رواية هوس متيم (هيامي) الفصل الأول 1 بقلم فاطمة محمد
رواية هوس متيم (هيامي) الجزء الأول
رواية هوس متيم (هيامي) البارت الأول
رواية هوس متيم (هيامي) الحلقة الأولى
صدح صوت تلك الطرقات بالمنزل بأكمله لا يكف ولا يتوقف عن الطرق أو الرنين
خرجت تلك المرأة التى تكون فى عامها الواحد والأربعون و التى لا تزال تتمتع ببعض من جمالها الخاص من غرفتها الصغيرة و اقتربت من الباب محركة رأسها بقلة حيلة عالمة هوية الطارق الذى لم يفارقهم و لم يتركهم أبدًا، ودائمًا ما كان بجوارهم مساندًا لها هى و ابنتها رغم صغر سنه فكان لهم الحامى و السند
وهذا ما جعلها تظن أنه يكن المشاعر لأبنتها صغيرتها جاهلة تمامًا عما يدور بقلبه الذى أصبح لها عاشقًا و أسيرًا، مخفيًا مشاعره المتأججة المشتعلة تجاها
وكيف يخطر بعقلها شيئًا كهذا وفرق العُمر بينهم تسع سنوات، والأهم انها تريده لابنتها وحيدتها فهو رجل يُعتمد عليه و أثبت لها ذلك قولًا و فعلًا منذ صغره
فتحت الباب فوجدته يقف مولايًا ظهره له بعدما توقف عن الأزعاج الذى سببه منذ لحظات، تنهدت قائلة بأنزعاج مصطنع :
-فى حد يخبط كدة يا ثائر!؟
استدار “ثائر” ناظرًا لها و أبتسامته الجذابة ترتسم على وجهه تعكس مشاعره الدفينه و قلبه يكاد يرقص فرحًا لرؤيتها ….
-انا…
(ثائر المغربى هو شاب فى الثانية و الثلاثون من عُمره طويل القامة ذات أعين فيروزية جسد رياضى ممشوق خصلاته طويلة نسبيًا بلون البندق ذات انف بارزة عنقة طويل بشرته بيضاء )
أجابها و هو يدلف الى المنزل و عينيه تجول بزوايا المنزل قائلًا بابتسامة مشاكسة
-أومال فين الهانم متقوليش لسه نايمة؟
أومأت “هبه” رأسها و قالت بيأس :
-وهى من امتى بتصحى بدرى يعني!! اهى نايمة جوة فى الصالون قدام التلفزيون و قلبت الصالة زريبة
أستدار”ثائر” واقفًا فى مواجهتها يملئ عينه وقلبه منها، رغم علمه بانه لن يشبع منها مطلقًا فقال بابتسامة حنونه عاشقة سرعان ما تحولت لمشاغبة
-طب سبيهالى بقى هى اللى جبته لنفسها، و بعدين يا هبة دلعك فيها ده مينفعش
انهى كلماته و هو يتجه ناحية المطبخ جاذبًا كوبًا فارغًا و قام بوضع بعض مكعبات الثلج و عليه ماء بارد فتمتمت بأستنكار و تهكم :
-يعنى هنبقى أنا و أنت عليها و
سريعًا ما قطعت حديثها قائلة بأعين متسعة :
-انت بتعمل ايه يا ثائر، لا بلاش انا مش ناقصة دوشة على الصبح و انت عارفها مبتسكتش
ألتفت لها “ثائر”غامزًا لها بشغف و مكر متجهًا صوب الصالون فوجدها تتسطح على الأريكة ذاهبة بسبات عميق
أقترب منها و انحنى لمستواها رافعًا الكوب و فام بأفراغة بحركة سريعة جعلتها تنتفض بنومتها شاهقة بفزع معتدلة بجلستها على الأريكة و عينيها جاحظة مما حدث
(هيام المنشاوى فى التاسعة عشر من عُمرها قصيرة القامة حيث يبلغ طولها ١٥٤ سم، جسدها ممشوق، خصلاتها بنية تصل لما بعد كتفيها بقليل، عينيها بلون القهوة، ذات رموش كثيفة، وعنق طويل، وشفاه مكتزة)
ولكن اخرجها من تسمرها و صدمتها تلك هو صوت ضحكاته الرجولية الصاخبة
كزت على أسنانها بغيظ و عينيها تكاد تطلق شرار متحركة كالأنسان الآلى تجاه والدتها التى تراقب رد فعلها و الابتسامة تليح على شفتيها فصاحت”هيام” بحدة متمتمة من بين أسنانها
-شايفة، شايفة عمل فيا ايه يا ماما ينفع كدة بذمتك، و يرجع يقولى انى عيلة يشوف حركاته هو الاول بالذمة دى حركات عاقلة
جائها صوت “ثائر” الساخر من خلفها قابضًا على ملابسها من الخلف
-لا مينفعش هتعملى ايه بقى يا اوزعة انتى ها، وايوة انتى عيلة و هتفضلى عيلة انتى مش شايفة يا بت بتكلمى ازاى مسترجل يا ابو الصحاب
التفتت له بعفوية محررة نفسها من قبضته تشعر بغيظ شديد يعتريها من إصراره على معاملتها و كأنها لا تزال طفلة بعُمر العشر سنوات، لما لا يلاحظ بأنها قد كبرت و نضجت، لما لا يرى حبها و عشقها له لما لا يشعر بقلبها الذى لا ينبض و لا يخفق الا من اجله…هو فقط “ثائرها” ……
أقتربت منه و هى تصرخ عليه مسددة له بعض اللكمات قائلة بضيق شديد أزعج والدتها التى تتقن مشاعرها جيدًا
-ثائر انت بتهرج انا مش ميت مرة قولتلك مبحبش الحركات دى بطل بقى يا اخى ايه البواخة دى
قام بتقيد ذراعيها اللذان يسددان له الضربات خلف ظهرها قائلًا بغلاظة
-ثائر كدة حاف ، طب ده حتى عيب على طولك لما تقولى كدة
فقالت بأستنكار و هى تشتعل و تكاد تخرج النيران من فمها و اذنها و نيران غضبها تزداد اكثر و أكثر
-لا مش حاف يا خفيف تحب اقولهالك مع حته جبنه رومى
زاد من ضغطه على يديها و قال بابتسامة جانبية
-ايه يا بت طوله اللسان دى لسانك طولان اوى و عايز قصه
تأففت و حاولت ان تعضه بعدما انحنت قليلًا و لكنها لم تفلح بسبب ضغط يديه على ذراعيها اكثر و اكثر مما جعلها تتأوة قائلة بشراسة
-لا مش لسانى بس وحياتك اللى طولان دى ايدى كمان طولانه بس انت سبنى و انا هوريك
تأففت “هبه” منهما و دلفت الى غرفتها قائلة بضجر :
-انا مش فضيالكم انا داخلة اغير عشان متأخرش على الشغل
و بالفعل دلفت غرفتها تاركة إياهم يتشاجرون فصاحت “هيام” بعد ان اخذت نفسًا طويلًا مهدئة أنفاسها المتسارعة
-ثائر لو سمحت سبنى بقى هتأخر على الجامعة
تركها “ثائر” و علامات الخبث ترتسم على وجهه رافعًا يديه قائلًا :
-بعد كدة تقوليلى يا عمو ثائر احترمى الخمشاشر سنه اللى بينا
-خمشاشر
قالتها بأشمئزاز و هى تنظر له من رأسة لأخمص قدميه
-سبحان الله شكلك مش ماشى مع طريقتك،يعنى شكلك ابن ناس كدة و محترم وانت ماشاء الله تربية شوارع
ضغط على شفتاه و ما كاد يقترب منها حتى سبقته مهرولة تجاه غرفتها مغلقة الباب عليها و ضحكاتها تصدح فقال
-وماله لما تبقى تنزلى يا حلوة هتروحى منى فين !!!
أجابته بتحدى من خلف الباب
-عادى ممكن منزلش و مخرجش من الاوضة، بس انا هخرج عشان انت عارف أنى مبحبش قاعدة البيت و بتخنق منها و يلا بقى طرأنا
ضرب الباب بخفة و قال بتوعد :
-ماشى يا هيام انا هوريكى
***********
داخل أحدى المنازل المتواجدة بتلك الحارة الشعبية
كان يرتدى ملابسه والغضب يعتريه من زوجته التى تريد منه ماهو مستحيل ولا يستطع تنفيذه أبدًا و هو الزواج بغيرها….
فكيف له ان يتزوج غيرها و عشقها يكبر بين ضلوعه يومًا بعد يوم !!
كيف يسمح لنفسه بأن يجعل أخرى زوجته تحمل اسمه و كل ذلك من اجل ان تحمل منه جالبه له ولدًا من صلبه، كيف له أن يقنعها بأنه لا يريد سواها بتلك الحياة …..
(يوسف الصاوى فى الثالثة و الثلاثون من عُمره، طويل القامة عريض المنكبين، ذات اعين سوداء و خصلات سوداء بلون الفحم، وجسد رياضى)
اما هى فكانت جالسة على فراشها متدثرة تحت الغطاء تطلع عليه و قناع من البرود يرتسم على وجهها!!
فقالت ببرود مزيف رغم تلك النيران التى تنهش قلبها العاشق المتيم به، حابسة دموعها التى بدأت ان تلتمع بعينيها و لكنه لم ينتبه لهم بسبب غضبه منها الذى جعله يتجاهلها تمامًا
(سارة المغربى فى عُمرها الثانية و الثلاثون، خصلات طويلة بندقيه فاتحة اللون ، متوسطة الطول عينيها ذات اعين بلون الزرع و وجهه مستدير ممتلئ بعض الشئ)
-ها يا يوسف فكرت فى اللى قولتهولك و لا لس
قاطعها “يوسف” بشراسة و عنف جاعلًا إياها تبتلع باقى حديثها فى جوفها
-متجبيش سيرة الموضوع ده تانى يا سارة عشان بجد لو فتحتيه تانى هتزعلى منى فاحسنلك تقفلى على الموضوع ده انا راجل ورايا شغل ناس و محتاج اركز فى الشغل ،مش هيبقى كل يوم بنكلم فى نفس الموضوع اللى مش عايز يتقفل ده
دفعت الغطاء و نهضت من على الفراش بشراسة مماثلة لشراسته منذ لحظات
-ومش هيتقفل يا يوسف،انت مش عارف انا بسمع إيه وانت برا سواء من امك و لا حتى اختك و لا حتى خالاتك اللى كل ما يجوا يقعدوا يلقحوا عليا و يرمونى بكلام زى الدبش، انا خلاص تعبت يا يوسف و بعدين انا مبقولكش نبعد عن بعض، انا بس عايزاك تجوز و هى تجبلك الولد اللى انت عايزه انا مبطلبش منك حاجة مستحيلة ،بالعكس ده حقك يا يوسف، حقك أنه يجيلك عيل و يبقى جمبك و يقولك بابا، انت طول ما انت رافض كدة بتحسسنى بالذنب يا يوسف عشان مش عارفة اجبلك العيل اللى نفسك فيه
ثوانى من الصمت مرت تشنجت خلالهم عضلات وجهه و لقترب منها قاطعًا المسافة بينهم، ورفع يديه ممسكًا برأسها لامسًا خصلاتها التى يعشقهم مغمغم بنبرة عاشق لا يريد سوى حبيبته و قربها فقط
-ومين اللى قالك أنى نفسى فى عيل يا سارة انا مش عايز من الدنيا دي غيرك افهمى، افهمى بقى أنى مش عايز غيرك
صفعت أنفاسة الحارة المتسارعة بشرتها الحليبية الناعمة فأزدردت ريقها رافعة عينيها تنظر بعينيه السوداء القاتمة
أنحنى تجاه شفتيها راغبًا بألتهمهم و لكن منعه تلك الدفعة التى تلاقاها منها و هى تغمغم بنبرة مبحوحة على وشك البكاء
-ابعد عنى يا يوسف
ضم قبضته الفولاذية بغضب حتى ظهرت عروقه وأزدادت وتيرة تنفسه و لكن تلك المرة بغضب فتاك فأماء لها برأسه متمتم بغضب دفين
-اتعدلى يا سارة اتعدلى عشان اللى انتى بتعمليه ده مينفعش وأنا ساكتلك لحد دلوقتى عشان بس بحبك و مش عايز ازعلك، بس اتقى شر الحليم يا سارة
خرج من الغرفة دافعًا الباب خلفه بعنف فأرتمت هى على الفراش تبكى بحسرة لست راضيه عن أفعالها و لكن ما باليد حيلة فقد فاض بها و لا تستطيع أن تتحمل كلمات والدته اللاذعة …..بل ليس والدته فقط بل عائلته بأكملها
عقب خروجه من غرفتهم أتجه ناحية المطبخ بعدما أستمع الى ذلك الصوت القادم منه و ما أن دلف حتى وجد والدته تقف بالمطبخ فتحدث بنبرة حاول جعلها هادئة و لكنه لم يستطع فصاح بها قائلًا
-اسمعى بقى يا ماما جواز تانى مش هتجوز ومش هقبل أنى أجيب ضرة على مراتى أنتى سامعة، فياريت بقى تقفلى على الموضوع ده و تبطلى اللى بتعمليه انتى و حنين و خالاتى
ألتفتت إليه تستمع إلى حديثه الغاضب و كلماته اللاذعة رافعة حاجبيها بتذمر لا يعجبها طريقته وأسلوبه بالحديث معها
فتمتمت بغضب مكتوم
-ايه يا يوسف الطريقة اللى بتكلمنى بيها دى و بعدين غلط فى إيه انا عشان صوتك يعلى عليا بالطريقة دى عشان خاطر السنيورة اللى متجوزين بقالكم سنين و مش عارفة تجبلى حته عيل افرح بيه، دى خلاص مبقاش فيه منها أمل و عدت الثلاثين، انا الأول كنت ساكته عشان عارفة انك بتحبها و أديك شوفت خدتها لكام دكتور و مفيش فايدة فيها، اسمع كلامى و تعالى اشوفلك واحدة صغيرة تفرحك بعيل يا يوسف
زفر مطولًا محاولًا تمالك غضبه و لكنه كالعادة لم يستطع كبح غضبه فقال بقسوة و شراسة
-مش عاااايزززز ،فهمتى يا ماما مش عايز عيال انا راضى و موافق و كفاية بقى كفاية وإلا والله هأخد سارة و هنقعد فى شقة لوحدينا، و بعدين انا عايز افهم ايه اللى حصلك ما انتى كنتى بتحبيها ده انتى اللى اختارتيها، انتى اللى لفتى انتباهى ليها، على اساس أمها صاحبتك من زمان و لا خلاص نسيتى ده كله
زفرت “صباح” و اغمضت عينيها لوهلة قائلة بحزن مصطنع محاولة أستعطافه
-يا بنى افهم بقى انا عايزة افرح بعيل من صلبك بقى انا خلاص بكبر و مبقاش بقيلى كتير فرحنى بعيل يا يوسف
كز على اسنانه وتشنجت عضلات وجهه ومسح على شعره متمتم بإصرار و عُند
-مستحيل مش هيحصل و الكلام ده تشيليه من دماغك انتى سامعة شيليه من دماغك لأنه مش هيحصل ،انا مش هستحمل أنها تضيع من أيدي
تركها واقفة بمفردها بمنتصف المطبخ تلعن نفسها لاختيارها تلك الفتاة البور و التى لاتستطع أسعادها بطفل صغير تنتظر وصوله بفارغ الصبر
**********
وبالطرف الآخر على تلك القهوة
جلس “ثائر” على ذلك المقعد بعدما قام بسحبه منتظرًا هبوطها فنادى على الصبى بنبرة عالية صافقًا يديه ببعضها البعض
-هاتلى كوباية قهوة سادة و الشيشة يا عبده
وسرعان ما انتبه لصديقه “يوسف” و الذى بذات الوقت زوجًا لشقيقته التؤام مناديًا باسمه
-يوسف
أقترب “يوسف” وسحب المقعد جالسًا بمقابلته فقال “ثائر” بنبرة ساخرة
-مالك يا عم بوزك شبرين ليه سارة منكدة عليك و لا ايه!؟
حرك “يوسف” رأسه بنفى و قال بأبتسامة مكلفة لم تصل لعيناه لا يريد لصديقة أن يأخذ خبرًا عما يحدث بينه و بين شقيقته
-وإيه الجديد ما أختك ماشاء الله بير نكد
جذبه “ثائر” من ملابسه بمرح متمتم من بين اسنانه
-يالا احترم نفسك دى اختى دى مش هتلاقى ضفرها فلم لسانك كدة و خليك حلو عشان مقلبش عليك
أبتسم “يوسف” و نزع يد “ثائر” مهندمًا ملابسه
-ما انا عارف يا ثائر عارف والله، وبعدين ما انت عارف إنى بحبها بس هى عليها حركات بتنرفزنى يا أخى زى ما تكون مستقصده تنرفزنى
فجاء “عبده” ذلك الصبى الذى يعمل بالقهوة و التى تكون لوالد “ثائر” ولايتخطى عمره ال١٩ عامًا
-وعندك احلى كوباية قهوة و احلى حجر شيشة لاجدع معلم فى المنطقة كلها
ابتسم له “ثائر” و قال بابتسامة جانبية هو يسحب نفسًا من تلك الشيشة
-ثبتنى انت كدة صح
أجابة “عبده” بمشاكسة
-وانا اقدر برضو يا معلم ده انت الخير و البركة
نظر “ثائر” تجاه يوسف و قال
-تشرب حاجة يا يوسف
حرك “يوسف”رأسه بنفى و ضرب على الطاولة بخفة و قال
-لا انا هقوم بقى يدوب الحق عشان متأخرش
اماء له “ثائر” و سريعًا ما غادر “يوسف”
اما هو فظل منتظًرا هبوطهم سويًا و ما ان رآهم حتى ترك الشيشه من يديه و أقترب منهم فقلبت “هيام”عينيها و قالت بضيق مصطنع
-وبعدين معاك يا عم انت، انت هتفضل كل يوم لازقلى كدة، ما تقولى حاجة يا ماما
تنهدت “هبة” و نظرت تجاه “ثائر” الذى كان يرمق “هيام”بضيق بسبب ملابسها التى رغم طولها و لكنها تتجسم عليها موضحة تفاصيل جسدها الممشوق
فصاح بحنق و عينيه تطلق شرار فعقله و عيناه حتى الآن لا يستوعبان بأنها أصبحت انثى ناضجة فلم تعد تلك الفتاة الصغيرة التى كان يحملها بين يديه
-الهدوم دى تطلعى تغيريها أحسنلك يا هيام
عقدت ما بين حاجبيها و أستدارت ترمق والدتها بنظرات نارية بعدما سيطر الغضب عليها لتحكمه المستمر بها و الأسوء موافقة والدتها له و التى تثير حنقها
-عجبك يا ماما اللى بيقوله ده و بعدين انا لبسى مفهوش حاجة كل البنات بتلبس كدة يعنى مش لوحدى مش عجبه انا
أحتدت عيناه بشراسة متحدثًا ببرود عكس تلك النيران التى كانت كالمرجل
-مش هعيد كلامى تانى يا هيام، هتطلعى و هتغيرى هدومك والا ودينى و ما أعبد ه
كاد أن يكمل حديثه و لكنها قاطعته و هى تتأفف رامقة والدتها بغيظ متجهه داخل البناية التى تقطن بها مرة آخرى مستجيبة لحديثة مبدلة تلك الملابس التى كانت كجلد ثانٍ لها
تنهدت “هبه” و قالت بهدوء شديد
-براحة عليها يا ثائر انت عارف ان هيام عنيدة و انت بذات بتحب تعند معاك
كانت تتحدث و هو يتابعها بعينيه متنهدًا بضيق، ولم تنبته لعينيه التى تنظر لها بلهفة يريد أخبارها بمشاعره الدفينه و التى يخاف ان يظهرها فيخسرها للابد ، فمن تقف أمامه هى حب مراهقته و شبابه لم يدق قلبه لسواها، رغم علمه بأنهم لا يناسبان بعضهم و لكنه لم يستطع التحكم بقلبه الذى تعلق بها و أصبح لها عاشقًا ولهان..
فكلما رآها يشعر بأنه يحلق بالسماء ، خوفه و حبه لابنتها ناتجًا عن حبه لها فكيف لا يخاف عليها و هى قطعة مصغرة منها، يتمنى بأن يأتى اليوم الذى ستشعر به و تبادله بمشاعره الجياشة
دار كل هذا بخلده و هى واقفة أمامه توصيه بمعاملة ابنتها برفق و بطريقة لينه و ذلك لمعرفتها بعناد ابنتها
جاءت “هيام” و قالت بحنق
-يلا بينا
رمقها “ثائر” بنظرة متفحصة من رأسها لاخمص قدميها فتلك الملابس لا بأس بها و لكن جالت عينيه على حجابها الغير مهندم فغمغم بصوت غليظ
-أعدلى الطرحة مش كل يوم هقولك الأسطوانه دى ،المفروض تكونى حفظتى و فهمتى يا بنى آدمه
كزت على اسنانها و أرتعش صدغها من شدة غضبها و رفعت يديها مهندمة حجابها بطريقة عدوانية و قالت بأستنكار
-ها كدة حلو يا استاذ ثائر و لا فى حاجة كمان
مط شفتيه بحركة مسرحية متمتم بمرح و هو يتحرك من مكانه بضع خطوات مشغلًا دراجته النارية
-اهو أحسن من الأول يلا اركبى
ضغظت على شفتيها مغمضة عينيها لوهلة فوقف أمامها و قال
-يلا يا هيام هانم اتفضلى مش هنفضل واقفين كدة كتير
وتحركت حدقتيه رامقًا “هبه” قائلًا بأبتسامة
-عايزة حاجة يا هبه
أبتسمت له بخفوت مغمغمة
-عايزة سلامتكم ،وسوق على مهلك يا ثائر
اماء لها بعينيه مغمغم بابتسامة
-خلى بالك من نفسك
استقلت “هيام” خلفه محاوطة خصرة بيديها و علت أنفاسها بسبب أقترابه المُهلك ذاك…
تحرك “ثائر” بالدراجة النارية ليقوم بأيصالها أمام جامعتها مثلما اعتاد فهى فى عامها الثانى فى كلية تجارة
اما “هبه” فأستقلت الحافلة ذاهبة الى عملها لتستطيع تلبية أحتياجات ابنتها المدلله التى لا يعجبها شئ
***********
وصلا أمام الجامعة فترجلت من خلفه واقفة بجواره و أنفاسها تتسارع مسببة علو و هبوط صدرها ناظرة له بهيام سريعًا ما تحول لبرود مميت عندما انتبهت لنفسها
-شكرًا على التوصيلة
أبتسم لها بخفة رافعًا حاجبية متحدثًا بلهجة رجولية لا تليق إلا به تجعلها تذوب به اكثر و اكثر
-شكرًا على ايه يا هبلة انتى ده انتى زى أختى برضو
أسودت عيناها ولاح الغضب بهم و صاحت به بنبرة غاضبة عدوانية شرسة
-انا مش أختك يا ثائر ولا اقربلك أصلًا فمفيش داعى كل شوية تقعد تقولى الكلام ده انت سامع
انهت كلامها و هى ترفع سبابتها واضعه إياها على صدره فأخفض نظراته رامقًا أصبعها، مضيقًا عينيه فهو ليس بغبى و ملاحظًا تغييرها الجذرى و طريقتها العدوانيه معه
فتحدث بصوت اجش
-نزلى ايدك يا هيام و اخر مرة تكلمى معايا بالأسلوب الزفت ده انا مش عيل معاكى، و اعملى حسابك بليل هيكون ليا كلام تانى معاكى عشان انتى سوقتى فيها اوى و انا عشان ساكتلك بتتمادى فيها
انهى كلماته و هو يحرك دراجته النارية بأنفعال مغادرًا من أمامها بسرعة البرق
كزت على اسنانها و تحركت من مكانها حتى تدلف من بوابة الجامعة و لكن أوقفها ذلك الصوت الذى جاء من خلفها مناديًا عليها
-هيام …. عاملة ايه
وقفت مكانها و ألتفتت إليه راسمة بسمة مزيفة قائلة ببرود
-كويسة ازيك انت
ابتسم لها ببلاهة مغمغم بتساؤل
-هو مين اللى كان واقف معاكى ده
رفعت حاجبيها و قالت بتلقائية
-وانت مالك بتسأل ليه
ابتلع الشاب ريقه و غمغم بتوتر
-اصلى بشوفه كل يوم بيوصلك فكان عندى فضول بس مش اكتر
زفرت بضيق و قالت بنفاذ صبر
-ده خطيبى و اول ما خلص جامعة هنتجوز ها ارتحت كده رضيت فضولك و بعدين انا مبحبش اقف الوقفة دى مع اى حد عشان هو لو شافنى واقفة الوقفة دي مش بعيد يموتنى و يموتك فيها
توتر الشاب و صاح بأعتذار
-انا اسف بجد مكنتش اعرف و مش هزعجك تانى
كادت ان تجيبه فوجدت من يحاوط ذراعيها بقبضته فرفعت عينيها فلم تجد سواه يقف امامها فأبتلعت ريقها و غمغمت
-ثائر
ابتسم لها بسمة لم تصل لعيناه متمتم من بين اسنانه بغيظ ظهر على ملامحه
-مين البيه ده يا هيام
تلعثمت و زاغت عيناها
-ده ده
ضغط على شفتيه ماسحًا على وجهه براحه يديه و قال بنفاذ صبر
-ده ايه اخلصى !!!!!
أجابه الشاب بدلًا عنها منهيًا ذلك التوتر الذى سيطر عليها
-انا مازن الشيخ زميلها فى الكلية و شوفتها قبل ما تدخل فناديت عليها اسلم عليها
ترك “ثائر” ذراعها و اقترب من الشاب بخطوات هادئة و عينيه تجول من حوله ناظرًا لهؤلاء الطلبة من حوله فقال بنبرة وعيد و تهديد
-طب اسمع بقى يا حيلتها هيام دى خط أحمر، فاهم يعنى إيه خط أحمر يعنى دماغك توزك تهوب ناحيتها هتقول على نفسك يا رحمن يا رحيم و تعرف انى مش هحلك
أبتلع “مازن” ريقه و تصبب العرق من جبينه وغمغم بتوتر
-لا و على ايه الطيب احسن و الف مبروك على الخطوبة و ربنا يتمملكم على خير
انهى كلماته و غادر من امامهم مهرولًا فظل “ثائر” مكانه محاولًا استيعاب حديث ذلك الشاب
أستدار تجاه هيام التى علت انفاسها بعدما فضحها “مازن” مباركًا له على تلك الخطبة المزيفة
فرفع يديه مشيرًا تجاه “مازن” الذى غادر للتو
-انتى قولتيله ايه
أنسحب لون الدماء من وجهها و قالت مزدردة ريقها بصعوبة نتيجة لجفاف حلقها
-انا اصلى بصراحة قولتله انك خطيبى
جحظت عيناه و فرغت شفتاه من هول ما سمعه فكيف تفكر تلك الفتاة التى امامه فكيف طاوعها لسانها على نطق تلك الكلمة فزفر بضيق و صاح بهدوء مزيف مسيطرًا على غضبه الذى لا يهدأ بسببها
-خشى جامعتك و بليل هنكلم زى ما قولتلك
وضع يديه بجيبه مخرجًا بعض النقود جاذبًا يديها و قام بوضعهم بها
-وده مصروفك بتاع كل شهر نسيت ادهولك و كنت راجع ادهولك
اماءت له برأسها ناظرة بعينيه بشجاعتها و جرأتها المعتادة فأشار برأسه تجاه البوابة مغمغم
-و دلوقتى اتحركى من قدامى
تنهدت طويلًا و غادرت من امامه فأستقل دراجته بعدما تابعها بعينيه متاكدًا من دلوفها داخل جامعتها، و الضيق يسيطر عليه
**********
خرجت “سارة” من غرفتها بعدما هدأت قليلًا وما كادت أن تتحرك بأتجاه الحمام حتى وجدت “صباح” تقف أمامها واضعة يديها بخصرها قائلة بنبرة تطلق شرار و بذات الوقت غاضبة
-اسمعى يا سارة انتى لازم تتصرفى انا خلاص العُمر بيجرى بيا و عايزة افرح بحفيد ليا، ومدام انتى السبب فى حرمانى من حفيدى فأنتى عليكى تقنعى يوسف و تخليه يوافق أنى اشوفله عروسه صغيرة و حلوة و الاهم متبقاش أرض بور
أقتربت “سارة” من والده زوجها و التى تكون بذات الوقت صديقة لوالدتها و لكنها تناست تلك الصداقة منذ أن علمت بذلك العقم لدى سارة و صعوبة أنجابها
فهتفت بهدوء و برود ظاهرى
-كلمته بس هو اللى مش موافق و مش عايز اعمل ايه اكتر من كده ،هو فى واحدة ممكن تعمل زى ما بعمل، مظنش انه فى واحدة ممكن توافق أن جوزها يجيب عليها ضرة بس انا وافقت بس مش عشانك ده عشان يوسف عشان انا بحبه و عايزة اشوفه مبسوط
أرتسمت السخرية اللاذعة على وجه “صباح” و رفعت يديها مربته على ذراعيها صائحة بتهكم
-طب يلا ورينى شطارتك يا سارة يا هانم و ورينى هتقنعيه ازاى !!!
ثم تحركت من مكانها و غمغمت بلهجة شبه آمرة
-خشى حضرى الفطار لحنين عشان تفطر قبل ما تنزل الجامعة و بعد ما تحضرى الفطار صحيها
أبتلعت “سارة” تلك الغصة المريرة و تحركت تجاه المطبخ حتى تنفذ ما طلبته
خرجت حنين من غرفتها و هى فى عجلة من آمرها فعادت سارة عدة خطوات مرة أخرى و هى تنظر تجاه حنين وقطبت جبينها قائلة بدهشة
-فى ايه مالك مستعجلة كدة ليه!!
تأففت حنين و التقطت حذائها و جلست على الاريكة حتى ترتديه
-يوووه بقى، اتأخرت تانى على المحاضرة و هيام اتصلت عليا كتير و مسمعتش الموبايل و كدة المحاضرة فاتتنى و الدكتور مش هيرضى يدخلنى
(حنين الصاوى فى التاسعة عشر من عُمرها ذات أعين رمادية و خصلات كستنائية تصل لمنتصف خصرها، رفيعة الجسد، طويلة القامة، وانف صغير و شفتاه ممتلئة نسبيًا)
ظهرت شبح أبتسامة على وجه سارة و قالت بنبرة غامضة
-طب و أنتى زعلانه عشان راحت عليكى نومة و لا عشان هيام هتحضر المحاضرة و انتى لا
توقف حنين عما كانت تفعله و قطبت جبينها و حدقت بسارة قائلة بتلعثم
-مش فاهمة قصدك ايه
تنهدت سارة و أقتربت منها و قالت بخفوت
-انا مش عامية يا حنين و بشوف كويس اوى و غير كل ده انا عايشة معاكى فى بيت واحد وبقيت بفهمك كويس اوى
نهضت حنين و عقدت ذراعيها امام صدرها قائلة باستفزاز
-وايه بقى اللى حضرتك فهماه
ابتسمت سارة أبتسلمة مصطنعة و قالت بخفوت قبل ان تغادر من امامها
-حبك و صداقتك لهيام مش حقيقى يا حنين نظراتك بتقول غير، عنيكى علطول فضحاكى، مش عارفة ليه كل الحقد ده كله، بس كل اللى اقدر اقولهولك ان هيام بتحبك و متستاهلش منك الحقد ده
غادرت من أمامها متجهه صوب المطبخ فأوقفتها حديث حنين قائلة
-ياريت تخليكى فى نفسك، وتشوفى هتعملى ايه مع يوسف لما يجوز غيرك و قلبه يبقى مع الجديدة اللى هتبقى ام ابنه اللى انتى مش عارفة تجبيه
**********
هبطت من العمارة و هى تلعن سارة التى علمت حقيقة مشاعرها تجاه هيام صديقتها الوحيدة و المقربة
خرجت من البناية و صوبت عيناها تجاه احدى محلا قطع غيار السيارات الخاص بمن ملك قلبها فوجدته يقوم بفتحه فأتسعت ابتسامته بتلقائية و قادتها قدماها نحوه….
ربت على كتفيه متمتمة اسمه بنبرة حاولت جعلها رقيقة انثوية
-صباح الخير يا ثائر
ألتفتت ثائر ينظر لها و غمغم بلامبالاه أزعجتها
-صباح النور، انتى لسه مرحتيش الجامعة
ابتلعت تلك الغصة و قالت و عينيها تتابعه و هو يكمل فتح المحل الخاص به
-ايوة راحت عليا نومه، مع الاسف معنديش اللى يوصلنى كل يوم زى هيام ياريت كان يبقى فى حياتى حد مهتم بيا زى ما انت مهتم بهيام
فتح المحل و ولج داخله و علق مفاتيحه و التفتت لها متجاهلًا حديثها عن قصد عالمًا بما تكنه له من مشاعر
-يلا يا حنين، عشان متتأخريش على الجامعة
***********
بذلك المنزل الراقى و الذى يظهر الثراء الذى يتمتعون به
كانت “هبه” داخل احدى الغرف تقوم بتوضيبها و تنظيفها جيدًا و هى تشعر بأرهاق شديد و بعض الآلآم المتفرقة …..
فمن أجل توفير ما تحتاجة لابنتها تعمل بذلك المنزل بأجر يومى فهى تقوم بتنظيف المنزل ثلاث مرات أسبوعيًا دون علم هيام و ثائر مخبرة إياهم بأنها تعمل بأحدى المحلات…
دلفت تلك السيدة و التى تكبرها بعام تقريبًا إلى الغرفة دون استئذان دافعة الباب قائلة بنبرة متعجرفة متكبرة
-هبة اخرجى من الاوضة عشان عايزة البس و انزل و ادخلى نظفى اوضه مالك
أماءت لها “هبه” تاركة ما بيدها مجمعه أدوات التنظيف مغادرة الغرفة مغلقة الباب من خلفها متحركة بخطوات هادئة تجاه غرفة مالك ذلك الشاب وحيد والدته و الذى يعيش معها بعدما افترقت عن زوجها و يرسل لهم مبلغًا و قدره ببداية كل شهر
ولجت الى غرفة مالك و لكن سريعًا ما شعرت بالاختناق من رائحة السجائر التى تملئ الغرفة فحركت راسها بيأس من ذلك الشاب الذى لم تراه سوى مرات معدودة و لكن كلما تراه تشعر بعدم الراحة تجاه
حركت رأسها بنفاذ صبر و هى تدعى له بأن يهديه الله سبحانه و تعالى هو و كل الشباب أمثاله فرمقت الشرفة و تحركت باتجاها فاتحة إياها لتقوم بتهوية الغرفة و شرعت بتنظيفها و أحداث الماضى تعاد أمامها مرة آخرى
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هوس متيم (هيامي))