراخها فيه ، فصاح بها بصوت جهوري عنيف :
-انتي ليكي عين تتكلمي ولا تفتحي بؤك وتزعقي !
ردت عليه بصوت مختنق ومتشنج وهي تكافح لمنع عبراتها من السقوط أمامه :
-انت ملكش حق تحاسبني ولا تكلمني عن حياتي اللي فاتت !!
أضاف بقســــوة وهو يرمقها بنظراته المدينة :
-حياتك اللي انا كنت جزء منها ورميتي وكأني ماسواش
هزت رأسها نافية وهي تصيح بإعتراض جلي :
-محصلش ..
تشنجت تعابير وجهه ، وبرزت عروقه الغاضبة وهو يكمل بحرقة :
-نسيتي حبي ، ولعبتي عليا ، ومهمكيش العذاب اللي كنت فيه بسببك ! ماهناش عليكي تكسري قلبي ، ده حبيتك بجد ، كنت مستعد أعمل أي حاجة عشان تبقي معايا ، لكن انتي طلعتي كدابة ، منافقة !
انهمرت عبراتها كالشلال رغماً عنها أمام كلماته .. فأغمضت عينيها بحسرة .. فقد تجسد في مخيلتها تلك الذكريات الآليمة .. وانتحبت بأنين ظاهر …
تأملها مالك بنظرات خاوية .. وأردف قائلاً ببرود :
-دموع التماسيح دي معدتش تخيل عليا ، وش الملاك اللي حطاه خلاص سقط قصادي وقدرت اكشفه !
دفنت وجهها بين راحتي يدها ، وانخرطت في بكاء مرير .. وهمست بصعوبة :
-كفاية ، مش هاسمحلك
قهقه بتهكم قبل أن يصمت ليقول بعدها بإستهزاء :
-بجد ؟ مش هاتسمحيلي .. حقيقي مبهور بيكي !
أشفقت إيثار على حالها ، كانت تظن أنها أقوى من أي صدمات ، اعتقدت أنها بعد الذي تعرضت له ستصبح أقوى ، وستواجه الحياة بشجاعة .. لكنها كانت واهمة ، فمع أول مواجهة محتدة مع حبيبها إنهارت أمامه ..
لم يعبأ ببكائها ، وراقبها بجمود قاسي ..
لم يكن مالك على تلك الحالة من قبل ، لكنه أجبر نفسه على القسوة مع أمثالها ..
دس يده في جيب بنطاله القماشي ، ورمقها بنظرات استخفاف ، ثم هتف بنبرة متغطرسة :
-انتي تعرفي انا بقيت ايه الوقتي ولا اقدر اعمل ايه فيكي ؟
رفعت وجهها ، وحدقت فيه بعينين حمراوتين من كثرة البكاء ، وردت عليه بعدم اكتراث :
-مش عاوزة اعرف حاجة عنك !
أشـــــار لها بإصبعه متعمداً التقليل من شأنها وهو يقول بجفاء :
-فكرك هاصدق الحركة الرخيصة دي ؟ يعني عاوزة تقنعيني انك جاية ومش عارفة هتقابلي مين ولا تشتغلي عند مين ؟!!!
أخذت أنفاساً متلاحقة لتوقف بكائها المتواصل ، وردت عليه بإستياء :
-انا كنت جاية هنا مفكرة اني هاشتغل عند ناس اجانب محترمين ، اساعد بنتهم .. بس مكونتش اعرف اني هلاقيك هنا !
ضحك بإصطناع وهو يقول بتهكم :
-لسه زي ما انتي استاذة في الكدب والخداع !
صرخت معترضة وهي تمسح عبراتها بكفها :
-انا مش كدابة !
ثم رفعت رأسها للأعلى في إباء ، وأكملت بنبرة تحمل الكبرياء :
-بس ملحوئة انا هاعفيك وهاعفي نفسك من الحرج ده كله … انا منسحبة من قبل ما ابدأ حتى !
وما إن أنهت عبارتها حتى أولته ظهرها ، وسارت بخطوات أقرب للركض نحو باب الفيلا ، لكنه هدر بها بصوت آمر :
-استني !
لم تلتف إليه بل تابعت حديثها بصوت جاد وهي تمنع نفسها من البكاء مرة ـخرى :
-اعتذاري الرسمي هتلاقيه مبعوت لسيادتك من المكتب !
ثم استدارت برأسها نصف استدارة لترمقه بنظرات أخيرة ولكنها كانت غريبة ..
التقت عيناه بعينيها المنكسرتين ، ورأى بوضوح فيهما تلك النظرات ..
نعم نظرات كانت تحمل اللوم والعتاب .. وإن تعمقت فيهما رأيت القهر والخذلان ..
استطاع أن يقرأهما .. أن يبني تواصلاً محدوداً معها ، لكنها قطعت تواصلهما البصري قائلة بصوت جاف :
-وبالتوفيق مع حد احسن مني ، عن اذنك يا .. يا مالك بيه !
تركته وسارت بخطوات أقرب الى الركض وهي تاركة العنان لعبراتها للإنهمار مرة أخرى
كانت تود الخروج من هذا المكان قبل أن يطبق على أنفاسها .. فقد كانت تشعر بالإختناق ، بعدم استطاعتها للتنفس ..
لماذا دائما تجد من يقسو عليها ؟
لماذا تتحمل هي كل اللوم والذنب بمفردها ؟
لماذا يتعمدون تركها حطام كلما حاولت بناء نفسها ؟
ولماذا هو تحديدا من يقسو عليها هكذا ؟
تابعتها نظراته المشتعلة الغاضبة منها .. ورغم هذا لا ينكر انها أوقظت فيه روح الغضب والانفعال …
مشاعر مضطربة تختلج صدره وتعصف بروحه التي ظن أنها وجدت سكناها أخيراً ، فسقطت حصونه ، واضطرب قلبه ..
تجدد كل شيء في عقله وكأنه حدث باﻷمس
لحظات حبهما .. لقاءاتهما المتكررة … رومانسياتهما العذبة … وخطبتهما البسيطة
ثم تلتها لحظات مظلمة تضمنت لحظة الفراق القاسية ، ارتباطها بمحسن واكتشافه مصادفة لهذا .. تخليها عنه .. غربته الموحشة .. فراق أخته وما تبقى من عائلته الغالية .. رؤيتها تزف إلى غيره وما أصعبها من لحظات …
كل هذا زاد من تأجيج نيران قلبه …
عجزت الخادمة راوية عن الاعتناء بالصغيرة ( ريفان ) ، فعادت بها إلى رب عملها وهمست بخوف :
-مالك باشا .. ريفان مش عاوزة تسكت من ساعة ما خدتها من المربية الجديدة !
رمقها مالك بنظرات حادة ، وعبس بشدة وهو يقول :
-هاتيها !
ناولته إياها بحذر وهي تقول بهدوء :
-اتفضل يا فندم
أمسك مالك بإبنته الصغيرة ، واحنى رأسه عليها ليقبلها بحنو متناقض مع حالته الهوجاء ، ثم تلمس وجنتيها بأطراف أصابعه ، وداعبها في عنقها لتضحك ببراءة .. ثم همس لها بصوت رخيم :
-ايه يا روفي .. انتي مش عاوزة تسكتي عشان بابي ؟
قبلها من جبينها ، ومسح على رأسها برفق شديد ، واختنق صوته إلى حد ما وهو يقول :
-انتي الهدية الغالية اللي فضلت من مامي !
………………………………..
التقت روان في طريقها بشبح إيثار .. ظنت انها توهمت رؤيتها وهي تترجل من سيارة الأجرة ، وحدقت في طيفها لفترة طويلة ..
ولكنها نفضت تلك الفكرة عن عقلها .. فمن المحال أن يقابلها أخيها بعد ما حدث بينهما من صدام موجع ..
هناك فجوة عميقة صارت بينهما … حاجز ضخم تشكل بقوة ليحول بينهما …فكيف يمكن أن تأتي إلى هنا ، لذا استبعدت الفكرة .. ودفعت بوابة الفيلا الرئيسية بيدها لتلج إلى الداخل …
……………………………….
كانت من أصعب اللحظات التي مرت بها ، بل من أقساها على الإطلاق .. أن تظل في نظر مالك مذنبة مخادعة ..
لم تستقل أي سيارة أجرة وظلت تسير هائمة على وجهها .. واكتفت بتغطية وجهها بنظراتها القاتمة ..
بكت من أعماق قلبها على القهر والظلم ..
هي كانت تحتاج إلى حضنه الدافيء ليعيد إليها ما افتقدته ..
لكنها وجدت فيه شخصاً أخر ..
رأت شخصية تشبه محسن في قسوتها ، وأخيها في ظلمها ..
ما أضنى قلبها حقاً هو تكوينه لعائلة صغيرة .. في الوقت الذي خدعت هي فيه وذاقت الأمرين من طليقها ..
فارق كبير بين حياتها وحياته ..
هو استعاد ما فقده ، وهي فقدت كل شيء ..
توقفت عن السير أمام أمواج البحر المتلاطمة ..
شردت في تصارعها وتلاحقها لتتذكر كيف تصارعت معها الحياة حتى أصبحت ما هي عليه الآن …
………………………………..
ألقت روان بالصغيرة ريفان في الهواء وظلت تتقاذف معها الكرات وهما تمرحان سوياً في الحديقة الواسعة إلى أن انضم إليهما مالك ، فهتفت بسعادة :
-ماشاء الله ، روفي زي العسل يا مالك
رد عليها بهدوء :
-ايوه
أضافت روان قائلة بإبتسامة عريضة :
-هي شبه مامتها خالص !
أومــأ برأسه إيجاباً وهو يقول :
-ده حقيقي ، خدت لون عنيها وشعرها ، وحتى ملامحها
هتفت روان بمرح وهي تشير إلى نفسها :
-بس خفة دمها اكيد مني ، مش هاتكون نكدية زيك
نظر لها محذراً وهو يقول بجدية :
-روان !
ابتسمت له لتردد بسعادة :
-بهزر يا مالك ، مش تزعل مني
دنا منها أخيها ، وقبل أعلى رأسها ، وكذلك صغيرته ، ثم همس بصوت يحمل الحزن :
-مقدرش ، ده انتي الوحيدة اللي قريبة من قلبي
تعلقت في ذراعه ، ومالت برأسها على كتفه ، وهمست بخفوت :
-حبيبي يا مالوك ، ربنا يخليك لينا !
سـألها مالك بإهتمام وهو يمسح على شعرها :
-ها مش ناوية تيجي تستقري معايا في الفيلا ؟
هزت كتفيها نافية وهي تقول بجدية :
-لأ ، أنا عاوزة افضل مع عمتو
لكزها بخفة في مؤخرة رأسها ، وعاتبها قائلاً :
-يا بنتي ماتبقاش دماغك ناشفة زيهم ، مش معقول هافضل قاعد هنا لوحدي
ردت عليه بإصرار :
-وأنا مش هاقدر اسيبهم لوحدهم ، على الأقل لحد ما اقنعهم يجوا هنا
-طيب !
ظلت روان تلاعب الصغيرة إلى أن طرأ ببالها شيء ما ، فهتفت بنزق :
-تصدق أنا اتخيلت بمين النهاردة هنا
سألها بفتور وهو يعبث بهاتفه المحمول :
-مين ؟
ردت عليه بإبتسامة رقيقة :
-ايثار ! فاكرها ؟
تبدلت تعابير وجهه المرتخية إلى قاسية ، واشتدت حدة نظراته ، ثم ســألها بصرامة :
-وانتي شوفتيها فين ؟
هزت رأسها نافية وهي تقول :
-لأ ، أنا ماشوفتهاش ، أنا بأقولك أني اتخيلت بيها هنا
عضت روان على شفتيها بتوتر قليل ، فقد أرادت أن تستشف من أخيها عن أمر ما ظل يشغل تفكيرها لوقت طويل ..
أخذت نفساً عميقاً ، وزفرته على مهل ، ثم استجمعت شجاعتها وســألته بحذر :
-مالك ، هو .. هو انت لسه بتحبها ؟
وكأنها أشعلت فتيل غضبه ، فتوقف عن التحديق في هاتفه ، ثم رفع بصره نحوها ، ورمقها بنظرات نارية ، وصرخ بها بجنون أخافها :
-روان ! كلام في الموضوع ده مش عاوز !!!!!
خافت من هيئته المرعبة ، وأشارت له بيدها وهي تبتلع ريقها بإرتعاد قليل :
-طيب .. طيب ، مش تزعق فيا !
اكتسى وجهه بحمرة غاضبة شديدة ، وكور قبضته بشدة حتى ابيضت مفاصله من قوة الضغط ..
ثم تحرك بإنفعال مبتعداً عنها ، فسـألته بتوجس :
-انت رايح فين ؟ مش هاتتغدى معانا ؟!!!!
أجابها نافياً بقوة وهو يلتفت برأسه نحوها :
-لأ ، وماتمشيش إلا لما أبعتلك السواق يوصلك !
ردت عليه بمزاح محاولة تخفيف حدة الأجواء :
-أيوه يا عم ، بقينا من علية القوم
تابع مالك قائلاً بصوت آمر وجاد :
-اسمعي الكلام يا روان ، ماتمشيش إلا لما أبعتلك العربية بالسواق
ردت عليه بإبتسامة ناعمة :
-حاضر يا مالك باشا !
……………………………..
مـــــر الوقت على إيثار وهي جالسة على الشاطيء دون أن تشعر بتأخره .. فنهضت بتعب من على المقعد ، وقررت الذهاب إلى المكتب التابع لعملها لتقديم اعتذار عن رعاية صغيرة عائلة مالك ..
وبالفعل توجهت إلى هناك ، ولكنها تفاجئت بالمديرة تبلغها بجدية :
-للأسف اعتذارك مش مقبول يا إيثار
اتسعت حدقتيها في صدمة ، وهتفت بذهول :
-نعم
أوضحت المديرة قائلة بجدية :
-الأستاذ مالك أصر على وجودك لرعاية بنته !!!!
وبدت كمن تلقى صاعقة كهربائية للتو جعلت جسدها كله ينتفض على ذكر اسمه ..
هو رفض قرارها بالرحيل هكذا ، وأصر على على بقائها في العمل رغماً عنها وكأنها لا تملك حق الاختيار ..
تشنجت تعابير وجهها من تخيل هيئته الغاضبة وهو يحط من قدرها ، ويهينها بشراسة ، وهتفت محتجة وهي تصر على أسنانها :
-بس أنا مش موافقة
ردت عليها المديرة بهدوء حذر :
-مش هاينفع ترفضي ، انتي ماضية على تعاقد !
أدركت إيثار أنها واقعة في مأزق قانوني ، فتعاقدها بالفعل ينص على الالتزام مع العائلة حتى تنتهي مدة التعاقد .. وإلا وقعت تحت طائلة الشروط الجزائية ..
حاولت أن تبرر للمديرة موقفها الرافض ، فهمست برجاء :
-بس .. بس في أكفأ مني قادرين يقوموا بالمهمة دي بدالي ويمكن أحسن ، أرجوكي اقبلي اعتذاري ورشحيله الأفضل
هزت رأسها معترضة وهي تجيبها بإلحاح :
-هو رافض إن أي حد يشتغل غيرك ، ولو .. ولو انتي رفضتي للأسف مضطرية أطبق الشرط الجزائي !
خفق قلبها بفزع ، وتساءلت بتخوف :
-يعني ايه ؟
ردت عليها بضيق قليل :
-انتي عارفة بموضوع الشرط الجزائي ، ولو احنا خلفناه هنقع في مشاكل ، والأستاذ مالك وقع معانا على العقد ، فبالتالي انتي لازم تروحي !
هتفت إيثار بصوت شبه مختنق :
-بس آآ..
قاطعتها المديرة قائلة بجدية :
-ايثار ، انتي لو امتنعني عن شغلك هاتخسري كتير ، وهاتتحملي لوحدك قيمة الشرط ، وهو مش سهل
سألتها إيثار بقلق :
-كام يعني ؟
صمتت المديرة للحظات قبل أن تجيبها بتلعثم :
-مـ.. مليون جنية
شهقت إيثار مصدومة وهي جاحظة العينين :
-ايييييييه !!!!
…………………………………
في مكان أخــــــر ،
أطلقت ســـــارة سبة لاذعة وهي تلقي بالصحن المتسخ في الحوض .. ثم رفعت ذراعها للأعلى لتجفف عرقها المتصبب .. فالجو كان حاراً للغاية ، وهي لم تعد تتحمل تلك الحياة المرهقة التي تعيشها ..
استندت بعدها بكفيها على حافته ، وأخفضت رأسها في خزي واضح ..
أغمضت عيناها بقوة لتمنع نفسها من البكاء حسرة على حالها ..
لقد ظنت أنها بمجرد أن تتزوج من ذلك الشاب الثري رامز ستصبح ملكة متوجة ترتاد القصور ، وتقتني أفخم الثياب وتتقلد أثمن المجوهرات ، ولكنها تفاجئت بأنها مجرد أوهـــام ، أكاذيب واهية خدعها بها ..
فرامز لم يكن سوى رجل عادي ، لا يملك الكثير ، وظيفته عادية ، يدين لغيره بالكثير من الأموال ، كان يبحث عن عروس ليتزوجها ليحصل على أموال من أبيه كنفقات للزيجة ، ولكنه ببساطة خدع الجميع ، وأتى بها لتخدمه وتنفق عليه .. فقد كان بخيلاً للغاية ، و لم ينفق عليها مليماً واحداً ….
في البداية خشيت ســـــارة أن تخبر عائلتها بما حدث معها فتتعرض للشماتة والتشفي خاصة وأنها كانت من أصرت على الزواج منه في أسرع وقت ..
فإدعت أنها بخير وحياتها مثالية .. ولكنها يئست من كل شيء ، وأرادت الخلاص نهائياً منه .. لكنها تقيدت هي الأخرى بالديون .. فأصبحت مجبرة على سدادها أولاً قبل أن تطلب الطلاق وترحل ، وإلا تعرضت للزج في السجن ..
عادت لترفع رأسها للأعلى ، ثم فتحت الصنبور ، وأكملت غسل الصحون المتسخة وهي تبكي …
………………………………..
استطاع مالك أن يحاصر إيثار بحق ، لم يكن ليتركها تفر بما فعلته به دون أن يعاقبها على خيانتها له ..
وجودها الآن هو فرصة هامة – ولا تعوض – للإنتقام منها ، ولمحاسبتها على ما مضى .. نعم هي فرصته لتلقينها درساً أخراً في توابع الغدر والخداع ..
وبالفعل نجح في هذا ، ووقع بنفسه على عقد عملها ، وبات متأكداً من عجزها عن الرفض ، وسينتظر بترقب قدومها إليه …
……………………………….
فكرت إيثار ملياً طوال سيرها في حياتها بأسرها .. هي لم تحقق أي انجاز يذكر سوى في عملها الذي أحبته بشغف ، فأثبتت نفسها وكفائتها ، وحرفيتها مع الصغار بشهادة جميع من عملت معهم .. وها هي اليوم على وشك خسارته بسبب من أحبته ..
أردت ترك العمل معه لتتجنبه ، لكنه أجبرها عليه ليزيد من عذابها ..
هي لا تريد أن تعاني من وجوده في حياتها بأي صورة ممكنة ..
وهو وضعها في موقف صعب ..
لا يمكنها الإعتذار عن أداء واجب عملها بسبب قيمة الشرط الجزائي ، ولا يمكنها الصمود معه في مكان واحد وتحمل إهاناته وظلمه البيّن ، فباتت أمام خيارين كليهما أصعب من الأخــر ، وهي مضطرة للقبول بهما معاً ………………………………..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبقي منها حطام أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى