روايات

رواية وارتوى الفؤاد الفصل السادس 6 بقلم سهام صادق

رواية وارتوى الفؤاد الفصل السادس 6 بقلم سهام صادق

رواية وارتوى الفؤاد الجزء السادس

رواية وارتوى الفؤاد البارت السادس

وارتووى الفؤاد
وارتووى الفؤاد

رواية وارتوى الفؤاد الحلقة السادسة

داعبت أنفاسه القريبة وجهها ليُمرر أصابعه على خديها ببطء ثم شفتيها التي اِنفرجت بإنفراجة خفيفة. اِبتسم “سفيان” وهو يراها تغلق جفنيها بقوة وتقبض على شَرْشَف الفراش بأحد أيديها المنبسطة عليه ثم أخذ يُحدقها بنظرة طويلة راضية وقد اِرتاح قلبه من تلك الشكوك اللعينة عن عدم رغبتها بالزواج منه.. فما يراه الآن يؤكد له أنها مستمتعه بما عاشوه سويًا رغم أنه لم يستكمل ما بدئه.
_ “سلسبيل”، فتحي عيونك.
قالها “سفيان” بهمس وعلى محياه اِرتسمت إبتسامة واسعة لتفتح “سلسبيل” عيناها بتِيه.
_ تحبى اساعدك في فك الطرحة والفستان؟
بصوت رخيم تساءَل وهو ينهض من جوارها لترفع عيناها نحوه وترفرف بأهدابها.
_ هــا!
عادت شفتيه تنفرج بإبتسامة لينحني بجسده صوبها قائلًا:
_ بقولك تحبي اساعدك.
اِستمرت “سلسبيل” في تحريك أهدابها حتى بدأت تستوعب وضعها ثم اِنتفضت من على الفراش وقد استعجب من ردة فعلها، نظرت حولها وتساءَلت:
_ هو أنا دخلت الأوضة إزاي!
ضاقت حدقتيّ “سفيان” واِرتسم الإستمتاع على ملامحه ونظر نحو باب الغرفة.
_ دخلتي الأوضه وأنا شايلك يا حبيبتي.
طالعته بنظرة خجله ثم هربت بعينيها بعيدًا عنه واِرتفعت دقات قلبها؛ فأردف بمكر وهو يصف لها المشهد.
_ دخلت بيكِ الأوضة وبعدين حطيتك على السرير وكنا مندمجين اووي…
أراد أن يستمر بحديثه ويلفظ بعض الكلمات لتُسرع نحو الحمام وهي ترفع أطراف فستان العُرس قائلة:
_ أنا هدخل أغير الفستان.
أغلقت باب الحمام وسمحت لتلك التنهيدة التي اِحتبستها داخل صدرها أن تخرج بتمهل.
_ أنا إزاي استسلمت بالسهولة دي وليه حسيت كأني متخدرة.
قالتها وهي تنظر إلى نفسها بالمرآة الموجوده بالحمام؛ فتعلقت عينيها بشفتيها لترفع يدها وتمرر أناملها عليهما.
خرجت زفراتها بقوة هذه المرة وأسبلت جفنيها تتساءَل بحيره.
_ هو أنا اللي حساه شئ طبيعي بتحسه أي ست ولا الإحساس ده مش بيوصل غير بالحب.
أغمضت عينيها حتي تستعيد تلك اللذة التي عاشتها لدقائق بين ذراعيه وسُرعان ما كانت تنفض رأسها رافضة مشاعرها التي تولدت في فترة قصيرة نحو “سفيان”.
بعد وقت…
كانت” سلسبيل” تزفر أنفاسها براحة بعدما حررت خُصلات شعرها من حجاب رأسها.
_ فاضل الفستان.
سحبت نفسًا عميقًا ثم بدأت بتلك المهمة ومدت يدها إلى الوراء حتى تتمكن من فتح سحاب الفستان.
اِبتسمت بإرتياح بعدما سقط الفستان أسفل قدميها لتتذكر مداعبة “هناء” -زوجة شقيقها- بأن عليها تركه ليساعدها في خلع الفستان.
_ الحمدلله قومت بالمهمة الصعبه.
_ “سلسبيل”، أنتِ كويسه… مش محتاجه مني مساعده.
تساءَل “سفيان” ثم نظر إلى الوقت، لترتبك وتُسرع نحو باب الحمام حتى تتأكد من غلقه.
بصوت يكاد أن يُسمع ردت.
_ لأ أنا مش محتاجة مساعده، ممكن بس تخرج من الاوضه وتقفل الباب وراك.
ارتفع أحد حاجبيّ “سفيان” واِقترب من باب الحمام.
_ انتِ عرفتي تعلقي الفستان وتفكي دبابيس الطرحة؟
اِنشقت شفتيها بإبتسامة واسعة وهي تنظر إلى الفستان.
_ اه الحمدلله عرفت افتح السوستة واقلعه.
بكلمات مازحة داعبها.
_ ليه ضيعتي مني اللحظة دي.
بغباء تساءَلت وهي تُحدق بالباب.
_ لحظة إيه؟!!
_ خلع الفستان يا حبيبتي.
توردت وجنتيها وشعرت بعودة قلبها يخفق بذلك الشعور الذي تجهله.
اِبتسم عندما طال صمتها لتتحدث أخيرًا.
_ طيب ممكن تخرج من الاوضة.
أطلق زفيرًا طويلًا ثم تحرك نحو باب الغرفة.
_ حاضر يا “سلسبيل”، اجهزي بس عشان نصلي.
عندما تأكدت من مغادرته وغلقه لباب الغرفة أسرعت بالخروج من الحمام.
بحثت بعينيها عن ما جهزته لها والدتها من ملابس لتتسع حدقتاها بإندهاش من إستبدال والدتها لثوب النوم الذي اِختارته هي.
_ ده مش القميص اللي أنا اختارته، شكلها “هناء” هي اللي عملت كده، ماشي يا “هناء”.
ظلت للحظات تُحدق بالثوب إلى أن حسمت قرارها وقررت إرتدائه.
••••
اِستدار “سفيان” بجسده بعدما داعبت رائحة عطرها أنفه، اِقترب منها بخُطوات بطيئة وهو يتمعن بالنظر إليها.
_ جاهزه؟
هزت رأسها بتوتر بعدما هربت بعينيها ليبتسم وهو يَمُد يده لها ويتجه بها نحو المكان الذي خصصته معه للعبادة.
مضت ساعة، تركها فيها “سفيان” تأخذ حريتها في تناول الطعام الذي لم تمس منه إلا القليل.
_ شبعتي يا “سلسبيل”؟.
تساءَل بعدما شعر بأنه لم يعد يطيق صبرًا لتُحرك رأسها له في صمت.
_ هو أنتِ ليه النهاردة كلامك بتحريك راسك، هي القطة اكلت لسانك ولا إيه يا “سلسبيل”.
قالها بداعبة حتى يُمازحها؛ فابتسمت بتوتر وهي ترفع عيناها إليه.
_ لأ أبداً بس أنا لسا مش متعودة.
بمكر قطب حاجبيه واِقترب منها؛ فصارت أنفاسها تلفح عنقه.
_ لسا مش متعودة على إيه يا “سلسبيل”؟.
اِزدادت ربكتها وأسرعت بخفض رأسها حتى تهرب من تحديقه بها.
_ مقولتيش يعني لسا مش متعودة على إيه.
بتوتر ردت وهي تفرك كفوف يديها ببعضهم.
_ إننا يعني في مكان واحد لوحدنا.
اِتسعت إبتسامة “سفيان” ودون إنتظار المزيد كان يلتهمها كقطعة حلوى شهية.
اِبتعد عنها بعدما شعر بمحاولتها الضعيفة للإبتعاد عنه لينظر لها بنظرة اِحتلتها الرغبة واللهفة لتهتف بصوت متقطع ضائع كحال صاحبته.
_ أنا هدخل الحمام الأول.
أسرعت نحو الحمام وهي تلهث أنفاسها، لتغمض عينيها بقوة بعدما أغلقت الباب.
_ اهدي يا “سلسبيل”، خدي نفسك بالراحة.
تمتمت بتلك الكلمات لنفسها حتى بدأت أنفاسها تهدء رويدًا.
بنظرة حملت الندم أخرجت تلك العُلبة التي دستها في مكان يصعب الإنتباه إليه ثم وضعت تلك الحبه في كف يدها ونظرت إليها بتردد وسُرعان ما كانت تبتلعها.
هذه الليلة أدرك فيها “سفيان” معنى ألا يرتوي الرَجُل من اِمرأته وقد غادر أي شك أرهق رأسه بالأيام الماضية.
دفن رأسه بتجويف عنقها يتنفس بثقل وإنتشاء يهمس لها بحب.
_ حاسه بـ إيه؟
سألها بصوت خافت ومَازالت أنفاسه الهادرة تداعب عنقها، لم تكن بحاله تساعدها على النطق بشئ… لكنها كانت تشعر بشعور لا تستطيع وصفه.
اِبتعد عنها حتى يستطيع رؤية ملامحها بعد ما حدث بينهما ثم ابتسم بعدما حصل على الجواب من نظرتها إليه.
وهَـا هو يغرقها معه مرة أخرى في بحور لذة جديدة على كلاهما.
••••
بعد أسبوع….
بعدما غادر الأهل شقتهم، اِجتذبها “سفيان” من خصرها يهمس لها بعشق.
_ وحشتيني.
إبتسمت وهي تتمايل بين ذراعيه حتى تستطيع تحرير جسدها من قبضة يديه.
_”سفيان” خليني انضف المكان.
لَفّ جسدها إليه؛ فأصبح وجهها أمامه.
_ الرومانسية عندك يا “سلسبيل” مدفونه.
وأردف بعبوس مصطنع:
_ في واحدة جوزها يقولها وحشتيني تقوله انضف.
إنفلتت منها ضحكة قصيرة خافتة وأومأت برأسها قائلة:
_ أه أنـا.
اِحتلت شفتيه تلك الإبتسامة التي صَار قلبها يخفق معها ثم داعب أنفها بإصبعه.
_ يا عديمة الرومانسية.
هذه المرة كان صوت ضحكتها يخرج بقهقة عالية جعلته يُسرع في حملها وقد باغتها بفعلته.
_ “سفيان” أنت بتعمل إيه نزلني.
وهل سيقبل هو إعتراضها وتذمرها هذة اللحظة؟؟
وبخبث قال:
_ قولتلك متضحكيش الضحكة دي تاني.
••••
كانت السعادة تحتل ملامح “روحية” لينظر إليها “رضوان” زوجها من أسفل نظارته بعدما اِرتشف القليل من الشاي.
_ شايفك مبسوطة يا ام العيال.
_ الحمدلله يا “رضوان” إن الواحد اطمن على “سلسبيل”، ما شاء الله على جوزها راجل ابن أصول.
اِبتسم “رضوان” وهو يومئ برأسه.
_ ربنا يهنيهم يا “روحية”، “سلسبيل” بنتنا طيبة ومتربية وإن شاء الله ربنا هيبارك ليها في حياتها… اهم حاجة بس تكوني مفهماها دورها كزوجة كويس.
اِتسعت إبتسامة “روحية” وقالت:
_ متخافش على البت يا أبو العيال.
لترتفع قهقة “رضوان” على كلامها، فخرج “مهاب” من غرفته:
_ يا سلام عليكم لما تكونوا رايقين وزي عصافير الكنارية.
اِبتسم والديه إليه ليردف قائلًا:
_ اقعد وسطكم ولا هكون عزول.
عيناهم المتلهفة لحضنه أعطته الرد؛ فأسرع نحو الأريكة ليندس بينهما حتى ينعم بحضنهما الذي يفتقده في غربته.
_ ملعون الغربة اللي تخليني ابعد عنكم.
لتسقط دموع والديه عقب حديثه..
••••
شعر “حاتم” بالصدمة عندما أكد له صديقه سبب تقرب اِبنة عمه منه وموافقتها على الخِطبة ثم تهاوىٰ بجسده على أقرب مِقعد.
_ يعني كل اللي كانت معيشاني فيه ده وهم، يعني لو مكنتش سمعتها وهي بتترجاك إنك تحبها كنت هفضل مغفل كده.
قالها “حاتم” وهو مَازال لا يستوعب ما سمعه بالصدفة بين من كانت خطيبته وصديقه.
طالعه “ماجد” بنظرة آسفة وتنهد بقوة.
_ مكنتش اقدر اقولك حاجة يا “حاتم”، كل اللي كنت بقدر اقوله ليك بلاش تستعجل في قرار الجواز وحاول تفهم طبع “ماريهان” صح.
هَز “حاتم” رأسه ثم ضغط على جبهته لعلَّ ذلك الصداع الذي طرق رأسه فجأه يزول.
_ بنت عمك طلعت بتضحك عليا يا “ماجد” وسبتها تلعب بيا.
_ غصب عني يا صاحبي، لو كنت مكاني كنت عملت كده.
نظر له “حاتم” ثم تساءَل بصوت خرج ثقيل.
_ كنت بتحبها يا “ماجد”.؟
بصدق رد “ماجد” بعدما جلس على المقعد المقابل له.
_ زمان أه كنت معجب بيها منكرش، “ماريهان” طول عمرها جميلة ودلوعه.
حدجه “حاتم” بنظرة فاترة؛ فاستطرد “ماجد” قائلًا بعدما أطلق زفيرًا.
_ صدقني يا “حاتم” مشاعري اتغيرت من زمان ناحية “ماريهان”، ولما جيت تطلبها من عمي أنا كنت مرحب جدًا…
لم ينظر إليه “حاتم”؛ فواصل “ماجد” كلامه.
_ طريقة حياة بنت عمي أنت كنت مبهور بيها لكن في الحقيقة كل ده فَلصوا يا “حاتم”.
نهض “حاتم” من أمامه وتحرك حتى يُغادر الغرفة التي يجلسون بها.
_ لولا صداقتنا كنت انتقمت من بنت عمك على خداعها ليا.
••••
نظرت “سلسبيل” نحو عُلبة الحبوب ثم ألقت ما بها نحو المكان الذي يجب أن تكون به. تنهدت بقوة وهي ترى المياة تغمرها وقد ضاع أثرها.
غادرت المرحاض ليبتسم “سفيان” فور أن دخل الغرفة ووجدها أمامه بتلك الهيئة المُهلكة.
_ هتجننيني معاكِ يا “سلسبيل”.
اِحتضن خصرها وقربها منه لتتساءَل.
_ هتتأخر في اسكندرية؟
وضع رأسه في عنقها وقد دغدغتها تلك الحركة.
_ يومين بس يا حبيبتي.
_ خدني معاك يا “سفيان”.
ابتسم وهو يبتعد عنها ثم مد يديه نحو كتفيها وإلتمعت بعينيه تلك النظرة التي تعرفها تمامًا.
_ اوعدك المرة الجاية اخدك معايا.
••••
تجمعت العائلة يوم الجمعه في نفس اليوم الذي عاد فيه “سفيان” من رحلة عمله القصيرة.
كانت الإبتسامة لا تغادر ملامح السيدة “صباح” وهي ترى أولادها وزوجاتهم وأحفادها حولها.
حديث العائلة هذا اليوم كان عن “حاتم” وإنفصاله عن خطيبته.
_ يعني مقالش السبب يا “مروة”؟
تساءَلت السيدة “صباح”؛ فحركت “مروة” رأسها نافية معرفتها لشئ.
_ قال كل شئ قسمة ونصيب.
كانت “سلسبيل” بالمطبخ مع “بدور” زوجة “عبدالرحيم” ومعهم الخادمة.
_ تفتكري مفيش سبب عن فسخ خطوبة حضرت الظابط.
طالعتها “سلسبيل” ثم عادت تركز فيما تفعله ولم تتأثر بهذا الأمر ولم يعد “حاتم” وأخباره تشغل بالها.
_ ما دام “مروة” قالت مفيش نصيب يبقى اكيد مفيش سبب.
إلتوت شفتيّ “بدور”؛ فهي لا تصدق أن فسخ الخِطبة حدث دون سبب.
_ بيني وبينك أنا فرحانه عشان مرات عمي “سليمان” تبطل الأنعرة الكذابة بالنسب بتاعها.
ابتسمت “سلسبيل” لها وقالت:
_ أنتِ بتحبي طنط “فاتن” أوي يا “بدور”.
ضحكت “بدور” واِقتربت من الموقد حتى ترى نضوج الطعام.
_ بحبها حب مقولكيش، يلا خليني اسكت لأحسن “مروة” تدخل وتزعل.
عندما بدئوا في وضع الطعام على الطاولة، أرادت “مروة” النهوض لكن “سلسبيل” أسرعت في منعها.
_ متتحركيش يا “مروة”، أنتِ عارفة الدكتور مانعك من الحركة الكتير عشان الحمل.
إبتهجت ملامح السيدة “صباح” وهي ترىٰ تعاون زوجات أبنائها.
لفت نظر “سفيان” فعلت “سلسبيل” واِبتسم.
••••
صعدت “سلسبيل” شقتها بإرهاق لكنها قاومت إرهاقها واِتجهت نحو الحمام حتى تزيل رائحة الطعام عن جسدها.
غادرت الحمام وهي تحمل المنشفة وتجفف بها خُصلات شعرها.
عندما وجدته جالس على الفراش اِبتسمت واِقتربت منه.
_ شكلك مرهق.
إلتقط “سفيان” يدها وأجلسها جواره ثم تولي مهمة تجفيف شعرها.
_ مبعرفش أنام بعيد عن البيت.
ردت وهي تمد يدها نحو أحد خديه تمسح عليه برفق.
_ طيب قوم يا حبيبي خدلك شاور وتعالا ريح جسمك ونام.
طبع قبلة على جبينها ثم تحرك نحو الحمام؛ فهو بالفعل يحتاج إنعاش جسده بالماء البارد.
عندما غادر “سفيان” الحمام وجدها في صورة تخطف الأنفاس، ألقى المنشفة التي يجفف بها شعره الأسود الغزير واِقترب منها.
تجاوبها معه في علاقتهم الزوجية وكل ما تفعله جعله كالمشتت، لا جواب لديه….
تفاجأت من إبتعاده عنها، لينظر إلى سقف الغرفة وأنفاسه تخرج بوتيرة سريعة.
_ بطلتي الحبوب ليه؟
سؤاله ألجمها وجعلها تفيق من الحالة التي تركها عليها لتنظر إليه بنظرة مذعورة.
_ ليه يا “سلسبيل”؟
_ أنا آسفة.
قالتها بصوت مهزوز وهي تضم غطاء الفراش عليها.
_ أنا مش عايز اسمع أسفك يا “سلسبيل” أنا عايز اعرف السبب.
بأعين دامعة ردت وقد خرج صوتها متحشرجًا.
_ كنت خايفة من جوازنا اللي تم بسرعة.
_ في ناس بتتجوز في أقل من شهر وحياتهم ناجحة يا “سلسبيل”.
قالها بعدما نهض من على الفراش؛ فهو لم يعد يتحمل ذلك الشعور الذي جعلته يعيشه ولا يعرف سبب له.
_ أنا كنت غبية صدقني.
رمقها “سفيان” بنظرة جلدتها ليرفع كف يده يمسح به وجهه.
_ لولا إني متأكد إن مفيش راجل في حياتك غيري كنت شوفت تصرفك بصورة تانية يا “سلسبيل” ومكنتيش فضلتي على ذمتي.
غادر “سفيان” الغرفة ليتركها ترثي حالها بقهر… لقد أضاعها غبائها.
••••
تنهدت “هبة” بحزن على حاله صديقتها ثم رفعت الوعاء الذي تغلي به اللبن من على الموقد وقالت:
_غلطانه يا “سلسبيل”، معقول “سلسبيل” العاقلة تعمل حاجة زي دي.
جلست “سلسبيل” على الفراش وهي تمسح دموعها.
_ هجرني اربع أيام يا “هبة”،”سفيان” طلع قلبه قاسي أوي.
بعتاب تحدثت “هبة”.
_ عنده حق يا “سلسبيل” يزعل، شوفي بقاله فتره عارف وبيتعامل معاكي بحب.
عادت دموع “سلسبيل” تغرق خديها.
_ ليه مقالش ليا من بدري إنه عارف، ليه اختار يسألني بعد ما وقفت الحبوب.
حركت “هبة” رأسها دون فهم.
_ الرجاله دماغهم غريبة ولو فضلتي تفكري في تصرفاتهم هتتعبي، بصي يا “سلسبيل” خلينا دلوقتي نفكر إزاي تصالحيه.
بعبوس اِحتل ملامح وجهها فجأة ردت.
_ ما أنا اعتذرت منه كذا مرة وبرضو يا “هبة”.
اِتسعت إبتسامة “هبة” بمكر؛ فرغم نباهت “سلسبيل” إلا أنها كانت في هذه الأمور تفتقر الخبرة.
_ لأ اسمعيني كويس وركزي.
بعدما أنهت “هبة” ما أخبرتها أن تفعله هتفت بتحذير.
_ ياريت نقفل الصفح القديمة يا “سلسبيل” من حياتنا وننساها.
وقبل أن تستطرد “هبة” بكلامها الذي تفهمه، قاطعتها “سلسبيل” قائلة:
_ أنا حبيت “سفيان” يا “هبة”، هو ده الحب اللي كنت بدور عليه… اللي قبل كده فعلًا كان وهم، وهم أنا نسيته صدقيني.
زفرت “هبة” أنفاسها بزفرة ارتياح وابتسمت.
_ ما قولنا كده من زمان، اقفلي وروحي شوفي هتطبقي نصايحي إزاي، اه لو “روحية” عرفت عمايل بنتها.
ضحكت “سلسبيل” بقوة.
_ أسراري عندك في بير يا “هبة”.
كادت أن تنهي “سلسبيل” المكالمه لكن صوت “هبة” أوقفها.
_ صحيح يا “سلسبيل”،”تغريد” اتخطبت من يومين.
••••
هذه الأيام كان يأتي من عمله يتناول الطعام معها ثم ينزل إلى شقة والدته ليجلس معها بعض الوقت.
أسرعت في تجهيز حالها قبل أن يأتي لتزفر أنفاسها ببطء ثم ارتسم الحزن على ملامحها عندما اِستمعت إلى غلق باب الغرفة الأخرى التي صار ينام بها.
غادرت الغرفة بتردد وأطرقت الباب عليه قبل دخولها لينظر إليها بنظرة ثاقبة ثم أشاح عيناه عنها وعاد يُركز بشاشة هاتفه.
أصابها الإحباط؛ فحتى ما اِرتدته لم يجذب عينيه.
اِقتربت منه وبحرج تساءَلت:
_ ممكن اتكلم معاك شوية؟
رمقها “سفيان” مجددًا ثم تنهد بقوة، فهل أتت تتحدث معه بهذا الثوب الذي لا يستر.
_ تمام، اتكلمي.
بصعوبه حركت ساقيها نحو الفراش وجلست جواره.
_ أنت لسا زعلان مني؟
قالتها وهي تفرك يديها بتوتر لتضيق حدقتيّ “سفيان” ثم أشاح عينيه عنه.
_ هو اللي أنتِ عملتيه ميستهلش الزعل يا “سلسبيل”؟
هزت رأسها إليه؛ فهي تستحق خِصامه لكنها لم تعد تحتمل.
_ الخصام طول اوي.
صوتها خرج هذه المرة بخفوت شديد لتقترب منه وتمرر يدها على صدره.
_ أنت طِلع قلبك قاسي يا “سفيان”.
أغلق “سفيان” جفنيه بقوه وتساءَل بعدما فهم ما تسعى لفعله.
_ عايزه إيه يا “سلسبيل”، لو عايزه حقك كزوجة معنديش مانع بس ده لو حصل ما بينا هكون بقضيه واجب عليا.
طعنها حديثه لتنتفض من جواره قائلة وهي تتحرك نحو باب الغرفة.
_ أنا اسفة يا “سفيان”، مش هفرض عليك نفسي تاني.
ليشعر هو بالضيق من نفسه وقسوة حديثه الذي أراد به تأديبها وتحرك ورائها بلهفة.
_”سلسبيل”.
دفعته عنها بعدما إلتقط ذراعها.
_ ابعد عني يا “سفيان”.
ضمها إلى حضنه؛ فارتفع صوت بكائها.
_ خلاص اهدي متزعليش، اعمل إيه انا موجوع منك يا
“سلسبيل”.
_ أنا آسفة يا “سفيان”، صدقني انا كنت غبيه.
بخوف مما سوف يسمعه قال:
_ أنتِ عملتي كده عشان كنتي مغصوبه على جوازنا يا
“سلسبيل”؟.
اِبتعدت عنه بفزع وقبل أن يواصل أي كلام أخر وضعت يدها على شفتيه.
_ لو رجع اليوم اللي طلبت فيه ايدي من تاني هقول للمره الألف إني مش عايزه غيرك يا “سفيان”.
توهج وجهه من حلاوة كلامها ورفع يديه يمسح دموعها.
_ ريحيني يا “سلسبيل” وقوليها.
كانت تعلم أنه يريد سماع كلمة واحدة منها.
_ بحبك يا “سفيان” ومعرفتش الحب غير معاك.
لم يتحمل قلبه ما يسمعه ليتجذبها إلى حضنه مرة أخرى.
عندما اِبتعدت عنه، أعطت عينيه فرصه لتأملها بتمهل.
_ بقينا آخر جراءة.
أسرعت بوضع يديها على وجهها ليهتف بمكر.
_ أنتِ جايه تتكسفي دلوقتي.
دفعت يديه التي إلتفت حول خصرها.
_ مين علمك الجراءة دي يا بنت “رضوان”.
رفعت عينيها إليه وهو تمط شفتيها بإمتعاض.
_ أنت يا حبيبي.
••••
مرت الأشهر إلى أن أتى يوم ولادة “مروة” لصغيرها، وفي هذا اليوم الذي فرحت بِه عائلة “جمال الراشد” بقدوم حفيد أخر لهم، فرحوا بخبر حمل “سلسبيل”.
لم ينقطع الفرح والأخبار السعيدة عن العائلة؛ فبعد سبوع الصغير “سليم” تقدم “حاتم” لخِطبة “إسراء” ابنة عمه.
اِعترض “سفيان” وعارض الأمر لكن بقية إخوته ووالدته كانوا مرحبين وخاصةً شقيقته صاحبة الشأن فرضخ بالنهاية لقرارها.
••••
_ بقولك إيه يا “هبة” هو المحل ده هدومه زي الصور المعروضة ولا كله خداع بصري.
ضحكت “هبة” بقوة ومازحتها.
_ خداع بصري يا “سلسبيل”.. مش عجبك متشتريش.
ركزت “سلسبيل” عينيها على شاشة الجهاز اللوحي واستكملت مكالمتها مع “هبة”.
_ لأ هشتري، عندهم حاجات حلوه وتهبل.
اِرتفعت قهقهة “هبة” وقالت:
_ هنياله “سفيان”، يــاا فين أيام لما كنت بنزل معاكي عشان تكملي حاجتك في الجهاز وكل ما اختار ليكي حاجة تقوليلي إيه قلة الأدب دي ولا يجوز.
اِشتعلت وجنتيّ “سلسبيل” من الخجل واِبتسمت.
_ لأ بقى يجوز واقفلي يا “هبة”.
••••
أيام أخرى كانت تمضي وما كان يسعدها أكثر مع تقدم حملها هو نجاح “سفيان” في عمله وإفتتاحه فرع أخر لمكتبه بالقاهرة.
_ يعني لو استقرينا في القاهره بعد كده ممكن تسمح ليا اشتغل يا “سفيان”؟.
داعب “سفيان” أنفها بأنفه وقال:
_مع إن كلامنا في الموضوع ده مش وقته وعايز اكمل اكل الفراولة بس أنا معنديش مشكلة إنك تسعى في مستقبلك.
ثم أردف بعد وضع حبة الفراولة بين شفتيها.
_ كان لازم تكوني مهندسة بترول، عارفه لو كنتي تخصص ديكور كنت استغليتك دلوقتي في تصميم ديكورات المكتب الجديد.
زمت شفتيها بعبوس بعدما مضغت حبة الفراولة وابتلعتها.
_ احبطني.
ضحك بقوة على انفعالات وجهها التي تزيده هيامًا بها ورغبة في إلتهامها.
_ وأنا اقدر احبطك برضو يا حببتي.
ثم تساءَل بمكر حتى يُغير دفّة الحديث.
_ ناوية تدلعيني الليلة دي ولا أدخل أنام.
ضحكت بقوة ودفعته بعيدًا عنها بعدما حاصرها بين ذراعيه.
_ وقح يا “سفيان” وعملتني الوقاحة.
ليضحك هو الآخر على عبارتها التي دائمًا تنطقها في لحظاتهم الخاصة.
••••
ما كان يخشى “سفيان” حدوثه من إتمام زيجة شقيقته الصغرى من “حاتم” قد حدث… لم يمضي على زواج شقيقته سوى شهرين وها هي تأتي للمرة الثانية غاضبة من أفعاله ومحادثته مع النساء.
عندما دلف “سفيان” من باب الشقة تحركت “سلسبيل” نحوه ببطء بسبب انتفاخ بطنها؛ فموعد ولادتها قد اِقترب.
_ مالها “إسراء” يا “سفيان”، برضو اتخانقت مع “حاتم”؟
تنهد “سفيان” بقوة وأسندها وتحرك بها برفق نحو أحد الأرائك.
_ المفروض يعقلوا ويصلحوا من نفسهم،، جايلهم خلاص طفل بعد شهور.
ابتسمت “سلسبيل” بسعادة عندما إستمعت إلى ذلك الخبر.
_ هي “إسراء” حامل، ربنا يكملها على خير.
وأردفت عندما شعرت بضيقه.
_ إن شاء الله بكره حالهم يتصلح يا “سفيان”
أغلق “سفيان” جفنيه قليلًا ثم تنهد بإرهاق بسبب ضغط العمل.
_ اتمنى يا “سلسبيل”، أنا هدخل الاوضة ارتاح شوية لو حسيتي بتعب صحيني. تمام يا حبيبتي.
قالها وهو ينهض ثم وضع قبلة على جبينها لتتابعه بعينيها وهي تحمد الله على نعمته عليها وسِتره لها.
في الساعة الثالثة صباحًا….
فتح “سفيان” عينيه بصعوبة من شدة النُعاس ثم نظر جواره متعجبًا من عدم وجودها.
تحرك إلى خارج الغرفة وقد أرشده صوت التلفاز إلى مكانها ، كالعادة وجدها غافية على الأريكة وفي حضنها جهاز التحكم الخاص بالتلفاز. إلتقطه وأغلق التلفاز ثم داعب خدها بلطف.
_ “سلسبيل” اصحى، إيه اللي نيمك هنا.
رمشت بأهدابها قبل أن تفتح عينيها لتتمطى في نومتها.
_ هو الفجر آذن؟
برفق رفع جسدها قليلًا.
_ لا يا حبيبتي لسا.
_ طيب سيبني أنام.
عادت تستلقي على الأريكة التي صَارت لا تُريح جسدها بالنوم لكنها تفضل النوم عليها.
_ هتتعبي من النومه الغلط كده، قومي معايا براحة.
بعدما أغمضت عينيها فتحتهم ونظرت له بتلك النظرة التي يعرفها.
تنهد بيأس ثم مَدّ ذراعيه ليرفع جسدها ويحملها.
_ عقبال ما تولدي هيكون جالي الغضروف.
اِحتدت نظراتها ومطت شفتيها بتذمر.
_ قصدك إن أنا تخينة.
تحرك بها نحو غرفتهم؛ فلفت يديها حول عنقه بقوة ليضحك على فعلتها.
_ لأ أنا اللي تخين يا حبيبتي.
اِبتسمت وهي تخفف من قبضة يديها حول عنقه.
_ وبكرش كمان.
وضعها على الفراش برفق وإلتمعت عينيه وهو يُحرك يده على بطنها.
_ وبكرش يا حبيبتي، ارتاحتي كده.
حركت رأسها برضىٰ ومَدّت ذراعيها إليه وهي تتثاءب.
_ زي ما صحتني نيمني بقى.
ولم يشعر بحاله إلا وهو يضحك بقوة….
تمت بحمد الله

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وارتوى الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى