رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الثالث والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الثالث والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الثالثة والثلاثون
ابتسم حمزة وقال ببراءة مزيفة تضمر خلفها الخبث:
_يعني عرسان ياغزل.. أصل يدوبك الصبح مرت خالك چليلة قالتلي أن في عريس چايلك
اتسعت عين غزل بذهول وهتفت دون استيعاب على ما سمعته أذنها:
_what
لكن حمزة لم يلبث ليجيبها حتى ظهر ” علي” وهو ينزل درجات السلم ثائرًا ويهتف بصوت مخيف:
_عريس مين ده؟!
نقل حمزة نظره بين غزل و ” علي ” وعلى ثغره ابتسامة ماكرة، ثم رسم الجدية على ملامحه وقال بحزم:
_مالك چاي علينا بزعابيبك (غضبك) إكده!!
استقرت نظرات ” علي ” المتأججة بنيران الغيرة على غزل ثم اقترب منهم أكثر وجلس على المقعد المجاور لها أمام جده مباشرة وسأله وهو يجز على أسنانه:
_يبقى واد مين ده ياچدي وشافها وين وكيف؟!
ارتخي حمزة في جلسته أكثر واجابه مبتسمًا بسخرية:
_وأنت مالك واد مين، واحد ابن حلال وطلب يدها
مسح على وجهه وهو يطلق زفيرًا ناريًا محاولا تمالك أعصابه وتمتم مبتسمًا بسخرية:
_امممم ابن حلال وأنت بتاخد رأيها دلوك
كان حمزة يحاول كبت ضحكاته بصعوبة من ثوران حفيده وقرر أن يزيد من نيرانه أكثر حيث رد بإيجاب وهو يسأل غزل المتعجبة من حالات ” علي ” الغربية على الرغم من أنه رفضها واخبرها بأنه لا يريدها:
_أيوة القرار ليها وليها الحق ترفض أو توافق
ضحك بصمت بعد عبارة جده لكن ضحكة كانت مفعمة بالغضب والغيرة، ثم التفت إلى غزل الجالسة بجواره وسألها بنفس ابتسامته المخيفة ونظراته الملتهبة:
_إيه رأيك ياعروسة موافقة؟!
شعرت بالقلق البسيط من نظراته وسؤاله، للحظة شعرت بأنه سيلتهمها من فرط غيرته لكن عندما نظرت لجدها رأت في عيناه ضحكة خفية ومتعة، فبدأ الشك بتسرب إلي قلبها بأن أمر العريس هذا مجرد خطة من جدها ليثير غيرة ” علي ” ورغم أنها لم تتأكد من شكوكها قررت أن تتصرف على هذا الشكل وتنتقم منه حيث رسمت الخجل البسيط على ملامحها ونظرت لجدها ثم قالت في رقة مألوفة منها وبطريقة جعلته يعتقد أنها تميل للموافقة لكنها تددلل كأي عروس خجلة:
_طيب ياجدو أنا هفكر وهتكلم مع طنط جليلة واقولك قراري
لم تكن الصدمة من نصيب ” علي ” وحده بل حتى حمزة اندهش من ردها وأسلوبها الرقيق والخجل الذي استوطن وجنتيها، أما هي فاستقامت واقفة وقالت مبتسمة تستأذن من جدها:
_عن أذنك ياجدو أنا طالعة اوضتي
راقبها ” علي ” بعيناه المشتعلة وهي تسير بالامبالاة إلى الدرج بعدما القت فتيل قنبلتها وتركتها على وشك الانفجار، التفت ” علي ” إلي جده بعصبية فور انصرافها وهب واقفًا يهتف بلهجة تحذيرية:
_أنا مش عايز اعرف واد مين ده بس الموضوع ده يتقفل عليه ولو سألت ولا جابت سيرته قولها مشيناه وإلا وقتها أنا هتصرف بمعرفتي
حمزة بحدة ونظرة ثاقبة:
_إيه أنت هتهددني ولا إيه يا ” علي ” !!
رد بأدب واعتذار:
_لا ياجدي استغفر الله اهددك إيه أنا بس بقولك نقفل على الموضوع ده بدل ما تحصل مشاكل
استقام حمزة واقفًا مواجهًا إياه بالحقيقة:
_وأنت محموق إكده ليه، يعني معاوزش تتچوزها ولا كمان عاوزها تتچوز هو أنا هسيب بت بتي إكده من غير چواز واوقف حالها عشان خاطرك
صاح ” علي ” منفعلًا وبوعيد حقيقي:
_هي اللي معاوزنيش مش أنا، وهخليها تشوف المتخلف والبربري على حق طالما مش موافقة عليا يبقى مش هتوافق على غيري
انهي عباراته واندفع نحو باب المنزل ليغادر ويتركه جده يقف مندهشًا من انفعاله المفرط الذي لم يكن يتوقعه ثم راح يضرب كف على كف وهو يضحك عليهم.
***
بمكان آخر داخل المطار كان مروان بمكان الانتظار جالسًا على مقعد حديدي ينتظر موعد إقلاع طائرته وعيناه عالقة على اللاشيء أمامه وعلقه شارد بخلود في مشاعر مختلطة ما بين الغضب والحزن على حاله، بتلك الفترة ظن أنه أخيرًا وجد الاستقرار والفتاة التي ستشاركه ما تبقى من حياته، بعد أن دق الحب ابواب قلبه فجأة أغلقت كل الأبواب في وجهه وعاد بائسًا كما جاء، وسط شروده الحزين ارتفع اصوات الميكرفون في كل مكان بالأبلاغ عن أن الطائرة ستقلع بعد عشرون دقيقة وعلى كل الركاب التوجه إلى الطائرة، لكنه لم يسمع شيء من فرط شروده وحزنه.
كانت تجلس بجواره فتاة جميلة تصغره بثلاث سنوات بالضبط، ترتدي بنطال عصري وفوقه بلوزة بأكمام طويلة وتاركة لشعرها المجعد العنان على ظهرها، التقطت عيناها تذكرة مروان الذي بيده ووجدت أنه متجه لإيطاليا بنفس الطائرة معها فاستقامت واقفة وامسكت بحقيبتها ثم نظرت لمروان الذي مازال شاردًا وهمست له مبتسمة برقة:
_فاضل عشرين دقيقة على الطيارة
انتبه على صوتها ونظر لها باستغراب ثم سألها بعدم فهم:
_افندم؟!!
ردت بنفس ابتسامته ونبرتها السابقة:
_هو مش حضرتك مسافر ايطاليا في الطيارة الساعة 10
أجابها مروان وهو مازال لا يستوعب لماذا تسأله ومن هي:
_أيوة
هتفت برقة وجدية بسيطة:
_طيب فاضل عشرين دقيقة، أنا آسفة لو ضايقتك بس حسيتك سرحان ومخدتش بالك لما قالوا أن فاضل عشرين دقيقة
رفع مروان يده ونظر لساعته فوجد أن متبقى عشرون دقيقة بالفعل على إقلاع الطائرة فرفع رأسه لها وابتسم بامتنان هاتفًا:
_متشكر جدًا أنا فعلًا كنت سرحان ومسمعتش
ثم هب واقفًا وأمسك بحقيبته فوجدها تمد يدها له بلطف وتقول بنعومة:
_فرصة سعيدة أنا ليلى
نظر ليدها بتعجب لكن لم يطل التفكير كثيرًا حيث مد يده هو أيضًا وصافحها متمتمًا بعذوبة:
_أنا أسعد يا استاذة ليلى
ابتسمت له برقة ثم ودعته بنظراتها وابتعدت بخطواتها تسبقه إلى الطائرة وهو سار خلفها بعدما ضيق عينيه متعجبًا من ذلك الموقف الغريب.
***
داخل منزل عمران الصاوي……..
كان جالسًا على الأريكة بالصالة وحيدًا بعدما ذهبت أمه للنوم بأحد الغرف الفارغة في المنزل، وقدميه كانت تهتز بقوة من فرط الغيظ كلما يتذكر تصرف زوجته عندما أغلقت الباب في وجهه ومنعته حتى من الدخول لرؤية ابنه، كان ينوي مسامحتها وإنهاء الخصام بينهم لكنها اشعلت فتيل الغضب في صدره مجددًا بعنادها، رفع يده إلى وجهه وراح يحك بأنامله في لحيته وهو يصر على أسنانه، وفجأة توقفت أنامله عن الحركة عندما قذفت في ذهنه فكرة مجنونة لا تقل جنونًا عن جنونها في أفعالها التي تصيبه بالجنون دائمًا.
فورًا استقام واقفًا واتجه إلى غرفة أمه وتأكد من نومها ثم خرج مجددًا واتجه إلى المطبخ وفتح أحد الإدراج التي تحتوي على السكاكين والتقط سكين منهم مميزة ورفيعة ستؤدي الغرض معه وقال متوعدًا لها بغضب:
_چنان بچنان يابت خليل
ثم اتجه إلى غرفة آسيا ووقف أمام الباب ثم انحنى على القفل وبدأ ينغز سن السكين الرفيع في فتحة القفل ويحركها بذكاء ومهارة حتى انفتح معه الباب، فابتسم بخبث ثم دفعه ببطء ودخل فوجدها نائمة وابنه نائم في فراشه الصغير بجوارها، التفت برأسه للخلف تجاه الباب واغلقه بهدوء، ثم تقدم نحوها حتى وصل إلى فراشها وجلس على الطرف بجوارها وهو يتمعن في وجهها وهيئتها الرقيقة الهادئة على عكس حقيقتها الشرسة والمجنونة وهي مستيقظة.
تحركت أثناء نومها وانقلبت على جانبها اليسار تجاهه مباشرة، ولا إراديًا يدها تحركت معها واستقرت على قدم عمران الجالس بجوارها، وفور شعورها بملمس مختلف عن ملمس الفراش الطبيعي أخذت تحرك يدها على قدمه وجسده دون أن تفتح عينها وكأنها تتأكد أن ما تضع يدها عليه جسد انسان وليس الفراش، وعندما تأكدت فتحت عيناها دفعة واحدة مفزوعة فوجدته أمامها ينظر لها مبتسمًا بغيظ، وعندما سقطت عيناها على يده رأته يمسك سكين فوثبت جالسة بهلع وارتدت للخلف ملتصقة بظهر السرير وهي تنظر له بارتيعاد وتقول بخوف وعدم استيعاب:
_بسم الله الرحمن الرحيم.. هو أنا بحلم ولا إيه؟!!
نظر للسكين الذي بيده فمنع ابتسامته ورسم وجه ممتلئ بالشر والغضب يزينه ابتسامة مرعبة على ثغره وهو يهز رأسه لها بالنفي مؤكدًا لها أنها في الواقع، فنظرت إلى يده والسكين بقلق حقيقي وسألته في صوت مضطرب:
_إيه السكينة اللي في يدك دي ياعمران، أنت هتقتلني ولا إيه؟!
رفع يده السكين وأشهرها أمامها بوضوح أكثر وهو بقلبها بين يديه مثبتًا نظره عليها ويهمس في نظرات مريبة:
_أنا كنت بفكر في إكده فعلًا بس ده يرچع ليكي أنتي تقدري تخليني أتراچع وتقدري تخليني اعملها
اتسعت عيناها بذهول مما سمعته وهتفت له بعدم تصديق وحدة:
_أنت بتهزر مش إكده؟!
مال عليها بوجهه وهو مازال ممسكًا بالسكين بيده وقال في صوت مخيف ونظرة تظهر جدية كلماته:
_هو أنا باين عليا أني بهزر، أنتي جننتيني خلاص
نقلت نظرها بين السكين وبين عيناها تحاول إيجاد أي إشارة تؤكد لها أنها مجرد مزحة سخيفة منه، لكن نظراته كانت حقيقية بشكل مرعب، فلمعت عيناها بالدموع وهمست له بارتباك:
_عمران اللي أنت بتعمله ده مفهوش هزار بعد السكينة دي عني!
ثبت نظراته مطولًا على عيناها الدامعة فرق قلبها لها، أما هي فامتلأت الدموع في عيناها أكثر وهي تراه مازال مصرًا على ما يقوله ولا يترك السكين وهتفت له بنظرة عاجزة كطفلة صغيرة والخوف يتملكها:
_عــمــران!!!
لم يتحمل تلك النظرة في عيناها ورفرف قلبه حبًا وحزنًا على حبيبته التي ظنت للحظة أن تلك المزحة قد تكون حقيقة حقًا، فابتسم لها بغرام وترك السكين على المنضدة الصغيرة الفراش ثم بسط ذراعه لها ولفه حول كتفيها ثم ضمها لصدره متمتمًا وهو يقبل شعرها:
_تعالي في حضني ياهبلة تعالي
هدأت نفسها المضطربة قليلًا لكنها اشتعلت غضبًا منه وابعدته عنه بانزعاج توبخه:
_بعد عني.. إيه الهزار البايخ ده!
رفع يده إلى رأسها وضرب عليها برفق وهو يقول مبتسمًا:
_أنتي إيه ذكائك انعدم ومعدش في مخ إهنه خالص ولا إيه، ده لو عيل صغير مكنش هيصدق
قالت بغضب مدافعة عن سذاجتها:
_أنت شكلك كان يرعب حسيتك للحظة أنك مبتهزرش خصوصًا أننا متخانقين وأنا قافلة الباب بالمفتاح
ظهر الغيظ والضيق على محياه عندما ذكرته بشجارهم وقال:
_ماهو السكينة دي كنت بفتح بيها الباب اللي أنت قفلاه عليكي يابت خليل
ابتسمت بخبث ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وردت عليه بغرور وثقة:
_للدرچادي يعني مقدرش على بعدي ليلة واحدة
رفع حاجبه مبتسمًا بلؤم ثم مال عليها بوجهه وهمس في صوت رجولي يذيب القلب من صلابته:
_لا بس حبيت اوريكي أنك مهما حاولتي متقدريش تهربي مني وخصوصًا وأحنا بين أربع حيطان، يعني الباب ده مش هيمنعني عنك لو عاوزاك
علقت عيناها على خاصته وهي تبتسم بذكاء ثم قالت بغنج أنثوي:
_ما أنا عارفة يامعلم!
مسح على وجهه باستياء وهو يطلق زفيرًا حارًا محاولًا الحفاظ على هدوئه لكنه فشل وهتف بعصبية:
_ولما أنتي عارفة بتعملي كل ده عشان تچننيني اكتر يعني ولا إيه؟!
تركت كل شجارتهم وحزنهم جانبًا وقررت أن تنعم بلحظات الحب مع حبيبها حيث مالت عليه ولفت ذراعيها حول رقبته ثم همين له بدلال ونظرة أنثوية ضربت بثباته وصموده بعرض الحائط:
_لا عشان اشوف حبك ولهفتك عليا وأنت مش قادر على بعدي، حتى غضبك بحب اشوفه
تلاشى الغضب من على ملامحه وحل محله ابتسامة مغرمة وعينان تهيمان عشقًا بها ثم انحنى عليها ولثم وجنتيها بقبلات عميقة وسط همسه:
_وهو حد يبقى معاه الغزال ده ويقدر على بعده
اتسعت بسمته الخجلة بعشق وهذه المرة هي التي بدأت برحلة الإبحار في بحور عشقهم هذه الليلة، عندما مالت عليه وجذبته معها إلى نيران عشقها الملتهبة.
***
عودة لمنزل خليل صفوان……..
قادت غزل خطواتها لغرفة خلود لكي تحكي لها ما حدث وعندما وصلت لباب الغرفة طرقت مرة وانتظرت الرد فلم يأتيها عادت تطرق أكثر من مرة لكنها لم تجد منها رد، فضيقت عيناها بقلق عليها ودون تردد فتحت الباب لتطمئن عليها وإذا بها تجدها جالسة فوق الفراش وتبكي بقوة، ففغرت غزل عينيها بدهشة وبسرعة أغلقت الباب وهرولت إليها تجلس بجوارها وتسألها باهتمام:
_مالك ياخلود إيه اللي حصل؟!
كانت تبكي فقط دون أي إجابة مما جعل غزل تنطق فورًا بسخط وهي تسألها للمرة الثانية:
_ ” علي ” عملك حاجة صح هو اللي خلاكي تبكي بالشكل ده؟!
وهذه المرة أيضًا لم تجيب خلود ففسرت غزل صمتها على أنه تأكيد على اعتقادها بأن ” علي ” السبب، فاستقامت ثأئرة وهي تقول بغضب:
_أنا هتصرف معاه.. لا وكمان عاوزني اتجوزه وهو بيرفع أيده على أخته ويعذبها كدا
قبضت خلود على رسغها قبل أن ترحل لتوقفها وهي تقول بصوت ضعيف:
_اقعدي يا غزل ” علي ” ملوش صالح بحاچة
توقفت غزل وهي تضيق عيناها بعدم فهم متسائلة عن السبب.. أن لم يكن أخيها فما هو السبب إذًا، حتى سمعت الرد من خلود وسط بكائها وهي تقول:
_مروان!
تطايرت الأسئلة في عقلها أكثر بعد ذكرها لاسم مروان، وجلست مجددًا بجوارها وهي تتساءل بتعجب:
_ماله مروان؟!
خلود بصوت منكسر وموجوع:
_عرف كل حاچة سمير قاله والله اعلم حكاله إيه ولا إيه اللي قالوا ليه
هتفت غزل بجدية:
_طيب وانتي متصلتيش بيه ليه وفهمتيه؟!
رفعت خلود أناملها تجفف دموعها وقالت بيأس وقلب منفطر:
_مكنش بيرد عليا وبعدين تلفونه اتقفل واصل، مروان مستحيل يبص في وشي تاني بعد اللي عرفه واللي حكهاله سمير
زمت غزل شفتيها للأمام بضيق ثم سألتها في حيرة:
_طيب هتعملي إيه دلوقتي، هتتخلي عنه يعني وتسبيه مقتنع بالكلام اللي قاله جوزك وتخسريه
خلود بقلة حيلة وانهيار شديد بسبب بكائها:
_اعمل إيه ياغزل أنا حاولت أوصله معرفتش وخايفة وقلقانة عليه قوي
التزمت غزل الصمت وراحت تحك في ذقنها بتفكير في حل تساعدها من خلاله في الوصول إليه، حتى قالت فورًا مبتسمًا بخبث عندما قذفت في عقلها فكرة جنونية:
_لقيتها.. بكرا انا وأنتي هنروح البيت عنده وهناك اتكلمي معاه واحكيله الحقيقة وفهميه، اصل مفيش حل غير كدا وهو مش هيرد عليكي للأسف لأن واضح أن جوزك ضاف بهارات زيادة على الطبخة
اتسعت عين خلود بصدمة وردت بالرفض والخوف الشديد:
_لا بيت إيه أنتي عايزة ” علي ” يقتلني.. مقدرش اعمل أكده ده أنا بكلمه وبتصل بيه من وراه ولو عرف أني بكلمه هيقطع رقبتي
غزل بشجاعة وعدم مبالاة كاملة بأي نتائج ستترتب على قرارهم المتهور هذا:
_ملكيش دعوة بـ ” علي ” عندي أنا، انتي اسمعي الكلام واعملي اللي قولتلك عليه قبل ما تخسري مروان تمامًا، ومتقلقيش محدش هيعرف أصلًا أننا روحنا أنا هقولهم أننا طالعين نتمشى شوية وانا حبيت اطلعك تغيري جو
هزت خلود رأسها بالرفض وقالت في قلق شديد:
_لا لا ياغزل نفكر في أي حل تاني لكن ده لو ” علي ” وچدي شموا خبر مش هيسموا عليا وحتى انتي مش هتسلمي من عقابهم بلاش
غزل بإصرار وحدة امتزجت بغضبها:
_أنا مبخفش من حد ومحدش يقدر يلمسني ولا حد هيقدر يلمسك طول ما أنا موجودة، ولو خوفك هيسمحلك تضيعي الراجل اللي بيحبك فـ أنا مش هسمحلك، يلا بقى قومي اغسلي وشك ونامي وارتاحي عشان بكرا الصبح نطلع ونروحله
أنهت عباراتها القاطعة واستقامت واقفة ثم قالت لها مودعة إياها:
_يلا تصبحي على خير
راقبتها خلود بنظراتها وهي تفكر في عرضها رغم خوفها من أخيها وجدها إلا أنها تريد بشدة رؤيته والتحدث معه، ولا تعرف هل تستمع لغزل وتتحمل النتائج أي كانت ستكون أم ترفض العرض.
***
بمكان آخر داخل سيارة بلال كانت تجلس بجواره حور وهم في طريقهم لمنزلها بعد عودتهم من سير على الأقدام دام لساعات داخل السوق وهي تبحث عن أشياء ضرورية تحتاجها في زفافهم الذي سيقام غدًا، وطلبت منه أي يشاركها هو بالأخص في اختيارهم.
التفتت برأسها للخلف إلى المقعد الخلفي في السيارة والممتلأ بالأكياس فابتسمت برقة وقالت له بدلع:
_أنا حاسة أني تعبتك أوي معايا يابيبو
رمقها بطرف عيناها مستنكرًا ذلك اللقب الجديد الذي تلقيه على مسامعه لأول مرة ثم قال لها مازحًا بتعب:
_عارفة ياحور أنا هاين عليا اطلقك قبل ما نتچوز على اللي عملتيه فيا ده
فغرت فمها وعيناها بصدمة وراحت تجيبه بعبوس معاتبة إياه:
_اخص عليك يابلال ده كلام برضوا تقوله واحنا فرحنا بكرا، لا زعلت منك بجد
أجابها بعدم اكتراث مزيف وغيظ:
_ازعلي ياختي، يعني أنا راچل شقيان وتعبان طول النهار في الشغل وانتي تخليني افضل الف طول الليل معاكي على حچات تافهة عايزة تاخدي رأي فيها
كبحت رغبتها في الضحك وتصنعت الانزعاج والحزن وهي تسأله:
_تافهة!!.. أنت قصدك إني تافهة يعني وبحب الحجات التافهة زي
زم شفتيه للأمام ببرود وقال بابتسامة مستفزة:
_أنا مقولتش إكده أنتي اللي بتقولي!!
هذه المرة انزعجت حقًا منه فقالت بغضب وحدة:
_بلال وقف العربية ونزلني أنا هروح وحدي
تجاهلها ولم يجيبها فعادت هي تطلب منه نفس الطلب بغضب أكثر مما جعله يرمقها بحدة ويهتف بصوت رجولي مخيف:
_انزلك إيه بلاش چنان واعقلي!
سكنت مكانها مجبرة بعد نبرته ونظراته الصارمة لكنها مالت بوجهها للجهة الأخرى بعيدًا عنه كدليل على انزعاجها منه وعدم رغبتها في النظر إليه، أما هو فتأفف بقلة حيلة ومسح على وجهه وهو يستغفر مكملًا قيادته للسيارة في طريق المنزل، وفور وصولهم وتوقف السيارة همت هي بفتح الباب والنزول لكنه قبض على رسغها ليوقفها هاتفًا بجدية:
_استنى رايحة وين؟!
حور بضيق ونظرة قوة:
_هطلع البيت إيه في مشكلة في دي كمان ولا إيه!
ابتسم بحب ثم رفع يدها لفمه وقبل باطنها بحنو متمتمًا لها:
_متزعليش أنا كنت بهزر معاكي ياحوريتي
تصنعت الامتناع والغضب في اول خمس ثواني لكن سرعان ما خرت مستسلمة وابتسمت له بهيام ثم قالت في خفوت:
_ماشي سماح المرة دي بس عشان انا فعلًا تعبتك معايا وعشان فرحنا بكرا ومش حابة نبقى متخاصمين
مال ثغره للجانب ضاحكًا بسخرية وهو يجيبها:
_ياسلام كتر خيرك والله افضالك كترت عليا قوي
بادلته الضحك في صمت مغلوبة منه ومن مزاحه الذي لا ينتهي أبدًا بينما هو فمال عليها بنظرة لعوب فارتبكت منه وتراجعت برأسها للخلف فورًا هاتفة بحدة:
_بلال بتعمل إيه احنا في الشارع!!!
تابع بنفس نظرته اللعوب ونبرته الوقحة وهو يتحدث بكل جرأة:
_ما أنا عارف.. أنا كنت بس هقولك اطلعي ياعروسة يلا ودعي بيتكم وسريرك وناسك عشان دي آخر ليلة هتنامي فيها معاهم من بكرا هتنامي في حضني أنا
تسارعت نبضات قلبها وسيطرت حمرة الخجل على وجنتيها وهي تحدقه مندهشة مما قاله، ولأول مرة تشعر بلسانها ينقعد ولا تستطيع الرد عليه أو حتى توبيخه كما اعتاد منها، وكان الرد الوحيد منها هو أنها فتحت باب السيارة ونزلت بسرعة كأنها تهرب منه ثم فتحت الباب المقعد الخلفي وحملت أكياسها واغلقته، لتسمعه يقول لها ضاحكًا:
_استنى انا هطلعلك الكياس دي للبيت سبيها
قذفت بعقلها احتمالية أن يستغل المصعد أو السلم في البناية ويستمر في إلقاء تلك الكلمات الجريئة على مسامعها لكي يخجلها أكثر فهتفت فورًا تجيبه برفض قاطع:
_لا لا لا خليك هي مش تقيلة أنا هطلع بيها بالاسانسير أصلًا
كان يضحك بقوة عليها وقال وسط ضحكه بغرام:
_طيب تصبحي على خير ياعروسة
ردت حور بصوت سمعه بصعوبة بسبب خجلها:
_وأنت من أهله
راقبها وهي تعبر الشارع وتدخل البناية ومازالت الابتسامة العاشقة تستقر فوق ثغره، وبعدما تأكد من وصولها بآمان، انطلق بالسيارة متجهًا إلى المنزل هو أيضًا.
***
عودة لمنزل خليل صفوان……
خرجت غزل من غرفة خلود وبينما كانت في طريقها لغرفتها اصطدمت بـ ” علي ” الذي يبدو عليه أنه عاد للتو من الخارج، توقفت وهي تنظر له بصلابة ثم وجدته يسألها بحزم:
_كنتي وين؟!
رفعت حاجبها باستنكار من سؤاله السخيف وهو يسألها أين كانت وهي داخل المنزل لم تخرج منه، وعلى الرغم من ذلك ردت عليه بمضض وهي تهم بالانصراف:
_كنت عند خلود
قبض على ذراعها وجذبها معه عنوة هاتفًا:
_تعالي معايا عاوزك
حاولت التملص من قبضته لم تستطع فصاحت به غاضبة:
_سيب ايدي أنت مجنون، واخدني على فين!
وصلا إلى غرفتها فوجدته يفتح الباب ويدخل وهو يجذبها خلفه ثم اغلق الباب وترك يدها وراح يتقدم نحوها بخطوات متريثة كأسد على وشك الانقضاض على فريسته، فتقهقرت للخلف خوفًا منه حتى اصطدمت بالحائط وهمست محذرة إياه بسبابتها:
_” علي ” get out of my room ( اطلع من اوضتي )
رفع يده وبكل بساطة وعدم مبالاة لتحذيرها لها امسك بسبابتها وانزله وهو مازال يعلق نظره عليها بحدة مما زاد من ارتيعادها منه وبينما كانت على وشك أن تتحدث مجددًا سبقها هو بعبارته التي لا تضمر في ثناياها خير أبدًا:
_فكرتي ولا لسا ياعروسة؟!!
تفادت النظر لوجهه خوفًا من نظراته وخجلًا من قربه منها:
_اطلع برا يا ” علي ”
هتف وهو يصر على أسنانه بغيرة قاتلة:
_أنا متخلف ورچعي وبربري وأنا وأنتي مختلفين عن بعض في التفكير بسبب البيئة اللي اتربينا فيها، والعريس اللي هتفكري توافقي عليه أو لا چاي من هولندا مش إكده!!!
كانت ستنفجر ضاحكة لكن تمالكت نفسها بصعوبة وبقت ساكنة وجامدة أمامه حتى وجدته يكمل بنظرة نارية:
_أنتي بتعملي كل ده عشان تخليني اتچنن اكتر واغير عليكي مش إكده!!
لمعت عيناها بوميض مختلف وظهرت بسمتها الخبيثة ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت له بغنج:
_وأنت غيرت عليا بجد يعني؟!!
تجاهل سؤالها ونظراتها الماكرة ومال عليها يحذرها بغضب حقيقي ونبرة لا تحمل المزح أبدًا:
_العريس ده هترفضيه ياغزل لو مش عاوزة الراچل يتأذي بسببك فهمتي ولا لا
اطالت نظراتها الواثقة له وهي تبتسم بمتعة بينما هو فاستدار وهم بأن يفتح الباب وينصرف فوجدها تعترض طريقه وتقف أمامه وهي تسد الباب بجسدها الناعم والصغير مقارنة بطول جسده الرجولي وعرضه:
_أنت دخلت برضاك ومش هتطلع غير لما أنا اسمحلك وتجاوب على سؤالي
مال بوجهه للجانب وهو يتأفف بنفاذ صبر ثم قال بخشونة:
_سؤال إيه؟!
عادت تعقد ذراعيها أسفل صدرها مجددًا وتعيد طرح سؤالها وهي تبتسم باستمتاع:
_غيرت عليا ولا لا ؟
تلك الفتاة تارة تدهشه بخجلها وبرائتها وتارة تدهشه بجرأتها وعدم مبالاتها لأي شيء، فمال ثغره للجانب في ابتسامة مريبة ورفع أناملها لخصلات شعرها ليمسكهم ثم يبعدهم عن وجهها ويعيدهم خلف أذنها بكل رقة ونظرة محبة على عكس نبرة صوته التي تتناقض مع نظرته وحركات يده الحنونة:
_دي مش غيرة ياحبيبتي، لو عاوزة تشوفي الغيرة اللي على حق ابقي وافقي على العريس ده
ثم مسك خصلات شعرها من الأطراف ورفعها لانفه يشم رائحتها المسكرة وبعدها نزل بهم لفمه يقبلهم وهو يبتسم لها بطريقة عجزت عن فهمها أهي حب منه أم تحذير وغضب، لكنها لم تهتم بتفسير الابتسامة بقدر ما تحاول فهم ما يفعله وسط صدمتها منه، ثم وجدته يبعدها برفق عن الباب ليفتحه ويرحل ويتركها في ذهولها مما حدث للتو وراحت تردد خلفه بعدم استيعاب:
_حبيبتي!!!!
ثم امسكت بخصلات شعرها التي قبلها ونظرت لهم بصدمة حتى ضحكت بعدم تصديق لكن سرعان ما تحولت الضحكة الساخرة تدريجيًا لخجلة ممتزجة بمشاعر جديدة تستحوذ عليها وعينان تلمع بوميض العشق.
***
بصباح اليوم التالي في مدينة مرسى مطروح………
أغلقت فريال الحقائب بعدما وضعت كل ملابسهم ثم صاحت منادية على أولادها:
_معاذ.. عمار خلصتوا؟
ردوا عليها بصوت واحد من داخل الغرفة الداخلية هاتفين:
_ايوة خلصنا
فريال بعجلة شديدة:
_طيب يلا عشان نتحرك ونلحق نوصل قبل فرح خالكم وأنا هشوف ابوكم راح وين وأتاخر ليه
خرجوا من غرفتهم الصغيرة وجلسوا على الأريكة أمام والدتهم يتابعوها وهي تتحرك بخفة في كل شبر في الغرفة من فرط استعجالها تحاول لململة كل شيء لهم وتتأكد أنها لم تنسى شيء، ثم امسكت بالهاتف وأجرت اتصال بزوجها فلم يجيبها، فتأففت بغضب ونفاذ صبر وجلست على الفراش منتظرة وصوله، بتلك الأثناء استحوذ عليها نفس الشعور بالتقيأ التي يتردد عليها باليوم مرتين تقريبا فاستقامت واقفة وهرولت إلى الحمام لتتقيأ وتفرغ ما في معدتها، وبعدما توقفت رفعت رأسها ونظرت في المرآة بتفكير عندما بدأ شكها في الأمر يتحول لتأكيد قررت أن تقطع الشك باليقين وخرجت من الحمام واتجهت إلى حقيبة يدها الصغيرة ودست يدها فيها تلتقط اختبار الحمل الذي اشترته بالأمس بعدما شكت بأمرها ودخلت الحمام مجددًا لكي تقوم بعمل الاختبار، وبعد مرور ما يقارب العشر دقائق داخل الحمام خرجت وهي على ثغرها ابتسامة عريضة وتحدق في الاختبار بيدها الذي يعطي نتيجة شرطتين تؤكد وجود حمل، لاحظ الأولاد سعادة امهم وتحديقها في ذلك الشيء الغريب في يدها فاقتربوا منها وجلسوا بجوارها ليسألها معاذ:
_إيه اللي في يدك ده ياما؟!
رفعت رأسها ونظرت لها وهي تضحك بفرحة غامرة وتحمد ربها فضيقوا عيناها باستغراب أكثر وهذه المرة كان السؤال من نصيب عمار الذي سألها بفضول شديد:
_ليه فرحانة إكده قوليلنا؟
أجابتم فريال بحنو بعدما اخذت نفسًا عميق:
_تمام هقولكم بس اياكم حد فيكم يچيب سيرة لأبوكم دلوك
هزوا الاثنين رأسهم بالموافقة في وقت واحد بينما هي فقالت بعين لامعة:
_قربب هيبقى عندكم أخ تاني
قفزوا هم الاثنين فرحًا وهو يصرخون لكن عمار عبس بمجرد تذكره لأخته الصغيرة وقال لأمه بحزن:
_بس احنا عايزين أخت تاني زي حبيبة
اختفت بسمة فريال عندما ذكرها بابنتها الصغيرة التي فارقتهم وتلألأت العبرات في عيناها لمن سرعان ما ابتسمت وانحنت على رأس كل واحد منهم تقبلهم بحنو أمومي هامسة:
_ان شاء الله ياحبيبي، وكل اللي يچيبه ربنا حلو، بس المهم محدش يقول لأبوكم حاچة
رد معاذ بذكاء وهو يضحك:
_هتعمليها مفاجأة ليه صُح؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبادلهم الضحك لكنهم توقفوا عن الضحك فور سماعهم لصوت الباب ينفتح وعندما التفتوا وجدوا جلال وصل فاستقاموا واقفين وهرولوا إليه يرتموا عليه ويعانقوه بحرارة وكأنه كان غائب عنهم لشهور وليس لساعات، غضن هو حاجبيه بتعجب ورفع نظره يحدق بزوجته السعيدة فابتسم عليهم وسأل:
_خير في إيه، مبسوطين إكده ليه؟.. ده أنا قولت هرچع الاقي أمكم متعصبة مني عشان اتأخرت!
طالعت فريال اولادها بنظرة حازمة فالتزموا الصمت وردت هي على جلال بوجه بشوش:
_ولا حاچة كنا بنتكلم عن فرح بلال وهنعمل فيه إيه، بس ده ميمنعش أني اتعصبت منك صُح بسبب التأخير، كنت وين ده كله!
رد جلال رغم عدم اقتناعه بالسبب الذي بررت به فرحتهم الغريبة هذه:
_الطريق كان زحمة، لو خلصتوا يلا بينا
دخلوا الأولاد لغرفتهم بسرعة لكي يرتدوا أحذيتهم بينما هو فاقترب من فريال التي تحدقه بابتسامة عجيبة ولديها حماس غريب ثم وقف أمامها مباشرة وهمس لها غامزًا:
_أنتي في حاچة مخبياها عليا ولا إيه يافريال؟!
انطلقت منه ضاحكة قوية واجابته مغلوبة:
_هو أنت مفيش حاچة بتستخبى عليك واصل
هز رأسه بالنفي في خفة وهو يبتسم بينما هي فمدت يدها تعبس في ملابسه بدلال وتقول:
_هو الصراحة في بس مش هقدر اقولك دلوك
جلال باستغراب وعدم فهم:
_مش هتقدري ليه؟
تابعت بنفس نظرتها المتدللة وصوتها الناعم:
_عشان هعملك مفاچأة ومتسألش أمتى أنا قولتلك أن في مفاچأة وملكش صالح عاد بالباقي
أجابها جلال مبتسمًا باستسلام:
_ماشي يافريال مش هسأل لما نشوف إيه المفاچأة دي
مالت عليه وطبعت قبلة حارة بجانب ثغره جعلت عيناه تلمع بوميض العشق والرغبة ليميل هو أيضًا عليها ويخطف قبلة سريعة قبل خروج الأولاد.
***
خارج أحد المراكز التجارية الكبيرة كان بشار يقف مستندًا على سيارته عاقدًا ذراعيه أمام صدره ويحدق في بوابة المركز منتظر خروج حبيبته، وبعد خمس دقائق تقريبًا خرجت وهي تحمل بين يديها أكياس ممتلئة بالأشياء التي اشترتها، فتقدم هو إليها بخطواته الواثقة وعلى ثغره ابتسامة عريضة ليجدها ترمقه بذهول وهي متسمرة بأرضها، وعندما وصل إليها انحنى عليها ليحمل عنها الأكياس هاتفًا:
_الچمال ده كله مينفعش يشيل أكياس وشيل أبدًا
راقبته وهو يحمل عن يديها الأكياس بعدم استيعاب ثم ابتسمت على عبارته مغلوبة وقالت له بحزم:
_أنت عرفت أنا فين أزاي؟!!
رد عليها مازحًا متجاهلًا سؤالها:
_ده بدل ما تقوليلي أنا آسفة عشان طلعت من غير ما اقولك، ينفع تطلعي من غير علم خطيبك وچوزك المستقبلي
مسحت على وجهها بنفاذ صبر منه وهي تستغفر ربها وتقول محاولة التحكم بانفعالاتها:
_ياربي هيشلني!
نظرت له فوجدته يضحك ببرود لتقول له مغتاظة تجيب هي على سؤالها:
_نور اللي قالتلك صح؟
لم يجيب وفضل الصمت بدل ما الإجابة على هذا السؤال أما هي فقالت متوعدة لشقيقتها:
_ماشي أنا حسابي معاها في البيت
بشار بحنو ونظرة مغرمة:
_طيب تعالي يلا عشان اوصلك البيت
ردت بالرفض القاطع وهي تهم بأخذ الاكياس من يديه:
_لا أنا هروح وحدي وهات الأكياس من فضلك
تبدلت تعابير وجهه للحدة ثم هتف وهو يبعد يديه عن محاولاتها لأخذ الأكياس:
_مريم بلاش تضايقيني عاد، أنا مش هاكلك يعني وبعدين أنا ليا ساعة مستنيكي تخلصي
تأففت بنفاذ صبر وقالت في جفاء:
_وتستناني ليه أصلًا!!!
بشار بكل وضوح دون مراوغة في الحديث:
_عشان وحشتيني وعاوز اشوفك
أطلقت زفيرًا بقلة حيلة عندما وجدته يشير لها بعيناه أن تتجه إلى السيارة، ففعلت على مضض لتتخلص من الحاحها فهو لن يتركها تذهب وحدها.
فتحت باب المقعد المجاور له واستقلت فيه بينما هو فاستقل بجوارها في مقعده المخصص للقيادة ونظر لها بهيام مبتسمًا ثم يردف مازحًا ومتعمدًا إثارة جنونها:
_كنتي بتشتري إيه عاد، أكيد حچات تخص چهازك لشقتنا مش إكده؟
رفعت حاجبها مندهشة لكن سرعان ما حصل على رد شرس وعنيف منها وهي تقول بغل:
_آه فعلًا كنت بشتري سكاكين عشان انتقم منك بيهم
قهقه بقوة واجابها وسط ضحكاته الرجولية الجميلة وهو يغمز لها بحب:
_وماله هو أنا اطول اموت على يدك
اشاحت بوجهها بعيدًا وهي تضحك بصمت مغلوبة على أمرها منه وتهمس:
_لا حول ولا قوة إلا بالله، طب أقوله إيه تاني ده ياربي مفيش حاجة بتأثر فيه أبدًا
بينما بشار فقد انطلق بالسيارة يقودها في طريق منزلها وهو بين كل لحظة والأخرى يختلس النظرات إليها خفية بعشق، بعد دقائق طويلة نسبيًا توقف بالسيارة أمام منزلها وقبل أن تهم بالنزول أوقفها بصوته:
_استني متنزليش
نظرت له بعدم فهم فوجدته يمد يده في المقعد الخلفي ويلتقط علبة مستطيلة وكبيرة نسبيًا ثم يعطيها له ويقول بحب:
_النهاردة فرح بلال واد عمي وعاوزك تكوني چاري، أنا عزمت أبوكي وأمك وأخواتك وهما چايين وكمان خدت الأذن من أبوكي أني اخدك معايا قبلهم وهما ياچوا ورانا براحتهم
نظرت للعلبة التي بين يديها بعدم فهم فسمعته يكمل بصوت دافيء:
_البسيه بليل
اطالت النظر في العلبة بعدم أدركت على ماذا تحتوي ثم رفعت رأسها لبشار ورمقته بقوة قبل أن تمد العلبة لتعطيه إياها مجددًا هاتفة:
_بشار كفاية أنا قولتلك مليون مرة اللي بينا انتهى، أنا منتظرة بس بابا يخف وهـ………
قاطع كلماتها بنظرة ثاقبة وصوت جاد تملأه مشاعر الحب:
_مريم اديني فرصة.. أنا عارف ومتأكد أنك بتحبيني اديني فرصة وصدقيني مش هخون حبك ولا ثقتك دي واصل، ولو حسيتي أني مبحبكيش أو ضيعتها وقتها اعملي اللي أنتي عاوزاه، لكن متحكميش علينا بالموت وأنتي بإيدك تنقذينا، واحنا لسا في طريق طويل قصادنا، والطريق ده أنا مش هقدر اعديه وحدي ومن غيرك
أنهى كلماته ثم وضع العلبة بين يديها مجددًا وقال مبتسمًا بحب وتفهم:
_خليها معاكي وفكري في كلامي زين، لو وافقتي هعتبرها إشارة بإنك مستعدة تديني فرصة تاني
طالعته مطولًا بتفكير وحيرة ثم تنهدت الصعداء بقوة وحملت العلبة والأكياس الخاصة بها ونزلت من السيارة وسط نظراته العاشقة لها…
***
بمكان آخر كان عمران أيضًا ينتظر زوجته بجوار السيارة حتى تنتهي من تسوقها وشرائها لما ستحتاجه في حفل الزفاف بالمساء، وكان يحمل بين يديه ابنه الصغير ويلاعبه ويضحك معه، حتى رأى آسيا وهي تقترب عليهم من بعيد بعدما انتهت من التسوق، لكن فجأة سقطت عينه بمحض الصدفة على رجل تارة ينظر لزوجته وتارة له بنظرات مفعمة بالشر والحقد، عندما دقق النظر في وجهه تذكر أنه من رجال صابر، فتقوست تعبيرات وجهه بشكل مرعب بالأخص بعدما تلاقت نظراتهم معًا، ثم عاد عمران ينظر لزوجته فوجدها وصلت إليه تقريبًا وفور وصولها قال لها بنظرة صارمة:
_اركبي يلا بسرعة
سألته آسيا باستغراب:
_في إيه ياعمران؟!!
عمران بغضب وصوت رجولي مخيف:
_قولتلك اركبي يلا من غير اسألة كتير
حملت منه ابنها وهو أخذ منها الأكياس ووضعها بالمقعد الخلفي بينما هي فاستقلت بالمقعد الأمامي بينما هو ففتح الباب وقبل أن يستقل بمقعده التفت برأسه إلى ذلك الرجل وأرسل له نظرة متوعدة ثم جلس بجوار آسيا في مقعد القيادة وانطلق بالسيارة وسط نظراتها المتعجبة والمستفهمة له، وعادت تسأله مجددًا بقلق:
_عمران هو في حاچة حصلت ولا إيه؟!
رد عليها بالرفض دون أن ينظر لها:
_لا مفيش حاچة أنا مستعجل ومعايا كام مشوار بس مع بلال
رغم عدم اقتناعها لكنها صمتت ولم تسأل مرة أخرى، أما هو فكان يضغط على مقود السيارة بشراسة من فرط الغيظ وهو يتوعد لصابر ورجاله فور انتهاء زفاف أخيه، بعد دقائق قصيرة لاحظت آسيا أنه يقود بطريق مختلف عن طريق منزلهم فسألته بحيرة:
_أنت رايح وين ياعمران مش ده طريق البيت!!
عمران بصوت رجولي قوي:
_رايحين بيت أبوي هتقعدي هناك لغاية ما يخلص الفرح
آسيا بعدم فهم تساءلت:
_ليه هو أنا مش متفقة معاك هقعد في البيت ونطلع من بيتنا على الفرح
هتف بعصبية ولهجة صارمة لا تقبل النقاش:
_لا متقعديش وحدك، هتروحي تقعدي في بيت أبوكي ومتكتريش في الكلام يا آسيا
ضيقت عيناها بدهشة من انفعاله الغريب وقالت له بسرعة في طاعة تامة ونبرة هادئة:
_طيب خلاص أنت متعصب إكده ليه أنا مقولتش حاچة أنا كنت بسأل بس ليه هنروح هناك
انتظرت منه رد لكنها وجدته مثبت تركيزه الكلي على القيادة ولم يرد عليها أو ربما كان عقله عالق بمكان وشيء آخر لا تعرفه، فلوت هي فمها بانزعاج بسيط ورغم ذلك التزمت الصمت ولم ترغب في إفساد اليوم وبهجة الزفاف بشجار على شيء ربما لا يستحق.
***
داخل منزل خليل صفوان…..
كان الجميع انتهي من تناول الفطار وكان ” علي ” يجلس مع الجد حمزة يشاوره في بعض تفاصيل العمل قبل أن يغادر فوجد شقيقته وغزل يقتربون منهم وهم يرتدون ملابسهم المخصصة بالخروج، وتحدثت غزل إلى حمزة هاتفية بابتسامة رقيقة:
_احنا طالعين ياجدو مش هتتأخر زي ما قولتلك، محتاج حاجة مننا
رد حمزة على حفيدته بحنو:
_لا ياحبيبتي عاوز سلامتكم خدوا بالكم من نفسكم
ثبت ” علي ” نظراته على شقيقته التي تتفادى النظر إليه قصدًا وقال بحدة موجهًا حديثه لخلود بالأخص:
_رايحين وين؟!
ردت غزل بدلًا منها بثبات تام:
_طالعين نتمشى شوية أنا زهقانة وكمان خلود مخنوقة شوية وحبيت اطلعها معايا، واخدت الأذن من جدو على فكرة
رمقها ” علي ” بنبرة مخيفة وقال بصوت صلب:
_وهو الأذن بيتاخد من چدو بس مش المفروض تاخدوا أذني أنا كمان ولا أنا مليش لزمة
تحدث حمزة وهو يضرب على قدم ” علي” بلطف هاتفًا في شدة:
_خلاص يا ” علي ” هي خدت أذني وأنا سمحتلها
ثم نظر حمزة لغزل وأشار لها بعيناه أن ينصرفوا فابتسمت لجدها بامتنان واستدارت هي وخلود متجهين نحو الباب وسط نظرات ” علي ” الدقيقة والممتلئة بالشك عندما رأى الخوف والارتباك على هيئة شقيقته، مما أكد له أنهم يخفون شيء ما ويفعلونه خفية عنهم.
فور رحيلهم نظر لجده وقال له بجدية وهو يستقيم واقفًا:
_أنا همشي عشان الحق الشغل، عاوز حاچة مني
هز حمزة رأسه له بالنفي بينما ” علي ” فأسرع في خطواته للخارج لكي يلحق بهم ويكتشف بنفسه ما الذي يخفونه عنهم………
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))