رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ندى محمود توفيق
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الحادي والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الحادي والثلاثون
رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الحادية والثلاثون
بتر بقية عباراتها وكتم على فمها بكفه ثم رفع سبابة يده الأخرى وأشار بها على فمه هامسًا بنظرة محذرة وغاضبة:
_ششششششش
طالعته باضطراب وخوف بعد تلك النظرات، ثم أبدت عن سكوتها التام أمامه وارخت جسدها حتى يتأكد أنها لن تحدث ضجة وتصيح، فأبعد هو اصبعه عن فمها ومازالت تلك النظرات المريبة يرمقها بها، لكن أظهرت الثبات والثقة أمامه وهي تسأله بحدة:
_ممكن تفهمني بتعمل إيه هنا في اوضتي وعايز إيه؟!
راقب تعبيرات ها وأسلوبها الفظ معه وازداد حنقه منها أكثر فراح يجز على أسنانه ويعض شفته السفلية أمامها في محاولة لكظم غيظه عنها، أما هي فارتبكت من ذلك التصرف وخافت أن يتهور وينفعل عليها، لكنه تحكم في جموحه وازدادت نظراته رعبًا وهو يسألها مباشرة دون مراوغة:
_أنتي كنتي بتحبي حد في أمريكا وعلى علاقة بيه؟!
اتسعت عين غزل بصدمة من سؤاله الجرئ الذي يعتبر إهانة صريحة منه، فاستاءت بشدة وصاحت به منفعلة:
_احترم نفسك إيه على علاقة بيه دي وبعدين أنت مالك!!
اغلق على قبضة يده بقوة من فرط العصبية وهتف محذرًا إياها بغضب هادر:
_بلاش تچننيني بكلمة أنت مالك دي، ولما أنتي مبتحبيش حد مش عاوزة توافقي تتچوزيني ليه؟!
مالت برأسها للجانب الآخر وضحكت بسخرية بعدما فهمت سبب هذا الثوران الذي يستحوذه، ثم عادت بوجهها تنظر إليه وتجيب بثبات:
_عشان مش عايزاك يا ” علي ” !
أصابت قلبه بردها القاسي لكنه لم يظهر لها تأثره وهدأ غضبه قليلًا حتى أن عضلات وجهه المتشنجة ارتخت وراح يسألها بفضول حقيقي وضيق اتضح في صوته، مهما حاول إخفائه لن ينجح في ذلك:
_ومش عاوزاني ليه عاد، إيه يعيبني ولا ينقصني عن بقية الرچال مثلًا ؟!!
اندهشت من رده الغريب وقالت له بحزم وجدية:
_إيه التفكير الـ weird ده، أكيد أنت مفيش أي حاجة نقصاك وبالعكس أنت الف واحدة تتمناك، بس الفكرة أني مش حاسة ناحيتك بمشاعر
للمرة الثانية تطعنه في قلبه بسهومها القاسية، وهذه المرة ظهر عليه الضيق الشديد ورأت على تعبيرات وجهه الألم، فأخذ هو نفسًا عميقًا وقال لها مبتسمًا بمرارة:
_وأنا مش هغصبك ولا أچبرك عليا طالما معاوزنيش اعتبريني معرضتش عليكي الچواز من أساسه
ثم ابتعد من أمامها وهم بأن يفتح الباب وينصرف لكنها قبضت على رسغه واوقفته بسؤالها ونظراتها المترقبة لرده:
_” علي ” أنت عايز تتجوزني ليه؟
أخفض نظره ليدها الممسكة بيده واطال النظر إليها في أسى ثم جذب يده من قبضتها واجابها بسخرية وصوت رجولي قوي:
_خلاص عاد معدش له لزمة تعرفي السبب بعد اللي قولتيه، انتي كفيتي ووفيتي بكلامك ومخلتيش في مكان لحاچة تاني تتقال
فتح الباب بعدما انهي كلماته فتسمر بأرضه مندهشًا عندما رأى شقيقته أمامه، التي انتفضت فزعًا وراحت تحدق بأخيها في صدمة وعدم استيعاب أنه يخرج من غرفة غزل في الليل، هتف ” علي ” يسألها بغضب وثبات تام:
_بتعملي إيه إهنه؟
نقلت خلود نظرها بينه وبين غزل المرتبكة والخجلة ثم اجابته بهدوء ونظرات تنم عن الآف الأسئلة في عقلها:
_كنت چاية اتكلم مع غزل شوية في حاچة!!
التفت ” علي ” برأسه لغزل ورمقها بانزعاج ثم قاد خطواته مبتعدًا عنهم يتجه إلى غرفته، أما خلود فظلت مثبتة نظرها على أخيها بذهول وراحت تنقل نظرها إلى غزل بنفس النظرة لتجيبها غزل وتقضي على فضولها وصدمتها:
_تعالي ياخلود هفهمك كل حاجة، ادخلي
دخلت خلود كما دعتها غزل التي أغلقت الباب فور دخولها ليتحدثوا براحة دون أن يسمعهم أحد.
***
كانت مريم تقف متخفية بجوار باب الغرفة التي يجلس فيها كل من أبيها وبشار، وتستمع لحديثهم وهي فاغرة شفتيها وعيناها بصدمة مما تسمعه وما يتفقوا عليه، كيف له أن يأتي لمنزلهم بعدما فعله وما حدث بينهم ويتفق مع والدها على شيء كهذا، لقد انفصلت عنه وأعادت له خاتم الخطبة، ما يفعله الآن ليس له سوى تفسيرين أما أنه مجنون أو وقح.
هرولت مبتعدة من عند الباب عندما سمعت صوت خطوات أمها تقترب منها لكنها رأتها وسألتها باستغراب:
_بتعملي إيه يامريم عند الباب؟!
أشارت إلى فمها بالسبابة تحث أمها على خفض صوتها والسكوت وقالت لها بخفوت:
_ولا حاجة كنت بفكر ادخل بس لقيتهم لسا بيتكلموا
ابتسمت أمها التي لم تقتنع بكذبتها وقالت لها غامزة:
_اه لما يخلصوا أبوكي هيناديكي عشان تقعدي مع خطيبك متستعجليش مسيرك تعرفي بيتكلموا عن إيه
لوت مريم فمها باقتضاب بعدما فهمت أن أمها كشفت كذبها وابتعدت بخطواتها عنها متجهة إلى غرفتها، وفور دخولها وإغلاقها الباب هتفت متوعدة لبشار بغيظ:
_أنت فاكر أنك كدا هتحطني قدام الأمر الواقع يعني، ماشي يابشار ابقى وريني هتخليني ارجعلك ازاي!
جلست على فراشها واخذت قدميها تهتز بقوة من فرط العصبية، منتظرة إنهاء حديثهم حتى تذهب وتجلس مع بشار بمفردهم، ولم يدم انتظارها طويلًا حتى وجدت باب غرفتها ينفتح وتخبرها والدتها بأن تذهب لتجلس مع بشار، فاستقامت فورًا وقادت خطواتها الثائرة إلى غرفة الجلوس حيث ينتظرها فيها.
كان بشار يجلس براحة على المقعد حتى وجدها تقتحم عليه الغرفة كالوحش وتندفع لتجلس على المقعد المجاور له وتقول له منفعلة:
_أنت بتعمل إيه هنا، وبعدين ازاي تتفق مع بابا على معاد الفرح وكتب الكتاب، واحنا انفصلنا
بشار بجدية وصلابة:
_لا احنا منفصلناش وأنا موافقتش على الانفصال ده، أنتي اللي عاوزة تفسخي الخطوبة مش أنا
مريم بغضب شديد وقسوة:
_وأنا عايزة افسخها ليه مش عشان أنت كذبت عليا وخدعتني وكنت بتخوني
انفعل وكان سيصيح بها لكنه تحكم في نبرة صوته وقال باستياء:
_صحيح أنا كذبت عليكي لكن مخنتكيش يامريم
هتفت بإصرار على رأيها ونقم شديد:
_هو أنت فاكر الخيانة جسدية بس، طالما قلبك كان مع واحدة غيري وانت مرتبط بيا يبقى اسمها بتخوني بمشاعرك
رفع يده ومسح على وجهه متأففًا بضيق وحزن ثم نظر لها بحب وقال متوسلًا إياها معتذرًا:
_مكنش بإيدي والله يامريم أنا كنت معمي ومش شايف الحقيقة وبعدين عرفت قيمتك، وصدقيني أنا من بداية خطوبتنا وأنا كانت نيتي أني اكمل معاكي وتكوني مرتي ويكون قلبي ليكي أنتي وبس، سامحيني واديني فرصة تاني اثبتلك حبي ليكي
اشاحت بوجهها بعيدًا عنه للجهة الأخرى وقالت في جفاء:
_أنا اديتلك مليون فرصة يابشار أنك تحكيلي الحقيقة بنفسك وأنت في كل مرة كنت بتختار الكذب وضيعت كل الفرصة اللي ادتهالك
هتف بانزعاج ويأس:
_يعني برضوا لساتك مصممة على اللي في دماغك!
هزت رأسها بالإيجاب وقالت في قوة:
_ايوة مصممة وكمان هقول لبابا على كل حاجة بعد ما تمشي
بشار بثقة تامة:
_مش هتقدري
ابتسمت بسخرية وردت:
_وده ليه بقى أن شاء الله؟!!
ماله بوجهه عليها واقترب منها وهو ينظر في عينيها بثقة وغرام ويهمس:
_عشان بتحبيني كيف ما أنا بحبك ورغم غضبك مني إلا أنك نفسك تديني فرصة ومتبعديش عني لكن كرامتك وعزة نفسك منعاكي، وعشان اكون حقاني انتي ليكي الحق في كل اللي بتعمليه وأنا مش طالب منك غير أن تسمحيلي اردلك كرامتك واعوضك واثبتلك أنك ملكة تستحقي أنك تتوچي على عرش قلبي
لمعت عيناها وهي تستمع لكلامه المعسول وغزله وتسارعت نبضات قلبها، حتى أنها شعرت للحظة أنها ستستلم له لكن عادت لرشدها بسرعة وضحكت باستهزاء مجيبة عليه:
_ماشاء الله واثق من نفسك أوي أني بحبك!
ابتسم على محاولاتها الساذجة في إظهار تجلد مشاعرها وكأنها لم يؤثر بها ما قاله، ثم استقام واقفًا وهمس لها غامزًا بعشق:
_أنا كنت هخسرك مرة واتخلي عنك بس مش هغلط نفس الغلط تاني، يعني أنا مش ههملك يامريم ولا هتخلي عن حبي ليكي واعتبريه وعد رچال مني أني هنول رضاكي واخليكي تسامحيني قريب
أنهى كلامه واتجه لباب الغرفة ليغادر لكن اصطدم بوالدتها التي كانت تحمل العصير فوق يديها وقالت له مندهشة:
_رايح فين بس يابني هو أنت لحقت!!
ابتسم لها بود وقال معتذرًا:
_معلش أصل ورايا شغل ومستعچل
_طيب كنت شربت العصير حتى الأول يابشار
التفت لمريم وابتسم لها بخبث ثم رد على أمها وهو يثبت نظره عليها:
_مرة تاني أن شاء الله يكون حلاوة كتب الكتاب كمان مش عصير بس
قهقهت أمها بقوة ثم ردت عليه بعذوبة ودفء:
_ربنا يسعدكم يابني ويتمملكم على خير يارب
رد بابتسامة عريضة:
_آمين يارب.. استأذن أنا عاد
خرجت أمها معه للخارج لكي تودعه بينما مريم فظلت جالسة مكانها وهي تشتعل غيظًا منه وتقول بعدم تصديق:
_اقوله أنا فسخت الخطوبة وانفصلنا وهو يقول كتب كتاب، ده إيه ده ياربي أنا مش فاهمة!!!
***
داخل منزل سمير، كان يجلس هو فوق الأريكة بالصالة أمام شاشة التلفاز وتدخل في حضنه فتاة ترتدي ملابس فاضحة تكشف أكثر مما تستر ويضحك معها ويبداعبها بوقاحة، حتى قطع جلستهم الرومانسية صوت جرس الباب فنظر لها وقال مبتسمًا بجدية:
_متتحركيش من إهنه أنا هقوم اشوف مين وارچعلك، ده تلاقيه البواب چاب الطلبات اللي قولتله عليها
هزت رأسها لها بالموافقة وهي تبتسم له بخبث فغمز لها بشهوانية ثم ابتعد عنها واستقام واقفًا متجهًا إلى الباب ليفتح وهو مرتديًا بنطال فقط وعاري الصدر، ومستعد لمقابلة البواب وأخذ طلباته منه لكنه اصطدم بعمران أمامه وهو ينظر له بوجه اشبه بوجه شبح عاد لينتقم، اضطرب سمير قليلًا لكنها حاول الوقوف بصلابة دون أي تراجع، أما عمران فتفحصه بنظراته من أسفله لأعلاه واستقرت عيناه عند رقبته عندما لمح أثر قبلة لأحمر الشفاة مطبوعة على بشرته، فمال ثغر عمران للجانب في بسمة شيطانية وهمس له:
_ده أنا شكلي إكده چيت في الوقت المناسب
ظهر اضطراب سمير بوضوح أكثر ولم يرغب في أن يخاطر أكثر فأعلن هزيمته عندما هم بغلق الباب في وجه عمران ليفلت من بين براثينه، لكنه دفع الباب بقوة قبل أن يغقله جعلت سمير يرتد للخلف وكاد أن يسقط على الارض لولا أنه تحكم في توازنه على آخر لحظة، وأشرف عليه عمران بهيبته وجسده العريض يخطو اولى خطواته لداخل منزله وهو ينظر له بشر منذر ويهمس:
_أنت يا***** تتچرأ وتوصل لغاية بيتي وتتهچم على مرتي
هتف سمير بغضب وحقد شديد:
_مرتك هي اللي بدأت كل ده رغم أني حذرتها وهي مسمعتش كلامي
ظهرت بسمة عمران المرعبة مجددًا التي رآه قبل قليل وتنم عن أن القادم سيكون أكثر رعبًا، فاقترب منه عمران بخطوة أخرى وراح سمير يتقهقهر للخلف خوفًا منه حتى سمع همس عمران الأقرب لفحيح الأفعى:
_أنت عارف أنا بعمل إيه مع الـ**** اللي بتتجرأ عليا وعلى أهل بيتي؟!
كان سمير على وشك أن يصرخ على فتاته التي في الداخل يستنجد بها لتتصل بالشرطة لكن عمران لم يهمله الفرصة لينكق بحرف واحد حيث غار عليه يلكمه بالضربات المتتالية، وبالكاد هو استطاع أن يرد لعمران لكمة واحدة مما أعطاه له عندما أخذ نفسه لكن عمران عاد يتحكم في الساحة مجددًا حتى سقط سمير على الأرض من قوة وعنف اللكلمات التي يتلقاها، فراح عمران يلكمه هذه المرة بقدمه في بطنه وجسده وهو يأن بألم مع كل لكمه ووجهه كله غرق بالدماء، توقف عمران أخيرًا عن لكمه لكنه انحنى عليه وجلس القرفصاء أمامه على الأرض ثم قبض على ذراعها ولفه خلف ظهره بعنف متعمد وقوة جعلت سمير يطلق صرخة عالية تأججت في المنزل كله، ليبتسم عمران ويهتف بشر وعينان مظلمة لا تحمل أي رحمة:
_ودي يدك اللي حاولت بيها تتهچم على بيتي، عشان بعد إكده عقلك ميوزكش ولا تفكر أنك تقرب من مرتي تاني، المرة دي كانت كسر المرة الچاية هتبقى قطع
ثم انتصب واقفًا وعندما من جلبابه وعباءته الصعيدية يهم بالانصراف لكنه لمح تلك الفتاة الساقطة التي تقف على مسافة تشاهد ما يحدث بعينان متسعة ورعب، فرمقها باشمئزاز على منظرها الذي جعله يرغب في التقيؤ للحظة ثم استدار وغادر المنزل تاركًا سمير يصرخ ويأن من الألم الشديد، وفور رحيله ركضت تلك الفتاة إلي سمير وسألته بقلق وخوف:
_سمير أنت كويس؟
حدقها شزرًا وصرخ بها متألمًا:
_كسرلي يدي وبتسأليني كويس ولا لا
قالت له باهتمام وارتباك:
_طيب قوم نروح المستشفى بسرعة يلا
بقى مكانه على الألم يتأوه ويصرخ من الألم الذي يأكل جسده كله وليس ذراعه فقط، أما هي فهبت واقفة وركضت إلى الغرفة لترتدي ملابسها بسرعة وعادت له وساعدته على الوقوف لكي يذهبوا للمستشفى.
***
داخل غرفة غزل بمنزل خليل صفوان…..
كانت خلود مازالت على وضعها تستحوذها الصدمة وهي تفكر أن ربما قد يكون هناك وضع ليس جيد بينها وبين أخيها فراحت تقول له بخوف وقلق:
_اوعي يكون اللي في دماغي صُح ياغزل، في إيه بينك وبين ” علي” وكان بيعمل إيه في أوضتك؟
ردت بسرعة غزل تنفي ظنون خلود وتشرح لها الأمر:
_لا لا مفيش حاجة من الكلام ده خالص والله، أنتي فاهمة غلط، أنا هفهمك واحكيلك كل حاجة من البداية
ارتخت عضلات خلود وهدأت نفسها المضطربة قليلًا بعدما اطمأنت أن الأمور على ما يرام وشكوكها خاطئة، وراحت تستمع لغزل وهي تسرد لها القصة منذ بداية وصولها للمنزل وكيف انتهى بها المطاف أنها حصلت على عرض زواج من أخيها، وأنهت حديثها بإخبارها بماذا كان يفعل في غرفتها الآن وماذا كان يريد، فسكتت خلود للحظات وعلامة التعجب تظهر على محياها وهو تقول مبتسمة:
_شكل ” علي ” وقع ولا حد سما عليه
لم تفهم مقصدها وراحت تتطلعها باستغراب حتى هتفت خلود مجددًا وهي تسألها بفضول:
_وانتي رديتي عليه قولتيله إيه دلوك طيب لما سألك مش عاوزة توافقي ليه؟
تنهدت غزل الصعداء بحنق وقالت في عبوس وهي تجفل نظرها أرضًا وتعبث في أصابعها:
_قولتله أني مش عاوزاه وأني مش حاسة ناحيته بمشاعر
اتسعت عيني خلود بذهول من ردها الجريء ثم لوت فمها بيأس فراحت غزل تردف بحزن شديد وندم تسألها:
_كنت وقحة أوي واحرجته صح؟
زفرت خلود بقوة وردت عليها مبتسمة بمكر:
_لا هو مش ده السؤال، لكن السؤال اللي المفروض بتسأل هل اللي قولتيه ليه حقيقي وأنتي صُح مش عاوزاه ولا حاسة ناحيته بحاچة
سكتت غزل وهي تحدق في خلود بشرود وكأن سؤالها ادهشها لأنها لم تتوقعه، والآن هي تتردد وتخجل في الإجابة بالحقيقة لكنها حسمت قرارها وردت وهي تطرق رأسها خجلًا:
_الصراحة كنت بكذب عليه، لكن أنا فعلًا مترددة وخايفة اوافق رغم أني منكرش اعجابي بـ ” علي ” لكن اختلاف أفكارنا والبيئة اللي اتربينا فيها وعقليتنا مخلياني حاسة أننا مش هنتفق مع بعض وهتكون علاقة فاشلة
ابتسمت خلود بود ثم رفعت يدها ومسحت على ذراعها بلطف متمتمة:
_بصي ياغزل أنا هكلمك عن تچربة وأنا اكتر واحدة فاهمة كويس قوي الكلام ده، ” علي ” مهما كان عنده عيوب كتير لكن كمان عنده مميزات كتير قوي، انا مش هقولك أخوي ملاك ومش بيغلط لكن هقولك مفيش حد كامل حتى أنتي والاختلافات دي اللي بينكم يمكن هي اللي تحلي حياتكم ومتكنش سبب في المشاكل زي ما أنت متخيلة، لو اتحطيتي في اختيار بين راچل بيحبك وراچل أنتي بتحبيه اختاري اللي بيحبك لأن هو ده اللي هيسعدك وهيصونك ويحافظ عليكي.. و” علي ” بيحبك وأنا عارفة اخوي كويس لما بيحب.. بيقيد صوابعه العشر شمع للي بيحبه
سكنت تمامًا وهي تستمع لنصائح خلود وأخذت تفكر في كلامها بعقلانية وحكمة، لكن مازالت لم تحسم قرارها النهائي والتردد يلازمها، ففهمت خلود وضعها وابتسمت لها باتساع ثم قالت لها برزانة:
_خدي وقتك وفكري زين قبل ما تاخدي قرارك ومتتسرعيش عشان متندميش كيف ما ندمتي دلوك على اللي قولتيه
مطت غزل شفتيها بأسى وقالت في عبوس شديد ويأس:
_تفتكري هو هيسامحني ولا هيبص في وشي تاني أصلًا بعد اللي قولته، أنا جرحت كرامته أوي
استقامت خلود واقفة وقالت لها ضاحكة وهي تغمز لها بلؤم:
_راضيه.. ولا أنتي عاد بتعرفي تزعلي الناس منك بس ومبتعرفيش تراضي
سألتها غزل بلهفة ورجاء:
_طيب ما تقوليلي اعمل إيه واصالحه ازاي، أنتي أخته وأكيد فاهمة دماغه
هزت خلود كتفيها بجهل وردت بالرفض القاطع:
_لا أنا معدتش بتدخل في حاچة واصل ودي حاچة بينك وبينه أنا مليش صالح بيكم، راضيه أنتي بطريقتك عاد أنا كان عليا النصيحة وقدمتها الحمدلله
زمت غزل شفتيها للأمام بيأس وزفرت بقلة حيلة، ثم ودعت خلود التي غادرت وتركتها تفكر في طريقة مناسبة وحل فعال لتجعله يسامحها، ولكن قبل كل هذا يجب عليها أن تحسم قرارها في أمر الزواج.
***
داخل منزل عمران الصاوي…..
كانت آسيا تقف بشرفة الغرفة تراقب الطريق بأعين متلهفة وقلقة على زوجها وتحمل بحضنها ابنها الصغير تهزه بلطف ليتوقف عن البكاء ثم نظرت له وهتفت بأعين ممتلئة بالدموع:
_كفاية بكا ياسليم حرام عليك أنا مش حاسة بروحي من كتر الخوف على أبوك اللي مرچعش لغاية دلوك
سالت دموعها فوق وجنتيها بغزارة لا إراديًا مجرد تخيلها أن يصيبه مكروه بسببها للمرة الثانية، هذه المرة لن تسامح نفسها أبدًا، ظلت تدعو ربها أن يحفظ زوجها لها ويعود سالمًا لمنزله، وكأن ربها استجاب لدعائها في لحظتها حيث رأت سيارته تقف أمام البناية ويخرج منها سالمًا، فاتسعت بسمتها واشرقت عيناها بفرحة غامرة وأخذت تشكر ربها وتحمده، ثم دخلت للغرفة بسرعة ومنها خرجت للصالة تنتظره فيها وهي تتنفس براحة حتى أن ابنها توقف عن البكاء كأنه يدرك كل شيء وهو أيضًا فرح لعودة أبيه.
دقائق معدودة حتى سمعت صوت المفتاح في الباب ثم انفتح ودخل هو ثم اغلق الباب خلفه وتحرك للداخل يقصد غرفته، لكنه توقف بمنتصف الطريق في الصالة عندما رآها تنتظره وهي حاملة ابنه في حضنها وتنظر له بعين تلمع بوميض العشق والفرحة، فتجاهلها وتصرف ببرود كأنه لا يراها ولا يبالي بها ثم اقترب منها وعيناه عالقة على ابنه وأخذه منها ليضمه لصدره هو يمطره بوابل من قبلاته ويداعبه بالكلام ويضحك معه بحنو أبوي.
ضيقت آسيا عيناها بحيرة من تصرفه معها، واختفت لمعة عيناها في ثانية وحتى بسمتها اختفت وحل محلها العبوس، لكنها لم تهتم كثيرًا وقررت أن تبادر هي في التحدث معه والاطمئنان عليه حيث سألته باهتمام:
_عمران أنت كويس؟
رد عليها بصوت ممتعض:
_أنتي شايفة إيه؟!
لوت فمها بندم وقالت في ضيق:
_أنا شايفة أنك لساتك زعلان مني
أجاب بحدة دون أن يحيد بنظره عن ابنه:
_كويس أنك عارفة
أطلقت تنهيدة حارة بشجن ثم سألته بقلق:
_طيب قولي عملت إيه، روحتله؟!
لم يكترث لها وتصرف كأنه لم يسمعها ثم اتجه إلي الغرفة مع ابنه، وظلت هي واقفة مكانها لثواني عابسة تفكر كيف ستنال رضاه عنها، ثم تحركت وسارت خلفه إلى الغرفة وعندما دخلت وجدته جالسًا بابنه على الفراش ويداعبه ويحادثه ويقهقه معه، رغم أن سليم مازال صغير ولا يعي حتى لحديث ولا مداعبة أبيه لكنه يشعر به ويسمع صوته فيسكن عليه، ابتسمت بحب وهي ترى تلك اللوحة الأبوية الدافئة ثم تقدمت منهم وجلست بجوار عمران ثم رفعت يدها وراحت تمسح فوق كتفه وهمت بأن تضع رأسها أيضًا عليه لكنها وجدته يبتعد عنها نافرًا بانزعاج ملحوظ ويهتف بجفاء:
_هو مفيش عشا ولا إيه!!!
تجمدت تعبيرات وجهها بعد عبارته وتعامله القاسي معها ثم أجابته بحزن:
_حاضر هقوم أحضرلك العشا
ابتعدت عنه ثم استقامت واقفة وغادرت الغرفة متجهة إلى المطبخ، وفور وصولها سقطت دمعة حارقة من عيناها وتتابعتها الدموع وراحت تبكي في صمت، واستمرت هكذا لدقائق حتى استعادت بأسها وبدأت في تحضير الطعام الذي استغرق تحضيره تقريبًا خمسة عشر دقيقة، ثم بدأت في نقل الصحون من المطبخ إلى طاولة الطعام بالصالة، وكان هو يجلس على الأريكة يشاهد التلفاز بعد نوم سليم ويراقبها خلسة دون أن تلاحظ وهي تضع الصحون على الطاولة، وبعد انتهائها استقام واقفًا ثم اتجه للطاولة وجلس على مقعده وبدأ في تناول الطعام، جلست هي على الأريكة وتابعته بترقب منتظرة منه أن يدعوها لتشاركه في تناول الطعام كما اعتادت منه، فهو لا يأكل ولا يجلس على الطاولة دونها أبدًا لكنه فعل هذه المرة ولم ينظر لوجهها وأكمل طعامه بكل أريحية متجاهلًا إياها كأنها نكرة لا وجود لها، شعرت بأنها ستفقد صوابها مجددًا وستنهار باكية فهبت واقفة فورًا واتجهت إلى غرفتها مسرعة قبل أن تفقد زمام التحكم بنفسها، أما هو فالتفت خلفه تجاه الغرفة بعدما انصرفت وتوارت داخلها وتأفف بحنق ثم عاد ونظر للطعام بعدم شهية، فقد كان ما يفعله للتو أمامه ماهو إلا عرض ليجعلها تدرك حجم الخطأ الذي ارتكبته ويثبت لها غضبه الحقيقي منها ومن كذبها عليه في أمر خطير كهذا قد يلحق بها وبابنه الأذى لو أخفته عنه.
***
في مدينة مرسى مطروح……
كانت فريال تجلس على الأريكة المقابلة للفراش وعيناها عالقة في الفراغ شاردة الذهن، الهدوء القاتل يهيمن على الغرفة بعد نوم أولادها في غرفتهم الداخلية، طال جلوسها وحيدة حتى أصابها الملل، فراحت تزفر بضيق وهمت بأن تلتقط هاتفها لتجري اتصال بزوجها وتسأله أين هو ولماذا تأخر، لكن وجدت الباب ينفتح يعلن عن وصوله، ورغم فرحتها بعودته إلا أنها سألته بتذمر:
_كنت وين ياچلال كل ده أنا زهقت من كتر القعدة وحدي!
ابتسم لها وهو ينزع حذائه بجوار الباب ثم اتجه إليها وجلس بجوارها ورفع ذراعه يلفه حول خصرها ويجذبها إليه بحميمية هامسًا في غرام:
_كنت بدور على هدية تليق بـ لفريالي
لمعت عينيها بدهشة امتزجت بفرحتها وراحت تسأله بفضول:
_أنت چبتلي هدية؟!
هز رأسه بالإيجاب في دفء فارتفعت بسمتها لثغرها وزينت وجهها وهي تتطلعه بترقب وحماس لمعرفة هديتها، فيضحك هو على فضولها الطفولي ويغمز لها بمرح ثم يهتف:
_غمضي عينك يلا
أغلقت عيناها فورًا وهي تضحك متشوقة لمعرفة ماهو نوع الهدية التي اشتراها لها، أما هو فأخرج من جيبه عبلة مستطيلة صغيرة الحجم وفتح العلبة ثم همس لها:
_فتحي
فتحت عيناها ببطء تجهز نفسها لرؤية ما احضره لها فسقط نظره على العلبة التي بيده وداخله عقد كلاسيكي ورقيق يتدلى منه نجمة مفرغة بفصوص لامعة، فغرت عيناها وهي تحدق في ذلك العقد الذي كان ملكها لكن أخذته منه جليلة وقررت إيلامها بهذا العقد لمعرفتها أنه تحبه كثيرًا وأنه هدية ثمينة من جدتها الحبيبة الراحلة، نزعته من رقبتها في ذلك اليوم بكل غل ومزقته ثم كسرت تلك النجمة لنصفين أمامها.
مدت فريال يدها بصدمة إلى العقد والتقطته بحرص وسألته دون أن تحيد نظرها عنه:
_ده العقد بتاعي ولا أنت چبت واحد شبهه!!
ابتسم بحنو على صدمتها ورد بخفوت جميل:
_لا هو صلحته
رفعت نظرها عن العقد وحدقت في وجه جلال بعينان دامعة ونظرة ممتنة وعاشقة، ثم مالت عليه ولفت ذراعيها حول رقبته تعانقه بحرارة وتهمس لها بصوت مبحوح شبه باكي وامتنان حقيقي:
_شكرًا ياچلال
أبعدها عنه برفق ثم رفع انامله لوجهها ومررها برقة على وجنتيها في حديث كانت تقوده الأعين، ثم دنى منها ولثم وجنتيها بقبلات ساخنة وسط همسه الذي أذهب عقلها:
_أنا عارف قد إيه العقد ده غالي عندك وملقيتش هدية احسن منه افرحك بيها
أغلقت عيناها وارتخت أعصابها جراء تأثير قبلاته الساخنة وذابت تمامًا بين يديه كأنها مغيبة واكتفت فقط بابتسامتها المغرمة، لكن فجأة شعرت به يبتعد عنها بسرعة تزامنًا مع صوت فتح باب غرفة الأولاد، ففتحت عيناها باستغراب والتفتت خلفها لتجد ابنها الصغير يخرج من الغرفة وهو يفرك عينيه بنعاس، فيأتيه صوت أبيه القوى:
_إيه اللي صحاك ياعمار؟!
رد على أبيه بخمول وهو يقترب منهم بخطواته غير المتزنة:
_حمام
لوى جلال فمه وهتف بغيظ بسيط:
_اممم وهو الحمام ده مكنش ينفع يصبر شوية حبكت دلوك يعني!
التفتت له فريال ولكونه في قدمه بحزم ليسكت وهي تضحك أما عمار فتابع خطواته إلى الحمام غير واعي لما تفوه به أبيه من الأساس، ليرد جلال على فريال وهو يضحك:
_هو داري بحاچة أصلًا ده كويس أنه عارف طريق الحمام
قهقهت فريال بقوة وقالت بإشفاق على ابنها:
_حرام عليك ده عشان كانوا طول النهار بيلعبوا في الشمس والمايه تعبوا ومش حاسين بروحهم هو وأخوه
ابتسم بدفء أبوي وحب ثم قال:
_ربنا يقدرني وابسطكم دايمًا يارب
مدت يدها له بالعقد وقالت في فرحة غامرة:
_خد لبسهولي
جذبه من يدها وانتظرها حتى استدارت وولته ظهرها ثم رفعت شعرها للأعلى فلف هو العقد حول رقبتها واغلقه، فتركت شعرها لينسدل على ظهرها مجددًا وانحنى هو عليها من الخلف يلثم رقبتها بحميمية، حتى سمعا كلاهما صوت مياه ( الدش ) فضيقت عيناها باستغراب وهبت واقفة فورًا تقول بحيرة:
_ده صوت الدش مش إكده
هز رأسه بالإيجاب ثم استقام واقفًا واتجه معها إلى الحمام وفتحت الباب على ابنهم فوجدوه يجلس على حافة حوض الاستحمام ويمسح عن وجهه المياه وهو يبدو عليه الزعر وملابسه مبللة كلها، فشهقت فريال بفزع وهرولت نحوه هاتفة بقلق:
_إيه ده يا عمار وإيه اللي دخلك تحت الدش!!
رد على أمه بصدمة مما حدث وكأنه كان مغيب لا يشعر بشيء ويعلو وجهه تعبيرات الخوف من التوبيخ الذي قد يتلقاه منها الآن:
_معرفش أنا كنت فاكره الحوض، كنت عاوز اغسل يدي
رفع جلال يده ومسح على وجهه وهو يضحك ويهتف مازحًا:
_ليه سكران مش شايف الحوض من البانيو
كتمت فريال ضحكتها التي كانت ستنطلق بينما فابتسم هو أيضًا براحة عندما رأى ضحك والده وأمه على تصرفه الساذج، ثم هتفت فريال بحنو أمومي:
_خليك إهنه هروح أچبلك هدوم عشان تغير المبلولة دي
اماء لأمه بالموافقة ثم رفع نظره وحدق بأبيه الذي يطالعه وهو يضحك ثم همس له فور رحيل أمه:
_أنت أصلًا ياولدي صاحي في وقت مش مناسب، وده كان عقابك
غضن حاجبيه باستغراب دون أن يفهم مقصد أبيه وقبل أن يتكلم ويخبره أنه لا يفهم وصلت أمه بالملابس واعطتها له ليبدل ملابسه، ثم غادرت هي وأبيه وتركته وحده ليرتدي الثياب.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل سمير…..
استقام سمير واقفًا بعدما سمع صوت رنين الباب واتجه إليه ليفتح، كان يلف ذراعه المكسور بشاش أبيض ويثبت ذراعه بجانب صدره تمامًا لا يحركه، ففتح الباب بيده الأخرى ليجد أمامه ” علي ” فيبتسم سمير بسخرية ويقول يغضب:
_إيه ناوي أنت كمان تكسر اليد التانية!
سقط نظر ” علي ” على ذراع سمير لكنه لم يهتم بمن فعل به هذا وقال له بشر وغل وهو يشير إلى الثلاث رجال الذي خلفه:
_لا الرچالة دول هيعملوا معاك الواچب وزيادة وهيكسروا عضمك كله مش بس يدك
طالع هؤلاء الرجال باضطراب وخوف بسيط ثم نظر لـ ” علي ” مجددًا وسأله بعدما قرر التفاوض معه دون أن يلحق بنفس الأذى:
_عاوز إيه؟
هتف ” علي ” مبتسمًا بخبث وقوة:
_إكده تعجبني يلا ادخل البس هدومك عشان مأذون الطلاق مستنيك
قال سمير بغضب:
_طلاق إيه أنا مش هطلق
هم الرچال بأن ينقضوا على سمير بعد تلك العبارة لكن اوقفهم ” علي ” واقترب من سمير ثم انحنى على أذنه وهمس له بصوت مرعب يدب الرعب في الأوصال:
_أنا لو مكانك أطلق بسكات من غير وجع دماغ ولا مشاكل، خصوصًا وأنا في الموقف ده يا أما أطلق يا أما اخسر روحي، ادخل البس ياسمير قبل ما افقد اعصابي واخد روحك بيدي
نقل سمير نظره بين ” علي ” وبين الرجال في خوف ثم راح يفكر بحكمة ووجد أنه ليس من الذكاء أن يعلن عن رفضه في وضع كهذا، والأفضل أن يستسلم ويخضع لتهديداته بدلًا العناد الذي ستكون نتائجه وخيمة.
***
داخل مكتب المأذون كانت خلود تجلس على مقعد خشبي عريض وبجوارها إنصاف في انتظار وصول كل من سمير و” علي ” ليبدأو في إجراءات الطلاق، لكن انتظارهم طال كثيرًا.
كانت قدمي خلود تهتز بعنف من فرط التوتر، متذكرة اللحظات الصادمة لها بصباح اليوم عندما أخبرها شقيقها أنها اليوم ستتطلق من زوجها، مشاعر متضاربة ما بين الخوف والسعادة الغامرة استحوذتها، وأصبحت لا تعرف ماذا تفعل ولا كيف تتصرف ولم تقف سوى على صوت أمها الدافيء وهي تحثها على ارتداء ملابسها ليتحركوا إلى مكتب المأذون، وطوال الطريق وهي تفكر كيف سيستسلم سمير ويوافق أن يطلقها دون أفتعال المشاكل والمصائب كعادته، كان الرعب يهيمن عليها والآن باتت لا تشعر لأطىاقها من فرط القلق على أخيها أن يكون ذلك الوغد والمعتوه أصابه بمكروه.
التفتت إلى أمها وسألتها باهتمام وارتيعاد:
_هما اتأخروا إكده ليه ياما، ليكون اللي ما يتسمى ده عمل حاچة في ” علي” !
ردت عليها إنصاف بحزم وزعر فور ذكرها اصابه ابنها بمكروه:
_تفي من خشمك يابت، هو مين الـ **** عشان يقدر يعمل حاچة في أخوكي ده ميسواش نكلة، زمانهم چايين متقلقيش
أصدرت زفيرًا حارًا وهي تحاول امتصاص شحنة التوتر المسيطرة عليها وتقليل معدل نبضات قلبها المتسارع ثم هتفت للمرة الثانية متوسلة أمها:
_رني على ” علي ” طيب ياما أبوس يدك واطمني، اصل سمير ده و**** وشيطان وأنا عارفاه
تأففت إنصاف بنفاذ صبر من إلحاح ابنتها وللحظة هي أيضًا انتابها القلق حول تأخرهم فقررت الانصياع لطلب خلود والاتصال بابنها لتطمئن، لكن قبل أن تضع الهاتف فوق أذنها ويبدأ في الرنين، التقطت عيناهم ابنها وهو يدخل من باب المكتب وبجواره سمير وخلفه يسير رجل ضخم وغريب الهيئة لا تعرفه، فابتسمت براحة وهتفت وهي تلكز خلود في قدمها لتنتبه:
_أهم چم
التفتت خلود متلهفة تجاه الباب وتنفست الصعداء براحة عندما رأت أخيها يدخل سالمًا، لكن لفت نظرها سمير وذراعه المكسور فضيقت عيناها باستغراب وهي تتطلع إليه بتشفي رغم عدم معرفتها من الذي فعل به هذا أو ما الذي أصابه لكن مجرد فكرة أن يتألم تسعدها.
فور اقتراب ” علي ” منهم اقتربت منه إنصاف ومالت على أذنه تهمس له بتعجب وهي تنظر باتجاه ذراع سمير:
_أنت اللي عملت فيه إكده يا ” علي ” ؟!
أجابها مبتسمًا بسخرية ونظرة متوعدة بالشر:
_هو أنا لحقت ياما اكسرله يده واچبصهاله، بس متقلقيش هعمل فيه أكتر من إكده لو عصلق (رفض ) معانا في الطلاق
كانت نظرات سمير لخلود نارية ومتوعدة أما هي فلأول مرة ترمقه بكل ثقة وتشفي دون أي مشاعر خوف منه ومن بطشه، تتحاده بنظراتها القوية أن يحاول مجرد التقرب منها في حضور أخيها، وأن كلها دقائق وسيتم إطلاق سراحها وستصبح حرة من سجنه المميت.
سمعت صوت أخيها وهو يأمرها بالدخول لغرفة المأذون ففعلت ولحقت بها أمها، أما ” علي ” فانحنى على سمير وهمس له بنظرة مميتة وصوت مخيف:
_لو عملت حركة إكده ولا إكده چوا وقولت مش عاوز اطلق أنت عارف زين هيحصل فيك إيه
أطلق سمير زفيرًا حارًا بغضب لكنه لم يبدى أي اعتراض وسار مع ” علي ” للداخل لكي يبدأ المأذون في إجراءات الطلاق، وبعد وقت طويل بالداخل انتهت إجراءات الطلاق بعبارة سمير لخلود التي تفوه بها بالإجبار:
_أنتي طالق
شعرت بتلك اللحظة وكأن روحها التائهة استقرت أخيرًا وهدأت، فارتفعت بسمتها العريضة لثغرها متزامنة مع اخذها نفسًا عميقًا وإخراجه زفيرًا متهملًا براحة.
***
داخل منزل عمران الصاوي……
تحديدًا بغرفة النوم كان عمران مازال نائمًا بعمق في فراشه وآسيا بجواره لكنها مستيقظة تستند بمرفقها على الوسادة وتضنع وجنتها فوق كف يدها متأملة وجهه وهو نائم، تتمعنه بعينان ضائعة ووجه عابس يملأه الأسى والقهر كلما تستعيد في عقلها شريط ليلة الأمس ومعاملته القاسية لها تدمع عيناها، هو حتى لم يترك لها الفرصة لتعتذر منه ولتبدي عن ندمها وأسفها، أسلوبه الجاف كان عقابًا اقسى من غضبه وصراخه بها.
كانت تتأمل ملامح وجهه الرجولية أثناء النوم، شاربه ولحيته الغزيرة وحتى حواجبه وأهدابه الطويلة وبشرته السمراء التي زادته وسامة ورجولة، ابتسمت بغرام ثم مدت أناملها لشعره تعبث به وتخلل أصابعها داخله، ثم مالت عليه وانحنت على وجهه وراحت تطبع قبلاتها الحارة بجانب ثغره، ففتح عينيه على أثر قبلاتها وغضن حاجبيه باستغراب ثم هتف بدهشة من تقبيلها له أثناء نومه:
_بتعملي إيه؟!!!
ابتسمت له بهيام وقالت في رقة:
_صباح الخير
رفع حاجبه اليسار بحيرة من أمرها، ثم أخذ نفسًا عميقًا وهب جالسًا يجيبها:
_صباح النور
طالعته مطولًا بلوعة للحظات ثم مالت عليه وهمست بعينان تفيضان عشقًا:
_احضرلك الحمام يامعلم؟
رمقها متعجبًا من تحولها الغريب بين الأمس والآن، يبدو أنها تسعى لهدف خبيث في عقلها كالعادة، وتستخدم ضده أساليب استراتيجية ماكرة لتكسب رضاه عنها، فإجابها بنظرة لئيمة ليثبت لها أنه يفهم جيدًا ما تحاول فعله:
_وماله حضريه
هزت رأسها بالموافقة ثم استقامت واقفة من الفراش واتجهت إلى الخزانة تخرج له ملابسه النظيفة ثم تتجه بها للحمام وهو يراقبها بنظراته الثاقبة والقوية، مازال محتفظ بجمود تعابيره وقسوته أمامها لكن فور دخولها الحمام ابتسم بحب على تصرفاتها التي رغم التوتر الذي بينهم إلا أنها اعجبته وراقت له، وراح يميل بظهره للخلف يستند على ظهر الفراش واضعًا كفيه خلف رأسه وقدمه فوق الأخرى ينتظر خروجها بعد انتهائها من تجهيز الحمام له.
خمس دقائق بالضبط مرت حتى خرجت ووقفت بجوار باب الحمام وهي تهمس له مبتسمة:
_الحمام جاهز، وأنا هروح أحضرلك الفطار لغاية ما تخلص حمامك
رأت نظراته الماكرة لها وكانت جريئة وقوية فاخجلتها واربكتها، وبنفس الوقت احييت داخلها شعور الأمل بأن محاولتها ربما قد تكون نجحت في امتصاص غضبه قليلًا ونالت إعجابه ورضاه، تابعته بترقب وهو يستقيم من الفراش ثم يقترب من الحمام ومنها، ويحدقها بتفحص من أعلى رأسها لآخر قدميها بقوة هامسًا:
_چهزيلي الچلابية واكويها عشان هفطر وانزل
اماءت له بالموافقة في ابتسامة ناعمة جعلته يدخل الحمام وهو يزفر مغلوبًا ويضحك عليها.
دقائق طويلة مرت حتى خرج بعدما انتهى من حمامه الصباحي وكانت هي تقوم بكي جلبابه الصعيدي كما طلب منها بعدما انتهت من تحضير الفطار، فجلس على الفراش واضعًا المنشفة فوق كتفيه وقطرات المياه تتساقط من شعره المبلل عليها وبقى يراقبها في حركاتها الرقيقة وهي مرتدية ثوب ضيق وقصير بحاملات رفيعة، ذاب من جمال منظرها الأنثوي المثير وظل هكذا يتأملها بهيام لا إراديًا حتى وجدها تلتفت له برأسها ثم تتجه إليه وتلتقط المنشفة من فوق كتفيه وتبدأ في تجفيف شعره من المياه برقة هاتفة:
_سايب شعرك مبلول إكده ليه؟!.. هتاخد برد
ابعد يدها عنه بلطف ثم هتف بانزعاج:
_آسيا كفاية متتصرفيش كأن مفيش حاچة حُصلت
احتل معالمها العبوس الشديد واجابته بغضب وقهر:
_عاوزني اعمل إيه يعني رغم الطريقة اللي بتعاملني بيها من امبارح أنا بحاول ارضيك واثبتلك ندمي على غلطي
صاح بها منفعلًا بسخط:
_ياريت بتندمي وتتعلمي من غلطك، دي مش أول مرة تكذبي عليا لا وكمان بتكذبي في حاچة مينفعش فيها الكذب، واحد جه على باب بيتي وحاول يتهچم عليكي وأنتي بتكذبي عليا
اطرقت رأسها أرضًا معترفة بخطأها وقالت له معتذرة بصوت مبحوح وعينان لامعة بالعبرات:
_عندك حق أنا غلطانة، حقك عليا أنا آسفة صدقني دي آخر مرة اكذب عليك فيها
مسح على وجهه وهو يتأفف بعصبية شديدة ثم قال لها بصوت غليظ يوضح عدم رغبته في إكمال هذا الحديث:
_روحي حطي الوكل على السفرة يا آسيا
لوت فمها بحزن واحترمت رغبته في عدم متابعة الحديث، لململت شتات قلبها المنفطر واتجهت إلى الخارج لتبدأ في ملأ الصحون بالطعام.
***
داخل منزل مروان تحديدًا بالصالة كان جالسًا فوق الأريكة مبتسمًا بفرحة أن خلود تطلقت أخيرًا، أصبحت حرة ولكنها ستكون له قريبًا، ستنير حياته بوجوده فيها وتسعد قلبه بحبها الجميل، ستكون زوجته وحبيبته وأم أولاده.
قطع شروده الهائم في محبوبته صوت طرق الباب فاستقام واقفًا واتجه ليفتح، فيقابل سمير أمامه وهو يبتسم له بغل ويقول مغتاظًا:
_أنا چيت اقولك أن اللي أنت عاوزه تم وطلقتها يابن العم
ابتسم مروان بنظرة شيطانية متذكرًا حديثه مع سمير بصباح اليوم بعدما أخبرته خلود في الهاتف أن طلاقها سيتم اليوم وأنها تذهب الآن لمكتب المأذون، فاجرى هو اتصالًا بسمير الذي كان في تلك اللحظة في غرفته يرتدي ملابسه و” علي ” ينتظره بالخارج لكي يأخذه للمأذون، كان يفكر في طريقة يهرب بها من بين براثن ” علي ” وهؤلاء الثيران البشرية التي بصحبته، لكن وصله اتصالًا من مروان والذي كان محتوى حديثهم كالآتي.
هتف سمير في الهاتف مغتاظًا بغضب:
_أكيد أنت اللي مدبر كل ده ومش بعيد تكون أنت اللي مدبر لـ ” علي ” الرچالة اللي معاه دي
ابتسم مروان وأجابه بثقة:
_لا الحقيقة أنا كنت معرفش أي حاجة إلا من نص ساعة بظبط و” علي ” شكله ناويلك على نية مش تمام ولو حاولت ترفض مش بعيد يخلي رچالته دي يعملوا معاك الواجب فعلًا
سمير بإصرار ووعيد يحمل الشر والحقد:
_مرتي مش هطلقها يامروان ومش هسيبهالك ولو على جثتي
رد مروان بثبات وثقة تمام امتزجت بصوته الرجولي الأجشَّ:
_هتطلقها لو مش عايز الحكومة تشم خبر بالمخدرات اللي بتاجر فيها وبتبيعها ومحدش يعرف أبدًا باللي بتعمله حتى أبوك، لو حاولت تعمل أي حركة غدر ومتطلقهاش اقسم بالله ياسمير هروح بالأدلة اللي معايا على القسم ووقتها هخليك تطلقها غصب عنك وأنت في السجن، فطلقها بمزاجك وخد حريتك افضلك
انتظر مروان للحظات ليسمع رده ولكن كان السكون والصدمة الممتزجة بجموحه هما رده الوحيد على ما قاله فضحك مروان وقال ساخرًا:
_يلا اسيبك بقى عشان تلحق تجهز اصل اللي عرفته عن علي أنه غشيم وممكن يعمل فيك أي حاجة واحنا محتجاينك سليم لغاية ما تطلقها
عاد مروان للواقع بعدما انتهي من تذكره لهذا الحديث المشتعل بينهم ورد على عبارة سمير بابتسامة مستفزة:
_مبروك ربنا خلصها منك
فجأة اختفت تعابير الغضب والغيظ من على محياه وازاح مروان قليلًا من الطريق ليتمكن من الدخول وهو يضحك ويقول بخبث:
_لا أنا اللي ربنا خلصني منها، أنا كنت مستحملها بقول أهو ست برضوا تقضي الغرض وتخدمني وكنت يشفي غليلي فيها من اللي عملته فيا
جز مروان على أسنانه بعصبية وهتف محذرًا إياه بصوت متحشرج:
_اطلع برا ياسمير متخلنيش ارتكب فيك جريمة
اكمل طريقه للداخل ببرود اعصاب مستفز وهو يبتسم حتى جلس على الأريكة بالصالة عاقدًا قدمًا فوق الأخرى ونظر لمروان بشيطانية وهمس له في تصنع البراءة:
_الصراحة يامروان رغم كل اللي بينا أنا بعزك قوي و بيني وبينك أنا مهنش عليا اسيبك إكده على عماك واخليك تتدبس فيها كيف ما ابن عمك ادبس واضحك عليه، فحبيت آچي اوعيك بما أني طلقتها والحقك قبل ما تغلط غلطة عمرك وتندم عليها
ضيق مروان عينيها بعدم فهم واستغراب لثواني قبل أن ينفعل ثانية ويندفع نحوه ثم يجذبه من ذراعه ليوقفه عنوة ويصيح به:
_أنا مش ناقص تخاريف وكلام فارغ، اطلع برا يلا
قهقه سمير بطريقة مستفزة ودفع يد مروان عنه هاتفًا بجدية:
_طب اسمع اللي هقولهولك حتى الأول يابشمهندش قبل ما تطردني مش يمكن أكون عاوز مصلحتك صُح وعاوز افتح عينيك على الحقيقة
سكن مروان للحظة ولا إراديًا جذبت كلماته فضوله لمعرفة ما الحقيقة الذي يريد أن يخبره بها، ربما تكون هي نفسها التي حاول ” علي ” أن يخبرها عندما قال له أن هناك خفايا كثيرة لا يعرفها.
أما سمير فأخذه نفسًا عميقًا بعدما رأى الهدوء على وجه مروان وواصبح متفتح لسماع ما سيقوله فهتف له مبتسمًا بتشفي:
_هي طبعًا محكتلكش اتچوزتني ليه ولا أنا كنت بعمل فيها إكده ليه ولا حتى ناسها رموها ليه!!.. بس أنا هقولك يابن عمي ورغم أنك حاولت تعمل معايا الغلط أن هعمل بأصلي معاك، اللي ضحكت عليك كيف ما ضحكت عليا وخلتك تحبها وعاوز تتچوزها دلوك، سلمتلي نفسها قبل ما اتچوزها وكانت على علاقة بيا كانت بتچيلي البيت بكامل رغبتها وهي اللي كانت بتچرني أني أعمل علاقة معاها رغم أني كنت رافض بس سيطرت عليا ووقعتني في شباكها وبعدين حملت مني وعشان تداري على فضيحتها وتكمل علاقتها معايا نزلت العيل اللي في بطنها بس ناسها عرفوا بعدين وخربوا الدنيا وكانوا هيقتلوها بس أنا قولت اصلح غلطي واتجوزتها لغاية ما اكتشفت بعد الچواز أنها بتخوني وكانت بتكلم رچالة عشان إكده اتغيرت معاها وبقيت اعاملها بالطريقة دي لغاية ما هربت مني ولفت عليك أنت ودلوك بتمثل عليك دور الشريفة وهي مش بعيد تعمل معاك كيف ما عملت معايا وتخونك بعدين
تجمد مروان بأرضه وهو يستمع للحقائق التي يخبره بها سمير، كانت الصدمة تحتل معالم وجهه وعدم الاستيعاب يظهر على تعبيراته النافرة لهذه التراهات التي يخبره بها، وسرعان ما تحول من حالة الذهول إلى الغضب المرعبة وهو ينقض على سمير ويحذبها من ياقةةقنيصه صارخًا به بصوت جهوري:
_أنت بتقول إيه يابني آدم، أنت وصلت بيك الو***** أنك بتشوه سمعه مراتك وبتتهمها في شرفها
رد سمير بثبات وبرود اعصاب أثار جنون مروان أكثر:
_أنا بقولك الحقيقة مش بتبلى عليها، بعدين ده معدتش مراتي بقت طليقتي، وأنا قولتلك الحقيقة عاوز تصدق أو متصدقش دي حاچة ترچعلك أنت عاد
فقد مروان السيطرة على انفعالاته ولا إراديًا غار على سمير يوجه له لكمة مميتة سالت دماء فمه على أثرها وصرخ به محذرًا إياه بنظرات تنذر بالشر الحقيقي:
_اطلع برا متورنيش وشك احسن اخلص عليك خالص ياسمير، غور يلا
ضحك سمير باستهزاء وتشفي بعدما تأكد من نجاح مخططه الشيطاني واتتصب في وقفته بثبات ثم القى نظرة خبيثة على مروان قبل أن يتحرك باتجاه باب المنزل ليغادر ويتركه وهو ثائر وسجين صدمته وشعور الخذلان واكتشافه لحماقته ونفسه المغفلة…
***
داخل السجن……
كان يجلس صابر بتلك الساحة الكبيرة المخصصة للزيارات في السجن وبجواره يجلس أحد رجاله الأوفياء ويخبره عن أمور العمل ومشاكله في غيابه حتى وجد صابر يقول له بصوت منخفض حتى لا يصل لأذن العساكر:
_عاوزك تعمل اللازم مع ولد الصاوي ياطايع
ضيق عينيه بحيرة وسأله باستفهام واهتمام:
_اللازم ده اللي هو إيه بظبط يامعلم؟!
ابتسم صابر ساخرًا وقال بشر نابع من صميمه:
_توديه في سكة اللي بيروح مبيرجعش يعني چار أبوه
ظهر شبح الابتسامة الشيطانية على ثغر ذلك الرجل المدعو ” طايع” وهمس مادحًا صابر على شره:
_ده أنت بتخاف منك يامعلم
أجاب بنظرة نارية وساخطة كلها وعيد وغل:
_ما أنت عارف ياطايع شغلانتنا علمتنا أن اللي يأذينا نأذيه بس بطريقتنا عاد
هتف مؤيدًا إياه بابتسامة خبيثة:
_طبعًا يامعلم لازم كل واحد يعرف مقامه
ثم سكت للحظة وقال له ضاحكًا بمكر ونظرة تلمع بوميض شيطاني:
_ندعيله بالرحمة من دلوك اصله كان ابن حلال ويستاهل
انفجروا هم الاثنين ضاحكين بقوة، ضحكة امتلأت بالحقد والشر النابع من صدورهم المريضة.
***
داخل منزل خليل الصاوي بعد عودة خلود وإنصاف و” علي ” إلى المنزل، كانت غزل تجلس في غرفتها تفكر في طريقة تصلح بها ما أفسدته في علاقتها مع ” علي “، ولم تجد في النهاية أفضل من قرارها النهائي الذي اتخذته وهو الموافقة على الزواج منه ومنحه فرصه.
خرجت من غرفتها وقادت خطواتها المرتبكة إلى غرفته ثم وقفت أمام الباب للحظات مترددة ومضطربة وبينما كانت على وشك أن تتراجع وجدته يفتح الباب فجأة وكان يبدو عليه أنه في طريقه لقضاء أمر ما بالخارج، لكن عندما رآها تسمى مكانه وهو يرمقها بنظراته الغاضبة فاستحمعت هي شجاعتها وقررت أن تلقي ما في صدرها كله أمامه مرة واحدة قبل أن يمنعها خجلها وتوترها ويجعلها تتراجع:
_علي أنا آسفة على الطريقة اللي كلمتك بيها امبارح، أنا بجد كنت مشوشة ومش عارفة اقول ايه ولا اخد قرار مناسب حتى بس بعد ما فكرت مع نفسي حسيت أني ممكن اندم لو ضيعتك وأن مش هخسر حاجة لو اديت نفسي واديتك فرصة يمكن علاقتنا فعلا تكون ناجحة، فـ أنا دلوقتي جاية اقولك أني موافقة!
اطال النظر إليه بجمود وتبادل مشاعر ثم هتف:
_موافقة على إيه؟!!
ارتبكت من نظراته ولهجته الصارمة حتى سؤاله الغريب فردت متلعثمة بخجل:
_موافقة ياعلي!!.. يعني موافقة على اللي أنت كنت حابب تعرف رأي فيه على طلبك
حدقها بنظرة ممتلئة بالسخط عندما تذكر كلماتها السامة له وهي تخبره بكل برود أنها لا تريده دون مراعاة لمشاعره، جرحت كرامته واهانته والآن تقف أمامه وكأن شيء لم يكن لتخبره بموافقتها على الزواج منه بعد كل ما قالته، ليجيبها بقسوة منصاعًا خلف مشاعر الغضب الذي تحتل قلبه:
_بس أنا غيرت رأي ومعدتش عاوزك خلاص
***
بمدينة مرسى مطروح تحديدًا أمام الشاطيء كانت فريال تجلس على المقعد كعادتها تراقب اولادها وهم يلعبون في المياه وفي هذا الوقت تحديدًا لسوء الحظ أنها كانت بمفردها مع عمار بعدما ذهب جلال ومعاذ لشراء الطعام لهم، وكان عمار يلعب في المياه أما هي فكانت تنظر في هاتفها تتصفح عليه غير منتبة لابنها، الذي وقف في المياه حتى غطت نصفه وراح ينظر للبحر بنظرة تحدي وحماس، بعدما تذكر كلمات أخيه له بالأمس وهو يعايره بأنه لا يجيد العوم، وبعقله الطفولي ظن أنه أن حاول العوم سينجح وبالأخص بعدما حاول أبيه بالأمس تعليمه بعض الأساسيات البسيطة.
وفي غصون لحظات انتفضت فريال في مقعدها مزعورة على أثر صوت صرخات الاستغاثة النابعة من ابنها وعندما نظرت في المياه رأته يضرب بذراعيه في المياه محاولًا النجاة بروحه من الغرق…..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))