روايات

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندى محمود توفيق

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) البارت الثالث عشر

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الجزء الثالث عشر

وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)
وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2)

رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2) الحلقة الثالثة عشر

(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2 _
_الفصل الثالث عشر _
ظل واقفًا مكانه للحظات يستوعب ما سمعه للتو منها وتهديداتها الصريحة له، ليهتف بعد وقت قصير بصوت رجولي:
_مش هدخل الأوضة كيف يعني، افتحي يا آسيا متخلنيش افتحه غصب واكسره واصل
هتفت بغضب شديد صائحة:
_أه مهو ده اللي ناقص كمان غلطان ومش عاچبك!
كان سينفجر بها صارخًا لكنه تمالك أعصابه على آخر لحظة وهو يتلفت حوله ويقول بصوت محتقن:
_وأنا بقولك افتحي عشان افهمك اللي حُصل، واراضيكي
آسيا بنبرة أثنوية شرسة وعناد شديد:
_أنا معاوزكش تراضيني بالكلام.. عاوزة أفعال وقولتلك هتعمل إيه.. وبعد ما السحلية دي تطلع من البيت ابقى وقتها افكر في عقابك الحقيقي على اللي شوفته وانت واخدها في حضنك
مسح على وجهه متأففًا وراح يقسم لها بصدق وضيق:
_يابت الناس بقولك والله ما اعرف كيف ده حُصل، هي مثلت أنها أغمى عليها واترمت في حضني
جزت آسيا على أسنانها حقدًا وهي تشتعل بنيران غلها وغيرتها، وتتعهد لمنى بعقاب لم تكن تتخيله أبدًا سيجعلها تندم على مجرد تفكيرها في زوجها وسيمنعها من خطو خطوة واحدة لهذا المنزل مجددًا.
ردت على عمران بغضب هادر:
_مش هفتح ياعمران الباب شوفلك مكان تنام فيه الليلة دي.. أنا مش عاوزة اشوفك، ولغاية ما تنفذ اللي طلبته مفيش كلام بينا واصل ولا حتى عيني هتاچي في عينك
تقوست عضلات وجهه بسخط حقيقي وهتف مغتاظًا:
_هي بقت إكده يعني هتمعنيني من دخول الأوضة يابت خليل
كانت بالداخل تقف مستندة بظهرها على الباب وتعقد ذراعيها أمام صدرها، وهي ترفع رأسها للأعلى بعنجهية وعناد تأبى الرد عليه،حتى تسمعه يكمل بنفس نبرته السابقة:
_ماشي يا آسيا براحتك
ثم ابتعد عن باب الغرفة وقاد خطواته عائدًا لغرفته بالأعلى متمتمًا غيظ شديد منها:
_بتلوي دراعي يعني، فاكرة أني اسلوب التهديد ده هيمشي معايا مثلا
بينما آسيا فاندفعت نحو فراشها وجلست على الطرف تهز قدميها وتضرب الأرض بعنف كلما تتذكر ذلك المشهد، ويزداد نقمها أكثر على زوجها ووعيدها لمنى يصبح أكثر شرًا.
تركت افعى سامة بمنزلها وسمحت بوجودها ظنًا منها أنها لن تشكل خطرًا لكن اتضح أنها أصبحت فريستها.
***
داخل منزل مروان…
جلست خلود على الأريكة أمام شاشة التلفاز شاردة الذهن وهي تتذكر حديثهم بصباح اليوم، لا تعرف كيف وافقته على ذلك الاقتراح والآن هي بمنزله لكن لم يكن أمامها حرية الاختيار واضطرتها الظروف للاستسلام.
ظل يحدق في تعبيرات وجهها بفضول قبل أن يسألها مرة أخرى:
_لسا برضوا خايفة ما تحكيلي؟!
رفعت خلود نظرها لوجهه ورمقته مطولًا بأسى ثم استسلمت وقالت:
_چوزي كان بيضربني وبيعذبني ومش عاوز يطلقني وآخر مرة حاولت اهرب منه مسكني وحبسني من وقتها في اوضة من غير وكل ولا شرب لغاية ما قدرت اهرب منه دلوقتي
ظهر النقم والاشمئزاز على تعبيرات مروان تجاه سمير لكنه حاول التحكم بانفعلاته وسألها باهتمام:
_طيب وأهلك ملكيش أي حد؟!
هزت رأسها بالنفي وهي تبكي بحرقة وتعكس بصوت ضعيف بالكاد يُسمع:
_اهلي في بينا مشاكل كبيرة ومفيش فيهم عاوزني ولا عاوز يشوف وشي ومقدرش اروحلهم واصل
غضن حاجبيه باستغراب متسائلًا في نفسه عن سبب تلك الخلافات الأسرية التي تجعلها خائفة من اللجوء لعائلتها في مثل هذه الأمور الخطيرة، لكن أجل السؤال في ذلك الأمر الآن وهتف بجدية:
_بس اعتقد في الوضع ده اكيد الخلافات اللي بينكم اهلك هيركنوها على جمب
لم تجيب واستمرت في البكاء الشديد فمسح مروان على وجهه بحيرة وهتف في إشفاق:
_طيب أنتي هتعملي إيه دلوقتي؟
رفعت كتفيها لأعلى بجهل وتهتف بصوتها المبحوح من شدة البكاء:
_معرفش معرفش.. بس هو أكيد بيدور عليا ولو عتر فيا مش بعيد يخلص عليا واصل
انتصب مروان واقفًا وراح يجوب يمينًا ويسارًا وهو يمسح على ذقنه ويفكر في حل لتلك المعضلة، عله يتمكن من مساعدتها، مر وقت طويل نسبيًا حتى وجدته يجلس القرفصاء أمامها مجددًا ويقول بنظرة حادة لا تحمل أي مزح:
_أنا عندي اقتراح واتمنى متفهمنيش غلط وتسمعيني للآخر، تمام؟
تطلعت في وجهه بفضول وراحت تهز رأسها له بالموافقة فأكمل هو بصوت رجولي قوي:
_أنتي مفيش مكان تروحيله ولو طلعتي ممكن الحيوان ده يوصلك، فأنا بقترح إنك تفضلي في شقتي هنا مؤقتًا لـ…
قاطعته وصاحت به بغضب شديد وهي تستقيم واقفة منفعلة:
_شقتك ده إيه.. أنت شكلك إكده افتكرتني من البنات إياهم، أنا غلطانة أني وثقت فيك وحكتلك مشكلتي
أردف مروان مسرعًا بجدية وصوت غليظ يحمل الرجولة والصدق:
_أنا مش قولتلك اسمعيني للآخر ومتفهمنيش غلط.. الشقة دي بتاعتي بس معايا شقة تاني بتاعت أهلي وممكن اقعد فيها وانتي تقعدي هنا واديكي المفتاح
بدت وكأنها لم تقتنع ولم توافق فأكمل هو بنبرة دافئة يحاول بث الآمان لنفسها:
_متقلقيش والله أنا مش هأذيكي والمفتاح هيبقى معاكي وعشان تطمني اقفلي الباب بالمفتاح عليكي وتربسي الباب عشان تبقى مرتاحة، لكن هتطلعي وتمشي هتروحي فين بس؟!
زمت شفتيها بخوف ملحوظ وحيرة وتوتر فظل هو يرمقها بنفس نظراته علها تقتنع وتوافق وتثق به، أخيرًا ظهر عليها ملامح الموافقة ولكنها مازالت تكابر وهتفت برفض وارتيعاد:
_أنا مقدرش اقعد في شقتك أنا معرفش أنت مين ولا ممكن تستغلني كيف وتعمل معايا إيه؟!
ابتسم مروان بساحرية وقال وهو رافعًا حاجبه بنبرة مميزة ومازال محافظ على بسمته:
_وهو أنا لو عاوز اعمل فيكي حاجة كنت عملتها من بدري ما أنتي أهو قاعدة في شقتي برضوا وانا قاعد معاكي وحدينا، متخافيش مني أنا بجد عايز اساعدك ومفيش في نيتي أي حاجة وحشة، ولو على أنا مين وده مسببلك مشكلة ومش مطمنك، أنا اسمي مروان العلايلي ومهندس معماري شغال وعايش في ايطاليا وبنزل اجازات هنا يعني عيلتي كلها في مصر هنا بس أنا وولدي ووالدتي واخواتي عايشين في ايطاليا، حابة تعرفي إيه تفاصيل تاني؟
تعريفه لنفسه وأسلوبه المنمق في الحديث والواثق جعلها تطمئن له قليلًا، وتفكر بالموافقة بعدما أقنعها عقلها بأنه لا يبدو عليه شاب سيء وقد يلحق بها الأذى، التزمت الصمت ولم تجيب على سؤال فقد كانت منشغلة بالتفكير حتى انتشلها سؤاله الجديد:
_قولتي إيه موافقة ولا لا؟
رفعت عيناها له وتطلعت في خاصته مطولًا بتدقيق ثم أصدرت زفيرًا قوي قبل أن توميء له بالموافقة أخيرًا…
عادت لواقعها وقد تذكرت سمير واستخوذها الارتيعاد والقلق وهي تفكر ماذا حدث معه وهل اسعفته فتاته في الوقت المناسب ام حالته الصحية تدهورت، تخشى أن يكون صابه مكروه بسببها لكنها لا تستطيع الاطمئنان عليه، ولم تحكي لمروان أنها ضربت زوجها أثناء هروبها.
***
داخل منزل خليل صفوان……
صعد الدرج بخطوات بطيئة متجهًا نحو غرفته وملامحه تكشف عن مدى التعب الجسدي والإرهاق الذي يعاني منه بسبب اليوم الطويل، مر من أمام غرفة غزل ووجد الباب مفتوح فتوقف وضيق عينيه باستغراب متسائلًا عن سبب تركها الباب مفتوح في هذا الوقت المتأخر، ثم تقدم بتريث نحو غرفتها حتى وقف بجوار الباب وراح يطرق عليه بلطف هاتفًا:
_غزل!!
نادي عليها مرة أخرى عندما لم تجب في الأولى لكنها لم تحب في الثانية أيضًا، فتحرك بخطواته لداخل الغرفة وهو يتلفت برأسه بحثًا عنها وقد بدأ القلق يتملكه خوفًا من أن يكون خرجت أو صابها مكروه، لفت نظره صورها المختلفة المعلقة على الحائط وكذلك الموضوع فوق المنضدة الصغيرة بجوار الفراش فمال بجزعة للأمام ليلتقط الأطار ويتأمل في تلك الصورة التي التقطتها أمام البحر وهي مرتدية نفس الثوب الذي كانت ترتديه بصباح اليوم وشعرها يتطاير حولها يفعل نسمات الهواء، للحظة نسى غيابها وهام بصورتها وظهر شبح ابتسامته على ثغره لكن تلك الأجواء الهائمة لم تكن كثيرًا حيث صوتها من خلفه عند باب الغرفة تقول بنعومة:
_علي!!.. بتعمل إيه في my room؟
انتفض فزعًا ولا إراديًا سقط الأطار من يده وبلحظة واحدة حدث كل شيء ووجدت الإطار تهشم على الأرض، نقل هو نظره المندهش بين الأفكار والصورة وبين وجهها الذي تعلوه ملامح الصدمة وعيناها متسعة فتنحنح بإحراج بسيط وتمتم:
_احم.. مكنش قصدي
تقوس فمها بطفولية وبدت وكأنها على وشك البكاء واسرعت نحو صورتها تجثوا على الأرض وتهتف بحزن وتوبيخ له:
_أوف ياعلي حرام عليك أنا بحب الصورة دي أوي، ليه كدا
لوى فمه بضيق من نفسه بينما هي فهبت واقفة وصاحت به بخنق:
_أنت إيه اللي دخلك اوضتي أصلًا
هتف بصوت رجولي غليظ ومنزعج:
_ده چزاتي يعني أني دخلت اطمن عليكي لما لقيت الباب مفتوح
غزل بغضب وعتاب شديد:
_وبتمسك حاجتي ليه!
تنهد “على” الصعداء وقال بجدية ولطف جميل:
_حقك عليا ياست البنات هاتي الصورة اللي في يدك دي وأنا هعملك احلى برواز ليها تاني
رفعت حاجبها باستنكار وبدا عليها عدم تصديقه فقالت له مستهزئة:
_أشك إنك هتعمل كدا أصلًا.. اكيد بتقولي كدا عشان تسكتني!
” علي ” بنبرة رجولية مهيبة كلها ثقة:
_معندناش رچالة بتكدب، طالما قولتلك هعملك واحد يبقى هعملهولك
ضيقت عيناها بعدم ثقة وهي تنظر ليده منتظرًا منها أن تعطيه الصورة فمالت بوجهها عليه قليلًا وقالت:
_امتى هتعملها؟
على ببرود تام:
_في اقرب وقت أول ما اكون فاضي
ابتسمت له باستنكار وتطلعت في عيناه بتحدي هاتفة برقة معتادة:
_بكرا
رفع حاجبه اليسار بدهشة من نظرات التحدي التي تحدقه بها، وابتسامتها المتلذذة وكأنها تنتقم منه، فابتسم رغمًا عنه على عفويتها ورضخ لها وهتف:
_بكرا ياغندورة، أي أوامر تاني!
لوت فمها بقرف وقالت بانزعاج حقيقي وهي تعرض وجهها عنه:
_ومتقولش ياغندورة دي تاني لأنها مستفزة
على متنهدًا بقلة حيلة وهو مازال محتفظ بابتسامته:
_طيب.. هاتي عاد الصورة دي خليني اروح اريح وأنام في اوضتي
مدت يدها له بالصورة ووضعتها في كفه بامتعاض فاستدار وتحرك تجاه باب الغرفة لينصرف لكنها أوقفته فجأة بصورتها الرقيق والحماسي وهي تلحق به:
_علي استنى!
توقف واستدار لها برأسه فوجدها تبتسم له بخبث ومتعة وهي تسأله:
_مردتش على سؤالي بتاع العربية في الصبح يعني، أنت ليه مهتم لأمري؟
تجمدت تعبيرات وجهه وبدا وكأنه داخل حصار خطير، لكنه نجح في الهروب منه حيث أجابها بكل برود متصنعًا عدم المبالاة:
_تصبحي على خير ياغندورة
ولم يترك لها فرصة طرح سؤال آخر أو الإلحاح في الحصول على إجابة حيث تركها وانصرف، وكانت هي تشتعل غيظًا من نعته لها بـ ” غندورة ” ثانية.
***
بصباح اليوم التالي…….
استيقظ كل من جلال و فريال فزعًا على أثر صوت صحة عنيفة منبعثة من المطبخ ناتجة عن سقوط الأواني والصحون، لم تفكر بشيء سوى أبنائها ووثبت واقفة تخرج من غرفتها وهي بملابس النوم عبارة عن ثوب حريري قصير من اللون الأحمر، وقد نست تمامًا أن جليلة بالمنزل معهم بعدما تأخرت عمدًا بالأمس فاقترح عليها جلال قضاء الليلة معهم وهي فورًا وافقت.
وصلت فريال المطبخ وتسمرت بأرضها مندهشة عندما وجدت جليلة بالمطبخ وقد قامت بتحضير الفطور كاملًا، نظرت جليلة لها هي وابنها وقالت بتصنع الحزن:
_يقطعني هو انا صحيتكم، معلش عاد ياولدي بس قولت احضرلكم الفطور لقيت مرتك نايمة لغاية دلوك والعيال معاهم مدرسة وانت معاك شغل
لوت فريال فمها بغيظ محاولة تمالك أعصابها بينما جلال فرد على أمه بود:
_كتر خيرك ياما.. تعبتي نفسك
جليلة بكل حب أمومي:
_تعبك راحة ياولدي أنت وعيالك
كانت فريال تجاهد في البقاء هادئة ومتبلدة المشاعر رغم أنها تشتعل غيظًا من حماتها، وبالأخص عندما وجهت لها الحديث بلهجة جافة ومتهكمة:
_روحي غيري خلچاتك والبسي حاچة زينة، هتقعدي إكده قصاد ولادك دول كبروا وبقوا رچالة
طفح كيلها وكانت على وشك الانفجار بها والرد عليها لكن أوقفها لمسة جلال الحانية لها وهو يشير بعينيه أن تذهب لغرفتها وتبدل ملابسها، فكتمت حنقها في نفسها وتحركت تجاه غرفتها وهي عبارة عن جمرة مشتعلة وتتمتم بكلمات غير مفهومة تدل على انزعاجها الشديد من تدخلها بحياتها حتى بعدما تركت لها المنزل كله، ونيرانها تشتعل أكثر من فكرة أنها دخلت مطبخها وحضرت فطورهم فقط بنية إظهارها أمام زوجها أنها غير مؤهلة لتحمل مسؤولية منزل كامل بمفردها ولن تستطيع الاهتمام بزوجها أولادها ومنزلها.
خرجت من الغرفة بعد دقائق طويلة نسبيًا وقد ارتدي عباءة منزلية مطرزة باللون الأخضر، فوجدتهم تجمعوا حول طاولة الطعام وبدأوا في تناول فطورهم، رسمت بسمة باهتة لأولادها وهو يهتفون بحماس طفولي:
_الچدة عملت لينا الفطور اللي بنحبه ياما
ردت جليلة بحنو:
_بالهنا والشفا ياولاد الغالي
اقتربت فريال وجلست بجوار زوجها الذي كان يلاحظ ملامحها المكفهرة ولكنه محاصر بين زوجته وأمه ولا يعرف كيف عليه أن يتصرف، ومن الذي سيراضيه بينهما ففضل الصمت تمامًا كاسلم حل في هذه المواقف، لكن جليلة سألته:
_أيه رأيك في الوكل يا چلال؟
تسأله وكأنه يأكل الطعام من يدها أول مرة!!.. رفع رأسه لها وابتسم بدفء لأمه وقال بامتنان:
_تسلم يدك ياما الوكل زي العسل
نظرت لفريال وقالت بنظرات تضمر خلفها الكيد والحقد:
_لو فضلتوا على الحال ده كل يوم إكده.. العيال وچوزك هيطلعوا على لحم بطنهم الصبح، لازم تعودي روحك من إهنه ورايح على الصحيان بدري، أنتي دلوك ست البيت إهنه ومفيش حد غيرك يعني كل حاچة عليكي مش كيف ما كنتي في البيت عندينا، يعني محدش هيشيل عنك حاچة
تدارك جلال الموقف بسرعة قبل أن تنفجر زوجته وينشب بينهم شجار عنيف أمام أولادهم، راح يلف ذراعه حول كتفي فريال ويضمها إليه وهو يقبل شعرها بحب حقيقي ويتمتم مبتسمًا:
_وهو احنا من غيرها نعمل إيه ياما.. ده احنا نتوه من غيرها ربنا يخليها لينا ويقومها بالسلامة
أخيرًا ابتسمت فريال من القلب بمشاعر فرحة وحب حقيقي وهي تنظر له بامتنان وغرام، رغم أن جلال كان يعلم أن كلماته ستثير غيرة أمه ولكن كان عليه أن يضحى بأحدهم في سبيل إنقاذ الموقف، عاد يلثم رأس فريال مجددًا وهو يهمس لها بصوت يذيب القلب لم يسمعه سواها:
_بحبك يافريالي
تلونت وجنة فريال بحمرة الخجل رغم محاولاتها لأخفاء مشاعرها وتعبيراتها لكنها فشلت، فهتفت جليلة بود مزيف:
_ربنا يخليكم لبعض ياولدي وتفرحوا بولادكم أن شاء الله
ردد بتمنى وابتسامة:
_امين يارب
بدأت فريال في تناول طعامها بنفس مشتهية وتلذذ بعد ردة الفعل الغير متوقعة من زوجها التي أدخلت السرور على قلبها.
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي…
خرجت آسيا من غرفتها وهي تنوي بدأ خطتها في كشف حقيقة حماتها لزوجها وطرد منى من المنزل أو فضحها بالمعنى الأدق، لكنها اصطدمت فجأة برحاب أمامها التي كانت غاضبة بشدة وترمق آسيا بنارية!.
رحبت بها آسيا في ابتسامة متكلفة:
_أهلًا وسهلًا يا رحاب.. ياريت تكوني چاية تاخدي أختك السحلية
رحاب بسخط شديد ونبرة قوية:
_انتي اللي عملتي ٱكده في وش منى يا آسيا؟!
ابتسمت آسيا ببرود مستفز وردت عليها:
_آه لقيت روحي زهقانة فقلت أما ارسم لوحة تذكارية على وشها عشان تفضل فكراني بيها طول العمر
صاحت رحاب منفعلة:
_أنتي روحك إيه محدش هيقدر عليكي يعني ولا إيه.. مع أني معرفش كيف سكتولك وسمحولك تعملي إكده في منى بس أنا مش هسكت
تابعت آسيا بنفس تعبيراتها وبرودها المريب الذي لا يبشر بالخير أبدًا:
_أه محدش بيقدر عليا وفي البيت ده بذات، ولو على سمحولي كيف فالكل إهنه عارف أن اختك سحلية ومعندهاش كرامة وتستاهل اللي يچرالها مني
رفعت رحاب سبابتها في وجه آسيا توجه لها تهديداتها الحقيقية بزمجرة:
_خليكي بعيدة عن أختي يا آسيا وقسمًا بالله لو يدك اترفعت على اختي تاني ولا قربتي منها هتشوفي وشي الحقيقي وقتها
أظهرت آسيا عن أنيابها أخيرًا ونزعت قناع البرود والهدوء المزيف حيث تقوست تعبيراتها بشكل مرعب وهي تنظر لأصبع رحاب وتقول لها بعين ملتهبة:
_أنا مبتهددش ياحلوة، ونصيحة متخلنيش أنا اللي اوريكي وش آسيا صفوان الحقيقي، يعني بلاش تفتحي على روحك باب مش هتعرفي تقفليه
ضحكت رحاب بسخرية منها دون أن يهتز لها شعرة واحدة من نظرات آسيا وتهديداتها لها:
_لو فكراني منى اللي هتخاف منك وترچع ورا تبقى غلطانة، أنتي تقفي عندي أنا وتفكري مية مرة قبل ما تحبي تهدديني
عادت بسمة آسيا لثغرها مجددًا لكن هذه المرة كانت متهكمة وكلها مكر ثم مالت عليها بالقرب من أذنها وهمست بشيطانية:
_عندك حق أصل اللي بوشين زيك إكده لازم تكتكيله زين قبل ما تتعاملي معاه، على الأقل اختك مكشوفة وباينة للكل إنها عشفة وعاوزة تخطف چوزي مني، لكن إنتي عاملة ملاك مكسور الجناح وعاوزة تخطفي بشار من خطيبته، مهو كان قصاك دايمًا ولا هو حلي في عينك لما خطب كيف ما چوزي حلي في عين اختك لما اتچوزني، أنا برأى أنتي واختك عندكم مشكلة ومحتاچين تتعالچوا منها.. مبتعچبكمش غير الرچالة المتچوزة.. يعني خرابين بيوت
تلون وجه رحاب باللون الأحمر القاتم من فرط الغيظ وعيناها اشتعلت بنيران النقم والغضب على آسيا ولا إراديًا رفعت يدها وكانت تنوي صفعها على وجهها لكن علقت يدها بالهواء على أثر صوت عمران المخيف:
_رحاب بتعملي إيه؟!!!
انزلت يدها بالبطيء وهي لا تحيد بنظرها الملتهب عن آسيا وتجيب على عمران بسخط شديد:
_أسال مرتك الأول بتقولي إيه ياعمران، معدتش عارفة توزن كلامها وبتخرف بالكلام
عمران بنبرة رجولية قاسية وملامح حادة:
_مرتي الحمدلله عقلها يوزن بلد، ولو قالتلك حاچة ضايقتك فـ ده أكيد رد فعل.. وده ميدكيش الحق ترفعي يدك عليها
التفتت آسيا تجاه عمران بدهشة من رده وسرعان ما عادت بوجهها لرحاب وعقدت ذراعيها أمام صدرها تحدقها بنظرة تشفي وعنجهية، كادت رحاب تجيب على عمران لكن اسميتها صوت بشار الذي وصل للتو من الخارج وهتف بغلظة:
_في إيه يارحاب؟!!
التفتت له وردت بهدوء في خنق:
_مفيش حاچة
نقل بشار نظره بين عمران وآسيا محاولًا فهم الموقف الذي دار بينهم لكنه فشل فخاف بجدية:
_طيب تعالي أنا كنت عاوزة اكلمك في حاچة كويس إنك چيتي
رأى بشار نظرة انزعاج في عين عمران وكأنه يريد توبيخه لكنه لا يستطيع، فتجاهل نظراته وابتعد بخطواته عنهم ولحقت به رحاب غير مبالية بنظرات كل من عمران وآسيا لها.
التفت عمران تجاه آسيا بعد انصرافهم وسألها بحزم:
_إيه اللي حُصل؟!
ابتسمت آسيا له بغنج أنثوي وهي تنظر له بطرف عيناها وتمسك على صدره بنعومة متمتمة:
_مشاكل حريم متشغلش بالك بيها يامعلم، بس متفتكرش أن اللي عملته دلوك هيشفعلك ويخليني انسى اللي حُصل امبارح.. يعني انا لسا عند كلامي ولساتني محارباك ومش هرضى عنك غير لما تعمل اللي قولتلك عليه
أنهت عباراتها وابتعدت بخطواتها بعيدًا عنه تتركه يقف محتارًا من بين الغيظ الشديد منها وبين الحب والإعجاب بدلالها عليه، ولأن هذه المرة هي على حق لا يمكنه حتى الاعتراض على دلالها وطلباتها وعقابها له.
***
غادر بشار المنزل بأكمله واستقل بسيارته ولحقت رحاب به واستقلت بجواره، فوجدته يطرح سؤاله عليها باهتمام:
_إيه اللي كان بيحصل فوق؟!
ردت بخنق وإيجاز شديد:
_ولا حاچة شديت أنا وآسيا شوية
ضيق عينيه باستغراب وهتف:
_ليه؟
رحاب محاولة تخطي السؤال وتجاهله:
_متشغلش بالك يا بشار.. المهم قولي أنت كنت عاوز تتكلم معايا في موضوع إيه؟
تنهد الصعداء مطولًا وظل ساكنًا للحظات يفكر في كلماته وكيف سيبدأ حديثه، وأثر بالنهاية أن يبدأ بسؤال عن أهم شيء:
_انتوا خلاص رچعتوا الدهب وكل حاچة لخطيبك والموضوع خلص صُح؟
هزت رأسها له بالإيجاب وهي لا تفهم سبب سؤاله فمسح على وجهه بارتباك ملحوظ وهو يطلق زفيرًا حارًا، ثم تمتم وهو ينظر لها بحب:
_أنا عارف أنه مش وقته ومينفعش اقول الكلام ده دلوك وخصوصًا أني لساتني مرتبط، بس أنا تعبت ومش قادر اخبي اكتر من إكده يارحاب
ظهر شبح ابتسامتها الخجلة على ثغرها الناعم وهي تطرق رأسها أرضًا بعدما فهمت ما يلمح إليه فتابع هو بجدية ومشاعر جيَّاشة:
_أنتي أكيد واخدة بالك وعارفة مشاعري ناحيتك ازاي، وإني من زمان مش عارف اشيلك من عقلي وقلبي
رغم السعادة المفرطة التي استحوذت عليه وقلبها الذي يتراقص فرحًا، إلا أنها رفعت رأسها له وطالعته بعين حزينة متمتمة:
_بشار أنت بنفسك قولتلها الكلام ده مينفعش،وأنت مرتبط وخاطب
أجابها مسرعًا بنبرة مغرمة وجادة:
_أنا عارف.. بس أنا مش هقدر اكمل في علاقتي مع خطيبتي، هي كويسة وبنت حلال وتستاهل واحد يحبها صُح وأنا مش هقدر أمامها معايا وأنا قلبي مع غيرها عشان إكده هفسخ الخطوبة، أنا بس حبيت اقولك الكلام ده واعرفك أني مش هكمل معاها، خايف تروحي من يدي تاني وعشان إكده اعترفتلك بمشاعري
اعرضت وجهها عنه خجلًا واستحياء ثم همست له برقة ودلال:
_متقلقش مش هضيع من يدك تاني.. بس لغاية ما تفسخ خطوبتك ويبقى في حاچة رسمي بينا متنتظرش مني أي حاچة
ابتسم لها بدفء وتمتم في صوت رجولي ساحري:
_أنا مش منتظر منك حاچة اصلًا، كفاية أنك تستنيني لغاية ما اظبط اموري بس
رحاب بصوت ضعيف بسبب خجلها منه:
_انا هرچع البيت چوا عشان اشوف منى
لم يعترض واكتفى بالصمت ومتابعته لها وهي تخرج من السيارة وتقود خطواتها نحو المنزل مجددًا، وعلى ثغره ابتسامة عاشقة وفرحة، رغم تأنيب ضميره الذي يعكر عليه صفوه وصوت عقله الذي يصرخ عليه دون توقف أنه يخون خطيبته لكنه اسكته بحجة أنه لن يتركها معلقة بحبال ذائبة معه وسينهى علاقتهم حتى تتمكن هي من استكمال حياتها وربما تجد الرجل المناسب لها.
***
بمكان آخر داخل منزل مروان حيث تسكن خلود….
بينما تقف بالمطبخ تقوم بتحضير وجبة صغيرة لها للإفطار، انتفضت فزعًا على أثر سماعها لصوت رنين الباب وتسمرت بأرضها دون حركة في خوف شديد بعدما قذف بعقلها فكرة احتمالية أن يكون سمير عرف مكانها، ظل مكانها كالصنم ودقات قلبها تسارعت وصدرها يرتفع وينزل متازمنًا مع أنفاسها، ورنين الباب لا يتوقف بل وتحول لطرق قوي فقادت خطواتها أخيرًا لكن كانت متعثرة تقدم خطوة وتأخر الأخرى، حتى وصلت للباب أخيرًا ووقفت خلفه وهي تحاول السيطرة على أنفاسها لتهتف بصوت مرتجف:
_مين؟
وصلها صوت رجولي مألوف عليها من الخارج هاتفًا:
_أنا مروان ياخلود!
وضعت كفها على صدرها مطلقة زفيرًا حارًا بارتياح وردت عليه متلعثمة وبصوت ضعيف:
_طيب ثانية واحدة
اتجهت للداخل وارتدت رداء طويل محتشم وفضفاض وعادت له مجددًا لتفتح الباب فتجده يقابلها بابتسامته البشوشة ويقول معاتبًا إياها:
_أنتي كنتي نايمة ولا إيه أنا قلقت لما مردتيش
افسحت له الطريق باستحياء ملحوظ وهي تهمس:
_كنت في الحمام
تنحنح بإحراج بسيط ولم يجيب بينما هو فنزع حذائه بجوار الباب وأشار لها بيده على الداخل وهو يبتسم وكأنه يأخذ الأذن منها ليدخل، فقالت له بتعجب وجدية:
_اتفضل طبعا ده بيتك أنت هتاخد الأذن مني!
قاد خطواته للداخل حتى وصل للأريكة وجلس فجلست هي على المقعد المقابل له وهي ساكنة تمامًا، والصمت بينهم سيد الموقف حتى هتفت بارتيعاد ملحوظ على تعبيراتها:
_هو سمير ممكن يعرف مكاني ده ويوصلي
مروان بنظرة دقيقة:
_سمير ده جوزك صح؟
هزت رأسها له بالإيجار فتنهد مروان بقوة وقال بلهجة جادة:
_لا متقلقيش مش هيعرف أنتي بس حاولي متطلعيش من البيت غير للضرورة لغاية أما نشوف هنعمل إيه وتطلقي منه
لمعت عيناها بوميض مختلف وقالت:
_هو أنا صُح أقدر أطلق منه؟!
_ أيوة طبعًا تقدري متقدريش ليه، أنا عندي واحد صاحبي محامي شاطر اوي هسأله ونشوف هيقول إيه
زمت خلود شفتيها ييأس بعدما تذكرت وقالت:
_بس المحامي هيحتاچ فلوس أتعاب ومصاريف كتير
مروان بنبرة رجولية صلبة:
_ملكيش دعوة بالموضوع ده وبعدين بقولك صاحبي يعني ممكن مياخدش حاجة
هزت رأسها بتفهم واستسلام واجفلت عيناها أرضًا للحظات قبل أن ترفع نظرها له مجددًا وتقول بامتنان حقيقي وعين دامعة:
_أنا مش عارفة اشكرك ازاي بچد يا أستاذ مروان
استصعب لقب ” استاذ ” لكنه لم يعقب وتجاهله ليجيب عليها مبتسمًا بود بعدما أخرج من جيبه هاتف حديث:
_متكشرنيش أنا مش عايز شكر ولا حاجة، بس خدي التلفون ده خليه معاكي أنا سجلتلك عليه رقمي عشان لما تعوزي أي حاجة تتصلي بيا
نظرت خلود للهاتف الذي بيده مطولًا بدهشة وسرعان ما هزت رأسها بالرفض القاطع هاتفة:
_لا أنا مش هقدر اخد التلفون ده كفاية اللي أنت عملته معايا وأنك ادتني شقتك وبتساعدني رغم أنك متعرفنيش
اطلق زفيرًا حارًا بقلة حيلة منها ثم هتف برزانة ليقنعها بذكاء:
_طيب ياستي متخدهوش بس خليه معاكي الفترة دي بس عشان اعرف اتواصل معاكي وانتي كمان، عشان مينفعش تقعدي من غير تلفون كدا
بدت وكأنها اقتنعت ولكنها ظلت تنقل نظرها بينه وبين الهاتف بتردد فابتسم هو لها ووضع الهاتف على سطح الطاولة الصغيرة بالمنتصف بينهم واستقام واقفًا وهو يقول:
_زي ما قولتلك لو احتجتي اي حاجة اتصلي بيا، أنا همشي عايزة حاجة؟
استقامت هي أيضًا واقفة وهزت رأسها له بالنفي دون أن تنظر لوجهه بسبب احراجها منه وهمست في رقة:
_لا شكرًا
سار باتجاه الباب بعدما سمع ردها وظلت هي مكانها تراقبه بنظرها في امتنان وهي تحمد ربها أنه أخرج ذلك الرجل بطريقها ليساعدها في التخلص من زوجها الظالم…
***
داخل أحد المقاهي الصغيرة والهادئة كان بلال يجلس على مقعده حول الطاولة ينتظر عودة حور من الخارج بعدما ذهبت لتلقي التحية على صديقتها التي رأتها بالصدفة.
دقائق قصيرة حتى عادت له وجلست على مقعدها أمامه وهي تهتف بحماس جميل:
_فرحت أوي أني شوفتها لينا سنين متقابلناش يابلال والله
اكتفى ببسمته الدافئة لها فتابعت هي بوجه مشرق:
_هاا كنا بنقول إيه بقى قبل ما اقوم
تنهد مطولًا وقال بهيام وغرام:
_كنت بقول إيه رأيك نقدم الفرح شوية؟
عادت برأسها للخلف وهي تتأفف بيأس وتقول ضاحكة:
_وبعدين بقى.. قولت لا لسا بدري على الفرح أنا في حجات كتير نقصاني
بلال بضيق وتمرد:
_وأنا مش قادر اصبر إيه الحل بقى!
قهقهت لا إراديًا لتجيبه بدلال :
_هتصبر يا بلال مجبور.. ولا أنت عايز تكروتني زي ما كروتني في كتب الكتاب.. أنا خايفة من جنانك ده احسن الاقيك مرة واحدة جايبلي فستان الفرح وبتقولي فرحنا بعد ساعتين في القاعة يلا البسي بسرعة
كبح ضحكته بصعوبة وقال بجدية مزيفة:
_مهو انتي لو فضلتي مصممة إكده وبتأخري في الفرح.. أنا ممكن اعملها صُح!
اتسعت عيناها بصدمة وللحظة صدقت كلامها فصاحت به مغتاظة:
_عشان وقتها تلاقيني في نص القاعة بقولك طلقني.. وجنان بجنان بقى
ارتفعت ضحكته الرجولية المميزة فهدأت هي بعدما تأكدت أنه كان يمزح، وراحت ترمقه بنارية وسط ابتسامتها الخفية، بينما هو فاستند بساعديه على سطح الطاولة وانحنى بوجهه عليها للأمام هامسًا في لهفة وعاطفة جيَّاشة:
_طيب حنى على العبد لله ده حتى بأي حاچة تصبيرة
ضيقت عيناها بعدم فهم فأكمل هو غامزًا بجرأة:
_يعني مش ناوية تديني البوسة إياها ولا إيه!!
فغرت عيناها وشفتيها بصدمة وأخذت تتلفت حولها بتوتر وكأن الناس كلها سمعت ما قاله للتو، ثم نظرت له وهتفت موبخة إياه بشدة بوجنتين تلونا بالأحمر من فرط خجلها:
_بلال إيه الوقاحة دي، احترم نفسك
قهقه بقوة وكاد يجيب عليها لكن قطع حديثهم صوت أنثوي ناعم وقف بجوار طاولتهم وهتف بعين متسعة:
_بــلال
التفتت حور أولًا نحو الصور لترى أمامها فتاة مدللة ترتدي ملابس ضيقة وتضع الكثير من مساحيق الجمال على وجهها، وتنظر لزوجها بكل جرأة.. فانتقلت حور بنظرها لبلال لتراقب ردة فعله فوجدته يرسم بسمة باهتة ومتكلفة على ثغره وهو يجيبها مقتضبًا:
_أهلًا يا نورهان كيفك؟
ردت عليه بغنج ونعومة مستفزة:
_الحمدلله بخير أنت عامل إيه، من زمان أوي متقابلناش
تنحنح بلال بخشونة بعدما لاحظ نظرات زوجته المشتعلة وراح يشير بيده عليها وهو يعرفها على تلك الفتاة المجهولة:
_حور مراتي
اتسعت عين تلك المتطفلة وراحت تحدق بحور في نظرات متفحصة بحنق من أعلاها لأسفلها، وحور تقابلها بأخرى نارية، ثم هتفت أخيرًا بود مزيف:
_بجد الف مبروك ربنا يسعدكم يارب.. أنا هسيبكم بقى تاخدوا راحتكم
أنهت عباراتها واستدارت تسير مبتعدة عنه لتلفت حور بنظرها نحو بلال وتطالعه شزرًا وهي تهتف بغضب شديد:
_مين دي؟!
تنحنح بصوت مسموع في اضطراب بسيط وقال مبتسمًا محاولًا تلطيف الأجواء:
_دي واحدة كانت معايا في شغل من بدري أوي
رفعت حاجبها وبدت وكأنها لم تقتنع لكنها هزت رأسها له بإيجاب وهي تكتم نيرانها داخلها، لتهتف بحدة:
_طيب أنا رايحة الحمام
استقامت واقفة وبلحظة اندفعت مسرعة نحو الحمام، وفور دخوله اصطدمت بتلك الفتاة وهي بالداخل تقف أمام مرآة المرحاض تنعدم من مظهرها الخارجي، حزن حور على أسنانها وعبرت لتقف على المرحاض المجاور لها وتفتح المياه لتبدأ في غسل وجهها وسط نظرات الأخرى الماكرة لها، التي أنهت الصمت الذي بينهم بسؤالها وهي تسألها:
_انتوا اتجوزتوا امتى؟
انفجرت بها حور فجأة هاتفة:
_بتسألي ليه؟!!
زمت الفتاة شفتيها بكل برود وتابعت:
_عادي مجرد سؤال.. هو بلال مقلكيش أنا مين!
مسحت حور على وجهها بالمياه محاولًا تمالك أعصابها وردت بصوت محتقن:
_قالي وحتى لو مقلكيش مش مهتمة اعرف
ابتسمت الأخرى بخبث وهمست لها في نظرة شيطانية:
_قالك أننا كنا مرتبطين وكنا داخلين في مشروع خطوبة وجواز
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي……
وقفت آسيا أمام باب غرفة إخلاص وعيناها تنبض بالشر والثأر لحقها وحق طفلها، تفقدت هاتفها لتتأكد من سلامة خطتها ثم رفعت يدها وطرقت الباب عدة طرقات متتالية فسمعت صوتها من الداخل يهتف:
_ادخل
فتحت آسيا الباب ودخلت بكل ثقة وعنجهية واغلقته خلفها ثم تحركت نحوها ووقفت أمامها لتبتسم لها وتقول ببرود مستفز:
_كيفك ياحماتي؟
تمعنتها إخلاص بتعجب للحظات قبل أن تعقد ذراعيها أمام صدرها وتهتف بقرف ونقم:
_خير چاية اوضتي ليه.. عاوزة إيه؟!
كانت آسيا ترسم معالم البراءة والود باحتراف على وجهها وراحت تجيب على إخلاص بكل لطف:
_الصراحة إكده چاية على انهى المشاكل والحقد والكره اللي بينا.. أنا خلاص كلها شهر واولد وياچي ولي العهد حفيدك مينفعش نفضل إكده كارهين بعض
ابتسمت إخلاص استهزاء وتحولت البسمة لضحكة عالية وهي تجيب:
_ وانتي من ميتا بقيتي طيبة إكده وزعلانة قوي على كرهنا لبعض، ولا دي حدوتة عاملاها عشان تلعبي بيها عليا وتطلعيني أنا اللي في الآخر عفشة قصاد ولدي
رسمت آسيا بسمة صافية مرتدية قناع الحب وخلفه شيطان ينوي الانتقام، وتمتمت في صدق:
_حدوتة إيه بس ياحماتي أنا صُح عاوز نصلح علاقتنا ونبقى كويسين مع بعض، وبعدين أنا لو عاوزة اطلعك عفشة قصاد ولدك كان زمان كشفتك من زمان واكدت ليه أن انتي اللي زقتيني من على السلم وأنتي عارفة زين أني لو عاوزة اعمل إكده هعرف اعملها، بس نسيت اللي فات ومسامحاكي وعاوزة نبدأ صفحة جديدة.. قولتي إيه؟
وكأن عقرب لدغة إخلاص وراحت تصرخ بها منفعلة:
_زقيتك ده إيه.. انتي هتتبلى عليا يا بت خليل.. أنا معملتلكيش حاچة ولا قربت منك
آسيا ببسمة ماكرة وهي تغمز لها:
_ياحماتي أنا كنت بوعي لما وقعت يعني مكنتش مغيبة وشوفتك وعارفة أن انتي اللي زقتيني، هتكدبي قصادي ليه عاد احنا مفيش حد غيرنا في الأوضة اعترفي بغلطك خلاص وأنا بقولك مسامحكي أصلًا
صاحت به إخلاص بعصبية رافضة الاعتراف بإصرار تام:
_قولتلك مقربتش منك أنتي وقعتي لحالك!
التزمت آسيا الصمت للحظات تحاول التفكير في حيلة تستفزها بها لتجعلها تعترف بذنبها، فقالت بعد وقت قصير من التفكير:
_أه يعني أنا كنت بحلم وأنا شيفاكي بتزقيني.. انتي عملتي كل ده ليه عشان ولدك يطلقني ومهتمتيش لحفيدك ولا ولده اللي مستنيه، وصل بيكي حقدك وكرهك ليا للدرچة دي.. وحتى لو كنت سقطت فكرك أن عمران كان هيسيبني ويطلقني.. ده في أحلامك، عمران مش هيسيبني أبدًا لو عملتي إيه، وقريب كمان هاخده منك واصل وهننقل لشقة تاني بعيد عنك أنا معدتش هبقى مطمنة على ولدي وهو في نفس البيت معاكي
التهبت نظرات إخلاص وتحولت لوحش كاسر فغارت على آسيا كالثور الهائج تجذبها من شعرها صارخة بها:
_ولدي إيه اللي تاخديه مني أنتي فاكرة أني هسيبك، ده أنا اخد روحك بيدي واخلص منك واصل ياحرباية، واللي مقدرتش اعمله لما زقيتك هعمله المرة دي
رغم الألم الذي كان يجتاح رأس آسيا وشعرها من قبضة إخلاص عليها لكنه لم يمنعها من الابتسام بنصر وتشفي بعدما نجحت في نيل اعتراف إخلاص بجريمتها، وردت عليها بكل برود:
_أنا حقيقي بشفق عليكي ياحماتي.. وبدعيلك دايمًا بالهداية وأن ربنا يصلح حالك قبل ما تخسري عيالك كلهم
تركت إخلاص شعر آسيا فجأة ودفعتها بعيدًا عنها بعدما أدركت ما قالته للتو وراحت تصرخ بها بهستيريا:
_اطلعي برا ومتدخليش اوضتي تاني وصل فاهمة ولا لا
كانت آسيا تبتسم بكل ثبات انفعالي وبرود يثير الجنون، واستدارت لتغادر غرفتها وهي وتتأني في مشيتها بكل دلال، وفور خروجها من الغرفة همست بوعيد وهي تنظر للتسجيل الصوتي الي بهاتفها:
_إكده تبقى فاضلة السحلية الصفرا
تحركت بكل تريث وغنج نحو غرفتها لكن أوقفها قبل دخولها صوت عمران الذي جذبها من ذراعها إليه:
_وبعدين معاكي ياغزال
شهقت بزعر وراحت تتلفت حولها بارتباك ثم قالت له موبخة إياه بلطف:
_إيه اللي بتعمله ده ياعمران.. هملني احسن حد ينزل ولا يطلع ويشوفنا
ردت بعبث ساحر:
_خلاص تعالي نتحدت في اوضتنا براحتنا
حاولت التمنع لكنه جذبها عنوة لداخل الغرفة واغلق الباب ثم اقترب نحوها وهي تراجعت للخلف وسط همسه لها بنظرة رجولية تذهب العقل:
_أنا لو نمت امبارح في اوضة الجلوس فوق وطاوعتك فده بمزاچي، يعني اوعي تفتكري أنك قدرتي عليا مثلًا
ارتفعت البسمة لا إراديًا آثارها وعقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول له بغطرسة وثقة تامة:
_وهتنام الليلة دي برضوا يامعلم لو منفذتش طلباتي
رفع حاجبه اليسار وقد مال ثغره للجانب في بسمة متهكمة ليهتف وهو مستمر في التقدم إليها:
_إيه رأيك عاد أني مش هعمل حاچة وهتنامي چاري غصبن عنك ياغزال، أنتي فاكرة أنك هتقدري تمنعيني عنك
ردت بكل غنج وغرور مثير للإعجاب:
_لا أنا مش فاكرة.. أنا عاملة إكده صُح وأنت مش قادر تقربلي واكبر دليل أنك بتتلوى من شوقك ليا ومش متحمل بعادي لليلة واحدة
أنهت عباراتها وولته ظهرها وتحركت بكل دلع تجاه الحمام هامسة بنعومة:
_عمومًا أنا مش همنعك دي اوضتك والبيت بيتك مطرح ما تحب تنام نام
توقفت للحظة والتفتت برأسها له تقول في نظرة صوبت سهامها نحو قلبه:
_بس أنت لو بتحبني صُح ويهمك زعلي وعاوز ترضيني هتنفذلي طلبي
ألقت بقنبلتها الموقوتة واتجهت للحمام تتوارى داخله وتتركه بالخارج يحترق من عذاب شوقه وحبه لتلك المتجبرة.
***
بمنزل جلال وفريال……
وقفت فريال خلف الباب مباشرة تستمتع لحديث زوجها في الهاتف الذي استمر لدقائق طويلة نسبيًا حتى انتهى منه أخيرًا، أسرعت وابتعدت لتذهب إلى الصالة وفور خروجه هتفت له برقة:
_چلال استنى خدني معاك في طريقك عاوزة اروح السوبر ماركت اللي في آخر الشارع اشتري طلبات منه
أجابها بإيجاز شديد:
_اتصلي بيا يافريال وأنا هچبلك اللي عاوزاه وأنا چاي.. أنا مستعچل دلوك
الحت عليه كالأطفال متمتمة:
_عشان خاطري خمس دقائق بالظبط وهكون لبست
اطلق زفيرًا قوي بنفاذ صبر كان دليل على انصياعه لها، فأسرعت هي لغرفتها وبدأت في ارتداء ملابسها بسرعة وخرجت له وغادروا المنزل معًا، بعدما خرجوا من مدخل المائة واستقلوا بالسيارة ثواني معدودة وتوقف هو أمام المحل الكبير الذي بنهاية الشارع ونزلت هي من السيارة وودعته، لكن فور انطلاقه بالسيارة أشارت هي لأول سيارة أجرة أمامها واستقلت بها وطلبت منها مراقبة سيارة زوجها والسير خلفها.
***
بمكان آخر كان بشار يقود سيارته متجهًا نحو أحد المقاهي المعروفة ويتحدث في الهاتف مع مريم هاتفًا:
_أنتي فين يامريم؟
أجابته برقة جميلة:
_چاية في العربية، أنت وصلت؟
_ لا لسا بس خلاص دقيقة واكون هناك
هتفت بفضول شديد وهي تضحك بعفوية:
_أنا مش عارفة إيه الموضوع المهم اللي مكنش ينفع في التلفون ولازم تقابلني عشانه فورًا ونتكلم فيه؟!!
قال بصوت رجولي قوي:
_لما نوصل هناك ونتكلم هتعرفي، يلا سلام وخلي بالك من نفسك
ابتسمت بحب له وتمتمت:
_حاضر سلام
استمر في قيادة سيارته وبعد دقيقتين بالظبط وصل للمكان المتفق عليه بينهم، خرج من سيارته ووقف بجوارها يتلفت حوله بحثًا عنها ينتظر وصولها، وعندما كال انتظاره كان سيدخل ويكمل انتظاره لها بالداخل لكنه توقف عندما وجد سيارة أجرة تقف وتنزل هي منها، وراحت تلوح له بيدها ليراها وهي تبتسم بساحرية فابادلها الابتسامة الصافية وظل مكانه ينتظرها حتى تعبر الشارع وتصل إليه.
فجأة وبلحظة غير متوقعة أبدًا بينما كانت هي تعبر الطريق بكل تلقائية دون أن تنتبه لحركة السيارة، لم يدرك متى وكيف حدث ذلك المشهد المؤلم أمام عينيه وانتهى الأمر برؤيته لها وهي على الأرض بعدما صدمتها السيارة وفر صاحبها هاربًا.
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بغرفة عمران….
استمعت آسيا لصوت زوجها وهو يصيح مناديًا عليها من الأسفل، رغم أن المسافة كانت بعيدة لكن صوته الرجولي كان قوي وسمعته بوضوح، فاستقامت واقفة بسرعة وارتدت حجابها وهرولت لخارج الغرفة ومنها الدرج تنزل بحذر حتى وصلت للطابق الأرضي حيث كان الجميع موجود بما فيهم منى، وعندما نظرت بجوارها على الأرض رأت حقيبة ملابسها…

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وبالعشق أهتدي (ميراث الحرب والغفران 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى