روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الثاني والعشرون

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الثاني والعشرون

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الثانية والعشرون

التفتت خلود برأسها تجاه باب المنزل بعدما سمعت صوت الرنين واخفضت صوت التلفاز فورًا، ثم استقامت واقفة وارتدت حجابها لتفتح الباب، وصلت أمام الباب وألقت نظرة من العين السحرية للباب فرأت ” مروان” يقف بالخارج، اطمأنت وفتحت له الباب دون تردد وهي تستقبله بابتسامة مشرقة فبادلها هو الابتسامة متمتمًا:
_عاملة ايه ياخلود؟
أجابته بعين لامعة بوميض جديد دون أن تتخلى عن ابتسامتها:
_كويسة، أنت مقولتش أنك چاي؟
دخل للمنزل على عجالة وهو يجيبها بابتسامة لينة امتزجت بجديته:
_أه اصل جاي اخد حاجة بسرعة من اوضة المكتب بتاعتي وماشي تاني
هزت رأسها بتفهم دون أن تتفوه بكلمة أخرى لكن سارت خلفه وسألته بقلق بسيط بعدما رأت الصلابة على ملامحها والعجلة في خطواتها مما أكد لها أنه هناك أمر طارئ:
_هو في حاچة ولا إيه يامروان؟
هز رأسه بالنفي وأجابها في لطف ليطمئنها وهو مازال في طريقه لغرفة مكتبه:
_لا متقلقيش، كل حاجة زي الفل
ارتاحت وابتسمت له بود حقيقي واستمرت في السير خلفه حتى وقفت أمام باب غرفة مكتبه تراقبه وهو يبحث بالأدراج على بعض أوراقه الخاصة باهتمام شديد حتى عثر عليها، فتنهد الصعداء بارتياح واستقام واقفًا من مقعده ثم تحرك باتجاه الباب وهو يبتسم لها ويقول بنظراته الممفعة بالآمان:
_اقفلي الباب عليكي كويس ولو احتجتي أي حاجة اتصلي بيا تمام
أجابته خلود بابتسامة رقيقة:
_حاضر.. هو الورق ده كان مهم قوي إكده؟
هز رأسه لها بالإيجاب وقال بجدية وهو يسير باتجاه الباب:
_آه ورق مهم جدًا تبع الشغل وأنا كنت سايبه هنا في البيت من وقت طويل
وقف أمام باب المنزل وفتحه ثم ودعها ملوحًا لها بيده هاتفًا:
_أنا همشي عشان متأخرش على الراجل اللي مستنيني تحت وعلى تلفون أنا وأنتي لو حصل أي حاجة زي ما قولتلك، سلام
هزت رأسها بالموافقة وراقبته بعينها وهو يغادر ويغلق الباب ثم تحركت بسرعة إلى الشرفة لترضي فضولها وتشاهد ذلك الصديق المجهول الذي ينتظره بالأسفل، وقفت بالشرفة ونزلت برأسها للاسفل تنظر للشارع فتتسع عيناها وتفغر شفتيها بذهول عندما تكتشف هوية صديقه.
لقد كان زوجها سمير بعينه ودقيقة بالضبط وخرج مروان من البناية ثم عانق سمير ورتب على كتفه يحثه على الصعود بالسيارة معه، ولسوء الحظ أن بسبب صدمتها من ذلك المشهد الذي تراه أمام عيناها لم تنتبه لزوجها وهو يرفع رأسه للأعلى بمحض الصدفة فأرتدت للخلف بزعر وهي تكتم شهقتها المرتعدة بيديها الاثنين وعيناها متسعة ومفتوحة على أخرهم من فرط الصدمة بينما بالأسفل فرفع مروان رأيه للأعلى إلى حيث ينظر سمير وقال بتعجب:
_بتبص على إيه؟
هز سمير رأسه بالنفي بعدما ظن أنه بدأ يرى التهيؤات وخيالات زوجته من فرط جنونه ومحاولاته التي لا تتوقف في البحث عنها فأجاب على مروان بطبيعية وهو يتحرك باتجاه باب السيارة ليستقل بها:
_ولا حاچة متشغلش بالك، يلا عشان منتأخرش
بالأعلى داخل منزل مروان، استندت خلود بظهرها على الحائط ونزلت ببطء حتى جلست على الأرض وهي مازالت تضع يديها على فمها تكتم صوتها من هول الصدمة، انهارت على الأرض وعيناها امتلأت بالعبرات ومشهد مروان وهو يعانق زوجها لا يفارق عقلها، ألف سؤال وسؤال يتجولون في عقلها الآن والإجابة الوحيدة التي استطاعت استنتاجها أن من المحتمل أن يكون مروان على اتفاق مع زوجها ضدها وربما تكون كل محاولاته اللطيفة معاها واهتمامه بقضية طلاقها ماهو إلا كذبة والأمر مسألة وقت فقط وسيسلمها لجلادها مرة أخرى.
انهارت في البكاء بصوت مرتفع، ألمًا وخذلانً، لا تستطيع استيعاب أنه فعل بها هكذا وخدعها بعدما وثقت به حتى أنها كانت قد بدأت تسلمه قلبها وتتعلق به، ظلت مكانها لوقت طويل وهي داخلة حالة بكاء شديد وبالنهاية استطاعت لملمة شتات نفسها واستقامت واقفة واتجهت نحو غرفتها بسرعة وأخرجت حقيبة ملابسها وبدأت في جمع ملابسها واغراضها كلها.
***
داخل المستشفى….
كان يجوب الطرقة إيابًا وذهابًا وهو يمسح على شعره ووجه بقوة من فرط القلق على زوجته وطفلتها الصغيرة التي ستأتي للحياة الآن، وعلى المقاعد الحديدية بجواره كان يجلس أولاده الأثنين الذي ظهر الخوف الشديد على ملامحهم هم أيضًا وقلق والدهم زادهم خوفًا، فاستقام عمار واقفًا واقترب من والده ووقف بجواره يهمس له بخوف وعينان دامعة:
_أبوي هي أمي هتبقى كويسة واختي كمان صُح؟
تسمر جلال بأرضه والتفت لابنه يطالعه بحيرة، ثم أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا متهملًا بعدما أدرك أن أولاده معه ويجب عليه الاحتفاظ بهدوئه حتى لا يفزعهم، ضم عمار إليه وقال له مبتسمًا بحنو أبوي:
_ايوة هتبقى زي الفل ياولدي متقلقش، هي شوية والدكتور هيطلع بعد ما تولد
هب معاذ واقفًا هو البحر واقترب من أخيه الصغير يربت على كتفه ويمسح على ظهره بدفء ويقول بابتسامة شجاعة ليبث الطمأنينة لنفس شقيقه الأصغر:
_متخافش ياعمار، شوية وهتطلع أمي وكمان هنشوف اختنا
ابتسم لهم جلال بنظرة أبوية محبة ومسح على شعرهم ثم انحنى عليهم ولثم رأسهم بقبلات دافئة واتجه معهم إلى التقاعد ليجلس بجوارهم في انتظار خروج الطبيب، وبهذه الأثناء وصل كل من الجد حمزة وإخلاص وعمران بعدما أبلغهم جلال بالهاتف أن فريال في غرفة الولادة.
جلس الجميع بانتظار انتهاء العملية وبعد مرور نص ساعة تقريبًا منذ وصولهم خرج الطبيب أخيرًا فاستقام جلال أولهم وهرول متلهفًا للطبيب وهو يسأله باهتمام:
_إيه يادكتور طمنا ؟
ابتسم له الطبيب بود متمتمًا:
_متقلقوش المدام زي الفل الحمدلله وهتطلع دلوقتي من اوضة العمليات
أطلقوا جميعهم زفيرًا حارًا بارتياح وابتسامة عريضة باستثناء جلال الذي أكمل حديثه بالسؤال الثاني في قلق:
_والبت؟
تبدلت تعابير وجه الطبيب للعبوس قليلًا وتنهد الصعداء بقوة ثم تمتم في صوت منخفض لجلال وعمران فقط دون أن يصل لأذن إخلاص:
_للأسف هنضطر ندخلها الحضانة، هي عندها مشاكل في الجهاز التنفسي والرئة
هتف جلال بقلق وضيق:
_يعني هتقعد قد إيه في الحضانة والمشاكل دي خطيرة يعني ولا إيه؟
لاحظ الطبيب قلقه الشديد وخوفه فلم يرغب في إعطائه معلومات أكثر قد تزيد من خوفه على ابنته الصغيرة واكتفى بأنه ربت على كتفه في لطف وهتف:
_متقلقش أن شاء الله تبقى كويسة في الحضانة ومتخدش وقت طويل فيها
أنهى الطبيب كلماته ثم ابتعد عنهم متجهًا لغرفته الخاصة بينما عمران فلحق به عندما وجد أن جلال انشغل باسألة إخلاص وأولاده الصغار.
صاح عمران مناديًا على الطبيب ليتوقف، وعندما توقف والتفت له سأله باهتمام وثبات انفعالي في رزانة:
_هي البت حالتها صعبة يادكتور ولا إيه؟!
ألقى الطبيب نظرة على جلال والأولاد وعائلتها ثم نظر لعمران بأسى وقال متأسفًا:
_للأسف أيوة الطفل اللي بيتولد بالمشاكل اللي عندها دي وبذات في الجهاز التنفسي بتبقى حالته خطيرة، بس أن شاء الله هنحاول نعمل كل اللي نقدر عليه وهي تصمد وتكمل!
وكأن كلمات الطبيب كانت كخنجر سام وحاد طعنه به في يساره ورغم الانهيار والحزن الشديد الذي شعر به على ابنة شقيقته الصغيرة إلا أنها جاهد في الحفاظ على ثباته وهوويشكر الطبيب متمتمًا:
_تمام يادكتور شكرا.. احنا مش هنشوفها طيب قبل ما تدخل الحضانة؟
الطبيب بصوت رخيم:
_لا هتشوفوها الممرضة دلوقتي بتجهزها وهتطلع وتشوفوها
هز رأسه له بالموافقة ثم ظل واقفًا مكانه وهو يراقب الطبيب وهو يتجه بخكواته مبتعدًا عنه ولم يفق سوى على صوت جلال من خلفه وهو يسأله باهتمام:
_كنت بتتكلم معاه في إيه؟
التفت عمران لجلال وربت على كتفه مبتسمًا بود وهو يقول محاولًا عدم إظهار أي شيء له:
_كنت بسأله وبستفسر بس عن حالة البت وطمني، متقلقش عليها أن شاء الله هتبقى زي الفل
مسح جلال على وجهه وهو يستغفر ربه وعلامات الحزن بادية على ملامحه ثم ردد خلف عمران ” يارب ” متمنيًا الشفاء العاجل لطفلته.
***
داخل إحدى المستشفيات الأخرى حيث توجد مريم…….
كان بشار يتجه بخطواته لغرفتها وعلى ثغره ابتسامة بسيطة لكنها مفعمة بالحب والشوق لرؤيتها ويحمل بين يديه باقة صغيرة من الورد المفضل لها، وبلحظة تسمر بأرضه عندما كان لا يفصله عن غرفتها سوى خطوات معدودة ورأى رحاب وهي تخرج من غرفتها وعلى ثغرها ابتسامة نصر وتشفي، فاختفت تعبيراته العاطفية التي كانت تستحوذ عليه وخل محلها الغضب والخوف الشديد من احتمالية أن تكون أخبرتها بكل شيء وافسدت كل ما كان ينوي بنائه من جديد بينهم.
بينما رحاب فتوقفت هي الأخرى عندما رأته ومازالت محتفظة ببسمتها المستفزة وعيناها عالقة على باقة الزهور التي بين يديه بحقد، اندفع بشار نحوها ثائرًا وهو يسألها بغضب:
_بتعملي إيه إهنه يارحاب!!!
ابتسمت له ساخرة وقالت بقوة:
_چيت لزيارة مريض
مسح بشار على وجهه وهو يستغفر ويحاول تمالك انفعالاته ثم قبض على ذراع رحاب وجذبها معه بعيدًا عن الغرفة ليهتف لها بعصبية بسيطة:
_رحاب بلاش تستغلي الموقف، دي مريضة كيف ما قولتي ومش هتستحمل تدخل في صدمة، اعقلي وبلاش مشاكل
قهقهت بخفة وقالت بغل وكره:
_خايف عليها قوي ولا خايف من أنها تعرف الحقيقة، تعرف يابشار أنا وهي مظلومين وأنت الأناني لعبت بمشاعرها وبمشاعري ودلوك خايف ما حقيقتك تتكشف قصادها
خرج عن طور هدوئه المزيف منذ رؤيته لها وصاح بها منفعلًا وهو يرفع سبابته في وجهه يحذرها بنظرة مرعبة:
_حاسبي على كلامك وأنتي بتتحدتي معايا فاهمة ولا لا، أنا ملعبتش بمشاعر حد أنا بس كنت ضالل طريقي ودلوك عرفت الطريق الصح وأنا اللي شوفت الحقيقة، لو فكراني نايم على وداني ومش حاسس بحاچة تبقي متعرفنيش، چاية تقفي قصادي بكل بچاحة وأنتي لساتك بتكلمي خطيبك الـ**** ده
اتسعت عيني رحاب بصدمة وظهر الارتباك الملحوظ على ملامحها لكنها حاولت إخفائه وقالت بتوتر وغضب:
_إيه الكلام الفارغ ده، محصلش أنا لا يمكن اكلمه تاني ولا ارچعله بعد اللي عمله معايا
كان بشار عبارة عن قنبلة موقوتة وعلى وشك الانفجار من فرط غيظه وسخطه المخيف، هي خدعته واوهمته أنها تحبه لكن يشاء الله أن يكشف له حقيقة الفتاة التي كان قلبه ينبض لسنوات طوال بعشقه لها وفي النهاية اتضح أنها أفعي وحرباء تتلون بكل الألوان لتحاول إثارة شفقة الجميع.
رقمها بنظرة مميتة وصوت رجولي يحمل بحة ارعبتها أثبتت لها أنه بالفعل لم يكن مغفلًا كما كانت تظنه:
_لما حسيتي أني ممكن اروح من بين يدك وارچع لمريم قولتي مبدهاش عاد وارچع لـ**** اللي كان بيهيني وحاول يأذيني وأهو على الأقل معاه فلوس زين هتعيشني مبسوطة
التزمت الصمت بعد عباراته ليس خوفًا بقدر ما كان ذهول وعدم إيجاد الكلمات التي تمكنها من الدفاع عن نفسها أمامه بينما هو فتابع وهو يصر على أسنانه:
_عرفتي عاد مين فينا اللي خاين وميستحقش التاني، أول مرة احس روحي ندمان على حبي ليكي وابقى قرفان منك، أنا دلوك عشان مشغول مع خطيبتي مچبتش سيرة لعمتي بس افوق وهبلغها ومش خوفًا عليكي مثلًا منه، لا ده عشان بس عيلة الصاوي متتشرفش تناسب واحد و*** كيف خطيبك ده
مدت يدها وهمت بمسك كفه وهي تنظر له في عينيه باستعطاف لتثير عاطفته وتظهر البراءة المزيفة أمامه متمتمة:
_بشار أنت فاهم الموضوع غلط والله خليني افهمك واحكيلك كل حاچة، بس متعملش فيا إكده وتهملني
جذب يده بنفور من لمستها وهتف محذرًا إياها باستياء شديد:
_لأول مرة هحذرك يارحاب، خليكي بعيدة عن مريم وملكيش صالح بيها، وإلا قسمًا بالله هخليكي تتصدمي من ردة فعلي واللي هعمله، يلا ارجعي على البيت ومتچيش المستشفى إهنه تاني
ظلت تحدقه بصدمة دون أن تتحرك من تهديده القاسي لها كشخص غريب لا نعرفه، حتى رأت نظراته تزداد تحذيرًا مرعبًا وهو يشير لها بالذهاب فورًا ففعلت مضطرة وسارت وهي يائسة والحقد والغل يملأ صدرها تجاه مريم.
بينما بشار فاندفع للداخل إلى غرفة مريم وهو يتخبط خوفًا في نفسه أن تكون أخبرتها بشيء، لكن فور دخوله ورؤيتها له صدمته بردة فعلها التلقائي عندما ابتسمت بود وسعادة وهي تقول له:
_بشــار
اختفى القلق من على ملامحه تدريجيًا وارتفعت البسمة المحبة لثغره بالبطيء بعدما تأكد أنها لم تخبرها بشيء، بينما مريم فاستقرت نظراتها على باقة الورد التي بين يديه وابتسمت بفرحة غامرة ودهشة متمتمة:
_الله ده الورد اللي أنا بحبه
خفض رأسه ونظر للورد مبتسمًا بحب ثم تقدم نحوها وجلس على المقعد المجاور لفراشه ومد يده بباقة الورد لها هامسًا في نبرة عاطفية جميلة:
_عارف
التقطته من بين يديه وهتفت بعين لامعة بوميض جميل وهي تنظر للورد:
_شكله جميل أوي يابشار ميرسي
أجابها بهيام دون أن يحيد بنظره عنها وصوت رجولي يذيب القلوب:
_أنتي أچمل منه
رمقته بطرف عينيها مبتسمة في خجل شديد وسرعان ما دفنت وجهها بين الزهور تشم رائحتها وهي تضحك بخجل ثم رفعت رأسها له مجددًا وقالت له بعفوية تامة:
_صحيح بنت عمتك دي لطيفة أوي أنت أكيد شفتها هي وطالعة صح
ظهر الضيق على معالم وجهه مرة أخرى وقال باقتضاب:
_أه شفتها، هي چات ليه وقالتلك إيه؟
مريم برقة تليق بها وتلقائية شديدة:
_جاية تزورني عادي لما عرفت أني عملت حادث وفضلت تتكلم معايا كتير وكانت لطيفة جدًا، أنا حبيتها يعني
هز رأسه بتفهم ومازالت تعبيراته محتقنة ثم سألها بدقة أكثر ليمطئن ويتأكد:
_اتكلمت معاكي في إيه؟!
ضيقت مريم عينيها ورفعت حاجبها متعجبة من اهتمامه الشديد لمعرفة ما تحدثوا عنها وتبدل حاله للحنق الشديد فور ذكرها اسم ابنة عمته فقالت له:
_كلام عادي يابشار هو في إيه؟
أطلق زفيرًا حارًا محاولًا التحكم بنفسه الثائرة حتى لا يشعرها بشيء وقال في لطف مبتسمًا:
_لا مفيش أنا بسأل عادي
لوت فمها بقلة حيلة والتزمت الصمت ثم عادت وتمعن في باقة الورد وهي تضحك بعفوية جميلة وتستنشق رائحتها العبقة وهو يستمر في تأملها بعين تحمل نظرات العشق الجديدة.
***
عودة إلى المستشفى حيث توجد فريال بعد خروجها من غرفة العمليات لغرفة خاصة، كانت ممدة على الفراش وهي تحدق في السقف صامتة وعيناها تذرف الدموع في صمت وبجوارها تجلس إخلاص تمسح على شعرها وكتفها بحزن محاولة التخفيف عنها:
_يابتي بلاش تعملي في روحك إكده.. أن شاء الله بتك هتبقى زي الفل متخافيش
التفتت فريال لأمها وقالت بعينان باكية:
_أنا عاوزة اشوف بتي ياما أبوس يدك خليهم يچبوهالي اشوفها
إخلاص بحنو وموافقة على طلبها:
_حاضر هيخلوكي تشوفيها، چوزك ياچي بس وهيجيبها ليكي تشوفيها
سكنت فريال واستمرت في البكاء الصامت حتى مرت نصف ساعة تقريبًا وانفتح الباب ليظهر من خلفه جلال وهو يحمل بين ذراعيه ابنته الصغيرة، لمعت عين فريال بفرحة وزاد انهمار دموعها وراحت تهم بالجلوس بمفردها فوقفت إخلاص وساعدتها في الجلوس ببطء، واقترب منها جلال وهو ينظر لها بعين بائسة وحزينة مثلها ثم وضع طفلتهم بين ذراعيها، فضمتها لصدرها وهي تبكي وتقبلها من وجنتيها بحنو أمومي وتهتف من بين بكائها:
_بتي ياحبيبتي
انحنى عليها جلال ولثم رأس زوجته بعدة قبلات دافئة وطويلة وهو يحاول الصمود أمامها حتى لا تشعر بانهياره الداخلي بعدما أخبره الطبيب بالوضع الحقيقي لابنته، همس في أذنها في ابتسامة ولدت من رحم الألم:
_شبهك قوي يافريالي
رفعت رأسها له وابتسمت بود وهي تهز رأسها بالإيجاب وسط دموع وجهها:
_بس واخدة نفس عيونك
ضحك بخفة وهو يعيد تقبيلها وتقبيل طفلته وهي بين ذراعين أمها، وبتلك اللحظة دخلت الممرضة وطلبت منهم أخذ الطفلة لتتلقي العلاج اللازم في ” حضانة الأطفال “، ظلت فريال متمسكة بطفلتها ترفض اعطائها الممرضة فهتف لها جلال برزانة يحاول بث الطمأنينة لنفسها:
_اديها البت يافريال متخافيش ياحبيبتي هتبقى زي الفل ان شاء الله
انهارت دموع فريال الغزيرة ومع ضغط زوجها والممرضة أعطتها ابنتها وهي ترتجف من فرط الألم والخوف عليها، انحنى جلال على طفلته ولثم وجنتها بقبلة أبوية دافئة قبل أن تغادر بها الممرضة، انهارت فريال باكية وهي تتشبث بذراع زوجها كطفل صغير هاتفة:
_بتي ياچلال بتي، أنا سمعت الدكتور وعارفة كل حاچة
حاولت الثبات أمامها وجلس بجوارها على طرف الفراش ثم ضمها لصدره ماسحًا على ظهرها بحنو ويهمس بصوت رخيم ليهدأ من روعها:
_متقلقيش ياحبيبتي هتبقى كويسة أن شاء الله، اهدى أبوس يدك عشان خاطري
استمرت في البكاء الصامت بين ذراعيه وعلى صدره وشفتيها تلفظ بدعوات لابنتها الصغيرة وهو يهمس لها في أذنها بحب وقوة:
_هتبقى كيف أمها قوية وهترچع لحضنك، أنتي كمان خليكي قوية بس
رفعت رأسها عن صدره ونظرت له بعيناها الغارقة بدموعها ونظراتها الضعيفة، تخبره من خلالهم أن يعيد لها طفلتها، ورغمًا عنه تلألأت العبرات في عينيه هو أيضًا فعاد يضمها لصدره مجددًا ويقبًل رأسها بألم هامسًا:
_بزيادة يافريال أبوس يدك متقطعيش قلبي اكتر من إكده
كانت إخلاص تحاول تهدئة ابنتها من الجانب الآخر ودموعها تنهمر على وجنتيها تزامنًا مع دموع فريال، أما جلال فبرغم كل شيء مازال صامدًا ويتصرف بهدوء تام مقنعًا نفسه بأن ابنته ستكون بخير وستعود لأحضانهم.
***
بتمام الساعة العاشرة مساءًا……
كاموعمران في طريقه داخل منزل خليل صفوان لغرفة زوجته بالأعلى، بعدما جاء ليطمئن عليها هي وابنه واستقبلته على الباب جليلة التي رحبت به وأخبرته بأن ” آسيا ” في غرفتها، وصل أمام غرفتها ووقف للحظة يأخذ نفسًا عميقًا ثم مد يده لمقبض الباب وفتحه ببطء ودخل، وجدها نائمة في الفراش وصغيره في فراشه الصغير الهزاز بجوار فراش أمه، ابتسم بحب واغلق الباب بحذر شديد ثم اقترب منهم في خطوات هادئة حتى وقف أمام فراش ابنه وكان نائم مثل أمه فانحنى عليه وطلع قبلة أبوية دافئة على رأسه وهو يتأمله مبتسمًا، وبينما كان منشغلًا مع ابنه التقطت أذنه همسات آسيا الخافتة وهي تهمس باسمه في زعر وتميل برأسها يمينًا ويسارًا، تصارع أحد كوابيسها المزعجة فاقترب من الفراش وجلس بجوارها وبكل حنو همس لها وهو يمسح على شعرها حتي يفيقها من كابوسها:
_آسيـا.. آســيـا
لكنها لم تجب عليه واستمرت محبوسة داخل كابوسها وهي تصارعه حتى أن العرق بدأ يتصبب من جبينها وهتافها باسمه بدأ يصبح أكثر هلعًا، فهتف بصوته الرجولي القوي حتى يجعلها تستيقظ:
_آسيا اصحي.. آسيا
فتحت عيناها مفزوعة وعندما رأت وجهه أمامها نظرت له بعينان ضائعة ومرتعدة ودون تردد كانت تعتدل جالسة وتلقي بجسدها المرتجف بين ذراعيه، والعبرات بدأت تتجمع في مقلتيها وهي تهمس له بصوت خافت:
_كابوس وحش قوي ياعمران!
مسح على شعرها وظهرها بحنو وهمس في أذنها ببحته الرجولية التي تذيب القلوب:
_اهدى.. أنا چارك ياغزال متخافيش
سكن جسدها المرتجف داخل أحضانه وعلى أثر لمساته الساحرة على جسدها، وارتخت عضلاتها المتشنجة وهدأت أنفاسها، لكن الخوف والفزع مازال يستحوذ على قلبها حيث ظلت بين ذراعيه ولم تبتعد عنه متناسية تمامًا الخلافات التي بينهم والفجوات العميقة التي صنعتها الظروف من حولهم في علاقتهم.
رغم تعجبه من رد فعلها المفاجيء إلا أنه كان يحلق عاليًا من السعادة بعدما رأى بصيص أمل لعودتها له وغفرانها، ربنا حتى هي سامحته ولكنها ترفض الاعتراف، سمع عكسها المصحوب بصوتها الباكي:
_اوعاك تفكر تهملنا أنا وسليم وتمشي ياعمران، احنا مش هنقدر نستحمل غيابك
كانت تلك الكلمات الصدمة الحقيقية وكأن كل ما فعلته بكفة وهذه العبارة في كفة أخرى تمامًا، جعلت البسمة العريضة تحتل تعابيره الرجولية الجذابة ويهمس لها بعينان تلمع بوميض الغرام والأمل:
_اعتبر الكلام ده يعني أنك شلتي الطلاق من راسك و هترچعي بيت چوزك معايا خلاص
تجمدت بين يديه بعد عباراته وسكنت للحظات تفكر في رد تجيب به عليه، ثم ابتعدت عنه ببطء شديد وأبدت عن عدم إعجابها بكلماته وأنها لا تتفق معه فيما قاله، حتى إنها اشاحت بوجهها للجهة الأخرى ترفض النظر إليه كدليل على رفضها العودة معه والغفران التام له، بينما هو فاختلف العبوس ملامحه مجددًا ومد يده يعبث في خصلات شعرها بنظرة عاشقة كلها شوق وندم متمتمًا:
_بزيادة عاد يا أم سليم، أنا ندمت وعرفت غلطي ومستعد أعملك كل اللي تعوزيه عشان ترضي عني وتسامحيني، متحرمنيش منك أنتي وولدي أكتر من إكده!
رمقته آسيا بنظرة مقهورة وهتفت بضيق وخذلان:
_عمران اللي أنت عملته معايا وقولته ليا مش قليل وأنا مش هقدر أنساه بسهولة، أنا لغاية دلوك كل ما افتكر كلامك قلبي بيوچعني وكأنك طعنتني بخنجر مسموم، أنت كنت بتعايرني بناسي وأنهم رموني وأنت اللي سترتني وحميتني منهم وأني لو لساتني عايشة لغاية دلوك يبقى بسببك أنت و……
كتم فمها بكفه الكبير يمنعها من استرسال حديثها هاتفًا بأسف وحزن شديد:
_متكمليش ياغزالي، والله ما كان قصدي إكده ده كان في لحظة شيطان وأنا مكنتش داري باللي بقوله والكلام طلع من غير ما اعرف كيف طلع ولساني نطقه
لوت فمها باقتضاب دليل على أنها لم تستسلم له بعد بينما هو فانحنى على رأسها ووجهها ينكرها بوابل من قبلاته الحارة وسط همسه واعتذاره المتكرر لها:
_حقك عليا ياست البنات كلهم.. وأم الغالي.. ومرتي وحبيبتي.. أنا آسف سامحيني
للحظة شعرت نفسها سترفع الراية البيضاء وتذوب أمام سيل مشاعره الجارف، لتنخرط معه في بحور عشقهم الأبدية لكن بسرعة تداركت نفسها وهتفت له بحزم بسيط تحاول من خلاله إخفاء ضعفها أمامه وهي تبعد شفتيه عن وجهها:
_كفاية ياعمران خلاص!!
مال ثغره للجانب في ابتسامة ماكرة بعدما فهم وضعها وأنها لانت له فضحك وقال مبتسمًا في جدية:
_طيب چهزي نفسك عشان بكرا الصبح هاخدك على شقتنا وافرچك عليها
ارادت الاعتراض على أي شيء حتى لو لم يكن يستحق فقط لتحافظ على موقفها الذي اهتز أمامه وظهر استسلامها وحبها له الذي غلب غضبها:
_لا مش عاوزة اروح معاك مكان!
تمالك نفسه من الضحك بصعوبة ورد عليها بحدة رجولية متصنعة:
_بس أنا قولت هتروحي ياغزالي ومفيش حرية الاختيار
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تتأفف بنفاذ صبر مغتاظة بينما هو فاستقام واقفًا وانحنى عليها بقبل شعرها مجددًا وهو يهمس لها مودعًا إياها:
_تصبحي على خير ياروح قلبي
كانت تتفادى النظر إليه متعمدة حتى لا يرى الاستسلام في نظراتها بينما هو فاتحه نحو فراش صغيره وفعل المثل معه يودعه ثم تحرك وغادر الغرفة لتنطلق منها لا إراديًا ابتسامة على ثغرها مغلوبة بعد عبارته التي سمعتها لأول مرة منه ” روح قلبي “.
***
بمكان آخر تحديدًا بمنزل مروان….
كان قد وصل للمنزل بعد رنين طويل ومتكرر عليها ليخبرها أنه قادم إليها لكنها لا تجيبه، فقرر الذهاب لها فورًا ليطمئن عليها خشية من أن يكون صابها مكروه.
وقف أمام الباب وهو يطرق بيده بقوة وينتظر لحظات على أمل أن تفتح له لكن دون جدوى، استمر في الطرق بقوة والقلق استحوذ عليه وسط هتافه عليها من الخارج وهو يقول:
_خــلود!
مع عدم حصوله على رد منها لم يتردد في اخراج مفاتيحه الاحتياطية وفتح الباب ثم دخل متلهفًا يبحث عنها في المنزل بفزع ظنًا منه أنها ليست بخير، استمر في التجول بالمنزل وهو يصيح عليها:
_خلود أنتي فين.. خلود!!
بعد الانتهاء من البحث في المنزل كله لم يتبقى سوى غرفتها فدخل فورًا دون تردد ولم تكن بها أيضًا لكن الصدمة الحقيقية عندما رأى باب الخزانة مفتوحًا فاقترب منه بتريث وعندما نظر داخله وجده فارغ من ملابسها وكل شيء يخصها.. تجمد بأرضه مندهشًا لا يصدق أنها تركت المنزل ورحلت، هو حتى لا يفهم لماذا فعلت وما الذي حدث ليدفعها لهذا التصرف دون أن تخبره.
جلس على فراشها وأخرج هاتفه يعاود الاتصال بها للمرة الألف هذا اليوم على أمل أن تجيب ولكن باتت كل محاولاته بالفشل، فوضع رأسه بين راحتي كفيه وهو يزفر بخنق وقلق متمتمًا:
_روحتي فين بس ياخلود، إيه اللي حصل خلاكي تمشي!!!
***
بصباح اليوم التالي……..
استعدت آسيا وارتدت ملابسها بالإجبار بعد ضغطه عليها المستمر للذهاب معه لمنازلهم الجديد ورغم سعادتها وحماسها لرؤيته إلا أنها كانت تحاول إنقاذ صورتها المهزوزة، وقررت ترك طفلها مع أمها لترعاه إلى حين عودتها.
خرجت من غرفتها ونزلت الدرج متجهة لخارج المنزل بعدما وصلها اتصال منه محتواه أنه ينتظرها بالأسفل، فور خروجها من باب المنزل اقتربت من سيارته واستقلت بجواره وهي صامتة في وجه خالي من التعابير، لم يعقب هو عليها وتفهم ردة فعلها بصدر رحب وهو يضحك عليها ثم انطلق بالسيارة يشق الطرقات في اتجاه منزلهم الخاص.
بعد دقائق طويلة نسبيًا توقف بالسيارة أخيرًا أمام بناية ضخمة كل طابق يحتوي على العديد من الشقق السكنية، خرجت من السيارة وهي ترفع رأسها لأعلى تتمعن النظر في البناية بتعجب ودهشة بسيطة من ارتفاعها الشاهق وضخامتها بينما هو فوقف خلفها ولف ذراعه حول خصرها وهو يهمس في أذنها يحسها على السير معها:
_يلا ياغزالتي
ابعدت ذراعه عن جسدها ببطء في امتعاض مزيف وتحركت أمامه بخطواتها الواثقة متجهة نحو المصعد الكهربائي التي استقلت به أولًا ولحق هو بها ليضغط على زر الطابق الخامس، فنظرت له بدهشة وقالت في خوف بسيط:
_لا أنا مش هفضل في الاسانسير لغاية الدور الخامس، أنا هطلع على السلم
عمران بلهجة دافئة مبتسمًا:
_أنتي تعبانة ومينفعش تطلعي على السلم وبعدين خايفة من إيه، أنا معاكي أهو!
آسيا بخوف ملحوظ وشديد:
_لا ياعمران طلعني أنا مش متعودة اطلع الأدوار العالية دي بالاسانسير
لف ذراعه حول كتفيها وهمس لها بحنو في نظرة مفعمة بالآمان:
_متخافيش!
وباالحظة التالية فورًا كان يضغط على الزر وينطلق المصعد للاعلى فتشبثت بذراعه لا إراديًا في قلق مغلقة عينيها، وشعرت بشفتيه ككل مرة فوق بشرتها الناعمة، لم تكن في حال لتمنعه فكل ما كان يشغل بالها الآن أن تصل سالمة للطابق الخامس.
توقف المصعد أخيرًا وانفتح الباب ففتحت عينيها وهي تطلق زفيرًا حارًا بارتياح وتنظر له فتجده يتأملها مبتسمًا بحب، لتقول له مغتاظة وهي تهم بالمغادرة من المصعد:
_اسنغلالك للموقف چوا الاسانسير مش هعديه أنا بس مكنش عندي طاقة للخناق معاك بسبب خوفي
قبض على ذراعها يوقفها ويهمس في أذنها بعبث وخبث:
_نتخانق براحتنا چوا شقتنا ياغزالة
دفعت يده بعيدًا عنها في غيظ وخرجت من المصعد ولحق هو بها الذي توقف متسمرًا بأرضه عندما رأى ” صابر ” يقف أمام باب منزله بانتظاره وعلى ثغره ابتسامة صفراء وشيطانية…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى