رواية نيران نجع الهوى الفصل التاسع 9 بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى البارت التاسع
رواية نيران نجع الهوى الجزء التاسع
رواية نيران نجع الهوى الحلقة التاسعة
“أصاب عشقك فؤادي فانكوى بنيران الهوى
وتعالت صرخاته المتألمة مطالب بحبك الذى غواه”
❈-❈-❈
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
في الغرفة الخاصة بـ عمران كانت تقف عهد أمام المرآه تطالع انعكاس هيئتها ولازالت لا تعلم ماذا فعلت ليلقيها القدر بتلك القسوة دون رحمة!.. لم تفكر يومًا أن يكون نصيبها مع عمران ولم تتخيله من قبل! عقلها يعيد عليها ذكرياتها السعيدة مع حسن ذاك المحب العاشق لها الذي لم يضاهي شيء بجانب عمران القاسي ومشاعره القاسية، كيف يصبح زوجها وهي لازالت تخشى نظراته لها، لازالت الى الآن ترتجف رعبًا عندما تشعر باقترابه متذكرة كيف كانت فريسة ضعيفة ليفعل بها مبتغاه وانقض عليها غير عابئ بصرخاتها المطالبة بالرحم والابتعاد.
أغمضت عينيها بقوة ضاغطة عليهما شاعرة برجفة قوية تسري بجسدها من فرط التفكير الزائد به، مقررة المحاولة لإيجاد طريقة للتعامل معه، لا تعلم كيف ستفعلها لكن لابُد من ذلك، توقفت عن التفكير عندما رأت انعكاس صورته في المرآه حيث يقف مقتربًا منها قليلًا وعينيه تطالعها برغبة ملحة تجذبه نحوها، لكن هناك نظرات أخرى من عينين عاشقة لم تستطع تفسيرها وكيف لها أن تفسر شخصية ذلك الغامض الذي يود دومًا أن يظهر بصورة الآمر الناهي عنوة…ابتسم ببرود عندما وجدها انتبهت لوجوده ناهيًا نظراته الشغوفة لها واقترب منها أكثر حيث تلاصقت أجسادهما بشدة.
لم تستطع أن تبدي رد فعل بعدما بُوغتت بوجوده واقترابه المفاجئ، وقفت متصنمة لم تتحرك حتى شعرت بيده تلتف حول خصرها بقوة جاذبًا إياها أكثر وبدأ يلثم عنقها بشغف طابعًا فوقه عدة قبلات متفرقة عاشقة، تارك بصماته فوقها بوضوح ليظهر ملكيته على معشوقته مَن تمنى اقترابها وكانت ملكة أحلامه، بدأت ترتجف بين يديه وتحرك رأسها نافية ليبتعد عنها لكنه يشعر بتأثيرها القوي عليه كيف يبتعد عنها وهي تجذبه نحوها عنوة، يطبع قبلاته المتفرقة فوق ملامح وجهها الهادئ الممزوج بالقوة والكبرياء، يغرز يده بين خصلات شعرها البنية الهادئة ويستنشف عبيرها الخلاب ليستقر في النهاية على شفتيها ملتقط إياهما بين خاصته بنهم وشغف قوي يسيطر عليه، وهناك رغبة قوية داخله تجبره عليها هي الآن زوجته ملكه لمَ الابتعاد؟ لمَ يتركها وهي حقه؟
هو عمران الجبالي لم يعتاد على ترك حقه يومًا لماذا معها ويتركها يود الاقتراب لينعم بجمالها الخلاب الذي لم يرى مثله يومًا وجعل قلبه أسيرًا لهواها، هي بعينيه الأجمل والأفضل بين نساء العالم بأكمله.
ارتعشت بين يديه وازدادت شهقاتها الباكية بصوت مرتفع وهي تدفعه بقبضة يدها ليبتعد عنها معلنة رفضها لاقترابه بطريقة تثير غضبه رفع رأسه عنها مبتعدًا عن شفتيها وعينيه تطالعها بغضب عارم يغمره من رفضها، حاولت التحامل على ذاتها وهي تبتعد عنه عدة خطوات إلى الخلف رافضة بتوتر:
– أ… أني مرايداش اللي عتعمله دِه بعّد عنيّ وهملني لحالي.
اندلعت النيران داخل عقله وانبعثت من عينيه مسيطرة على جسده الذي تشنج وبرزت عروقه ليسير مقتربًا منها واضعًا يده حول خصرها بقبضة حديدية قوية يجذبها نحوه حتى ارتطمت بصدره مغمغمًا بغضب حاد:
– أني چوزك غصب عنيكي افهمي إكده زين، لو رايد اجربلك هجرب، الله في سماه ما هتعرفي تبَعدي عنيّ.
شعرت باهتزاز قوي بعينيها متحاشية النظر نحوه وقلبها الذي يرتجف بخوف يدفعها لدفعه بقوة والإبتعاد عنه لكنها لم تقوى على ذلك وأردفت بخوف متمسكة بحديثه معها:
– بس أنت وعدتني جبل سابج أنك مهتجربليش واصل.
وجدته يحرك رأسه نافيًا وأجابها بغرور ولا مبالاه يتلاعب بأوتارها:
– لاه بجا أني رچعت في حديتي، مفاكرش أن جولتلك إكده.
توسعت عينيها بصدمة ولا تعلم كيف آتت لها تلك القوة التي دفعته بها وسارت سريعًا مبتعدة عنه جذبت الوشاح وضعته فوق رأسها تخفي خصلات شعرها من أمام عينيه التي تفترسها برغبة وجراءة، وهي تلتقط أنفاسها المسلوبة في حضرته.
اقترب بخطوات واسعة غاضبة يجذبها من ذراعها بقوة مؤلمة، مردفًا بلهجة مشددة حازمة:
– أني چوزك يا عهد لازمن تفهمي دِه.
أنهى حديثه جاذبًا ذلك الوشاح من فوق رأسها ملقيه أرضًا بعنف وصدر عنه سباب حاد غاضب قبل أن يواصل حديثه بغضب، وهو يقرب وجهه منها شاعرة بأنفاسه الحارة تلفح وجهها فأغمضت عينيها:
– لو مفهماش اللي عجوله زين، يُبجى هخليكي تفهمي بطريجتي أني اللي معتعچبكيش.
انطلقت راكضة مرة أخرى مبتعدة عنه، وهي تحرك رأسها نافية بخوف:
– لـ… لاه لاه بعِد عني وهملني لحالي خلاص مهعملش حاچة.
صاح أمامها غاضبًا بحدة، وعينيه مصوبة نحوها بتوعد:
-هجربلك لما تنسي أني چوزك يا عهد.
اومأت برأسها أمامًا واضعة يدها فوق قلبها ملتقطة أنفاسها بصعداء شاعرة بتسارع دقات قلبها لا تعلم إلى متى ستظل في هذا الوجع الذي كاد الفتك بقلبها ماذا فعلت لتتلقى كل ذلك دفنت رأسها في صدرها باكية وقفت تدعي ربها أن يساعدها، شاعرة بلوعة الإشتياق لحسن الاشتياق يحرق قلبها بنيرانه المتأهبة لـكـن ماذا تفعل في النهاية؟! هي كانت ترسم لحياتها مسار آخر متلهفة لحدوثه لكن القدر كان يخفي حقيقة أخرى أصعب لتتخذ حياتها مسار آخر لم تتوقعه ولم يأتي يومًا بعقلها.
عانت من الآم الفراق ووجعه، القسوة ومضغها المرير، الوجع الذي أصبح يلازمها كظلها، الحزن والقهرة على ما حدث لها وحياتها التي انقلبت رأسًا على عقب في وهلة واحدة، تعاني من كل شيء سيء لا تعلم متى ستتخلص منه، ومتى سينتهى عذابها ويرحل عنها الوجع لتعود روحها إليها من جديد.
❈-❈-❈
في منزل آخر يبدو عليه البساطة بمنازل نجع العمدة كان يقف أكرم أمام حنان زوجته التي كانت تصيح أمامه بحدة:
– لحد إكده ومينفعش مهجدرش اتحمل، لحد ميتى هنفضل إكده عناكل منين أومال بعد ما هملت الشغل لحد دلوك.
مرر يده فوق وجهه بضيق محاولًا السيطرة على ذاته مغمغمًا بهدوء:
– ربِك هيفرچها يا حنان بجولك الراچل كان مسرجني لولا ستر ربِنا كيف يعني أفضل بعد إكده، وأني بدور على شغل غيره.
مصمصت شفايفها وغمغمت بعدم رضا غاضبة:
– لحد ميتى هتلاجي بعد سنة بجالك كم شهر جاعد إهنيه في الدار كيف الولايا.
هب واقفًا أمامها بغضب قابضًا فوق ذراعها صائحًا بها بعنف:
– كنك اتچنيتي اومال اجفلي خشمك واتحشمي يا حنان.
أنهى حديثه دافعًا إياها بغضب ملتقطًًا أنفاسه بصعداء محاولًا التفكير للوصول إلى حل مُرضى، هو لازال يبحث عن عمل آخر لكن محاولاته باءت بالفشل، أسرعت تصيح أمامه بغضب أعماها:
– أني اللي اتچنيت ولا أنت اللي مجادرش تتكلف بمرتك وولادك بجولك ايه أني مهستحملش اللي عتعمله ده، ولادك عنديك وأني مهجعدلكش بعد إكده.
وقف يطالعها بذهول صامتًا شاعرًا بضعفه لكن كيف يصمت على إهانته كيف يستكمل عمله بعدما شعر بالإهانة وهي الآن تتخلى عنه وعن اطفالها بتلك السهولة كيف استطاعت فعل ذلك، ستترك طفلها ذو الثلاث أعوام ورضيعتها الصغيرة دون أن تلتف لأمرهم.
بدأت تعد أشياءها وذاتها مقررة الذهاب انطلق، ياسين طفلها نحوها ممسكًا بساقها مردفًا بصوت طفولي باكٍ:
– مـ… متهملنيش يمّا أنـي بحبك.
دفعته بقوة للخلف حتى تستطيع الذهاب، وتطلعت نحو زوجها مغمغمة بغرور:
– عيالك عنديك أهم ابجى فرّچني عتصرف عليهم منين.
سارت نحو الخارج بغضب دون الالتفات لأمره وأمر أطفالها كأنهم لم يعنوها، تستمع إلى صراخ ابنها وبكاء صغيرتها وتستكمل سيرها فالابتعاد عنهم بلا مبالاه..
وقف يحمل طفلته ويحتضن صغيره وعينيه معلقة نحو الباب بذهول والصدمة مسيطرة عليه شاعرًا بالحزن لأمرهم والذنب لكونه المتسبب فيما حدث لهم، أخفض بصره أرضًا يشعر بالحزن والخذلان ولازال عقله لا يصدق أنها استطاعت فعلها وتركتهم.
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
توجه أكرم إلى عمران ليطلب منه المساعدة بعدما شعر أن الدنيا بأكملها قد اسودت في وجهه شاعرًا باليأس تمكن منه، تارك أطفاله لوالدته الكبيرة في السن لم تستطع رعايتهم التامة لكنها تحاول، بعد أن حاول مع زوجته للعودة لأجل أطفالها لكنها رفضت تمامًا لينتهي بهم الأمر بنهاية علاقتهم التامة.
شعر عمران بالحزن لأجله والغضب من زوجته التي استطاعت أن تترك طفليها دون خجل ولم تفكر بهم، غمغم بتعقل هادئ:
– مرايدكش تشيل هم حاچة واصل، الأرض محتاچة كَتير يشتغل فيها اعتبر حالك عتشتغل معايّ من دلوك وأي حاچة يحتاچوها عيالك اللصغار هتچيبهالهم من تعبك وشغلك.
ابتسم أكرم بسعادة شاعرًا بالأمل يعود إليه من جديد بمساعدة عمران المعتاد على مساعدة الجميع، اقترب يحتضنه بقوة مبتسمًا بهدوء والدموع عالقة في عينيه حامدًا ربه:
– شكرًا يا سي عمران، ربنا يكرمك يارب ونفرح كلياتنا بولادك اللي هياچوا عن جريب إن شاء الله.
ابتسم عمران وقد مس الحديث قلبه وعقله يصور له أطفاله في المستقبل لكن الأهم أنها ستصبح هي والدتهم مثلما كان يتمنى، يعلم أنه نفذ ما يريده بطريقة سيئة لكن قلبه حينها هو الذي سيطر عليه ودفعه لكل ذلك، حاول أن يخفي مشاعره المتأثرة أمامه وأجابه بخشونة جادة:
– يلا شوف بدك تبدأ شغل من ميتى وهمِل حالك عشان عيالك.
ابتسم الأخر بسعادة وأجابه بحماس شديد:
– أني چاهز من دلوك لو ينفع.
اومأ برأسه أمامًا وأكد على حديثه سامحًا له بالعمل:
– ينفع يلا جوم عشان تعرف المطلوب منيك.
أشار لشخص ما ليذهب معه، ويجعله يفهم ماذا يفعل ويساعده في البداية شاعرًا بالشفقة على الأطفال الصغار ووالدتهما المتجردة من الرحمة.
❈-❈-❈
في نفس الوقت..
عادت إيمان من الخارج بوجه مبتسم، وجدت حازم يقف أمامها وعينيه مثبتة نحوها بشرر يتطاير منهما، وسألها بخشونة حادة وملامح وجه ممتعضة:
– كنتي فين لحد دلوك، ليه عوجتي إكده؟
كانت السعادة تظهر على وجهها المبتهج وضعت يدها تمررها فوق بطنها بحنان، وأجابته بحماس شديد شاعرة بتراقص قلبها داخلها:
– كنت عِند الدَكتورة وجالتلي أني حِبلة.
كانت تشعر أن الدنيا لم تسع أجنحتها من الفرحة، تنتظر تلك الوهلة منذُ بداية زواجها، كل شهر يمر عليها كانت تنتظره متأملة حدوثه وفي النهاية تشعر بخيبة الأمل والإحباط ولكن الآن قد.حدث ما كانت تتمناه بكرم ربها الكبير وفضله عليها ليعوضها عما رأته في حياتها..
لم يعطِ حديثها إهتمام وكأنها أخبرته بشيء عادي، رفع كتفيه عاليًا ببرود وغمغم بخشونة وجدية يتشبعها القسوة:
– بعد إكده متعوجيش ومتخرچيش برة الدار جبل ما أعرِف.
التقطت أنفاسها بصعداء وأجابته بنبرة خافتة:
– حـ… حاضر… حاضر يا حازم مهعوجش بعد إكده.
لم يبالِ بحديثها بل أكمل ببرود يتغلله القسوة:
– چهزي الوكل وهمي لاحسن جلبي هيجف.
أنهى حديثه وسار نحو الخارج بملامح جامدة دون اكتراث بما تفوهت به قبل دقائق وكأن الأمر لم يعنيه، سرعان ما بهتت ملامحها شاعرة بنصل حاد في قلبها، كيف ذلك الأمر لم يعنيه؟ حمـقـاء هي!؟ نـعـم بالطبع ماذا كانت تنتظر من شخص مثله تتغلب الأنانية والقسوة طباعه، كانت تنتظر فرحته بطفلهما الأول، لكنه صدمها بطريقته القاسية التي حطمت جميع مخططاتها دون الإلتفات إليها.
وجدت دموعها تسيل فوق وجنتيها بصمت عنوة وشفتيها مُرتعشة بقلب مكسور يملأه الحزن والقهرة، وضعت يديها فوق بطنها بقوة وأغمضت عينيها سقطت فوق الأريكة وأعتلى صوت بكاءها وشهقاتها المقهورة.
حاولت أن تهدئ ذاتها وتسيطر على حزنها حتى لا تؤذي طفلها، ستفعل كعادتها دومًا لم تعطه اهتمام ستهتم فقط بأمرها وأمر طفلها حتى توفر له حياة سعيدة، لا تريد أن يعاني مثلما حدث معها، ستحاول أن توفر له جميع مطلباته ليعيش حياة هادئة مستقرة..
بدأت تخطط لمستقبله بسعادة وقلبها ينبض بضراوة حالمة بمستقبل أفضل لهما، وابتسامتها الهادئة الجذابة تزين ثغرها واثقة أن طفلها سيعوضها عما رأته وسيسعد قلبها الذي أنهكه القسوة بمضغها المَرير، تأمل في نسيان كل ذلك على يد صغيرها القادم..
❈-❈-❈
نزلت عهد تجلس أسفل مع الجميع كما قال لها عمران قبل ذهابه أثناء جلستها كانت تشعر بقبضة قوية تعتصر قلبها قلقًا من نظرات كل من فهيمة ونعمة المصوبة نحوها وكأنهما على استعداد للإنقضاض عليها وافتراسها، تعلم كم الحقد والغضب المتواجد داخلهم نحوها، يرى كل منهما أنها مذنبة وهي مظلومة لم تفعل شيء يرونها كانت مخادعة في حبها لـ حسن لكن في الحقيقة هي القت ذاتها ودمرت حياتها دون التفكير لوهلة واحدة في ذاتها وكيف ستعيش أسفل رحمة عمران ذلك الشخص المستبد المتجرد من الرحمة، ترى عينيه منبع للقسوة، تفعل كل ذلك لأجل حبها لـ حسن..
ولج حمدي زوج نعمة فتطلعت نحوه بلهفة متسائلة بقلق:
– طمني يا حمدي جلبي واكلني على وِلد أخويّ.
علمت عهد أن الحديث لأجل حسن فانتبهت بجميع حواسها شاعرة بدقات قلبها تتسارع بعنف قلقًا عليه بالرغم من زجرها لذاتها على خيانتها لزوجها لكنها لم تستطع منع ذاتها من الاطمئنان عليه ومعرفة أحواله لتهدأ من روعة قلقها عليه..
وجدته يجيب عليها بجدية وخشونة:
– لساتني عحاول مفيش چديد..
وجه بصره نحو فهيمة التي تحولت ملامحها الى الضيق والغضب شاعرة بضياع ولدها من يديها والسبب شقيقه!..
استرد حديثه مرة أخرى بتعقل:
– أني جولتلك ياست فهيمة لازمن عمران يجف چارنا ويساعدنا نخرچ أخوه بس هو اللي مش موافج ولساته راكب عجله وجالي مفتحش الحديت ده معاه واصل.
أجابته فهيمة بحدة صارمة ملتقطة أنفاسها بصعداء:
– هتحدت وياه لما يرچع، لحد ميتى هيهمل أخوه ماهو اتچوز وعمل اللي رايده بِكفياه إكده.
توهجت عينيها غاضبة واندلعت النيران تشتعل داخل عقلها شاعرة بمدى حماقتها ومكره معها مقررة عدم الصمت لخداعه هو وعدها تخلى عنه في النهاية كـيـف؟! هل يراها حمقاء إلى هذا الحد؟! لأنها فقط وثقت به وبحديثه..
فاقت من تفكيرها وغضبها العارم منه على صوت نعمة الغاضب وهي تحدثها بغرور:
– على آخر الزمن بجا اللي كيفك يُجعد ويانا..
أنهت حديثها تمصمص شفتيها بعدم رضا، رمقتها عهد تبادلها نظراتها بكبرياء متعالية هي الأخرى وأجابتها ببرود ولا مبالاه:
– اللي كيفي مجامهم أعلى من إكده بكتير.
هبت نعمة واقفة ترمقها بغضب متوعدة لها بصرامة:
– اللي كيفك ميحلمش أنه يجعد معانا ومينساش حاله بعد إكده عتشوفي حالك على ايه يا وش الشوم والفجر، دخلتك علينا كانت بالخراب.
شحب وجهها وتأثرت بحديثها شاعرة باهتزاز قلبها حزنًا بداخلها لكنها حاولت أن تخفي مشاعرها وتتمسك بدموعها بقوة مانعة إياها من السيل أمامها حتى لا تظهر ضعفها بل اتخذت القوة قناع لها أمام تلك الحية الماكرة وأجابتها بجراءة وكبرياء أنثى:
– لاه أنتي فاهمة غلط العيلة لو حد خربها فهو أنتي بجلبك اللسود ده، لكن أني محدش كيفي ولا عمره يجدر يبجى كيفي بس الغلط عندي عشان جعدت معاكي وجللت من حالي بجعدتي ديه.
تأهبت النيران داخل عقلها مسيطرة عليها بقوة، فأسرعت قابضة فوق ذراعها بقبضة حديدية غاضبة، وهدرت بها بعنف وقسوة:
– جللتي من مين يا جليلة الرباية بس صُح الغلط عِند اللي ربتك خطافة الرچالة لهفت الراچل من مرته وولده وأنتي طلعتي كيفها نفس اللاخلاج العِفشة.
شعرت برجفة قوية تسري في أنحاء جسدها بالكامل كما لو لدغتها عقربة سامة وسمومها تنتشر داخل جسدها بالبطيء حتى وصلت إلى عقلها فدوت أنذاره بقوة لتجعلها تتخذ رد فعل سريع، دفعتها بعنف أسقطتها فوق المقعد الذي كان خلفها، وصاحت بها بنبرة حادة مشددة:
– سيرتها متچيش على لسانك العفش وأخلاجك أنتي اللي عفشة لكن هي ربتني زين تربية اللي كيفك ميعرفهاش واصل ولچل إكده مهمدش يدي عليكي بس حج أما هيرچع منيكي ليا چوز يرد عليكي.
نهضت نعمة مجددًا تدفعها بغل، وردت عليها بازدراء مقللة منها بنظراتها المحتقرة المتعالية عليها بغرور غاضب:
– أنتي اتجنيتي إياك ده أني هجتلك نسيتي عاد لما كنتي عتخدمي علينا أنتي وأمك.
صدح صوت عمران الغاضب الذي ولج المنزل للتو مغمغمًا بلهجة حازمة بصرامة:
– مرتي دلوك هي اللي عتتخدم، متخدمش يا عمَة دي مرت عمران الچبالي يعني فوج الخلج كلياتها.
لا تعلم لماذا شعرت بالأمان في حضرته، عادت أنفاسها المسلوبة تنتظم عندما استمعت إلى صوته وكأن روحها عادت إليها شاعرة بلذة الإنتصار بوجوده ودعمه الدائم لها، أقتربت نحوه واضعة يدها فوق يده مغمغمة بمكر:
– أهو چوزي چه بنفسيه يرد عليكي، أني جولتلها مهردش عليها وأنت اللي هتچيبلي حجي منيها غلطت فيا وفي ربايتي وأهلي.
تطلعت نعمة نحوها بضيق بعدما علمت بمكرها، وكيف ستجلب حقها بدهاء، اقترب عمران منها بعضب وعينيه مثبتة نحوها مغمغمًا بجدية:
– عهد دلوك مرتي وجولتلك جبل سابج أن كرامتها من كرامتي ومينفعش حد يجولها حاچة ولا يجلل منيها بكلمة واحدة، لأن بعد إكده مهرحمش حد مش مرتي اللي حد يغلط فيها، أنا هسكت بس المرة ديه لچل أنك عمتيّ وهحترم دِه، بس الله في سماه اللي حصُل لو اتكرر مهسكتش لحد واصل.
وقفت ترمقها بنظرات شامتة وهي ترى شحوب ملامح وجهها، لكنها لم تستطع الرد عليه بعدما رأت موجة غضبه المرتفعة وكأنه استمع إلى حديثها المتعالي عليها..
سار معها إلى الأعلى وهي مبتسمة شاعرة بتراقص قلبها داخلها بعدما جعل الجميع يصمت وعاد حقها إليها، استوقفته والدته التي تحدثت بعدم رضا:
– ابجى تعالى كنت رايدة اتحدت وياك.
اومأ برأسه أمامًا وسار مستكمل طريقه بصحبتها نحو الغرفة وهو يضمها يقربها نحوه، كانت تشعر بالتوتر الذي يصيبها دومًا مع اقترابه لكنها لم تستطع أن تدفعه وتبتعد عنه حتى لا تثير غضبه نحوها ولازالت تتذكر تهديده الغاضب لها سيُنهي وعده بعدم اقترابه منها عندما تنسى يومًا أنه زوجها، تعلم أنه يريد أن يفرض ذاته عليها وسيطرته التامة مثلما أعتاد، لكنها تمنع فعل ذلك بشراسة وإصرار كبير..
أحضرت له جلباب من اللون الأسود القاتم الذي يتناسب مع ملامحه الشامخة، انتهز اقترابها منه بتلك الطريقة وعينيه تطالعها بنظرات شغوفة متمعن النظر بدقة لملامحها الذي لم يكتفِ يومًا من النظر إليها، وتأملها وكأنها أجمل ما رأت عيناه…مد يده نحو رأسها ينزع الوشاح من عليها لتكتمل هيئتها المثيرة بخصلاتها البنية المتناثرة على وجهها التي جعلتها تزداد فتنة تجذبه نحوها بضراوة.
علمت مغزى نظراته وما سيفعله بعدها فأسرعت تبتعد عنه بخطواتها مدعية إنشغالها بأمر آخر حتى تفر هاربة من اقترابه ونظراته اللامعة التي تجهل عن نفسيرها.
تركها تفعل ما تريد تحت أنظاره المبتسمة لكن سرعان ما وجدها تقف أمامه بملامح وجه عابسة مغمغمة بجدية:
– عِملت إيه مع حسن اخوك هيخرچ ميتى؟
تحولت ملامحه هو الأخر ليبادلها نظراتها بغضب متوهج وعينين قاتمة ثم رد يجيبها بجدية مشددًا فوق حديثه:
– وإنتي يخصك إيه عاد في الموضوع دِه مش جولتلك متتحدتيش فيه بعد إكده وتشوفي حياتك مع چوزك يا عهد.
التقطت أنفاسها بصعداء، وأجابته بغضب يعميها وقلبها ينهشها قلقًا على حسن:
– كيف يعني أنت جولتلي هتخرچه وأني وافجت على چوازي منيك لچل إكده هيخرچ ميتى؟
جذبها نحوه بقوة حتى تلاصقت به، وهدر بها بعنف:
– بلاش حديتك الماسخ ده اتحشمي وإنتي عتتحدتي ويا چوزك بلاش خربطة عجل مرايدش أعيد حديتي تاني.
دفعته بقوة مبتعدة ووقفت قبالته ترمقه بعناد، وعينيها معلقة عليه، وعادت حديثها مرة أخرى بإصرار:
– أنت إكده عتخالف حديتك وكنت بتضحك عليّا، أني نفذت اللي جولته ناجص أنت، من ميتى وكبير النچع عيجول حديت ومينفذوش.
اشتلعت النيران تعصف داخله بعد حديثها الغاضب فأسرع قابضًا فوق خصلات شعرها البنية بقوة منفعلًا عليها بحدة:
– الله في سماه يا عهد إن عيدتي حديتك الماسخ جليل الحيا دِه من تاني لاجتلك بيدّي عتفهمي ولا لاه.
شعرت بقلبها يهوى داخلها وارتجفت بخوف من هيئته النارية شاعرة بأنفاسه كجمرات من النيران المتوهجة تُحرق روحها، دفعها بقوة للخلف فسقطت أرضًا رافعة رأسها إلى أعلى وعينيها مثبتة عليه، التقطت أنفاسها بصعداء وصاحت به بغضب محاولة أن تتخطى رهبتها منه الذي طرحها بداخلها منذُ ليلتها الأولى معه، لكن عندما تعلق الأمر بـحـسـن بالطبع لن تصمت بعدما فعلت كل ذلك، ضحت بذاتها لأجله، غمغمت بشراسة:
– أني مجولتش حاچة غلط لچل ما تِعمل فيا إكده، أني جولتلك تنفذ حديتك معايّ كيف ما جولتلي وتخرِچ حسن بكفياه عاد.
اقترب منها حتى أصبح على مستواها وعروقه بارزة بوضوح ضرب يده في الأرض غاضبًا جعل ملامحها تمتعض وتنكمش على ذاتها بعدما علمت أنه وصل لأعلى ذروة بغضبه ازدردرت ريقها الجاف وارتعد قلبها خوفًا بدأت تزحف أرضًا إلى الخلف نازحة عن براثنه لكنه قبض فوق ساقها يثبتها مكانها فارتعشت بخوف متسائلة:
– ا… أنت رايد تخوفني منّيك ليه؟ أني عِملت إيه لكل دِه عجولك تخرِچ أخوك كيف ما جولتلي أني عملت اللي رايده منيّ و وافجـ…
صاح بحدة غاضبة أخرستها يُنهي حديثها الذي يزعجه ليفقد السيطرة على ذاته:
– أنتي معتفهميش حاچة واصل اكتمي على إكده، وجولتلك تجفلي خشمك الحديت دِه.
تركها بعنف وهو يدفعها بقوة ألمتها، لكن قبل أن تتحدث مرة أخرى بإصرار وجدته يتناول عباءته ويرتديها مشعل دخانه بغضب ثم تركها وسار نحو الخارج.
أغمضت عينيها بضراوة وبدأت دموعها تسيل فوق وجنتيها وشهقاتها ترتفع تشق جدران الغرفة التي أصبحت تكره وجودها بداخلها، تشعر أنها كالطير المسجون منزوع الحرية، وقد تحولت حياتها سجينة لأوامره وحديثه لتتلاشى غضبه السريع والذي يعميه ويجعله يفعل بها ما يشاء دون رحمة…نهضت متجهة نحو الخزانة وأخرجت صورة حسن المخفاة بمهارة بين ثيابها، تطلعت نحوه باشتياق واللهفة تملأ روحها شاعرة باحتياجها الكبير لوجوده، من ثم تطلعت نحو الخاتم الخاص به وبدأت دموعها تسيل بغزارة وشهقاتها ترتفع وكل ما بها يؤكد على أهمية وجوده في حياتها، ورغبتها الملحة لرؤيته.
تمتمت من بين بكائها بخفوت ونبرة لاهثة وعينيها تتطلع نحوه بتمعن لامعة بوميض ساطع:
– بكفياك إكده يا حسن ارچعلي، مجادراش أكمل من غيرك يا حبيب جلبي وروحيّ.
احتضنت الصورة بقوة واضعة إياها فوق قلبها الذي يؤلمها ويخبرها بمدى العذاب والوجع الذي يشعر لينتهي بها الحال ساقطة أرضًا بانهيار.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر…
تململت عهد في فراشها بانزعاج بعدما غفت ليلًا بصعوبة بالغة، لكنها شعرت أن هناك شخص ما بجانبها شاعرة بالدفء يصيب الفراش جانبها، لم يمر سوى بضع ثوانٍ وتأكدت ظنونها عندما شعرت بأنفاسه الساخنة التي تلفح عنقها وذراعه تحيط خصرها ليجعلها تقترب منه أكثر.
غمغمت بصوت ناعس منزعج معترضة على ما يحدث:
– عمران بعِد عني، هملنيّ لحالي كيف ما عِملت امبارح.
بالطبع لم يستجب لحديثها بل اقترب أكثر ويده تعبث في خصلاتها الجذابة ثم بدأ يطبع قبلات حادة قوية فوق عنقها، امتعضت ملامح وجهها وتأوهت بألم قوي لم تشعر به من قبل تمتمت بضعف من ببن أنينها الخافت:
– بـعِـد عني عتوچعني يا عـمـران..
كلما كانت تتحدث كانت رغبته تزداد فازدادت قبلاته قوة وازدادت ألمها، لم تستطع البقاء هكذا والتحمل الألم الشديد الذي يسببه لها، بدأ يطبع قبلاته فوق شفتيها ضاغطًا عليهما بضراوة قاسية جعلت الدموع تجتمع داخل عينيها عالمة أنه يعاقبها على ما فعلته ليلة أمس، بدأت تحاول فتح عينيها بضعف وتتطلع نحوه لكنها شعرت الدماء تتجمد داخل عقلها عندما تفاجأت أن مَن أمامها هو ليس عُـمـران زوجها!!..
تمتمت بنبرة خافتة يملأها الصدمة والذهول، وعينيها مثبتة نحوه بقوة والدهشة تسيطر عليها:
– حـــســـن..!
أيعقل لكن كـيـف؟! كيف آتى إلى هُنا ومتى؟! علمت الآن لماذا يزداد عنفًا كلما كانت تهتف باسم عمران، ولماذا هو الآن غاضب منها ويقترب منها بتلك الطريقة القاسية!..
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران نجع الهوى)