روايات

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل السابع عشر 17 بقلم منال سالم وياسمين عادل

رواية وبقي منها حطام أنثى الفصل السابع عشر 17 بقلم منال سالم وياسمين عادل

رواية وبقي منها حطام أنثى الجزء السابع عشر

رواية وبقي منها حطام أنثى البارت السابع عشر

وبقي منها حطام أنثى
وبقي منها حطام أنثى

رواية وبقي منها حطام أنثى الحلقة السابعة عشر

)) وأهدوني قلباً غير قلبي ..
أصابه الصدأ وتبلد ،
وصبوا الثلج فوق صدري..
أصابه وتجمد))
_ جلست أمل تفكر مشدوهة ، هل حقاً ورغم قِصر المدة التي مرت على تلك الزيجة أن تكون أثمرت بتكوين نطفة معلقة برَحِم تلك الصغيرة الساذجة ، أيعقل أن تحمل في أحشائها طفلاً لم يردْ الله أن ينعم عليها به ، وهي التي كانت زوجـــة لسنوات تعاني من حرمان نعمة الإنجاب ؟ ..
حكت رأسها وهي تفكر جيداً فوجدت أن الأفضل هو إخبار زوجها لينوب عنها بالتصرف .. وما كان من محسن إلا أن أحضر هذه السيدة الودودة التي تدعى ” أم فتحي ” فهي صديقة العائلة منذ زمن وتعلم أسرار وخبايا ذلك البيت وكل ما له صلة بهم ..
_ لبت المدعوة ” أم فتحي ” طلب محسن لها وحضرت للكشف على إيثار سراً للتأكد من الشكوك المزعومة .. والإفصاح عن صدق هذه الأعراض التي شعرت بها
في حين كانت إيثار متذمرة للغاية ، ورفضت بإصرار جــــاد أن تكشف تلك السيدة عليها ولكن كيف ستصمد تلك الرقيقة الهشة امام ذلك القاسي الذي لا يرحم بإهاناته وبطشه اللفظي عليها ،وكما هو المعتاد أرغمها جبراً لكي تنصاع لرغبته في الكشف عليها ….
_ وبالفعل تفحصتها أم فتحي كما إعتادت أن تفعل مع غالبية نســـاء قريتها على أمل أن تبشر رب المنزل بالبشرى ، فيغدق عليها بالحلوان ..
وعندما ولجت خارج الحجرة نطقت بلهجة مشبعة بخيبة الأمل وهي مطرقة الرأس :
-مفيش حبل ولا حاجة ياسي محسن ! الله يعوض عليك
تجهم وجــــه محسن بشدة ، وصــاح بإمتعاض جلي وقد عقد حاجبيه :
-يعني إي؟! لسه مفيش حاجة ؟!!!!!
رسمت أم فتحي ابتسامة تنجح في صنعها في المواقف المشابهة ، وهتفت بحماس زائف لتدب فيه الأمل :
-متقلقش ياسي محسن هي كويسة وتقدر تخلف في إي وقت بس الصبر ، لسه معداش على جوازكو يا ما
وكــأن كلمات تلك السيدة كالطعنات المسمومة التي تغرز في قلب أمل التي تقف على مقربة منه ، وتتابع بتحسر بادي على وجهها ما يحدث ..
ورغم شعورها بالإرتيــاح لكون إيثار لا تحمل جنيناً في أحشائها ، إلا أن هناك شيئاً ما يعكر مزاجها …
أصاب محسن الوجوم ، ثم أشـــار لها بيده وهو يهتف بلهجة مقتضبة :
-طب روحي انتي
_ أخفضت أم فتحي بصرها وهي تمر من جواره في حين عقدت أمل ساعديها أمام صدرها وتشدقت بتهكم :
مستعجل ليه ياعريس!؟ لسه بدري!!
_ شعر بكلماتها المتوارية وكأنها تنغزه ، فتلوى ثغره وهو يردد بحنق :
– بقولك إيه يا أمل ، مش ناقص غيرة وشغل ستات دلوقتي.. أفرضي كانت فيها عِلة ( عيب ) هي كمان !!!!
طعنها بقسوة مفرطة في فؤادها بكلماته الفظة ، فتلون وجهها بحمرة محتقنة للغاية ، وانفعلت قائلة والغضب يتطاير من حدقتيها :
– قصدك إيه يا محسن؟
ارتفعت نبرة صوت محسن وظهرت فيه الخشونة :
– ولا قصدي ولا قصدك ، انا مش فاضي أدور على واحدة غيرها تجيبلي عيال ولا معايا تل فلوس قاعد عليه عشان اصرف على جوازات تانية !!!!
وضعت أمل يدها على منتصف خصرها ، ورمقته بنظرات نارية وهي تتابع بحنق :
-محدش قالك تتجوز بنت بنوت وصغيرة وأكيد طلبات أهلها كتير ، كان ممكن تتجوز مطلقة ولا أرملة .. بس أنت راجل عينك فارغة وزاغت عليها مش حكاية خلفة وبس !!!!
_ حدجته بنظرات مطولة تحمل الإزدراء ، ثم تركته و انصرفت من أمامه بخطوات متشنجة في حين أطلق هو زفيراً محتقناً وأدار مقبض الباب بعنف ثم ولج بإندفاع للداخل وهو يرمق إيثار بنظرات مخيفة إلى حد ما جعلت جسدها يجفل بشدة منه ..
و بضيق بيّن نطق ساخراً غير عابئ بها :
سلامتك يا… ياعروسة
_ أشاحت بصرها للجهة الآخرى ثم أراحت رأسها على ظهر الفراش وأغمضت عينيها گتعبير منها على عدم اهتمامها بما سيلقيه عليها .. أثارت حنقته ، وأشعلت فتيل الغضب عنده ، وبلا تفكير عقلاني اقترب من الفراش ، وبلا تمهل باغتها بإنحناءه الشــرس عليها بجذعه فشهقت مذعورة ..
رأت في عينيه وميض شيطاني ســرب الرعب إلى أوصالها ..
أطـــال من نظراته الجريئة والتي تحمل بين طياتها الإهانة ، وهتف مستهزءاً :
-عيب ياحلوة أكون بكلمك وتودي وشك الناحية التانية ..
ثم أطبق على فكها بكفه ، واعتصره بقوة آلمتها ، فجعلتها تئن بشدة ،وتابع قائلاً بشراسة :
-هما أهلك وأخوكي الدكر مش مربينك ولا إيه ؟
استفزتها إهانته البغيضة لعائلتها ، فحتى إن كانوا أخطأوا في حقها ، لا يحق له بأي حـــال أن يسيء إليهم ، لذا استجمعت قوتها ، وأبعدت كفه عن ذقنها ، وهتفت بنزق وقد تحولت نظراتها للوحشية :
– أنا متربية غصب عن إي حد ، وياريت تشيل أهلي اللي عمليلك عقدة من دماغك .. كفاية أنك حرمتني حتى أكلمهم !!
_ أمسك بفكها بقسوة ، ثم غرز أصابعه بخديها مما آلمها كثيراً ولكنها وارت ذلك خلف حدقتيها العنيدتين ورمقته بإستحقار فخرجت أنفاسه الساخنة وكأنها ألسنة من اللهب تشعل بشرتها :
– أهل إي بس!! خلينا ساكتين ومتسترين.. أهلك دول ما صدقوا الفرصة تيجي عشان يخلصوا من همك وأولهم أخوكي اللي ماصدق طلبتك منه !
رغم فظاظته واسلوبه الفج إلا أن قــال الحقيقة الموجعة .. عائلتها تخلت عنها ، وألقوا بها في أحضان شخص خدعهم بسهولة دون تحري الدقة عنه وكأنها عــار يحاولون ستره ..
استمر في التحديق إليها بنظرات احتقارية ليقلل من شأنها …
أدمعت عيناها من كلماته التي ضغطت على جرحها المفتوح ، فهمس لنفسها وهي تئن بمرارة :
– قادر ربنا يخلصني من اللي انا فيه
_ ضغطته القاسية العنيفة المستمرة على فكها جعلت الدماء تظهر من خلف بشرتها وشفتيها واللاتين اصطبغتا بحمرة مغيرة ، فأثارت غريزته الحيوانية لإلتهامها بشراســـة إلتهاماً مؤلماً موجعاً وكأنه يلقنها درساً قاسياً ليعنفها بقوة فلا تتجرأ على مواجهته مرة أخرى ..
هجم عليها كحيوان ضاري ، وإنهـــال عليها بقبلاته الموجعة ، فكانت شهقاتها تصدر بخفوت ليبتلعها داخل فمه ..
أصابها ما يفعله بها بالتقزز ، بالنفور الشديد ، بالإشمئزاز ، ناهيك عن الإهانة المتعمدة مما يفعله بها ..
تنازل عن أدميته وزاد من حدته العنيفة ، فعض على شفتيها بقوة لتسيل منها الدماء …
صرخت متأوهة ، لكنه ابتلع صراخاتها ، واستمر في دناءته الحيوانية معها ..
_ لم تعد تتحمل أنفاسه ولا لمساته المهينة ، فغرزت أظافرها في صدره لتؤلمه ثم خدشته وخدشته بوحشية .. فهي لا تملك سواهم كسلاح لتذود عن نفسها من ذلك اللا آدمي ..
حتى اضطر في النهاية أن يبتعد عنها قليلاً لينظر إلى فعلتها ، فما كان منها إلا أن دفعته بقوة خائرة لتصبح لديها الفرصة لتتحرر منه ، ثم ركضت لخارج الحجرة وهي تلهث لتدخل المرحاض وتختبىء بداخـــله ..
أوصدت الباب خلفها ، واستندت بظهرها عليه ، وأطلقت العنان لشهقاتها الموجعة ..
ها هو مجدداً يغتال روحها بوحشية ليقضي على ما تبقى منها ، ويتركها حطـــام أنثى ….
وقفت أمـــام حوض المياه ، وفتحت الصنبور على نهايته ، ثم انحنت لتتجرع المياه ..
_ تغرغرت بتقزز من حالها لتزيل دنائته العالقة بفمها ، وبصقتها وهي تلهق بصعوبة ..
امتزجت قطرات الدموع بقطرات المياه الباردة على وجهها
..
زادت شهقاتها ، ونظرت إلى انعكاس صورتها .. ليست تلك هي الشابة الجميلة ، ذات البشرة النضرة ..
لقد باتت أكبر بسنوات من عمرها الحقيقي ..
أنهكت قواها ، واستبيح جسدها بأبشع الطرق المهينة ..
وخزات مريرة تحرق صدرها ، آلام موجعة تزيد من اعتصـــار قلبها ..
نطقت بحروف متقطعة برز فيها الصدق وهي تشكو لمولاها قائلة
:
– حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي ربي هو مولاي وهو نعم الوكيل
كتمت صرختها العميقة بكفيها ، وأخفضت رأسها لتكمل بكائها المرير ..
مرت لحظات عليها .. وشعور غريب تسلل إلى روحها المقهورة ..
_ هل تشعرون بذلك ، حينما يتملكك يقين بأن أبواب السماء منفحتة عن آخرها لتتلقى دعواك ومناجتك ..
وكأن الله بطبقة السماء الأولى يستمع إليك ،
رعشـــة خفيفة دبت في جسدها ، وكأنها مسحة سحرية على ظهرها أحست بها ..
نعم هناك شعور بالطمأنينة تخلل إليها ، ويعطي لها الوعود بالفرج القريب …
أمل جديد ظنت أنه موجود وسيتحقق فتزال عنها همومها للأبد .. عليها فقط أن تتحلى بالصبر …
……………………………………………………………
(( يبقى على بركة الله نقرا الفاتحة ))
_ هذه العبارة التي نطق بها ” مدحت ” والد سارة لذلك الثري الذي أراد الزواج من ابنته رائعة الجمـــال ، فمنذ أن رأها بحفل زفاف إيثار وقد استحوذت على تفكيره وسيطرت عليه كلياً..
ولم يهنأ له بال قبل أن يحصل عليها ..
مر على زواج إيثار شهر تقريباً وهو يسعى للوصول إليها ومن ثم عرض على والدها رغبته في الزواج من ابنته وما كان منه ” مدحت ” إلا الموافقة في ظل الظروف التي ينعم بها ذلك الشاب .. فقد رسم أمامهم خطوط حياته كاملة …
_ فرامــــز شاب مصري في منتصف العقد الثالت من العمر ، عاش سنوات طفولته مع والديه خارج مصر ومن ثم عاد لأرض الوطن مرة أخرى للبحث عن العروس الملائمة لكي يتزوج ويعاود السفر للخارج مجدداً ….
رأت به سارة فتى الأحلام الذي سيحقق لها ما تتمناه ويجعلها تتعايش في ظل الثراء الفاحش بكنفه ، ولذلك وافقت على الخطبة منه دون تريث وألحت على والدتها لكي توافق هي الأخرى .. فهو فرصـــة لا تعوض ، وهي لا تستحق أقل منه ..
رفضت إيمان في بادئ الأمر حتى لا تفارقها ابنتها ولكنها رضخت في النهاية لرغبة تلك المشاغبة الطامعة …
_ وعقب أن انتهى الجميع من قراءة الفاتحة ، ابتسم مدحت بوجهه البشوش ثم نطق مباركاً :
-الف الف مبروك يابني !
صافحه رامــــز بحرارة وهو يردد بنبرة عذبة :
-الله يبارك فيك
_ رقعت إيمان الزغاريد المتتالية بينما كانت سارة تختلس النظر لذلك الوسيم الذي حظيت به ، كانت ملامحة شرقية جذابة .. ذي بشرة برونزية وعينين سوداوتين يظهر بهما العمق والغموض ، أنفه ينحدر بإستقامة نحو فمه ، بينما كانت شفاهه غليظتين بلون فاتح ، يتميز بالطول الفاره بجانب نحافته المتزنة ..
كان حقاً فتى الأحلام لأي فتاة حالمة .. وها هو إصبعها يتزين بخاتمه الثمين ….
_ وبينما هي متمعنة النظر به تتفحص ملامحه بدقة وكأنها تدرسها ، رفع رامز بصره فجأة عليها ليصطدم بالنظر لبؤبؤي عينيها فأسبلت بصرها للأسفل باستحياء – وكأنها ضبطت بالجرم المنشود – وتوردت وجنتيها سريعاً ، فابتسم بثقة عقب أن شعر بتأثيره الإيجابي عليها ، وبرزت أسنانه قليلاً وقد تيقن من إعجابها به وبمظهره الحسن .
……………………………………………………………
_ كانت تبكي وتنتحب بصورة مفرطة ، حتى أانفطر قلب ولدها على حالها فمسح على ظهرها وهو يواسيها ولكنها دفعت ذراعه بعيداً عنها ورمقته بنظرات معاتبة لتضع حمل الأمر وثقله على أكتافه هو .. فتنهد مطولاً ..
هنا في منزل عائلة إيثار ..
المنزل الذي أصبح وكأنه مأتماً منذ أكثر من شهر عقب أن إنقطعت أخبار ابنتهم الوحيدة ..
فهم لا يعلمون شيئاً عنها ، وحتى هاتف محسن أصبح خارج نطاق الخدمة في أغلب الأوقات ، فبات من المستحيل الوصــول إليهما ..
أخرجت تحية صرخة يائسة من صدرها وهي تنطق بحرقة :
– بنتي جرالها حاجة ، أنا متأكدة ان فيها حاجة !!!!
هـــا هو قلب الأم ، يستشعر أقل تغيرات تطرأ على فلذات أكبادها ..
حدسها ينبئها بأن صغيرتها تعاني ..
لم يختلف حــال رحيم عنها كثيراً ، إلا انه كان بارعاً في إخفاء مشاعره القلقة ..
فالخوف الممزوج بالاضطراب مسيطراً عليه منذ فترة ..
جاهد قائلاً لكي يضع الصبر الزائف بداخلها :
– أهدي ياتحية شوية ، أكيد الغيبة دي وراها سبب منعرفهوش
ضربت هي كفاً على الأخـــر ، وصاحت معترضة والمرارة تصدح في نبرتها فقد سئمت من أسالبيهم الباردة :
-سبب اي!! ابنك بيقول معادش بيروح الشغل وواخد أجازة مفتوحة أديله زمن ، وتقولي أهدى ، انت مش حاسس بالنار اللي فيا ..
كور عمرو قبضة يده ، فإختفاء أخته ومحسن أثارا ريبته بشدة .. خاصة أن وسائل الإتصـــال به باتت منقطعة إن لم تكن معدومة ..
خالج شعور الذنب فؤاده ، وكافح ليقول بتوسل : أهدي ياماما ، انا غلطان اني قولتلك يعني !
_ التفتت تحية برأسها لتحدجه بنظرات قاتلة ثم أشارت له بسبابتها ونطقت بلهجة محذرة :
متكلمش معايا خالص انت بالذات ، كانت مجايبك سودا ومهببة !!!
صـــاح رحيم بنفاذ صبر وقد ضاقت عينيه بشدة :
ما قولتلك أهدي ياتحية وهنحاول نلاقي طريقة نوصلهم بيها !!!!
عضت تحية على شفتيها بتألم وهي تضيف بمرارة :
-طول عمرك قاسي عليها يارحيم وبتشد في تربيتها !
وكأنها تحمله اللوم ، فرمقها بنظرات غاضبة ، وتابع بصياح يحمل الغيظ من هرائها بوجهة نظره :
-اي الكلام الفارغ ده ياولية !؟ طول عمرنا عارفين المثل اللي بيقول أكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين .. لولا شدتي عليها كانت طلعت سايبة وماشية على كيفها ولا مبتشوفيش البنات عاملين أزاي اليومين دول ؟!!!!!
_ ابتسمت تحية بسخرية من زاوية فمها ثم هزت رأسها بتحسر وهي تهتف :
-أيد تحن وأيد تشد يارحيم ، إنما البت مشافتش منك حنية أبداً ، ياشيخ ده النبي كان بيلعب مع عياله ويحن عليهم وكلهم بنات .. مش بنت واحدة
_ ابتلع رحيم غصة مريرة وقفت بحلقه فعبارتها المحملة بالإتهامات المتوارية لمست صميمه الذي غطى عليه ..
شعر بالحرج من نفسه .. فهو بالكاد لم يعامل ابنته يوماً بشئ من الحنان واللين ، فقط أفكاره العقيمة سيطرت عليه وخشي من انفلات الزمام من يده ، فردع صغيرته منذ نعومة أظافره معتقداً أنه يحميها …
أكملت تحية حديثها وهي تنهض عن مكانها قائلة بعتاب قاسي :
-حتى ياحبيبتي لما قلبها دق حرمتوا عليها الحب ، ربنا يسامحكوا .. بنتي ذنبها في رقبتكوا !!!
_ عرجت لداخل حجرتها في حين مسح عمرو على نحره وقد شعر بالإختناق والضيق .. والدته محقة .. الكل جنى عليها .. الكل تسابق في إرســالها إلى مصير مجهول دون التأكد من عواقبه ..
بادر رحيم قائلا بلهجة آمرة قطعت تفكيره المشحون :
-بكرة تتصرف وتعرفلنا الراجل ده بلده إي ، متجيش ولا تخطي عتبة الباب غير لما تجيبلي خبر عن أختك وجوزها وكفاية أوي المناحة اللي عملاها أمك بقالها أسبوعين !
تنهد عمرو وهو يهز رأسه إيجاباً :
-حاضر يابابا ، هتصرف بكرة إن شاء الله
_ كانت في حجرتها تجوبها ذهاباً وإياباً وهي ممسكة بأحدى المذكرات الدراسية وتجاهد لحفظها عن طريق أستخدام أسلوب ( التسميع )..
كانت تعقص شعرها على شكل ( كعكة) بشكل غير مهندم ، فتركت بعد الخصلات تنسدل بصورة متمردة لتزيد من مظهرها العبثي ..
وأثناء حفظها شعرت بنفاذ طاقتها وإنحدار مستوى حماستها فألقت المذكرة أرضاً بصورة عنيفة ثم صرخت وهي تمسك برأسها :
اااااه ، دماغي هتنفجر ومش عارفة أحفظ .. دي مش ثانوية عامة دي زفت وقرف… مش ممكن كل ده في صفحتين ومش عارفة أحفظهم !!
زمت شفتيها لتضيف بإستهزاء :
-اللعنة على الثانوية واللي عملوها
_ ألقت بجسدها على الفراش ثم حركت ذراعيها في الهواء ، ومطت جسدها وهي تتأوه بخفوت .. وفجأة توقفت عن الحركة وحدقت أمامها بنقطة ما في الفراغ..
استقامت في جلستها سريعاً ثم خرجت من حجرتها راكضة وهي تبحث عن شئ ما ..
انطلقت لحجرة أخيها وضغطت على زر الإنارة ولكن خابت ظنونها ووجدت الحجرة خاوية ..
تملكها الحزن ، وأصيبت بالإحباط ..
كان مجرد وهم .. ليس هنا .. فقد تردد في أذنيها صوتاً ألفته منه .. وكأن عقلها توهم سماعه لصوت دندنات خافتة وألحان تشبه ألحان أخيها …
تنهدت بإستياء ، وبدت أكثر عبوساً وهي تتأمل غرفته الخاوية ..
كل شيء مرتب في مكانه ، لكنها تخلو منه ..
بدت باردة قاسية .. تحمل الجفاء والغربة ..
أطرقت رأسها بضيق ثم ولجت للداخل وجلست فوق مقعده الخشبي ، تأملت حوائجه ومراجعه الدراسية التي تركها خلفه ثم أمسكت بإحداهم وأخذت تفر في أوراقه بلا إهتمام ..
هي تبحث عنه بين طيات الأوراق ..
أرادت أن تستشعر بقوة وجوده إلى جوارها ..
هي تفتقده بشدة ، تشتــاق إليه .. ترغب في إحتضانه واللهو معه كما اعتادت ..
التوى ثغرها بإبتسامة باهتة وهي تتذكر استفزازها له ..
تنهدت بعمق ، ولمعت عينيها قليلاً ..
همست بآسى :
-وحشتني !
وفجأة لمحت ورقة مدون عليها أسم ” إيثار ” بالإنجليزية وزهرة حمراء جافة الأوراق وهي تقلب بين الصفحات ..
انعقد ما بين حاجبيه بإستغراب ، ثم سريعاً تبدد هذا التعجب ، و ابتسمت ساخرة ..
كان أخاها عاشقاً متيماً .. قبل أن يتحول إلى ناقم لكل شيء له صــلة بالحب ..
أغلقت الكتاب بعنف ووضعته بمحله وهي تزفر بغضب واضح ..
_ نهضت عن مكانها ثم طالعت الحجرة بأعين مشتاقة يحتلها الحنين ، تشعر بمرارة الإفتقاد ..
ولكن ما يهون عليها ذلك هو اتصالاته المنتظمة بها وتواصله الدائم معها ..
وأثناء شرودها ، ولجت عمتها ميسرة إلى داخل الغرفة وهي تمرقها بنظرات اشفاق ..
بحثت عنها بحجرتها ولم تجدها فاستنبطت متيقنة بوجودها بغرفة الغائب وصدق حدسها …
اقتربت منها ، ووضعت يدها على كتفها ، فإستدارت روان ناحيتها ، وهمست متساءلة بعذوبة :
– انتي بتعملي إي هنا ياروني ؟ بدور عليكي من بدري
أطلقت روان تنهيدة مطولة تحمل الكثير من المشاعر ، وأجابتها بمرح زائف وهي تكافح لمنع عبراتها من السقوط :
-جيت أدور على مالك اللئيم اللي كان بييجي بالليل ويدخل يخبي الشيكولاته مني قبل ما أخدها منه !
_ ضمتها ميسرة إلى صدرها ، وأبعدتها عنها قليلاً لترفع كفيها إلى وجهها ، ثم مسحت على وجنتيها بعاطفة أمومية وهي تردد
– ربنا يرجعه بالسلامة ياحبيبتي ، يلا تعالي أحكيلك اللي حصل
_ خرجت الاثنتين من الغرفة ، وبطبيعة الحــال الفضول دائماً ما يسيطر على روان حينما تتعلق المســألة بأمر جديد ..
لذا تساءلت بإهتمام گعادتها عن ماهية الحوار الذي تريد عمتها إخبارها به ..
جلستا بجوار بعضهما على الأريكة العريضة ثم بدأت ميسرة في سرد ما حدث معها في صباح هذا اليوم فأنصتت لها روان بتركيز .. ثم أضافت بجمود قليل :
– ام سارة قابلتني الصبح على السلم !
ضاقت نظرات روان حنقاً .. فهي مؤخراً باتت تبغض كل من له صلة بإيثار وعائلتها ..
استشعرت ميسرة ضيقها ، ولكنها أكملت بتهكم :
-وقال إي بتعزمني على فرح بنتها أول الشهر الجاي
تجهم وجه روان ، وصاحت بحنق بادي في نبرتها وهي تشيح ببصرها للجهة الأخرى :
– ان شالله يولعوا ملناش دعوة بيهم
أرجعت ميسرة ظهرها للخلف لتسترخي قليلاً ، وتابعت بإمتعاض :
-انا باركتلها وخلصنا
روان وهي تطرق رأسها أثناء تذكرها لما حدث لأخيها :
-ســـارة دي هي السبب في كل حاجة حصلت من الأول وأكيد ربنا هيخلص منها !
أغمضت ميسرة عينيها ، وهزت رأسها بحركة ثابتة وهي تقول بهدوء :
-ربنا يسهلهم كلهم بعيد عننا وكل واحد راح لحاله !!!
_ شردت روان لوهلة في أمر مــا ..
بدى غريباً في البداية أن تفكر فيه ، ولكنه – رغم ما حدث – غامضاً ويثير الريبة ..
ضاقت نظراتها ، واعتدلت في جلستها ، ثم حدقت في اتجاه عمتها ، وأردفت قائلة بإهتمام مفاجيء :
– عمتو مش واخدة بالك من حاجة؟
انتبهت لها ميسرة ، ورمشت بعينيها وهي تتابع متساءلة بجدية :
-حاجة إي؟
زادت حــدة نظراتها ، وأكملت بتفكير متعمق :
-احنا مشوفناش إيثار ولا جوزها المخفي ده من ساعة ما أتجوزو ، تفتكري مش بتيجي ليه؟!
حكت ميسرة مقدمة رأسها ، فهي لم تنتبه لتلك النقرة من قبل .. فقد مرت مــدة منذ أن رأت فيها إيثار .. وهذا الأمر يعد غريباً ، خاصة وأنها عروس جديد تشتاق لعائلتها ، ومن المتوقع أن تزور عائلتها بإستمرار ..
أخفضت نبرتها لتجيبها بإهتمام :
-تصدقي عندك حق !
أضافت روان متساءلة بجدية وفضول وهي تقطب جبينها :
تفتكري ليه؟! يعني إيثار عارفة ان مالك مسافر أكيد مش خايفة تقابله.. يبقى ليه بقى؟!
زفرت ميسرة بضيق .. فحـــال مالك تبدل بسبب فعلتها معه .. وتغير مســار حياته نتيجة ما حدث .. هي لا تريد نبش جراح الماضي حتى لا يتوغــر صدرها أكثر .. فنفضت عن عقلها تلك الأفكار ، وهتفت بصلابة وهي تشير بإصبعها :
-متفكريش فيها ولا في أهلها يابنتي، ويلا قومي كملي مذاكرتك عشان متتعطليش !
_ أومأت رأسها إيجاباً ثم نهضت بتثاقل عن الأريكة واتجهت إلى حجرتها ، بينما ظلت ميسرة في حالة من الوجوم قليلاً ثم نهضت لكي تستكمل ما تركته خلفها بالمطبخ ….
…………………………………………………………
_مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع على ذلك اليوم المؤلم .. لم يختلف الأمر كثيراً عنه .. ولكنها باتت مجبرة أن تحيا كل يوم في ذلك العذاب اللا محدود حتى باتت تتعايش معه مكرهـــة .. وكيف ستتصرف وهي بمفردها ، وحيدة ، عاجزة .. في منفى لا تعرفه …
استسلمت بالكامل لهذا الواقع المؤلم الذي تعايشه .. وتقبلت نوعاً ما وجود ذلك الشيء الحيواني بحياتها ..
كم بغضت وجودها معه ، وكرهت نفسها من مجرد اقترابه منها ..
تمسكت بأمل أن حالها سيتبدل .. فهي ميقنة بأن الله نصير المظلمين ..
كذلك خفف عنها معاناتها المستمرة هذه السيدة الودودة التي حظيت بمعرفتها بهذه البلد الغريب ، كانتا دائما ما تجلسان سوياً ولتتسامر كلتاهما كثيراً …
لمحات من الحزن كانت طافية في عيني إيثار رغم عدم بوحها بشيء ..
لكن مجرد أن تنظر فيهما تجد آلاماً تحتاج للتطيب .. وجراحاً تحتاج للشفاء ..
وفي يوما ما ..
جلست الاثنتين سوياً على طاولة المطبخ الدائرية الصغيرة تقطعان الخضراوات الطازجة تجهيزاً لوجبة الغداء ، فلاحظت أمل عليها الحزن والكآبة بصورة أكثر عما مضى..
تركت السكين من يدها ثم نطقت بنبرة عذبة وهي تتساءل بحنو :
-مالك ياإيثار؟! في حاجة شغلاكي
علقت إيثار أنظارها على قطع الخضروات وبلهجة خالية من الحياة أجابتها :
– أهلي وحشوني ، نفسي أشوفهم وأسمع صوتهم .. !
ثم رفعت عيناها بحذر نحوها ، وتوسلتها بخوف قليل :
-هو .. هو مينفعش تكلميه وتخليه يوديني أسكندرية ان شالله يوم واحد !
_ قبضت أمل على شفتيها بحنق ثم هزت رأسها نافية وهي تردد بإستياء :
-مش هيوافق انا عارفاه
_ زفرت إيثار أنفاسها المحتقنة بغيظ جلي ثم عاودت إستكمال ما تفعله حتى قطعت عليها امل تفكيرها وهي تردد بنبرة حماسية :
-بس انا ممكن أخليكي تكلميهم تطمني عليهم
عـــاد الأمل من جديد ليتراقص أمام عينيها الحزينتين ، فهتفت
بتلهف شديد وقد أنفرج ثغرها ببسمة واسعة لم ترها أمل عليها من قبل :
-بتكلمي جد؟!
أمل وهي تهز رأسها مؤكدة :
-طبعاً ياحبيبتي ، انا هحاول اتصرف وأجيب تليفون محسن وانتي اسبقيني على فوق !
_ نهضت إيثار عن مكانها بعجالة ثم مسحت كفيها بالمنشفة وأنطلقت للأعلى بصورة سريعة تكاد تشبه الركض ، هــا هي ستحظى بفرصــة للتواصل مع من تشتاقهم ..
كانوا بالأمس القريب أقرب إليها من روحها ، واليوم باتوا أبعد من خيالها ..
كم تشتاق لصوت أمها ، وخشونة نبرة ابيها وهو يوجهها .. وجدية اخيها عمرو وهو يعاتبها لخطأ صغير ..
أشياء صغيرة اعتادت فعلها ، لكنها كانت بأمن من هذا الجحيم المرير …
خفق قلبها بقوة ، وتســـارعت أنفاسها متحمسة ..
وظلت تردد بين نفسها :
-يا رب ، يا رب ، يا رب
صعدت أمل بتوجس وخطوات حذرة لتدخل حجرتها .. فهو اليوم نائم فيها ..
طالعته بنظرت مطولة لتتأكد من انتظام انفاسه .. ثم حبست أنفاسها ، وتسللت على أطراف أصابع قدميها حتى لا تحدث صوتاً ..
اقتربت بحرص من خزانة الملابس ، وبترقب شديد فتحت الضلفة ، وأخذت تعبث في محتوياتها وأشيائه التي بها حتى وجدت هاتفه أسفل الثياب ..
فالتفتت برأسها لتتأكد من أنه مستغرق في سباته العميق …
سحبت الهاتف المحمول بهدوء ، ودسته في جيبها النسائي ، ثم ولجت للخارج وهي تلتقط أنفاسها بإرتياح ..
لاح على ثغرها ابتسامة خفيفة .. فاليوم ستساعد تلك التعيسة لتحظى ببعض الراحة والسكينة ..
، وبخفة شديدة ذهبت لحجرة إيثار لتجدها تنتظر على أحر من الجمر وما أن وقعت عيني الأخيرة عليها حتى ركضت إليها ، ونظرت له دون أن تنطق ..
أخـــرجت أمل الهاتف من فتحة صــدر فستانها ، ومدت به يدها نحوها ، فسحبته هي منها ، وهتفت ممتنة وقد برقت عينيها :
مش عارفة أشكرك ازاي بجد !
-على ايه بس ، هستناكي برا أما تخلصي
قالتها أمل وهي تتجه صوب باب الغرفة …
_ شرعت إيثار بتشغيل الهاتف ومن ثم بدأت بالضغط على أزراره لإجراء مكالمة هاتفية.. إن لم تكن الأهم على الإطلاق ..
…………………………………………….
في هذه الأثناء كانت تحية تتابع أحد البرامج التليفزيونية الإخبارية فتفاجئت برنين هاتف رحيم ، فأمسكت به بعدم اهتمام ، ولكن سريعاً ما تحولت نظراتها للصدمة حينما دققت النظر في شاشته ، وقرأت اسم محسن على المكالمة فانتفضت في مكانها ، وبشكل لاإرادي قامت بالرد بتلهف :
– آآ.. الو
تنهدت إيثار بحرارة موجعة ، وهمست بمرارة رغم اجتهادها في اظهار فرحتها بسماعها لصوت أمها أخيراً :
-ماما حبيبتي وحشاني اوي !
قفز قلب تحية في صدرها وزقزق گعصفور وليد ، وهتفت بتلهف : بنتي ، ضنايا وحشتيني اوي اوي ياحبيبتي ، طمنيني عاملة اي وكنتي فين كل ده ؟!!
_ صمتت إيثار لوهلة .. فقد وقعت عينيها على أمل المرابطة أمام عتبة الباب ، وعيناها معلقتان بها ..
توجست خيفة منها ، وترددت أتحكي أمامها أم ماذا؟!
ولكنها في النهاية حسمت أمرها ، لا وقت لإضاعته ، هي حظيت بفرصة ربما لن تتكرر ..
لا مجال للتراجع ، على أهلها أن يعرفوا ما ألم بها ، وما تعانيه من تلك الزيجة البشعة ..
لذا قررت سرد ملخص وافي عما مرت به الأيام والليالي وما قاسته بسبب عائلتها فلن تتواجد فرصة آخرى گهذه .. أبتلعت ريقها بمرارة وهي تهتف بصعوبة :
اسمعيني كويس ياماما عشان معرفش هقدر اكلمك تاني ولا لأ !
اختنق صوتها وهي تكمل بأسف :
-انا اتبهدلت وطلع عيني بسبب بابا وعمرو واللي عملوه فيا .. محسن طلع ا ا…..
_ كانت الكلمات تقف على حافة لسانها وتأبى الخروج من شفتيها ، جاهدت للحديث وقد بدأت الدموع الحارة تنسال من عينيها بغزارة وهي تتابع :
-متجوز ياماما ، عارفة يعني ايه متجوز ، وأنا مش الأولى في حياته .. !
شهقت والدتها بصوت مسموع ، تكاد تجزم أنها شعرت بها تلطم بقوة على صدرها ..
نشج صوت إيثار وهي تكمل بصعوبة :
-و… وانا اتجوزني عشان يخلف مني وبس .. بهدلني وضربني وو و.. و..آآ.. و … !
_ علت صوت شهقاتها المريرة وهي تسرد على والدتها مرارة ما جابهته بكنف زوجها ..
بكت تحية بصمت وقد عجز لسانها عن الرد .
. شعرت بآثامها هي الآخرى .. هي ملامة فيما فعلته بإبنتها ..
هي مشاركة في تلك الجريمة .. فصمتها الذي أمتهنته جعلها مذنبة بشدة ، فنطقت بصوت متحشرج :
-كل ده يابنتي!! انا كنت حاسة ان فيكي حاجة وقلبي مكدبش ، آآآه يا بنتي ، آآآآآه !
_ ولج رحيم خارج المرحاض فتفاجئ بزوجته تتحدث بنبرة باكية بهاتفه فاقترب منها وعلى وجهه علامات الاستفهام .. ولكن ما لبثت أن زالت حينما سمع اسم إبنته خلال حديثها المتشنج …
فتحرك سريعاً نحوها ، واختطف الهاتف من يدها ليردد بعجالة :
-إيثار ، انتي فين يابنتي ، وكل ده كنتوا مختفيين ليه؟
أغمضت إيثار عينيها حسرة ، فقد استصعبت الحديث معه عقب ما فعله بحقها ..
ظنت أنها ستتمالك حينما تسمع صوته ، لكن نبرته ذكرتها بقراره المجحف في حقها ..
وبصعوبة واضحة أجابته : معرفش
لهثت وهي تكمل بنشيج :
-كل اللي اعرفه اني محبوسة هنا في بلد ريفية حتى أسمها معرفهوش !!!
لم تستطع التحمل أكثر من ذلك ..
أوشكت على الإنهيار ..
فصرخت بنبرة متشنجة :
-وانتوا السبب في اللي انا فيه ، انتو السبب ، رمتوني ليه !
تجهم وجه رحيم .. وبدى متخبطاً .. هل أخطأ في حق ابنته ؟ هل دفعها للجحيم بيده .. هو كأي أبى كان يسعى لتزويجها ممن يؤتمن عليها ..
كان يخشى عليها من القيل والقــال ، من الأقاويل التي تمس عرضها ..
هو لم يخطيء .. هو كان يحميها .. هكذا برر لنفسه ..
لكنه لم يعلم بعد تبعات قراره الظالم ..
يا الله كم بدى كالجلاد القاسي الذي لا يرحم حينما ينفذ حكم الإعدام على محكوميه ..
ضغط على شفتيه ليقول بحزم زائف :
-فين جوزك خليني اسأله ولا أتكلم معاه ؟
أجابته إيثار بضيق وهي تنظر لأمل مرة آخرى :
انا بكلمكوا من وراه !!!
-اييييه !!!
قالها رحيم بصدمــــة واضحة …
…………………………………………..
_ كانت الأجواء ساخنة وحارة بداخل الغرفة .. ولما لا فالصيف على المشارف ، والجو في تلك الأثناء يميل للإرتفاع ..
مما جعله لا يطيق النوم أكثر من ذلك

نهض محسن عن الفراش ثم حك فروة رأسه وهو يتثاءب وقرر النزول للأسفل للبحث عما يسد جوعه ، فمعدته بدأت تأن كأسد جائع ..
وعندما ولج خارج حجرته استمع لصوت همهمات مبهمة منبعثة من جهة الحجرة التابعة لإيثار ..
فضيق عينيه بترقب ثم أتجه ناحية الغرفة …
وقف على بعد عدة خطوات ليتمكن من سماع ما يقال ..
وسريعاً ما تحول وجهه للإظلام ، ونظراته للشراسة …
وبصورة مباغتة اقتحم الغرفة ليتفاجئ بها تتحدث بهاتفه …
شهقت إيثار بهلع حينما رأته أمامه بهيئته التي لا تنذر بخير على الإطلاق ..
سقط الهاتف من يدها من هول المفاجأة ..
بينما عقد هو ما ببن حاجبيه ثم كز على أسنانه بشراسة وهو ينطق
:
-انتي بتعملي اي!! وجيبتي تليفوني منين !!
لم يختلف حــال أمل عنها ، ووضعت يدها على صدرها اللاهث وهي تدعو الله في نفسها ألا يتفاقم الأمر …
ابتلعت إيثار ريقها بصعوبة ، وارتجفت نظراتها ، وتندى
جبينها بقطرات العرق ، وهمست بتلعثم خائف : آآ… انت……
انطلق نحوها ، وقبض على ساعدها بعنف ثم جذبها ليصرخ بها
بإهتياج :
انتي لسه ها تتهتهي .. ده انتي ليلتك سوده النهاردة
تدخلت أمل على الفور بعد أن رأت فيه علامات الخطر .. ووقفت حائلاً بينهما ، وهتفت بصوت عالي لعلها تردعه :
-يامحسن كانت بتطمن على اهلها فيها اي دي؟
لم ينظر محسن ناحيتها ، بل ظلت أنظاره الشيطانية المرعبة معلقة على إيثار ، ثم دفعها بعنف من كتفها للجانب لتسقط على الأرضية فتأوهت بصوت مرتفع في حين كان النصيب الأكبر من الإعتداء والعنف من حظ إيثار ..
انتابته ثورة هائجة ،وترك لنفسه العنان للبطش بها ..
حيث جذبها من خصلات شعرها بقوة ، ولفه على كفه ليحكم سيطرته عليها حتى شعرت وكأنه سيقتلعه من جذوره ، فزاد من تأوهاتها ..
وسدد لها صفعات متتالية على وجنيها بكفه الأخـــر ..
توسلت له أن يكف ..
لكنه لم يفعل ، بل زادت شراسته وعنفه ..
وكــال لها من اللكمات القوية في أنحاء متفرقة من جسدها ولم يهتم بصراخها وصوت بكائها على أثر الألم …
انتفض والديها مذعورين على إثر صراخها العنيف ، وصوت الضربات كالسياط عليهما …
كاد قلبيهما يخرج من ضلوعهم من هول الصاعقة التي تلقاها ، ظل والدها يصرخ وينادي باسمها عسى أن يسمعه ذلك المتوحش ولكن لا حياة لمن تنادي ..
ابنته تقتل على يد من أئتمنها عليها ..
_ جاهدت إيثار لتتخلص من قبضته ولكنها شعرت بالعجز الكامل ، ظلت تخدش قبضته القابضة على شعرها بشراسة حتى انفلتت ..
تدخلت أمــل لتمنعه من الاقتراب منها ، فأتاحت لها الفرصة لتهرب من أمامه ..
وخرجت تركض وهي تصرخ مستغيثة بمن ينجدها من بطشه العنيف ..
دفع هو أمل بقوة مفرطة وقد بات من الصعب السيطرة على جموحه العنيف فتبعها ليلحق بها وهو يطلق أبشع الألفاظ وأكثرها قبحاً ..
تعثرت في طريقها ، فأمسك بها من ثيابها وجذبها بقوة ولكنها رفضت الرضوخ والاستسلام وظلت تتلوى بين قبضتيه ، وتحاملت على نفسها ليفلتها حتى سقطت من أعلى الدرجات الخشبية التي تفصل الطابقين …
_ فزع محسن عندما رأها تسقط وجسدها يدور بلا توقف على طـــول الدرجات ..
تسمر في مكانه يتابعها بذهـــول حتى توقف جسدها عن الدوران ، أصيبت رأسها وسال منها الدماء..
دنا منها مسرعاً وانحنى بجسده ليتفحصها ..
شعرت بيديه على جسدها المتآلم ، فصرخت بهيسترية ليبتعد عنها ..
لم تعد تطيق لمساته ، لم تعد تتحمل وجودها بقربه .. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لها ..
ودت الموت لترتاح من عذابها معه ..
صرخت وصرخت وصرخت وهي تلوح بذراعيها في الهواء ..
أغمضت عينيها بقوة لتبعد صورته المخيفة عن أنظارها ..
آلماً مبرحاً يضرب أسفل بطنها ..
ورطوبة لزجة تنســاب من جسدها ..
حدق محسن مصعوقاً في تلك الدماء الدافئة التي تتدفق من بين ساقيها..
تلونت ثيابها بالدماء وشعرت كأن روحها تخرج منها ، واستسلمت بإرتياح لهذا الشعور ..
أخيراً سيستكين جسدها بعد ذلك العذاب المتواصل ..
جفل جسد محسن بقوة .. فالدماء غطت إيثار من أماكن متفرقة ..
نهض مسرعاً ليبحث عن ” أم فتحي ” ثم عاد بها مهرولاً لكي ترى ما أصابها …
_ وعندما وقعت عينيها على الحالة التي بها تلك المسكينة شهقت بخوف ثم انحنت عليها لتتفحص ما أصابها ولكنها ابتعدت سريعاً ثم نطقت بلهجة مذعورة :
– دي لازمن تروح المستوصف على طول دي بتنزف !!
تسمر في مكانه ، وحدق بها بنظرات فارغة ..
لم يعد بإمكانه التفكير ..
وبات مرعوباً من تعرضه للمسائلة القانونية ، فهتف بهلع :
ها!! ط… طب أفرضي سألوا حصل اي؟
رمقته أم فتحي بنظرات مشمئزة ، وهزت رأسها بإستنكار وهي تقول :
– ماليش صالح اتصرف ، المهم توديها قبل ما تقطع النفس وتروح منك !
_بثت كلماتها الرعب بداخله أكثر ..
فما كان منه إلا الإنسياق وراء حديثها والذهاب بها إلى إحدى المستشفيات الصغيرة الموجودة بالبلدة ..
أصرت أمل على مرافقته رغم الآلام التي كانت تشعر بها على أثر سقوطها عقب دفعه لها من أجل تلك الفتاة المغلوبة على أمرها …
_ لم تكف عن توبيخه وإلقاء اللوم عليه لما ارتكبه بحقها ..
حملته الذنب واللوم ..
لكنه لم يحرك ساكناً ..
بدى خائفاً على نفسه أكثر منها ..
أشفقت على تلك المسكينة التي لم تفعل شيئا قط …
فقط قدرها قادها لهذا المعدوم الرأفة ..
أغاظها جموده ، فصرخت بإهتياج :
-ليه كل القسوة دي ، انا مش مصدقة نفسي ازاي مخدتش بالي من البنى ادم اللي عايشة معاه السنين دي كلها !!!!
استدار ناحيتها ، وكز على أسنانه قائلاً وهو يضرب حائط المشفى بقبضته :
-قولتلك مكنتش شايف قدامي ، وانتي السبب في كل ده
احتجت أمل بقسوة وهي ترمقه بنظرات مشتعلة :
– كمان هترمي اللوم عليا يامفتري ، ده انت ربنا هـ……
_ قطع حديثها صوت باب غرفة العمليات الذي انفتح فجأة ومرق منه الطبيب وهو ينزع الكمامة الطبية عن فمه ..
بدى وجهه عابساً جامداً ..
تحرك بثبات للخــارج ، فركض نحوه محسن وهتف بنبرة متلهفة
:
ها يادكتور!! هي.. اا كويسة؟
اقتربت أمل هي الأخرى من الطبيب ، وتساءلت بخوف حقيقي :
-من فضلك طمنا هي حالتها اي دلوقتي؟
هز الطبيب رأسه بأسف ، واجابهما بتجهم :
حالتها مش مسقرة بعد كمية النزيف اللي نزفته ، وخصوصا أن الحمل كات في أوله وكان لازملها راحة تامة !!!!!
تهللت أسارير محسن ، وتشكل على ثغره ابتسامة عريضة وهتف دون وعـــي :
-هه ، هي حامل!؟
رمقه الطبيب بنظرات مريبة ، وزادت علامات الوجوم على ملامحه ، ثم نطق ساخراً متهكماً :
– كانت حامل .. الحمل نزل مع الأسف الحمل نزل !!!
اتسعت مقلتيه في صدمة أكبر ..
واهتز قلبه فزعاً .. وانفرجت شفتيه في تحســـر آليم
وهتف بتلعثم : كــ.. كانت …………………………!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبقي منها حطام أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى