رواية هجران رحيل الفصل التاسع عشر 19 بقلم شامة الشعراوي
رواية هجران رحيل الجزء التاسع عشر
رواية هجران رحيل البارت التاسع عشر
رواية هجران رحيل الحلقة التاسعة عشر
فى ظهيرة هذة الليلة قام “مراد” بمساعدة العم “أيوب” فى زراعة بعض الأشجار الصغيرة، ومن حسن حظه أن اليوم جاء إليه حبيبته برفقة صغاره وبعض أفراد العائلة مما أضاف هذا ليومه بهجة وسرور، فكان من حين لآخر ينظر لها باسماً وهو يتغنى بمرح قائلاً:
-حبيت جميل ياريتني ظله، وحبيت جميييل.
بينما “رحيل” كانت لا تهتم لشأنه فهى متواجدة الآن معه لأجل صغارها، لكنه لم ييأس من تلك المعاملة الجافة، فأمرها أن تعطيه دلو المياه ليسقى الزرع، فلما مد يده وأخذهُ منها التقت أعينهم معاً فنظر لها بسرور ثم قال بنبرة فُكاهية:
-وَأنا أعمِّل ايه فِى اللى بحبُه يـَ ويلى يَـ نارى.
لم تستطيع كتم ضحكاتها فتبسمت لا أرادياً على نبرته المُبهجة، فاستدارت بوجهها خجلاً من نظرات المتفحصة لها، فلما مشيت بضع خطوات إلى الأمام وصل لمسمعها صوته الحنون يقول:
-على فكرة أنا مليش غيرك وحتى لو ليا، أنا مش عايز غيرك أنتِ يارحيل.
شعرت بسعادة تغمرها من قوله هذا ولكنها لم تخضع له مهما حدث، فما حدث فى الماضى لم يكن بالشئ الهين، ظلّت تتابع سيرها حتى وصلت لمكان صغارها تعجبت لضحكات شقيقها “مازن” العالية، فتسألت قائلة:
-بتضحك على ايه ياميزو؟.
مد يده إليها ليعطيها الهاتف وهو يقول باسماً:
-والله لتقرائي البوست ده بنفسك وأنتى هتعرفى بضحك على اي.
نظرت إلى ما أشار إليه فى الهاتف فمرت ثوانٍ وقد أرتسمت البسمة على محياها، فعادت تقرأ مرة أخرى بصوت رقيق:
-شفت الأرنب لا لا لا،،
قاعد بيلعب لا لا لا،،
طب شوفت البطة لا لا لا،،
نطت نطه لا لالا،،
طب شوفت الأهبل،،اه اه اه،، قاعد بيقرأ البوست وباللحن كمان.
فأضافت “رحيل” بنبرة ضاحكة:
-طب تصدق أنا فعلاً قرأتها باللحن بتعها وكأني بغنيها.
أجابها “مازن” بمرح:
-عشان تعرفى أن أحنا هبل ياريري ومازلنا أطفال.
-هو فى أحلى من الطفولة، أتمنى أرجع لأيام زمان وماكبرش أبدآ.
هتف “مازن” مغنياً:
-قول الزمان ارجع يازمان.
حدقت به “ندى” وهى تقول بقلة حيلة:
-أنا مش عارفة عقلي كان تايه فين وأنا بوافق عليك.
تفوهت “رحيل” وهى تشير بأصبعها على شقيقها فقالت بنبرة لطيفة:
-هو أنتى كنتى هتلاقى حد أحسن من ميزو تتجوزيه، دا بنات المنطقة عندنا كانت هتتجنن عليه من كتر حلاوته اللى مفيش زيها.
لوت شفتيها ثم قالت ساخرة:
-بلا لينة هو ده أصلا كان فى حد يبصلوا.
فى هذا الأثناء رد “مازن” بنبرة مستهزأ:
-مابلاش أنتى ياأم ضفاير بقى يابت فى واحدة تعمل لجوزها ضفاير يوم فرحها وتلبس هكونا مطاطة.
شهقت “رحيل” بذهولٍ وهى توجه بصرها نحو صديقتها التى أشاحت وجهها عنهما، فقالت بنبرة مازحة:
-يالهوووى ياندى دى عاملة تعمليها فى ميزو.
أجابها شقيقها بطريقة كوميدية:
-شوفت ياختى أخوكى متبهدل أزاى، لا ومن أول يوم ضفاير وهكونا مطاطة، يرضيكى اللى بيحصل ده.
تفوهت “رحيل” بنبرة لطيفة:
-لا يابا ميرضنيش.
أردفت “ندى” فقالت عابسة:
-ماخلاص يامُفضح فضحتني.
-أنا يابنتي!.
-لا خيالك ياظريف.
وعلى هذا الحال ظلّ “مازن” يُساكش زوجته ويُمازحها لغاية ما جعلها تبتسم وتقهقه بسعادة فهذا الثنائى أضاف للمكان أجواء مليئة بالفرح والسرور، فدعت “رحيل” فى سرها بأن يديم الله عليهما تلك المحبة، فلما خطفت نظرة إليه وجدته يدب الفأس بالأرض وحينها تمنت لو كان معها كزوج محب، مسحت على وجهها بيأس فعلاقتها به صارت مُعقدة إلى حد يصعب حلها، صمتت فجأة عندما علمت أنها لازالت تكن له مشاعر، فتسألت بداخلها لما قلبها يميل إليه رغم ما فعله بها؟، فهمست قائلة:
-يا لك من قلبٍ مغفلٍ، تميل إلى من يُعذبك!.
ألقى “هشام” هاتفه بأنزعاج وهو يقول بضيقٍ:
-الواحد محتاج يتعالج نفسيآ عشان يرجع لطبيعته الي كان عليها قبل كدا.
تحدث “مازن” الذى كان جالساً مقابله:
-ليه يابنى بتقول كدا؟.
-من القرف والظلم اللى بنشوفه فى بلدنا.
-ماهو اللى ملهوش قيمة فى بلدنا بيدوسوا عليه من غير رحمة، واللى له قيمة و معاه فلوس وسلطة بيرفعوا له القبعة ليضربون له تعظيم سلام.
زفر “هشام” أنفاسه بملل وهو يقول:
-والله صدقت يابن خالي، بلدنا ماشية على هوا حُكمها.
على الحوض الذى يتوسط منتصف البيت كان “مراد” يغسل يدهُ من أثر التراب، فلما انتهى وضع كلتا يديه على موضع قلبه الذى ألمه بشدة، فهو منذ أيام يشعر بهذا الألم لكنه كان يتحامل على نفسهِ، رائه العم “أيوب” فدن منه وقال بنبرة قلقة:
-لسه قلبك بيوجعك؟.
اومأ رأسه بالإيجاب ثم اعتدل فى وقفته عندما قل الوجع، فقال بهودء:
-متقلقش عليا دا كان وجع بسيط وراح لحاله.
-مش عارف أنت ليه مش راضى تسمع كلامي وتروح تكشف عشان نطمن عليك.
رد عليه الآخر وقد علت علامات الحزن والحسرة على وجهه ثم قال:
-ملهوش داعى لأن الوجع اللى حاسس بيه ملهوش دواء.
ربت على كتفه برفق ليقول:
-يابني الزعل وحش للبنى آدم، دا غير أن الحزن بيورث الأمراض.
رد “مراد” بنبرة حزينة وقد حاول قدر الأمكان أن تكن متزنة:
-هى تستاهل زعلي عليها العمر كله، حتى لو كان فى الحزن هلاكي.
فتح الليل أجنحته فغمر الأرض ظلام دامس، فأضاءت المصابيح فى أرجاء المزراعة، فجتمعن الشباب فى حلقة دائرية على البساط تحت ضوء القمر، بينما “رحيل” كانت فى المطبخ تعد عصير الليمون الممتزج بالنعناع، تحدث “مراد” الذى كان يتابعها منذ البداية فقال:
-تحبي اساعدك؟.
صمتت لوهلة وهى تفكر فى عرضه ثم قالت بموافقة:
-ياريت لو ده مش هيضايقك.
افترّ ثغره عن ابتسامة عريضة ثم قال بحماس:
-أبدآ دا أنا مسرور جداً بموافقتك، لكن قوليلي اعمل اي لأن أنا مش عارف.
-جهز الكوبايات على صينية وحط جواهم تلج، ومتنساش تجهز لولادك زينا.
فرك يده بحماس وهو يقول بنبرة دافئه:
-من عينيا ياعيوني.
أخذت تطالعه بعينان تسكنهما المودة، فتبسمت على حماسه الزائد منذ قُبلها لمساعدته، فلما انتهوا من التجهيز خرجن إلى الحديقة الخلفية ليسيروا معاً بأتجاه أفراد عائلتهما، فقام “مراد” بتقديم المشروب لكل منهما كأسه الخاص، ثم قال بمرح:
-معكم مؤسس نادي قعدة الأرض الرايقة مع مشروب المفضل والقمر والنجوم فوقك.
ضحكت صغيرته “زينة” التى قالت برقة:
-شكراً بابي.
جلس على الأرض وقام بحملها بين أحضانه وهو يقبل خدها بحنان ثم قال بلطف:
-بألف هنا يازينة.
بينما “هشام” أرتشف العصير على دفعة واحدة ثم قال:
-هو مفيش عصير تانى أصله طعمه حلو أوى.
أجابه “مراد” قائلاً:
-للأسف خلص.
وضع الكأس بجانبه وهو يقول:
-ياخسارة خلص بسرعة، بس يلا مش مهم، بقولكم ايه ماتيجوا نلعب لعبة الصراحة.
تفوهت “رحيل” بابتسامة جميلة، فقالت رافضة للفكرة:
-لا شوف حاجه غيرها تكون أفضل.
-خلاص ايه رايكم هسأل كل واحد فيكم ايه الأمنية اللى بيتمناها.
وافق الجميع على تلك الفكرة، فبدأ بطرح سؤاله على “مازن” وزوجته أولاً، فكانت أجابتهن أنهن يرزقن بطفلاً جميلاً يكن مسالماً معافياً، ثم وجه حديثه إلى “مراد” فتسأل:
-وأنت ايه أمنيتك اللى بتتمناها الفترة دى.
-أُمنيتي أوصل لسن أني جوزت ولادي واطمنت عليهم مع اشخاص تحافظ على قلوبهم، دا غير اشوفهم آخر الاسبوع يجوا يتغدوا معايا وصوت أحفادي يملأ البيت عليا، وتيجى مراتي حبيبتي تصحيني تانى يوم الصبح عشان اقعد افطر معاها فى البلكونة مع كوباية شاى بالنعناع، ودا غير أننا طبعاً نلعب كوتشينه أو طولة أو حاجه تسلينا مع أن وجودها حواليا مونسني، وبعد العصر اراقبها وهى بتسقى الورد فى الجنينة، وفى آخر اليوم أخدها فى حضني.
تحدث “هشام” فقال باسماً:
-ياااها أمنيتك بسيطة وقنوعة، ثم وجه سؤاله إلى “رحيل” فقال بنبرة مازحة:
-وأنتى ياريري يامالكة زمانك اي أمنيتك؟، أتمنى متكونيش بتخططى لاقتل شخصٍ ما.
فى تلك اللحظة اتجه بصرها نحوهُ تلقائياً، فقالت بنبرة رقيقة:
-أتمنى أن يكون أحدهم فخور بوجودي في حياته، ولا يراني عبئًا كَما أشعر.
فى قصر الألفى وتحديداً فى غرفة المعيشة صاح “سليم” منفعلاً:
-أنا مش عارف ايه اللى يخليها تروح له مش كفاية اللى الحيوان عمله فيها.
تحدث الجد “وهدان” برزانة فقال:
-ماينفعش كلامك اللى بتقوله ده، وبعدين بنتك مش صغيرة وعارفة مصلحتها كويس.
نظر إليه بضيقٍ وهو يقول بنبرة مُفتعلة:
-مصلحتها أنها تروح برجليها للشخص اللى اعتداء عليها، دى المفروض تمنعه من ولاده عشان يتعاقب اكتر على ذنوبه.
رد عليه أبيه فقال مندهشاً:
-أنت اتجننت عايز تمنع الراجل من عياله وتحرمهم من أنهم يتربوا فى حضنه، دا أنا مصدقت اقنعت بنتك تيجي أنت وببساطة عايز تهد كل حاجه.
-أنا مش عارف ازاى حضرتك جالك قلب تخليها تعمل كدا، أنت شكل نسيت الأذى اللى هى اتعرضتله من الزباله ده.
أردف الجد منزعجاً فقال:
-شكلك أنت اللى نسيت قسوتك على بنتك وفى الآخر هى سمحتك، ليه بقى مش عايزها تسامحه وتعيش مبسوطة.
أجابه “سليم” بنبرة حزينة:
-أنا منستش بس اللى هى بتعمله هيأذيها.
-ومين قالك انه هيأذيها مراد فعلاً ندمان على اللى عمله وبيتمنى أنه ياخد فرصة تانية زيكم علشانها هى وولاده، نفسه يرجع ليها ويعوضها عن الأذى اللى سببهولها.
صاح “سليم” بصوتٍ عالٍ فقال غاضباً:
-وأنا مش هخليه يحصل على الفرصة دى حتى لو كان بيموت قدامي.
نظر إليه والده بحده عندما رأى “حمزة” الذى نكس رأسه حزناً من حديث شقيقه، فقال محذراً:
-سليم أنتبه لكلامك.
التفت “سليم” نحو شقيقه فلاح تلك الدمعة التى التمعت بعيناه فاقترب منه وقال معتذراً:
-حمزة أنا آسف مكنتش اقصد بكلامي أني أجرحك.
مازال ينظر إلى الأرض، فهو يشعر بالخزى من أفعال ابنه، فقال بصوت ضعيف:
-عادى ياسليم أنا مقدرش ألومك لأن ده من حقك، وأى أب مكانك كان عمل أكتر من اللى أنت عملته.
أنهى جملته وهو ينهض من مكانه ليستأذنهم للخروج، ليجر خيبته جراً، فبرغم ما فعله ابنه لازال قلبه يؤلمه من بعدهُ عنه.
أردف الجد معاتباً:
-خلى بالك من كلامك يابني، أخوك بردو بيزعل لما بتجيب سيرة ابنه بالسوء، وبعدين أنا بحاول أصلح العلاقة مابينهم ياسليم عشان خاطر زين وزينة، أنا مش عايزهم يتربوا فى علاقة متفككة، الأفضل ليهم أن يتربوا فى بيت سوي، طب تخيل معايا لو هما كبروا على الوضع ده وعرفوا أن أهلهم مش متجوزين وأنهم جم عن طريق غير شرعى هيكون ردت فعلهم عاملة أزاى، دا غير أنهم هيتعقدوا وكل ده هيأثر عليهم بالسلب، ف أنت فكر بعقلك وأوزن الأمور وحط قدام عينيك احفادك وتخيل ردت فعلهم فى كلتا الوضعين وصدقني وقتها هتختار الأنسب والأصلح ليهم، وأن كان على بنتك فهى لسه جواها مشاعر له بس بتكابر وبتعاند، وأنت دورك كأب تسعى لمصلحتها.
جلس على الأريكة بأهمال ثم قال:
-يعنى حضرتك شايف كدا.
-أيوة يابني، وبعدين مفيش حد فينا خالى من أخطاء، وهو أدرك خطأه وبيحاول يصلحه، ودورنا نقف جنبه ونسنده.
وضعت “نور” طفلتها فى فراشها برفق حتى لا تستيقظ مرة أخرى، فقد غفت بين يدها بصعوبة شديدة، تنفست براحة عندما جلست على الأريكة باسترخاء، جاء “أدهم” وجلس معها ثم تسأل:
-ليه قومتى فجأة من على السفرة قبل ما تكملى أكلك؟.
علت علامات الحزن على وجهها حينما تذكرت حديث عمها، فقالت:
-عادى أصلي شبعت مش أكتر.
لاحظ تغير صوتها ليراها قد أطلقت دموعها للعناء، فلمس وجهها بلين وهو يقول بدهشة:
-ايه بس اللى خلاكى تعيطى ياحبيبتي !.
أجابته بنبرة حزينة فقالت:
-يعنى أنت مش عارف ايه السبب.
تحدث “أدهم” قائلاً:
-مش عارف، ثم لوهلة ثم أضاف:
-أنتى زعلتى من كلام بابا مش كدا.
ردد عليه بنبرة عابسة:
-ايوة، أنتم ليه قاسين على مراد، ليه بتعذبوه بالشكل ده، مش كفاية بقى اللى بتعملوه فيه.
أردف زوجها بنبرة حادة فقال:
-لو سمحتى يانور بلاش تجيبى سيرته قدامي.
-ليه بقى إن شاء الله مش ده كان صاحبك.
-كان صاحبي قبل مايأذى أختى.
ردد “نور” وقد زاد بكائها فقالت:
-على فكرة بقى كل اللى بتعملوه فيه حرام، أبوك بهدله وضربه وأهانه وطردته من البيت وحرمه من الشغل فى الشركة اللى هو فى الأصل بناها وتعب فيها لحد مابقت بتنافس أكبر الشركات فى مصر، ودلوقتى عايزين تحرموه من ولاده، أنت وأبوك مش هترتاحوا غير لما تموته بحسرته، بجد يا أدهم أنا مصدومة فيك.
-مايموت ولا يتحرق الشخص اللى زى ده مايستحقش أني أتعاطف معاه.
نهضت من جانبه لتقول بصوت حزين:
-أنا لو أخويا جراله حاجه بسببكم هيبقى فيها طلاقي منك لأني مستحيل أعيش مع واحد الحقد مالى قلبه بالشكل ده.
نظر إليها بذهولٍ ليقول بصدمة:
-ايه اللى أنتى بتقوليه ده!.
وضعت يدها على فمها لتكتم صوت بُكائها العالى، فاقترب منها “أدهم” بلهفة ليحاوط بيدهُ وجهها، ثم قال مواسياً:
-أهدى ياحبيبتي أنا آسف، صدقيني أنا مابتمناش لمراد أنه يموت.
سمع صوتها المعاتب فقالت بنبرة باكية:
-أنت ليه بتعمل كدا، ليه مابتحاولش تصلح الأمور وتسامحه، أنت نسيت أنه كان أقرب واحد ليك وياما شال الحمل عنك.
-الموضوع بالسهولة دى زى ما أنتى متخيلة.
أجابته “نور” قائلة:
-لو مكنش بالساهل مكنتش أختك سامحتك، أنت اللى بتحاول تصعب دنيتك، ودلوقتى أنا تعبانة ومحتاجة أنام عن أذنك.
-بس أنا مش هسيبك تنامى زعلانة مني، شوفى ايه اللى يرضيكى وأنا هنفذه.
نظرت إليه مطولاً ثم قالت بتسأل:
-أى حاجه هطلبها هتنفذه فعلاً؟.
مسد على شعرها بحب ثم قال باسماً:
-صدقيني يانور أى حاجه هتطلبيها هنفذها وده وعد مني، لأن أهم حاجه عندي أني أشوفك مبسوطة.
استغلت هى الوضع فقامت بالقاء طلبها قائلة:
-طلبي أنك تسامح مراد وتخلى رحيل تسامحه، ثم أضافت بنبرة حزينة:
-أنت متعرفش قد ايه هو وحشني ونفسي يرجع البيت.
زفر بهدوء ثم فرك رأسه غيظاً من تلك الاستغلالية فقال:
-اللى بتطلبيه صعب جدآ أنه يتنفذه.
دفعته من أمامها بعنف وهى تقول بضجر:
-تصدق أنك انسان مستفز.
حاوطها بين ذراعيه ليعانقها بحنان ولطف ثم قال بنبرة مرحة:
-ماتبقيش قفوشة يابت أنا بهزر معاكى، ومن أجل عيونك الحلوة هاجى على نفسي وهسامح أخوكى.
-وهتخلى رحيل هى كمان تسامحه عشان يرجع البيت.
-حاضر ياست نور أى أوامر تانية.
اجابتة بدلالٍ وحب فقالت بصوت أنثوي:
-تسلملي ياحبي.
على الجانب الآخر فى مزراعة العم “أيوب” مازالت السهرة مستمرة،
تحدث “مازن” بلهجة مليئة بالحماس فقال:
-سيبكم من هشام وعمايله، ايه رأيكم نلعب لعبة حزر فزر؟.
حدقوا به لبضع ثوانٍ فأجابته “رحيل” وهى تحضتن ابنها، فقالت مبتهجة:
-وليه لأ فكرة مش بطالة.
تحدث “مراد” قائلاً:
-يلا يابني ابدء فزوراتك.
أردف “مازن” بحماس زائد فقال:
-تاجر من التجار إذا اقتلعنا عينه طار، مين هو ياشطار؟.
تبسم “هشام” والذى قال مندهشاً:
-تاجر مين بس ياعم اللى هنشيل عينه ماتسيب الناس فى حالها.
رد عليه بنبرة ساخرة:
-بس ياجاهل أنت، ها مين عارف الأجابة.
تحدثت “رحيل” بتفكر فقالت بيأس:
-ماتستنى لما نفكر ليه مش مدينا فرصة.
-أصل ياحبيبتي الأجابة سهلة مش محتاجة تفكير.
بينما “مراد” همس فى أُذن طفلته التى صاحت بفرح قائلة:
– العطار.
ضحك “مازن” على رد ابنة شقيقته ثم قال بمساكشة:
-صح ياسوسة أنتى، بس طبعاً ماننساش أنك غشتيها من أبوكى.
رددت عليه “زينة” بثقة فقالت:
-ما أنا وبابي واحد.
-ماشى يازينة، ودلوقتى الفزورة التانية، قمت بتناول الفلفل فتفلفل فمي، كم مرة ذكر حرف الفاء فى ذلك؟.
أجابه “هشام” بفرحة وكأنه حصل على كنز ثمين:
-سته.
قهقهة الآخر بقوة ثم قال ضاحكاً:
-غلط غلط غلط ياهشومة يافاشل مش دى الإجابة.
-طب ايه هى؟.
رقص حاجبيه بتلاعب وقال مازحاً:
-مش هقولك ياهشومة.
بينما “رحيل” قامت بالرد عليه مسرعاً عندما لاحظت “مراد” يهمس لابنته، فقالت متحمسة:
– ولا حرف.
وفى تلك اللحظة أردفت “زينة” بيأس:
-ياخسارة ماما جاوبت قبل ما بابي يجاوب.
افتر فاه “مازن” عن ضحكة عريضة فقال:
-لا بقى أحنا نقسم المجموعة إلى فريقين، فريق لرحيل مع ابنها وندى، وفريق تانى لمراد وبنته ومعاه هشام.
ألقى “مراد” بصرهُ نحوه معشوقته وهو يقول باسماً:
-معنديش مانع.
ولكن زوجته تسألت بتعجب:
-ازاى بس يامازن ولا حرف أنا متهيألي أنهم سته زى ماقال هشام.
أجابها الطفل “زين” بذكاء فقال:
-لا ياخالتو هما مش ستة لأن خالو مازن كان قصده على كلمة ذلك.
توقف عقلها عن العمل فقالت مندهشة:
-أنا مش فاهمه حاجه.
وضع “مازن” يده على كتفها وقال باسما:
-حبيبتي أنا سؤالي كان واضح، يعنى أنا بقولك فى كام حرف فاء فى كلمة ذلك اللى مفهاش أصلا حرف الفاء فهمتى حاجه ولا نشرح من أول وجديد.
-اااااه فهمت.
-حمدلله ع السلامة، الفزورة اللى بعدها فى ست تفاحات فى السلة، وتم توزيع واحدة لكل شخص من الستة، لماذا يوجد تفاحة أخرى فى السلة؟، اللى هيجاوب هجبله شوكولاتة.
أجابه “مراد” بسلالسة عندما كان الجميع يفكر فى الحل، فقال بهدوءٍ:
-مش يمكن تخص اللى كان بيفرق التفاح مثلآ.
صاح “مازن” بمرح:
-الله عليك ياكبير دايماً كدا بتبهرني بذكائك الخارق، الأجابة صحيحة، طب بصوا السؤال ده وركزوا، هو طير من الطيور لكنه لا يطير، فإذا حذفنا آخر ثلاثة حروف منه طار فما هو؟.
أشار “زين” بيدهُ وهو يقول بنبرة طفولية:
-البطريق ياخالو.
نظر إليه “مازن” بدهشة ثم قال:
-واو عرفت منين الأجابة دى ياقرد ياصغير أنت.
نظر الصغير إلى والدته بفخرٍ فعلم الآخر بأنه حصل على الإجابة منها، ثم قال متحمساً:
-مين الراجل اللى رجله فى الأرض وراسه فوق النجوم؟.
أجابته “زينة” مسرعاً عندما أعطاها أبيها الأجابة كى تتفوق على شقيقها:
-الظابط.
ظلّ “مازن” يلقى عليهما الكثير من الفوازير، وقد امتلأ المكان بالحماس والسرور.
-ماهو الشئ الذى ينبض بلا قلب؟.
رددت “رحيل” بابتسامة جميلة:
-الساعة.
تحدث “مازن” بصوت مرح فقال:
– الفزورة الاخيرة ما هو الشئ الذى يقرصك ولا تراه؟.
تحدثت “ندى” مازحة وهى تشير على زوجها فقالت مبتهجة:
-مازن هو اللى بيعمل كدا وأنا نايمة.
ضحك الجميع على تعقيبها، بينما هو ظهر على معالم وجهه الصدمة فقال مندهشاً:
-أنا بعمل كدا فيكي ياولية يامفترية ياقادرة.
هزت رأسها بالإيجاب وهى تقول بنبرة مرحة:
-بالضبط.
بينما “هشام” رد قائلاً:
-النموس هو مفيش غيره، متعرفش بيجي منين وبيختفى فين.
تحدث “مازن” بقلة حيلة فقال:
-وربنا ما فى أهبل منك أنت ومراتي ايه اللى بتقوله ده!.
أردف “زين” و”زينة” فى آن واحد:
-الجوع.
تفوه “مازن” معلناً وهو ينظر لأطفال شقيقته فقال بسرور:
-ودلوقتى نقدر نقول أن البهوات دول هما اللى فازوا بالسهرة السعيدة وعشان كدا أنا هكافئهم وهجبلهم شوكولاتة بس بكرا.
رفع “زين” رأسه لينظر إلى والدته ثم قال:
-مامي أنا عطشان أوى.
نهضت من مكانها لتجلب له الماء، وأثناء تواجدها داخل البيت ذهب “مراد” خلفها بحجة أنه سيجرى مكالمة مهمة، تفاجأت “رحيل” بتواجده، فقال هو:
-تسمحيلي بكلمة.
-لا.
-رحيل لو سمحتى هى مرة واحدة نتكلم فيها مع بعض وبعدها اعملى اللى عوزاه.
نظرت إليه بمعنى أكمل حديثك، فقال هو بندم:
-أنا آسف جداً، لكن بتمنى أننا ننسى اللى فات ونرجع نتعامل زى زمان.
طأطات رأسها حزناً فقالت:
-عمرنا ماهنرجع زى ماكنا فى الماضى.
-كلمة واحدة منك تقدر تمحى أى ذكرى سيئة ونصنع بدلها ذكرى جميلة تعيش معانا العمر كله، أنا عايز فرصة واحدة بس وصدقيني كل حاجه هترجع أحسن من الأول.
رفعت رأسها مجدداً لترتسمت علامات الحدة والقوة على وجهها لتقول بنبرة حازمة:
-دا بعينك يامراد.
أعطته ظهرها، فقال هو بحزن ممتزج بيأس:
– معقولة بقى قلبك حجر ومبقاش همك غير نفسك وبس، طب وأنا فين من ده كله!.
نظرت إليه بذهولٍ ثم تفوهت منزعجة وهى تدفعه بضربات متتالية فى صدره بقوة:
-أيوة قلبي بقى حجر وكل ده بسببك أنت، أنت السبب فى أني أوصل معاك لطريق مسدود، أنا بكرهك يامراد.
ابتعدت عنه لتلتقط أنفاسها بهدوءٍ لتتحكم فى انفعالاتها وغضبها، بينما شعر بألمٍ فى قلبهُ لكنه تحامل على نفسه وقال:
-بتكرهيني!…للدرجة دى أنتى مش فاكرة ليا أى حاجه حلوة تغفرلي ذنبي، طب بلاش دى بعدك عني وحرماني من ولادي لمدة سبع سنين ده ماشفعش ليا، أنتى يارحيل حرمتيني من أجمل لحظات من أن الأب يعيشها مع أطفاله، أنا اتحرمت من أني أشوفهم واشيلهم يوم ولادتهم واكبر ليهم، أتحرمت أشوف أول ضحكة وأول سنة طلعت ليهم، أنا اتحرمت من أني اشاركهم أول خطوة يمشوها، ومن أول كلمة قالوها.
اختلس نظرة إليها وهو يقول بألم:
-ياترى ايه أول كلمة أو أول حرف ولادي نطقوها، ياترى قالوا بابا الأول ولا ماما؟..أنا فى تفاصيل كتير بسيطة كان نفسي أعيشها معاهم من أول ما أنتى حملتى فيهم، لكني أنا اتحرمت من ده كله، تخيلي شعوري عامل ازاى دلوقتى وأنا شايفهم كبار قدامي وملحقتش اشاركهم طفولتهم، محدش هيفهم ولا هيحس باللى بقوله لأنه مجربش شعوري ولا أتوجع زيي، يمكن وجعي كان أكبر من وجعك أنا فى بعدك كنت تايه أو بالمعنى الأصح كنت ميت.
لازالت تنظر إليه بقسوةٍ ثم نطقت قائلة:
-مهما تقول عمر شعوري من ناحيتك ماهيتغير.
وضع كلتا يديه على موضع قلبه عندما بدء الألم يزداد، ونبضاته بدءت تقل، ولكنه مسك راحت يدها برفق عندما همت على مغادرة المكان، و ترقرقت الدمع فى عيناه وهو يتراجها بنبرة متحشرجة:
-آسف، أرجوك ماتمشيش أنا محتاجك.
جاءت أن تذهب لكن صوته المتألم أوقفها قائلاً:
-متسبنيش لوحدي أنا من غيرك أموت.
عند نهاية جملته سمعت صوت ارتطام شئٍ ما يصتدم بالأرض، فلما نظرت خلفها صاحت بذعر:
-مررراد
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هجران رحيل)