روايات

رواية هواها محرم الفصل السابع عشر 17 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل السابع عشر 17 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت السابع عشر

رواية هواها محرم الجزء السابع عشر

رواية هواها محرم
رواية هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة السابعة عشر

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
الفصل السابع عشر من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
يبدو أن الاختلاف خُلق لقصتنا
وأن كل علوم النفس ستعجز عن تفسير حالتنا
وأن كل السبل التي سنسلكها نهايتها هي بدايتنا
وأن الحظوظ التسع تصب أنهارها في خليج قصتنا
على ما يبدو أننا بدأنا للتو قصة عشقِ آلامها ستكون مصل سعادتنا
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
في طريقهما إلى المنزل ولكنها مؤخرًا باتت تشعر بألم طفيف يراودها لا تعلم سببه .
ربما لأن تلك الفترة بذلت مجهودًا مضاعفًا مع خديجة تارة ومع مايا تارةً أخرى .
لم ترد نقش الألم على ملامحها حتى لا يقلق هذا الذي لم تغب عنه حركات يدها على رحمها لذا قال مستفهمًا :
– نارة إنتِ تعبانة ؟ ، فيه حاجة بتوجعك صح ؟
التفتت له وابتسمت بتكلف ثم قالت بنبرة هادئة كي لا تقلقه :
– مغص بسيط يا صقر ماتقلقش .
نظر أمامه وأومأ ثم وجدته ينعطف مغيرًا مساره فتعجبت وتساءلت بملامح منكمشة من أثر الألم :
– رايح فيه يا صقر ؟
– هنطلع على المستشفى ، لازم نطمن المغص ده سببه إيه ؟ ، أنا ملاحظ إن بقاله فترة وإنتِ طبعًا انشغلتي مع مايا وخديجة .
– ياصقر مالوش لزوم إحنا كدا كدا هنروح لدكتور عليا يوم التلات علشان نعرف نوع البيبي ، خلينا نروح يا حبيبي يالا وهاخد الفيتامينات بتاعتي وهبقى كويسة .
هكذا قالتها بهدوء ولكنه لم يرضخ بل صمم موضحًا :
– هنروح نطمن عليكِ دلوقتي ونروح يوم التلات نعرف نوع البيبي .
أذعنت لرغبته مستسلمة وتحركت يدها مجددًا تتحسس رحمها كأنها تطمئن جنينها أنه سيكون دومًا بخير والتفتت تنظر نحو حبيبها في تلك اللحظة ، سبحت بأفكارها التي أنستها الألم وجعلتها تبتسم بسعادة على ما تتخيله .
ماذا إن رزقها الله بـ ولدٍ يشبه أباه شكلًا ومضمونًا ؟ حينها ستكون أكثر البشر سعادةً وسيكون لديها نسخةً من هذا الحبيب الغالي .
أما هو فلا ، أحلامه مختلفةً تمامًا عنها ، هو يتمنى حوريةً تشبهها في الشكل والمضمون ، حوريةً تأتي لتفتت صخر ماضيه المطبق على عقله وتحوله إلى مروجٍ وأنهارٍ .
هو يدعو أن تكون طفلةً تحمل كل صفات والدتها لتحدث فوضةً في حياته الباهتة وتعبث بسنينه الصلدة ويعيش معهما جِدالات وجولات عشقٍ وعناد لا تنتهي وتتعاركان من تسبق الأخرى إلى عناقه ومن تفوز بقبلاته .
ابتسم حينما تخيل تلك الحياة فالتفتت تطالعه وتساءلت بحبٍ :
– صقر قول إن إنت بتفكر في اللي أنا بفكر فيه ؟
مال برأسه يطالعها بحب ثم عاد لأمامه وتساءل بنبرة فرحة :
– إنتِ كنتِ بتفكري في إيه ؟
– بيبي شبهك بالضبط ، حتى يكون نفس اسمك .
ضحك من قلبه حتى ارتفعت رأسه من فرط حماسه وسعادته وقال بنوعِ من الغموض والابتسامة تشع من ملامحه :
– هو ده اللي كنت بتخيله تمامًا .
❈-❈-❈
كعادتها مؤخرًا في هذه الغرفة أو الزنزانة تتكور على الفراش في حالة بؤسٍ تام .
استسلمت لما سيأخذها له القدر وخارت قواها شكلًا ومضمونًا ، لم يرأف بها لا هو ولا تلك المدعوة چيچي التي تعيش في الفيلا كما لو كانت مملكتها ، حتى عائلتها لم تكلف خاطرها في السؤال عنها واكتفت والدتها بجوابه وصدقته حينما أخبرها منذ أيام أنها بخير ولكن لا ترغب في محادثتها .
دلف يخطو حاملًا صينية الطعام كعادته يوميًا واتجه يخطو نحوها ثم وضع الصينية على الكومود ونظر لها فوجدها نائمة وجهها وملامحها لم تعد كالسابق ، باتت كمن تبلغ السبعين من عمرها .
جلس مجاورًا لها واتجهت يده تزيح خصلاتها وهو يطالعها ثم تساءل بنبرة هادئة تنافي تمامًا تصرفاته :
– ليه بتعملي كدة فيا وفـ نفسك ؟ ، استفدتي إيه من عنادك وتمردك عليا ؟ ، إنتِ عارفة إن ماينفعش نبعد عن بعض .
تحسست يده ملامحها وشفاهها الجافة وهو يتابع بضحكة وهدوء مغلف بالسخرية :
– هتبعدي تروحي فين ؟ ، عايزة ترجعي لأهلك ؟ ، أخوكِ اللي بيهينك ويضربك ولا أبوكِ اللي مش عارف يحميكي ؟ ، ولا أمك اللي مش بتحب خلفة البنات ؟ ، أنا أحن واحد عليكي فيهم ليه بتكرهيني كل الكره ده ؟
تجهمت ملامحه وتبدلت نظراته لتصبح قاتمة مخيفة وهو يتابع ولمسته تقسو على شفتيها :
– عايزة تطلقي ليــــــــه ؟ ، حاطة عينك على ميـــــــــن ؟ فكرك إنه هيحبك قدي ! ، مفكرة إني هسيبكوا تعيشوا سوا كدة بسهولة ؟
جن جنونه كأنه يراها تصرخ وتواجهه فاتجهت يده إلى عنقها يقبض عليه وتابع بانفصام وجحوظ :
– مش هيحصل ، هموتك وأموت نفسي بس مش هسيبك ، إنتِ فــــاهمة ؟
كان عنيفًا وقاسيًا ومجنونًا ولكنه تعجب من سكونها الغير معتاد ، هي في العادة عنيدة تواجهه وهذا ما يريده ويتلذذ برؤيته ولكنها الآن ساكنة لذا حرر قبضته عن عنقها وربت على وجنتها يوقظها قائلًا بنبرة آمرة :
– اصحي ، قومي كلميني .
لم يجد منها ردًا لذا زاد غضبه فأسرع ينهض كوحشٍ كاسر لم يجد من يروضه وينتشل الغطاء من فوقها بعنفٍ ولكنه تجمد حينما لاحظ بقعة دماء تتسرب من أسفلها .
جحظت عيناه وابتعد يفلت الغطاء ثم ثبت أنظاره على تلك البقعة لثوانٍ لا يستوعب ما يحدث معها وما سببها وفجأة ابتعد خطواتٍ للخلف حتى اصطدم بالحائط فانتبه يطالع وجهها الشاحب كأنها جثةً هامدةً لا حياة فيها .
ليأخذ خطواته عائدًا إليها راكضًا ثم انحنى راكعًا عند وجهها وبات يتوسلها أن تستيقظ مناديًا :
– أميرة قومي ، افتحي عيونك وقومي ، إنتِ بتمثلي صح ؟ ، فكرك إن كدة هطلقك ؟
لا رد منها ولا حياة فصعق كأسدٍ جائعٍ ماتت فريسته قبل أن يعذبها لذا رفع كفه عند أنفها يستشعر أنفاسها ولكن احتلت الصدمة ملامحه مجددًا حيث لم يجد سوى أنفاسًا تحتضر لذا نهض يلتفت حوله بغير هدى ثم أخيرًا بدأت تعود إليه شخصيته الاجتماعية التي يواجه بها العامة وانحنى إليها يحملها بين يديه فباتت هشة ضعيفة لا تزن شيئًا وهو يتحرك بها نحو الخارج وينادي بصراخ على تلك التي تجلس تتابع التلفاز غير عابئة بأي شيءٍ من حولها :
– افتحي باب الفيلا حالًا .
نهض تركض خارج الغرفة ولكن ما إن وصلت إليه حتى تسمرت مكانها تطالعه بتعجب ممزوج بالغضب من حمله لها ولكن أتت صرخته لتحركها نحو باب الفيلا تفتحه فاندفع يغادر للخارج ويصرخ برجلٍ من حراسته ليفتح باب السيارة فأسرع الحارس يركض ويفتحه فأدخلها يضعها على المقعد ثم تركها فمال رأسها جانبًا كالشاه المذبـ.وح وأغلق الباب والتفت يستقل مكانه ولم ينتظر لثانيةٍ حيث انطلق يغادر على الفور حتى كاد أن يصطدم بالبوابة الحديدية لولا فتحها في آخر لحظة تاركًا خلفه چيچي تقف تطالعهما بغضب وغيرة وهي تتمنى ألا تعود هذه الأميرة إلى هنا مجددًا .
❈-❈-❈
كانت في حالة سحر تام ، كمن ألقى على قلبها تعويذة فباتت لا تستوعب حالتها وأية مشاعر تراودها .
مشاعر فريدة من نوعها تقتحم جسدها الذي برغم خجلها إلا أنه مستمتعًا يطالب بالمزيد .
متعطشًا يرغب في تجربة هذا الهجوم اللذيذ المُسكر لعقلها وشفتيها فباتت مشتتة بين الخجل والمتعة .
انكماشة تشبه قَرصة الشتاء جعلتها تتلوى بجسدها الذي تخلى عن جموده لتبدأ في إعطاء ردة فعلٍ ويداها التي تحركت ترتفع بتمهلٍ لتستقر على صدره كأنها تستريح .
ما أن شعر بلمستها على صدره حتى قطع قبلته وأبعد شفتيه عنها يلتقط نفسًا قويًا يسعف به رئيته المتضخمتان وأسند جبينه على جبينها يبتسم ثم تحدثت بهمسٍ متباهي وجسدٍ منصهر وهو يرى ملامحها الذائبة خجلًا :
– كنت أعلم أنكِ ستُدمنين قُبلتي .
عاد سريعًا لقبلاته مجددًا قبل أن تستفيق فيبدو أنه لن يتوقف عن تقبيلها ، أما هي فساكنةً لا تريد أن تعطي أو ترسل قبلًا بل تستقبل فقط كل ما يأتي منه .
انحنى يحملها بين يديه دون أن يحل وثاق شفتيه حتى أنها لم تشعر بحمله لها ربما لأنها تحلق بالفعل منذ أن بدأ في تقبيلها ، تشعر أنها أصبحت كفراشة تتمايل راقصةً فوق زهور التوليب والنرجس ، تحرك بها وصعد الدرج نحو جناحهما بخطواتٍ متمهلة فلم تعد السرعة مطلوبة بالرغم من الحماس الذي يفتك بقلبه وأضلعه وأنفاسه وجسده كاملًا .
فتح الباب ودلف وركله يخطو بها نحو السرير ومددها عليه وهو مستمرٌ في تقبيلها بتلذذ ونعومة واتجهت يداه تعانق وجهها الصغير ليتحكم أكثر في قبلاته .
وأخيرًا وبعد عدة دقائق ابتعد يلهث بقوة ثم ترجل من الفراش ينظر لهيئتها ووجهها وشفتيها وعينيها المغلقتين ويداها وأصابعها المرتخية جوارها كأنها نائمة تمامًا حتى حجابها الذي تبعثر بفعل حركاته لذا ابتسم وناداها بنبرة متحشرجة تندرج تحت بند من بنود العشق والشغف :
– خديجة .
فتحت عيناها ببطءٍ شديد كأنها تغلقهما منذ أمد فباتت تشبه حورية خرجت للتو من شرنقتها فمد يده يحثها على التحرك معه .
لم تكن تشعر بجسدها لتحركه فكم المشاعر التي تعيشها كانت أقوى من أي مخدر ولكن اكتفت بمد يدها له فساعدها على الوقوف حتى توقفت أمامه فقال بتحشرج وأطراف يديه تتحرك على جانبي جسدها بإغواء ماكر ممنهج برغم توتره :
– لنسقط هذا الفستان اللعين .
أخفضت رأسها بخجل وهي تقضم شفتيها ولم تنطق وكيف تنطق أحرفًا ليس لها وجود الآن .
تبحث عن أي شيءٍ بداخلها ولم تجد سوى مشاعرًا حديثة الولادة لا تريدها أن ترحل أبدًا لذا فالصمت هو القرار الأمثل .
تنهد بفرطٍ ومد يده ينزع دبوس حجابها وأزاحه بلمساتٍ حنونة كان يظن أنه لا يمتلكها ولكن معها بات يكتشف نفسه قبل أن يكتشفها ، اتجهت يده مجددًا تنزع مشبك شعرها فتناثر حولها بنعومةٍ طغت على قلبه فأوشك على الهلاك ، قلبه الذي بات كطفلٍ يقفز فوق لعبة ترامبولين بسعادة برغم لهاثه .
أدارها بتمهل شديد ليصبح ظهرها له ثم أزاح خصلاتها برقةٍ متناهية يضعهما على كتفها وانحنى يطبع قبلة متمهلة على عنقها جعلتها تجفل كما لو مستها شرارة كهربائية .
زفر بعيون مغمضة وابتعد عن عنقها يعتدل ثم بدأ يسقط سحّاب فستانها بلمساتٍ متعمدة بأصابعه أصابتها برجفة ولم تعد تحتمل كل هذا لذا ما إن سقط الثوب الأبيض حتى التفتت على الفور تعانقه تخفي خجلها منه فيه .
بادلها العناق بترحيبٍ حافل وسعادة جعلت ملامحه أشد وسامة وتباهي وفخر .
اتجه معها نحو فراشهما ليعيشا سويًا تجربةً جعلته يشعر بكم الغباء الذي كان يغلف رأسه حينما ظن وتباهى بأنه متعدد العلاقات .
أي علاقات تلك لم تكن سوى تراهات ، حقارات ، وحماقات لا تشبه النعيم الذي يعيشه الآن .
خجلها يثيره بطريقة تجعل عقله على حافة الجنون ، عذريتها ونقاءها وبراءتها ونعومتها ورائحتها واستسلامها جعلوه يعيش حالة ودّ لو لم يخرج منها أبدًا ، شاعراً بنوعٍ فريدٍ من الكمال ينتابه .
انحنى يقبل أذنها كمدمن عشق ويهمس من بين أنفاسه وكمال مشاعره بعدما رأى دمعةً فرت من عينيها المغلقة دلت على تألمها الذي يمنعها خجلها من الإفصاح عنه لذا تحدث بتحشرح مفرط وهمس :
– اهدئي حبيبتي ستكونين بخير .
قالها وهو أكثر البشر سعادةً بعدما رأى شيئًا فريدًا وجديدًا كليًا على عالمه ؛ دماء عذريتها .
❈-❈-❈
كانت تتمدد ويعاينها الطبيب ويجاورها زوجها ينظران إلى شاشة العرض التي تظهر جنينهما ، يطالعه صقر بعيون ترسل شرارات سعادة باستطاعتها إضاءة المكان بأكمله .
ليتحدث الطبيب بعملية متقنة وهو يتمعن في تفاصيل الجنين :
– عرفتوا نوع البيبي ؟
تحدثت نارة بهدوء موضحة :
– لا يا دكتور ، لسة ماروحتش للدكتور بتاعتي .
أومأ الطبيب متفهمًا وتابع بتركيز :
– تحبوا تعرفوا دلوقتي ؟
– هو ظاهر ؟
نطقها صقر بنبرة حماسية لا يستطع إخفاؤها فنظرت له نارة وشددت بقبضتها على يده بينما أومأ الطبيب وابتسم قائلًا :
– أيوة واضح ، بنوتة إن شاء الله .
شهقت نارة بسعادة ولكن سعادتها لا تساوي سعادة هذا الذي رفع كفها يلثمه عدة قبلات ولأول مرة لا يحسب حساب حركاته بل أصبح يريد احتضان الطبيب الذي يطالعهما مبتسمًا ثم نهض يناولها محارم ورقية ويتجه إلى مكتبه متابعًا وهو يدوّن شيئًا ما :
– المغص اللي اتردد عليكي الفترة دي سببه مجهود زيادة ، إنتِ محتاجة راحة مع تغذية وطبعًا الأفضل بلاش تحرك كتير بالعربية .
تحركت مع صقر الذي أجلسها وجلس أمامها يتطلعان للطبيب بسعادة طغت على ملامحهما حتى أنهما لم يركزان في حديث الطبيب لذا رفع نظره يطالعهما وتساءل مؤكدًا :
– تمام يا مدام نارة ؟
تحمحمت تطالعه بانتباه ثم أومأت تردف بتحشرج وهي على وشك البكاء السعيد :
– تمام يا دكتور .
نظر صقر للطبيب ونظف حلقه يتحدث أخيرًا :
– يعني مافيش أي خطورة لا قدر الله ؟
– لا لا الأوضاع كلها تمام .
نطقها الطبيب مؤكدًا لهما وعاد يسألها عدة معلوماتٍ يدونها على حاسوبه بينما في الخارج توقف عاطف بسيارته ونزل مسرعًا يلتف نحو أميرة ويفتح بابها ثم حملها وأسرع خطواته نحو الداخل يصرخ في موظفي الاستقبال بحدة :
– ساعـــدونـــــــــي بســـــــرعة .
أسرعوا إليه يساعدونه في حمل أميرة على ترولي مخصص لحالتها ثم جاءت ممرضة الطواريء تسأله عمّا بها فأجابها متلعثمًا بنظراتٍ مشتتة :
– مـ ماعرفش ، وقعت فجأة وعندها نزيف .
أسرعوا ينقلونها إلى غرفة الطواريء ليفحصها الأطباء على الفور وأسرع يركض معهما دون هدى .
بعد عدة دقائق خرج صقر ونارة وأثناء مرورهما نحو الخارج لاحظا هذا الذي يجلس أمام غرفة الطوارئ متكأً على كفيه ويسقط رأسه بينهما .
تعجب صقر حينما لمحه وأردف :
– عاطف ؟
تلك الكلمة أنبهت نارة لتلتفت وتنظر إلى من ينظر نحوه حتى رأته فانقبض قلبها وعادت تطالع صقر متسائلة :
– أميرة ؟
سحبها صقر وتحركا نحوهُ حتى وصلا أمامه فتساءل بترقب وهو يحتضن نارة :
– عاطف ! ، خير ؟
رفع الآخر رأسه حينما استمع إلى صوت صقر فرآه أمامه وهذا آخر مايريده الآن ، حيث كان في أشد حالات ضعفه وخوفه من القادم .
تعجب صقر من هيئته وملامحه وعاد يتساءل بقلق وتجاوره نارة تنتظر رده بفارغ الصبر :
– طمني في إيه .
ابتلع لعابه وتمهل قليلًا ثم قال مراوغًا :
– أميرة تعبت فجأة ووقعت و ــــــــــ ، ماعرفش ، هما أخدوها جوة .
– يعني إيه ماتعرفش ؟
هكذا نطقتها نارة بخوفٍ تملكها بعدما شعرت بمراوغته فطالعها صقر معاتبًا ثم سحبها جانبًا يتحدث بهدوء :
– نارة ممكن تهدي ، مايصحش كدة .
طالعته بضيق أصابها وتحدثت موضحة بخفوت :
– يا صقر أنا حاسة إن فيها حاجة ، أنا من زمان بحاول أتواصل معاها ومش عارفة ومش مصدقة حكاية إنهم كانوا في رحلة دي .
نظر لها بثبات وتحدث من بين أسنانه :
– نارة ماينفعش كدة ، اهدي لما نعرف إيه اللي حصل ، أظن إن حالته باينة قدامك .
نظرت له بتعجب فهو يصدق ويثق في هذا المخادع على عكسها هي لم ترتح له على الإطلاق ولكنها قررت التروي حتى يخرج أحدهم ويطمئنها .
وها هو يخرج الطبيب يطالعهما بضيقٍ بعدما تم فحصها وتبن ما بها ثم نظر نحو عاطف وتحدث بتجهم واضح :
– إنت جوزها ؟ .
توتر عاطف داخليًا خاصة وعين صقر تتابع مايحدث لذا نهض يدعي الضعف والحزن البالغ وخطى نحو الطبيب متسائلًا بترجٍ كاذب :
– أيوة يا دكتور أنا ، طمني مراتي فيها إيه ؟
تعجب الطبيب وأصبح في حيرة من أمره ثم زفر وأردف بنبرة عملية :
– المدام كانت حامل ونزلت الجنين بسبب سوء التغذية والهبوط الحاد ولو ما لحقتهاش كان ممكن للأسف تفقدها هي كمان .
شهقت نارة بصدمة ونظرت إلى صقر المتلجم بينما صرخ عاطف بذهول حقيقي :
– حـــــــــــامل ، إزااااااي ، أنا ماكنتش أعرف .
ليلتفت حوله فيجد العيون عليه فيتابع بدموعٍ وصياح :
– إحنا كنا في رحلة سوا وكانت كويسة جدًا ، صحيح كانت بترفض الأكل بس ماتوصلش للدرجة دي أبدًا ، يادكتور إتأكد لو سمحت ، طيب هي فيها أي حاجة تانية ؟ ، يكون حد أذاها وأنا ماعرفش ؟ ، يعني اعملها تحليل واتاكد .
كان يتحدث بصياح وقد أتقن دوره كي يبعد الشكوك عنه ، الدور الذي صدقه الطبيب نوعًا ما وشك في أمره صقر بينما لم تصدقه نارة أبدًا ليتابع الطبيب حديثه :
– مافيش أي أعراض تبين إن ممكن تكون أجهضت بسبب دوا معين ومع ذلك هنعمل كل اللازم .
– طيب ينفع أشوفها .
هكذا قالها بنبرة مترجية بعد ما خرج من صدمة إجهاضها فتحدث الطبيب موضحًا :
– نعملها اللازم وننقلها أوضة عادية وبعدين تبقى تشوفها ، عن اذنكوا .
عاد الطبيب من حيث أتي والتفت عاطف ينظر إلى تلك التي تباغته بنظرة غاضبة فقلب عينه عنها ونظر إلى صقر يتحدث بإرهاقٍ كاذب :
– كنت هبقى أب ، كان نفسي أوي أكون أب .
قالها واتجه يرتد على المقعد ويعاود وضع رأسه بين يديه فابتعد صقر عن نارة واتجه يجاوره وربت على ساقه قائلًا بمواساة :
– إن شاء الله تقوم بالسلامة ، بس إزاي ده حصل وانتوا في الرحلة ؟ ، وليه قلت حد أذاها ؟
استشعر استجوابًا مغطًا يحمل على متنه شكًا صريحًا لذا رفع نظره يطالع صقر بتمعن وتحدث بكذبٍ معتاد خبيث :
– حد من عيلة العدلي ، أنا مش بثق فيهم نهائي ، أنا ومراتي كنا مبسوطين جدًا في الرحلة بس فجأة اتغيرت معايا ، اتغيرت ومنعت الأكل ماعرفش ليه .
وقفت نارة تطالع كذبه بشك بل بيقين أنه مثله كمثل تلك العائلة وما يقوله لا يمكن الوثوق به ولكنه علم جيدًا كيف يتلاعب بعقل صقر الذي ربت على ساقه مجددًا ونهض يتجه لزوجته مردفًا بجدية :
– يالا يا نارة نروح إحنا .
هزت رأسها رفضًا تقول :
– مش هروح غير لما أشوف أميرة واطمن عليها .
باغتها صقر بنبرة تحذيرية وتحدث مجددًا بنبرة آمرة :
– مش هينفع ، اتأخرنا وإنتِ لازم ترتاحي .
لأول مرة تتمسك بموقفها وترفض أمره أمام أحدهم لذا قالت مؤكدة على كلماتها :
– أنا كويسة ، بس مش همشي غير لما أطمن على أميرة .
غضب منها بشدة ويسهل عليه التعامل معها بشكلٍ آخر ولكنه استسلم أمام تصميمها وظل واقفًا يطالعها بصمت بينما عاطف التهمه القلق بعدما اطمئن ، لا يمكنها رؤية أميرة .
❈-❈-❈
نائمًا وعقله مستيقظًا ، يتمدد على يمينه ويعانقها حتى كادت تختفي داخله وهو مرحبًا بهذا .
شفتيه تلتصق عند جبينها ، يبتسم ابتسامة أظهرت أسنانه ويديه تضمها أكثر إليه .
يفكر ويعيش تلك الحالة التي من المؤكد سيدمنها ، ما عاشه منذ قليل لا يمكنه وصفه ، تحدث بسكرٍ لذيذ ونبرة مثيرة :
– ما هذا النعيم الذي تمتلكينه يا خديجة ، كيف هذا أخبريني ، من أين جئتِ أنتِ ؟
كانت شبه نائمة ، تعيش الحالة ذاتها من السعادة والمتعة ولكن تعبيراتها مختلفة ، منكمشة داخله لا تريده أن يسرد كلماتٍ تخجلها ولكن كلماته برغم جرأتها إلا أنها تعزز من أنوثتها وسطوتها عليه .
حركت أصابعها المرتكزة عند صدره كردًا عليه فتنهد بقوة وعاد يردف قرب عيناها بهمس متحشرج :
– توقفي عن إثارتي ، ستصيبينني بالجنون .
تجمدت أصابعها فجأة حتى باتوا كالحجارة فضحك عليها وانحتى يقبل شفتيها قبلة خاطفة ثم ارتفع بذقنه يستند على مقدمة رأسها قائلًا بنبرة متقطعة الأنفاس :
– حتى وأنتِ متحجرة تصيبينني بالجنون ، أنتِ جنتي خديجة .
بدأت تغفو وهذا جُل ما تريده الآن هو النوم لتهدأ أفكارها وشعر هو بانتظام أنفاسها التي تلفح رقبته وتثيره أيضًا لذا عاد يضحك ويهز رأسه متعجبً من نفسه ومن تلك الحورية الصغيرة الخجولة التي تمتلك مشاعر خيالية يقتنصها منها فيظن أنه داخل حلمٍ لا يود الاستيقاظ منه .
تنفس بعمق وبدأ يغفو هو الآخر لينام الليلة كما لم ينم مسبقًا بسعادة وكمالٍ وحبٍ يتوغله شيئًا فشيئًا ليجزم أنه سعيش العمر كله على ذكرى ليلته الأولي مع خديجة .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
خرجت ممرضة إليهم وتحدث بهدوء :
– نقلنا مدام أميرة لأوضة عادية وتقدروا تطمنوا عليها ، أول أوضة ع الشمال .
نهض عاطف ما إن سمعها يخطو مسرعًا ليسبق نارة التي أيضًا أسرعت الخطى نحو الغرفة وصقر يلحقها بضيق من تصرفاتها وما إن وصل عاطف حتى اندفع يقتحم الغرفة ليراها ممددة على الفراش لم تستيقظ بعد وتقف جوارها ممرضة أخرى تعلق لها المحلول الطبي .
تنهد بارتياح قليلًا لنومها ثم اتجه إليها فابتعدت الممرضة حينما اقترب وأسرع يحاوطها بذراعه ويدنو مقبلًا جبينها تحت أنظار نارة التي دلفت لتوها وسمعته يقول :
– حمد الله على السلامة يا حبيبتي .
بالطبع لم تجبه بل ظلت مستكينة فمسح على رأسها وتعمق فيها يتأكد من نومها ثم زفر وابتعد يلتفت إلى نارة ويشير إليها قائلًا :
– لسة مافقتش .
أومأت له وتقدمت منها فابتعد هو يتجه نحو الباب الذي يقف أمامه صقر منتظرًا خروجها فذهب إليه عاطف ووقفت نارة تنظر إليها بقلبٍ منفطر خاصةً بعدما رأت الشحوب التام لملامحها الجميلة وتشقق شفتيها مما يؤكد لها ظنونها .
ابتلعت لعابها بحزن ثم دنت بالقرب من أذنها وتحدثت هامسة بنبرة جاهدت لتبث بها الطمأنينة :
– أميرة أنا نارة ، سمعاني يا حبيبتي ! ، أنا جنبك بس اصحي ، اصحي واحكيلي إيه اللي حصل معاكِ ووصلك للحالة دي .
لم يأتِها ردًا فتنهدت تتابع :
– أنا هساعدك تطلقي منه بس لازم إنتِ كمان تساعديني .
أيضًا ساكنة لا تعطي ردًا فاعتدلت نارة وظلت تطالعها لثوانٍ حتى عادت الممرضة وأردفت بعملية :
– ياريت تسيبوها ترتاح شوية لو سمحتم .
تنهدت بيأس وأومأت ثم تطلعت عليها نظرة أخيرة ثم تحركت تغادر الغرفة لتجده يتحدث إلى صقر فطالعته بغضبٍ مكبوت بينما تحدث صقر بجدية :
– يالا بينا .
أومأت مجبرة وتحدثت وهي تنظر في عين عاطف :
– همشي دلوقتي وهاجي بكرة أزورها .
– مالوش لزوم تتعبي نفسك يا مدام نارة .
قالها بمغزى فهمته فكادت تتحدث لولا صقر الذي أردف بنبرة آمرة :
– ممكن نمشي بقى .
تنفست بعمق ثم تحركت تغادر معه تاركة ابنة عمها التي فتحت عيناها بعدما استمعت لحديثها وعادت تغلقهما قبل أن يعود عاطف إلى الغرفة .
أما هما فنزلا سويًا واتجها يستقلان السيارة وصقر يظهر عليه الغضب لذا ما إن بدأ يقود حتى تحدثت وهي تطالعه :
– صقر ممكن تسمعني ؟
– البسي حزامك .
نطقها آمرًا بحدة وهو يلف حزام الأمان حوله ففعلت مثله وتحدثت بتروٍ كي تؤثر عليه :
– صقر لو سمحت ، أنا غلطت إني عارضتك فوق بس ماكنش ينفع أمشي من غير ما أشوفها .
لم يجبها بل يقود والغضب يعتليه ولم يرد أن يتحدث حتى لا يحزنها ولكنها تابعت بنبرة هادئة مؤثرة :
– صقر أنا عارفة إنك ذكي جدًا وإن صعب حد يقدر يخدعك ، أرجوك طلع عيلة العدلي برا حساباتك تمامًا ، إنت إزاي مصدق عاطف ده ؟
التفت يطالعها بثبات ثم تحدث بنبرة قاسية :
– مين قالك إني مصدقه ؟ ، أنا مش مصدقه ولا يهمني لا هوه ولا مراته ولا أي حد تاني ، كل اللي يهمني هو إنتِ ، علشان كدة تاني مرة أوعي تعارضيني قدام أي حد ، بلاش تجربي قسوتي يا نارة .
نظرت له نظرة معاتبة وتحدثت بحزن :
– يعني عايزني أتخلى عن أميرة وهي محتاجة مساعدتي ؟ ، فين ضميرنا لو هي مظلومة أو ضحية ؟
– وليه ماتقوليش إنها واحدة خاينة ؟ ، وكل تصرفات عاطف معاها هي السبب فيها ؟
نطقها بغلظة فطالعته بصدمة وعدم استيعاب وهي ترفض بالسلب حديثه لذا نطقت بوهن :
– ماينفعش تقول كدة ، ده رمي محصنات وذنب عليك ، إيه دليلك على الكلام ده ؟ ، شوفت منها إيه أو تعرفها منين ؟ ، بس لمجرد إنها بنت العدلي ! ، طب ما أنا كمان بنتهم ودمهم بيجري في عروقي .
لم يتحدث بل حاول أن يهدأ قدر المستطاع وهو يعلم أنه ربما أخطأ في اتهامها ظاهريًا ولكن هذا ما يشعر به ، كل ما يريده هو الابتعاد عن هذه العائلة برمتها ولا شأن له ولا لزوجته بمشاكلهم مهما كانت .
ظلت تنتظر حديثه الذي طال فالتفتت تنظر أمامها والتزمت الصمت ليعود يردف بعد ثوانٍ بهدوء وأمر :
– نارة خلينا في حالنا ، أفضل قرار إننا نبعد عن كل اللي بيحصل ده ، حتى لو فرضنا إن كلامك صح هي ليها أهلها يقدروا يساعدوها .
تلك المرة هي من التزمت الصمت وسؤال يتردد داخلها ؛ هل حقًا تستطيع تجاهل صوت ضميرها في مساعدة أميرة والمضي قدمـًا دون الاهتمام بشأنها ؟
❈-❈-❈
يعود بخطواتٍ حذرة إلى فيلته بعدما قضى الليل في الأماكن المشبوهة التي يتردد إليها دومًا .
دلف فوجد المكان ساكنًا كالعادة فتقدم نحو غرفته ودلف يزفر بارتياح ولكنه تفاجأ من عدم وجود زوجته في الفراش فهي تنام مبكرًا ولكنها ليست هــــ .
– حمدالله على السلامة .
انتفض يلتفت مذعورًا حينما وجدها تجلس على مقعدٍ خلفه وتطالعه بنظراتٍ متفحصة فازدرد ريقه وسب بهمس ثم تحدث بتجهم :
– قاعدة كدة ليه شبه البومة ، خير ؟
أشارت بيدها أن يجاورها وهي تقول :
– تعالى اقعد ، لازم نتكلم .
زفر بضيق واتجه يجلس مجاورًا لها فتابعت وهي تطالعه :
– ابنك طه .
– ماله ؟
تساءل بملل وانزعاج فتابعت بعد صمتٍ والحزن يغلف ملامحها وقلبها ينتفض ألمًا :
– لقيت في أوضته كتاب عن الإلحاد .
جحظت عيناه وهب ناهضًا لاغيًا أي فكرٍ سليم وتحرك خطوة فمنعته تقبض على معصمه وتحدثت بحدة لم تعد تستطع حجبها :
– استنى ، اسمعني لمرة واحدة في حياتك ، ابنك لو مشي في السكة دي هيكون بسببك وبسبب عنفك ليه .
نفض يدها بقسوة وتحدث ساخرًا بجحود :
– جدعة ، هاتي اللوم عليا وطلعي نفسك منها ، *** عليكِ وعلى ابنك في ساعة واحدة .
تحرك مجددًا فأسرعت تصد الباب بظهرها قبل أن يخرج وتحدثت متوسلة بقهرٍ وضعفٍ وروحها تكاد تغادرها بعدما رأته وعلمته عن ابنها :
– أبوس إيدك ماتطلعش عنده ، أبوس إيدك ورجلك تلاقي حل تاني غير إنك تضربه ، هيعند ويمشي وهيضيع مننا للأبد .
كانت تتوسله وحقًا هي على استعداد لتنحنى وتقبل قدمه فلتفعل أي شيء مقابل أن يعود ابنها لرشده فهي لن تحتمل شيئًا كهذا ولكنه اتخذ من دفاعاتها حجةً ليهرب من مسؤوليته لذا أومأ وعاد يتجه نحو الفراش وانحنى يخلع حذائه قائلًا ببرود :
– حلو أوي ، أنا لا هلاقي حل ولا كإني سمعتك أصلًا ، زي ما لقيتي الكتاب ده عنده دوري بقى على حل معاه بنفسك ، أنا بريء منكوا قدام ربنا .
سقطت دموعها وتحدثت بتوسل مجددًا وهي تتجه نحوه :
– يا سمير ده ابنك ، سندك ، هتسيبه يضيع كدة ؟ ، هو يا إما تموته يا إما يمشي في سكة تضيعه دنيا وأخرة ؟ ، حرام عليك ؟ ، إنت مفكر إن كدة ربنا راضي عنك ؟
نظر لها بحدة وغضب وهو يلوح بيده متجاهلًا حديثها يقول :
– امشي اطلعي برا وسبيني انام ، أنا لا ليا دعوة بيكي ولا بـ ابنك ، هي حتة البت اللي طلعت بيها من البيت الفقر ده ، يالا غوري حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا .
تمدد بعدها على الفراش واتخد وضعية النوم وتركها تقف تطالعه بحسرة وتشتت باحثة عن أحدٍ يساعد ابنها قبل فوات الآوان .
أما في الأعلى فيجلس هو كعادته أمام حاسوبه ليجد شيئًا غريبًا يحدث .
أحدهم والذي كان يجمعه به بعض المحادثات مثله كمثل الشباب الذين تضمهم تلك المنظمة تم إغلاق صفحته وحينما حاول الوصول إليه لم يأتِه ردًا بل وجد صفحته غير متوفرة .
منذ أيام وهو يحاول الوصول إليه خاصة مع آخر منشورٍ أنزله قبل أن تغلق صفحته والذي كان محتواه ( كُنت مخطئًا ، إنه موجود ، إنه ينتظرني )
تلك الجملة التي زعزعته كليًا وليس هو فقط بل البعض مثله ولكن فجأة لم يستطيعوا الوصول إليه ليتجه بعدها إلى المؤسس الفرعي له ويسأل عنه في رسالة نصية .
منذ يومان وهو ينتظر الرد بفارغ صبره خاصة والأوضاع مريبة ولم يأخذ الأمر لنشر المزيد من الشبهات والآن أتاه الرد مما جعله يتجمد وهو يقرأ الرسالة مرارًا وتكرارًا ويرددها .
( تم التخلص منه ، كاد أن يشكل خطرًا على المنظمة )
ظل متجمدًا لثوانٍ ثم أرسل متسائلًا
( كيف ذلك ؟ ، هل تفعلون كما يفعل المسلمون ومن يرتد عنكم تقتلوه ؟ )
جاءه الرد سريعًا
( نعم ، لنؤكد له أن لا وجود لخرافاته ، هو انضم للمنظمة بإرادته ولكن الخروج منها يكن بإرادتنا نحن ، لقد كاد أن يقود الكثيرون من متابعيه إلى تلك الخرافات وهذا منافي لهدفنا السامي والإنساني )
انقبض حلقه وتوقفت في حنجرته غصة مرّة وهو يردد الرسالة على عقله وتملكه خوفًا من مجرد التفكير في الأمر ، ولكن لمَ هو خائف ، هو لن يخون ، هو ثابتٌ على موقفه أليس كذلك ! .
أما في الغرفة المجاورة فتجلس إيمان أمام حاسوبها أيضًا ترتدي ملابس نومٍ وتتحدث مع أيمن بمكالمة مرئية وهي تضحك بغنجٍ وتقول :
– لاء كفاية تحديات كدة ، ده أخري مش هخلع هدمة زيادة .
توسلها أيمن وهو يجلس خلف حاسوبه عاري الصدر وقال بترجي كاذب ومكرٍ :
– يالا يا إيمي كل مرة كدة ؟ ، معقول بعد ده كله مش واثقة فيا ؟ .
حركت إصبعها أمامه بلا مرارًا وتكرارًا وقالت بدلالٍ وهي تقرب وجهها من الكاميرا :
– نو يا حبيبي ، مش هيحصل ، هو ده أخري والباقي بعد الجواز ، وانجز يا أيمن وخلص مع أهلك علشان أنا جبت أخري منك .
قلب عينيه بملل وضيق فهي لا تزال متمسكة بورقةٍ يريدها لذا أومأ وتحدث بإذعان مخادع :
– قريب جدًا يا قلبي ، وهتلاقيني أنا وبابا عندكوا في البيت بنطلب إيدك .
بللت شفتيها واعتدلت تتحدث بفخر وتعالي :
– لما نشوف أخرتها ، أنا صبرت عليك جدًا ، يالا سلام .
– استني بس ، هشوفك إمتى طيب .
نطقها قبل أن تغلق فضحكت بمياعة وتحدثت :
– خلاص صعبت عليا ، هكلمك بكرة نتقابل شوية ، سلام يا بيبي .
أغلقت بعدها وابتسمت متباهية بما تحققه من إنجاز ودهاء ولا تعلم أنها تحفر حفرةً لنفسها .
❈-❈-❈
لم ينتظر حلول الصباح حتى بالرغم من أنه لا يحب الاستيقاظ مبكرًا ولكن الليلة فريدة من نوعها
عقله أيقظه لرؤيتها ، أيقظه على حلمه الممتع وهو يشعر بها تنام داخل ضلوعه بعمق كأنها تتوغل داخل قطعة من حلوى القطن .
فتح عينيه يطالعها لثوانٍ بثبات ليتأكد أنها هنا ، ليتأكد أن كل ما عاشه معها منذ سويعات قليلة لم يكن نسيجًا من خيالٍ ممتع يراوده بل كان واقعًا أشد متعة .
نزل بنظرة لشفتيها المتورمة بفعل قبلاته فابتسم بفخر وتباهي ثم نزلت عينه عند رقبتها ليرى علامات ملكيته بانتشاء .
أصبح جسده في مرحلة انصهار جديدة لذا اقترب بوجهه من جانب وجهها يتحسسه ببطء وتمهل ويداه تتحسها كليًا بتملك وقال بنبرة ضائعة بين مشاعره :
– خديجة ، استيقظي أيتها الساحرة .
ابتلعت ريقها وبللت شفتيها تشعر كما لو كانت في حلمٍ ما ولكن ما إن شعرت بلمساته على جسدها ووجهها حتى أجفلت تطالعه بتعجب دام للحظات ثم انقشع وهي تتذكر كل ما حدث بينما وهو يبتسم لها قائلًا بنبرة وقحة تخجلها :
– هيا يا شهية استيقظي ، طائرتنا بعد ثلاث ساعات ، هل تشعرين بألم ؟ .
تحمحمت وتململت تخفي وجهها في عنقه قائلة بهمس يزيد من رغبته بها خاصةً وأنفاسها تهفو على بشرته فتصيبه بمشاعر ليس لها مثيل :
– خلينا هنا يا خالد ، بلاش نسافر النهاردة .
كانت بحاجة ملحة للراحة والنوم معًا فهي لم تنم جيدًا منذ أسبوعًا بسبب أفكارها في ما حدث ، لا تعلم كيف تم الأمر الذي كان يؤرقها ولكنها تذكرت كلمة والدتها حينما أخبرتها أن خجلها سينقشع ما إن تسكن أحضانه .
وهذا ما حدث بالفعل فـ جُل ما سيطر عليها حينها هي مشاعر جياشة بالرغم من وجود خجلٍ وألمٍ ما زال يراودها .
أغمض عينه متأثرًا بها ثم ابتعد قليلًا يطالعها بعيون شغوفة وانحنى يلتهم شفتيها مجددًا في قبلة بدأت قوية ثم تمهلت حتى باتت ناعمة ثم ابتعد عنها بعد وقتٍ يزفر بقوة ويردف وعينه مغلقة :
– كيف تمتلكين مفاتيح لذتي ؟ ، هل استخدمتي سحرًا معينًا لتأسريني وتثيريني هكذا ؟ ، أخبريني خديجة .
قضمت شفتيها بتأثر من قبلته ثم تحدثت بنبرة متحشرجة تثيره أكثر :
– أنا ماعملتش أي حاجة .
– كلا فعلتِ .
هي صادقة وهو صادق لذا قالها وهو ينهض ويعتليها فـ لم يعد يحتمل كل ما يحدث معه وانحنى يقبل كل ما تطاله شفتيه الجائعة لتنكمش مجددًا وتترك له حرية القيادة .
ليكن هو المسيطر هنا ، ليوزع الإثارة والمتعة على كليهما بالقدر الذي يريده .
❈-❈-❈
كان يتمدد على أريكة جانبية ، ينام مجاورًا ومراقبًا لها ولكن النوم غلبه .
لتفتح عينيها تطالعه بتفحص ثم حاولت التحامل ونهضت بتمهل والألم يفتك بها ولكن لا مجال للتراجع ، نزعت المغذي المتصل بيدها ثم وضعته بهدوء جانبًا ووقفت تتمسك بالفراش ولكنها شعرت بدوارٍ قوي فأغمضت عينيها لثوانٍ حتى بدأت تستعيد وعيها لذا التفتت تطالعه فوجدته كما هو فتنفست بارتياح وارتدت خفًا خاص بالمشفى وتحركت تغادر بهدوء وتمهل وهي تدعو الله أن يوفقها .
خرجت من الغرفة تنظر هنا وهناك وعندما لم تجد أحدًا تحركت مسرعة على قدر استطاعتها تخطو في الردهة حتى وصلت إلى الدرج ونزلت وهي تتمنى ألا يراها أحدهم .
كان الوقت فجرًا وبرغم وجود بعض الممرضات إلا أنها استطاعت التسلل للخارج ولكنها توقفت حينما لمحت رجل أمنٍ خاص بالمشفى فارتعبت لثوانٍ قبل أن تجاهد لتبتسم ثم خطت تتقدم وأردفت بهدوء وهي تحتضن جسدها بحماية :
– أنا بس قلت أنزل الجنينة أشم شوية هوا .
أومأ لها الرجل بلطفٍ فتنهدت بارتياح بعدما ظنت إنه تابع لزوجها ثم تحركت إلى الحديقة بخطوات متمهلة إلى أن عبرتها فبدأت تسرع خطاها وتغادر المشفى بأكمله وهي تخطو في طرقات جانبية خلفية لا تعلم عنها شيء .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ يجلسان في الكرسي الخلفي للسيارة ويقود الحارس الخاص بخالد ليوصلهما إلى المطار .
كان يلتصق بها حتى كاد أن يجلسها على ساقه لولا تذمرها وحنقها اللذيذ ولكنه مشاغبًا عابثًا لم يعد باستطاعته الابتعاد عنها .
كانت يديه تتلاعب بخبث وتسير على ما هو ملكه وهي تحاول ردعه وتلكزه تارة وتلكمه تارة أخرى ثم اقتربت منه تهمس بحنق وخجل من السائق :
– لو مبطلتش حركاتك دي أنا هقوله يوقف العربية ويرجعنا تاني .
كان تهديد واهن لم يزده إلا إصرارًا بها حيث كانت قريبة من أذنه فالتفت فجأة لتصبح شفاهه هي المستمعة لحديثها وجاء الرد على هيئة قبلة ضاربة بكل ما قالته عرض السيارة .
جحظت عينيها وهي تحاول الابتعاد عنه ولكنه ثبت رأسها بيديه واستمر في فعلته بلتذذ ثم ابتعد يزفر ويبتسم بسعادة قائلًا بتباهي :
– ستصيبينني بالجنون يا خديجة ، حقاً سأجن بكِ .
نبضاتها عاليةً جدًا ومعدتها منكمشة باستمتاع وهذا ما يؤرقها ، خضوعها له دون إرادة منها يثير تساؤلاتها كيف لها أن تعشق كل ما يفعله برغم خجلها واعتراضها .
نظرت له بترجي قائلة بتوتر وخجل يورد وجنتيها :
– خالد بجد هزعل منك ، إنت كدة بتكسفني ، السواق يقول عننا إيه ميصحش كدة .
كانت يديه تعانق خصرها ووجهه منحنيًا عند رقبتها فقط الفاصل بينهما هو حجابها ولكنه قال بهمسٍ وتأثر :
– هو لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ، اطمئني ساحرتي ، والآن أعطيني قبلة أخرى .
أفترت فمها لتعترض ولكن مع هذا الخالد لا اعتراض بعد الآن .
لا اعتراض على عبثه بعدما وجد متاعه في رحلها .
❈-❈-❈
دلفت الممرضة تطرق الباب فاستيقظ على أثرها عاطف ينظر نحو الفراش فلم يجدها لذا انتفض مجفلًا ونظر للممرضة التي تساءلت تطالعه :
– مدام أميرة في الحمام ؟
طالعها بجمود كما لو كانت هي المخطئة ونهض يركض نحو الحمام ليراها ولكنه لم يجدها لذا عاد ينظر لتلك البريئة وتساءل بقسوة وصراخ :
– مراتي راحت فيـــــــــــــــن ، دا إنتوا ليلتكوا سودا .
ارتعشت وهزت رأسها مراتٍ متتاليةٍ فتركها يندفع للخارج صارخًا باسمها حيث تجمع حوله عددًا من الممرضات والأطباء .
كان يبحث كالمجنون عنها ويلتفت في الأركان ثم نزل الدرجات وهو يصرخ حتى وصل إلى بوابة المشفى الرئيسية وتساءل بعلو للحضور والحرس :
– مراتي راحت فيـــــــــــــــن ، لو ملقتش مراتـــــــي هقفل لكوا المستشفي دي كلها .
جاءه أحد الأطباء يناقشه قائلًا :
– إهدى يا فندم ، ممكن تكون مراتك هي اللي خرجت بنفسها .
كان يظنه متعقلًا ولكنه كان كالثور الهائج حيث لكمه فارتد الطبيب ولكنه لم يبالِ بل تابع بصراخ وهو يتقدم من الخارج :
– أميــــــــــرة ؟ ، اطلعي يا أميــــــــــرة .
جاء الحارس الذي رآها يركض نحوه ثم توقف يتنفس وتساءل بترقب :
– هي المدام كانت رفيعة وقصيرة شوية ؟
أسرع يمسكه من تلابيبه ويجحظ عيناه بشكلٍ مخيفٍ وتساءل :
– هي فين .
صُدم الحارس وحاول دفعه يجيب :
– ابعد إيدك ، أنا شفتها وهي خارجة تقعد في الجنينة شوية وبعد كدة ماعرفش راحت فين .
نفضه بقسوة ثم تحرك خارج المشفى يبحث بعينيه عليها وأخرج هاتفه يجري اتصالاته وبدأ يخطط لعقابٍ قاسي لها ما إن تقع في يده .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
يجلسان على متن الطائرة المتجهة إلى دبي .
تجاور خديجة شباك الطائرة ويجاورها خالد الذي لا يرى على الطائرة سواها .
تتطلع على النافذة قبل أن تقلع الطائرة ، متحفزة ومتحمسة لتلك الرحلة خاصة وأنها تشعر بسعادة فاقت التوقعات .
مال عليها هذا العاشق يردف بخبث :
– أريد أن أجلس عند النافذة ، ما رأيك إن جلست مكانكِ وجلست أنتِ فوق ساقي طوال الرحلة ، أوه إنه أمرًا مثيرًا رائعًا ، هيا خديجة افعليها .
كانت تبتسم عليه دون أن يرى وجهها فها هي رويدًا رويدًا تعتاد على كلماته الجريئة وأفعاله ولكنها التفتت تطالعه وقالت بجدية مزيفة بنبرة توبيخية :
– عيب كدة ، بص حواليك كدة فيه حد بيعمل التصرفات دي غيرك ؟
– أنا أؤكد أنهم لم ولن يعيشوا ما عشته معكِ أمس ، لو كان حدث مع أحدهم مثلي لانفجرت الطائرة في الحال ، لن تحتمل حرارتها سويًا .
ضحكت عليه فأشرق وجهها أمامه وأخفت فمها بيدها وهي تهز رأسها منه فابتسم بفخر وعاد يهمس لها بانتعاش قلبٍ ومشاعر :
– أعلم أنكِ تعودين بذاكرتك لمَ حدث أمس .
انحنى يقضم أذنها من فوق الحجاب ثم همس يتابع :
– وتودين حدوثه الآن مثلي .
التفتت تطالعه بنظرة حادة معاتبة قائلة بخجل من نظرات من حولهم :
– الناس بتبص علينا يا خالد بس بقى .
التفت يتطلع على نظرات من حوله ثم تحولت نظرته من العشق والإثارة إلى القتامة والتوعد كأنه يهددهم بنظراته لذا التفتت رؤوسهم للجهة الأخرى بعدما كانوا يتطلعون نحوهما مبتسمين ، وعاد هو إلى خديجة يطالعها بوداعة مزيفة وقال :
– حسنًا سأهدأ إلى أن نصل .
أقلعت الطائرة وظلت هي تتابع النافذة بحماس وسعادة إلى أن حلقت فوق الغيوم فتنهدت والتفتت برأسها تطالعه لتجده ينظر حوله ، تنهدت بعمق ثم نوت التحدث فيما خططت له مسبقًا لذا نادته بهدوءٍ فالتفت يطالعها متسائلًا فابتسمت وتابعت بتروٍ :
– ممكن نتفق على حاجة مهمة نعملها دايمًا !
تنفس وظل متعمقًا في ملامحها يستشف ما تنوي وحينما لم يصل لشيء قال :
– حسنًا ، ماذا هناك ؟ ، أتمنى أن يكون كما أفكر .
قالها غامزًا فتحمحمت تهز رأسها بيأسٍ منه ثم تنهدت وتابعت ويدها امتدت تحيط بيده بشكلٍ وديٍ محبب كي تساعدها لمساتها في التأثير عليه :
– هنتفق أن أنا أنفذلك كل يوم طلب وإنت تنفذ لي طلب ؟ .
تعجب ولكن أعجبته هذه اللعبة على حد فهمه وتساءل بمكرٍ وحماس :
– حسنًا ولكن ما نوع هذه الطلبات ؟
دققت النظر في عينيه وقالت بجدية متناهية خيبت ظنونه وهدمت أسقف طموحاته الوقحة :
– هشرحلك كل يوم آيات من القرآن الكريم ، هنبدأ من الأول خالص يا خالد ، هقرأها وبعدين تسمعني وأنا بشرح لك معناها وبعدها هنفذلك أي طلب تطلبه .
ربما شعر ببعض الملل مما ستفعله وهو بالأساس كاره للروتين لذا تساءل مستفهمًا :
– ما أهمية هذا الكتاب يا خديجة ؟ ، ما المميز بيه عن غيره من الكتب ؟ .
أحبت سؤاله كثيرًا حتى ولو لم يكن يتعمده ولكنها تمتلك الإجابة المقنعة لذا ابتسمت فتجملت وقالت بهدوءٍ وسكينة وبنفس لهجته حتى يفهمها جيدًا :
– حسنًا لنقل أن القرآن هو أعظم وقاية بشرية للنفس من التأثر بشدائد الحياة ، من لم يقرأهُ يكن كورقة خريفٍ هشة عند أي عاصفة ، الآيات في هذا الكتاب تعبأ قلبك إيمانًا وتسليمًا فتجد نفسك مدركًا بأن كل أقدار الله خير حتى المصائب في حياتك كلها خير .
شرد قليلًا في ملامحها وعقله يردد حديثها ولكنه لا يستوعب جملتها ؛ هل هذا كتاب سحرٍ أم ماذا ، كيف يمكن للمصائب أن تكن خيرًا ؟ ، هو بحياته لم يسمع عنه سوى أنه كتاب يحض على العنف والكراهية ، نفض أفكاره سريعًا وهو يمط شفتيه دليلًا على عدم فهمه ثم عاد لشرطها ووجد أن المقابل يستحق لذا تساءل يتأكد :
– حسنًا سأفعل ولكن ستنفذين أي طلب !
– نعم ولكن في حدود المنطق .
قالتها بلغته مؤكدة ومحذرة حيث باتت تعلمه جيدًا فابتسم واستبدل لمسة كفها يصافحها قائلًا بنبرة شائكة :
– حسنًا موافق ، ولكن لنبدأ بعد عودتنا من هذه الرحلة .
فتحت فمها لتعترض ولكنه شدد على يدها يقاطعها بمزاح مبطن بالجدية :
– لا اعتراض على حديث زوجكِ يا جميلة .
استسلمت له ببعض الضيق فقد أرادت أن تبدأ مع بداية حياتهما ولكن حسنًا لتصبر ولتحاول تجربة شيئًا آخرًا في هذه الرحلة .
بدأت تتثاءب حيث أنها لم تكمل نومها لذا مالت على كتفه لتنام فانتبه لها والتفت يطالعها بحب ثم عدل من وضعية رأسها على كتفه وعاد ينظر أمامه زافرًا بتهكم .
لولا خوفه من حدوث خلافٍ بينهما ونقاشات لا يفضلها عن أموال عائلته لكان حجز لرحلتهما طائرةً خاصة بدلًا عن هذه الطائرة اللعينة وركابها المخنثين
وبالرغم من حجزهما في مقاعد الدرجة الأولى إلا أن هذا لا يعطي لهما الخصوصية الكافية .
❈-❈-❈
استيقظت نارة على رنين هاتفها فامتدت يدها تتناوله من فوق الكومود وفتحت تجيب بنعاس :
– ألو ؟
جاءها الرد من أميرة تتحدث بصوتٍ مجهد ووهن :
– نارة أنا أميرة ، أنا هربت من المستشفى ومافيش أي مكان أروحله .
تجمدت نارة وطار النعاس من عقلها ثم التفتت تنظر نحو صقر النائم لذا تمهلت وهي تنهض واتجهت مسرعة إلى خارج الغرفة ثم تحدثت وهي تقف عند مقدمة الدرج مستفهمة بتوتر :
– هربتي إزاي يا أميرة ؟ ، وإنتِ فين دلوقتي ؟
– ماعرفش ، أنا في منطقة شعبية وقاعدة في محل راجل طيب هو اللي جابلي أكل ومية وبكلمك من تليفونه .
توترت نارة وباتت تلتفت حول نفسها لا تعلم ماذا تفعل بينما أميرة شعرت بذلك وتوغلها الحزن والضياع ولكن أتت إجابة نارة تربت على قلبها المنهك حينما قالت :
– أميرة ماتتحركيش من مكانك ، هبعتلك حد ياخدك حالًا بس أوصفيلي المكان بالضبط .
أومأت ورسمت الفرحة على ملامحها وتحدثت ممتنة :
– نارة أنا مش عارفة أشكرك إزاي .
– تمام هنخلي الكلام ده بعدين ، دلوقتي خليني بس أكلم الراجل الطيب علشان يوصفلي العنوان بالضبط .
أومأت لها بدموعٍ كأنها تراها ونهضت تتجه نحو هذا الرجل الذي تناول منها الهاتف وبدأ يشرح لها العنوان لتغلق معه وتهاتف مسرعة عمر الذي أجاب متعجبًا بصوتٍ متحشرج من أثر النوم :
– نارة ؟ ، حصل حاجة ؟
ابتلعت لعابها وتحدثت بترقب :
– عمر .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ كان فقط يتطلع حوله كأنه يتصيد أي نظراتٍ وحين لم يجد اطمأن وعاد ينظر لهذه الجميلة التي تستقر برأسها على كتفه وتحيطها يده بحماية كي لا تسقط .
لاحظ تمرد خصلة من أسفل حجابها كأنها فتاة أسيرة أرادت أن ترى النور ولكن هذا المحتل لن يدعها تبصر لذا أمتدت يده سريعًا إليها يعيدها أسفل حجابها مجددًا قبل أن يراها أحدهم حتى لو كانت مضيفة الطيران التي تمر عليهما .
عند هذه النقطة وتعجب من حالته وتفكيره ، من أين جاءته تلك الأفكار البعيدة كليًا عنه وعن معتقداته وهو يعلم جيدًا من هي ولكن جُل ما يراوده أن ما تخفيه عن عيون الآخرين يجب أن يظل مخفيًا لا يراه أحدًا غيره ، هو فقط من يحق له ذلك ، لا يمكن تخيل رؤية أحدهم لأي شيء فيها فكل ما فيها مثيرًا حد الجنون لذا لن يسمح بحدوث هذا إطلاقًا .
تفاقمت النيران في صدره وشعر بضيق يجتاحه حتى وصل إلى حنجرته التى كانت تشبه رحى السحق لأنفاسه المتحجرة .
التفت مجددًا ينظر حوله فلم يجد عينًا تطالعهما ولهذا تمسك بطرف خيط الهدوء يسحبه إلى صدره شيئًا فشيء حتى زفر بقوة وظل ينظر أمامه دون أن تغفو عيناه يفكر في أمورٍ عدة كانت هي محورها .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى