رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل السابع والعشرون 27 بقلم منال سالم وياسمين عادل
رواية وبقي منها حطام أنثى الجزء السابع والعشرون
رواية وبقي منها حطام أنثى البارت السابع والعشرون
رواية وبقي منها حطام أنثى الحلقة السابعة والعشرون
” عشقها گالسم في وريدي منتشر ،
وعقلي گالجليد ، وقلبي عليها حجر ..
إيا عشق تحن علي يوماً ، وتحضر ..
لي حبيبتي .. گسابق عشقنا ؟ ”
ألقت حروف كلماتها التي أشبهت الشظايا في آثرها والذي وقع على قلبه گدلو من الماء الساخن شديد الحرارة فأحرقه بلهيب حبه ..
انصرفت من أمامه بخطوات راكضة لا تعلم ماهية الطريق ، هي تريد الهروب من كل شيء .. لم يعد يجمعهما إلا الإهانة والذكريات الموجعة ، وهي قد سئمت من هذا كله ..
ألا يحث لها أن تفرح ، ألا يحق لقلبها الملتاع أن يرتاح قليلاً ؟
حاول هو اللحاق بها سريعاً ولكن أعاقته طفلته التي يحملها بين يديه فهدر بصوته بلهجة حادة وهو ينادي على راوية والذعر يعتريه :
-راوية ، انتي فين ، تعالي بســــرعة !!!!
_ ركضت راوية نحوه مسرعة ، وهي تنتفض من صوته الأجش ونطقت بصعوبة قائلة :
-أيوه.. نعم يامالك بيه!
مد لها يده بالطفلة لتلتقطها ، ثم ركض على عجالة من أمره بدون أن ينطق حرفاً واحداً..
نظرت له مدهوشة .. ومسحت على ظهر الصغيرة بكفها وهي تهدهدها ..
خرج گالمجنون وعبر بوابة (الفيلا ) يبحث عنها ، ولكنها اختفت ، بل الأحرى تلاشت تماماً وكأنها لم تكن هنا أبداً ..
نظر يميناً ويساراً وتقدم بخطواته هنا وهناك ولكن لا آثر لها… كور قبضتيه وضرب بهما الحائط وهو يلوم نفسه لوماً شديداً ويوبخها أيضاً على قسوته معها ، فهدر بصوته بنبرة متشنجة :
– ليييه ، ليه مقالتش من أول يوم !! ب.. بس انا مكنتش أعرف ، يارب كفاية كده أرجوك كفاية !!!!!
تنهد بمرارة حارقة ، ووضع كفه باتجاه قلبه الذي نبض من أجلها من جديد ..
شعر بآلم يجتاحه ، بأوجاع ووخزات تقسو عليه لظلمه إياها ..
علقت العبرات على أهدابه وترقرقت بصورة واضحة ، ولكنها أبت الإنسياب على وجنتيه .. لقد خذلها وخذل نفسه وأوهم نفسه بأنها تعيش حياة سعيدة هانئة ، ولكنها كانت تعاني أكثر منه ورأت بعينيها ويلات الأيام .. هي بالفعل تحطمت ولم يبقى منها شيء ….
……………………………………….
وكــــأن القدر يُصر على لقائهما من جديد لحكمة غير معروفة…
كانت تغطي فمها بيدها لتكبح شهقاتها المرتفعة ولكن لم تستطع منع دموعها من الإنهمار .. فقد كانت گسيل المطر في ليلة عاصفة شديدة الرياح ..
نعم تلك الرياح هي التي حركت جذورها واقتلعتها لتخرج من قوقعة الصمت وتصدمه بالواقع المرير والمخجل الذي عاشته بكل ما فيه من قسوة وظلم ..
هي قررت ألا تفصح له عن مكنونات قلبها ، أو عن إحساسها الذي لم يخبو يوماً نحوه ، وتعهدت لنفسها ألا تسرد له قصتها المؤلمة والمخزية ، ولكنه دفعها بظلمه للخروج عن صمتها المرير ، وجعله يتعايش مع آلام الندم جراء قسوته معها ، لذلك انفجرت فيه معلنة نهاية الظلم ، نهاية القمع .. وباحت عما جعله يخجل من حاله ومن ظلمه لها ..
قادتها قدميها إلى ذلك المكان الخاوي ، والذي جمعهما يوماً ما .. فوقفت خلف أسواره ولم تقوى على الدخول في مواجهة الأمواج المتلاطمة ، جففت الرياح بقايا عبراتها المتجمدة ..
وحدقت أمامها بشرود ..حيث رأتهما ..
أجل .. رأت نفسها تتجسد كطيف ملموس أمامها ورأته أيضاً يقترب منها ..
ابتسامته المشرقة التي سحرتها يوماً زادت لمعاناً بقربها منه ..
كان يضع زهرة بيضاء بداخل حجابها لتكون موازية لعينيها ثم حاوط خصرها بذراعه وهو يلقى على مسامعها أطيب الكلمات وأكثرهم رهفاً..
استندت بكفيها على صدره ، واستشعرت نبضاته التي تتسارع في حضرتها ..
لم تنطق الشفاه ، بل فاضت الأعين بألاف الكلمات ..
ابتسمت لذلك المشهد الذي أسعدها وخفف من آلمها وهي تتخليه حقيقة ..
ولكن لم يدم الأمر طويلاً ، فقد اختفى من أمامها لتبقى ا صورة الرمال المحيطة بتلك البقعة الزرقاء الصافية ..
فأنهارت تبكي بشدة وبصوت مسموع للآذان ، ثم وضعت كفيها على وجهها لتغطيه بهما وهي تشهق شهقات مرتفعة ممزوجة بصوت البكاء وهتفت بنبرة متقطعة :
– آآ… أنا بكرهك … بكرهك يامالك ، آآآآه !
خفق قلبها بقوة ، وتلاحقت شهقاتها .. وفجــأة شعرت بكف دافئ وقد أخذ محله على ظهرها فانتفضت بفزع وابتعدت عقب ارتجافة سارت بأطرافها لتنظر إلى من فعل هذا ..
شعور قليل بالإرتياح الممزوج بالإطمئنان حينما وجدت تلك السيدة العجوز – البشوشة الملامح – تبتسم لها بعطف ، دنت منها السيدة بخطوات متعرجة ثم مسدت على ذراعها وهي تقول بنبرة دافئة بثت فيها الشعور بالأمان :
– اهدي يابنتي ، ولا مالك ولا غيره يستاهل تعملي في نفسك كده !
حدقت فيها إيثار بذهول وهي تنزح عبراتها عن وجنتيها ، فقد سمعت تلك العجوز عبراتها الشاكية لنفسها دون قصد منها مما جعلها تشعر بالحرج من نفسها.. فطأطأت رأسها بحرج وضيق بيّن ..
ثم أسبلت عيناها نحوها وهي تتساءل بخفوت وبلهجة واهنة :
– هو أنا صوتي كان عالي؟
مسحت السيدة على بشرتها الشاحبة بكفها المجعد وهي تبتسم لها بعذوبة ،وأجابتها :
-صوت عياطك كان أعلى وأنا محبيتش أشوفك كده .. أنتي زي بنتي الله يرحمها !
تفاجئت من عبارة السيدة الأخيرة الصادمة ، وهمست مواسية :
– الله يرحمها
شعور غريب بالإرتياح تسلل رويداً رويداً إليها .. رغم كونها لا تعرفها ، لكنها كانت كالبلسم المسكن للآلام ..
_ اد ظهور التجاعيد في وجه تلك العجوز عندما اختفت بسمتها وحل العبوس محل البشاشة ، فأطرقت رأسها بحزن شديد ثم هتفت والوميض قد أخذ طريقه لعينيها :
– الله يرحمها ، انا عايزة أقولك أننا مش عايشين على طول .. امبارح عدا وفات ، والنهاردة مش عارفين نهايته إيه ، وبكرة ده مش بتاعنا ، احنا ضيوف على الأرض يابنتي
أنهمرت الدموع من مقلتي إيثار بغزارة بعد أن جاهدت لمنعها ولكنها لم تقوَ على ذلك ، فقد كان الألم أشد منها وأعنف .. فمسحت على وجهها بكفيها وهي تهتف بلهجة متحشرجة منكسرة :
– بس انا تعبت ، عمري ما فرحت بجد من قلبي .. مش طالبه حاجة غير الفرحة ، في ناس كتير أوي فرحانين .. اشمعنا أنا بيحصل معايا كده ، ليه ؟؟!!!!
هزت السيدة رأسها نافية وهي تضغط على ساعدها ثم نطقت ومازالت البسمة مرتسمة على وجنتيها :
-مش صح يابنتي ، كل واحد عنده همومه اللي محدش يعرف عنها حاجة.. وبعدين يابنتي في بلاء أشد من بلاء أحمدي ربنا وأرضي عشان يرضيكي !!!!
أرادت تلك السيدة أن تدعم حديثها وتؤكده فقررت أن تفصح عن مصيبتها وبلائها العظيم .. گدليل منها لإثبات المقولة التي تحمل معنى (( من رأى بلاء غيره تهون عليه بلواه )) .. فقالت والحزن يخيم على صوتها :
-أنا راح عيالي كلهم وحفيدي في يوم واحد !
شهقت إيثار بصوت مكتوم ، وابتلعت ما تبقى من ريقها الذي جف بصعوبة ، ثم تساءلت بإهتمام وقد سيطر على وجهها علامات الخوف :
– آآ.. أزاي؟
أجابتها السيدة وقد تعلق بصرها بالسماء التي كانت ملبدة بالغيوم والسحب :
-حكمة ربنا كده وأنا راضية ، ابني سافر عشان يقضي الأجازة مع أخته بره مصر .. وقدر يقنعها تنزل مصر هي وابنها وجوزها في أجازة !
اختنق صوتها نوعاً ما وهي تتابع بأسف :
-في اليوم ده الطيارة وقعت بيهم كلهم .. وخسرت بنتي وابني وحفيدي اللي مشوفتوش !
شحب وجهها ، وانخفضت نبرة صوتها لتصبح أكثر شجناً :
-راح مني كل اللي بحبهم في يوم واحد ..ومقولتش غير الحمد لله رب العالمين ، وهما أكيد في مكان أجمل من دنيتنا دي !
رغماً عنها بكت إيثار متأثرة .. يا الله ، كم عانت تلك السيدة من فراق أحبابها .. من موت أخذ بغتة الأقرب إليها ، وأنا هنا أبكي على حب مضى وانتهى ؟
أشفقت على تلك العجوز التي تخفي خلف قناع بسمتها كثير من الآلم ..
مسحت عبراتها بكفها ، وشردت أمامها تفكر في مصيبة تلك السيدة .. أي شيء يمكن أن يقارن بخسارة الأبناء والأحفاد ؟ أي قدرة عظيمة جعلت تلك السيدة تتحمل فراقهم المؤسف بتلك الشجاعة العجيبة ..
إنها تعاني من فاجعة أشد وأقوى من مصيبتها التي لا تذكر .. توقف سيل عبراتها وأخذت تفكر بشكل آخر ..
_ لقد اقتنعت بصدق المقولة وبدأت روحها تسكن رويداً رويداً ، بينما تابعت السيدة بنبرتها الحنون الدافئة وهي تردد
– فهمتي يابنتي ، مفيش حاجة تستاهل وكلنا ماشيين في يوم
حركت إيثار رأسها بتفهم وقد شعرت بالحنين لذلك الذي توارى أسفل التراب ، أبيها الراحل .. ذاك الذي قضت سنواتها الأخيرة بعيدة عنه تبغضه لفعلته في حقها ، وهو لم يكن يسعى سوى لراحتها وسعادتها .. حتى وإن كانت طريقته خاطئة ..
تنهدت بعمق ، وفجأة…
دوى صوت الرعد في المكان وظهرت الخيوط الضوئية البراقة ( البرق ) في السماء وبدأت السماء تهطل كماً غزيراً من الأمطار ..
ارتجفت إيثار قليلاً ، ورفعت وجهها للأعلى وهي تطبق على جفنيها لتترك العنان لتلك القطرات الباردة لتهديء من سخونة وجهها وتمسح بقايا الدموع عنها ..
تناجت مع اللّه بقلبها ودعته أن يدخل السرور على تلك العجوز التي أزاحت ثقلاً عنها .. ثم تمنت منه بتضرع أن يقر عينيها بفرحة تدمع لأجلها ، فإنها بحاجة ماسة لها .
أخفضت رأسها لتنظر إلى جوارها فلم تجد السيدة ، تلفتت حولها بخوف باحثة عنها فوجدتها قد شقت طريقها وانصرفت مبتعدة ولم يتبقَ منها إلا ظلها ..
أطرقت رأسها ، وتنهدت بإنهاك ، ثم أكملت سيرها وهي تشعر براحة غريبة سكنت فؤادها الممزق ، وقد يأتي الغد بما لا تعلمه …..
………………………………………………………….
ظل يجوب غرفته ذهاباً وإياباً يفكر في حل سريع ومرضي للوصول إليها ولكنه لم يتمكن ، فقد عجز عن ذلك بسبب فرط خوفه وتوتره .. بالطبع وكيف يصل لها وقد أغلقت هاتفها نهائياً ، وامتنعت عن الظهور ، ولم يعد هناك أي وسيلة متاحة للتواصل بينهما …
ألقى بجسده المنهك على الفراش ثم انحنى بجزعه للأمام ليستند بساعديه على ركبتيه ..
ازدادت حمرة وجهه واحتقانه وهو يتذكر صدى عباراتها في أذنيه من جديد – لقد خسرت جنينها الذي لم يولد وتم التعامل معها من قبل زوجها بشكل غير آدمي قضى على أنوثتها النقية …
زاد حنقه ، وبرزت عيناه بغضب ..
فرك وجهه بعصبية ، وردد مع نفسه إن كان هو قد عانى قيراطاً فهي تحملت الأربع وعشرون قيراط بمفرده ..
هي لم تكن معذبته وقاتلة فؤاده كما ظن ، بل كان هو مشاركاً بدون وعي في الجريمة النكراء التي أُرتُكبت بحقها ..
كم كان قاسياً متحجر الفؤاد ، لم يشعر بآلمها ، لم يفهم نظرات عينيها الحزينتين ، لم يدرك إنكسارة روحها …
انقطع شروده فجأة عندما ولجت روان للحجرة وهي تحمل الصغيرة ” ريفان” ، فجاهد مالك لكي يخفي عنها ملامحه العابسة المكفهرة ولكنه لم يستطع فعل ذلك ..
دنت منه لتجلس جواره ثم مسحت على ظهره بحنو وهو تردف متساءلة :
– مالك ! ليه عملت كده معاها ؟
صمت ولم يعقب ، فأكملت بشجاعة :
-هي متستاهلش كده !
أخذ نفساً عميقاً ، وحبسه في صدره المتألم ، ثم زفره على مهل ، والتفت نحوها ليسألها بإندهاش متعجب منها :
– و.. وانتي عرفتي أزاي؟
أجابته روان وهي تعض على شفتيها بضيق :
-سألت راوية وقالتلي أنك طردتها ..
نظرت له بعتاب كبير ، وسألته بخفوت يحمل اللوم :
-ليه يامالك ؟ دي .. دي إيثار !
نهض عن مكانه بشكل متشنج ثم هتف بلهجة منفعلة ليواري على فعلته :
– هي اضطرتني لكده !
أولاها ظهره ، وتابع بصوت محتد :
-وياريت نقفل على الموضوع ده ياروان .. ده يخصني ومحبش حد يدخل فيه !
ردت عليه روان بتوتر وهي تنهض عن مكانها متمسكة بالصغيرة جيداً :
– انا مقصدش أدخل ، بس انت من ساعة مارجعت وانت متغير .. دايماً عصبي وعلى طول بتزعق !
_ شهق بأنفاسه ثم زفرها بتمهل لكبح الشحنة المتأججة التي تستعر بداخله ، ثم مسح بكفيه على وجهه وهو يهتف بنبرة خافتة مدعياً الهدوء :
– مفيش حاجة بتفضل على حالها
التفت إليها ثم رمق صغيرته بعطف معتاد منه عليها ، وهتف بنبرة حزينة يغزوها الضيق :
– خدي ريفان وأكليها ، مش عايزها تحس بفرق !
ردت عليه روان وهي تهز وأسها بتفهم :
-متقلقش ، هي أكلت العشا بتاعها .. !
تحركت مبتعدة ، وأضافت بحذر :
-انا هسيبك مع نفسك عشان عارفه انك محتاج تقعد معاها وتعيد حساباتك !
_ غادرت الحجرة لتتركه في تخبطه وذبذبة أفكاره ومشاعره ، فأصبح الآلم لديه أضعاف مضاعفة ..
تمنى لو لم يعرف بما حل بها ، وليته لم يعد لتلك المدينة التي طالما جمعتهما سوياً ..
والآن هي تشهد على تعذيبه لها ..
تنهد بقلة حيلة ثم توجه لخزانة ملابسه بشكل غير ارادي ..
وإذ بمقلتيه تقع على تلك الآلة الموسيقية من جديد …
آلة الكمان التي أهدته إياه زوجته الراحلة ..
فأبتسم إبتسامة طفيفة سريعاً ما تلاشت ثم مد يده ليلتقطها ..
أزاح عنها الغطاء الحافظ لها ، ثم أسندها على كتفه ، وبدأ في عزف لحنه الحزين المؤلم فلمس أوتار قلبه الملتاع وصميمه ..
أغمضت عيناه ليستسلم لتلك النغمات الشجية ، فلاح طيفها في مخيلته ..
اتسع ثغره بإبتسامة باهتة ، ولكنها اختفت بعد لحظات ..
وعلى حين غرة فتح عيناه واتسعت حدقتيه وارتفع حاجبيه للأعلى ، فقد خطر بمخيلته فكرة جديدة ربما تساعده على الوصول إليها .. وعلى الفور تحرك عن مكانه وخرج يبحث عن شقيقته وهو ينادي عليها حتى لمحها تخرج من حجرة الصغيرة ” ريفان ”
فأقترب منها بحماسة ثم نطق بتلهف شديد :
– حضري ريفان عشان نروح نزور عمتي
رددت روان بإستغراب وقد انعقد ما بين حاجبيها بذهول جلي :
– دلوقتي! طب ليه؟
أجابها مالك بهدوء محاولاً عدم إظهار نيته لها :
-عشان أخر مرة مشيت انا وانتي بسرعة وأكيد زعلت .. يالا بس بسرعة
أجابته روان وهي تحرك كتفيها بعدم فهم :
-اللي يريحك
التوى ثغره بإبتسامة واثقة ، ومسح على رأسه بهدوء ، فربما ما فرقهما يوماً سيعيدهما إلى بعض من جديد ……………………….
#الفصل_٢٧ج٢
الفصل السابع والعشرون الجزء الثاني
(( وما ضرني غريب يجهلني ،
وإنما أوجعني قريباً يعرفني ))
لم تعد تطيق إخفاء مشاعرها المتألمة ، بل الأحرى أنها لم تعد ترغب في الهروب والإختباء ..
كفاها معاناة في صمت ..
كفاها إرهاقاً لروحها المعذبة ..
هي تحتاج لمن تشكو إليه ، وتبوح له بما يجيش في صدرها .. وتروي عما ينهش بقايا روحها .. فمن ذاك الذي سيصغي إلى أوجاعها ؟
إنزوت في غرفتها ، واعتزلت كل شيء ..
شعر هو بها .. لقد تبدلت أحوالها في الأيام الأخيرة ، وحل عليها الوجوم ، واكتسى وجهها الرقيق بالحزن ..
لقد عادت كما كانت منذ انفصالها ، فما الذي جد ..
لم يستطع الصمت تلك المرة ، فهي أخته ، وهو عاهد أبيه أن يكون سندها ، أن يهون عنها آلامها .. فلم يتردد ، وولج إليها في غرفتها ..
مسحت عبراتها حينما رأته يقف أمامها ، وابتسمت بسخرية ..
جلس إلى جوارها على طرف الفراش ، ونظر لها بحنو وهو يسألها :
-في ايه يا ايثار ؟
لم تمنع نفسها من البكاء أمامه ، وارتمت في أحضانه لتخبره بذلك العبء المثقل في قلبها .. فهو في النهاية شقيقها ، ويحمل زمرة دمها ..
سردت عليه ما حدث كاملاً منذ بداية إلتحاقها بالعمل عند مالك ، وما آلت إليه الأمور ..
لم تخشَ من ذكر التفاصيل دون حذف أو تجميل ..
بل على العكس هي شددت على ذكر ما تشعر به حياله ، وكيف لم يتوقف قلبها عن النبض من أجله ..
ربما ظنت أنها لم تعد تحبه ، ولكن منذ تجدد اللقاء بينهما ، وهي أدركت أنها غارقة في عشقه ..
استشعر عمرو حديثها كاملاً بقلبه تلك المرة ، وأنصت لها بآذان مُحب مثلها ..
ولما لا فهو متيم بروان .. تلك الشقية التي كان ينبذها يوماً ، وبين ليلة وضحاها باتت شغفه ..
لمست كلماتها قلبه ورق لها ، وأخذ يعنف حاله على تسببه فيما وصلت هي إليه .. وبعد أن انتهت من البوح بمشاعرها ، وجدته يحتضن رأسها بين راحتيه ، ثم نطق هامساً بنبرة عاطفية تحمل العتاب :
– كنتي قولتيلي من الأول يا إيثار ، ليه شيلتي كل ده لوحدك ؟!!!
ردت عليه إيثار بنبرة متآلمة وهي تحاوط كفيه براحتي يدها :
-عشان مينفعش حد يشيله معايا ، بس النهاردة حسيت إن كده كتير عليا وكان لازم أتكلم مع حد !
مسد عمرو على شعرها ثم أعاد خصلاته خلف أذنيها وهو يتساءل بإهتمام :
-طب وقررتي تعملي إي؟
أجابته إيثار بلهجة قوية عنيدة تحمل من الكبرياء الكثير :
-هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أقنع صاحبة المكتب تخليني أشتغل عند ناس تانية .. مقدرش أروح هناك تاني بعد ما طردني وحسسني بإني أقل من أي حد ، كفاية أوي كده !
تنهد بحزن واضح ..
تغيرت شقيقته ونضجت ..
جعلتها الظروف تقهر كل شيء يحاول العصف بها لتنهض لوحدها من جديد ..
ابتسم لها عمرو بحنو ، وربت على ذراعيها ، ودعمها قائلاً :
-انا واثق في اللي هتقرريه وهسيبك على راحتك !
ردت عليه وهي تومئ برأسها :
-ماشي
نهض عمرو من جوارها ، ثم أشـــار بيده للخارج وهو يقول :
– هطلع أشوف ماما ، وانتي ارتاحي ونامي شوية !
هزت رأسها موافقة ، فانصرف من حجرتها ..
اعتدلت في جلستها ، ونظرت حولها بفتور ، ثم استندت بظهرها على مؤخرة الفراش ، وتنهدت بعمق لتطرد تلك الشحنات السلبية عن صدرها ..
مدت يدها لتمسك بإحدى المذكرات خاصتها ، وبدأت ترسم بقلمها الرصاصي ، هي لا تفقه شيئاً عن فن الرسم ولم تجربه قط .. ولكنها اكتشفت أن لديها حركة يد خفيفة ماهرة تمكنها من الرسم بحرفية. . فابتسمت لنفسها بسخرية .. ولكنها استمتعت بما تفعله ..
……………………………
في هذا الآن ، وصل مالك إلى منزل عمته و معه الصغيرة ريفان وشقيقته ..
جلس الجميع جلسة ودية أسرية تطرقوا فيها للحديث في مواضيع عامة …
انتقى مالك الوقت المناسب لينفذ مخططة الذي جاء خصيصاً إلى هنا من أجله دون أن يثير الشكوك
هو عزم على عدم الاستسلام أو اليأس مع أول محاولة لصده منها ..
هي ملكه ، حبيبته .. ومعذبة فؤاده .. وهو سيستعيدها من جديد ..
نعم سيجتهد للوصول إليها أياً كانت النتائج ..
هداه تفكيره المتهور بالذهاب إليها في منزلها ..
، ولكن ما استوقفه عن تنفيذ ذلك هو رد فعل أخاها عمرو تجاهه خاصة بعد مواجهتهما الأخيرة والحادة .. فقرر اللجوء لتنفيذ مخطط أخر. …
_ ولج لحجرته القديمة ثم فتح النافذة وأطل منها لينظر للأعلى بشغف المحب العاشق ..
كان ضوء غرفتها مضاء فأستنبط أنها تمكث بها ..
زادت حماسته وبدأ يتأهب للتنفيذ ..
عاد لداخل الغرفة ، و أخرج آلته الموسيقية ، ثم عاد ليقف في الشرفة ..
أخذ نفساً عميقاً حبسه في صدره ليسيطر على الارتباك الرهيب الذي يجتاحه ..
زفر أنفاسه على مهل ، وأغمض عينيه ليبدأ العزف على كمانه بعذوبة ساحرة بنفس اللحن القديم ..
نعم هو عزفه من أجلها مسبقاً قبل سنوات ، وها هو اليوم يقف في شرفته يعيد على مسامعها ألحانه الشجية ..
(( ألا تشفقين عليّ حبيبتي ؟
ألا تغفرين خطيئتي ؟
أنا المتيم العاشق لترابك محبوبتي ))
تناغمت ألحانه مع إحساسه الصادق ، ففتح عيناه ليحدق بالأعلى مترقباً تلبيتها لنداء عشقه …
……………………….
خفق قلبها وبقوة وتحرك في مكانه على إثر سحر نغماته .. شعرت بحالة من اللهفة له وقد زاد شوقها إليه ..
أكلها الحنين لسماع ألحانه ،
لرؤيته ،
للمس كفه ..
هي تشعر بالحياة وقيمتها فقط في حضوره الذي يبرز تأثيره عليها ..
دار بخلدها لمحات من الماضي اشتاقت لرجوعها والعيش بين طياتها من جديد ..
فهبت من مكانها بلا وعي لتقف خلف النافذة فاخترق الصوت آذانها ولمس وتر قلبها
ترقرقت عبراتها اللؤلؤية على وجنتيها فأطبقت على جفنيها بخزي عندما تذكرت طرده لها ونعتها دائماً بخائنة العهود ، بائعة الوعود ..
عاتبت نفسها على حنينها الجارف إليه ، كيف ترق دوماً إليه وهو سبب شقائها وتعاستها ؟
(( ألا تكفين يا نفسي عن الحنين ، ألا تملين من الاشتياق إلى من جعلك تعانين ؟ ))
رُدت إليه الروح عندما لمح خيالها خلف النافذة ، فزاد لحنه شجناً وكأنه يحدثها ، يرجوها أن تصفح عنه قسوته حيالها ..
ظل يعزف بعصا الحب السحرية واللحن يزيده إحساساً وعاطفة إليها …
انتظر أن يرق قلبها له ، وأن تطل بعينيها البندقتين لتراه .. ولكنها خذلت توقعاته ، فقد اختفى ظلها ، وانطفأ ذلك الضوء ليعلن عن رفضها ، فتلاشى بريق الأمل من عينيه …
هو علم برفضها لإعتذاره الغير المباشر، واستشف فشله في الوصول إليها عن طريق ما كانت تعشقه منه .. فتوقف عن العزف وظلت أنظاره معلقة بنافذتها …
قلبه شغوف بها ، ينتظر نظرة من عينيها ، وعقله ما زال ساخطاً عليها ويوهمه بعدم قتل كبريائه .. ظهر لمعة حزن بحدقتيه ثم أخفض رأسه ليجد شقيقته تقف بجواره عاقدة لساعديها أمام صدرها ، فقتمت ملامحه وقست فجأة وهو يقول :
– في إي ياروان؟
تنهدت روان بعد أن استشعرت الحزن في عينيه :
-طب ليه تعذب نفسك وتعذبها بالشكل ده؟
رد عليها مالك بجمود وهو يجاهد لكي يفر من محاصرتها له وكشفها إياه :
-انتي بتقولي إي! مفيش حاجة من الكلام ده ..
ارتبك نوعاً ما وهو يتابع قائلاً :
– انا بس وحشني العزف مش أكتر ، من ساعة ما ” لانا ” ماتت وأنا بطلت أعزف تاني .. هي الوحيدة في الغربة اللي كانت بتشجعني أعزف !
همست روان وهي تضغط على مرفقه : متغيرش الموضوع وتلف عليا يامالك ! أنا اكتر واحدة عارفة انك لسه بتحبها !
ثم صمتت للحظة قبل أن تضيف بهدوء :
-و.. وهي كمان لسه… !
خفق قلبه بقوة لعبارتهها الأخيرة ، هو متأكد من حبها له .. ولكنه يخشى من خسارتها ..
تعمد مالك ألا يظهر مشاعره أمامها ، وتحرك مبتعداً من جوارها وهو يهدر بإنفعال :
– روان .. مش عايز أتكلم في الموضوع ده
احتجت روان وهي تهز رأسها برفض شديد :
-لا مش هسكت ، لازم أخليك تواجه نفسك .. اللي بتعمله ده حرام ليك وليها ، كفاية !!!!!
يأس مالك من المقاومة .. فعلى من يخفي مشاعره .. إنها أخته التي شهدت على قصة حبهما منذ سنوات ..
سحب مقعد مكتبه الصغير ثم جلس عليه ، ودفن وجهه بين راحتيه وهمس بصوت حزين :
– مكنتش أعرف اني لسه……. ، مكنتش أعرف ياروان ، وكأني أتلعنت بيها !
اقتربت منه روان ، وأخذت تمسح على ظهره بحنو شديد ثم نطقت بنبرة صادقة :
– أنا هساعدك توصلها ، هطلع أكلمها دلوقتي و…
_ أفاقته عبارتها من حزنه ، وانتبه لها عندما اقترحت الصعود إليها ..
ما أثار حنقه هو وجود عمرو بالأعلى، فرفع رأسه بعجالة وهتف بنبرة متشددة ومعارضة :
– لأ مش هتطلعي ، آآ ..
نظرت له بتوجس ، فأكمل مبرراً :
-أقصد مش هاينفع تطلعيلها واخوها فوق ، بس.. آآ.. بس ممكن تحاولي تتصلي بيها يمكن فتحت تليفونها !
عضت روان على شفتيها ، وردت بحذر وقد تفهمت مقصده وسبب رفضه :
-حاضر .. اللي يريحك
وبالفعل قامت روان بمحاولات عديدة للإتصال بها ولكن تعذر عليها الوصول إليها .. وفشل هو إيضاً عقب محاولات عدة.
…………………………….
إحباط رهيب سيطر عليه ، خاصة أن الأمر استمر لبضعة أيام ..
أصبح منفعلاً بصورة زائدة ، ودائم العصبية والتشنج ..
لم يلتفت لعمله طيلة مدة غيابها وكأنها السحر المخدر الذي يمنعه عن كل شيء إلا هي ..
كل الطرق إليها باتت مسدودة .. ولم يعد أمامه سوى ذلك السبيل …
مديرة عملها .. هي الوحيدة التي ستعاونه على الوصول إليها ..
وبالفعل أصاب في اختياره ، فما إن علمت برغبته في مقابلتها بمقر المكتب حتى شرعت بتنفيذ مطلبه ..
فهو يشكل أحد أهم العملاء مع مكتبها ، وإرضائه سيضيف إليها .. ولذا لن ترفض طلبه
……………………..
_ وفقاً لقواعد وأسس المكتب .. يتم الحصول على رقم هاتفي احتياطي للتواصل مع العاملين في حال تعذر الوصول إليهم بالطريقة الطبيعية المباشرة ..
وكان هذا الرقم هو رقم والدتها …
حيث قامت المديرة بشخصها بمهاتفة والدة إيثار وإبلاغها بضرورة حضورها لإستلام عمل جديد كبديل عن السابق ، ومهامه ستوكل إليها ..
شعرت إيثار بالحزن لتركها الصغيرة ” ريفان ” بعد أن تعلقت بها جداً .. كذلك كانت هي أحد مصادر فرحتها وبهجتها ، ولكن ليس بيدها حيلة .. فهي مجبرة على الحفاظ على كرامتها وإكمال مسيرة عملها..
فقررت الذهاب للمكتب التابعة له للإتفاق على التعاقد الجديد ، وإستلامه.
وطأت بقدميها مقر المكتب ، وولجت لحجرة المديرة المسئولة عن المكان ، رحبت بها الأخيرة ، وأملت عليها بهدوء :
– في أوضة الاستضافة هتلاقي العميل الجديد مستنيكي عشان يتكلم معاكي!
ابتسمت لها إيثار وهي تهز رأسها بإستسلام :
– حاضر !
_ غادرت الغرفة بهدوء ، ثم سارت عبر الرواق الطويل والمفترش بالبساط الأزرق السميك حتى وصلت أمام غرفة الاستضافة ..
لا تعلم لما كل تلك الرهبة التي بداخلها..
ولا تدري سبب هذا التوتر الذي يعتري كل ذراتها دون داعي ..
فتلك ليست المرة الأولى التي ستقابل فيها عميلاً ، لكن الأمر مختلفاً ..
إحساس غريب يجتاحها يجعل دقات قلبها تتسارع وكأنها في سباق عدو ..
استطاعت أن تفسر ماهية كل هذه المشاعر المتوترة عندما وقعت عيناها عليه حينما ولجت لداخل الحجرة…
حدقت فيه غير مصدقة أنه أمامها ، وأنها تراه بطلته الآسرة ..
اهتز كيانها لرؤيته ، وعلت دقاتها من جديد وهي تراه بهيئته الجذابة تلك أمامها ..
أفاقت من توترها وصدمتها ، و فكرت بالتحرك سريعاً والهروب من أمامه ..
هي لن تتحمل المواجهة من جديد ..
لم يعد هناك ما يقال ، فما قيل قد قيل
وكأنه قد قرأ أفكارها ، فقبل أن تبرح مكانها كانتا قبضتيه أسرع إليها ..
جذبها من ذراعيها نحوه بقوة لتسقط في أحضانه ، وقبل أن تتمكن من إستعادة توازنها ، كان قد أحكم اغلاق الباب لينفرد بها …
سرى بجسدها قشعريرة رهيبة ، وأصابتها رعشة مزعجة من حضوره الطاغي عليها ..
انسلت من بين أحضانه ، وتراجعت مبتعدة عنه ..
بينما تمعن بدقة وتفرس بتلهف ملامحها التي اشتاق إليها لسنوات ..
شعر وكأن دهراً مر علي عدم رؤياها ..
رمقها بنظراته المشتاقة النادمة ، فشردت فيهما
دنا منها ليجذبها إليه ، وكادت أن تستسلم لسحر تأثيره ولكنها سرعان ما أفاقت من تلك الغفوة الصغيرة لتدفعه بعيداً عنها ، فلم يقاومها ولم يرفض رغبتها بالابتعاد عن أحضانه وترك لها العنان للتصرف بحرية ..
لملمت شتات أمرها واستجمعت شجاعتها المزيفة في وجوده لتقول بسخط :
– خير يامالك.. بيه
سيطر مالك على انفعالاته ، وتغاطى عن طريقتها وأسلوبها في الحديث ، ليجيبها بهدوء :
– عايزك تيجي معايا
ردت عليه إيثار بإباء وهي تعقد ساعديها أمام صدرها وترفع رأسها للأعلى ليزداد الشموخ في نبرتها :
– معاك!! بس أنا سبت الشغل عندك وأظن أنك عارف السبب !!!
هتف مالك وهو يفرك أنامله بتوتر وكأن الكلمات قد فرت منه :
-آآ.. انا مش عايزك ترجعي الشغل ، أنا عايز أتكلم معاكي بعيد عن هنا
هزت إيثار رأسها معترضة ، وأجابته محتجة وهي تتراجع للوراء بخطواتها :
– انا اسفة .. مش عايزة ا……
دنا منها بصورة مباغتة أفزعتها ، فوجدت نفسها على حين غرة تغطي وجهها بكفيها وكأنه تحمي نفسها من بطشه ..
نظر لها مصدوماً من ردة فعلها الغريبة ، ولم يترك لنفسه الوقت للتفكير حيث أطبق كفيه على ذراعيها وهمس لها بنبرة قديمة عهدتها منه منذ سنوات .. فجعلت قلبها يخفق بشدة وأستسلمت لرغبته دون عناء :
– أرجوكي يا إيثار .. حتى لو هتكون أخر مرة نتكلم فيها !
ارتجف جسدها من لمساته ، وردت عليه بتلعثم وهي ترفع رأسها لتلاقي عينيه :
-أنا آآ….
توسل لها مالك وقد أستطاع أسرها بعينيه التي طالما عشقتهم :
-من فضلك مترفضيش طلبي
هميست إيثار وهي تهز رأسها بدون إرادة :
-آآ… حاضر
اصطحبها معه في رحلة صغيرة لا تعلم ماهيتها ، أو حتى إلى أين ..
أثرت الصمت طوال الطريق ، فقط يختلس كلاهما النظرات للأخر وكأنة يخطف من الزمن لحظة ..
هي بجواره الآن ولكنها تشعر ببعد المسافة وقوة الجدار المبني بينهما ليشكل حائلاً يمنع اقترابهما ..
بعد برهة ، وصل بها لتلك البقعة التي شهدت أول أيام قصة عشقهما ..
.. البقعة التي حضرت الوعود والعهود ، فظلت البقعة باقية كما هي ولكن تغير كلاهما تغير الشتاء والصيف .
……………………………………
_ صف سيارته ثم حل حزام الأمان عنه وترجل عنها سابقاً إياها ، فقام بالالتفاف حولها حتى وصل للباب الذي تجلس خلفه ثم فتحه لها ، ووقف إلى جوارها منتظراً إياها ..
ترجلت منه بإستحياء ، وتحاشت النظر إليه ..
وبدون أدنى اشارات منها نظرت للمكان بعين الوحشة
هي كانت هنا منذ ثلاث أيام ولكنها لم ترى المكان كما تراه الآن ..
أشار لها بيده لتسبقه فتقدمت عنه بخطوات .. كان وجودها إلى جواره أثناء سيرهما معاً كفيلاً بإحياء ذكريات قديمة قد دفنها ومضى عليها ،..
وقف كلاهما أمام البحر ، وشرد هو قليلاً في تلاطم الأمواج ..
طالع بنظرات مطولة حركة المد والجزر التي تتدافع بها الأمواج ..
بينما كانت هي تستعيد لمحات خاطفة من الماضي البعيد ..
طال الصمت بينهما إلى أن قرر قطعه …
ها قد حانت اللحظة التي مضى عليها ثلاث سنوات .. التفت إليها وهو يرمقها بنظرات معاتبة ثم أبعد بصره عنها وهو ينطق بتألم شديد :
– الأيام مرت والسنين عدت ، وأنا لسه في مكاني .. انتي اللي مشيتي وقررتي تسيبيني من أول يوم قولتيلي فيه أمشي !
استدارت إيثار برأسها لتنظر إليه ..
تجمعت العبرات في مقلتيها ، وردت عليه بصوت شبه مختنق :
– آآ.. انا كنت….. !
قاطعها مالك وهو يشير لها بيده لتصمت :
-أرجوكي تسمعيني ، المرادي انا جاي هنا عشان اتكلم وتسمعيني !
_ أبعد بصره وعقله الذي تشتت بتأثيرها المغري عليه وقربها المهلك منه ، ثم أكمل حديثه بمرارة وهو محدق بالبحر :
– انا كنت بأخون مراتي كل يوم بسببك ، كل يوم كانت في حضني فيه كنت بأخونها وانا بفكر في غيرها وبحن ليها .. انتي عذابي التلات السنين دول ياإيثار ، وجاية دلوقتي تعاتبيني!!
مسح على وجهه بكفه ثم طرد زفيراً ملوثاً بالهموم من صدره ونطق بصعوبة بالغة وقد لمعت عيناه بشدة :
– هحكيلك .. حقك تعرفي كل اللي متعرفيهوش عن حياتي في التلات سنين دول ، لأننا مديونين لبعض يا إيثار، ايوه احنا مديونين لبعض ………..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبقي منها حطام أنثى)