روايات

رواية هواها محرم الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت التاسع والعشرون

رواية هواها محرم الجزء التاسع والعشرون

رواية هواها محرم
رواية هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة التاسعة والعشرون

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل التاسع والعشرون من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
❈-❈-❈
بعد أربعة أشهر
ما حدث بعد طوفان الأقصى لم يكن حربًا أو دمارًا أو ردعًا كما ظنها البعض
بل كان أعظم شيء مر على البشر منذ أمد
كانت صحوة للعالم الذي بدأ يغفو بل بالفعل جزءًا كبيرًا منه كان قد غفا
الأمر يشبه سائق شاحنة يقود وعيناه تغفو وحينما كاد أن ينام أرسل له الله شاحنة أخرى أطلقت صوتًا أفزعه وربما أحدث في شاحنته ضررًا ولكن لابد من درسٍ يتعلمه .
كل بيت دُمر في غزة شيّد مقابله بيتا جديدًا بالإسلام
يقول أحد دعاة الإسلام في الغرب كان يأتينا إلى المسجد يوميًا حوالي خمسين أو سبعين إنسان يريدون الدخول في الإسلام بينما بعد أحداث غزة أصبح العدد حوالي أربعمائة يوميًا أو يزيد
ملحدين ومن ديانات أخرى باتوا يدخلون فى دين الله أفواجًا بعدما رؤوا قوة الإيمان المتمثلة في أهل غزة ومصابهم الجلل وصبرهم على ما يعيشونه من أهوال لا يصلح للمرء العادي أن يحظى بها
ربما من يراهم يظنهم أكثر الناس بؤسًا ولكن حين نبتعد قليلًا وننظر على لوحة الدنيا نرى أنهم أكثرنا حظًا ، هم أصحاب الحظوظ الحقيقية والخالدة ، هم أهل الجنة والنعيم دون حساب أو سابقة عذاب .
يبعث الله كل مئة عام لهذه الأمة من يجدد فيها دينها وهذا العام كان المرسل هم ، لم يجددوا الإيمان فقط بل حرروه من أُناس وصموه بالإرهاب ليسقط ثوب الخداع وتسطع شمس الحقيقة ويظهر خالقي الإرهاب الأصليين للعالم أجمع فأصبح العدو واحد والكريه واحد والبغيض واحد وبتنا على شفا خطوة من رفع راية الحق وراية لا إله الا الله محمد رسول الله .
وكما تغير العالم كله شمل هذا التغيير شخصيات روايتنا .
فنجد أن ما حدث أنزل الصبر والسكينة على قلب والدة إيمان بعدما كادت أن تنهار بسبب فقدان ابنتها وهروب ابنها وسجن زوجها .
الآن باتت تعيش لآخرتها فقط وتدعو الله أن يرد لها ابنها وأن ينجيه من شر نفسه وشر الشيطان .
لم تجد سبيلًا للصبر والجبر سوى باب الرحمن الذي لم يُغلق أبدًا فلجأت إليه واطمأن فؤادها لتقرر بيع الفيلا البغيضة هذه والانتقال للعيش في بيتٍ بسيط بالقرب من الوكالة وتكفل حسن بالبحث عن طه ولكن إلى الآن لا أحد يعلم مكانه .
تجلس الآن أمام قبر ابنتها تقرأ لها الآيات القرآنية بصوتٍ خافت لتسقط منها قطراتٍ دافئة من لوعة قلبها على الفراق لذا تنهدت بعمق وامتدت يدها تملس على القبر ثم نهضت بهدوء ونظرت له لثوانٍ تودعها ثم تحركت مغادرة ككل أسبوعٍ.
استقلت سيارة الأجرة التي أوقفتها وغادرت عائدة إلى منزلها الجديد ولم يمل عقلها من التفكير في ابنها طه ولم يتوقف قلبها من الدعاء له.
ولو نظرنا إلى أميرة سنجد أنها قاربت على الشفاء والعودة بعدما صدق يوسف وعده وطلقها من عاطف الذي حكم عليه بالسجن المؤبد بعدما باتت كل الأدلة ضده ولم يستطع محاميه إخراجه .
حررها وتركها ولم يبتعد بل كان دومًا يهاتفها ويطمئن عليها حيث لم ترغب في العودة إلى المدينة الآن بل اتخذت قرارها في البقاء في هذا البيت البعيد عن البشر حتى تعيد بناء قواعدها التي هدمت بفعل زواجٍ سيء وأهل يتسمون بالقسوة .
ليأتي بعد شهرٍ وبعد أن قرر محادثتها في أمرهما وبالفعل ذهب إليها وتحدث معها ولكنها رفضت حديثه بشكلٍ أرهق قلبه العاشق إلا أنها أخبرته بعدها بما جعله لا يفقد الأمل أبدًا ، أخبرته أنها بحاجة وقتٍ لتعود إلى نفسها ومن ثم وقتًا لتعود إلى المدينة وتواجه عائلتها ومن ثم وقتًا لتفكر في عرضه وهل ستعطي علاقتهما فرصةً أم أنها لا تستطيع .
وبرغم جوابها طويل الأمد وبرغم أنه لم يعد يطيق انتظارًا في بعدها لحظة إلا أنه سيعطيها كل الوقت .
وها هي تجلس بعد أشهر تتحدث مع معالجتها النفسية عبر جلسات إلكترونية من خلال هاتفها والتي تخبرها بعملية وهدوء شديد وابتسامة حبٍ صادقة :
– جهزي نفسك يا أميرة علشان لازم ترجعي ، دلوقتي عدتك انتهت وتقدري بكل سهولة مواجهة عيلتك وأظن إنتِ عارفة هتعملي إيه كويس .
ابتسمت أميرة بملامحها التي أشرقت وباتت أكثر حيوية وثقة وأجابتها بتنهيدة وهي تطالعها عبر الهاتف :
– أكيد يا دكتورة جيهان ، دلوقتي أقدر أواجه أي حد منهم ، بس الأول لازم أدور على شغل .
– طبعًا ده أهم حاجة ، وبعدين مش إنتِ بلغتيني إن محمد بيه طلب منك تشتغلي معاه في شركته .
عاد الخجل يتوغلها وظهر ذلك على ملامحها وهي تحدثها موضحة :
– تقلت عليهم جدًا ، هو ونارة مهما عملت مش هقدر أرد جزء من اللي عملوه علشاني ، مش عايزة كمان أفرض نفسي على شركته أنا هحاول أدور على شغل في مكان تاني .
تحدثت المعالجة بإيماءة بسيطة :
– تمام ، بس إنتِ محتاجة لحماية يا أميرة لإن ردة فعل عيلتك مش مضمونة .
أومأت مؤكدة على حديثها فهي تعلم ذلك جيدًا لذا تنهدت وقد انتهت الساعة المخصصة للجلسة لذا استرسلت الطبيبة بعملية بعدما انتبهت لموعدها التالي :
– يالا سلام عندي موعد تاني دلوقتي.
أغلقت أميرة معها وتنهدت بارتياح فهذه المعالجة أفادتها كثيرًا في رحلة عودتها لنفسها والتي استمرت أربعة أشهر تكفل بهم صقر كليًا بل هو من تحدث مع المعالجة الخاصة به لتتواصل معها ولبّت رغبته على الفور .
لا تعلم كيف ترد جميل ذلك الرجل الذي هو بمثابة أخٍ لها الآن وكأن الله أرسل لها ابنة عمها لتكون هي وزوجها حبل النجاة من الغرق .
زاد ديْنها تجاههما وعليها سد هذا الديْن ريثما يتحسن وضعها ولهذا فمهما امتنت لهما سيبقى قليلًا على ما فعلاه .
أما يوسف فقد بدأ قلبها ينتعش بحبه مجددًا ، باتت تستعيد ذكرياتهما سويًا وباتت تتساءل هل ستنصفها الحياة معه ؟ ، لقد انتظرها أعوامًا ولم يكل أو يمل ولهذا فعليها أن تفكر جيدًا في أمره بالرغم من قناعتها لرفض العائلتين ولكن هل بات يهمها بعد الآن ؟.
❈-❈-❈
حين نتذكر عمر ومايا نجد أنهما تأثرا بما حدث كثيرًا لذا انضما سويًا إلى جمعية الهلال الأحمر المصري كي يساعدان القوافل المتجهة لأهل غزة .
كانت تشاركه في كل قرار يتخذه وتدعمه بالرغم من حالته التي تبدلت بعد علمه بخبر موت إيمان وكم أنّب نفسه لليالٍ عانا فيه سويًا لأنه لم يعرفها بنفسه ولم يتقرب منها لربما كانت الآن حية ولكنه يعود ويستغفر ربه متذكرًا أن الأقدار واقعة .
كان ممتنًا لها كثيرًا فلولا وجودها لما وجد جدارًا يستند عليه وكان الآن واقعًا بين حزنه ولوم نفسه ولكنها أنقذته ونثرت الورود الملونة في دروب حياته فلم تتركه لحظة لأفكاره وانتشلته من مخاوفه لتكن حقًا خير زوجة له برغم جنونها أحيانًا كثيرة .
يتمدد على فراشه في الفيلا شاردًا يفكر في والدته للمرة التي لا يعلم عددها ، يريد اتخاذ القرار ولكنه كلما بات على طرف اتخاذه تراجع خوفًا من نفسه حين يراها ، لا يعلم كيف تبدو ولا كيف تعيش ولا يعلم عنها سوى تفاصيل ذكرها صقر منذ ذلك اليوم ولم يسأله بعدها ، القرار ليس بهذه السهولة على قلبه وكيانه .
تنهد بقوة وخرج من شروده حينما وجدها تخرج من الحمام وتجفف خصلاتها وتخطو نحو المرآة بقميصها المنسدل باستقامة لركبتيها وهي تدندن بكلمات أغنية ما ثم تحركت تلتقط المجفف وتنزع المنشفة وتلقيها بإهمال كعادتها تحت أنظاره المستمتعة والتي أخرجته من شروده وقد بدأت في تشغيل المجفف ليعلو صوته تزامنًا مع صوتها وهي تغني فينكمش وجه عمر بانزعاج من الصخب الذي عم الغرفة فجأة ولكنها نظرت له وغمزته بمشاكسة وقد تعمدت فعل ذلك لأنه يكره الضوضاء ولأنها لاحظت شروده من اللحظة الأولى لذا فعلت ذلك .
هز رأسه بقلة حيلة فهذه إحدى عاداتها التي يعشقها وتستفزه في آنٍ واحد .
ترجل يخطو إليها وما إن لاحظت اقترابه حتى التفتت له تتمسك بالمجفف الذي يتدفق منه الهواء وتضع فوهته أمام وجهها وتغني فيه وخصلاتها تتطاير حولها في جنون وعبثية مفرطة حتى اتجه إليها يحاول نزع المجفف عنها ولكنها تمسكت بيده وباتت تتراقص عليه وتقول بصخب وملامح معبرة :
– بحبك أد عُــــــــــــــمري بعد عـــــــــمري مستحيل هلاقي زيك إنت في الوجوووووود .
لم تكن تنطق كلمات الأغنية بالشكل الصحيح ولكن كانت تعبر بالكلمات المناسبة له لذا ابتسم وعاد يأخذ منها المجفف ويغلقه ويضعه جانبًا فزفرت بغيظ تطالعه بتذمر ليبتسم ويزيح خصلاتها للخلف وهو يلتصق بها ويداه كورت وجهها ليتعمق فيها قائلًا بلمعة حب تغزو عينيه :
– هتعقلي امتى .
– لما تبطل تسرح وانت معايا.
قالتها على الفور لينحني يطبع قبلة لطيفة على شفتيها ثم عاد يحدق بملامحها وتحدث بترقب :
– بتزعلي لما بتلاقيني سرحان ؟
أجابته بصدق وحنان ونبرة هادئة بعد قبلته ونظراته :
– بزعل لما بلاقيك زعلان مش سرحان ، بعرفك من ملامحك فورًا ودلوقتي إنت كنت زعلان ، قولي بقى إيه اللي مزعلك ؟
تنهد بعمق ثم تمسك بكفها يسحبها معه إلى المقعد الجانبي ويجلسان سويًا ثم عاد يحدق بها ولم يعتد إخفاء شيء عنها لذا قال دون مراوغة بعد تنهيدة قوية صدرت منه :
– قررت أروح أشوف أمي الحقيقية يا مايا .
– ومالو يا عمر نروح.
نطقتها بدون أي تردد وبكامل الدعم فهي كانت تنتظر اتخاذه لهذا القرار ولكنه زفر يجيب بتريث وترقب وعيناه مسلطة عليها :
– هروح أشوفها لوحدي الأول يا مايا.
تجهمت ملامح وجهها فورًا ونطقت بتذمر طفولي وهي تتكتف وتلتفت عنه :
– مش عايز تاخدني معاك ؟ ، اخص عليك يا عمر.
أعادها لتقابله وعاد يتلمس بكفه وجهها ويردف بتروٍ :
– معلش يا حبيبتي ، خليني أول مرة أروح لها لوحدي .
لم تكن تود ذلك أبدًا فهي أقسمت ألا تتركه وحده في أي قرار ولكن لو هذه رغبته ستحاول تقبلها لذا زمت شفتيها ثم قالت وهي تتكفت مجددًا وتدعي الحزن :
– تمام زي مانت عايز .
أراد أن يراضيها لذا مد يده يسحبها إليه لتجلس على قدميه فانتفضت وتوردت وجنتيها بخجلٍ ما زال قائمًا داخلها وهذا يعجبه جدًا ولكنه تعمق فيها قائلًا :
– هنلوي بوزنا ونضرب الليلة ولا إيه ؟ ، هاخد بعضي وأقوم اروح عند صقر زي آسيا هانم واسيبك هنا لوحدك .
كان تهديدًا واهنًا لم يعرف للصدق سبيلًا ولكنها صدقته لتقول بعيون محذرة متوعدة وهي تحرك سبابتها :
– طب اعملها وشوف إيه اللي هيحصل يا عمر .
ضحك على ملامحها الغاضبة فكلما غضبت ازدادت جمالًا لذا أسرع يعانقها ويحملها متجهًا بها نحو فراشهما يمددها ويتمدد جوارها مردفًا بحب تملك منه كليًا :
– قلب عمر وسبب راحته وقلقه .
❈-❈-❈
تستعد انتصار للاحتفال بخطبة ابنها ياسين متجاهلة تمامًا كل ما حدث مع شقيق زوجها ووفاة ابنته وغياب ابنتها وحتى حبس عاطف .
لم يعقها شيء لا هي ولا ابنها حيث طلب يد فتاة كان منشغلًا بها في الفترة الأخيرة ليتم تحديد موعد الخطبة بعد عدة أيام .
لم يكن لزوجها دورًا يذكر في الأحداث كعادته ولكنه بات يدير الوكالة لساعاتٍ أطول مع حسن بعد حبس سمير لتهفو ابنته أحيانًا على عقله ويتساءل أين ذهبت ؟ ، ليتها تعود وسيحاول تصحيح أخطائه فلا أحدًا يهتم به هنا ؟ .
هي من كانت تهتم به منذ زمن ، هي من كانت تعامله بعطفٍ بينما هو انجرف خلف زوجته وابنه والآن لم يجد منهما سوى النفور والقسوة والوحدة .
❈-❈-❈
أما خديجة فتبدلت حالتها بشكلٍ كبير .
تعاونت هرمونات حملها مع حزنها على ما يحدث لأخواننا لينتجا حالة غريبة من الصمت والغضب والحدة والبكاء .
تشعر أن طاقتها نفذت ، تشعر بالعجز يحاوطها ، تريد فعل أي شيء ولكنها مكتفة .
تبدلت معاملتها مع ماركو حيث باتت تتخيل شكل ماضيه الأسود فكلما رأت الشهداء والتدمير والخراب تساءلت كم مرة قتل نفسًا أو دمر مبنى أو اعتدى على مظلوم ؟
باتت أحيانًا تراه بشكلٍ مختلف وباتت تخشاه بالرغم من الحقيقة التي تكنها داخلها وأن هذا هو خالد حبيبها ولم يعد ماركو ، خالد الذي يحاول التغير ويسعى لإرضاءها ولكن لا تعلم لمَ تفكر بتلك الطريقة .
ربمَا لإنها لم ترَ حزنه على ما يحدث إلا فقط عند رؤية الأطفال الشهداء ؟ ، ربما لإنه يتجهم حينما يجدها تبكي عليهم دومًا ؟ ، ربما لأنه لا يهتم بشيء سوى نفسه وملذاته فقط ؟
كيف له ألا يتأثر ؟ ، كيف له أن يكمل حياته بشكلٍ طبيعي فهي لا تستطيع أبدًا .
لا تستطيع أن تأكل أو تنام أو تخرج أو تضحك بشكلٍ طبيعي أبدًا ، تملّك الحزن من قلبها حيث ترى ظلمًا بيّنًا ولا تستطيع إيقافه .
ربما الشيء الوحيد الجيد الذي فعله هو مقاطعة كل ما يمكن شراؤه من منتجات هؤلاء القتلة ، حتى أنه تخلى عن قهوته المفضلة حينما أخبرته أنها تدعمهم وهذا لأن هو وصقر يعلمان جيدًا من خلال عملهما السابق مع العصابات أن للمقاطعة دورًا هامًا في هدم اقتصاد الدول وخاصة الاقتصاد المستخدم في الأسلحة .
تجلس تتابع الأخبار على صفحة صالح الجعفراوي وتنتحب بشدة .
لم تعد تهتم بحملها ولا بمتابعة الطبيبة وحينما يطلب منها الذهاب لها تحتد عليه وتخبره أن هناك على الطرف الآخر نساء يحملن ويلدن بدون تدخل طبي وتحت ظروف قاسية جدًا .
يتعجب منها ، هي نفسها تتعجب من حالتها ولكنها حقًا لا تستطيع التأقلم والاعتياد على ما يحدث .
دلف عائدًا من عمله ليجدها تجلس تشاهد وتبكي كالعادة وقد ظهر حملها وانتفخت معدتها قليلًا .
زفر بقوة وضيق ثم ألقى السلام فرفعت أنظارها تطالعه وردت بخفوت وعادت تتابع لذا تحرك نحو الحمام ليغسل ويعود إليها فهو يحاول بالقدر المستطاع تحمل تقلباتها خاصة بعدما أخبرته نسرين أن كل ما يحدث معها بسبب الوحم .
إن أخبره أحدهم قبل سنتين أنه سيعشق مسلمة ويتزوجها ويخلص لها ويتحمل من أجلها ما يفوق طاقته كان سينفجر ضاحكًا على قائل هذه النكتة .
حياته كلها عبارة عن عبث ولكن أي عشقٍ أصاب قلبه وكيانه ليحب الحزن معها ؟
أي امرأةٍ هي ليتقلب من أجلها على نيران المزاجية والروتين بترحاب .
ينتظر بفارغ صبره وأقصى تحمله لتلد ومن بعدها ستعود له خديجته المطيعة والحنونة والناعمة .
ستهديه ابنه وتعود كما كانت من قبل لذا فهو يتحمل وهذا الشيء ليس من عاداته أبدًا ولكنه اكتشف أن حبه لها يفوق بعض العادات .
خرج من حمامه بعدما تخلى عن ملابس عمله وارتدى سروالًا فقط وتحرك نحوها ليجدها كما هي تشاهد وتبكي لذا مد يده يأخذ منها الهاتف غفلة فأجفلت تطالعه بحدة من بين دموعها ونطقت وهي تمد يدها له :
– خالد هات الموبايل .
ألقاه على الأريكة بعيدًا ثم عاد لها يكور وجهها ويجفف دموعها بإبهاميه قائلًا بحبٍ وترقب :
– لا لن تأخذيه ، الإسلام يقول إذا جاء زوجكِ انظري له نظرة تسرهُ .
علم كيف يؤثر عليها بعدما حفظ من الإسلام ما يمكن أن يفيده لذا تنفست بقوة تحاول أن تلين معه وتحدثت ببكاء :
– المشاهد صعبة أوي يا خالد ، بشوفها مش بيتحملها قلبي مابالك هما ؟
– حسنًا لمَ تشاهدين إذًا يا خديجة ؟
تساءل بتعجب فإن كانت تتألم هكذا لمَ تختار الألم ؟ ، لتجيبه بنبرة محتدة :
– هفضل أشوف وأتابع ، ييجي إيه وجعي جنب وجعهم ؟ ، مش هبطل أعرف أخبارهم ولا ههرب ، كفاية أوي إننا خذلناهم ، ربنا يتولانا ويتولاهم برحمته .
زفر ثم تمدد جوارها وعاد يتحسس وجنتها بحبٍ ثم اقترب يطبع قبلة عليها فانكمشت قليلًا وابتعدت شبرًا تقول بتوتر :
– أحضرلك العشا ؟
حدق بها وتساءل بأملٍ يتوغله :
– ستأكلين معي ؟
– أكلت من شوية وأخدت أدويتي .
زفر بإحباط ثم تحدث وهو يهز رأسه رافضًا :
– حسنًا إذًا لن آكل ، فقط دعيني أنام في حضنك .
حاول سحبها مجددًا ودفن نفسه فيها ، اشتاق لها جدًا ، اشتاق للمساتها وقبلاتها وابتساماتها التي لم يعد يراها إلا نادرًا .
كان يسحب رائحتها إلى رئتيه وشفتيه تتحرك على بشرتها ويداه تسافر فوق جسدها بحرية ، مستشعرًا نعومتها حتى بات يرغبها بشدة وتحكمت مشاعره به لذا همس بالقرب من أذنها بهمسٍ وعيونٍ مغمضة من شدة رغبته :
– خديجة أنا أحتاجك الآن .
هي أيضًا تحتاجه كثيرًا ، تحتاج للشعور الذي يعطيها إياه فتشعر بالسعادة بعدها ولكن شيئًا ما يقف كحاجزًا بينهما ، شيئًا لا تفسره جعلها تتململ من بين لمساته وهمساته وتتحمحم مردفة بفتور :
– خالد معلش أنا مش حاسة إني كويسة .
– سأجعلكِ بخير ، فقط استسلمي لي .
قالها بتحشرج وهو يعيدها له ويعيد تقبيلها لتعاود التململ لا إراديًا وتردف بنبرة باردة :
– خالد بجد مش هينفع دلوقتي أنا تعبانة .
نفذ صبره ، بل شعر أنه سينفجر لذا قضم أذنها بأسنانه فتأوهت صارخة ليعود قائلًا بنبرة هامسة ولكنها متوعدة :
– ستلعنكِ الملائكة .
اعتصرت عينيها بقوة واستسلمت له وهي تدعو الله أن يمر الأمر دون الشعور بالغثيان أو النفور وهذا ما حدث .
جدد طريقة تعبيره عن مشاعره متجنبًا بعض اللمسات التي يمكنها أن تزيده متعة ولكن لا بأس سيحاول أن يراعيها لأبعد درجة لذا لم تشعر بالغثيان أو النفور بل بدأت تشعر بالراحة التي تخلت عنها منذ أشهر لذا ارتخت وباتت تبادله علها تعود لنفسها .
أسعدته استجابتها كثيرًا لذا لم يبخل في بث حبه لها يعبر عن فرحته بها ، يعلم أنها ستعود معه كما كانت وينتظر ذلك ، فقط ليخرج هذا المشاغب الذي رأى بسببه الويلات ولكنه يستحق ، كلاهما يستحقان كل ما عاشه وعاناه .
❈-❈-❈
تجلس آسيا مع ابنتها نارة في الفيلا بعدما هاتفتها نارة لتأتي وتبيت معها حيث تشعر بثقل وآلام ليست اعتيادية .
تحاول تشتيتها بالحديث حتى تنسى نارة آلامها ولكن عبثًا فهي تتلوى وتئن لذا قالت آسيا بقلقٍ وحيرة :
– طب تحبي نقوم نروح المستشفى ونكلم صقر يجيلنا على هناك ؟
قضمت شفتيها بقوة ثم تحدثت بوهن وهي تتلوى :
– الدكتورة قالت إن الطلق ده طبيعي ومش ولادة ، بس مش قاااادرة .
رفعت آسيا يدها تملس جبينها وتزيح خصلاتها للخلف لتجدها متعرقة بالرغم من عدم ارتفاع درجة الحرارة .
رن هاتف نارة فأشارت لوالدتها أن تجيب بدلًا عنها لذا أسرعت آسيا تفتح الخط قائلة :
– أيوة يا صقر .
– نارة كويسة ؟
– تعبانة أوي يا صقر ، بقولها نروح المستشفى بس بتقول إن الطلق ده طبيعي .
– أنا جاي حالًا .
أغلقت معه ونظرت إلى نارة التي بدأت تغفو بعد دقائق فعلى ما يبدو أن آلامها سكنت قليلًا لذا عادت تملس بيدها على خصلاتها بحنانٍ وتدعو الله لها أن يهون عليها آلام الولادة .
❈-❈-❈
اختتمت صلاتها ثم رفعت يدها للأعلى وعادت الدموع تتكون في مقلتيها وهي تدعو ربها قائلة بقلبٍ منفطرٍ حزين :
– يارب رده ليك وليا يارب ، يارب اهديه وابعده عن السكة اللي هو ماشي فيها ، يارب ماليش غيرك وهو مالوش غيرك ، رده سالم يا رب وماتزعلش منه ، منه لله اللي كان السبب في اللي هو فيه .
ظلت تدعو لابنها طه وتبكي تارة وتدعو لابنتها بالرحمة والمغفرة تارة أخرى ثم انتبهت على رنين جرس الباب لذا تعجبت وظنته يوسف الذي يمر أحيانًا للاطمئنان عليها لذا نهضت تتحرك نحو الباب وفتحته ولكنها تعجبت حينما وجدت أمامها سيدة خمسينية ترتدي ملابس باهتة تطالعها بترقب فتساءلت تقطب جبينها :
– اتفضلي ؟
تحدثت سوسن بنبرة متوترة بعدما حدقت بها لثوانٍ :
– إنتِ ماتعرفنيش ، بس أنا أعرف سمير العدلي كويس جدًا ، وجاية أحكيلك حاجة مهمة أوي عنه .
وقفت مشدوهة لا تعلم ما عليها فعله ، أتطردها وتبتعد عن سيرة ذلك الرجل تمامًا أم تستمع لما تود إخبارها به ، لمحت سوسن حيرتها لذا تحدثت دون مراوغة وبتلقائية عالية :
– سمير العدلي عنده ابن تاني ….. ، ابني .
جحظت منيرة بصدمة بل تجمدت لثوانٍ قبل أن تردف موبخة :
– إيه اللي بتقوليه ده ؟ ، امشي من هنا ياست الله يسهلك .
كادت أن تغلق الباب ولكن مجيء يوسف منعها حينما نظر نحو سوسن بتفحص ثم تساءل وهو يقف أمامهما :
– فيه إيه يا مرات عمي ؟ ، ومين حضرتك .
نظرت سوسن له بتوتر ولكن حان وقت كشف الحقيقة وليردوا لابنها حقه المسلوب ، ترددت كثيرًا قبل أن تأتي وتخبرهم ولكنها عزمت أمرها بعدما علمت عنوان منيرة صدفة من أحد عمال الوكالة لذا فهي لن تتوقف بعد الآن .
عاد يوسف يكرر سؤاله عليها بشكٍ لتتحمحم وتقول موزعة أنظارها بينهما :
– أنا اسمي سوسن يا بيه ، وعندي ابن اسمه عمر وأبوه يبقى سمير العدلي .
ذهل يوسف مما يسمعه وتحدث مستنكرًا بسخرية :
– إيه الكلام ده ؟ ، إنتِ مجنونة يا ست إنتِ ؟
تحدثت بنظرة حادة ونبرة جادة واثقة :
– لا مجنونة ولا بقول أي كلام ، اسمعوا اللي عندي وبعدين احكموا ، ولو على الدليل فأنتوا تقدروا تعرفوا بطرق كتير أوي إذا كنت بكدب ولا بقول الحقيقة .
نظر يوسف نحو منيرة التي لا تعلم ماذا تفعل وتبعثرت أفكارها والتهمها الحزن ، أكان يخونها بجانب كل مساوئه ؟ ، أي ابنٍ هذا وكيف حدث ومتى ؟ ولكنها تتوقع منه أي فعل وتصدق عليه أي تهمة .
تحمحم يوسف وتحدث بتريث :
– خلينا نسمعها يا مرات عمي .
أومأت وأفسحت لهما المجال فدلف يوسف وتبعته سوسن إلى الداخل وباتت تتفحص المكان الرتيب ثم اتجهت تجلس أمام يوسف الذي يطالعها بشكٍ وجلست منيرة أيضًا تنتظر حديثها بتعجب لذا لم تطل سوسن بل تحدثت على الفور بوضوح :
– سمير العدلي زمان وهو شاب ضحك عليا وفهمني إنه بيحبني وفضل ورايا لحد ما اتجوزنا عُرفني ، كان أبويا شغال عندهم في الوكالة وكنت دايمًا أروحله وشافني ، اتجوزنا كام شهر وبعدها لقيت نفسي حامل وماكنتش أعرف ولما روحت أقوله قالي نزليه ومالوش دعوة بيه ولو قلت لحد هينكر ويتهمني في شرفي ، ولإني كنت غبية ومصدقاه سبت معاه الورقتين وبعدها ماشوفتش وشه ، ولما روحت أنزل الحمل كان عدى عليه وقت وماينفعش أنزله واضطريت احتفظ بيه من غير ما حد يعرف .
زفرت بقوة تنظر لوجهيهما المنتبهة والمصدومة في آنٍ واحد بينما هي تابعت بفتور :
– اتعذبت وشوفت المُر وحاولت معاه مرة واتنين وعشرة لحد ما هددني إنه هيموتني أنا وهو ، لحد ما بعدت عنه وولدته وواحدة قالتلي على دار أيتام وسمعت كلامها لإني كنت قليلة الحيلة وضعيفة وحطيت ابني قدام بابهم وهما خدوه ومن وقتها وأنا براقب ابني من ورا الحيطان وقلبي بيتقطع على كل لحظة عيشتها من غيره بس كنت مضطرة .
صدم يوسف مما يسمعه ولكن مازال الشك قائمًا داخله بينما صدقتها منيرة ، لا تعلم ما سبب ذلك فهو وارد جدًا أن تكون هذه السيدة كاذبة ولكن ما السبب ؟ ، تعلم جيدًا أن كذبتها سهل اكتشافها لذا فهي تصدقها خاصة وأن سمير العدلي عنوان الحقارة كلها .
تابعت سوسن بحزنٍ :
– أنا عرفت اللي حصل لبنتك وزعلت عليها بس فرحت لما سمير اتسجن مع إني كان نفسي ياخد إعـ.دام ويريح البشرية منه ، بس أنا جيالك النهاردة علشان أقولك إن ابني ليه ورث في أبوه وسمعت أنك ست عندك ضمير ، اتأكدي إنه هو ابنه بالطريقة اللي إنتِ عايزاها بس في الآخر اديله حقه ، هو عرف من قريب إنه ابن سمير العدلي ، ولعلمك هو مايعرفنيش ولا عمره شافني ولا عايز يتعرف علينا خالص .
زفرت تنظر ليوسف وتكمل بترقب :
– هو مرتبي مع بنت عمكوا في نفس الملجأ وكمان متجوز أختها بنت العيلة اللي اتبنوها .
– عمر ؟
نطقها يوسف بصدمة وذهول فهو قد رآه منذ شهرين حينما التقى بنارة وزوجها وشقيقتها وزوجها ورحب بهم وتعرف عليه ولكن نظرات عمر نحوه كانت غريبة آنذاك ، إذا هو كان يعلم أنه ابن عمه ؟
أومأت سوسن وتحدثت مؤكدة بابتسامة تظهر فقط حينما تأتي سيرة ابنها :
– أيوة عمر ، عمر اللي طلع عالم من ظهر فاسد فعلًا ، ابني اللي نفسي أحضنه وأخليه يسامحني .
نظرت نحو منيرة لتجدها شاردة الذهن تفكر والحزن منحوتًا على ملامحها لذا تنهدت ووقفت تردف بهدوء :
– يمكن اللي عرفتوه صدمة بس دي الحقيقة ، ولو إنتِ عايزة تصلحي ظُلمات جوزك في حق حد يبقى الأولى هو عمر .
غادرت بعدها وتركتهما يجلسان في تخبط أفكارهما ولم يتجاوزا صدمتهما بعد .
❈-❈-❈
بعد ساعة
وصل صقر إلى الفيلا ودلف يلقي السلام على آسيا التي تجاور ابنتها الغافية .
اقترب منها يطالعها بعشقٍ وامتدت يده تملس على خصلاتها بحنو حيث كانت تميل برأسها على ظهر الأريكة .
ما إن شعرت بلمسته حتى استيقظت تطالعه بعيون لامعة كأنها كانت تتألم في نومها وتحدثت تشتكي له بنبرة باكية :
– صقر ، مش قادرة يا صقر حاسة إني هولد دلوقتي .
مال يقبل جبينها ثم جلس مجاورًا لها ليعود لها الألم فيحاول دعمها قائلًا بحزنٍ من أجلها :
– يمكن طلق مبكر زي ما الدكتورة قالت ، تعالي معايا اقعدي في بانيو دافي هترتاحي .
أومأت له فهذه الحركة بات يستعملها معها مؤخرًا حيث يملأ حوض الاستحمام بالمياه الدافئة وتجلس بها فتشعر بالراحة وسحب الألم منها خاصة وأنه يجاورها ويتحدث متغزلًا بها .
تحدثت آسيا بعتاب وهي تطالعها :
– طب ليه ماقولتليش وأنا كنت عملت كدة لو ده هيريحك ؟
أراد صقر تغيير الأجواء لذا قال بمرحٍ وهو يسندها كي تقف ولكن مرحه هذا يخفي تملك يقصده :
– دي حركة خاصة بصقر بس يا آسيا هانم .
أسندها بالفعل وابتسمت آسيا متنهدة بارتياح تقول :
– ربنا يخليكم لبعض .
خلع جاكيته يلقيه بإهمال ثم انحني يستعد لحملها وبالفعل حملها بين يديه برغم وزنها الزائد ولكنها تعلقت به وهي تقضم شفتيها بقوة من شدة الألم وبرغم ذلك تعشق حنانه ودلاله .
ابتسم لها وتحرك بها نحو الدرج ولكن ما إن صعد درجة واحدة حتى صرخت حينما شعرت بانفجار شيءٍ ما تبعه نزول مياه على ساقيها وطلقٍ شديد ينهش رحمها لذا صُعق وهو يراها هكذا لتطالعه بعيون جاحظة وتردف بأنفاسٍ متقطعة :
– صــــــــــقر أنــــــــا بولــــــــــــــــــــد .
بدلًا من صعوده بها للأعلى التفت وبات يركض بها للخارج وآسيا تتبعهما بذهول ليتحدث بعلوٍ وعجلة :
– آسيا هانم هاتي هدوم نارة ونيللي وتعالي ورايا .
ركضت آسيا نحو الحقيبة المجهزة مسبقًا للاحتمالات وانتشلتها وتحركت خلفهما بينما هو فتح باب سيارته الأمامي ووضعها بحنان في المقعد ثم تناول الحقيبة من آسيا يضعها في المقعد الخلفي وجاورتها آسيا ليستقل هو مكانه فورًا وينطلق إلى المشفى .
❈-❈-❈
انتهى يوسف من سرد ما قالته تلك السيدة أمام والده ووالدته .
حكى لهما الحقيقة التي جعلتهما في حالة صدمة وعدم استيعاب خاصة حسن .
شقيقه له ابن غير شرعي تربى في ملجأ مع ابنة أخيه ؟
أي ظلمٍ هذا الذي وقعت فيه عائلته ؟ ، يعلم أنهم منعدمي الضمير ولكن لتلك الدرجة وصل بهم الأمر ؟
تحدثت مشيرة بدهشة متسائلة بشك :
– غريبة جدًا يا يوسف ، معقول الكلام ده ؟ ، واشمعنى دلوقتي بعد ما سمير اتسجن جاية تحكي وتطلب حق ابنها ؟
تنهد يوسف يعتدل وأردف باستنتاج صائب :
– الظاهر إنها كانت خايفة من عمي سمير على ابنها ومعاها حق ، بس دلوقتي يا بابا إحنا لازم نتكلم مع عمر ، الشاب ده محترم جدًا ونارة بنت عمي بتثق فيه ده غير إنهم عارفين بعض أصلًا .
نظر له حسن بشرود ثم تحدث بقلبٍ حائر حزين :
– نكلمه يابني ، يمكن يساعدنا نلاقي طه ، العيلة ضاعت ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب .
نظر له يوسف يومئ مؤيدًا لكلامه ثم تحدث بجدية :
– طه للأسف لو ظهر هيتمسك وهو عارف ده كويس علشان كدة مستخبي ، القضية اللي اترفعت ضده اتحكم فيها فورًا بعد ما شافوا منشوراته .
تحدثت مشيرة بملامح حزينة :
– ربنا يثبتنا على دينه ، السكة اللي مشي فيها للأسف ملهاش نهاية ، ربنا يهديه وينور بصيرته .
❈-❈-❈
كان يجلس يتابع ما يحدث مؤخرًا .
منذ أن اختبأ هنا وهو منعزلٌ تمامًا عن العالم إلا من صفحته ومتابعينه .
مؤخرًا بدأت قناعاته تنحرف عن مسارها خاصةً بعد أحداث غزة ولكن يظل هناك جزءًا ما داخله يخشى تصديقها أو ظهورها للعلن وإلا فمصيره معلوم .
ولكن هل حقًا يسكت أصواتًا تراوده لينجو بحياته أم يطلق العنان لها ويقتلوه ربما نجا حقًا .
عاد الشك يراوده بعدما رأى ما يحدث من حوله .
مصائبه باتت لا تذكر أمام مصائبهم وبرغم ذلك عقيدتهم ثابتة راسخة لا تتزعزع أبدًا فكيف ذلك ؟
إن كان هو بسبب قسوة وظلم وتجبر والده المتدين قرر أن ينكر وجود الله الذي لم ينقذه بل بسبب الإسلام تعرض لكل ذلك
فماذا عن هؤلاء الذين شردوا من ديارهم ودمرت بيوتهم وقطّـ.عت أطفالهم واغتصـ.بت نسائهم وأسروا وعذبوا شبابهم وما زالوا يقولون ياااااارب
كيف لهم أن يؤمنوا بإله لم يرفع عنهم العذاب ؟ ، من أين لهم كل هذا القدر من الإيمان ؟
الآيات التي كان يسخر منها الآن يجدها صادقة تتجسد أمامه وتتحقق معجزات ظنها مستحيلة .
حسنًا لمَ لا ينقذهم الله من بطش الظلم الذي يتعرضون له برغم أنهم عباده الصالحين ؟
وماذا عن حق من ماتوا وقطعوا ؟ من سيرد لهم حقوقهم ؟
أسئلة جعلته يعتزل المواقع لأيام ، جعلت عقله يعمل دون هوادة ، أسئلة تسببت له في أرقٍ وخوفٍ ورعب ليس له مثيل .
إن كان موجودًا حقًا فلماذا لم يتدخل ؟ وإن كان غير موجود فبماذا يؤمنون هؤلاء ومن سيرد لهم حقوقهم ؟
الحقيقة أنه بات يعلم ، الحقيقة تختبئ في داخله ، هو يدرك أنه موجود ولكن الشياطين تتلاعب به وتسحبه لطريقها مجددًا .
الشياطين تصرخ وتعمل بعزيمة تفوق عزيمته ولكن إلى متى ؟
جاءته مكالمة من ذلك الشخص ليتنفس بقوة ويمسح على وجهه ويتجه يجيبه بتوترٍ حيث تساءل الآخر :
– إنت بتتمادى ليه ؟ ، فين المنشورات اللي قلتلك تنزلها على البيدج ؟
تحدث طه وهو يفرك عقله بتشتت :
– أبدًا أنا بس تعبان شوية ، هفوق كدة وأنزلهم .
– تعبان دي ماتتقالناش ، اللي يتبعتلك لازم تنزله وإلا هنفهم حاجة واحدة وساعتها لازم نحمي نفسنا وانت عارف إزاي ، فوق واعرف إنت بتتعامل مع مين ، وجهز نفسك علشان قريب جدًا هتطلع من مصر ، هتروح تل أبيب .
انقبض قلبه بل انقبض كل عرقٍ فيه وتحدث مستنكرًا :
– هروح تل أبيب إزاي ؟ ، إنت مش شايف اللي بيحصل ؟ ، أنا عايز أسافر أوروبا .
ضحك الآخر ساخرًا يردف :
– للأسف مش باختيارك ، إنت عليك قضية ولازم تطلع من مصر هربان عن طريق سينا مش هينفع تطلع جوي ، هتروح تل أبيب ومن هناك تقدر تسافر المكان اللي إنت عايزه بس لما تقابل ناس تبعنا الأول .
قطب جبينه بعدم استيعاب وتساءل :
– هي المنظومة بتاعتنا بتدعم إسـ.رائيل ؟.
– لاء ، المنظومة بتاعتنا مش بتدعم أصحاب الديانات ، بس فيه هناك ناس بتهدف للسلام وجمعيات حقوق إنسان هي اللي بتساعدنا ، ومش أي حاجة بتشوفها على السوشيال ميديا تصدقها ، قواعد الحرب مختلفة وأوعى تصدق إن الفلسـطنيين دول مظلومين ، إنت أكيد عارف مين اللي بدأ ومين اللي يتحمل نتيجة الحرب ، وبعدين علشان تتأكد إننا صح ، شوف إيه اللي بيحصلهم من غباءهم وفين منقذهم الأبدي اللي بيؤمنوا به .
فكر في كلماته المسمومة والمتناقضة التي عادت تؤثر على عقله لذا زفر بقوة وتحدث باختناق شاعرًا أنه على وشك المضي نحو الضياع :
– والأطفال ؟ ، والمستشفيات ؟
تحدث الآخر بحدة مفرطة حينما شعر أنه ينجرف خلف مشاعر ستدمر ما يخططون له :
– قلتلك ماتصدقش أي حاجة بتشوفها على السوشيال ميديا ، دول شاطرين في الخدع ، أنت ماشوفتش بنفسك ، وبعدين لو ع الأطفال هما كمان حـ.رقوا أطفال من إسـ.رائيل وقطعوا روسهم ، لو هنصدق بقى يبقى دي قصاد دي ، وحتى لو حقيقي هما دول أصلًا المؤمنين إحنا منظومة ملناش غير السلام وبس ، وركز في نفسك وبس وإلا بقى تسيب البيدج بتاعتك لحد تاني وتروح تسلم نفسك وتتسجن .
– تمام ، هعمل اللي إنت عايزه .
نطقها طه بشيءٍ من المراوغة وحينما أغلق الآخر عاد يتابع فيديوهات كثيرة عما يحدث ليتأكد هل فعلًا ما يراه خدعة ؟
لدقائق تابع فيديو تلو الآخر ، أحدهم عن رجلٍ مسن يسجد لله شكرًا بعدما استشهد ابنه ، يخطب في الناس ألا يبكوا أو يحزنوا وعلى وجهه علامات الرضا اختلطت مع القهر .
فيديو آخر لرجلٍ يخبر الجميع بأنه لن يتخلى عن أرضه ولن يترك منزله المهدوم .
وآخر يقرأ آيات نزلت من قبل ١٤٠٠ عام تعبر عما يحدث الآن ؟
وآخر ملتحي لو رآه مسبقًا لظنه إرهابيا ولكنه الآن يعانق حفيدته ويقبلها بعدما استشهدت .
لم يرَ امرأة إلا بحجابها وسترتها برغم الدمار ؟
أطفال زرعت داخلهم الرجولة بعمرٍ صغير يتحدون الصهاينة بكل شموخٍ وعزيمة .
أخرى تودع أولادها الشباب الأربعة وأخرى تعانق طفلها في كفنه وأخرى مقطعة يخرج منها جنينٌ حي .
أهوال لم يرها سوى في أبشع الأفلام الغربية .
رفع نظره عن المشاهد ورفع رأسه عاليًا يريد أن يصرخ ويستجير بأحدٍ فلم يهتدِ بعد لذا زفر بقوة ونهض من مكانه يخطو نحو الطاولة المرتصة عليها الكثير من الكتب .
مد يده يلتقط مصحفًا وكان قد سمع أمس من خلال سيدة فلسطينية أن كلمات الله هذه هي التي تمدهم بالعون والصبر والتحمل لذا لمَ لا يعيد قراءته مجددًا ولكن ليس ليستخرج منه شبهات كالسابق بل ليتعمق فيه أكثر وليرى هل حقًا هو ربيع القلوب؟ .
❈-❈-❈
وقفا صقر وآسيا يستمعان إلى صرخات نارة التي دلفت لتوها غرفة العمليات .
يقف في حالة عبثية كل إنشٍ به يعلن توتره وقلقه ، هيئتها وهي تصرخ ألمًا بين يديه وحينما كان يلبسها إسدالها في السيارة وحينما حملها ودلف المشفى وأخيرًا حينما أجبر على البقاء هنا بينما هي في الداخل تصارع الألم لتنجب طفلته .
آسيا كذلك متوترة تفرك كفيها وتجيب الردهة ذهابًا وإيابًا داعية الله أن يكن عونًا لها .
أتت مايا تسبق عمر ركضًا بعدما هاتفتها آسيا وهي تتساءل من بعيد بعيون باكية :
– نارو فين ؟ ، ولدت ولا لسة ؟
وصلت إلى آسيا التي هدأتها وهي تحاوط ذراعيها قائلة بتروٍ برغم توترها :
– هي جوة دلوقتي ، ادعيلها .
وصل عمر يرحب بها واتجه يجاور صقر ويربت على كتفه داعمًا له فأومأ له الآخر وهو مازال يسمع آهات حبيبته التي زادت من بكاء مايا فاتجه إليها عمر يهدئها .
دقائق فقط حتى سمعوا أصوات صرخات صغيرة وتبعها بعد دقائق أخرى خروج ممرضة تحمل بين يديها طفلة سبحان من صورها وتناولها إلى صقر قائلة بابتسامة ناعمة :
– ألف مبروك تتربى في عزك ، بنوتة زي القمر .
تناولها منها ينظر لها بذهول وتحول قلقه لشعورٍ مختلط بين السعادة والرهبة والتعجب ، إنه الآن يحمل بين يديه ابنته التي تمناها دومًا .
للحظة نسي نفسه ولكن التفافهم حوله جعله يعي وينظر نحو الممرضة متسائلًا بحنين قفز من بين سعادته :
– نارة عاملة ايه ؟
– كويسة جدًا ، ثواني وهنخرجها وتشوفوها .
الآن اكتملت سعادته فليفرح إذا بابنته لذا عاد يحدق بها وعلى يمينه آسيا وعلى يساره مايا وأمامه عمر جميعهم يلتفون حوله ويبتسمون بسعادة غمرتهم حينما رأوا الصغيرة بينما هو أصابه التملك اللحظي وأراد أن يختلي بها لذا انحنى عليها يقبلها ويخفيها عنهم في عناقه .
يعانقها بخفة وفرحة استهدفت قلبه ليتضخم من فرط سعادته .
تحدث عمر بنبرته الودودة :
– ألف مبروك يا صقر ، يالا أذن لها في ودنها بقى .
نظر له صقر قليلًا ثم أومأ وانحنى مجددًا على أذن الصغيرة يهمس لها بالآذان ويردد اسمها ويخبرها أنها من هذه اللحظة باتت مدللة أبيها .
سعادته لم تضاهيها سعادة ، ابنته من حبيبته بين يديه الآن إذا لم يعد يريد شيئًا من الحياة ، هما عائلته ونعيمه وركن سعادته الأبدي .
رن هاتفه الذي تنبه له عمر لذا ناول الصغيرة لآسيا التي تتلهف لحملها ولكنها تركتها لوالدها حتى يشبع منها قليلًا لتسرع مايا تترجاها لتحملها كالأطفال فتركها معهما وتحرك خطوتين مضطرًا يجيب على ماركو الذي تساءل بترقب :
– مرحبًا صقر ، هل كل شيءٍ على ما يرام ؟ ، أخبرني مصطفى أنك غادرت الشركة مسرعًا .
أجابه صقر بنبرة تحمل السعادة بين طياتها وبنفس لغته :
– لقد وضعت زوجتي يا خالد ، أصبحت أبًا بشكلٍ رسمي ، العقبى لك .
نظر خالد نحو خديجة التي خرجت لتوها من الحمام ترتدي مئزرها وتطالعه بترقب ليتحدث بفرحة صادقة :
– أووووه ، مبارك يا رجل ، تليق بك الأبوة يا أبو البنات .
ابتسم صقر وتحدث بثقة قبل أن يغلق معه ويعود لابنته :
– هذا شرفٌ لي ، هيا أغلق .
أغلق ونظر ماركو إلى خديجة قائلًا بترقب :
– لقد وضعت نارة طفلتها ، هل نذهب إليها ؟ .
أومأت مؤكدة وهي تتجه نحو غرفة الملابس قائلة بهدوء :
– أكيد طبعًا لازم نروح ، هلبس حالًا وإنت قوم خد شاور وتعالى .
❈-❈-❈
يجلس يتحدث مع زوجته وابنه مازن عن الوجه الآخر لحرب غزة .
يتحدث بعملية موضحًا وهو يستريح على أريكته :
– هما فعلًا غزوا العالم ، صناعات وأغذية ومشروبات وأدوية وشبكات إنترنت وملابس ومستحضرات تجميل وأسلحة ، كل حاجة البشر بيستعملوها هما صنعوها ، حتى الأفكار اتحكموا فيها عن طريق بث الفتن والفجور والقتل في بلادنا ، نشروا الأفلام الإبـ.احية بينا ونشروا أفلام الد مار والتخـ.ريب والألعاب الإلكترونية اللي بتهين الإسلام وبتقتل البريء علشان ينزعوا منا هويتنا ، لدرجة إنهم اتحكموا في مناهجنا الدراسية وحطوا قوانين أولادنا يدرسوا إيه ومايدرسوش إيه ، كتب الدين بتاعة الأطفال وحطوا فيها اللي على مزاجهم بس وحذفوا أي حاجة تقول عنهم قتـ.لة أو مخـ.ربين ، بدأوا يلعبوا على أجيالنا علشان يطلعوا جيل مسلم ماعندوش أي معلومات قوية وراسخة عن دينه ، جيل مهزوز بيمشي ورا أهواؤه وبيقلد الفكر الغربي ، جيل مايعرفش عن الإسلام غير إن دين السيف والسبي وظلم المرأة ، اخترعوا النسوية والإلحاد والشذوذ علشان يحربونا إحنا وللأسف استقطبونا لدرجة إننا بقينا نستعر من إسلامنا ونفتخر ببلادهم هما ، علشان كدة حرب غزة كشفت القناع الحقيقي ليهم واللي حاولوا يبنوه لسنين طويلة اتهد في لحظة ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ، الغرب اللي نصروهم هما دلوقتي اللي بيحربوهم ، أطفالنا اللي حاولوا يشوهوا فطرتهم هما دلوقتي اللي بيعلموا أهاليهم المقاطعة ، أطفالنا بقى عندهم وعي بالقضية الفلسطينية اللي كانت قربت تندثر ، آلاف من الناس دخلوا الإسلام بعد ما اتأكدوا إن دينا مش دين قتـ.ل ولا سبي ولا ظلم زي ما كانوا بيقولوا ، بعد ما شافوا إزاي أسراهم طالعين من عندنا صحتهم كويسة وشافوا أسرانا طالعين من عندهم مدمرين نفسيًا وجسديًا ، بعد ما اتأكدوا إن المرأة الفلسطينية عندها عزيمة وبتربي أجيال مابتخافش من الموت وعرفوا إن الإسلام كرم المرأة ، اللي بيحصل ده نصرة لدين الله ولازم ناخد بالأسباب ، واللي حرب غزة مش هتغيروا للأحسن لازم يخاف .
نظرت نسرين لابنها الذي يومئ مؤيدًا لكلمات والده والتقطت بإصبعها دمعة فرت من عينيها ثم عادت تطالع زوجها قائلة بروية :
– معاك حق في كل كلمة ، ربنا بينصر دينه ، بس بزعل أوي لما بلاقي الغرب بيدعموهم وإحنا عاجزين عن دعمهم ، مش قادرين نرفع عنهم ، أنا عارفة إنهم هيفوزوا بس أنا خايفة من سؤال ربنا عنهم يا بهجت .
تنهد بهجت يومئ فهذا نفس ما يشعر به أحيانـًا ولكنه أجابها بيقين وإيمان :
– للظلم أسباب ، إحنا بشر عاديين يا نسرين عمرنا ماهنشوف الحقيقة المطلقة ، ربنا وحده اللي عالم الخير فين ، اللي نقدر نعمله برغم إنه أضعف الإيمان بس ندعي ، ندعي من قلوبنا ، نتكلم ، نعرف اللي مايعرفش ، ننشر ونحكي ومانخافش ، ندعم في كل وقت ، السلاح جند من جنود الله وإحنا سلاحنا دلوقتي هو الوعي ، ولابد من رد المظالم ووعد ربنا جاي .
تحدث مازن بنبرة حزينة :
– المسلمين حالهم بقى يزعل أوي يا بابا ، أصابنا الوهن زي ما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال .
أومأ بهجت بأسف وتنهد مطولًا ثم ابتلع لعابه وأراد أن يخرج من هذا النقاش لذا سأل نسرين بترقب :
– أخبار خديجة إيه النهاردة ؟ ، اطمنتي عليها ؟
أومأت له وتحدثت باستفاضة :
– كلمتها ، كويسة بس مش مبطلة عياط ، نفسي تخرج من الحالة اللي هي فيها دي ، خايفة عليها أوي .
نهشه قلبه من أجلها فهو بات يلاحظ حزنها وضعفها مؤخرًا لذا تحدث بضيق ملوحًا بيده :
– ماتكلميه يجيبها يا نسرين تقعد في وسطنا الفترة دي ، يمكن تتحسن.
نظرت له بقلة حيلة ثم تحدثت :
– كلمته يا بهجت مارضيش ، إنت عارف إنه متعلق بيها ومش هيقبل تيجي تقعد هنا وتسيبه .
تحدث مازن يلقي ملاحظته :
– بس بصراحة يا بابا أنا ماكنتش متوقع إن خالد هيعرف يتعامل مع حالة خديجة دي ، يعني آخر مرة كانوا هنا واتعصبت عليه أنا قلت إنه ممكن يحتد عليها بس هو فاجئني .
بالطبع كانت مفاجأة حينما احتدت خديجة على ماركو أمام عائلتها في آخر زيارة لهما حيث طلبت منه المبيت هنا ولكنه رفض لتغضب ويعلو صوتها فجأة تخبره كم هو يخنقها ولم تعد تشعر معه بالراحة ولكنه تقبل حدتها بل وكور وجهها يقبل رأسها ويخبرها بهدوء أنه لن يحتمل النوم بدونها .
تذكر بهجت هذا الأمر وبالفعل وجد أن مازن محقًا ، هو الآخر تعجب من حدة ابنته التي لم تكن يومًا جزءً من شخصيتها ، وتعجب أكثر من تفهم خالد الذي لم يكن يتوقعه ولكنه ما زال يراه عابثًا مبتعدًا عن الالتزام .
تحدثت نسرين بنبرة هادئة :
– دي مش طبيعة خديجة ، طول عمرها عاقلة وحنينة وبالذات مع خالد بس هي يا حبيبتي بتمر بحالة صعبة ولازم كلنا نفهمها ونكون حواليها والحمد لله إن خالد قادر يحتوي التغيير المؤقت ده .
❈-❈-❈
في المشفى
وداخل غرفة واسعة
يجتمع كلٍ من مايا وعمر وآسيا وخديجة وخالد حول نارة التي تجلس على السرير ويجاورها صقر يحمل صغيرته بحبٍ صافٍ وسعادة .
يتبادلون أطراف الحديث سويًا وقد اندمجت معهم خديجة قليلًا حتى أنها ضحكت من قلبها كما الجميع على مناغشات زوجها وصقر حول الصغيرة .
صقر يدافع عن ابنته بكل ما أوتيه من حبٍ وماركو يخبره أنها ستكبر وتتزوج وتحب زوجها أكثر منه ولو كان أنجب ولدًا لكان الوضع مختلفًا .
يتباهى بأنه سينجب ولدًا لذا تساءلت آسيا وهي تنظر نحو خديجة بحنو :
– يعني عرفتوا نوع البيبي يا ديجا ؟
هزت خديجة كتفيها بقلة حيلة وتحدثت بتنهيدة عتاب تقصد بها زوجها العبثي :
– لاء لسة ، مش عارفة هو جاب الثقة دي منين .
نظر لها حيث كان يجاورها وحدق في عينيها قائلًا بعبث :
– سيأتي صبي يا خديجة صدقيني ، انظري إلى هذا البارد أنجب فتاة لذا فمن المؤكد أنا سأنجب صبي .
ابتسمت نارة وتحدثت بترقب ويد صقر تعانقها واليد الأخرى تعانق صغيرته :
– طب إيه رأيكوا لو تعرفوا دلوقتى نوع الجنين ؟ ، الدكتورة بتاعتي موجودة هنا وممكن أكلمها تفحصك يا ديجا إيه رأيك ؟
– بالطبع تحدثي معها يا زوجة أخي .
نطقها ماركو بحماسٍ شديد لتطالعه خديجة بلوم وتقول بتريث وتوتر :
– مالوش لزوم يا نارة ، أنا وخالد هنبقى نعدي على الدكتورة بتاعتي .
يعلم أن هذه فرصته وهو يلاحظ تحسن حالتها المزاجية الآن لذا استغل الفرصة وحدثها بنبرة ترجي :
– هيا خديجة هذا هو الوقت المناسب ، سنعرف نوع الصبي ونعود على الفور .
ضحكت آسيا عليه وتحدثت مؤيدة تشجع خديجة :
– قومي يا ديجا روحي مع خالد حرام يستنى كتير ريحي قلبه .
تنهدت بحرج ثم وقفت توميء وابتسمت لنارة التي أخبرتها أنها ستهاتفها على الفور لتتحرك مع خالد نحو الخارج ويجلس الجميع متعجبين من فرط حركة وحماس هذا العابث .
عدة دقائق أخرى وها هي تتمدد على سرير الفحص والطبيبة تفحصها بدقة وماركو ينتظر متأهبًا حتى أنه حبس أنفاسه ينظر نحو فم الطبيبة منتظرًا لحظة تفوهها بنوع الجنين الذي هو بالتأكيد صبي .
ثوانٍ مرت عليه حتى التفتت الطبيبة تطالعه وابتسمت قائلة بهدوء :
– مبروك ، الجنين ولد .
جحظت عيناه ونظر لخديجة التي طالعته بابتسامة وعيون لامعة فأسرع إليها يضمها بقوة متناسيًا رحمها والسائل اللزج الخاص بالكشف والذي التصق بحلته ولكنه لم يبالِ بأي شيءٍ سوى التعبير عن سعادته ، كان يعلم أنه صبي .
بادلته العناق فها هو خبرًا يأتي من بين الأحداث المزعجة ليجعلها تسعد قليلًا .
ابتعد عنها لتجد عيناه لامعة والابتسامة أفرجت عن شفتيه وأظهرت أسنانه فبات وسيمًا تشع السعادة من نوافذ وجهه كاملةً .
سيأتيه الصبي الذي تمناه وسيحظى بحياة جديدة معهما ، حسنًا تراوده الآن طاقة قوية بشعور الأبوة لذا فهو ينتظر مجيئه بفارغ الصبر .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
اختتمت صلاتها وجلست على سجادتها تشكر ربها وتناجيه ، تدعوه أن يصلح قلب زوجها ويهديه ، تدعو بكل ما تتمناه وأخيرًا تنهدت ودعت لأهل غزة من صميم قلبها قائلة وعيناها تذرف الدموع :
– اللهمَّ إنّا لا نملك ل أهلنا فى غزة وفلسطين إلا الدعاء فيارب لا ترد لنا دعاء ، ولا تخيب لنا رجاء
وأنت أرحم الراحمين
اللهمَّ إنّا نعوذ بك ياالله من هذا العجز ونحن نرى إخواننا يُقتلون ويُشرّدون ولا نستطيع صرفًا ولا دفعًا ولا وصولًا إليهم
اللهمَّ أنت ربّ المستضعفين وأنت ربنا
اللهمَّ كُن لإخواننا في فلسطين وغزة عونًا ونصيرًا
وبدّل خوفهم أمنًا .. بعزتك وقدرتك ياذا الجلال والإكرام
اللهمَّ اجعل لأهل فلسطين وغزة النصرة ، والعزة ، والغلبة ، والقوة ، والهيبة
اللهمَّ انصر أهل غزة وفلسطين وثبت أقدامهم
اللهم اجبر كسرهم ، واشف مرضاهم
وتقبل شهداءهم برحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم رد إلينا فلسطين والمسجد الأقصى ردًا جميلًا،
اللهم اجبر ضعفهم ف ليس لهم سواك.
اللهُم كُن لأهل غزة عونًا ونصيرًا، وبدّل خوفهم أمنًا وصبرًا،
اللهم احفظ أهل غزة بعينك التي لا تنام وأجرهم فيمن ظلمهم وخذ بثأرك منهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك يالله
اللهم تقبل شهدائهم برحمتك يا أرحم الراحمين،
اللهم إنا لا نملك لغزة إلا الدعاء فيارب لاترد لنا دعاء ولاتخيب لنا رجاء،
وصل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
‏”يَا لطٍيفًا فِي الأزَلْ، يَا لطِيفًا لمْ يَزَل؛ الطُف بِهِم فِيمَا نَزَل”.
“لا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم”
” أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ”
مسحت بيديها على وجهها تأمن والدموع تنهمر بلا هوادة لذا نهضت بعدها تتجه نحو الحمام لتغسل وجهها .
عادت لتجد ماركو قد عاد من الخارج يطالعها بسعادة ويبتسم متسائلًا عن حالها وهو يقترب منها :
– كيف حالك يا شهية ؟ ، هل تأخرت عليكِ ؟ .
ابتسمت له حينما أخذها في حضنه وقبل رأسها كترحيب لتربت على ظهره بيدها مستمتعة باحتوائه قبل أن تفتح عينيها تنظر له ولكنها تجمدت حينما لاحظت شيئًا ما نقش على ذراعه وتحديدًا عند وتينه .
صدمة سمرتها مكانها ولكن يدها تحركت تتمسك بيده وتنظر بثقب نحو ما تراه .
وشمًا طبعه على شريانه عبارة عن حروفٍ أجنبية مرتصة بالطول لتكون اسم ( أدريان )
رفعت أنظارها إليه ببطء تطالعه بخيبة وتساءلت وهي تعلم :
– إيه ده ؟
يعلم جيدًا أن ما فعله سيحزنها ولكنه أراد أن يعبر عن فرحته القصوى بطريقته التي اعتاد عليه لذا ابتلع لعابه وتحدث وهو يبعد ذراعه عنها :
– هذا وشم صغير يا خديجة لا تضخمي الأمور ، وشم باسم صغيري أدريان .
حدقت به بعدم تصديق ، لثوانٍ تطالعه كأنها تنظر لشخصٍ لا تعرفه بينما هو يقف أمامها عاجزًا عن الدفاع عن نفسه بعدما جردته نظراتها وعقدت لسانه لتنطق بعد صمتٍ أرهقها فوق إرهاقها أضعافًا :
– إنت عايز توصلني لفين تاني ؟ ، بتعمل كدة ليه ؟
قطب جبينه متعجبًا ومط شفتيه يجيب :
– تبالغين كثيرًا ، هذا وشم صغير انظري جيدًا .
لم تعد تحتمل استهتاره وهدوءه لذا احتدت نظرتها ونظرت له شزرًا تقول بغضب :
– أبالغ إيه وزفت إيه ؟ ، إنت بتعمل إيـــــــــه ؟ ، وشم إيه اللي رايح تعمله وإنت عارف ومتأكد إن ده حرام ؟ ، بتعبر عن فرحتك بالحرام ؟ ، بتعمل ليه كـــــــــــدة في نفسك وفيا ، حرام عليــــــــــك كـــــــــفايــــــــــة بقى .
صدم من انهيارها لذا أسرع يقترب منها يحاول تهدئتها ولكنها نفضته وابتعدت خطوتين عنه تصرخ به بنفاذ صبرٍ وقهر وهي تطالعه بعيون ثاقبة وتحذره بسبابتها :
– ابعد عني ، إنت عمرك ما هتتغير ، ناقص إيه تاني علشان تتغير ؟ ، محتاج تشوف إيه تـــاني ؟ ، كل محاولاتي معاك فشلت ، طيب على الأقل بص حواليك ، بس اللي بيحصل في غزة ، اتعلم حاجة منهم ، إنت عايش في عالم موازي مش حاسس بأي شيء غير نفسك ، أنت مش بتحب غير نفسك وبس ، حرام عليك أنا مابقتش مستحملة .
وقف أمامها مجردًا من كل شيء ، تعريه أمام نفسه وأمامها ، لأول مرة يوبخه أحدهم بهذا الشكل ويعجز عن الرد وكيف يرد وهي ليست كغيرها بالنسبة له والرد عليها سيؤلمه أضعاف ما يؤلمها لذا فهو ساكن يستقبل منها ما تقوله بصمت .
حينما لم يرد وفقط يطالعها أبعدت نظراتها عنه واتجهت تجلس على مقعدٍ مجاورٍ وتبكي وتتابع بحزنٍ :
– ضيعت فرحتي في لحظة ، كان فيه مليون طريقة نفرح بيها ونفرح غيرها بالخبر ده بس إنت اخترت طريقة غلط وعارف إنها حرام وعارف ومتأكد إنها هتزعلني ، كل مادا بتأكد لي إنك فعلًا بتحب نفسك مش بتحبني يا خالد .
لم يحبها ؟ ، هل تتهمه الآن بعدم حبه لها ؟ ، هل تخبره بأنه لا يحبها هكذا بكل بساطة ؟ ، كل هذا لمجرد وشمٍ صغيرٍ باسم ابنه ؟
مجددًا وقف كما هو عاجزًا عن الرد ، باستطاعته الرد ولكن الصمت الآن هو أفضل رد على حديثها المدمر هذا .
يشعر بالاختناق ، يشعر أن يدًا تلتف حول عنقه وتقبض عليه بقوة ، يشعر بجسده يحترق وإن ظل هنا لثانية ستتحول هذه الغرفة إلى أشلاء لذا على حين غفلة منها اندفع يغادر الغرفة والفيلا بأكملها وتركها تجلس باكية تعيد حديثها له على قلبها الذي دومًا يحن له .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى