رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل السادس عشر 16 بقلم منال سالم وياسمين عادل
رواية وبقي منها حطام أنثى الجزء السادس عشر
رواية وبقي منها حطام أنثى البارت السادس عشر
رواية وبقي منها حطام أنثى الحلقة السادسة عشر
(( أدخلني حبّك سيّدتي مدن الأحزان
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان
لم أعرف أبداً أنّ الدّمع هو الإنسان
وأن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان )))
شهقت إيثــــار مصدومة ، ودبت رعشة قوية في أوصالها حينما وجدت ذراعي محسن تطوق جسدها وتحملها فجــأة ..
توترت من قربه الشديد ، وشعرت بالنفور من نظراته الجائعة التي تكاد تلتهمها حية دون أن تلمسها ..
كذلك شعرت بالإشمئزاز من أنفاسه اللاهثة التي تحرق وجنتيها كأنها ألسنة اللهب ..
بعد أقل من عدة دقائق ، وصل بها إلى باب منزلهما ، أو ما أسمته سجنها الأبدي ، وهو يتحرق شوقاً للتنعم بجمالها الملائكي ..
فتح الباب ، وهمس بنبرة خشنة :
-خشب برجلك اليمين يا عروسة
ازدردت إيثار ريقها المرير بصعوبة ، وانحنت لترفع أذيــال فستان عرسها ، وولجت للداخل بخطوات بطيئة متثاقلة ..
جابت بنظرات خاطفة وسريعة للمكان من حولها ، تأملت الصالة بنظرات أكثر دقة محاولة تذكر ما فعلته لترتب الأثاث ..
ولكن باءت محاولتها بالفشل ، فهي كانت شــاردة معظم الوقت ، تساق كالمغيبة ، وترك أغلبية الأمور لأمها وأخوها ..
فاقت من غفلتها السريعة على صوت صفق الباب بعنف ، فانتفضت مذعورة بجسدها ، وأدارت رأسها للخلف لتنظر إلى محسن الذي كان يحاصرها بنظراته الجريئة ..
التوى ثغره بإبتسامة صفراء وهو يقول :
-نورتي بيتك يا حلوة ، والليلة ليلتك يا قمر ! أظن بقى مافيش أحلى من دي ليلة !!!!
ثم زاد من نظراته الوقحة نحوها ..
شهقت مصدومة من أسلوبه الفظ في الإشـــارة إلى ليلة عرسهما ..
ضاقت نظراتها نحوه ، وهمست بصوت شبه متحشرج :
-أنا هاغير هدومي الأول
-مش عاوزة مساعدة
قالها محسن وهو يتقدم صوبها ، فتراجعت مذعورة للخلف .. وهزت رأسها معترضة بإصرار وهي تقول بهلع قليل :
-لأ .. أنا هاتصرف مع نفسي
رمقها بنظرات غامضة قبل أن يرد عليها بمكر :
-وماله ، خدي راحتك يا عروسة ، ما انتي معذورة لسه مش واخدة عليا !
ســارت مسرعة نحو غرفة النوم وهي تعض على شفتيها قهراً .. وفكرة واحدة مسيطرة على عقلها كلياً .. أن أخيها قد زج بها في تلك الكارثة بلا رحمة …
أغلقت الباب خلفها ، واستندت بكفها عليه قليلاً محاولة السيطرة على نوبة البكاء التي تهدد بالإنطلاق في أي لحظة .. أغمضت عينيها بقوة ، ونكست رأسها حزناً ..
لم تكن هي ليلة عرسها التي تخيلتها ولطالما حلمت بها ، ولم يكن محسن هو فــارس الأحلام الذي انتظرته بعشق لتتوج قصة حبهما بالزواج ..
أخذت تتنفس بعمق في محاولة بائسة منها لنفض ذكريات الماضي عن عقلها .. والتطلع إلى مستقبلها المجهول مع شخص بالكاد عرفته ..
تحركت بتثاقل للأمـــام ، فوقعت عينيها على الفراش .. فتسمرت في مكانها مشدوهة ..
تذكرت كلمات والدتها المقتضبة حول ماهية ليلة الزفـــاف ، وما على العروس من فعله لتنال رضــاء زوجها وتوقعه أسير غرامها …
فإنتابتها حالة من الإرتباك الممزوجة بالرعب.. تنفست ببطء لتسيطر على إنفعالاتها المتوترة ..
ثم بحذر شديد أزاحت حجاب رأسها عنها ..
مدت يديها للخلف لتفك السحاب الخاص بفستانها ، ولكن انتفض جسدها فزعاً حينما رأت محسن يقتحم عليها الغرفة دون سابق إنذار ..
تراجعت برعب للخلف ، وحدجته بنظرات نارية وهي تصرخ فيه معنفة إياه :
-في ايه ؟ إنت ازاي تدخل عليا كده
برقت عينيه بشرر مخيف وهو يرد عليها بنبرة حادة :
-جرى ايه يا حلوة ، مش إنتي مراتت ولا أنا غلطان ؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس برجاء:
-لو سمحت ، أنا محتاجة آآ…
قاطعها وهو يهجم عليها مطوقاً إياها من خصرها بذراعيه وكأنها فريسة قد وقعت في شباكه :
-أنا مش قادر أصبر أكتر من كده
حاولت إيثار دفعه بقبضتيها من صدره ، وقد بدى النفور واضحاً على تعابير وجهها ، وتوسلت له بنبرة مختنقة :
-لو .. لو سمحت أنا محتاجة أخد الأول عليك ، اديني فرصة آآ…
قاطعها قائلاً بهمس فحيح وهو يحاول تقبيلها رغماً عنها على وجنتها :
-تاخدي عليا ؟! هو احنا لسه هنتعرف ، ده انتي مراتي !
زاد شعورها بالإشمئزاز والغثيان من قبلاته المتتالية التي تحرق روحها قبل بشرتها ، واعترضت بخوف وهي تتلوى بجسدها :
-سيبني !
زاد من قبضتيه حولها ، وعمق من تقبيله إياها بصورة أعنف وهو يقول لها بنبرة غاضبة :
-انتي بقيتي مراتي ، وحلالي ، وأنا من حقي أعمل اللي عاوزه فيكي
ثم أطبق عليها أكثر بذراعيه حتى كادت تشعر أن عظامها ستحطم مما يفعله بها ، وصرخت مستغيثة :
-لأ .. ابعد عني !
أغضبه بشدة نفورها منه ، وهتف وهو يصر على أسنانه بغلظة :
-الظاهر إن حبيب القلب لسه في بالك !
ارتعدت من أسلوبه العنيف ، ومن نظراته المميتة المسلطة نحوها ، وتحركت شفتيها قائلة دون أن تنطق
-مـ.. مالك !
وكأنه قرأ ما قالته في صمت ، فإهتاج بشدة ، وزاد عنفه نحوها وهو يصيح بجنون :
-أنا هاعرفك مين هو محسن ! إنتي مش متجوزة عيل !!!!
دفعها بقوة للخلف لتسقط على الفراش ، فصاحت بذعر ثم ألقى بنفسه عليها ليزيح عنها فستانها غير عابيءٍ بصراخها ولا ببكاءها …
قاومته بشراسة ، لكن إصراره بإفتراسها كان يزداد مع كل مقاومة منها ، نجح في نزع فستانها عنها ، فكشف عن جسدها ، وانتزع بعنف ما بقي من ثيابها التحتية لتصبح هي تحت رحمته ..
لم تجد منه إلا العنف المفرط معها ..
حاول إخضاعها لرغباته متجاهلاً توسلاتها ..
لم تهدأ ثورته الهائجة للحظة معها .. فإصراره على تملكها كان يزداد بإثبات رجولته عليها …
تمزقت روحها مع ما كان يفعله بها ..
لم تستطع المقاومة .. فالآلم بات أكبر من قدرتها على التحمل ….
انهارت قواها تماماً ، وخارت روحها مع ارتخاء جسده ..
بكت بحرقة ، وأغمضت عينيها قهراً وخزياً .. فها قد تدمرت أخر أحلامها الناعمة .. وحل محلها ذكرى أخرى بائسة لن تمحى من ذاكرتها ..
طالعها محسن بنظرات مطولة ممرراً عينيه على كل تفصيلة في جسدها البض وهو يهمس لها بصوت أصابها بالغثيان :
-انتي ليا وبس !
طبع على جبينها قبلة عميقة ، ثم وضع يده على فكها ليدير رأسها نحوه ، وإنهــال عليها بقبلات أخرى أصابتها بالإختناق ..
كم كرهت وجودها معه ، كم احترقت شفتيها بسمه الذي يبثه فيها مع كل قبلة ينالها منها ..
أخذت تئن بصوت مكتوم وهي تكافح لإلتقاط أنفاسها ..
أرادت أن ينتهي هذا الكابوس .. لكن أبت آمالها ألا تتحقق .. وظلت في عرض مستمر حتى لم تعد تشعر بشيء …
مــــر الوقت بطيئاً عليها حتى وجدته قد تراجع مبتعداً عنها لينهض تاركاً الفراش وهو يتمتم بكلمات لم تتبينها ..
لم تتحرك قيد أنملة ، كانت كالصنم .. روحها تحترق ، وجسدها يئن من لمساته المقززة عليها ..
جفت عبراتها بعد ساعات من البكاء المتواصل ..
وأغمضت عينيها مستسلمة لأوجاعها التي بدأت للتو ..
…………………………………………
رست السفينة على رصيف الميناء ليبدأ ركابها في التحرك نزولاً منها ..
تملك مالك إحساساً غريباً بالغربة ، لمحة من الحنين الممزوج بالضيـــاع قد بدأت تتغلل فيه ..
هو متيقن أنه فعل الصواب برحيله وبقبوله لعرض صديقه بالسفر إليه والعمل في تلك الوظيفة الشاغرة ..
كانت الفرصة الوحيدة لكي يبتعد عن أوجـــاع الماضي ، عن تلك الذكريات الآليمة التي أصبحت كظله ..
أكثر ما آلمه هي نظرات الفراق مع عائلته الغالية ..
وما أوجعه هو اعتقاده بخيانة إيثار له وتخليها عنه بتلك السهولة ..
اعتصر قلبه بشدة من ذكراها .. وشد من قبضة يده الممسكة بالدرابزون المعدني وهو يتحرك نزولاً عن السفينة ..
جاهد ليمحو طيف صورتها التي تتشكل أمامه بين الفنية والأخرى ، وكأنها تتعمد إلهاب جرحه ..
ابتلع ريقه بصعوبة ، وحبس أنفاسه في صدره ليهدأ من تلك النيران المستعرة بداخله ..
جاب المكان أمامه بنظرات خاوية ، وحدق في أوجه الواقفين على رصيف الميناء بنظرات واجمة ..
-مالك ، يا مــــالك ، أنا أهوو
صوت تردد بنبرة مرتفعة أثار انتباهه وجعل رأسه يدور في أغلب الاتجاهات بحصاً عن صاحبه ..
وبالفعل وقعت أنظاره على رفيقه نـــادر ..
ابتسم له ابتسامة مجاملة ، وتحرك صوبه
استقبله رفيقه بحرارة ، وضمه بشدة إليه وهو يضيف بحماس :
-أخيراً يا سي مالك حنيت عليا ووافقت تيجي !
التوى ثغره بإبتسامة خفيفة وهو يسأله :
-ازيك يا نادر ؟
أجابه نـــادر بنبرة مفعمة بالحيوية وهو يجر حقيبة سفره من حاملها :
-الحمدلله ، قولي ايه الأخبار معاك ، والرحلة كانت عاملة ازاي ؟
رد عليه بنبرة مرهقة وهو يعلق حقيبته الأخرى على كتفه :
-الحمدلله ماشي الحال
وكأن رفيقه قد رأى لمحة الحزن المتجسدة في عينيه ، فســأله متوجساً :
-في ايه مالك ؟ انت شكلك مش آآآ…
قاطعه مالك مسرعاً حتى لا يترك له الفرصة لإستجوابه :
-متخدش في بالك ، ده بس من تعب السفر
أومــأ الأخير برأسه موافقاً وهو يضيف :
-أها .. عندك حق ، برضوه السفر بالمركب بيتعب ، يالا بينا ، هوديك عند بيتي تغير هدومك وتاكل وترتاح
-ماشي
ثم تحرك الاثنين في إتجاه إحدى السيارات المصفوفة خـــارج الميناء ليستقلاها بعد أن وضع نادر الحقيبتين في صندوقها ..
……………………………………..
كانت ليلة كئيبة بحق ، لم يغمض فيها جفن لإيثار التي ظلت تبكي في صمت مرير ..
نـــام محسن إلى جوارها ، وغط في سبات عميق بعد ذلك المجهود المتوحش الذي استنفذ طاقته كلها ..
وبعد أن اطمأنت إلى انتظام أنفاسه وسكون جسده كالموتي ، وعدم احساسه بما حوله ..نهضت عن الفراش ، وركضت إلى المرحاض وهي تحاول التماسك كاتمة فمها بيدها .. فهي لم تعد تطيق جسدها من لمساته الحقيرة عليها ، بالإضافة إلى ذلك الآلم الذي يجتاح جسدها من حميميته القاسية معها ..
لقد فـــاق ما فعله بها تصورات والدتها التي كانت تخبرها بها على استحياء ..
أوصدت الباب خلفها ، وأسرعت بفتح صنبور المغطس لتنهمر المياه على جسدها لتبرد نيرانه المحمومة .. ولكنها لم تفعل ..
ظلت تغتسل وتغتسل وتغتسل وهي تبكي بآسى وحسرة لعلها تزيل تلك الأثار المقيتة عنها ..
ولم تمنع شهقاتها من الظهور ..
بقت لفترة في المرحـــاض حتى زاد وهنها ، فأغلقت الصنبور وخرجت منه وهي تلتف بروبها القطني ..
لم ترغب في العودة إلى غرفة نومها ..
وســارت بضعف في اتجاه الصالة ، وألقت بجسدها المنهك على أقرب أريكة .. ثم لفت نفسها بذراعيها وكأنها تحتمي من ذلك الشر القابع بالداخل ..
أرجعت رأسها للخلف ، وأغمضت عينيها وهي تتنهد بإنكســــار لم تتذوق سواه ، وما هي إلا لحظات واستسلمت لصوت جسدها المتعب ، ونامت ودمعاتها الدافئة تنســـاب على وجنتيها …
…………………………………
انتهى مـــالك من ترتيب متعلقاته الشخصية في خزانة الملابس بغرفته في منزل رفيقه نــــادر ..
ذلك الرفيق الذي ندر وجوده في تلك الأيـــام ..
كان عرضــه سخياً بحق .. فرصة عمل – مميزة من وجهة نظره – بإحدى شركات الإستيراد والتصدير متعددة الجنسيات والتي يعمل بها كمدير تنفيذي ..
لم يستطع الرفض ، خاصة وأنه كان يحتاج إلى مكان يبعد فيه عن كل ما يتعلق بالماضي المؤلم ..
أراد فرصــة ليبدأ فيها من جديد ..
فرصــة تتيح له الوقت ليلملم شتات نفسه ويستعيد هويته التي ضاعت بخيانتها ..
إيثـــار .. مازال صدى اسمها يتردد في أذنيه ، وطيف ضحكاتها الناعمة تداعب قلبه ، ووميض نظراتها الباسمة تسيطر على عقله ..
غمازتيها .. تلك العلامتين التي طالما أسرته ..
إيماءة رأسها ، وإلتواءة شفتيها وهي عابسة ..
كم يقتله الحنين إليها ..
تنهد بعمق لأكثر من مرة محاولاُ إبعادها بيأس عن ذاكرته ..
ظل يذكر نفسه مراراً أنها لم تعد له ، هي خائنة العهود ، هي التي إرتضت بغيره لأنها أقدر مادياً ، وأوهمته الحب .. فتركته يقاسي بمفرده في غربة موحشة ..
فردد مع نفسه إحدى قصائد نزار الشعرية مواسياً روحه :
(( وما بين حُبٍّ وحُبٍّ،
أُحبُّكِ أنتِ
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني
وواحدةٍ سوف تأتي
أُفتِّشُ عنكِ هنا وهناكْ
كأنَّ الزّمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ
فكيف أُفسِّرُ هذا الشّعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ ((
……………………………….
مــــد محسن ذراعه – وهو شبه غافٍ – إلى جواره ليتلمس زوجته الجميلة ، فوجد مكانها خاوياً وبارداً ، ففتح عينيه فجــأة .. وضاقت نظراته المنزعجة وهو يفتش عنها سريعاً ..
اعتدل في نومته ، وحك مؤخرة رأســـه ثم تثاءب ، ونهض بتثاقل من على الفراش ..
جرجر قدميه وهو يتحرك للخـــارج ..
رأها وهي غافية و متكومــة على نفسها على الأريكة في روبها القطني ، فأثارته ، وحركت غرائزه نحوها ..
تقوس فمه بإبتسامة عابثة ، ودار برأســه أفكار طائشة ..
اقترب منها ، وجلس إلى جوارها .. وظل يطالعها بنظرات دقيقة أكثر جرأة ..
مــد يده لينزع ببطء عنها روبها وهو يمتع عينيه بمفاتنها الأنثوية ، فقد ظل محروماً لفترة من امرأة جميلة ترضيه وتلبي رغباته ..
تململت إيثار في نومتها الغير مريحة ، وشعرت بلمسات حذرة على بشرتها أصابتها بالقشعريرة ..
رعشة بـــاردة دبت فيها فجــأة ، ففتحت عينيها مذعورة ، وحدقت فيه بهلع ..
رأت يديه على جسدها ، فأبعدتهما بخوف ، وضمت سريعاً فتحتي روبها لتغلقه جيداً ..
تحولت نظراته للإظلام وهو يرى ردة فعلتها ، فصــاح بها بقوة :
-في ايه ؟ شوفتي عفريت !!!!
نظرت له متأففة ، وحاولت النهوض وهي تجيبه بتلعثم :
-أنا .. انت آآ…
قاطعها قائلاً بشراهة أرعبتها أكثر :
-أنا عاوزك
جفل جسدها من نبرته ، وتفاجئت به يميل عليها ليقبلها رغماً عنها وهو يتابع بهمس زاد من شعورها بالنفور :
-لسه بتتكسفي مني يا عروسة !
وضعت قبضتيه على ذراعيها ، فدفعته بعيداً عنها بركبتيها المضمومتين رافضة أي محاولة منه لتحقيق مبتغاه ، ولكنه أبى ألا يتركها ..
فقد طـــاب له التمتع بها ..
وهـــا قد عـــاود تكرار فعلة الأمس ليزيد من إزدرائها لنفسها …..
………………………………
جمعت تحية صحون طعام الإفطار الفارغة وهي تتنهد بحزن ..
كانت ملامح وجهها عابسة للغاية ، نظراتها شــاردة ..
تشعر بإشتياق إلى ابنتها الوحيدة رغم أنها لم تفارقها إلا بالأمس ..
رأها عمرو على تلك الحالة الواجمة ، فاقترب منها ، وسألها متعجباً :
-ايه اللي مضايقك ؟
ردت عليه بإقتضاب :
-مافيش !
أدرك عمرو دون أن تنطق والدته أن سبب حزنها هو شقيقته ، فإبتسم قائلاً بمرح :
-شكل البت إيثار وحشتك
ردت عليه بصعوبة وهي تحاول منع عبراتها من الإنهمار :
-اسكت ياعمرو ، قطعت بيا !
لف ذراعه حول كتفيها ، وقبل أعلى رأسها وهو يضيف بتحمس :
-ياماما هي لحقت ، ده تلاقيها متهنية مع محسن ومتمرمغة في العسل !
تنهدت تحية قائلة بتمني :
-يا ريت يا بني ، لأحسن قلبي واكلني عليها أوي !
وكأن شكوك والدته قد أرقت ضميره الذي حاول إسكاته منذ الأمس .. فكلمات إيثار الجافة قد أحدثت أثراً غائراً في نفسه حتى لو حاول إنكار هذا …
……………………………………….
تراجع محسن بجسده للخلف بعد أن فرغ من بث رغباته المشحونة ، ومسح لعاب فمه بكفه ، وحدج إيثار بنظرات غريبة ، ثم أردف قائلاً بجمود :
-قومي يا حلوة جاهزيلنا بايديكي الطعمين دول لقمة ناكلها قبل ما نتوكل على الله ونسافر !
لم تعقب عليه ، بل إكتفت بالنظر إليه شزراً وهي تعيد غلق روبها بيدين شبه مرتعشتين ..
نهض عن الأريكة ، وتحرك نحو المرحــــاض ليغتسل ، فدفنت إيثار وجهها في راحتي يدها لتبكي بأسف حالها ..
هي ليست كأي عروس سعيدة بزواجها .. هي تعاني بمرور اللحظات وهي في أحضان ذلك السمج المقيت الذي تبغض اقترابه منها ..
وها هو يحطم فيها مشــاعر الود والألفة من جديد ..
لم يدفعها لحبه بالرفق واللين ، بل تجاهل مشاعرها تماماً ، وكأنها مجرد وعــاء ينفث فيه طاقاته المكبوتة قاتلاً فيها أي إحساس بالحب والرغبة …
…………………………………
أعدت تحية وجبة الطعام للعروسين وأضافت عليها الكثير من الفاكهة والحلوى ..
تأمل رحيم تلك الأكياس البلاستيكية بنظرات ممعنة ، وتساءل قائلاً بجدية :
-خلصتي يا تحية ؟
أجابته بنبرة شبه مرتفعة وهي تلج من المطبخ :
-أيوه يا حاج ، مش ناقص بس غير احطلها العصير
هز رأســه بحركة خفيفة وهو يضيف بتنهيدة حزينة :
-ماشي ، ابقي سلمي عليها أوي
بادلته ابتسامة هادئة وهي تقول :
-يوصل يا حاج !
هتف عمرو بنبرة عالية وهو يقف مستنداً بجسده على باب المنزل :
-يالا يا ماما عشان ألحق أوصلك
ردت عليه بصياح :
-حاضر ، هاربط الطرحة وأجيلك يا عمرو !!
-طيب ، أنا هاخد الشنط وهاسبقك على تحت
-ماشي يا بني
وبالفعل أمسك عمرو بالأكياس البلاستيكة ، وخرج من المنزل ، وأغلق الباب خلفه لينزل هبوطاً على الدرج ..
في نفي التوقيت كانت روان صاعدة إلى منزلها ، وما إن وقعت عينيها عليه حتى حدجته بنظرات قاتلة تعجب منها ..
كانت تحمله هو وأخته اللوم في فراق أخيها ..
لم تستطع إخفاء مشاعرها العدائية نحوه ، واستشف ببساطة سبب تلك النظرات ، فهي لم تكن بحاجة إلى أي تفسير .. فالسبب كان واضحاً للعيان ، ورغم هذا نظر لها بجمود ، وتحرك بخطوات بطيئة للأسفل …
……………………………..
توقفت سيارة الأجرة أمــــام محطة القطارات ، فترجل منها محسن بعد أن دفع للسائق أجرته ، ثم تبعته إيثار وهي تنظر حولها بإرتياب ..
سحب حقيبة سفر مليئة بثيابها خلفه ، وأمسك بقبضته الأخرى إيثار وكأنها يخشى إفلاتها منه ..
دفعها للركوب في عربة القطار بعد حجز التذكرتين .. وجلست كالتائهة حيث أمرها ..
بعد برهـــة تحرك بهما القطار بعد إطلاق صافرته إلى وجهة لا تعلمها بعد ..
وضعت هي نظارة شمس قاتمة لتحجب عينيها المنتفختين عنه .. لكنها لم تستطع منع عقلها من التفكير فيما سيحدث لاحقاً ..
فقلبها ينبئها بوجود خطب ما في تلك السفرة مجهولة المعالم ..
رن هاتف محسن في جيبه ، فأخرجه لينظر في شاشته ، ثم أطلق سبة خافتة انزعجت منها إيثار ، وفغرت شفتيها مشدوهة من وقاحتها .. ومن ثم أجاب على ذلك الإتصــال بنبرة ممتعضة :
-ايوه يا عمرو
كانت كمن أصابته الصاعقة بعد تلك الكلمات المقتضبة ، وارتفع حاجبيها في ذهــــول عجيب .. فمن كان ينعته بتلك الصفة البشعة هو أخيها الوحيد ..
تأججت النيران بصدرها ، واشتعلت عينيها غضباً ، كيف يجرؤ على هذا ؟ ويسيء إلى أخيها في حضرتها ، وفي غيابه ، وهو الذي يدعي رفقته وصحبته الطيبة ..
بدأت خصاله السيئة تنكشف أمامها ، تلك الصفات التي تغاضى الجميع عنها عمداً من أجل تزويجها له …
ظلت على حالتها المصدومة وهي تتابع باقي حديثه الجاف :
-احنا مسافرين .. لأ .. لسه مش دلوقتي .. معلش ، مراتي وأنا حر معاها .. هانبقى نكلمك .. أها .. سلم عليها ، ماشي .. شكراً
أنهى المكالمة وهو يرسم ابتسامة صفراء على شفتيه ، ثم رفع رأســه لينظر إليها ببرود قاتل وهو يقول :
-أنا هافصل الموبايل ، مش ناقص خوتة من أهلك
اتسعت حدقتيها الحانقتين وهي تســأله بنبرة حادة
-انت .. انت ازاي تشتم أخويا كده ؟
رد عليها ببرود يحمل التهكم :
-عــادي ، غلطت في البخاري ياخي
ثم مــــال للأمام بجسده نحوها ، ورمقها بنظرات قاسية وهو يتابع بفظاظة :
-وبعدين انتي مراتي ، وأنا حر معاكي في تصرفاتي ، فلا أخوكي ولا حد من عيلتك ليه الكلمة معايا ، فاهمة !
اكتفت بالضغط على شفتيها بقوة ، وزادت نظراتها الكارهة له .. ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنه وهي تدعو الله أن يرحمها من تلك الكارثة التي وقعت فيها ، ويهون عليها القادم …….
بعد سفرة مرهقة امتدت لعدة ســـاعات ، توقف القطار في المحطة المنشودة .. فهب محسن واقفاً ، وسحب الحقيبة من الأعلى ، وهو يهتف بصوت صـــارم :
-يالا انزلي ، احنا وصلنا
فما كان من إيثار إلا الإنصياع له ، والتحرك خلفه ..
ترجلت من عربة القطار وهي تجوب بأنظارها المكان بنظرات أكثر دقـــة ..
لقد كانت في بلدة ريفية تابعة لإحدى محافظات الوجه البحري ..
إنتابها الفضول لتعرف طبيعة هذا المكان ، وسبب وجودها فيه دوناً عن غيره .. خاصة أنه لا يلائم عروسين تزوجا حديثاً وأتيا للتمتع بشهر العسل ..
-أهلاً يا سي محسن ، نورت البلد
قال تلك العبارة أحد الرجال ذوي الملابس الريفية المميزة وهو يقترب من زوجها ..
صافحه محسن بجفاء ، وناوله الحقيبة وأردف قائلاً بهدوء :
-خدها على البيت يا عبعال
أومــأ الرجل برأســه وهو يرفع الحقيبة على كتفه ليقول بنبرة مطيعة :
-أوامرك يا سي محسن !
شعرت إيثار بالغموض والقلق من معرفة ذلك الرجل لهوية زوجها ، وكأنه يعلم مسبقاً بقدومه ..
ثم رسمت على شفتيها ابتسامة هادئة .. بالطبع فتلك هي بلدته ، ومن المؤكد أن الجميع يعرفه فيها ..
أقنعت نفسها بأن هذا هو التفسير المنطقي للموقف ..
……………………………
بعد أقل من عشر دقائق كانت تنعم إيثار فيها بالتمتع بالنظر إلى تلك الأراضي الخضراء الخصبة ، تلك المناظر الطبيعية التي أراحت إرهاق عقلها وأنستها مؤقتاً ما مرت به بالأمس ، توقفت السيارة أمام إحدى البنايات المنخفضة ..
ترجلت من السيارة وهي تتمعن في المكان من حولها بنظرات سريعة شاملة ..
خرجت إحدى السيدات من ذلك المبنى المنخفض وهي تطلق الزغاريد هاتفة بحماس :
-يا مرحب بالغالي ، اتفضل يا سي محسن ، نورت دارك يا غالي !
رد عليها بهدوء وهو يشير برأسه :
-متشكر يا أم فتحي !
ثم قطب جبينه وهو يتساءل بجدية :
-أومــال الست أمل موجودة ؟
ردت عليه ( أم فتحي ) بهدوء :
-ايوه ، ومستنظراك إنت وعروستك !
أمرها قائلاً وهو يشير بإصبعه :
-طيب هاتي الشنطة من عبعال ودخليها جوا
-حاضر يا بيه
ثم التفت برأســه نحو إيثار ليوجه حديثه إليها قائلاً بجدية :
-تعالي يا إيثار
تساءلت الأخيرة في نفسها عن سبب وجودها في هذا المنزل ، وكذلك عن تلك المرأة ، ولكنها لم تدع الفرصة لعقلها للتفكير ، فما هي إلا دقائق لتعرف كل شيء ..
……………………………….
خطت إلى داخل المنزل بخطوات شبه متعثرة ، فهي ضيفة على هذا المكان الجديد ، لا تعرف فيه أحد .. ليس لها فيه إلا زوجها محسن الذي لا تعرف عنه إلا القليل ..
نجحت في الإستمرار في رسم تلك الإبتسامة الهادئة على ثغرها .. ولكن سريعاً ما تلاشت ، وحل محلها الصدمة حينما رأت محسن يقبل امرأة مــا من وجنتيها بحرارة واضحة ..
رمشت بعينيها محاولة استيعاب الموقف ..
ولكن لم تستطع اخفاء إنزعاجها من تعابير وجهها ..
استدار هو ليواجه إيثار ، فأتاح لها الفرصـــة لرؤية المرأة بوضوح ..
كانت تتمتع ببشرة خمرية ، ووجه بشوش ، نظراتها إلى حد ما مطمئنة ، وعلى ثغرها تشكلت إبتسامة طيبة .. أما ملابسها فكانت بسيطة للغاية ، فهي ترتدي فستاناً ريفياً بسيطاً من اللون الأزرق ومنتشر عليه صوراً مطبوعة لرسمة الوردة الشهيرة ، كما لفت حول رأسها حجابها القطني من اللون الكحلي ..
تعمد محسن تطويق تلك المرأة من خصرها ، وقربها إلى صدره ، ثم ابتسم قائلاً بقسوة :
-أقدملك أمـــل .. مراتي !
شهقت إيثار مشدوهة من تصريحه الصــــادم لها .. وتجمدت عينيها عليهما غير مصدقة ما لفظه تواً بهدوء مميت ..
كانت تتوقع أي شيء إلا أن تكون تلك المرأة زوجته ..
لم تستطع هي تحمل تلك المفاجأة الكبيرة .. والتي زلزلت كيانها بالكامل ، فشعرت بتلك الغمامة السوداء تغلف رأسها ، وفقدت بعدها الإحســــاس بما حولها …….
……………………………………
مــــر يومـــان على مالك وقد انتهى فيهما من تجهيز نفسه للبدء في أولى خطواته العملية في تركيا ..
استعد للذهــاب إلى الشركة الجديدة ، وتأنق في حلة رسمية مناسبة من اللون الأســود ..
ســــار برفقة نــادر إلى مقر الشركة ، ورسم على محياه ابتسامة ودودة ، وجاهد ليُبقي خلف ظهره ظلال الماضي ..
تلقى التعليمات اللازمة للعمل وفق سياسة تلك الشركة ، وحمد الله في نفسه أنه بارع في التحدث باللغة الانجليزية ليتمكن من إنجازات المعاملات التجارية بها ، واستقبل بصدر رحب كل التعليقات الخاصة والتوصيات الهامة ليحقق المطلوب منه دون وجود أي عقبات .
تعمد هو إلهاء نفســـه في العمل ومشاكله حتى لا يترك الفرصة لعقله للإنسياق وراء سيل الذكريات المؤلمة ..
بخطوات ثابتة إتجه نحو المصعد ليستقله للطابق القابع فيه مكتبه بمبنى الشركة الشاهق ..
لمح تلك الشابة الجميلة وهي تعدو مسرعـــة نحوه بحذائها العالي وملابسها الرسمية السوداء محاولة اللحاق بالمصعد قبل أن ينغلق بابيه ..
مـــد هو يده ليوقف حركته ، وأفسح المجال لتلك الشابة الجميلة للمرور ..
نظرت له ممتنة ، وشكرته بكلمات مقتضبة ..
أومــأ برأســه مجاملاً ، وهو يبتسم لها ، ولم ينبس ببنت شفة ..
تراجع للخلف بعد أن ضغط على زر طابقه ، وكذلك فعلت هي ، واختلس النظرات إلى ممشوقة القوام التي تقف أمامه وهو يكاد يسمع صوت أنفاسها اللاهثة ..
كانت ثيابها باهظة الثمن ، وتسريحة شعرها الذهبي منظمة للغاية ، خاصة تلك الكعكة التي جمعت كل خصلاته الناعمة بشكل عملي جـــاد ..
لم ينكر إلتواء فمه في إعجاب بشكلها الظاهري .. ولكنه سريعاً أخفض رأسه متجنباً النظر إليها ..
وضعت الشابة يدها على صدرها الذي ينهج ، وجاهدت لتضبط أنفاسها ..
لكنها لم تكنْ على ما يرام ، فالإرتفاع المفاجيء في نسبة الأدرينالين أتعبها للغاية ..
عاتبت نفسها بالهمس وهي تضغط على شفتيها قائلة باللغة التركية :
-لم يكن عليّ الركض .. فأنا لست بحاجة إلى هذا المجهود ، يا إلهي ساعدني كي لا أسقط ، أوه !
توقف المصعد في الطابق المنشود .. وتأهب مالك للخروج منه ..
ولكنه تفاجيء بالشابة تترنح بجسدها وهي تكافح للصمود واقفة على قدميها ..
أســرع مالك بإمساكها من خصرها ومن ذراعها ليحول دون سقوطها وهو يهتف بفزع :
-يا أستاذة ، في ايه ؟ انتي كويسة
نظرت له الشابة بأعين شبه زائغة وتمتمت بكلمات لم يستطع فهمها .. فهتف بخوف :
-أنا مش فاهم إنتي عاوزة ايه ، بس .. بس آآ…
شعر بثقل جسدها عليه ، فدقق النظر إليها فوجدها قد غابت عن الوعـــي ..
أمسكها جيداً ، ولف ذراعه حول عنقه ، ثم مـــد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها ..
كان المصعد قد أكمل صعوده في الطابق التالي ، وحينما توقف انطلق مالك منه مندفعاً حاملاً إياها وهو يصرخ مستغيثاً بالمساعدة ..
حـــالة من الهرج والمرج سادت فجأة في ذلك الطابق ..
تعجب مالك مما يحدث ، ولكنه لم يكن ليترك الشابة دون مساعدتها ..
أسرع بوضعها على أقرب أريكة ، وجثى قبالتها ، ثم مد يده ليبعد تلك الخصلة التي تحجب وجهها ، وحاول إفاقتها بهدوء ..
ركض رجلاً ما وقوراً – ذو هيبة واضحة – في إتجاهه وهو يهتف بذعـــر :
-لانا .. لانا !
اعتدل مالك في وقفته ، وتراجع مبتعداً حينما رأى ذلك الرجل يقترب منه ، وأفسح له المجال للتصرف معها .. وأوضح له باللغة العربية وقد تناسى أن غالبية المتواجدين بالشركة أتراك :
-هي اغمى عليها في الأسانسير ، وأنا مش عارف مالها ..
أمسك الرجل بكف الشابة براحتيها ، وفركه بقوة وهو يهتف بإسمها :
-لانا ، أجيبني !
رفع الرجل رأســه لينظر إلى مالك وهتف فيه بجدية ولكن بالعربية :
-ابنتي أصيبت بنوبة السكري مجدداً ، احضر دوائها من مكتبي
نظر له مالك بذهــــول ، وقد صدم من تحدثه إليه بالعربية .. فازدرد ريقه وهو يســأله بنبرة مشدوهة :
-و..آآ.. وهو فين مكتبك ؟
أشـــار له الرجل بيده قائلاً بتلهف :
-هناك !
هز مالك رأسه متفهماً ، ثم ركض مسرعاً نحو مكتبه ليساعده ..
……………………………….
حركت إيثار رأسها للجانب وهي تئن بصوت خفيض ..
شعرت بيد ناعمة تتلمس جبينها ، وبصوت أنثوي يهمس لها :
-هاتبقي كويسة يا حبيبتي
لم ترغب إيثار في فتح عينيها ، واستسلمت لغيبوبتها الإجبارية ، فقد كانت تظن أنها في كابوس طويل قاسي تريد الإفاقة منه لينتهي عذابها الممتد …..
حدقت أمل فيها بإشفاق واضح ، فقد أيقنت أن تلك الصغيرة ساذجة وبريئة للغاية ، أوقعها حظها العثر في رجل كزوجها محسن ….
…………………………………….
ناول سلمان ابنته لانا كوب الماء لترتشفه بعد أن أفاقت من إغماءتها القصيرة ..
شعرت بصداع رهيب في رأسها ، وتأوهت بخفوت وهي تتمتم مع والدها بكلمات مقتضبة لم يستطع مالك فهمها ..
استدار سلمان نحوه ، ومد يده ليصافحه شاكراً إياه بجدية :
-أنا عاجز عن الشكر ، لقد ساعدت ابنتي
نظر له مالك بحرج ، ورد عليه بإيجاز :
-أنا معملتش حاجة
ســأله سلمان بجدية وهو يتفرس ملامح وجهه :
-انت عربي ؟
أومــأ مالك برأسه إيجاباً :
-ايوه ، من مصر
بدى وجه سلمان خالياً من أي تعابير وهو يضيف قائلاً :
-اعذرني على فضولي ، ولكن ماذا تفعل هنا ؟!
أجابه مالك بتلعثم :
-أنا .. شغال في الشركة دي
ظهرت علامات الإندهاش واضحة على وجهه وهو يهتف غير مصدقاً :
-أنت موظف لدي ! أوه ، يا لحسن القدر !!!
حدق فيه مالك مذهولاً وهو يرد بنبرة مصدومة :
-هو .. هو حضرتك صاحب الشركة ؟!
……………………………………
لاحقاً ، تعجب نــــادر مما حدث مع رفيقه مالك خلال نهاره الأول بالشركة ، وضرب كفاً على الأخر قائلاً بإبتسامة متحمسة :
-أنا مش مصدق ، إنت مع بنت سلمان بيه ومن أول يوم ليك ! بركاتك يا سيدنا
هز مالك كتفيه في عدم مبالاة ، ورد بفتور :
-أنا مكونتش أعرف انها بنته ، افتكرتها موظفة في الشركة ، وتعبت فساعدتها ، عادي يعني مش قضية !
أوضح له نادر قائلاً بجدية :
-هي شغالة فعلاً في الشركة ، بس مش معاه ، كأنها زي أي حد فينا
ضاقت نظرات مالك ، وهتف بإيجاز :
-غريبة
برر له نــــادر بهدوء :
-ولا غريبة ولا حاجة ، الناس هنا بتعتمد على نفسها في تحقيق أحلامها ، مش زي عندنا
-أها
ثم صـــاح بنبرة مفعمة بالحيوية :
-تعالى هأعزمك على أكلة حلوة هاتعجبك في مطعم شيك
هز مالك رأسه وهو يقول بحرج قليل :
-شكراً يا نادر ، مافيش داعي
لكزه نادر في كتفه وهو يقول بمرح :
-يا عم شيل التكليف بينا ، تعالى بس ! وقولي رأيك !
-ماشي
وبالفعل ولج الاثنين إلى داخل أحد المطاعم القريبة من ســـاحل البحر ..
أبدى مالك نظرات إعجاب واضحة بتصميم المكان الراقي والذي كان يتناسق في ألوانه مع زرقة البحر الذي يعشقه ..
أشـــار له نــادر بالجلوس على إحدى الطاولات القريبة من المياه ، وهتف بإنفعال وهو يحدق في شاشة هاتفه :
-شوف إنت هاتطلب ايه عقبال ما أرد على المكالمة دي
-طيب
أمسك مالك بقائمة الطعام ، ودقق النظر في محتوياتها ..
تعذر عليه أن يفهم المكتوب فيها ، فضغط على شفتيه ، وزفـــر بخفوت .. ثم رفع رأسه للأعلى وتلفت حوله بنظرات حائرة ..
تأمل المكان بنظرات أكثر تفحصاً ليلهي نفسه حتى يعود رفيقه فيترجم له المكتوب ، وينتقي ما يريد ..
لمح عدة آلات موسيقية متراصة على مسافة قريبة منه مشكلة فرقة صغيرة ، ولكن بدون أعضاءها …
مرر نظراته على كل واحدة منها على حدا دون اهتمام جدي حتى وقعت عينيه مصـــادفة على تلك الآلة .. فخفق قلبه سريعاً ، وتسارعت دقاته .. وتسمرت أنظاره عليها ..
إنها معشوقته .. مترجمة مشاعره ..آلة الكمان ..
تلك الآلة التي حطمها في لحظة هوجـــاء منه لينفث عن غضبه الكامن في صدره ..
التوى ثغره بإبتسامة راضية وهو يتذكر براعته في العزف على أوتارها ..
لم يستطع مقاومة رغبته في تلمسها من جديد ..
فرك طرف ذقنه ، ونهض بحذر من على مقعده ، ثم تحرك صوبها وكأن بها هالة سحرية تجذبه إليها ..
وقف قبالتها متردداً ، وبشغف صـــادق واضح في عينيه مد أنامله ليتلمسها ..
لم يشعر بنفسه إلا وتلك الآلة موضوعة على كتفه ، فأغمض عينيه .. واهتز جسده برغبة ملحة في تجربتها ..
استسلم لمشاعره ، وبدأ في العزف عليها بإحترافية واضحة ..
يا الله كم يعشق تلك الآلة ، لقد أعادته ألحانها الشجية إلى بلده ، إلى غرفته ، وإليها ..
قـــاوم تلك العبرات التي تراقصت في جفنيه تأثراً بعزفـــه على أوجــــاع قلبه …
في تلك اللحظة ولجت ( لانا ) إلى داخل المطعم مآســـورة بسحر تلك النغمات الملائكية ..
كانت على وشك الانصراف بعد انتهائها من تناول طعامها ، ولكن أوقفتها صوتها الشجي الذي لامس قلبها ..
اقشعر بدنها من موسيقاه الصـــادقة
التفتت لتنظر إلى صاحب تلك الأصابع الذهبية ، فزاد ذهولها حينما رأت منقذها أمامها ..
انتهى مالك من عزف مقطوعته ، فتفاجيء بتصفيق حـــاد من رواد المطعم ، ففتح عينيه مذهولاً .. وحدث مصادفة ما لم يتوقعه ………………………..
……………………………………….
عانت إيثار من إرتفاع في درجة حرارة جسدها ، وسهرت أمل على تمريضها لعدة أيـــام حتى بدأت تتماثل للشفاء ، واستعادت قدراً من عافيتها …..
تابعها محسن ممتعضاً ، وهتف متذمراً بالقرب من فراشها :
-هو أنا كنت ناقص !
رمقته أمل بنظرات جارحة وهي تهمس فيه بغضب :
-حرام عليك إنت مش شايف كانت عاملة ازاي
أفاقت إيثار على صوتهما ، وادعت النوم لتعرف الحقيقة المرة ..
هتف محسن بنفاذ صبر وهو يشيح بيده :
-ده اسمه دلع ، وأنا زهقت !
صاحت أمل بصرامة :
-محسن ، خلاص ، مالوش لازمة الكلام دلوقتي !
رد محسن محتجاً بنظرات متهكمة :
-أومال أنا متجوز ليه ، عشان أقعد كده محلك سر !
كزت أمل على أسنانها قائلة بحنق وقد اكتسى وجهها بحمرة الغضب :
-اتقي الله ، مش كفاية ضحكت عليها
ضغطت إيثار بقوة على شفتيها لتمنع تلك الشهقة من الصدور .. فصادمتها في محسن كانت تفوق أي صدمة في حياتها ..
ها قد ألقى بها أخيها في التهلكة ..
وتحملت بمفردها تبعات تلك الزيجة الموصومة بالخداع والكذب …
صـــاح محسن بصوت محتد وهو يرمقها بنظرات مستنكرة :
-هو انتي معايا ولا معاها ؟!
ردت عليه بأسف وهي تهز رأسها بإشفاق :
-هي صعبانة عليا
أكمل محسن قائلاً بقسوة :
-ميصعبش عليكي غالي !
ثم وضع قبضته أسفل فك زوجته ، وهمس له غامزاً بعينه :
-اوعي تكوني غيرانة منها يا أمولة
لوت فمها لتجيبه محتجة وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-أغير منها ؟!! ايش حال أنا اللي قايلالك اتجوز !!!!
داعب صدغها بأصابعه الخشنة ، وأخفض صوته ليقول بلؤم :
-حبيبتي ، أنا عارف إنك قلبك طيب ، وأنا وعدتك جوازتي منها عشان الخلفة وبس !!!
نزلت كلماته على قلب إيثار كالخنجر الذي أدماه فوراً ببشاعة اعترافه ..
هو لم يحبها من الأساس ، ولم يسعْ إليها إلا لغرض واضح …
أطرقت أمل رأسها وهي تعاتبه بحزن بادي في نبرتها :
-مش لازم تفكرني يا محسن !
لف ذراعه حول كتفها ، وقربها منه ، ثم قبلها أعلى رأسها ، وتأسف قائلاً :
-حقك عليا ، بس انتي اللي بتضطريني أقول كلام مش عاوزه
تراجعت مبتعدة وهي تقول بصوت أقرب للإختناق :
-هو كان بإيدي ، ده أمر ربنا !!
رد عليها بجمود وهو يشير بيده بلا مبالاة :
-وأنا جبتلك اللي هاتخلف !!!!
صدرت شهقة مكتومة من صدر إيثار لم تتمكن من منعها ، وانهمرت العبرات بغزارة من مقلتيها ..
استدار الاثنين نحوها ، وتفاجئا بيقظتها .. فابتلعت أمل ريقها ، وهمست بصوت مستنكر :
-بس يا محسن أنا افتكرتك هاتجوز واحدة غير دي
سلط محسن أنظاره الجريئة على إيثار التي كانت تحدق فيهما بذهــــول ، وجسدها يرتجف من الخوف ..
لم تتخيل أن ينتهي مصيرها هكذا ، زوجة ثانية مخدوعة قد جيء بها إلى هنا من أجل هدف دنيء ..
عـــاود هو النظر إلى زوجته وتابع بخبث :
-ليه يعني ؟ هو أنا ماليش نفس في الحلوين !!!
لو كانت النظرات تقتل لأردت أمل بنظراتها المميتة زوجها تواً بسبب أسلوبه الفج في الحديث ..
لم تستطع تحمل طريقته ، فتركته بمفرده في الغرفة مع إيثار ..
وبالطبع انتهز الفرصـــة ليعبث معها كما يريد تحت مرأى ومسمع زوجته التي باركت زيجته …..
……………………………
أغلق محسن الباب ، واستدار ليواجه إيثار التي انكمشت على نفسها خوفاً منه ..
دنا منها بخطوات بطيئة وكل نظرة من عينيه تلتهمها حية ..
صاحت فيه بصوت صارخ رغم ضعفه وهي متشبثة بطرف الغطاء :
-ابعد عني ، أنا بأكرهك ، إنت كداب .. كداب ، كداب !!
هز رأسه مستنكراً وهو يعاتبها بهدوء زائف :
-ليه بس الغلط يا إيثار ، ده أنا قولت هانبقى سمن على عسل
صرخت مهددة وقد تحولت نظراتها للعدائية :
-أنا هاقول لأهلي على كدبك وخداعك ليهم ، أنا آآ….
قاطعها قائلاً بإبتسامة متسلية :
-انتي ناسية انك معايا الوقتي ومحدش فيهم يعرفلك طريق
حدجته بنظرات نارية وهي تتابع بإصرار :
-أنا مش هاستنى هنا لحظة
نظر لها بإستخفاف ، ثم أكمل بدناءة وقد تحولت نظراته للشهوانية :
-ومن قالك إنك هاتمشي أصلاً من هنا ، انتي مراتي يا أمورة !
ارتجف جسدها من نظراته الوقحة ، وهتفت من بين أسنانها :
-أنا هاطلق منك وآآ..
هوى محسن بصفعة قوية على صدغها أصابتها بالصمت المؤقت وألجمت لسانها فوراً ..
فتابع بنبرة عنيفة وقد أظلمت عيناه :
-مش هايحصل ، ومش هاتمشي من هنا قبل ما أخد اللي عاوزه منك
ثم انقض عليها قابضاً على ذراعيها وهي تصرخ فيه أن يتركها ، ولكن عقد النية على تحقيق مبتغاه معاها ، حتى لو كان بالإجبار ……………………
………………………………….
طوال ليال عدة ، قاست إيثار من عنف محسن المفرط معها ، ومن استباحته لجسدها بشتى الطرق ..
وكلما زادت مقاومتها له ، زاد إعتدائه بالضرب عليها ..
لامت أمل نفسها بشدة على ما يحدث لتلك المسكينة ، فهي من وافقت على اقتراح زوجها بالزواج من فتاة صغيرة لا خبرة لها بالحياة ومغلوبة على أمرها من أجل انجاب الأبناء ..
وأي أبناء ستنجبهم لأبٍ مثل ذلك القاسي الشرس ..
آلمها مشهد ضرب إيثار وصفعها المتكرر من أجل الخضوع لرغباته ..
شعرت كأنها هي التي تضرب ، هي التي تعذب ..
زاد تعذيب ضميرها لها ، وجاهدت لتبعدها عن طريقه ، ولكنه كان كالأسد الجائع الذي أتته غزاله الشـــــارد فطاب له أُكلها ، فأصبحت عاجزة أمـــــام بطشه ….
وذات يوم .. كان الإعياء جلياً على إيثار ، جسدها منهك .. وجهها ذابل وأكثر شحوباً .. لم تستطع ابتلاع لقيمات طعامها المعدودة ..
وتقيأت بحرقة واضحة في معدتها كل ما تضعه في جوفها ..
إنتاب أمل القلق .. ودارت برأسها الظنون …
وتساءل عقلها بعدم تصديق ، هل يعقل أن تكون ( حــــــــــاملاً )
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبقي منها حطام أنثى)