روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الرابع والثلاثون

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الرابع والثلاثون

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الرابعة والثلاثون

توقفت السيارة الأجرة أمام أحد البنايات الكبيرة والكلاسيكية، ثم نزلت كل من غزل وخلود من السيارة بعدما قامت عزل بدفع أجرة السائق قبل نزولهم، قادوا خطواتهم معًا لداخل البناية يقصدون المصعد الكهربائي لكي يصل بها إلى الطابق التي يقطن به مروان، وخلفهم مباشرة كانت سيارة ” علي ” توقفت، رفع يده وراح يمسح على وجهه وهو يميل برأسه يمينًا ويسارًا ويغلق عيناه محاولًا السيطرة على جموحه الذي قد تترتب عليه كوارث أن سمح له بالخروج، أخذ نفسًا عميقًا وفتح باب السيارة ثم خرج وقاد خطواته باتجاه بوابة البناية التي كان يحرسها ويجلس بجوارها رجل شيخ على مقعد خشبي قديم، وقف علي ونظر له ثم سأله بصوت رجولي حازم:
_السلام عليكم، هو البشمهندس مروان موچود في شقته فوق ياحچ؟
رد عليه الرجل وهو يهز رأسه بالنفي:
_لا البشمهندس مروان سافر من امبارح يا أستاذ.. هو حضرتك تبقاله إيه اصل مرته طلعت دلوك شقتهم
اتسعت عين ” علي ” بدهشة وتلون وجهه باللون الأحمر القاتم وهو يسأله ليتأكد مش شكوكه:
_مرته مين أنت قصدك على الاتنين اللي طلعوا دلوك مع بعض!!
هز الرجل رأسه بالإيجاب متعجبًا من حالة ” علي ” الغريبة، بينما الآخر فاستدار وولاه ظهره وهو يمسح على وجهه ويطلق زفيرًا ناري يحاول الحفاظ على ثباته حتى لا يقتل زوجته وحبيبته والرجل معًا ثم التفت له مجددًا وسأله هو يبتسم بطريقة مرعبة:
_أنت عرفت أنها مرته كيف ياحچ؟!!
اجاب الرجل بكل بساطة واستغراب:
_كيف إيه ياولدي الخلق كلها عارفة وكل سكان العمارة عارفين أنها مرته
تحرك ” علي ” من أمامه خطوتين وهو يضحك بشكل مخيف ويمسح على وجهه وبعض على شفاه السفلية بغيظ، رغم أن هناك صوت داخله يؤكد له أن الأمر ليس كما يبدو ولا كما يقول هذا الرجل لكن مجرد سماعه لتلك الكلمات تكفي لتثير جنونه إلى ارتكاب جريمة قتل فيهم هم الأثنين، ولهذا هو حاول منع نفسه قدر الإمكان من عدم الصعود خلفهم وانتظارهم بالأسفل، فهم دقائق قصيرة وسينزلون أساسًا عندما يجدون المنزل فارغ.
بالأعلى أمام شقة مروان كانت خلود تطرق الباب عدة طرقات متتالية منتظرة رده لكن دون جدوي، فقالت لها غزل بلطف:
_يمكن مش موجود وخرج ياخلود، تعالي ننزل ونسأل البواب اللي تحت
نظرت لها خلود وقالت بجدية وسخرية:
_ننزل إيه هروح اسأله أقوله چوزي راح وين؟!
فغرت غزل شفتيها بصدمة وردت بعدم استيعاب:
_نعم جوزك ده إيه.. انتي بتهزري طبعًا صح؟!
تنهدت خل بقلة حيلة وقالت له توضح الأمر بهدوء:
_مروان كان مفهم سكان العمارة والناس اللي حواليه إني مراته عشان كلام الناس يعني ومحدش يأذيني في غيابه
كانت غزل تستمع إليها بذهول ثم ردت ضاحكة من فرط دهشتها:
_يعني دلوقتي الناس فاهمة أن مروان كان متجوزك وأنتي مراته وعشان كدا البواب رحب بيكي وسابك تطلعي عادي من غير ما يسألك رايحة فين حتى، خلود أنتي عارفة لو حد عرف الكلام ده هيحصل إيه!!!
ردت عليها ببساطة وعدم اهتمام:
_محدش هيعرف ياغزل وأصلا مكنش حقيقي يعني كان قدام الناس بس عشان الاحتياط
تأففت غزل بقوة في قلق ملحوظ ثم قالت لها بصوت صلب:
_طبب بما أنه مش موجود يلا بينا نرجع وبعدين نبقى نحاول نوصله تاني، وربنا يستر على اللي انتي قولتيه ده ومحدش يعرف
ضحكت خلود بسخرية وقالت مازحة:
_مالك لونك اتخطف إكده ليه، امال الشجاعة والثقة اللي كانوا امبارح وأنتي بتقولي أنا مبخفش من حد راحوا وين!!
ابتسمت غزل وقالت بثبات قوي امتزج بحزمها:
_ومازالت مش خايفة أنا خوفت عليكي أنتي بس بعد اللي قولتيه ده، ياريتك قولتيلي من الأول
_ كان هيفرق في إيه يعني؟!
غزل بخوف بسيط وهي تحاول تفادي الموضوع:
_خلاص مش مهم سيبك وخلينا نرجع يلا عشان منتأخرش
هزت رأسها بالموافقة فنزلت غزل على الدرج أولًا ولحقت بها خلود العابسة لأنها لم تتمكن من رؤيته والتحدث معه وعلى العكس كانت غزل قلقة واحست بارتكابها خطأ كبير بتشجيعها على القدوم إلى هنا وأخذت تدعو ربها أن يعودوا للمنزل بسلام دون أن يعرف أحد شيء.
عند وصولهم إلى بوابة البناية وقفوا وكانوا ينتظرون مرور أي سيارة أجرة لتأخذهم إلى المنزل لكن فجأة شعرت غزل بيد خلود وهي تتمسك بها بقوة وخوف وهي تنظر باتجاه المعاكس لها وعندما التفتت غزل لترى ما الذي تنظر إليه، رأت ” علي ” يقف مستندًا بظهره على السيارة عاقدًا ذراعيه أمام صدره ويحدقهم شزرًا بنظرات دبت الرعب في أوصال خلود قبلها…
***
توقفت سيارة عمران أمام منزل والده ابراهيم الصاوي، ثم نظر لآسيا وقال لها بلهجة حازمة:
_يلا انزلي وادخلي البيت
اطالت آسيا النظر في وجهه بشك ونظرات دقيقة تحاول فهم ما يحدث معه وسبب ذلك الغضب المفاجئ الذي ظهر عليه دون سبب ثم سألته باهتمام:
_عمران أنت كويس؟!
أجابها بهدوء وإيجاز:
_كويس يا آسيا انتي شيفاني تعبان قصادك يعني!!
هتفت بجدية ونظرة ثاقبة ومترقبة لرده:
_في حاجة حُصلت ضايقتك؟
_لا مفيش حاچة
مالت عليه آسيا واردفت بإلحاح وعدم اقتناع بكلماته:
_عمران متخبيش عليا واحكيلي إيه اللي حُصل!
انزعج بشدة من الحاحها وصاحب بعصبية ولهجة صارمة:
_ما قولتلك مفيش حاچة وبعدين عاد، يلا انزلي عشان معايا مشوار مع بلال
عادت بجسدها للخلف بعيدًا عنه وعلامات الضيق تلوح فوق تعابيرها بسبب صياحه وانفعاله عليها دون سبب وهي فقط كانت تحاول فهم ما الذي يزعجه علها تستطيع التخفيف عنه، فتحت باب السيارة وهمت بالنزول وهي تحمل ابنها النائم بين ذراعيها لكنه أوقفها بصوت الرجولي الخشن وهو يعطيها تعليماته الصارمة:
_هتخشي البيت متطلعيش منه غير على الفرح بليل لما أنا آجي أخدك.. مفهوم يا آسيا؟
قال عبارته الأخيرة بنظرات مترقبة وحادة منتظرًا الرد بالانصياع لأوامره فقالت له على مضض وانزعاج ملحوظ:
_حاضر يامعلم أي أوامر تاني
لوى فمه بخنق من أسلوب الاستهجان الذي ردت به عليه لكن يكفيه أنها فهمت تعليماته وستنفذها، ثم مال على ابنه الصغير النائم بين ذراعين أمه وقبله من رأسه بحنو وبعدما ابتعد نزلت هي من السيارة واتجهت إلى المنزل وهي عابسة الوجه وغاضبة منه.
***
تقدمت غزل تجاه سيارة ” علي ” ولحقت بها خلود في خطوات متعثرة من فرط الرعب، كان هو يحدقهم بنظرات تطلق شرارات نارية لو اصابت واحدة منهم لاحرقتهم في أرضهم، اخذت غول نفسًا عميقًا بعدما وقفت أمام ” علي ” وهتفت له بصوت مضطرب:
_ “علي” ممكن تهدي ومتتعصبش وتخليني افهمك الموضوع
رمقها بنظرة جعلت قلبها يرتجف من الخوف وأدركت أن عقاب فعلتهم سيكون ابشع مما توقعت، ثم نظر لشقيقته بنفس النظرة وقال بصوت رجولي خافت محتقن:
_اركبوا من غير ولا نفس
التفتت غزل لخلود التي تقف وعلامات الرعب تحتل ملامحها وعادت تنظر لـ ” علي ” مجددًا وكانت على وشك أن تكمل كلامها معه رغم عبارته لكن خلود أوقفتها وهي تجذبها معها للسيارة بصمت محدقه بها بنظرة تنصحها من خلالها أن لا تدفع حظها كثيرًا معه وهو بهذه الحالة، ففعلت واستقلت بالمقعد الخلفي بجوار خلود التي كانت ترتجف من الخلف فمالت عليها وهمست لها بقوة:
_متخافيش مش هسمحله أنه يعملك حاجة
بعد دقائق طويلة من القيادة السريعة والمخيفة وصلوا إلى المنزل، فنزلوا هم أولًا وقادوا خطواتهم للداخل ولحق هو بهم وربما لحسن حظهم أن الجد لم يكن موجودًا حيث صعدت خلود إلى الطابق الثاني حيث غرفتها مسرعة ووقفت غزل بوجه ” علي ” عند بداية الدرج تمنعه من اللحاق بشقيقته هاتفة له:
_مش هسمحلك تطلع وراها وأنت بالحالة دي اسمعني الأول
صرخ بها بصوت جهوري نفض جسدها من الفزع:
_بعدي من وشي احسلك.. أنتي حسابك چاي معايا بعدين اصبري بس
لم تتنحى جانبًا فدفعها هو برفق من أمامه وصعد الدرج ركضًا يلحق بأخته ولحقت غزل به وهي تنادي عليه محاولة إيقافه، بينما هو لم يتوقف إلا عندما وصل لغرفة خلود وجودها تقف بالمنتصف منتظرة إياه وتطرق رأسها أرضًا، فاندفع نحوها كالثور الهائج وصفعها على وجهها بعنف ثم جذبها من حجابها وهو يصرخ بها:
_أنا نبهت وقولت إيه ولا أنتي مش مكفيكي اللي عملتيه ودلوك عاوزاني اعمل اللي معملتهوش يومها واخلص عليكي خالص
هرولت غزل إليه بفزع وحاولت دفعه بعيدًا عن خلود صارخة به:
_ أنت مجنون بتعمل إيه، ابعد عنها
لم يكترث بغزل ولا تشبثها بذراعه وهي تحاول بقوتها الضعيفة دفعه بعيدًا عنها وراح يصفع خلود ثانية هاتفًا بنفس صراخه:
_إيه اللي موديكي عنده ياخلود؟
انهارت خلود باكية بين يديه وقالت له بضعف:
_سمير قاله كل حاجة وأنا كنت عايزة اتكلم معاه وافهمه الحقيقة، كنت هتكلم معاه بس والله يا ” علي ”
ضحك ” علي ” بقوة ساخرًا ثم صاح بانفعال هادر:
_هتتكلمي مع مين واحد سابك وسافر أول ما عرف وأنا كنت متأكد أنه هيعمل إكده، وعشان إكده كنت ببعدك عنه لكن أنتي برضوا عملتي اللي في دماغك ومصممة تفضحينا وتخليني اقتلك بيدي
كان سيهم بصفعها للمرة الثالثة لكن غزل قبضت على يده في الهواء واوقفته صارخة به بكل ما أوتيت من قوة:
_كفاية يا ” علي ” كفاية
اغلق عينيه محاولًا التحكم بانفعالاته وهو يصر على أسنانه ويجيب على غزل بلهجة تحذيرية:
_سيبي يدي وملكيش صالح ياغزل، بعدي ومتخليش غضبي يطولك دلوك
غزل باصرار وعناد شديد:
_لا مش هبعد
دون وعي منه ووسط سيطرة الغضب عليه دفعها بعيدًا عنه لكي يفلت يده من قبضتيها، فارتدت هي للخلف على أثر دفعه لها واختل توازنها ثم سقطت بجانب الفراش واصطدمت رأسها بطرف خشبة الفراش، فنتجأ عن ذلك الاصطدام تأوهًا عاليًا انطلق منها جعل كلاهما يلتفان لصوتها وكان أول مت يصيح بقلق وصدمة هي خلود التي تحررت من قبضة أخيها وركضت إلى غزل تجلس بجوارها على الأرض وتطمئن عليها:
_غزل أنتي كويسة؟
اعتدلت غزل جالسة وهي تضع يدها على جبهتها موضوع الاصطدام بالضبط وتتأوه بألم دون الرد على سؤال خلود، بينما خلود فابعدت يدها من مكان الصدمة فوجدت جرح بسيط في جبهتها وينزف الدماء فاتسعت عيناها بدهشة بينما ” علي ” الذي كان يقف متسمرًا بذهول أنه هو الذي فعل بها هكذا فور رؤيته لجرحها تسارعت نبضات قلبه قلقًا وندمًا واقترب منها بسرعة وهو يمد يده في جيب بنطاله يخرج منديلًا ورقيًا وهم بأن يمسح الدماء عن جرحها لكنها نظرت له شزرًا ودفعت يده بعيدًا عنها هاتفة بغضب ونقم:
_ ابعد عني، Don’t touch me ( لا تلمسني )
ثم سندت بيديها على الأرض وسندت عليها لتقف ولكن فور وقفوها شعرت بالدوار من أثر إصابتها برأسها وكاد أن يحتل توازنها ثانية لكن ” علي ” لحقها وحاوطها بذراعيه قبل أن تسقط، فرمقته هي بنارية ودفعته مجددًا صائحة به بعصبية:
_انا مش قولتلك متلمسنيش، ومش عايزة اشوف وشك كمان
ثم التفتت غزل ونظرت لخلود ثم قبضت على ذراعها وجذبتها معها لخارج الغرفة وهي تقول بانفعال:
_تعالي معايا مش هسيبك وحدك مع البني آدم الهمجي والمريض ده
سارت معها خلود للخارج وهي تنظر لأخيها بعتاب وتلومه على ما فعله معها، لكن هو كان بعالم آخر يملأه الندم والغضب من نفسه على ما فعله بحبيبته ويفكر كيف سيراضيها ويجعلها تسامحه…
***
في تمام الساعة السابعة مساءًا داخل منزل ابراهيم الصاوي…..
كان عمران يجلس على الأريكة بغرفته متكأ بظهره ويسند ذراعه على ذراع الأريكة بجواره وهو يرتدي بنطال أسود يعلوه قميص أبيض وفوقه معطف رجالي كبير من اللون الأسود، أما ابنه الصغير فنائم في فراشه وآسيا بالحمام ترتدي ملابسها وتضع اللمسات الأخيرة قبل خروجهم وهو ينتظرها.
بعد مرور عشر دقائق تقريبًا انفتح باب الحمام وخرجت وهي مرتدية ثوب طويل وبأكمام طويلة وفضفاض قليلًا من اللون اللافندر ومطرز بفصوص بيضاء عند منطقة الصدر زادته جمالًا وساحرية، تحركت هي ووقفت أمام عمران مباشرة ودارت أمامه حول نفسها وهي تهتف بحماس ورقة جذابة:
_إيه رأيك؟
طالت نظراته العاشقة وهو يتمعنها بأعجاب وهي تدور أمامه كطفلة صغيرة سعيدة بفستانها الجديد، ثم غمز لها بمداعبة وقال في غرام:
_احلى من العروسة نفسها ياغزالي!
قهقهت بقوة ولمعت عيناها بمشاعر الحب بينما هو فاستقام واقفًا واقترب منها وراحت هي تلف ذراعيها حول رقبته تقول بدلع يذهب العقل:
_مش للدرجادي يعني يامعلم، بعدين أنت شوفت العروسة فين عشان تقول أنا احلى منها
مال عليها ليقطع المسافة التي بينهم ولا يفصله عنها سوى سنتي مترات معدودة ويقول بهيام:
_مفيش ست احلى منك ياغزال في نظري مهما كانت إيه
تأملته آسيا بغرام وصعدت الحمرة لوجنتيها بعد عبارته الأخيرة، لم تكن حمرة خجل ولكنها حب نابعة من قبلها الذي ينبض بكل قوته من تخبطه وهو بجوار حبيبه، أما هو فأخذ نفسًا عميقًا ومال عليها أكثر ليثلم وجنتيها بحنو ثم يبعتد وتتلاشى ابتسامته وهو يقول لها بندم:
_حقك عليا متزعليش مني لو اتعصبت عليكي الصبح، كان غصب عني
هزت رأسها بتفهم واقتربت هي أيضًا منه لتقبله وتقول بنعومة:
_مش زعلانة ياحبيبي
ثم تراجعت وابتعدت عنه لتنظر له تتفحص هيئته الرجولية الساحرة وملابسه المختلفة ثم غمزت له بأعجاب وراحت تقول له بدلال:
_حاسة وكأني شايفة واحد معرفوش مش المعلم عمران چوزي
ضحك بخفة وقال له بذكاء وثقة تامة:
_إيه مش عاچبك يعني؟
لوت فمها بحيرة ثم رسمت القوة على ملامحها واقتربت منه ثانية ونظرت في عينه بشراسة وهي تقول:
_عاچبني بس مش عايزة حد غيري يعچبه وخصوصًا البنات
قهقه عاليًا ثم رفع يديه وحاوط وجهها بكفيه وانحنى عليها يقبلها بحب هامسًا:
_ما أنا قولتلك عاد ياغزال عيني دي مبتشوفش غيرك
لمعت عينيه بغرام وهي تتمعنه وبينما كانت على وشك أن تقبله وتراني بين ذراعيه، صدح صوت رنين هاتفه فدس يده في جيب بنطاله وأخرج الهاتف وفور رؤيته لاسم المتصل تبدلت تعابيره للحدة والغضب وابتعد عن آسيا متجهًا إلى الشرفة ليتحدث براحة بعيدًا عن مسامعها، لكنها ضيقت عيناها بحيرة من أمره وفورًا لحقت به لتفهم ما الذي يحدث معه وترضي فضولها وتطمئن، وقفت بجوار باب الشرفة تستمع لحديثه في الهاتف وهو يقول لرجل مجهول:
_خلي عينك عليه لغاية ما الفرح يخلص وبعدين هبقى أنا اتصرف معاه
ثم سكت للحظات وسمعته بعدها يتحدث بعصبية وصرامة ينهي ذلك الرجل عن فعل شيء أخبره به:
_لا متلمسوش ولا تقرب منه احنا لساتنا مش متأكدين هو تبع صابر ولا لا بس انت خلي عينك عليه دلوك لغاية ما اتصرف أنا معاه بعد الفرح
ولحظات معدودة بعد تلك العبارات وكان أنهى اتصاله فابتعدت آسيا فورًا وعادت مكانها وجلست على الفراش وهي تفكر بقلق ونبضات قلبها تسارعت بعدما سمعت اسم ذلك الرجل، حاولت طرد التشاؤم من عقلها وان زوجها سيكون بخير وهدأت من روعها، أما عمران فدخل ونظر لها بابتسامة دافئة وقال:
_يلا بينا عشان منتأخرش
هزت رأسها له بالموافقة في ابتسامة باهتة من فرط التوتر، ثم استقامت واقفة واتجهت لتحمل ابنها وتغادر معه للزفاف قبل وصول العروسين.
***
على الجانب الآخر أمام منزل مريم كان بشار يقف بالشارع مستندًا بظهره على سيارته وهو مرتديًا حلته السوداء ويتطلع للأعلى حيث نافذة غرفة مريم بالطابق الرابع.
أخذ نفسًا عميقًا ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصال بها، فـ أتاه الرد منها بعد لحظات من الرنين وكان هو من يبدأ بالحديث فور ردها على اتصاله، يهمس بصوت رجولي دافيء أصاب قلبها:
_اتمنى تكون اميرتي چاهزة؟
طال صمتها دون أن تجيبه ولكن صوت أنفاسها المتسارعة كان يتحدث عن كل شيء يحدث داخلها الآن فابتسم لها وقال بنبرة تذهب العقل:
_لو خلصتي أنا مستنيكي تحت
للمرة الثانية تلتزم الصمت ولا تجيبه، ربما صمتها كان دليل على خجلها وترددها لآخر بأنها استسلمت له ووافقت على الذهاب معه واعطائه فرصة ثانية، لكنها قلبها العاشق يقودها إليه لا إراديًا ورغم ما فعله لا تستطيع حمل مشاعر الكره له في قلبها، ويظل ذلك العضو النابض يلح ويصرخ عليها بأن تمنحه فرصة ولا تفرقه من محبوبه، فلم يكن أمامها حلًا سوى الخضوع لمشاعرها.
أما بشار فكان يضحك بصمت على سكوتها الذي فهمه جيدًا وفسر سببه، لينهي مكالمتهم بعبارته الأخيرة مازحًا وهو يضحك:
_متتأخريش عليا عاد احسن أنا مستنيكي بالبدلة ومش ضامن نفسي واحدة إكده ولا إكده تخطفني
خرج صوتها الغاضب أخيرًا وهتفت بحدة:
_لا والله هي من أولها كدا !!
قهقه عاليًا وقال بحب:
_اخيرًا طلع صوتك، متقلقيش عيني مش هتتحرك من على شباكك لغاية ما تنزليلي
مال ثغرها للجانب في ابتسامة جانبية مغلوبة ثم تنهدت الصعداء وأغلقت الاتصال دون أن تجيبه وراحت تقترب من المرآة لتنظر إلى مظهرها الأخيرة ونتأكد من أن كل شيء يبدو على أكمل وجه.
مر ما يقارب خمس عشر دقيقة وهو يقف ينتظرها بالأسفل وبين كل لحظة والأخرى يتفقد ساعة يده ولا يطيق الأنتظار أكثر، حتى سمع صوت حذائها العالي وهو يضرب الأرض برقة فرفع رأسها إلى مدخل البناية ووجدها تسير باتجاهه وهي مرتدية الثوب قام بشرائه لها وكان بأحد درجات اللون الأخضر المميزة الملائمة عليها تمامًا وطويل لدرجة أنها ترفعه عن الأرض بيدها وهي تسير إليها، خطفت عقله قبل نظره وهو يراقب سيرها باتجاهه ومظهرها الأنثوي الصارخ وعيناه كانت تخرج شرارات لامعة بلوعة الغرام.
وقفت أمامه على بعد خطوتين بالضبط و هي تتفادى النظر لوجهه وترسم على وجهها تعابير جامدة دون أي ابتسامة تزينها، أما هو فكان لا يبالي بكل هذا يكفيه أنها وافقت على عرضه وإعطائه فرصة ثانية، تمنعها بنظرة جعلت الدماء تصعد لوجنتيها والارتباك يستحوذ على جسدها بأكمله، خصوصًا عندما وجدته يفتح لها باب السيارة ويبسط ذراعه فاتحًا كفه لها ويقول لها مبتسمًا بعشق:
_اتفضلي ياست البنات كلهم
نقلت نظرها بين يده وبين باب السيارة بتردد ثم أخذت نفسًا عميقًا وقضت على أي حيرة أو شعور سيفسد عليها جمال هذه اللحظة ووضعت كفها بكفه فأغلق هو عليه باحتواء ورفعه لفمه يقبل ظاهره بحنو ثم ساعدها على الصعود بالسيارة والتفت هو فورًا من الجانب الآخر ليستقل بمقعد القيادة وينظر لها ثم يقول بصوت دافيء:
_شكرًا
اخذت نفسًا عميقًا قبل أن تجيب بخفوت دون أن تنظر إليه:
_على إيه؟!
تابع هو بنفس نبرته السابقة:
_أنك وافقتي تديني فرصة تاني
نظرت له بتلك اللحظة في صلابة وقالت بجدية:
_بس لسا مسامحتكش متنساش ده
أجابها بصوت يحمل الوعود الحقيقية المفعمة بمشاعر الحب الصادقة:
_وأنا لساتني عند وعدي أني هعوضك وهنسيكي كل اللي فات ده وهنبدأ من أول وچديد ومش هتشوفي مني غير الحب وبس
تنهدت الصعداء برقة ثم نظرت له وقالت بابتسامة بسيطة وصوت ناعم:
_اوكي يابشار ممكن بقى نتحرك
تهللت اساريره فور رؤيته لتلك الابتسامة التي مدته بمزيد من الأمل وقال له بفرحة وحماس:
_ممكن ده إيه أنتي اؤمري بس وأنا انفذ
ثم اعتدل في جلسته أكثر وبدأ في تشغيل محرك السيارة والتفت لها برأسه وغمز لها بمداعبة هامسًا بضحك:
_نتحرك ياعيون بشار منتحركش ليه!
مالت برأسه للجانب بعيدّا عنه لتخفي ابتسامتها الخجلة والمحبة لذلك الرجل الذي استحوذ على كيانها كله.
***
داخل منزل جلال بغرفتهم تحديدًا.. كان الأولاد ينتظرون والديهم بالخارج بعدما أصبحوا جاهزين تمامًا ومستعدين للذهاب لزفاف خالهم، بينما فريال تجلس جلال على الفراش شبه عنوة بعدما هتف بضجر:
_كفاية عاد يا فريال إكده هنتأخر يلا خلينا نمشي
ضحكت بقوة ثم جلست بجواره وقالت له بهدوء تام:
_أنت مستعچل إكده ليه اصبر، هو انت مش عاوز تعرف المفاچأة اللي قولتلك عليها الصبح!
ارتخت عضلات جسده المتشنجة وهدأ وسكن ثم قال لها بفضول شديد مبتسمًا:
_طيب.. هااا قولي إيه المفاچأة؟
أخذت نفسًا طويلًا ثم أخرجته زفيرًا متمهلًا وهي تنظر له بابتسامة عريضة وحماس شديد وغريب كأنها تخبره بخبر حملها الأول وليس الرابع، أما هو فكان ما بين حيرته من أمرها وفضوله الذي ازداد أكثر لمعرفة مفاجأتها، حتى سمعها أخيرًا وهي تعطيه البشرى وتقول بفرحة غامرة:
_أنا حامل
سيطرت عليها الدهشة لثواني ثم همس بعدم تصديق وبشائر ابتسامة تلوح فوق صفحة وجهه:
_بتتكلمي چد يافريال؟!
اماءت برأسها عدة مرات متتالية ثم لمعت عيناها بعبرات السعادة والتأثر وهي تجيبه بصوت مبحوح:
_ربنا عوضنا
حدقها مطولًا بعينان لامعة بفرحة غامرة ثم ضمها لصدره مقبلًا رأسها بحنان ويردد دون توقف:
_الحمدلله اللهم لك الحمد والشكر يارب
اقتحموا الأولاد الغرفة في هذه اللحظة وهتف معاذ بضيق وملل من كثر الانتظار:
_احنا هنتأخر يلا بينا
لم تبتعد فريال عن حضن زوجها بل ابتسمت لأودها وفردت ذراعها تدعوهم للانضمام إليهم هاتفة بصوت خافت من أثر بكائها:
_تعالوا أنا قولت لأبوكم المفاچأة
أسرعوا إلى حضن أبيهم فرحين ثم همس عمار لجلال بسعادة:
_هتبقى عندما أخت تاني زي حبيبة يابوي
ابتسم جلال بدفء رغم الحزن الذي استحوذ عليه فور تذكره لابنته وقال بالإيجاب وهو يجيب على ابنه:
_أن شاء الله ياولدي، بعدين كل اللي يجيبه ربنا زين.. كفاية أنتوا وأمكم معايا وچاري ربنا ميحرمني منكم أبدًا
ثم راح يوزع قبلاته على رأس أولاده وأخيرًا انتقل لزوجته التي ابتعدت عنه واخذت تتمعن تلك اللوحة العائلية الجميلة…
***
داخل قاعة الزفاف بعد وصول العروسين والجميع سعداء ويرقصون معهم، كانت آسيا تجلس وحدها هي وابنها حول طاولة متوسطة الحجم وكراسي الطاولة من حولها كلها فارغة، تارة كانت تنظر للعروس وفستان زفافها الملوكي ومظهرها الجميل والرقيق مثلها وحتى بلال كان في قمة وسامته، وتارة أخرى تثبت عيناها على زوجها تراقبه بقلق واهتمام خشية من أن يفعل شيء أو أحد يحاول إلحاق الأذى به بعد مكالمته الهاتفية التي سمعتها بالمنزل قبل خروجهم.
ما هي إلا ثواني حتى رأته يلتفت تجاهه ويترك الجميع ويتجه نحوها، نست كل شيء بتلك اللحظة واستقرت عيناها على هيئته الرجولية الشامخة ووسامته في تلك الملابس العصرية التي لا تشهده بها إلا نادرًا، طريقة سيره الفخمة وهيبته وطوله الفارع.. كل هذا جعلها تتأمله بهيام وابتسامتها تزين ثغرها، حتى وصل هو إليها وجلس على المقعد المجاور لها ومد يده من أسفل الطاولة ليمسك بكفها وهو يبتسم لها فسألت هي بتعجب:
_ليه سيبت الرچالة وأخوك وچيت چاري؟!
رفع حاجبه متعجبًا من سؤالها وقال ببساطة وهو يضحك:
_وفيها إيه لما اقعد چار مرتي، ولا أنتي عايزاني اقوم عاد!!!
أجابته بالنفي فورًا وهي تتشبث بذراعه وتضحك:
_هو أنا تفديني الساعة أنك تقعد چاري يامعلم، ده ياريت تفضل چاري إكده طول الفرح!
كانت تتصنع الجهل أمامه وتتصرف بطبيعية رغم فهمها كل شيء يدور حولها، وحتى سبب جلوسه بجوارها نابع من خوفه عليها وتركها بمفردها بعيدًا عن أنظاره فأراد أن يبقيها بجواره هي وابنه ليطمئن قلبه.
انحنى هو على ابنه الصغير المستيقظ بين ذراعين أمه ويراقب الأصوات من حوله، ثم حمله وراح يمطره بوابل من قبلاته وهو يهمس له:
_إيه يابابا، الچو إهنه دوشة وصداع تلاقيك صدعت كيف أبوك، لولا أن فرح عمك بس كان زمانا مشينا من زمان
قهقهت آسيا بقوة على عبارته الأخيرة ثم قالت له وسط ضحكها مؤكدة ما قاله:
_هو طالع شبهك صُح على فكرة، كان بيبكي من شوية وبالعافية قدرت اسكته، شكله صُح مش عاچبه الصداع والأغاني
ابتسم عمران وماله على صغيره يقبل وجنته مجددًا بحب ويهتف بثقة تامة:
_طبعًا لازم يطلع شبهي، هو لو مطلعش كيف أبوه راچل وليه هيبته وكلمته هيطلع شبه مين يعني!!
حدقته آسيا رافعة حاجبها مبتسمة بتهكم على تباهيه، لكنها مالت عليه وهمست مؤيدة ما قاله عن نفسه:
_وأنا ياعزي وهنايا أن ربنا رزقني بيكم
التفت لها عمران وغمز لها بخبث مبتسمًا في رغبة واشتياق ويهتف:
_مابلاش عاد الكلام ده اللي يخليني افكر اسيب فرح أخويا واخدك ونروح بيتنا ياغزال
انطلقت ضحكتها العالية عليه وراحت ترمقه بطرف عينيها في دلال متعمدة إثارة جنونه ورغبته فيها أكثر، فحدقها هو مبتسمًا باغتياظ وفي عينيه نظرة توعد تخبرها بأن عقابها سيكون شديد على تلك المحاولات الثعبانية التي تفعلها لتشعل نيرانه أكثر وهي تعلم أنه لن يستطيع الاقتراب منها…
***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة غزل……
كانت نائمة على فراشها وفوقها غطائها وتحدق في اتجاه الباب شاردة الذهن تفكر فيما حدث بالصباح وما فعله معها، عابسة الوجه ومنزعجة بشدة منه لدرجة أنها لا تريد رؤيته حتى تهدأ وتنسى ما فعله بها، يخبرها أنه يحبها ثم يؤذيها بهذا الشكل.. كيف لا تفهم؟!.
سمعت صوت طرق الباب فظنت الطارق خلود، أخذت نفسًا عميقًا وهتفت بصوت مرتفع نسبيًا دون أن تعتدل في نومتها:
_ادخل
انفتح الباب ببطء حتى رأت ” علي ” وهو يدخل ويغلق الباب خلفه بهدوء، فاعتدلت فورًا وهبت جالسة وقالت له بغضب:
_أنت إيه اللي جابك؟
تقدم ” علي ” نحوها بخطوات بطيئة وعينيه ممتلئة بنظرات الأسف والندم أما هي فصاحت به منفعلة تحذره بجدية:
_لو مطلعتش برا يا ” علي ” هصوت والم البيت كله
لم يكترث بتهديداته وكان مستمرًا في التقرب منها فخسمت هي قرارها وكانت بالفعل على وشك الصراخ، لكنه تدارك فعلتها قبل أن تقوم بها واسرع إليها ليجلس بجوارها ويكتم على فمها بيده متوسلًا إياها بلطف:
_ابوس يدك وطي صوتك متفضحيناش!
سكنت لثواني وهي تحدق في عينيه الحزينة وشعرت بندمه الحقيقي الذي جعلها تهدأ قليلًا تجاهه، لكنها أيضًا دفعت يده بعيدًا عنها وتراجعت للخلف في الفراش تضع مسافات بينهم، راقب هو تصرفها واتسعت عينيه عندما رأى نظرات القلق والخوف في عينيها وراح يسألها بذهول:
_أنتي خايفة مني ياغزل!!!
هتفت بغضب وشجاعة:
_ومخافش منك ليه بعد اللي عملته الصبح واللي بتعمله في اختك، أنا شوفتك بعيني ده لولا اللي حصل معايا كنت هتكمل عليها لغاية ما تموتها
اشاحت بوجهه للجهة الأخرى وهو يتأفف بخنق ثم نظر لها مجددًا وقال برزانة:
_خلود وضع مختلف ياغزل
صاحت به ساخرة وبحدة:
_هي ندمت على غلطها وكل اللي عملته أنها راحت بس تتكلم مع الراجل اللي بيحبها عشان تفهمه كل حاجة وأنا كنت معاها معملتش حاجة غلط، يعني أنا بقى لو عرفت أني بتواصل مع my friends اللي في أمريكا حتى الآن مثلًا هتعمل فيا زي ما عملت مع your sister
رفع يده ومسح على وجهه محاولًا السيطرة على جموحه ثم نظر لها وقال بصوت مريب وغليظ:
_وهو أنتي بتتواصلي مع رچالة يعني فعلًا ياغزل ولا بتقولي إكده وخلاص عشان تعصبيني!!
ردت متحدية إياه بعناد:
_ولو بتواصل فعلًا هتعملي إيه يعني هتضربيني زي ما عملت الصبح
أنهت كلماتها وهي تشير إلى جرح رأسها الذي كان هو سببه، ففاض كيله وصاح بها منفعلًا:
_اللي حصل الصبح كان غصب عني ومكنش قصدي، لكن أنا مستحيل ارفع يدي عليكي
ثم أخذ نفسًا وتابع صياحه بزمجرة أشد:
_بعدين أنتي عايزة إيه بظبط، أنا راچل همچي وبربري كيف ما بتقولي ولما بتعصب مبشوفش قصادي اعمل إيه!!.. حاولت ومازالت بحاول اسيطر على غضبي بس مش كل مرة هنجح، حرام عليكي اللي بتعمليه فيا وأنتي عارفة وشايفة كويس قوي حبي ليكي
تماسكت أمامه وقال بثبات يليق بها:
_أنا مش شايفة أنك بتحاول أنا منعتك عن خلود بالعافية الصبح مع أن كان ممكن تسيطر على غضبك وتفهم الأول وحتى لو عاقبتها ميبقاش بالشكل ده، أه وكمان مش بس أنا اللي مستحيل ترفع ايدك عليها حتى أختك وأي ست، أنت كنت عايز تتجوزني وبتقولي أنك بتحبني طب أنا ازاي هطمن على نفسي وأنا معاك إيه اللي يضمني أنه ميجيش يوم وتعمل معايا زي ما عملت مع خلود الصبح لو غلطت غلطة بسيطة مثلًا
أنهت عباراتها وهبت واقفة من الفراش متجهة إلى الحمام لتتركه لكنه لحق بها وقبض على ذراعها يوقف وهو يهتف بانزعاج:
_احنا لسا مخلصناش كلامنا رايحة وين، بعدين انتي إيه المقارنة اللي بتحطي نفسك فيها دي، لو عاوزاني اوعدك أني مرفعش يدي عليكي مهما عملتي ونحل مشاكلنا أي كانت هي إيه بطرق مختلفة.. أنا موافق واوعدك لو ده اللي هيريحك مع أنك مش محتاچة مني وعد لأني مستحيل ارفع يدي عليكي اصلًا، أما بخصوص خلود فـ أنتي روحي اسأليها بنفسك إكده وقوليلها ” علي ” عمره رفع يده عليكي قبل الفضيحة اللي أنتي عملتيه وأسأليها كنت بعاملها كيف وهي تچاوبك، إهنه انتي في الصعيد مش أمريكا، والرچالة دمهم حامي مش كيف اللي اتربيتي في بلدهم، اللي عملته خلود ميتغفرش وأنا رغم إكده رجعتها وسطينا تاني، ولما بفقد اعصابي عليها بيبقى غصب عني لاني لساتني مسمحتهاش، ولما اكون محذرها مليون مرة متتواصلش مع مروان ده وهي تكسر كلمتي برضوا يبقى غصب عني دي تكون ردة فعلي
عقدت ذراعيها أسفل صدرها ورمقته بابتسامة متهكمة ثم قالت:
_وأنت دلوقتي يعني بتبررلي اللي عملته عشان متبينش نفسك غلطان!!!
أطلق زفيرًا حارًا بقلة حيلة وهو يستغفر ربه ثم ارتخت عضلات وجهه وظهر الحنو في عينيه ونبرة صوته وهو يقول:
_لا أنا مش ببررلك وإلا مكنتش هقف قصادك دلوك عشان اعتذرلك واقولك حقك عليا وأنا آسف على اللي عملته
رفعت حاجبها بعنهجية وازاحت بنظرها بعيدًا عنه، رغم أعجابها الواضح باعتذاره إلا أنها مازالت محتفظة بعنادها وترفض السماح، بينما هو فابتسم ومال عليها ليهمس لها بحب:
_اوعدك أني من إهنه ورايح هحاول اسيطر على غضبي عشان خاطر عيونك ياغندورة، وأن اللي حصل الصبح ده لا يمكن يتكرر تاني
عندما وجدها مازالت لا تنظر في وجهه فرفع هو يده التي دفعها بها مباشرة أمام عيناها وتابع هو مازحًا ليضفي چوا لطيفًا على حديثهم:
_كانت تنقطع يدي قبل ما تترفع عليكي ياست الحسن والجمال
حاولت منع ابتسامتها الخجلة من الظهور فور ثغرها ورمقته بقسوة وقالت في إصرار:
_برضوا مش هسامحك يا ” علي ”
تجاهل عباراتها وثبت نظره على جرحها ثم رفع أنامله ووضعها على الجرح يتحسسه برفق وهو يهتف بأسف وحزن حقيقي:
_تعرفي أنا من وقت اللي حصل ومش قادر اعمل أي حاچة من كتر ما أنا مضايق من نفسي أني عملت فيكي إكده، وطول النهار بفكر اچيلك واتكلم معاكي واعتذرلك ومكنتش عارفة هقولك إيه، اول مرة احس نفسي مكسوف ومش قادر ابص في وش حد وخصوصًا أنتي.. حبيبتي، حقك عليا والله ما اعرف كيف عملت إكده أنا كل اللي فاكره أني كنت عاوز ابعدك بس واخليكي تسيبي يدي معرفش كل ده حصل كيف
كانت أنامله تنجرف أثناء حديثه من مكان جرحها إلى وجنتها، وهو لم يكن يدري شيء عن ما تسببه تلك اللمسات في جسدها، فقد جعل القشعريرة تسير في جسدها كله والخجل يصعد لوجنتيها ليتحول لون بشرتها الأبيض إلى الأحمر من فرط الحياء، وفجأة أبعدت يده عنها وقالت بحدة وارتباك ملحوظ:
_أنت بتعمل إيه!!.. واضح كدا إنك اخدت عليا أوي عشان أنا سكتلك مرة، احترم نفسك ومتقربش مني ولا تلمسني
مال ثغره للجانب بنظرة مغرمة وقال لها غامزًا:
_في دي عندك حق، وعشان إكده خير البر عاچله ولازم نتچوز بسرعة
انطلقت منها ضحكة عالية بسخرية ثم قالت مندهشة:
_إيه هو مش أنت قولت أنك غيرت رأيك ومش عايز تتچوزني!!
أجابها ضاحكًا وهو يزم شفتيه بعبث:
_كانت لحظة شيطان وراحت لحالها
ضحكت غزل مغلوبة على أمرها منه ثم استدارت واتجهت إلى الحمام وقبل أن تدخل وقفت والتفتت له برأسها وقالت في نظرة لئيمة كلها ثقة وشراسة:
_اطلع برا يا ” علي ” لأن لو حد دخل أنا مش مسئولة وهقول أنك دخلت عندي الأوضة وحاولت تتحرش بيا، مع العلم أنه مش كدب ده حقيقي حصل
رمقها مبتسمًا ورافعًا حاجبه بدهشة بينما هي فدخلت وأغلقت الباب وتركته هو يقف يضحك بصمت عليها، ثم استدار واتجه إلى باب الغرفة لينصرف….
***
عودة إلى قاعة الزفاف حيث وصل كل من بشار ومريم، دخلوا من باب القاعة معًا وهو كان يتلفت حوله يبحث عن مقعد فارغ ليأخذها وتجلس عليه، لكن مريم التقطت عيناها شيء مختلف وكان مزعج لها وهو رحاب التي رأته تنظر لها ولخطيبها بكل حقد وغيرة فاشتعلت نظرات مريم غيظًا وللحظة كانت ستتراجع عن كل هذا وتعود لمنزلها وتنهي كل شيء، لكن بشار لاحظ نظراتها الغاضبة وعندما نظر إلي حيث ما تنظر رأى رحاب فلوى فمه بحنق وتأفف، ودون مقدمات امسك بكف مريم لدرجة أنه جعل أصابعه تتخلخل بين أصابعها ونظر لها مبتسمًا ثم قال بحب:
_تعالي يلا ياحبيبتي عشان نقعد
نظرت مريم له ولتصرفه باستغراب ثم رفعت رأسها مجددًا ونظرت باتجاه رحاب فرأت نيران الغيرة تخرج من عينيها، فابتسمت مريم بتشفي وسارت مع بشار بكل ثقة ورقة وهي ممسكة بيده باستمتاع، إلى أن وصلوا إلى مقعدهم وترك يدها فجلست وجلس هو بجوارها، وكان الصمت هو حليفهم في تلك اللحظات حتى رأت مريم تلك الوقحة رحاب وهي تقترب وتتجه إليهم، حاولت السيطرة على غضبها والحفاظ على ثباتها الانفعالي وبرودها أما بشار فكان على عكسها تمامًا وظهر الاستياء الشديد على وجهه عندما رأى رحاب وفور وصولها إليهم هم بأن يستقيم واقفًا ليوبخها ويبعدها عنهم، لكن مريم قبضت على ذراعه لتبقيه جالسًا بجوارها ونظرت له بمعنى أن ينتظر.
وقفت رحاب أمامهم وابتسمت بتكلف ثم نظرت لمريم بود مزيف وقالت:
_إيه الچمال ده ما شاء الله يامريم، ربنا يخليكم لبعض
ردت مريم وهي تبادلها نفس الابتسامة المتكلفة:
_ يــــارب
التفت بشار لمريم مندهشًا من ردها وثباتها المحترف، وبعدما كان الغضب يستحوذه بدأت المتعة تتسرب لداخله واراد لذلك الحديث أن يطول أكثر.
هتفت رحاب بغيظ وخبث يلوح في نبرتها ونظرتها لبشار:
_ابقي خلي بالك منه احسن يتخطف منك تاني
التهبت نظرة مريم من الغيظ بسبب وقاحتها ورغم ذلك حافظت على هدوئها ودون أن تشعر وجدت نفسها تمسك بيد بشار في تملك أمامها وتقول مبتسمة وهي تنظر له بغرام:
_لا متقلقيش هو الحمدلله كان في حرباية بتحوم حوالينا بس بشار شاف لونها الحقيقي وكشفها
هو كان بوضع لا يحسد عليه، لا يعرف أيندهش من نظراتها له واحتضانها لكف يده أم من رده الناري الذي قد يتسبب في وقوع حرائق قاتلة الآن؟!.
نظر لمريم بعين متسعة والبسمة تظهر في عينيه قبل شفتيه، ثم ترك يدها واستقام واقفًا لينظر إلى رحاب بحدة ويقول لها بلهجة آمرة:
_تعالي معايا.. اتحركي يلا
سارت رحاب خلفه بعد أن القت نظرة ملتهبة على مريم ووقفت معه على بعد بضع خطوات قليلة من مريم ثم صاح بها بعصبية:
_أنتي إيه اللي چايبك عندينا، يابنت الناس أنا لساتني عامل حساب لعمتي بعدي يارحاب عني وعن مريم وملكيش بيها واصل ولا لسانك يخاطبها حتى فاهمة
حدقته ياستهزاء وقالت في لامبالاة ونظرة نقم:
_متخافش أنت أصلًا مبقتش تفرق معايا ولا عاوزاك، أنا كنت كنت چاية بس أسلم مش اكتر وخلاص سلمت وماشية
أنهت كلماتها وتركته وابتعدت بخطواتها عائدة إلى طاولتها، فراقبها هو بنظراته المشمئزة حتى رآها وهي تجلس على مقعدها مجددًا، فالتفت إلى مريم التي كانت تراقبهم بنظراتها وكأنها تحاول فهم كلماتهم من شفاههم، فور رؤيته لها وتذكره لما فعلته للتو والعبرة التي كانت تستحوذها بوضوح تخللت اساريره وشقت ابتسامتها العريضة والسعيدة طريقها لفمه، وعاد لها بخطواته السريعة ليجلس في مقعده مجددًا ويهمس لها مازحًا بعشق:
_هو لازم يعني تغيري عليا عشان تمسكي يدي إكده، ده أنا رغم أني مكنتش طايق وش رحاب بس حسيتي نفسي عاوز اشكرها على المعروف اللي عملته فيا
أبدت التجاهل رغم أنها كانت تبتسم بخجل دون أن يراها، أما هو فتابع وهو يعبث معها كطفل صغير ويداعبها:
_ما تمسكي يدي تاني وتبصيلي بنفس النظرة دي تاني، حني عليا ياقاسية حرام عليكي
التفتت له ورمقته بحزم عندما خجلت بشدة من عبارته الأخيرة وقالت:
_بشار لو مسكتش هقوم امشي واسيبك
تراجع فورًا وقال ضاحكًا:
_لا وعلى إيه اديني سكت خالص أهو، ده ما أنا ما صدقت أن رضيتي عني شوية
***
بعد مرور ساعات طويلة نسبيًا بتمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، داخل منزل العروسين .. منزل بلال الصاوي…
دخلوا للمنزل وكان بلال يجلس على الأريكة ويراقب بعينيه أم زوجته وشقيقتها وهم يودعونها من على الباب بالأحضان، ثم نظرت له أمها وودعته فلوح هو لها بيده يودعها بود ويقول مازحًا:
_كنت هقولك اتفضلي والله يا حماتي بس ااا….
قطع حديثه ولم يكمله قصدًا أما حور فرمقته بغيظ على ما يقوله، لكن أمها ضحكت بقوة وردت عليه بمكر:
_متقلقش أنا هتفضل كتير أن شاء الله بس مش الليلة دي
قهقه بلال بخفة ثم استقام واقفًا واقترب منها وانحنى على يده ليمسكها ويقبلها بود هاتفًا:
_تشرفي في أي وقت طبعًا ده بيتك
مسحت على كتفه بحنو وهمست لهم بحب:
_الله يخليك يابني وربنا يسعدكم يارب ونشوف عيالكم قريب كدا، احنا هنسيبكم بقى ونمشي عايزة حاجة يابنتي
هزت حور رأسها بالنفي وأجابت على أمها:
_لا عايزة سلامتكم ياماما
انتظر بلال رحيلهم واغلق الباب خلفهم وعندما التفت رآها تنظر له بضيق وتعاتبه برقة هاتفة:
_إيه اللي قولته لماما ده يابلال عيب
بلال بمرح ضاحكًا:
_ملكيش دعوة أنتي ده بيني وبين حماتي
رفعت حاجبها بابتسامة مندهشة، بينما هو فاقترب منها وهو يهمس بخبث:
_مبروك ياعروسة وأخيرًا اتقفل علينا باب ياحوريتي ومش هتعرفي تهربي مني
لف ذراعه حول خصرها وحاول جذبها إليه لكن فستان زفافها الكبير كان يمنعه ويجعل بينهم مسافة كبيرة، حاول هو أبعاده ليتمكن من ضمها وجذبها لكنه فشل فصاح بغيظ منزعجًا:
_إيه الفستان ده ادخلي اقلعيه بلا هم، انتي مستحملاه كيف ده أصلًا
انطلقت ضحكتها العالية التي تأججت في أركان المنزل وردت بالرفض مستمتعة:
_لا اقعله إيه ده حلو كدا لقيت حاجة تنقذني منك
مال عليها بوجهه مبتسمًا بلؤم وهمس في نظرة جعلت قلبها يدق بعنف:
_لا مفيش هتنقذك مني النهاردة ياحورية، وقعتي في المصيدة خلاص
شعرت بأنامله تمتد خلف ظهرها عند سحاب الفستان بالضبط فانتفضت بفزع وصاحت بخجل:
_لا لا لا بلال احنا متفقناش على كدا بلاش قلة أدب
اتسعت عينيه بدهشة من ردها ولا إراديًا انفجر ضاحكًا وهو يجيبها ساخرًا:
_أيوة عندك حق احنا اتفقنا على اكتر من كدا
ودون أي مقدمات أو مناقشات أخرى معها انحنى عليها وحملها فوق ذراعيه، فصاح بألم وصدمة:
_إيه ده كله انتي لابسة فستان عشرة كيلو، ضهري اتقطم يامفترية
ضحكت وقال متشفية:
_حد قالك تشيلني
رد وهو يكمل سيرة باتجاه غرفتهم:
_لا يچوز دي من اساسيات ليلة الدخلة، عشان نعيش الأچواء الرومانسية كاملة
ثم نظر لها وتابع بنظرة لعوب ووقحة قبل أن يدخل بها للغرفة:
_استعدي عشان قلة الأدب اللي فاتت كوم واللي چاية قوم تاني
دخل الغرفة واغلق الباب بقدمه يعلنان بداية حياتهم الزوجية السعيدة والممتلئة بمشاعر الحب والتقدير التي تخطت كل العقبات ووصلوا معًا لهذا اللحظة التي سيتحدوا مع بعضهم دون أي حدود أو حواجز…
***
بصباح اليوم التالي خرجت آسيا منزل ابراهيم الصاوي لكي تعود لمنزلها مع زوجها، وكان عمران يقف بانتظارها أمام السيارة وعندما وصلت إليه أخذ من يدها حقيبة الملابس الصغيرة التي كانت تحملها وفتح باب المقعد الخلفي ليضعها عليه وبتلك اللحظة كانت آسيا تتحرك باتجاه مقعده بجواره لتستقبل بالسيارة، لكن أوقفها صوت دراجة نارية متجهة نحوهم وفوقها شابين أحدهم يقودها والآخر يدس يده في ظهر بنطاله ويخرج سلاحًا ناريًا ثم رفعه باتجاه عمران، اتسعت عيني آسيا بصدمة ولا إراديًا صرخت على عمران بهلع:
_عــمـــران
اغلق باب السيارة وانتصب في جلسته وقبل أن يلتفت لها حتى ليفهم سبب صراخها كانت الرصاصة قد استقرت بجسده…..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى