روايات

رواية هجران رحيل الفصل الثالث عشر 13 بقلم شامة الشعراوي

رواية هجران رحيل الفصل الثالث عشر 13 بقلم شامة الشعراوي

رواية هجران رحيل الجزء الثالث عشر

رواية هجران رحيل البارت الثالث عشر

هجران رحيل
هجران رحيل

رواية هجران رحيل الحلقة الثالثة عشر

بعد عدة أشهر وفى وقتٍ متأخر من الليل الساكن، كان هناك طرقات خفيفة تدق على الباب، فجعلت ذاك الشاب ينهض من فراشه الدافئ بخمولٍ وكسل، فهذا حاله كل ليلة فهو يعلمُ من صاحب تلك الطرقات المزعجة التى تُوقظهُ من أجمل نومة، أعتدل فى جلسته لينظر إلى ساعة الحائط ليجد الوقت أصبح الرابعة فجراً، فقام بالاتجاه نحو الباب وهو يفرك جفن عيناه من أثر النوم، ما لبث الطارق إلا ثوانٍ وفُتح الباب على مسرعه، فتبسم ثغر “مروان” حين رأى “رحيل” تقف أمامه والتى تبدو كالأطفال بتلك التسريحة، فهى صفصفت شعرها كأذن القطة، ترتدي ثوب وردى فضفاض يساعدها فى الحركة أكثر أثناء حملها، اتكأ على الباب وضم كلتا يديه ليقول:
– خير يابلونة ايه اللى مصحيكى فى الوقت ده؟.
زمت شفتاها إلى الأمام بتذمر وقالت محذرة:
– ماتقوليش بلونه فاهم.
ضحك “مروان” بخفة على لهجة حديثها اللطيفة، وقال بلين:
-فاهم ياستى عايزة أى أنتى دلوقتى.
رمشت بعيناها عدة رمشات متتالية ثم دنت من أذنيه وقالت هامسه:
-عايزة أكل بطيخ حالا.
افترّ فاه “مروان” بذهولٍ فقال مندهشاً:
-أنتى جاية تهزرى صح….قولى أنك جاية تهزرى!.
تبسمت “رحيل” ببراءة وقالت برقة:
– تؤ مش جاية اهزر يامرمر وبعدين أنا نفسي فيها أوى.
تحدث “مروان” قائلاً :
– انتى ياماما نفسك فى حاجات مش فى موسمها أصلا وبعدين حرام عليكى الساعة أربعه الفجر حد يصحى حد فى وقت زى دا ويقوله نفسى فى بطيخ.
قامت “رحيل” بطرقعة أصبعها وهى تقول بلطف:
– ايوة وعيزاها حمراء.
– حمراء، وكمان بتتشرطى.
-وأنا مالى هما اللى نفسهم فى كدا مش أنا، وبعدين يامروانى عايز العيال يطلع ليهم وحمة بطيخة فى وشهم، وبعد كدا لما يكبروا صحابهم يتريقوا عليهم ويقولوا روح يأبو بطيخة تعالى يأبو بطيخة يرضيك يحصل كدا لأولادي.
تفوه “مروان” ساخراً :
-لا أزاى ميصحش.
ثم أشار إليها بأصبعه إلى خارج الغرفة باتجاه الممر المؤدى إلى غرفتها الخاصة، وقال:
-بصى أنتى دلوقتى تروحى تنامى تمام وأنا كمان هروح هنام والصبح أول ما اصحى هعملك اللى عيزاه اتفقنا.
أردفت الأخرى بعبوس فقالت:
-لا أنا عايزة دلوقتى حالاً بطيخة وتكون حمراء.
-أنتى مش واخده بالك من أن الوقت متأخر ولا أى، وبعدين اصلآ هلاقيلك البطيخة فين دلوقتى الناس قافله محلاتها.
رفعت كتفها إلى الأعلى قليلاً دليلاً على عدم معرفتها فقالت بعند:
-معرفش اتصرف بقى يامروان وإلا مش هيحصلك كويس.
أردف “مروان” بقلة حيلة لتنفيذ أوامرها:
-طيب يارحيل روحى أوضتك وأنا هنزل أدورلك على أم البطيخة ولو لاقيتها هجبلك ماشى.
افترّ ثغرها بابتسامة عريضة مشعة بالسعادة:
-ماشى بس ما تتأخرش عليا ياعسل.
ضحك “مروان” بخفة وقال:
-مصلحجيه أنتى ياريرى.
-طبعاً أومال أنت فاكرني اي.
بعد حوالى ٣ ساعات جاء “مروان” من الخارج يحملُ بين ذراعيه فاكهة البطيخ بعد ما عثر عليها بصعوبة بالغة، فجلس بجانبها وهو يضعها على الطاولة وقال بأرهاق:
-خدى ياست رحيل البطيخة الحمرا بتاعتك أهى يكش نهمد شوية.
أشاحت وجهها عنه وقالت ببرود:
-مش عايزة.
قطب “مروان” جبينه ليتسأل:- ليه بس .
أردفت باللامبالاة فقالت:
-لان خلاص مابقاش نفسي فيه.
تحدث “مروان” بضيقٍ وازعاج فقال منفعلاً:
-يعنى ايه مبقاش نفسك فيها دا أنتى مصحيانى من الساعة اربعه علشانها، وعمال الف على كعوب رجليا فى الشوارع وفى المحلات علشانك وبعد ما الاقيها تقولى خلاص ماليش نفسي.
فقامت “رحيل” برفع إحدى حاجبيها بإغاظة وقالت:
-عملك ايه ما حضرتك اتأخرت عليا أوى وأنا بقالى ٣ ساعات مستنياك.
أوشك “مروان” على البكاء فقال بقلة حيلة:
-لا بجد حرام أنا تعبت كل يوم بتتوحمى ع حاجه شكل.
تحدث الجد هذة المرة وهو يربت على ذراعيه فقال:
– معلش يابنى سيبك منها دى واحدة مفترية وقادرة.
أمسك الفاكهة بيده ليجذب السكينة من إحدى الأطباق وهو يقول:
-تصدق عندك حق، أنا هسبني منها وهأكل البطيخة بدلها وتبقى تقابلني لو جبتلها حاجه تانية بعد المرمطة اللى شوفتها.
فقام بتقطيعها إلى مثلثات صغيرة ليتذوق طعمها بنغمٍ شديد، فبتلعت الأخرى ريقها حين نظرت إليه، فقال هو بتلذذ:
-واو طعمها حلو اوى ومسكرة، صمت لوهلة ثم أضاف حين مد يديه بقطعة إلى الجد فقال:
– خد ياجدو كُل هتعجبك طعمها، وهتلاقيها بدوب فى بوق دوب.
وضعها الجد فى فمه فعجبه المذاق ليقول:
– تصدق طعمها حلو فعلاً وكمان مسكرة.
حدقت “رحيل” بطبق الفاكهة فاغرتها هيئة البطيخة المقطوعة لتبلل فاهها، فقامت بالاقتراب من “مروان” ومازال بصرها مسلط على الطبق، فقالت برقة بالغة:
– بقولك ايه يامروانى ممكن تديني واحدة ادوقها.
-لا مفيش خلاص شطبنا.
قامت بضربهِ بخفة على ذراعيه وقالت منزعجة:
-متجيب واحدة بقى متبقاش بارد وبعدين أنا اللى طلباها.
حرك الأخر حاجبيه بتلاعب ليقول مازحاً:
– وأنا اللى هاكلها وبعدين مش أنتى قولتى خلاص مبقاش نفسك فيها، اشمعنى دلوقتى احلوت فى عينيك لما شوفتينى بأكلها.
تفوهت “رحيل” بحده قائلة:
-هتجيب ولا لأ.
أجابها “مروان” بنبرة متلاعبة:- لا.
-بقى كدا طيب أنت اللى جبته لنفسك.
ثم قامت بالانقضاض عليه كالوحش المفترس وجذبت الطبق من بين يديه بقوةٍ أثارت دهشته، لتبدأ بمضغ قطع البطيخ بطريقةٍ مسرعةٍ وكأنها لم تأكل منذ زمن.
حدق بها “مروان” ليقول منصدماً:
– ياما ياما فى أى أنتى اتسعرت ولا أى يارحيل، ما براحة ياحبيبتى مش كدا اللى يشوفك يقول علينا أننا حرمينك من الاكل.
-مالكش دعوه بيا يابارد.
تحدث “قاسم” باسماً:
-محدش له دعوه بريرى تأكل زى ما هى عايزة.
عندما سمعت تلك المقولة أخرجت لسانها بإغاظه “لمروان” الذى ضحك عالياً وقال بمرح:
-وربنا طفلة مش عارف ازاى أنتى بعد كام يوم هتبقى أم لا وايه لطفلين مش لطفل واحد.
نظرت إليه “رحيل” بخوفٍ وقلقٍ، فكلما اقترب الموعد شعرت بانقباض قلبها وكأنها مُقبلة على الموت، فقد مرت بأوقات عصيبة خلال فترة حملها مما جعلها تُعانى من كثرة الألم، ولكن الألم التى شعرت به لا يساوى ألم الولادة الذى هو أشد وأقوى ألم بالجسد.
نظرت نحوها “فاطمة” نظرات مطمئنة لتبث بداخلها الهدوء، فقالت: -متخافيش ياحبيبتى الموضوع بسيط مش زى ما أنتى متخيلة.
-بجد هيبقى بسيط ياماما.
أردفت الأخرى ببسمة ودودة:
-أه ياقلبى وبعدين هما شوية وجع بسيط ولما تشيلى ولادك فى حضنك هتنسى كل حاجه وهتبقى الفرحة مش سيعاكى.
**********************************
فى غرفة المعيشة كان اليوم إجازة للجميع من العمل، فبدأ “أدهم” يسترسل حديثه موجه إلى عمهِ:
-عمي حمزة عايز احدد موعد فرحي أنا نور.
-بس يابنى لسه بدرى.
أجابه الآخر برزانة فقال:
– ملهوش لازمة التأجيل أكتر من كدا ياعمي، وبعدين هو حضرتك قلقان منى فى حاجه ولا مش واثق فيا، أصل كل لما أفتحك فى موضوع الفرح تأجله.
رد “حمزة” نافياً :
-لا يابنى أنا لو كنت قلقان أو خايف منك مكنتش وافقت بأنك تخطبها من الأول.
تنهد “أدهم” بارتياح ثم قال راجياً:
-بما أنك مش رافض، نحدد يوم الفرح وأهو خير البر عاجله.
التفت “سليم” إليهن وقال موافقاً:
-أنا من رأيى أن كفاية تأجيل لحد كدا خليهم ياحمزة يتجوزوا ويدخلوا الفرحة للبيت.
-خلاص اللى أنت شايفه ياخويا، كلمتك هى اللى هتمشى حدد أنت اليوم وأنا عليا الباقي.
صمت “سليم” لوهلة ثم أكمل قائلاً:
– خلى الفرح الأسبوع الجاى يوم الخميس ايه رأيك.
-موافق.
فقام الآخر بتوجيه بعض الكلمات لابنه:
-خلاص يبقى ع خيرت الله، شوف هتعمل ايه ياأدهم وجهز الترتيبات أنت وأخواتك.
تهلل أسارير وجهه بالفرحة والسعادة فقال باسماً:
– حاضر يابابا.
بينما “مازن” أشار لوالده حتى ينتبه إليه ثم قال متسائلاً:
-طب وأنا ايه مش ناويين تجوزوني ولا ناوييين تخللوني جنبكم.
تحدث “هشام” مشجعاً:
-اه وأنا كمان عايز اتجوز بقى واستقر كفاية لحد كدا أنا كدا بقيت عانس وباير.
تبسم فاه “حمزة” الذى قال:
-طب ما تتنيلوا هو حد حاشكم.
تحدثت “حنان” بطيبة قلب فقالت بلطف:
– قولولي بقى أنتم حاطين عنيكم ع حد معين ولا احنا ندورلكم ع عروسة مناسبة.
رد “مازن” قائلاً:
-لا ياعمتو أنا عندي العروسة بس أنتم عندكم الفرح.
وضع “مراد” فنجان القهوة من يده، ثم قال بنبرة لعوبة:
– وياترى اللى فى بالي ولا واحدة تانية.
أجاب “مازن” مستكشفاً حديثه فقال:
-ومين بقى اللى فى بالك.
اتكأ “مراد” على الأريكة بأريحية ثم وضع كلتا يديه خلف رأسه وقال:
-ما أنت عارف ولا تحب أقولهم اسمها ايه وهى مين.
فأردف “سليم” متسائلاً :
-مين دى يامراد هى واحدة نعرفها؟.
-نعرفها اوى.
تحدث “أدهم” متعجباً:
-وتطلع مين هى !.
افترّ فاه “هشام” مندهشاً ليقول:
– سوزى لا متهزرش أنت ملقتش غير دى وعايز تتجوزها.
ضحك “مراد” عاليا من تعقيبه ليقول:
-لا مش سوزى واحدة تانية.
-أومال مين حيرتنى معاك.
-هو هيقولك ماهو ملزمها طول الوقت وقاعدة فى وشه ٢٤ ساعة.
تبسم “أدهم” عندما علم من تكن هى فقال:
-خلاص أنا عرفت هى مين يازين ماخترت يامازن، أول مرة تختار حاجه عدلة فى حياتك.
تحدث “سليم” قبل أن ينفذ صبره فقال:
-هو أنتم هتفضلوا تتكلموا بالالغاز.
أجابه “مازن” قائلاً :
-سيبك منهم يابابا أنا هقولك الصراحة، هى فى واحده معايا فى الشغل بحبها وعايز أتقدم ليها.
تفوهت “صفا” بنبرة ودودة:
– مين دى ياحبيبى واحنا نروح نخطبها ليك.
-ندى ياماما صحبة رحيل ونور.
بينما والده قال بلطف :
– ندى بنت كويسة جدا ماشاء الله عليها، خلاص معنديش مانع ابقى هات رقم باباها اكلمه واتفق معاه ع ميعاد نروح نقبله فيه.
أردف “مازن” بعدم تصديق فقال:
-بجديابابا يعنى أنت موافق.
– اه ياحبيبى موافق ودلوقتي بقى فى فرحتين فى البيت عقبال هشام ومراد.
أغمض جفنه واخفض رأسه أرضاً بحزنٍ وألمٍ واشتياقٍ حين تذكر تلك الفتاة التى سلبت قلبه الذى أصبح متيماً، فادمعت عيناه حزناً من هذا الفراق لينهض من مكانه ليستأذنهم للخروج، فلما خرج نظر والده لأثره بحزن وهو يعرف ما يشعر به.
انسدل الليل بستائرهِ بألوانها السوداءِ المخمليةِ، ويُقبل القمر مختالاً مرتدياً عباءته الفضية، حيث أوت الطيور إلى أعشائها لتحضن صغرها برفق وحنية، ويزحفُ الصمتُ بخطاهِ الواثقة، وفى مكانٍ مرموق وهادئ على شاطئ النيل، وصل لمسمعها صوتٍ جعل ضربات قلبها تعزفُ على أوتار حبها، فلما استدارت بجسدها لتنظر خلفها وجدته واقفاً بطلته المبجهة يحملُ بين يديه باقة من الورد الجوري ليعطيها أياه بكل حب وحنية، ثم قال:
-تتجوزيني ياندى.
زاددت ضربات قلبها التى كادت تخرج من بين قفصها الصدري، فقالت مندهشة:
-أنت قولت ايه.
تحدث “مازن” بوجه طلق مُشع بالبهجة والسرور:
-قولت تتجوزيني ياندى.
جلس بجانبها على المقعد وأمسك يدها ليقبلها برفق ليكمل حديثه بحب:
-أنا بحبك ومش عارف حبيتك امتى وازاى بس من اول يوم شوفتك فيه لما كنت هخبطك وأنتى فضلتى معلقه معايا ولما جيتى اشتغلتى معايا فى الشركة قربت منك واتعلقت بيكى اكتر وكل لما بشوفك قلبى بينبض جامد بعدها اكتشفت فعلا أنى بحبك وأني مقدرش ابعد عنك أبدآ وعلشان كدا أنا عيزك تبقى مراتي وحلالي موافقة تتجوزيني ونكون أسرة.
امتلأت عيناه بالدمع من فرط السعادة فحلمها أوشك على التحقيق، فقالت متأثرة:
-أنت بتكلم بجد يامازن.
ضحك الأخر بخفة:
-لا بلعب معاكى.
-بطل برود بقى.
تحدث “مازن” متبسماً :
-أنا بحبك وبعشقك وعايز أتجوزك يابت قولتى ايه بقى.
ضحكت “ندى” بخفة ثم قالت بنبرة لعوبة:
-لا ياقلبي مش كدا أنت تعمل زى بتوع الراويات وتنزل تركع ع ركبتك وبعدها تطلب أيدى وتقولى بحبك وعايز أتجوزك.
بينما هو ضربها بخفة على رأسها وقال باسماً:
– عارفة ايه اكتر حاجة بحبها فيكى.
أجابته “ندى” بابتسامة عريضة:
-ايه يامازن.
– هبلك ياقلب مازن.
رفعت حاجابها الأيسر بضجر وقالت:
-نعم ياخويا.
-اسكتى ياندى الله يرضى عنك ايه شغل الراويات واركع ومتركعشى فى حاجات تانية يابت احلى.
– حاجات ايه يافليسوف زمانك.
أشار “مازن” بيده إلى السماء فوقهم ليقول:
– بصى فوق كدا.
لحظات وانطلقت العاب نارية لتضيئ السماء بأنوارها المتعددة محتواها.
“بحبك ياندى تقبلى تتجوزيني ♥️”
رفعت بصرها للأعلى بفرحة وسعادة والدموع تغرق عيناها، فأتاها صوته قائلاً:
-ها ياندى قولتى ايه.
تفوهت الأخرى بابتسامة واسعة لتقول بنبرة فارحة:
– قولت بحبك وموافقه أتجوزك يامجنون.
تبسم ثغره بحب ليقول بصوت عالٍ:
– بحبك بحبك ياندوش قلبي، واخيراً وافقتى وهتبقى مراتى وكل دنيتى.
-بحبك ياميزو.
أمسك راحت يدها برفق ليقول باسماً:
– طب يلا نمشى بدل ما يمسكوني بفعل فاضح.
-يلا يامجنون
-مجنون بيكى ياحب.
واليوم التالى
كانت “رحيل” جالسة بحديقة القصر، تحمل بيدها طبق مليئ بالمسكرات، فأردف “آدم” الابن الثانى “لقاسم” وهو يحاول أن يأخذ بعض حبات اللوز قائلاَ:
-يابنتى والله الطبق مش كله ليكى لوحدك أنا كمان ليا فيه.
-لا ياعسل ملكش فيه وبعدين مش أنا اديتك واحده يبقى كفاية عليك كدا.
قطب جبينه بأنزعاج ليقول بضيقٍ:
-هو ايه اللى كفاية عليك كدا، دى واحده بس يارحيل علشان خاطرى خلينى أكل معاكى أنتى عارفه أنا بحب اللوز قد اي.
تحدثت “رحيل” متأثرة:
– تصدق أنت صعبت عليا خلاص هديك واحده كمان خد.
نظر إلى راحت يديه برفع حاجب، وقال:
-يابت يابخيلة واحده بس ودى أعمل بيها أى اسلك بيها سناني.
رددت الأخرى باللامبالاة:
-وأنا مالى اعمل اللى تعمله بيها.
– طب بصى ايه رأيك نقسم الطبق أنتى واحدة وأنا واحدة شوفت حلو أزاى أهو كدا عدل.
تحدثت “رحيل” وهى تبتسم برقة ثم قال بنبرة طفولية:
– طب بص هقولك على حل أفضل أنت تاخد واحدة تمام.
أجابها “آدم” بأنصات شديد:
-تمام وبعدين.
-وأنا اتنين ايه رأيك مش كدا احلى يادومى.
صاح الأخر وهو يشد شعره بنفاذ صبر :
-يارب صبرنى يابنتى أنتى بقيتى عامله زي الفيل أبو زلومه وبعدين ايه النصب دا قال أنا اتنين وأنت واحدة.
بينما هى وضعت يديها على موضع بطنها المنتفخة لتوجه حديثها إلى “مروان” فقالت بحزن:
-مروانى هو أنا بقيت فيل بزلومه.
تبسم “مروان” بابتسامة حنونة فقال بلطف:
– لا ياحبيبتى أنتى قمر سيبك من المتخلف دا.
– والله أنت اللى قمر ومفيش منك اتنين.
تحدث “آدم” قائلاً:
-ايوه اقعدوا طبلوا لبعض .
ثم اقترب منها ليجذب الطبق من يدها، لتدفعوا بعيداً عنها وقالت محذرة:
-شيل أيدك لتوحشك ياعسل.
جلس مكانه وقال متوسلاً:
– طب وحياة عيالك ياشيخه اكلينا معاكى.
-خلاص أنت هتشحت خد كل ومسمعش صوتك تانى فاهم.
-فاهم ياوحش الكون.
فى بيت والد “ندى” ولجت إليهن بأطالة مبهجة بأعين ملتمعة بالسرور والتفاؤل، ترتدي ثوب أسود ذو أكمام شفافة يصل إلى كاحلها، تبسمت الفتاة فى حنو بالغ فأضاءت ابتسامتها وجهها كالقمر، فجلست بجانب والدها باستحياء، بينما “مازن” شعت عيناه فرحاً وأعجاباً من جمالها الآخاذ، جاءت إليها صديقتها فقالت بود:
-اهدى ياقلبى وبلاش توتر.
رددت “ندى” بحياء قائلة:
-أنتى مش شايفة بيبصلي أزاى.
ضحكت “نور” بخفة لتقول مازحة:
– والله وجه اليوم اللى شوفتك فيه تحبى وخدودك تحمر بالشكل ده، أنا كنت فاقدة فيكى الأمل خالص مين كان يصدق ندى أم لسان طويل وكانت جعفر فى نفسها قاعدة هادية ورقيقة، أنا مش واخده عليكى وأنتى كدا ياندوش.
-طب اسكتى بدل ما اقول اطلع جعفر فعلا عليكى.
-خلاص ياختى سكت اهو.
فقام “سليم” ببدء حديثه فقال بهدوء:
-طبعا أنت عارف ياأبو ندى احنا جاين ليه.
-طبعا عارف.
-تمام بحيث كدا أنا اتشرف واطلب ايد الآنسة ندى لابنى مازن.
تحدث والد العروسة بنبرة ودودة فقال:
-طبعا يشرفني أناسب حضرتك ومعنديش مانع، أنا مش هلاقي حد احسن من ابنك مازن لابنتى بس اسمع موافقتها الأول فالأمر يرجع ليها.
ثم وجه نظره لابنته وقال باسماً:
– ها ياحبيبتى رائيك ايه موافقة ولا لأ.
طأطات “ندى” رأسها خجلاً لتجيب برقة:
-اللى حضرتك تشوفه يابابا.
– يبقى على خيرة الله.
تحدث “سليم” مسترسلاً:
-خلاص نقرأ الفاتحة دلوقتى وبعدها نبقى ننزل نشترى ليهم الدبل فى الوقت اللى تحبوه.
وفى هذا الأثناء أخرج “مازن” من معطفه علبة قطيفة ليقول بسعادة:
-وأنا معايا الدبل نلبسها دلوقتى يلا.
ضحك الجميع على فعلته تلك فقال والد العروس:
-دا أنت عامل حسابك بقى.
– طبعا ياعمى أنا مجهز كل حاجه.
-ماشى يابنى نقرأ الفاتحه ولبسها دبلتك.
بعد قراءة الفاتحة دن منها ليضع فى اصبعها خاتم من الماس الخالص، ثم همس بحب:
-مبروك عليكى دبلتى ياندوش.
-الله يبارك فيك.
بينما “سليم” قبل رأسها وقال بحب أبوي:
– الف مبروك ياحبيبتى ربنا يتمملكم ع خير.
اجابته بحياء قائلة:
-الله يبارك فيك ياعمو.
بارك لهما الجميع بكل حب وفرحة، فنظر إليها “مازن” بعشق جارف وقلب نابض.
سيأتي شخص يحبك كما أنت، يُحبك لتفَاهتك لعصبيتكَ ، لمزاجَك المُتقلب ، لَبُكائك عَلي أشياء لا تَستحق البُكاء شَخص يُحبك لرَوحك، شَخص يَفهمك ، شخص يُحب وجودك لا يستَطيع تَحمل غيابك، شَخص يُحبك كما أنتَ بعِيوبك قَبل مُميزاتك وهَذا الشَخص سَوف تَجده عاجلاً امَ اجلاً ولكَنهُ سَيأتي ♥️
جاء اليوم الموعود
اقترب “حمزة” من غرفة ابنته لينظر إليها بابتسامة عريضة ارتسمت على محياه، ليلتمع بريق عيناه بالدمع، حين شاهدها بفستانها الأبيض الرقيق المتناسق معها، بينما هى توجهت نحوه بخطوات بطيئة، فلما وقفت مقابله عانقته بقوة، فأتاها صوته الباكى:
-أنا مش مصدق أنك كبرتي يانور وبقيتي عروسة و هتتجوزي، بجد لحد دلوقتى ياحبيبتى مش مصدق.
ثم ابتعد عنها قليلاً ليقول باسماً:
– الف مبروك ياروح أبوكى ربنا يسعدك ويفرح قلبك دايما يابنتى.
-الله يبارك فيكى ياحبيبى ربنا يديمك ليا يااحلى أب فى الدنيا.
جاء شقيقها ليقبل مقدمة رأسها بلين ثم قال بنبرة ودودة:
– مبارك عليكى جوازك ياغالية.
تبسمت “نور” بابتسامة مشرقة أضاءت وجهها فقالت:
– الله يبارك فيك ياابيه عقبالك.
تنهد بهدوء ثم أضاف مازحاً:
– لو الواد أدهم زعلك فى يوم تعالي قوليلي وأنا هروقه ع الاخر اتفقنا.
– اتفقنا ياحبيبى.
وفى هذا الأثناء أردف والدها بمرح:
-طب يلا علشان عريسك مستنى تحت بدل مايقوم يطلعنا هنا.
ضحكت بخفة ثم تبطأت ذراع أبيها وشقيقها بسعادة غامرة.
تحركوا إلى الأسفل فقام والدها بتسليمها إليه وهو يُلقى عليه بعض التحذيرات والنصائح أيضاً، فلما دن منها قبل كلتا يديها ثم قال منبهراً :
-تبارك الرحمن طالعة قمر يانور بالفستان الأبيض.
رددت الأخرى بحياء فقال برقة بالغة:
– وأنت كمان ياأدهم طالع شكلك جميل.
بعد مرور مدة من الزمن وخاصةً فى مكان خاص بالمناسبات،
كانت “ندى” تحاول جاهداً أن تهدى “نور” التى تبكي حزناً من فراق صديقتها، الذى تمنت وجودها فى هذا اليوم، فقالت بهدوء:
– نور ممكن تبطلى عياط الميكاب هيبوظ.
أجابتها “نور” ببكاء :
-رحيل وحشتنى أوى كان نفسى تكون معايا.
– والله هى وحشتنا كلنا ممكن علشان خاطرى تهدى وتحاول تفرحي شوية وبلاش نكد.
-حاضر .
فى جناح خاص بالفندق اقترب أدهم من زوجته التى تفرك يدها بتوتر شديد ليقول باسماً:
-ممكن تبطلى توتر يانوري، أنتى خايفة منى كدا ليه هو أنا هاكلك مش أنا أدهمك حبيبك .
أشاحات وجهها بعيدة عنها لتنظر إلى جميع أركان الغرفة ماعدا النظر إليه، فقالت بحياء:
-اه.
– طب ايه.
ترجعت إلى الخلف حين لمحته يقترب باتجاهها لتقول بنبرة مرتبكة:
-ايه أنت! .
تهللت أسارير وجهه واهتز قلبه طرباً واعترت نفسه نشوةٌ بالغة وحلقت روحه فى أجواء السعادة والحبور، فأصحبت الدنيا من فرط سعادته لم تسعه، فقال باسماً:
-بحبك يانور.
سرت فى نفسها فرحةٌ غامرة لتجيبه قائلة:
-وأنا كمان بحبك.
عانقها بخفة ليقبل ذراعيها برفق ثم هتف قائلاً:
– طب يلا ادخلى غيرى فستانك علشان اكيد كاتم ع نفسك وأنا هغير هنا، ثم أضاف مازحاً:
-ولو لاقيتى أى مشكلة كدا أو كدا فى الفستان استعيني بصديقك جوزك حبيبك ووقتها هتلاقيني جيلك فوريرة.
ابتعدت عنه بخجل لتهرول إلى المرحاض ثم تفوهت عندما أغلقت الباب خلفها:
– تعرف أنك قليل الأدب ياأدهم.
ضحك الأخر بخفة وهو يقول:
-عارف ياحب.
فى وقت متأخر من الليل الساكن، صاح فى أركان القصر صوت صرخات عالية أتت من غرفتها، ففزع الجميع إليها، فهرول “مروان” راكضاً باتجاه غرفتها فلما ولج وقف متصنماً عندما وجد قطرات الدماء متناثرة على الأرض.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هجران رحيل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى