رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثامن 8 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الثامن
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الثامن
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الثامنة
(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2_
_الفصل الثامن_
ابتلعت منى الإهانة في جوفها رغم اشتعالها من الداخل وظلت تحدق بآسيا في غل وضغينة وبالمقابل كانت الأخرى تتمعنها ببسمة مريبة ونظرات مليئة بالشر، ثم فجأة وقفت بكل شموخ وانحنت لتمسك بحقيبتها وتدفع منى من طريقها بكل عنف لتدخل وهي تجر حقيبتها خلفها هاتفة:
_أنتي ربنا بيحبك قوي عشان فتحتيلي الباب بنفسك
عقدت منى ذراعيها أسفل صدرها وراحت تتطلع لآسيا بكل ثقة وقرف مما جعلها تضحك بقوة عليها وتدريجيًا تتلاشى ضحكتها للتحول لوجه شيطاني مرعب بالأخص عندما هتفت منى بشجاعة ستكلفها الكثير:
_مشكلتك أنك شايفة روحك محدش بيقدر عليكي يا آسيا بس أنتي غلطانة
آسيا ببسمة متوعدة:
_طب ما تاچي نشوف كلامك ولا كلامي اللي صح
وبظرف لحظة انحنت للأمام عند قدميها ونزعت حذائها العالي وقد ارتدته خصوصًا لها، ثم التقطته بين يدها وأخذت تقترب منها وهي ممسكة به.. لا إراديًا كانت منى تتقهقهر للخلف وترمق آسيا بعينان متسعة عندما سمعتها تهمس باستهزاء ونبرة فظة:
_شايفة الچزمة دي لا مؤاخذة اشتريتها مخصوص عشان ادعس بيها السحالي واقطم رقبتهم بيهم
حاولت منى البقاء صامدة دون حركة رغم أنها ترتجف من الداخل وكانت مستعدة لأي هجوم لكن باغتتها آسيا بحركة. غير متوقعة وهي جذبها من حجابها بكل بقوة وصفعها فوق وجنتها بكل عنف صائحة بها:
_هو أنا عشان مش قاعدة افتكرني روحك تتعرفي تقربي من چوزي ياسحلية
حاولت منى دفعها بعيدًا عنها لكن آسيا كانت تحكم قبضتها عليها جيدًا، وتمكنت من إسقاطها فوق الأرض وجلست فوقها وبيد جذبتها من شعرها وباليد الأخرى نزلت فوقها بالضربات المتتالية بحذاء الكعب العالي الخاص بها وسط صراخ منى وهي تحاول دفع آسيا عنها وتفادى ضرباتها بينما الأخرى فكانت لا تتوقف وتفرغ بها شحنة غيظها بكل شماتة وسعادة وهي تصرخ بها:
_دي عشان تعرفي بس أنا بتعامل مع الچراد والسحالي اللي كيفك ازاي، ده إنا هعملك عاهة مستديمة ياخطافة الرچالة
اخذت منى تصرخ بكل ما تبقى لديها من صوت:
_يامرت خالي الحقيني.. عـمـران
التهبت نظرات آسيا وتحولت لجمرة من النيران المشتعلة عندما وجدتها تصرخ باسم زوجها وتستنجد به لينقذها من بين براثينها، وجدت نفسها دون وعي تزيد من ضربها الهستيري وهي تصرخ بها:
_عمران ايه يا**** .. هو هينچدك مني يعني، صدقيني ما في مخلوق هيعرف ينچدك مني الليلة دي.. أنا أما ربيتك يا**** ياخرابة البيوت مبقاش آسيا بت خليل صفوان
تجمع جميع من بالمنزل مفزوعًا وهم يركضون على أثر الصراخ المرتفع لمنى، أما هي فقد استطاعت أخيرًا بإعجوبة الفرار من بين مخالب تلك المتوحشة ودفعتها من فوقها فسقطت آسيا على الأرض ولحسن الحظ أنها لم تتألم أو تتأذى وبسرعة البرق هبت واقفة تنزع حذاء القدم الأخرى وتلتفت خلفها لتلقيه على منى التي تركض بعيدًا عنها تنوي إصابتها به لتكسر اضلعها لكن وجدت الحذاء سقط بين يدين عمران الذي وصل للتو ويقف منذهلًا ومنى راحت تقف خلفه تحتمي به، مما زاد من هيجان آسيا عليها وراحت تركض نحوها وهي تصرخ بها تنوي جذبها من شعرها بعيدًا عنه:
_ده أنا هنحلك شعرك في يدي وهاكلك بسناني يا****، بعدي من وراه
تلقاها عمران قبل أن تلتقط منى من خلفه بذراعها وكبلها بذراعيه يلفهم حول ظهرها ويضمها إليه لينمعها من الوصول لها ، ولكن ذلك لم يشل حركتها كاملة فقد كانت كالثور الهائج الذي لا يرى أمامه وأخذت تصرخ بها وتلوح بيدها من جانب كتف عمران وهي بين ذراعيه تمامًا بحضنه وتصرخ بمنى التي أخذت تتقهقهر للخلف خوفًا منها:
_تعالي بترچعي لورا ليه.. قربي مني عشان اچيبك تحت رچلي واكسرلك ضلوعك كلها ياسحلية
أسرعت نحوها إخلاص لتجذبها من ذراعها وتضمها لصدرها تتفحصها بزعر بعدما رأت منظرها وهيئتها المزرية، فقد كانت ملابسها وحجابها مبددين ووجها مملتئ بالخدوش الطويلة وكأن قطة مفترسة هجمت عليها ولم ترحمها من مخالبها الحادة، جذبتها معها الأعلى فصاحت آسيا بغضب:
_وخداها على وين دي مش هتقعد أهنه دقيقة واحدة
كان بلال يقف من الاعلى يشاهد زوجة أخيه وهو يبتسم عليها، رغم أنه أشفق على منى قليلًا لكنها استحقت.. وعفاف تشاهد بذهول وسط ضحكها المكتوم مثل بلال، ولم يكن لبشار وعبد العزيز نصيب من مشاهدة ذلك الفيلم الأكشن.
انحنى عمران على أذن آسيا يهتف لها بجدية:
_خلاص يا آسيا مش مكفيكي اللي عملتيه فيها، اثبتي واهدى
لم تكترث له وكانت مازالت تتلوى بين ذراعيه كالأفعى تحاول الهروب لتجذب منى من شعرها ثانية لكنه عاد يهتف لها بحدة هذه المرة:
_آسيا قولت بزيادة.. يلا تعالى على الأوضة فوق
افلتها من بين ذراعيه ببطء حتى لا تهرب وأبعدها عن صدره ثم قبض على ذراعها وجذبها معه للأعلى عنوة، رغم نظراتها النارية له وكأنها تقول له أن سأتفرغ لك بعدما انتهي من تلك السحلية.
وصلوا لغرفتهم وفتح الباب ليدفعها هو أولًا للداخل بلطف ويدخل خلفها ويغلق الباب فيجدها تنفجر بها صائحة:
_امك چابتها صُح؟.. وأنت مقولتش حاچة ووافقت وقولت اصل آسيا مش قاعدة هتعرف من وين
رأته يقف أمامها بثبات انفعالي غريب وتعبيرات جامدة لا تحمل أي مشاعر فاستاءت أكثر واقتربت منه أكثر تكمل صياحها المرتفع بغيرة حارقة:
_ولا عشان أنا مرچعتش معاك وقولتلك مش هرچع كنت ناوي تطلقني ووافقت تقعدها عشان تتچوز السحلية دي، أو ممكن تكون ناوي تتچوز عليا كمان من غير ما تطلقني
لا يزال يحتفظ بتعبيراته وبروده المستفز دون أن يجيب عليها بحرف واحد، هو حتى لا يفتح فمه فاصبح وجهها كله أحمر من فرط العصبية والغيرة وهي تراه يتجاهلها ويقف أمامها كلوح الثلج حتى لا يصرخ ويتشاجر معها كعادته، فوجدت نفسها دون وعي تصرخ به بهسيتريا وهي تدفعه بعنف وتلكمه فوق صدره:
_ما ترد عليا ساكت إكده ليه.. رد عليا!
انتفضت رعبًا عندما وجدته يقبض على يديها بقوة ليوقف ضربها له، وظنت أنها أيقظت الوحش وقد تمنت أن يصرخ بها حتى وها هو سيفعل لكنه صدمها بسؤاله الذي يشبه تعابير وجه تمامًا:
_رچعتي ليه؟
هدأت ثورتها بفعل الدهشة من سؤاله الغير متوقع وارتخت عضلاتها المتشنجة والتزمت الصمت للحظات لا تعرف لماذا تجيبه وبالنهاية قررت الإجابة بسؤال آخر في غيظ:
_قاعدة إهنه في البيت من امتى؟!
فهم أنها تقصد منى فلاح في عينيه التهكم وابتسامة تكاد لا ترى على ثغره ظهرت قبل أن يهتف ببحة رجولية مميزة وهو ينظر في عينيها بعمق:
_لو اعرف أن غيرتك ومنى هيخلوكي ترچعي چري إكده على ملى وشك أول ما تعرفي كنت أنا اللي چبتها، ومستنيتش أمي لما تچيبها
اشتعلت غيظًا وصاحت به ثانية وهي تجذب يديها من قبضته:
_أنت اللي تچيبها ده إيه.. البت دي مش هتقعد إهنه ولا ساعة كمان
كان بروده غريب لها حيث وجدته يبعتد عنها بخطواته الهادئة ويتجه نحو الخزانة يفتحها ليخرج ملابس له لكي يستحم ويرد بكل بساطة متعمدًا إثارة غيرتها أكثر:
_أنا مليش صالح بحوارات الحريم دي ومشاكلهم، الرچال مبتدخلش فيها.. انتي مش عاوزها تقعد اهي قصادك وابقي اطرديها بنفسك
اندفعت نحوه ثائرة وهي تهتف:
_كيف يعني ملكش صالح.. أنت اللي هتمشيها ياعمران
هز رأسه بالرفض وهو يبتسم لها باستمتاع ويقول:
_لا أنا مبعرفش اطرد حد من بيتي.. وبعدين مش انتي اللي غيرتك عليا هتچننك يلا وريني همتك عاد ياغزال
اشتعلت غيظًا منه وصاحت به بقسوة وهي تضحك يدها على بطنها المنتفخة:
_أنا مش غيرانة عليك.. أنا بحافظ على بيتي عشان ولدي اللي چاي ده ميترباش بعيد عن أبوه بس
اخفض نظره لبطنها وابتسم ثم مد كفه هو الآخر يتحسس عليها بحنو متمتمًا في نظرة قوية ومنزعجة:
_ولما كنتي بتقولي مش راچعة معاك ومش عاوزاك ومش حاسة بالآمان معاك كان ولدك مش موچود في بطنك ولا إيه؟!!.. ولا دلوك بس افتكرتي أن في بينا عيل هياچي للدنيا بعد كام شهر ومحتاچ يتربى چار أبوه
التزمها الصمت رغمًا عنها ولم تجد ما تجيب عليه به أما هو فتركها واتجه نحو الحمام لتشتعل غيظًا وغيرة أكثر وهتفت متوعدة له:
_ماشي ياعمران بكرا نشوف مين اللي غلطان صُح
اتجهت لتجلس على الفراش وهي تفكر بطريقة تدفع بها منى خارج المنزل ، لكن فجأة قذفت بعقلها فكرة شيطانية جعلتها تغير خطتها تمامًا وتقرر السماح لمنى بالبقاء.
***
بمكان آخر كان جلال يقف أمام باب منزله الجديد ويفتش في جيبه عن المفتاح بينما أولاده الأثنين يقفون بجواره ويتطلعون له بلهفة وحماس فلا يطيقون الانتظار حتى يدخلوا لمنازلهم الجديد ويروا الاثأث الذي اشتراه والدهم، هتف عمار الصغير بعدم صبر:
_ يلا يابوي عاد طلع المفتاح عشان نُدخل!
عثر جلال على المفتاح بجيبه لكنه واصل التفتيش الكاذب وهو يمثل أمامهم أنه لم يجده وتحولت تعبيراته للضيق والانزعاج المزيف وهو يبحث في جيبه بقوة ثم يقول بجدية:
_المفتاح مش لاقيه!
صاح معاذ بصدمة:
_مش لاقيه ازاي!!.. كيف هندخل دلوك
حتى أن فريال صابها القلق عندما علمت بضياع المفتاح لكنها وجدته يلتفت لها ويسأله بخنق شديد لكن في عيناها نظرة فهمتها جيدًا جعلتها تفهم حيلته:
_دوري في شنطتك يمكن اكون ادتهولك يافريال مش معقول اكون نسيته.. ده شكله وقع مني!
اتسعت عيني الصغيرين بدهشة بعدما قال ان المفتاح ربنا سقط منه، وبسرعة البرق ظهر العبوس والحزن على محياهم وجلسوا بجانب الباب على الأرض وهم يضعون يديهم على وجنتيهم ويهمس عمار بيأس:
_ضاع المفتاح إكده هنرچع بيت چدي تاني
القت فريال نظرة على اولادها وهي تكتم ضحكاتها ثم نظرت لجلال بعدما انتهت من بحثها المزيف في حقيبتها وقالت:
_لا مش معايا
التفت هو بطرف عينيه نحو أطفاله وعلى ثغره ابتسامة أبوية عابثة ثم أخرج يده بالمفتاح من جيبه وهو يلوح به أمامهم صائحًا:
_لقينا المفتاح!
وثبوا معًا في نفس اللحظة واقفين وهم يصرخون فرحًا فنهتهم فريال فورًا وطلبت إخفاض صوتهم حتى لا يسببوا الازعاج للجيران، بينما جلال فوضع المفتاح في القفل وفتحه ثم دفع الباب للداخل بهدوء ودخل وهو يتمتم بالبسملة وفعلت فريال مثلا أنا الصغار فقد اندفعوا للداخل ركضًا وهم يضحكون ويتجولون بالمنزل كله، انتظر جلال دخول فريال وبدأ في حمل الحقائب الكثيرة وإدخالها واحدة تلو الأخرى ثم اغلق الباب بعدما انتهى، ووجد فريال كما هي تقف متصلبة بأرضها دون حركة تتأمل المنزل بعينان دامعة فاقترب منها ولف ذراعه حول كتفيها من الخلف وانحنى يقبل جانب رأسها هامسًا لها بغرام:
_بقيتي في مملكتك خلاص
مالت بوجهها نحوه وطالعته بعين تفيض بالدموع وسط همسها الناعم وصوتها الذي بعلبه البكاء من فرط سعادتها:
_أنا مش مصدقة ياچلال.. أنت من وقت ما قولتلي وأنا كنت حاطة يدي على قلبي خايفة لحاچة تحصل ومننقلش أو أمك تعمل حاچة عشان تمنعنا، أنا كنت فاقدة الأمل أننا نقعد في بيت وحدينا بعد كل المشاكل اللي مرينا بيها دي
أدارها لتكون في مواجهته مباشرة ومد أنامله يمسح دموعها بحب متمتمًا في نبرة رجولية دافئة:
_أنا وعدتك ووفيت بوعدي، أنا ظلمتك كتير قوي معايا وانتي المفروض كنتي تكوني في البيت ده من زمان بس أنا اللي اتأخرت
ارتمت بين ذراعيه تعانقه بقوة وهي تقبل رأسه ورقبته بغرام بين عبراتها التي بدأت في الانهمار مجددًا، ضمها له أكثر وهو يهمس في اذنها بمرح ليضحكها:
_مش وقت البكا دلوك عاد احنا في أحلام محتاچين نحققها وچات لحظتها، واولهم إني هنزل اروح اچيب طلبات الوكل عشان تعمليلنا غدا من يدك الحلوة دي
ضحكت بخفة وابتعدت برأسها عن كتفه لتقول برقة وحماس:
_وأنت هتساعدني
أجابها بنفس المرح وهو يبادلها الضحك لكنه بلهجة ماكرة:
_بس بس من عيوني الچوز.. بس مفيش حاچة ببلاش
رفعت حاجبها مندهشة من استغلاله الموقف وهي تبتسم له بلؤم مماثل وتهتف:
_والتمن إيه عاد ياسي چلال
غمز لها بعينه في خبث وهو يهمس بصوت منخفض:
_يعني نستعيد ليلة من ليالي الغرام بعد ما العيال دول يناموا، وانتي كلك مفهومية عاد
قهقهت بقوة وكادت أن تجيب عليه لولا صوت معاذ القوي وهو يصيح من الداخل:
_يابوي تعالوا بسرعة عاوز اوريكم حاچة
لوى فمه جلال بقلة حيلة وهو يجيب عليه:
_چايين خلاص مش لازم الچعير ده
ارتفعت ضحكة فريال وهي تسبقه بخطواتها نحو غرفة اولادها لترى ما الذي يريدون أن يعرضوه عليهم….
***
توقفت السيارة الأجرة أمام البناية وخرجت منها حور بعدما دفعت السارق وكانت تتحدث في الهاتف مع بلال وتضحك بسبب مزاحه معها، عبرت الطريق وقادت خطواتها باتجاه بوابة البناية وهي تجيب على بلال الذي يسألها باهتمام:
_وصلتي ولا لسا؟
ردت برقة تذهب العقل:
_وصلت أنا خلاص دخلت مدخل العمارة
دست يدها في الحقيبة تبحث عن المفتاح وهي تنظر داخلها وتتحدث مع بلال بنفس الوقت، فاصطدمت فجأة بشاب طويل واصدرت شهقة عالية فزعة وعندما رفعت رأسها ونظرت له اتسعت عيناها بدهشة وصاحت بعدم تصديق وهي تضحك:
_مروان!!
ابتسم لها بعذوبة وهو يقول لها مازحًا:
_حظي حلو أني لحقت وشوفتك ياعروسة
فرحتها برؤيته انستها زوجها الذي تتحدث معه في الهاتف، وأجابت عليه من بين ضحكها بسعادة غامرة:
_أنت جيت امتى؟
مروان بنبرة رخيمة:
_امبارح وقولت آجي اسلم عليكم وعلى عمي
ظهر العبوس على وجهها وهي تهتف له بحزم:
_اوعى تقول انك ماشي تاني!
ابتسم وهز رأسه بالنفي وهو يجيبها:
_لا ماخد أجازة حلوة وهقعد شوية
تهللت أسايريها وقالت له بحماس وتلقائية:
_طيب أنت رايح فين أنا ملحقتش اقعد معاك تعالي نطلع فوق ونقعد
كان بلال يستمع للحديث الذي يدور بينها وبين ذلك الرجل الذي لا يعرفه ويجز على أسنانه بغضب مخيف ويتوعد لها، أنا هي فكانت تتجاهله تمامًا وقد نسيته بالفعل واستمعت لرد مروان وهو يقول بلطف:
_لا خليها مرة تانية عشان معايا مشوار مهم دلوقتي ومستعجل
زمت حور شفتيها بحزن وردت عليه عابسة:
_لا بطل رخامة يامروان بجد، هو الواحد بيشوفك كل قد إيه ياجدع
ضحك بخفة وقال بدفء ليرضيها:
_متقلقيش هاجي تاني أنا بقولك لسا قاعد شوية، يلا بقى عايزة حاجة مني قبل ما امشي ياغالية
ابتسمت له بصفاء وقالت برقة وهي تهز رأسها بالنفي مودعة إياه:
_لا عايزة سلامتك، ابقى تعالى تاني يامروان
اماء لها بالموافقة وهو يسير مبتعدًا عنها يغادر المبنى بأكمله ويستقيل بسيارته ذات الموديل الحديث.
وعندما التفتت وكادت تكمل طريقها للأعلى حيث منزلها تسمرت بأرضها فور تذكرها بلال، رفعت الهاتف الذي بيدها ورأت الاتصال مازال مفتوحًا فوضعت يدها على فمها تكتم شهقتها المرتعدة، دار بذهنها في اللحظة الف سيناريو مرعب ستشهده منه بسبب نسيانها له وحديثها التلقائي المغلف بالضحك والمرح مع ابن عمها، أخذت تفكر كيف تتصرف وتجيب عليه لكن خوفها كان يستحوذها أكثر وبالنهاية وجدت طريقة لتهرب من العاصفة المميتة التي على الهاتف، فرفعت الهاتف على أذنها وهي تهمس بصوت مرتعش:
_بلال
انفجر بها كالقنبلة الموقوتة صائحًا:
_اتتي تحمدي ربك أنك مش قصادي دلوك وإلا كـ…
ارتعدت أكثر وبسرعة قذف في عقلها حل وأخذت تهتف بتمثيل وصوت يبدو عليه الاضطراب:
_الو.. بلال.. أنت سامعني.. أنا مش سامعة حاجة خالص.. بلال
صرخ بها منفعلًا:
_أنتي هتستعبطي ياحور
انتفضت خوفًا من صرخته واكملت خدعتها رغم معرفتها أنها ستزيد الأمر سوءًا لكنه افضل من تلقي توبيخه وسخطه المرعب الآن:
_بلال أنا مش سمعاك.. بص أنت لو سامعني أنا هقفل وشوية هتصل بيك تاني تكون الشبكة ظبطت
ولم تمهله اللحظة ليواصل الصياح بها وبسرعة أنهت الاتصال وهي تاخذ أنفاسها السريعة باضطراب وتهمس بخوف بعدما أدركت فعلتها وأنها أغلقت الهاتف بوجهه:
_ده أنا هتعلق، مش بعيد يشرب من دمي لما يشوفني، يامامي اعمل إيه!
وقفت للحظات وهي تتخيل سيناريوهات مرعبة في عقلها قد تحدث عندما يراها أو يتحدث إليها ثانية وبسرعة هرولت مسرعة للدرج تصعد لمنزلهم، أما هو فأخذ يحدق في شاشة الهاتف بعدما أغلقت في وجهه، وقد تشنجت عضلاته بطريقة مرعبة فمن جهة يشتعل غضبًا من عدم معرفته لذلك الرجل وطريقة تحدثها التلقائية معه ووصفه الأخير لها بأنها ” غاليته” والحاحها عليه بالصعود معها للمنزل ليتحدثوا ومن جهة أخرى خدعة الشبكة السخيفة لكي تجد عذرًا وتتهرب منه وكأنها تحدث طفل صغير، وكل هذا بكفة وأغلاقها الاتصال بوجهه دون اكمال حديثه بكفة أخرى.
***
بمكان آخر تحديدًا بوكالة العطارة الخاصة بعائلة الصاوي، استغلت رحاب فرصة ذهاب والدتها للعطارة لرؤية أخيها ( عبد العزيز ) والتحدث معه حول بعض الأمور وذهبت معها فورًا دون تفكير، رغبة منها في رؤية بشار فقد انتابها شعور غريب امتزج بين الشوق والحماس لرؤيته، وربما كانت هذه المرة الأولى الذي يداهمها مثل ذلك الشعور ولم تدفنه في ثناياها بل تركت العنان لنفسها ولقبلها لينعم بقربه، ولماذا تدفنه وهي الآن فارغة ولا يوجد باصبعها خاتمًا يقيدها.
دخلوا العطارة وعانقت فتحيه شقيقها أولًا في حب وفعلت بعدها رحاب المثل ليضمها خالها بكل حنان، ثم جلست على أحد المقاعد البعيدة نسبيًا عنهم وعيناها تتجول بكل مكان بحثًا عن سبب مجيئها لهنا لكن لا أثر لها فتبدد حماسها وظهر العبوس على وجهها ودون وعي وجدت نفسها تسأل خالها:
_امال بشار مش قاعد ولا إيه ياخالي؟!
التفت لها تطالعها باستغراب لسؤالها عن ابنه بهذا الاهتمام وقال لها بهدوء:
_قاعد چوا في الأوضة بيخلص شوية حسابات، أنتي عاوزاه في حاچة ولا إيه؟!
ارتبكت بشدة بعدما لاحظت نظراته لها هو وأمها وهزت رأسها بالنفي مسرعة تجيب بخفوت محاولة التصرف بطبيعية:
_لا هعوزه في إيه.. أنا بسأل عادي عشان أول مرة اشوفك قاعد لحالك يعني في العطارة
هز رأسه لها بتفهم رغم أن فتحية لم تصدق ابنتها بشكل كامل وكانت تشعر بأن هناك شيء تخفيه عنها، التزمت رحاب السكون التام حتى لا تلفت أنظارهم لها أبدًا وبعد تقريبًا عشر دقائق استقامت واقفة وهي تخبرهم أنها ذاهبة للحمام.
هبت واقفة واسرعت نحو الحمام لكن فور اختفائها عن أنظارهم غيرت وجههتها وتحركات باتجاه غرفة بشار وعندما وصولها أمام الباب توقفت مترددة بخجل ماذا تفعل، هل تطرق أم تذهب؟.. وعندما حسمت قرارها بالطرق وانحنت على الباب وهي تطرق سمعت صوته يتحدث في الهاتف مع فتاة ويقول:
_مينفعش أنا سبق وقولتلك رأى في الموضوع ده
صمت بعد عبارته للحظات حتى عاد يجيب بحدة وقد أوضح هوية تلك الفتاة أخيرًا:
_وبعدين عاد يامريم هنعيدوا ونزيدوا كتير!!
صمت مرة أخرى ليردف هذه المرة لكن بنبرة دافئة:
_لا طبعًا أنا معاوزش ازعلك وميهنش عليا، بس مش كل حاجة هوافقك عليها وانتي لازم تفهمي ده
كانت على ثغر رحاب بسمة ناعمة قبل أن تسمع حديثه مع خطيبته لكن بالنهاية اختفت تلك البسمة وأصبحت عابسة ومنزعجة، وبالأخص عندما سمعت عبارته الأخيرة وهو يجيب عليها بنبرة رخيمة وجميلة:
_خلاص يامريم متزعليش لو ده اللي هيبسطك اعمليه أنا موافق، مبسوطة إكده ياعم
اشتعلت رحاب بالخارج غيرة وحقدًا على تلك الفتاة لا تعرف السبب لكن سخطها وغيرتها جعلها لا تنتبه لما خلفها عندما تراجعت وقررت الرحيل فاصطدمت بعبوة زجاجية بالأرض وسقطت محدثة ضجيجًا مرتفعًا جعلت بشار يعتدل في جلسته مضيقًا عينيه بحيرة وقوع وبسرعة انهى الاتصال مع مريم واستقامة واقفًا ليتجه للباب ويفتحه ولكنه لم يجد أحد وفقط رأى الزجاجة متهشمة على الأرض، قاد خطواته للخارج فوجد والده وعمته يتحدثون غصن حاجبيه ورحب بعمته ثم سأل والده بتعجب:
_هو كان في حد چوا يابوي؟
اجابه عبد العزيز دون اهتمام بسبب انشغاله بالحديث مع شقيقته:
_أه بت عمتك رحاب دخلت الحمام چوا وطلعت دلوك ومشيت
تبدلت تعبيرات وجه بشار من الحيرة للدهشة والضيق وبخطف النظر اندفع للخارج ليلحق بها ولحسن الحظ أن كل من فتحية وعبد العزيز لم ينتبهوا له بسبب حديثهم المهم.
خرج بشار خلفها ولحق بها فوجدها تسير بخطوات سريعة وغاضبة تسلك طريق العودة لمنزلها، كانت قد كانت ابتعدت عنه بمسافة طويلة وحتى لو حاول لن يلحق بها، فرفع يده لشعره الغزير يمسح عليه وهو يتأفف بخنق ولا يزيح عينيه عنها حتى اختفت عن أنظاره تمامًا فاستدار وعاد للعطارة مجددًا.
***
بتمام الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل….
فتح عمران باب غرفته ودخل ثم اغلقه ببطء وعندما استقر نظره على الفراش وجدها نائمة بثبات، لمعت عينيه بوميض الغرام وارتفعت بسمته تزين ثغره ليشرق وجهه كله سعادة وراحة، حتى لو كانت علاقتهم مضطربة لكن يكفيه أن يعود كل ليلة ويجدها تنتظره، بالأيام السابقة كان لا يطيق تحمل دخول الغرفة حتى وخصوصًا ليلًا لعمله بغيابها، فقد خلفت فراغًا بشعًا بنفسه ولا ينوي تكرار نفس الشعور أبدًا.
نزع عنه حذائه وتقدم نحوها بخطوات متريثة حتى لا يزعجها في نومها ثم صعد بجوارها على الفراش واستقرت عينيه أول شيء على بطنها المرتفعة فمد كفه وأخذ يتحسسها بحنان وشوق لطفله وولى عهده، انحنى على بطنها وأخذ يلثمها بعدة قبلات متتالية وانامله مستمرة في التحسس عليها بين قبلاته، فتحت عيناها عندما شعرت به وقالت له بجدية:
_بتعمل إيه؟
رفع رأسه عن بطنها وقال لها بنبرة جافة قليلًا يتصنع عدم الاكتراث بأمرها :
_بطمن على ولدي واسلم عليه.. إيه عندك مانع!!
استقامت جالسة وهي تبعده عنها هاتفة بغيظ منه:
_أه عندي أنت مش شايف أني نايمة وبعدين بتقرب مني ليه!
اقترب بوجهه منها وقال في حزم ونظرة اربكتها:
_أنا لو عاوز اقرب منك مش هتمنعيني، يعني مش بمزاچك
استشاطت غيظًا منه وقال وهي تجذب وسادتها وتعب واقفة هاتفة بتحدي وهي تتجه نحو الأريكة الصغيرة:
_تمام يبقى نام لوحدك عاد على السرير من إهنه ورايح
اتسعت عيني عمران وهو يتابعها تتجه حقًا نحو الأريكة وتمدد جسدها عليها، هل كان ينتظر عودتها بفارغ الصبر لتتركه يكمل نوم وحيدًا على الفراش وتنام هي على الأريكة، بالتأكيد لن يسمح لها حتى لن تطلب الأمر الإجبار.
هتف عمران بغضب يحاول التحجج بطفله وحملها حتى لا يظهر لها رغبته الشديدة بها:
_هتنامي كيف عندك.. الكنبة صغيرة ومش هترتاحي ببطنك.. تعالي إهنه على السرير بلاش شغل عيال
ردت آسيا ببرود مستفز وهي ترفض متعمدة حتى تزعجه أكثر:
_لا أنا مرتاحة ملكش صالح بيا نام أنت واتهنى بالسرير كله لحالك
جز على اسنانه مغتاظًا وهو يحاول الحفاظ على ثباته الانفعالي ويقول لها بنبرة محذرة:
_اسمعي الكلام وبلاش نشفان الراس ده.. والكلمة اللي اقولها تتنفذ
انتشت وهي ترى غضبه المحتقن ومحاولاته البائسة في التحكم بنفسه لكنها لن تتركه حتى تخرجه عن اطار ثباته المزيف لترى ما الذي سيفعله بها، فقالت بتمنع وقرف مقتصد:
_إيه أنت حتى دي عاوز تغصبني فيها.. مش عاوزة أنام چارك أنا حرة
نجحت في انفجار بركانه ووجدته يقل واقفًا وهو ثائرًا ويندفع نحوها باستياء فخافت قليلًا ومالت يظهرها للخلف على ظهر الأريكة، حتى شعرت به يحملها بين ذراعيه ويقول:
_لو على الغصب لساتني مغصبتكيش على حاچة بس شكلي هغصبك دلوك
راحت تصرخ بصوت مرتفع محاولة التحرر من ذراعيه فاسكتها بصرخته المخيفة:
_اقفلي خشمك ومسمعش حسك واصل
سكتت مجبرة خوفًا منه حتى وجدته يضعها على الفراش برفق فهمت بالفرار هي لكنه أقبض عليها وهو يكبل ذراعيها ويشل حركتها بجسدها ليمنعها من الحركة:
_قسمًا بالله لو فكرتي تقومي لأكون رابطك إهنه في السرير
تطلعت في عينيه المتوهجة بنيران الغضب الحقيقي وشعرت أنه لا يمزح وقد يفعلها حقًا أن حاولت الفرار، انتابها الضحك على منظره وأنها اوصلتها لتلك الحالة لكنها تمالكت أعصابه وارتخت اعصابها وهي تقول له باستسلام:
_طيب خلاص مش هتحرك سيب يدي في إيه
نظر في عينيها بتدقيق يحاول التأكيد من صدق كلماتها ففعلت هي وهزت رأسها له بصدق لتأكد له فترك يدها وابتعد عنها وفور ابتعاده عنها استقامت واقفة وهرولت مسرعة نحو الحمام تفر من بين براثينه، سمعت صوته من الخارج يصرخ عليها مستاءًا:
_لما تطلعي يا آسيا هو انتي هتروحي مني فين!
انفجرت ضاحكة بالداخل عليه وكانت تحاول كتم صوت ضحكاتها بصعوبة وراحت تجيبه باستمتاع:
_متعصبش نفسك يامعلم اخاف عليك لتچرالك حاچة وأنا وولدك محتاچينك
لحظة بظبط وباغتها بحركة مفاجأة منه عندما فتح باب الحمام ودخل فانتفضت هي للخلف وراحت ترفع سبابتها في وجهه تهتف محذرة وهي تحاول منع ضحكتها من الظهور:
_لا بقولك إيه أنا مش عاوزة تهور والله اصرخ والم عليك الخلق كلها واقول انك بتعذبني
رفع حاجبه بتهكم وقال بنبرة متوعدة وعين ماكرة:
_هو أنتي لسا شوفتي تهور.. ده انا هعلمك الأدب من أول وچديد ياغزال
اخذت تتقهقهر للخلف حتى اصطدمت بحائط الحمام وعندما وصل لها وحملها رغمًا عنها أنطلقت منها ضحكة لا إرادية وهي تدفعه وتتمنع عنه صائحة به أنها لا تريده لكن تعبيراتها وضحكها يقول العكس…
***
داخل منزل خليل صفوان….
كانت غزل تجلس بغرفتها وتتصفح على هاتفها وسائل التواصل الاجتماعي وكل شيء كان جميلًا وهادئ حتى لمحت شيئًا كبيرًا يركض بالغرفة واختبأ بوابة صغيرة خلف الخزانة، ارتعدت وانكمشت على نفسها في الفراش وهي تنظر الزواية التي اختبأ خلفها وتحاول تخمين نوع ذلك الشيء وماذا قد يكون، حاولت إقناع عقلها بأنها تتوهم وتشجعت لكي تقوم وتتأكد بعينها ماذا يكون، كانت تقدم خطوة وتأخر الخطوة من فرط رعبها، وبعد وقت أخيرًا وصلت للخزانة ووقفت بجسدها بعيدًا نسبيًا وفقط مدت رأسها خلف الخزانة لتنظر فإذا بعيناها تتسع صدمة عندما رأت فأر كبير وينظر لها في الظلام فانتفضت واقفة وأخذت تصرخ بهستيريا واندفعت لخارج لغرفتها ركضًا لا تعرف لأين تذهب لكن يكفيها أن تفر هاربة من ذلك الفأر.
اصطدمت بشدة بـ ” علي ” وهي تركض وكادت أن تسقط من قوة الاصطدام لكنه امسكها وهو يحدقها مندهشًا فوجدها تبتعد عنه وتصرخ برعب:
_mouse ..mouse
هتف برزانة ولهجة حازمة يحاول فهم منها ما الذي حدث:
_اهدى في إيه.. فار إيه ده؟!
قالت له وهي ترتجف خوفًا وقد امتلأت عيناها بالدموع:
_في فار في اوضتي شوفته and he looks to me بطريقة مرعبة أوي.. please ياعلي طلعه i’m very scard
لا إراديًا انحرفت عينيه على جسدها ورأى ملابسها التي كانت عبارة عن ملابس نوم، ترتدي ثوب حريري لونه أسود يصل لفخذيها وبحمالات رفيعة وينزل بفتحة مثلثية عند صدرها، فاتسعت عينيه بذهول واحتقنت نظراته لها وتشنجت عضلات وجهها فصاح بها بغضب:
_ادخلي استري نفسك إيه اللي لابساه ده وطالعة بيه
انتفضت فزعًا على أثر صرخته بها وقالت له مسرعة بدموع وهي تتوسله:
_okay.. okay
هغير هدومي واوعدك مش هلبس أي حاچة وحشة تاني بس please طلعه الأول انا مش هقدر ادخل الأوضة وهو موجود impossiple
أظلمت عينيه أكثر وهتف محذرًا إياها بلهجة چافة:
_ادخلي البسي حاچة واستري جسمك بدل ما قسمًا بالله ادخلك بنفسي وابقي خلي الفار يتعشى بيكي چوا
رمقته بنارية وصاحت به مغتاظة وهي تبكي:
_أنت بني آدم معندكش mercy وأنا غلطانة أني طلبت منك help هروح الأوضة عند طنط إنصاف
قبض على ذراعها بعدما تحركت خطوتين بالظبط وجذبها صارخًا بها:
_رايحة وين أنتي عاوزة تتمشي في البيت بقميص النوم اللي لبساه ده وتخبطي على أمي وأبويا إكده، صدقيني لو چدي ولا أبويا شافك هتقولي علي والفار ارحم، اتحركي يلا وغوري على الأوضة البسي أي حاچة
حاولت نزع قبضته عن ذراعها وتنفيذ ما قالته وهو الذهاب لأمه، فاستشاط منها غيظًا وجذبها معها عنوة نحو غرفتها وهو يهتف:
_احمدي ربك أن چلال مش قاعد ومفيش غيري، أنتي عاوزة تتربى من أول وچديد
صرخت به وهي تتلوى في سيرها معه:
_سيب إيدي يامتخلف ياهمجي
التفت لها وطالعها بنظرة مرعبة لا تبشر بالخير أبدًا ثم دفعها داخل غرفتها بقسوة وصاح بها محذرًا بلهجة لا تمزح:
_عشان لسانك الطويل هتفضلي في اوضتك وهتنامي چار الفار ولو شفت رچلك بس عتبت برا عتبة الأوضة هكسرهالك، سامعة ولا لا
ولم يمهلها اللحظة للاعتراض حيث أغلق الباب وتركها وحيدة بالداخل وهي ترتجف وتبكي وتصرخ به تسبه وتشتمته بالانجليزية، حاول هو كبح نفسه عنها بصعوبة حتى لا يقبض على رقبتها ويخنقها وقال بعصبية وهو يستدير ليبعتد بخطواته عن غرفتها:
_الخير خسارة فيكي.. خليكي إكده وحدك عشان تبقى تتربى زين وتلمي لسانك
بعدما ابتعد بخطوات بعيدة نسبيًا عنها سمع صراخها المرتفع وهي تستنجد به ببكاء:
_عـلـي
توقف وهو يلوى فمه ما بين صراع تجاهلها لتتعلم التربية وبين قلبه الذي لم يطاوعه وأنه أشفق عليها، وبالنهاية أثر صوت قلبه فالتفت وعاد لها وعندما فتح الباب وجدها جالسة على الأرض وتبكي وترتجف بعنف، تسمر بأرضه بذهول واسرع نحوها يجثى أمامها يسألها:
_في إيه؟!
هتفت بصوت متقطع وبكاء هستيري:
_he tou..ch ..me لمس رچلي ومعرفش راح فين
لام نفسه بشدة عندما رأى حالتها المزرية التي تمزق القلب، فابتعد عنها وتجول بالغرفة يبحث بكل بقعة وكل جزء بالغرفة عنه لكن لا أثر له وعندما لمح النافذة مفتوحة خمن أنه قد يكون هرب، فعاد لها مجددًا وقال بدفء محاولًا تهدأتها:
_غزل خلاص اهدى طلع.. الفار طلع من الشباك ملوش أثر في الأوضة واصل
رفعت رأسها ليرى وجهها الغارق بالدموع وعيناها الحمراء وشفتيها ترتجف بعنف ثم التفتت حولها بارتيعاد وهو تقول له:
_بجد مشي من الأوضة
هز رأسه لها بالإيجاب وهو يتمعنها بينما هي فور استعادة وعيها وقوتها رمقته شزرًا وصاحت به بنقم وغضب:
_أنت سبتي وأنا قولتلك خايفة، لو كنت ساعدتني مكنش ده هيحصل
هتف لها بحدة وغضب:
_وأنتي لو كنتي سمعتي الكلام ودخلتي لبستي أي حاچة كنت هساعدك لكن لسانك الطويل هو اللي چايبلك
استقامت واقفة ودفعته بعنف وغل صائحة:
_اطلع برا مش عايزة منك حاجة أنت إنسان معدوم الأحساس أصلًا
علي بتهكم:
_ما كنتي بتصرخي بعلو صوتك دلوك وتقولي يا ” علي ” .. لما چيت واتأكدتي أن مفيش فار مش عاوزة حاچة مني
قال له محذرة إياه بسخط:
_اطلع بدل ما اصرخ واصحي الكل
انحنى عليها وهمس أمام وجهها مباشرة بنبرة اربكتها ونظرة شيطانية:
_عارفة أنا هطلع بس مش عشان خايف منك لا عشان معنديش استعداد اتدبس فيكي لو حد چه وشافني معاكي في الأوضة وأنتي بقميص النوم ده
ثم ابتعد عنها واستدار وقاد خطواته للخارج ثم التفت لها برأسه وهو يقول لها عابثًا بخبث:
_ابقي استحمي وادعكي رچلك زين، أصل احنا الفيران عندنا عنديها چرب معدي، الحقي نفسك قبل ما تلاقي روحك مصابة بداء الفار وده ملوش علاچ وبعدها بتلات أيام بتتكلي على الله
بعدما كانت ترمقه شزرًا بسبب عباراته الفظة تحولت للرعب بعد ما قاله بالأخير وفورًا اندفعت نحو الحمام لستحم فور رحيله…
***
داخل منزل جلال وفريال الجديد……
كانت تجلس فريال بين ذراعين جلال وهو يحاوطها بذراع والذراع الآخر يمسك هاتفه ويقلب بين صور الأثاث وهي تشاهد معه وفجأة صاحت:
_ارچع ياچلال على صورة الانتريه اللي فات ده
عاد الصورة السابقة وأخذ يدقق النظر فيه فقالت له بحماس:
_إيه رأيك فيه حلو مش إكده؟
رد عليها بعدم اقتناع:
_لو أنتي عاچبك خلاص نخلي النچار يعمله
تطلعت لتعبيراته الجامدة وقالت بعبوس:
_لا طبعًا هو بيتي وحدي لازم يكون عاچبك أنت كمان، خلاص نشوف واحد تاني ويعچبنا احنا الاتنين
لم يعترض واكتفى بابتسامته له وهو يقبل شعرها ثم عاد يقلب بين الصور حتى استقروا على واحد أخيرًا ونال إعجابهم هم الاثنين، فرغبت هي في الانتقال إلى بقية أثاث المنزل وهو خزانة غرفتهم وغرفة الأطفال لكنه اغلق الهاتف وقال بخنق:
_لا مش وقته عاد كفاية إكده النهاردة نكمل بكرا
فريال معترضة بعبوس:
_ياچلال بكرا إيه خلينا نخلص النهاردة كله.. احنا كل يوم هتفضل ننقي حاچة!!
ألقى بالهاتف بعيدًا وأخذ يقترب منها بشوق متمتمًا:
_هنقى كل حاچة وزي ما أنتي عاوزة بس نخلص موضوعنا الأهم
ضحكت بخفة وهي تقترب منه أيضًا وتبتسم بحب ثم لفت ذراعيها حول رقبته وبينما كانوا على وشك الاندماج معًا في لحظاتهم الخاصة، صدح صوت رنين هاتف جلال تجاهله ولم يبتعد عن زوجته لكن مع الرنة الثانية ابتعد منزعجًا وعندما التقط الهاتف ونظر لشاشته قرأ اسم عمه وعبس وجهها هي فور رؤيتها لاسم منصور، بينما هو فتنهد مغلوبًا واستقام واقفًا وابتعد ليتجه للشرفة يتحدث معه، وبعد لحظات عاد لها وهو غاضب فقالت له بانزعاج حقيقي:
_چلال أنت عارف مكان عمك فين صُح؟
رد عليه بخنق وإيجاز:
_لا مش عارف يافريال
فريال بعصبية:
_لا عارف متكدبش عليا، مداري عليه ليه وهو مسيره هيتمسك لو ملقتهوش الحكومة عمران هيلاقيه مش هينفد بعملته وقتله لأبويا
جلال بنظرة نارية:
_طب ما أنتي أبوكي نفد رغم أنه قتل أبوي وسط الخلق كلها
صاحت منفعلة بعينان دامعة:
_وفي الآخر إيه اخدتوا بتاركم وقتلتوه برضوا
جلال بعين ملتهبة وصوت مخيف:
_عشان ده حق ربنا وحقنا
مالت برأسها للجهة الأخرى بعيدًا عنه وهي تبكي بصمت بينما هو فمسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر واستدار ليغادر الغرفة بأكملها ويتركها وحيدة…
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان…
عادت آسيا لمنزل والدها ولكن لهدف آخر وهو الاجتماع بـ ” علي ” والتحدث معه، جلست بغرفة الجلوس الكبيرة تنتظر وصوله وفور وصوله قال لها مبتسمًا بعذوبة:
_خير يا آسيا طلبتيني على ملى وشي إكده ليه؟!
أخذت نفسًا عميقًا لتتشجع وتبدأ في الأمر الذي تريده، حاولت البقاء صامدة والتصدي لأي عواصف ستواجهها منه عندما تبدأ حديثها فقط، قالت له بخفوت:
_بص أنا عاوزاك تحاول تفضل هادي لغاية ما اخلص كلامي واصل وتسمعني يعني متتعصبش
ضيق عينيه بعدم فهم واستغراب وقال لها بلهجة جادة:
_قولي يا آسيا في إيه علطول مش لازم المقدمة دي
أخذت نفسًا عميقًا واطلقت زفيرًا متهملا قبل أن تهمس بكلمة واحدة كانت قادرة على إشعال فتيل النيران في صدره:
_خلود
***
على الجهة الأخرى بمنزل الصاوي…
اسرع بشار خلف منى واوقفها مناديًا عليها:
_منى استني
توقفت واستدارت بجسدها للخلف لتتطلع ببشار باستفهام وعندما وصل لها ووقف أمامه سمعته يقول بلهجة قوية:
_عاوز رقم رحاب منك
رفعت حاجبها بدهشة ولاحت ابتسامة ماكرة على ثغرها وهي تقعد ذراعيها أسفل صدرها وتسأله بعينان شيطانية:
_وأنت عاوز رقم رحاب ليه عاد يابشار؟!
***
خرجت حور من الجامعة بعدما انتهت من محاضرتها وكانت في طريقها للشارع العمومي لكي تستقل بسيارة أجرة تأخذها للمنزل لكنها تسمرت بأرضها عندما رأت زوجها ينتظرها بجانب الرصيف وهو يقف يستند على السيارة بظهره ويدس يديه في جيبي بنطاله ويطالعها بأعين مرعبة…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))