رواية نيران نجع الهوى الفصل الأول 1 بقلم هدير دودو
رواية نيران نجع الهوى الجزء الأول
رواية نيران نجع الهوى البارت الأول
رواية نيران نجع الهوى الحلقة الأولى
في أحد محافظات الصعيد بنجع العُمدة تحديدًا داخل منزل الجبالي المتسم على أثاثه الفخامة يبرز مدى قوة ونفوذ العائلة يجتمع جميع أفرادها حول مائدة الطعام، وكان الصمت سائد على الأجواء المشحونة بالتوتر ونظرات عمران الغاضبة بنيران مشتعلة كافية لإشعال النجع بأكمله، غمغم يقضى على الصمت بنبرته الجامدة ذات خشونة مهيبة:
-يعني عتتچوز ياخوىّ وروحت اتحدت عالبنتة وأخوك الكَبير مكانش إهنيه، مجادرش تصبر على حالك لحد ما أعاود.
توقف حسن عن تكملة طعامه شاعرًا بغصة قوية تشكلت في حلقه وحاول أن يجبر ذاته على الإبتسام لينهي الأمر بسلام مغمغمًا بهدوء:
-معلش ياخويّ حجك على راسيّ بس أخوك عاشجان معيجدرش يصبر دجيجة واحدة بعد إكده.
مصمصت نعمة (عمته) شفتيها بعدم رضا وتحدثت مدعية الحزن بمكر تبرز رفضها أمام عمران الغاضب:
-عاشجان! يا ولدي دي تلاجيها سحرالك لچل ما تعشجها إكده والله ديه ما تنفع تُبجى في العيلة دجيجة مخابراش فَهيمة عتوافج ليه.
أجابتها فهيمة بتعقل هادئة:
-وموافجش ليه البنتة زينة وولدي رايدها يانعمة مناجصش غير مباركة اخوه ليه.
قطب عمران جبينه متعجبًا وغمغم متسائلا بجدية حازمة:
-وهي مين العروسة الزينة يمّا اللي رضيتي عنيها؟
أجابته مبتسمة بسعادة تطمئن ابنها الصغير الذي بدا التوتر فوق قسمات وجهه:
-بِِت الحوامدية يا ولدي.
تطلع حسن نحو شقيقه بأعين يملأها الخوف ينتظر رده بلهفة ليتأكد من إتمام زيجته كما يتمنى، لكن الأمر يبدو خِلاف ذلك فقد امتعضت ملامح عمران وانتفخت أوداجه غضبًا ليزداد سواد عينيه القاتمة متسائلا بنبرة جامدة متزنة كما لو اتزانه يعني الهدوء الذي يسبق العاصفة:
-مين من الحوامدية؟!
كان ينتظر اجابتها بلهفة فأسرع حسن يجيبه بقلق:
-عهد ياخويّ بت أحمد الحامدي زينة مش اكده.
كان قلبه يدق بعنف متلهفًا لاستماع موافقته لكن عمران كان في عالم آخر تسحقه أفكار عقله المضطربة، كرر اسمها بينه وبين ذاته بنبرة خافتة مذهولًا:
-عــهــد!! عـهـد بت الحوامدية!
استقام بطوله بسرعة البرق يرمقه بنظرات مشتعلة، ملتقطًا أنفاسه بعنف وغلت الدماء داخل عروقه البارزة ليستحوذ الغضب عليه وازداد أضعاف تحت دهشة كبيرة من الجميع لكن لم يهمه كل ذلك صاح معترضًا بغضب وصوت جهوري زلزل جدران المنزل:
-عهد!! الحديت الماسخ ده معيحصُلش واصل.
أسرعت نعمة معقبة بسعادة وقد تهللت أساريرها:
-زين ما جولت يا عمران والله أني بجول حديتك ده ماللول.
رمقتها فهيمة بحدة أخرستها تمامًا وأسرع حسن يقف قبالته ولازال يشعر بالصدمة لرفضه القاطع وتحوله المباغت فسأله بعدم فهم:
-وه ياخويّ ليه إكده عهد زينة والنچع كلياته خابر إكده وأني بجولك رايدها وجلبي عاشـ..
أنهى حديثه العابث بحدة غاضبًا وازداد جنونه ونظراته الرافضة:
-عجولك إيه اسمع حديتي زين مش هجوله بعد إكده عهد ديه لاه معوافجش عليها.
استفهم متعجبًا بصدمة والذهول يسيطر على ملامحه:
-ليه بس ياخويّ؟
لم يبالي بمشاعر شقيقه العاشقة لها بل استرد حديثه مؤكدًا بقسوة وعينين تلتمع بغضب ضاري:
-الله في سماه ما هتتچوز البنتة ديه غير على چثتي ومهعيدش حديتي.
أنهى حديثه وسار نحو الخارج بخطوات واسعة وجسد متشنج غاضب كما لو داخله نيران متأهبة تزداد اشتعالًا ملتقطًا أنفاسه بصعداء وعقله يعيد ما حدث بالداخل ليصدر عنه تنهيده حارقة كافية لإشعال النجع والبلد بأكملها، وداخله سؤال هام يتردد في عقله المنهمك كيف ومتى شقيقه عشق تلك الفتاة الفاتنة؟! ليزداد الأمر سوءًا بعدما علمه اليوم، ازدادت نبضات فؤاده بعنف وتعالت أنفاسه بصوت مرتفع، محاولًا تهدئة ثورة عقله المهتاج بضراوة كبيرة..
تطلع حسن نحو والدته واسترد حديثه المذهول وقد وقع عليه ما حدث كالصاعقة التي زلزلت روحه:
-كيف يمّا أهملها وأني رايدها؟
تطلعت أمامها بحزن وصدر عنها تنهيدة حارة، ربتت فوق كتفه بحنان حاولت تهدئة الأمر بتعقل:
-اصبر يا ولدي أني هتحدت وياه، هو واخد على خاطره منيك، أنتَ خابر عمران جلبه طيب عيصفى بسرعة.
اومأ برأسه أمامًا وسار هو الأخرى بضيق غاضب شاعرًا بعدم الرضا من أفعال شقيقه وفرض هيمنته عليه دون الإهتمام لمشاعره، لكنه سيبقى هادئًا حتى يستطيع مجاراة أموره لتسير مثلما يريد ويستطيع الزواج من مَن أحب واختارها قلبه..
❈-❈-❈
بعد مرور يومين…
كان يجلس عمران في غرقة المكتب الخاصة به ولج حسن مُهللًا بسعادة ووجه مبتسم هادئ:
-مبارك ياخوي المحصول اتباع وخُلص كُمان.
ابتسم عمران ولم يعطِ إهتمام مغمغمًا ببرود:
_مليح كنت خابر أن هيحصُل إكده.
أقترب يجلس أمامه وحاول التحدث معه مرة أخرى ليهدئ الأمر بينهما:
-لساتك واخد على خاطرك منيّ ياخوي، حجك على راسي أنت خابر معزتك في جلبي، عارف أني غلطت لما عملت إكده لحالي ومستنتش رچوعك.
لم يبالِ بحديثه بل نهض مقتربًا منه يقف قبالته يرمقه بنظرات حادة والشرر يتطاير من عينيه الغاضبتين مردفًا بنبرة آمرة يملأها الغرور:
-أني مهتحدتش وياك غير لما اللي جولته يحصُل وتهمل بِت الحوامدية ديه لحالها وملكش صالح بيها بعد إكده وده هيحصُل بالرضا أو الغصب.
وقف قبالته ملتقطًا أنفاسه بغضب زافرًا بضيق من شقيقه الذي يسعى لإثبات قوة نفوذه وهيمنته الطاغية، ورد عليه بغضب عارم متعجبًا:
-وه كيف رايدني أعمل اللي عتجوله من غير ما اتحدت وياك، أنت معتعملش حساب لحديتي عاد، أني اللي هتچوز يا عمران.
رمقه بنظرات غاضبة وكرر حديثه بإصرار صائحًا به بعنف قاسٍ:
-اللي بجوله هيحصُل ما عاش ولا كان اللي هيوجع حديت جاله عمران الچبالي فوج يا حسن واعجِل حديتك.
امتعضت ملامحه بعدم رضا وأردف بشغف محاولًا تغيير حديثه وكسب رضاه ليستميله:
-اسمعني ياخوي أني عاشجها ورايدها مجدرش اهملها مجدرش.
قال كلمته الأخيرة بضعف مترجي أن ينجح في تهدئته لكن الأمر جاء عكس ما يظن، اهتاج عمران غضبًا فضرب فوق سطح المكتب الذي أمامه بقوة شاعرًا بنيران قوية تعصف داخله بعد استماعه لحديث شقيقه الهاوي لها، هدر به بعنف ساخرًا منه بقسوة:
-جلبك اللي عاشجها ده اشيله بيدّي واحطه تحت رچلي مش وِلد الچبالي اللي عيتچوز من غير موافجة اخوه وكَبير النچع ده، وأنت اتجدمت للبت ديه وأني مش أهنيه يبجي هتهملها كيف ما جولت.
شعر حسن بغضب يعميه هو الآخر شاعرًا بالضيق من قيود شقيقه التي تزداد لكنه لن يتركها سوى بموته، بالطبع لن يترك مَن يريدها بسبب أوامر شقيقه الناهية هو اختارها بقلبه وعليه التمسك بها؛ لذلك همهم بحدة وعصبية معترضًا:
-لاه أني مش ههملها جولتلك رايدها وهي رايداني وكله بارك مناجصش غير مباركتك ليا ياخوى.
اندلع الغضب إلى عقله كاد يفقده صوابه فأسرع قابضًا فوق أطراف جلبابه يهزه بعنف صائحًا بتوعد:
-مش هبارك ولا هوافج مهما حُصُل البت ديه مش هتبجى مرتك فاهم ومفيش حاچة اهنيه بتحصُل غير بموافجتي كنك مخابرش عاد.
قال جملته الأخيرة بسخرية لاذعة ودفعه بقوة ضارية إلى الخلف وهو يرمقه بغضب، فنهض حسن مجددًا وصاح أمامه بتحدٍ ونظرات نارية:
-وأني راچل مش عيل صغير جدامك هتمشيلي حياتي على كيفك، لاه أني مش هسمح بكدّه، وعهد هتُبجى مرَتي.
أنهى حديثه وفرّ هاربًا خارج الغرفة يستشاط غضبًا لا يريد أن يستمع إلى رده مقررًا تحقيق ما يريده ويتزوج من عهد التي يريدها واختارها قلبه المحب لها، لن يدعه يتحكم في حياته، ويبتعد عنها حتى يرضي شقيقه فقط!!..
فيجب عليه التطلع إليه ويوافق لأجله.. هو يكره تحكماته الزائدة وقراراته الصارمة التي يتخذها دون النظر إلى أحد خاصة عندما أصبح كبير النجع متخذًا وفاة والده سبيلًا لتحقيق مطامعه بقسوة طاغية… يجعله يشعر كما لو أنه طفل صغير عديم المسؤولية والخبرة في الحياة لكن في الحقيقة هو عكس ذلك تمامًا..
جلس عمران متنهدًا بصوت مرتفع غاضب يشعر بنيران قوية تشتعل داخله مسيطرة على عقله، بعدما استمع إلى حديث شقيقه عنها وعشقه الضاري لها، لكنه يشعر بالصدمة كـيـف؟! كيف شقيقه يحبها وهو لم يظهر ذلك من قبل ولم يتفوه به؟ اجتمع داخل عقله صورة لها في آخر مرة رآها وحينها أخذ عهد على ذاته أنها لن تصبح لأحد سواه عنوة، لن يتركها لأحد وعلى إستعداد محاربة الجميع دون الإهتمام لأيٍ منهم، على استعداد أن ينقض مفترسًا لكل مَن يقترب منها ويقيد عنقها بقيود عشقه المتملكة لروحها..
يتذكر مظهرها الخلاب الفاتن الذي يفقده عقله وجميع حواسه وكأنه نسى العالم بأكمله ولم يتذكر سواها، بعسليتيها الساحرة يرى وميضهما تحت أنوار الشمس الساطعة ليشعر وكأنها نجمة عالية آتت إليه ولابُد من الحصول عليها، عجبًا لك أيها القلب فقد تمسكت بالدرب المستحيل متخذًا من تحقيقه عهدًا لابُد الحصول عليه ليهدأ وتنتهي ثورة المشاعر الغاضبة التي اندلعت داخله، عجبًا للقدر الذي يساهم في فراقها عنه وكأن كل ما حوله يتفق ضده لكنه سيظل صامدًا متمسكًا يها، فـكـيـف يتركها متنازلًا عنها لشقيقه وهي عـهـد عليه؟
لا أحد يعلم بحقيقة مشاعره نحوها لكنها ستكون مِلكًا له في النهاية متحدي القدر وجميع الصعاب التي تمنعه عنها، لا يريد أن يشعر بمذاق الفراق المرير..
وقفت فهيمة في الخارج شاعرة بالغضب هي الأخرى بعدما استمعت للمشاجرة التي تمت بين أبنائها ورأت الأمر يزداد صعوبة بينهما، لكن كيف لأبناء الجبالي أن يحدث ذلك بينهما تسجل اعتراضها وبضراوة، مقررة التدخل فيما بعد لحل الأمر بهدوء، لن تترك شيء يفرق بينهما وإذا شعرت أن ذلك سيحدث فستدمر مَن يفعلها دون رحمة..
❈-❈-❈
استيقظت عهد بملامح ممتعضة متألمة على يد تقبض فوق خصلات شعرها السوداء بقوة شديدة فصدر عنها تأوه خافت عالمة أن أخيها هو مَن يفعل ذلك فتحت عينيها التي قابلت الضوء فأغمضتها لوهلة بضيق متأفأفة عدة مرات ودفعته بقوة إلى الخلف ليبتعد عنها، وأردفت معترضة بضيق:
-بعّـد عني اتجنيت إياك، جولتلك جبل سابج يدّك اللي تترفع عليّ هجطعهالك بعد إكده ياخوي.
صاح بها بغضب متبجحًا دون أن يبالي لما تتفوه:
-چهزي الوكل وفين الفلوس اللي هملهالك حسن لما چاكي عشية.
هبت واقفة قبالته بغضب وصاحت بشراسة حادة:
-دول حاچتي، ملكش صالح بيهم هچيب اللي ناجصني منيهم هو جالي إكده.
لم يهتم بحديثها فاقترب قابضًا فوق خصلات شعرها بقوة تزداد عما كان في السابق، وكرر حديثه متوعدًا بغضب:
-بجولك هاتي اللفلوس غير إكده هحلف ما ليكي خروچ من الدار واصل.
حاولت أن تبعده عنها متألمة بين يديه صارخة بضيق:
-هملني أنتَ لحالي وبعِد عني مش هديك حاچة روح رچع مرتك اللي هملتك وهـ…
لم ينتظر أن يستمع إلى حديثها الذي لن يهمه فقاطع حديثها بصفعة قوية هوى بها فوق وجنتها ودفعها بضراوة مما جعلها تسقط أرضًا وتصتطدم رأسها بالحائط فبقيت جالسة تنتظر ذهابه حتى لا يزداد الأمر، لكنه لم يبالِ صاح بعصبية ولهجة مشددة حادة:
-أني موافجتش على چوازك منيه عشان تجوليلي لاه ومطولش منِيكي حاچة.
جلست مكانها حتى تجعله يتركها في صمت لكنها تفاجأت به يبحث في الغرفة عن المال الذي أعطاها حسن إياه أثناء وجوده بعينين تلتمع بالطمع..
طالعها بضيق والشرر يتطاير من عينيه المصوبة نحوها بعدما أخفق في الوصول إليهم وغمغم بحدة ولهجة مشددة غاضبة:
-فين اللفلوس يا عهد مهسكتش غير لما تچبيهم.
ظلت صامتة كما هي لم تعيره اهتمام فازداد غضبه منها مقررًا أن ينهال عليها بالضرب مرة أخرى حتى يحصل على ما يريده، لكن قبل أن يفعل شيء استمع إلى دقات الباب المتعالية فذهب متأفأفًا بغضب حتى يرى مَن الذي آتى.
تفاجأ بوجود فهيمة الجبالي تقف أمامه بشموخ تطالعه بنظرات متفحصة له بغرور فأسرع يرحب بها بحرارة مشيرًا لها أن تدلف:
-أهلًا يا ست فهيمة نورتي الدار عندينا بچيتك.
ولجت إلى الداخل دون أن تعير اهتمام لحديثه وهمهمت متسائلة ببرود لتنفذ ما آتت لأجله:
-فين عهد أُومال روح جولها إني رايداها.
اومأ برأسه أمامًا وأسرع متوجه نحو غرفة عهد الصغيرة في ذلك المنزل المتهالك أثاثه الذي يعبر عن حالة مَن بداخله، وغمغم بتوتر وهو قلق من مجيئها إلى هُنا بذاتها:
-جومي فزي يا بت بسرعة الست فهيمة جاعدة مستنياكي بدها تتحدت معاكي.
نهضت هي الأخرى مسرعة شاعرة بعدم الإرتياح، فهي تعلم كم هي ذات شخصية حادة متكبرة يهابها الجميع خوفًا من صرامتها لكنها حاولت أن تهندم من هيئتها ملتقطة أنفاسها بصعداء محاولة أن تحث ذاتها على الخروج لتراها فصاح بها حازم بغضب وهو يدفعها بقوة إلى الخارج:
-ما تشهلي شوية هي هتجعد مستنياكي إياك.
تأفأفت بغضب من أفعاله وسارت إلى الخارج حيث تقف فهيمة وتنتظرها فأسرعت ترحب بها مبتسمة:
-كيفك يا ست فهمية.
ألقت نظرة سريعة عليها تتفحصها ثم أجابتها ببرود:
-مليحة كنت رايدة اتحدت وياكي يا عهد.
كانت تشعر بقلق شديد وتسارعت دقات قلبها فهي لن تأتِي إليها سوى عندما يكون الأمر هام بالطبع تمتمت بتوتر وخوف حتى تجعلها تتحدث وتخبرها عما تريده:
-جولي اللي يعچبك يا ست فهيمة.
أسرعت تتحدث منتهزة الفرصة وتمتمت بجدية ماكرة:
-عمران ولدي وكبير النچع مكنش موافج على اللي حُصُل عشان مكنش موچود الشهرين، وحسن زعل منيه فريداكي تتحدتي ويا حسن أنه يچي يصالح أخوه أنتي أكيد معتحبيش اللي هيحصلد
سرعان ما اتضحت لها الرؤية وعلمت ما تريده منها لكنها بالطبع لن تقوى على الرفض، تعلم أن ما ستفعله لن يعجب حسن لكنها مجبرة على الموافقة أمام نظرات فهيمة النارية المصوبة نحوها التي تمتمت بحدة ولهجة مشددة عندما طال صمتها:
-جولتي إيه يا عهد؟
أسرعت تومأ برأسها أمامًا بتوتر وتمتمت بخفوت تخبرها موافقتها:
-هجول إيه يا ست فهيمة اللي رايداه هيُحصل وهنراضي سي عمران كيف ما تحبي.
ابتسمت برضا بالرغم من علمها أنها ستفعل ذلك عنوة، لكنها لن تهتم بشيء سوى لتنفيذ ما تريده فنهضت بشموخ وغمغمت بنبرة متعالية يملأها الغرور:
-طالما إكده بجى تعالي معاي حسن موچود في البيت.
غرزت أسنانها في شفتها بغضب سيطرت عليه بصعوبة ونهضت معها محاولة أن تجبر شفتيها على الإبتسام حتى لا تجعلها تشعر بشيء وأسرعت تعد ذاتها إلى الذهاب واضعة الوشاح الأسود فوق رأسها وسارت معها في صمت تام.
ولجت المنزل معها بخطوات متعثرة خائفة وبداخلها الرهبة الكبيرة من دخول هذا المنزل، هي لم تأتِ إليه سوى مرة واحدة من قبل بصحبة حسن في البداية وكان هو بجانبها يدعمها ويحاول القضاء على رهبتها الكبيرة،
لا تعلم كيف ستعيش به بعد فترة قصيرة وهي لازالت تخشى الذهاب إليه، ترى داخل هذا المنزل العديد من الأسرار المخفاة عن النجع بأكمله ولم يكذب شعورها حقًا..
سارت نحو الداخل بمفردها بعدما وقفت فهيمة في الخارج تتحدث مع إحدى سيدات النجع، ما أن ولجت حتى تفاجأت بعمران يقف أمامها عادت مسرعة بخطواتها إلى الخلف متراجعة عن الإقتراب منه برهبة كبيرة، تفاجأ هو الآخر بوجودها فثبت بصره نحوها بنظرات مجهولة لديها لكنه هو كان يتطلع نحوها برغبة عاشق عُهد إليه حبها هي فقط زاهدًا باقي النساء، عينيه تتطلع نحو كل أنش بها لم يتخيل وجود فتاة مثلها، لا يعلم ما المميز بها حتى تسحره هكذا لكنه يراها مميزة في كل شيء، لم تنقطع نظراته نحوها وهلة واحدة كان يحاول أن يقضي على اشتياقه ولوعته المتأهبة، يحاول القضاء على صورتها التي تجتمع كل يوم داخل ذهنه يخبر ذاته أنها أمامه لا داعي للتفكير بها الآن عليه فقط النظر إليها ليدلف الإرتياح قلبه المتلهف لرؤيتها، لكن كيف سيبتعد عنها هو يسعى لإمتلاكها؟… يجب أن يفعل كل ما يستطيع فعله حتى يجعلها تبتعد عن شقيقه، هو لن يهدأ سوى بإمتلاكها سيجعلها مِلك لـعمران الجبالي شاءت أم أبيت!!
لاحظ ذعرها وخوفها عندما رأته لكنه لم يهتم أن كانت تخشاه أم لا هو يفكر في طريقة لتنفيذ ما يريده لن يهدأ سوى وهي ملكه!!. ابتلعت ريقها الذي جفّ بتوتر من نظراته الجائعة فتمتمت بخفوت ضعيف:
-كيفك يا سـ… سي عمران؟
يشعر لأول مرة بجمال اسمه الذي يستمع إليه من بين شفتيها المكنتزة الذي تمنى أن يلتقطهما في قبلة شغوفة قوية لكنه لن يستطع فعلها لن يتخيل أنها ستكون قريبًا زوجة شقيقه لن يسمح بذلك سوى بموته، نبرة صوتها العذب يستمع إليها وكأنها أنغام موسيقية تتلاعب بأوتار قلبه العاشق، حاول السيطرة على ذاته وأجابها بنبرة حادة قاسية كما يفعل مع الجميع:
-أني مليح أنتي چاية ليه اهنيه في حاچة؟
حركت رأسها نافية بتوتر وتمتمت بنبرة متلعثمة ضعيفة والقلق سيطر عليها:
_-لاه مفيش حاچة أني چاية اتحدت ويا حسن.
اهتاج عقله عليها شاعرًا بالغضب بعدما استمع إلى إجابة خاطئة منها، هي الآن متواجدة لأجل حسن وهذا أكثر شيء يزعجه، فقد السيطرة على ذاته فأسرع مقتربًا منها بخطوات واسعة غاضبة، عادت إلى الخلف كلما رأته يقترب منها لكنه أسرع قابضًا فوق ذراعها بقبضة حديدية غاضبة يمنعها من الذهاب، صائحًا بها بحدة متوعدًا:
-تتحددتي مع مين اتچنيتي عاد، مفيش ويانا اللي عتجوليه خافي على حالك واتحشمي، بعدين مين وافج على چوازك منيه؟
شعرت بالغضب من حديثه فحاولت دفعه بعيد عنها محاولة الفرار من قبضته لكنها فشلت فابتسم ببرود مما جعلها تشعر بالغيظ وتمتمت بغضب وضيق:
-بعّد عني وهملني حسن مش صغير عشان حد يوافجله على الچواز هو رايدني وده كفاية عِندي بالدُنيا كلياتها.
ازداد من ضغطه فوق ذراعها بغضب أكبر واستشاط عقله بنيران غاضبة مصوبًا نظراته نحوها كأنه سينقض عليها ويقتلها لذلك شعرت بالخوف منه إلا أنه لم يهتم لمخاوفها تلك المرة ولازال حديثها يتردد داخل عقله بغضب فصاح بها بحدة ولهجة حازمة:
-مش حسن بس لللي محتاچ اللي يوافجله لاه حديتي بيمشي على النجع كله وأنتي خابرة إكده زين، أنتي واجفة جدام عمران الچبالي كبيرك وكبير الكل مبجاش ناجص غير اللي زيكي يتحدت ويايا إكده.
شعرت بالحزن واجتمعت الدموع داخل عينيها مبتلعة الغصة القوية التي تشكلت داخل حلقها لإهانته لها لكنها لم تصمت بل رمقته بغضب وتحدٍ محاولة إظهار قوتها والتحكم في حزنها مانعة دموعها من السيل أمامه معلنة تأثرها بحديثه وقسوته لذلك ردت عليه:
-اللي كيفي معملش حاچة غلط لكن كبير النچع هو اللي عمل وغلط في واحدة وبيجلل منيها كمان، هي دي أصول كبير النچع.
رمقها بحدة متوعد إليها وقد برزت عروقه غاضبًا فرفع يده عاليًا ليصفعها بعدما أعماه غضبه أغمضت عينيها بضعف واضعة يدها فوق وجهها بخوف محاولة إنقاذ ذاتها لكنه لم يبالِ بخوفها لم يتوقف عما ينوى فعله سوى عندما صدح صوت حسن عاليًا معترضًا عن فعلته:
-عـــمــران!!
لم يهتم لوجود شقيقه فأسرع متوجه نحوهم بغضب شديد ودفعه إلى الخلف بقوة صائحًا بحدة وغضب يعميه مستنكر أفعال شقيقه الغير مألوفه منذُ أن علم بتقدمه لخُطبة عهد:
-إيه اللي عتعمله ده ياخوي من ميتى وبترفع يدّك على حريم عاد بعد عَنيها وملكش دعوة بيها واصل عهد هتُبجى مرتي بالرضا أو الغصب عن الكل أني مش ههملها.
استشاط عمران غضبًا ولم يستطع التحكم في أفعاله فأسرع يلكمه في وجهه بقوة متمتمًا بغضب حاد من بين أسنانه:
-الله في سماه أن ما هملتها هتشوف وجتها وش تاني لعمران الچبالي، حديت أخوك هو اللي هيُحصُل.
شعر حسن بالإهانة خاصة أنه فعل ذلك في وجودها، لكن قبل أن يفعل شيء كانت عهد ممسكة بذراعه وتمتمت بنبرة مترجية بحزن محاولة السيطرة عليه قليلًا حتى لا يزداد الأمر سوءً وتكون هي المذنبة في النهاية، فهُنا في هذا النجع لا أحد سيعترف بخطأ كبيرهم “عمران الجبالي” الذي يحصل على هيبة والرهبة الكبيرة من الجميع:
-حسن خلاص عشان خاطري تعالى نتحدتُ بعيد وهمله لحاله خلاص محصُلش حاچة.
تطلع نحوها بعينين حادة أخافتها فانكمشت على ذاتها برعب متسكة بيد حسن بقوة، وغمغم بحدة ووعيد صريح:
-بعدي أنتي عنيه عشان چوازكم عمره ما هيتم من غير رضايا وأني عمري ما هوافجلكم عليه، الله في سماه هتزعلي في الآخر.
ضحكت ببرود محاولة إخفاء مشاعرها الخائفة كما اعتادت فابتسمت بلا مبالاه لتظهر عدم تأثرها بحديثه وكأنه لم يتحدث معها لكن بداخلها هي تخشى ما سيفعله عالمة جيدًا أنه لن يصمت، وجهت حديثها نحو حسن بهدوء:
-بدي اتحدت وياك في حاچة مهمة.
سار معها جالسًا في الحديقة الخاصة بالمنزل شاعرًا بالغضب مما حدث فعمران شخص قاسي متسلط يريد الجميع يسير كما يهوى دون الإهتمام لرغبة أحد، لكنه مهما حدث لن يتركها هو يريد وجودها في حياته وأخبره بحبه لها إذًا لماذا يفعل ذلك؟! تنهد بغضب حاد يعصف بداخله، أغمض عينيه بقوة فطالعته بحزن عالمة ما يشعر به محاولة التحدث بمرح لتخفف عنه قليلًا وهي تلعن ذلك القاسي المتجرد من الرحمة:
-وه يا حسن هنجعد ساكتين إكدة مش هتجولي حاچة واصل.
ابتسم أمامها بهدوء محاولًا أن يخفي مشاعره وعنها واقترب منها أكثر مردفًا بلوعة وعشق متلهفًا لذلك اليوم الذي سيجتمع به معها:
-اتوحشتك جوي يا عهد كنت هچيلك بس أنتي سبجتيني وعملتيها.
ابتسمت بخجل واضعة يدها فوق وجهها وعادت هي إلى الخلف متمتمة بتوتر متلعثمة من نبرته العاشقة لها والتي لم تتخيل يومًا استماعها:
-بس يا حسن بتخچلني متجولش إكده أني مبعرفش أرد على حديتك.
اعتلت ضحكته لرؤية هيئتها الخجلة بعدما سيطر اللون الأحمر القاني فوق وجنتيها فأردف بجراءة:
-بتخچلي من حديت بعد الچواز مش هيبجى حديت بس دة هيبجى أفعال كُمان.
انهى حديثه ضاحكًا غامزًا لها بعينيه فنهضت مسرعة بخجل بعدما فهمت ما يشير إليه متمتمة بتلعثم محاولة السيطرة على ذاتها:
-بس يا حسن اوعاك تعيد الحديت ده تاني معاي احنِا لساتنا متچوزناش، كنت عاوزاك متزعلش من سي عمران هو أكيد ميجصدش اللي حصُل حاول وياه براحة.
تهرب من خجلها بذلك الحديث لكنه لم يقتنع بحديثها الذي لم تقتنع به هي الأخرى وتردفه عنوة صاح متوعدًا بغضب وقد ازداد تمسكه بها:
-لاه أني مش هسكتله عاللي حُصُل، هو عشان الكبير هيعمل إكده.
خشيت أن يفعل له شيء ويزداد الأمر سوءً بينهما بالطبع لن تريد أن تكون هي المتسببة في تدمير علاقتهما كما أشارت فهيمة في حديثها:
-محصلش حاچة يا حسن هو بس تلاجيه واخد على خاطره منيك عشان اتفاچأ لما رچع.
تطلع أمامه صامتًا والدماء تغلي بداخله بغضب شديد مزمجرًا بحدة لكنه يحاول أن يظهر الأمر طبيعي حتى لا تشعر به محاولًا إخفاء جميع مشاعره الحقيقية متخذًا من البرود سبيلًا لإخفاءها مغمغمًا بهدوء حتى لا يزعجها:
-خلاص يا عهد ربنا ما يحرمني منيكي ومن وچودك معاي ومعوزكيش تزعلي واصل.
ابتسمت بخجل دائم عندما تستمع إلى حديثه الذي يطرب أذنيها ويجعلها ترفرف عاليًا حاصلًا على قلبها التي لم تتخيل يومًا أن يفرح بعد موت والديها لكنه استطاع أن يفعلها ويمتلكه نتيجة لحبه الكبير لها الذي يردفه دومًا، لم تستطع الرد على حديثه فحاولت الهروب متمتمة بنبرة خافتة متلعثمة:
-أنـ…أني ماشية بدك مني حاچة.
عقب على حديثها بعشق جارف عازفًا على أوتار قلبها العاجز عن تحمله:
-رايد سلامتك.. استني هوصلك.
حركت رأسها نافية وأجابته معترضة برفض هادئ:
-لاه متجلجش عليا هبجى اتحدت وياك لما اوصل.
سارت نحو الخارج بخطوات مسرعة شبه راكضة لكنها وجدته يجلس يتطلع نحوها بأعين حادة، نظرات متوعدة جعلتها ترتجف وبدا الخوف وعدم الرضا لرؤيتها إليه، لا تعلم لماذا يتطلع إليها بتلك الطريقة شاعرة بعدم الإرتياح هي تهابه بشدة ليست هي وحدها مَن تهابه فجميع أهل نجع العُمدة يهابونه، لكنها لا تعلم لماذا يكرهها هكذا؟ هي لم تتذكر أنها اختلطت معه سوى عند موت والديها، مرة واحدة فقط كانت كافية ليكرهها هكذا، ولكن كـيـف؟! سألت ذاتها مستنكرة هي وقتها لم تفعل شيء، لم تتذكر أنها تحدثت معه هي بكت فقط بصمت فلماذا يكرهها!!؟ حاولت أن تنفض أفكارها عن عقلها حتى لا تصاب بالجنون بسبب شخص هكذا ملتقطة أنفاسها بصعداء شاعرة بعودة الهواء إليها بعد ابتعادها عنه..
حمقاء هي تظن أن تلك المرة كانت كافية لتجعله يكرهها!! كيف تفكر هكذا في الحقيقة هي كانت كافية لتجعله يعشقها لكن عشقه لها سيكون على طريقته الخاصة ستُعشق كما يهوى عمران الجبالي عنوة.
كان يجلس يفكر بها متذكرًا نظراتها الخائفة إليه، كيف كانت تهرب من عينيه النارية المصوبة نحوها، لم يهتم إلى أمرها هو يفكر الآن في طريقة لينهي علاقتها مع شقيقه هي ملكه هو فقط..
❈-❈-❈
كانت فهيمة تجلس مع نعمة شقيقة زوجها الراحل.
تمتمت فهيمة بغضب مشتعل بعدما علمت ما حدث بين ابنائها محاولة التفكير قليلًا للوصول لحل مُرضي مغمغمة بغضب:
-إيه اللي حُصُل لولاد الچبالي الوضع دِه ميتسكتش عليه واصل لازم أوصل لحل ماتفكري معاي يا نعمة أومال چاية تسكتي دلوك!؟
ابتسمت نعمة منتهزة الفرصة التي حصلت عليها
وتمتمت بتفكير سام ماكر:
-مش ساكتة بس اللي هجوله دلوك مش هيعچبك يا فهيمة وهتتمسخري عليّ.
رمقتها بعدم فهم معقدة حاجبيها متعجبة لحديثها تمتمت متسائلة باستنكار:
-ليه يا نعمة عتجولي إيه يخليني اتمسخر عليكي عاد؟!
ابتسمت ببرود عندما رأت حيرتها وتحدثت بخبث:
-السبب في اللي حُصُل كلياته بيناتهم، البت العجربة اللي ما تتسمى عهد هي اللي عملت إكده، لازمن تتربى زين وتبّعد عن عيلة اللچبالي.
فكرت فهيمة في حديثها محركة رأسها نافية برفض وعدم اقتناع:
-لاه يا نعمة ليكي حج تسكتي يا خيتي عهد مالهاش صالح باللي حُصُل دي چات النهارده عشان طلبت منيها إكده واتحددت ويا حسن كُمان.
عقبت فوق حديثها بتهكم ساخرًا وهي ترمقها بسخرية تامة محاولة إقناعها بحديثها:
-وعملت إيه لما چت يا فهيمة ولعت البيت وليعة كَبيرة، البت دي عتكدب علينا رايدة تهد العيلة وأنتِ هتُبجي بتساعديها بطيبة جلبك ياخيتيّ.
فكرت في حديثها قليلًا لكنها تمتمت برفض:
-نجطيني بسكاتك دلوك وهمليني لحالي أني هحل اللي حُصل بيناتهم.
تأفأفت نعمة بغيظ ونهضت على مضض تتركها وهي مقررة ألا تصمت محاولة أن تجعلها تقتنع بحديثها مرة أخرى لتثأر لحقها الذي لم تنساه، فالتمعت عينيها بمكر والشرر يتطاير من عينيها المتوعدة لها سرًا..
❈-❈-❈
بعد مرور يومين..
في منتصف الليل
استيقظت عهد ليلًا حيثُ تسود ظُلمة الليل الحالكة، شاعرة بصوت في المنزل قطبت جبينها بخوف سيطر على قلبها وقد دب الرعب أوصالها مرتجفة، تعلم أن شقيقها لن يعود اليوم، حاولت أن تشجع ذاتها قليلًا ونهضت بخطوات متعثرة بطيئة الخوف يملأها ملتقطة أنفاسها بتوتر وسارت خارج غرفتها لترى مَن اقتحم منزلها في ذلك الظلام الدامس، لكنها فجأة اصطدمت بشيء صلب قوي شاعرة بأنفاس حارة تلفح وجهها اعتلت صرختها بخوف وتمتمت بتوتر متلعثمة شاعرة بانقباض قلبها بداخلها وتوقف نبضاته:
_ أنتَ مـ… مين ورايد مني إيه دلوك؟
كادت تبتعد عنه لكنها تفاجأت بقبضته القوية فوق خصرها ليقربها منه أكثر، فصاحت بضيق وخوف محاولة السيطرة على مخاوفها حتى لا ينتهزها ذلك المجهول:
_ بعّد عني وهملني لحالي هصوت وأچيب النچع كلياته.
ازداد من ضغطه فوق خصرها فتأوهت متألمة وتمتمت بضيق من بين دموعها التي تسيل بصمت:
-أ… أنتَ خابر سي عمران كبير النچع دِه ممكن يعمل ايه دِه جاسي ومعيرحمش حد واصل، وأنت شكلك مش من إهنيه متِعرفش ممكن يعمل ايه.
اعتلت ضحكته ببرود وأجابها بلا مبالاة هامسًا داخل أذنيها فشعر برجفة جسدها أسفل قبضته:
-عمران الچبالي بس هو اللي يجدر يدخلك إهنيه وفي الوجت دِيه ومحدش يجدر يجفله واصل.
تطلعت داخل عينيه ترى وميضهم تود التأكد مما استمعت إليه لكنها تعلم صوته الوخيم جيدًا الذي يغلفه القسوة، لا تعلم من أين حصلت على تلك القوة التي دفعته بها ليبتعد عنها وأسرعت تعيد الضوء لتقضي على الظلام السائد في المنزل حتى تراه وتتأكد من وجوده أمامها، شعرت بالصدمة عندما رأته يقف ببرود كأنه لم يفعل شيء شعرت بالغضب من وجوده أمامها وصاحت معترضة على وجوده وهي ترمقه بضيق:
-أنت بتعمل إيه إهنيه ميصُحش إكده ومش أني اللي هعلم كَبير النچع الأصول يا سي عمران.
لم يهتم لحديثها بل أجابها ببرود متبجحًا:
-ومش أنتي اللي هتجوليلي الأصول أني الكبير كيف ما جولتي وچاي اليوم لچل أني احاسبك يا عهد.
تطلعت داخل عينيه بغضب وهتفت بتحدٍ غاضبة:
-وچاي تحاسبني في نصاص الليالي يا كبير إكده يُبجَى أنت اللي رايد تتعلَم.
أقترب منها مسرعًا بخطوات واسعة ضاغطًا فوق ذراعها بقوة آلمتها صائحًا أمامها بقسوة مشددًا فوق حديثه:
-جولتلك تهملي حسن صُح وأنتي مهتمتيش للي جولته مش عمران الچبالي اللي هيتكسرله كلمة وانتي بنفسك جولتي أني جاسي ومعيهمنيش حد.
حاولت الأبتعاد عنه بضيق لكنها فشلت فتمتمت بغضب معترضة على حديثه بتحدٍ محاولة عدم إظهار خوفها والرعب المتواجد داخل قلبها عالمة جيدًا أنها لم تستطع الوقوف أمام شخص مثله:
-بعّد عني مينفعش تفضل إهنيه أني لوحدي وحديتك ديه مش هنفذه لأن حسن رايدني وهنتچوز كُمان
دفعها بقوة إلى الخلف ورفع يده عاليًا ينوى صفعها فأغمضت عينيها بخوف واضعة يدها أمام وجهها بحماية محاولة الدفاع عن ذاتها، لكنه عاد بخطواته نحو الخلف متراجعًا عن قراره الغاضب وأردف يهددها بوعيد:
-الله في سماه يا عهد وعهد عليا ليوم الدين أن ما هملتي حسن هتندمي وهبكيكي وبرضك مش هتبجي ليه لا دلوك ولا بعد إكده طول ما أني حيّ، وانتي خابرة إني جادر أنفذ حديتي من دلوك كُمان.
سار نحو الخارج وتركها واقفة تطالع أثره بذهول لا تعلم سبب إصراره الكبير في ابتعادها عنه!!.رأت إصراره في عينيه القاسية وكأنه سينفذ تهديده لها، لكنها حركت رأسها نافية ملتقطة أنفاسها بصعداء منكمشة على ذاتها برعب ولا تعلم كيف ولج المنزل وهي بمفردها دون أن تشعر مقررة عدم الصمت على فعلته بقيت هكذا بضع دقائق وسيطرت على دوامة أفكارها، كادت تغلق الباب بعد ذهابه لكن قبل أن تفعلها تفاجأت بثلاث سيدات يخفون وجوههم يدفعون باب المنزل بقوة يقتربون منها والشرر يتطاير من عينيهم متوعدين لها علمت أنه هو مَن أرسلهم إليها بالطبع مستخدمًا نفوذه ضدها، تمتمت برعب وذعر:
-أنتوا رايدين مني إيه هملوني وبعدوا عنيّ جولوله أني مش ههمل حسن.
اعتلت ضحكاتهم شامتين بها لهيئتها المرتعبة منهم مغممين بتوعد ونبرة جعلت قلبها سيتوقف لما سيحدث لها:
-هنربوكي يا جليلة الرباية لحد ما تعرفي أنتي عتجفي جدام مين.
قبل أن تركض مبتعدة عنهم خارج المنزل محاولة طلب المساعدة كانت سقطت في قبضتهم القاسية لم يتركوها بل قبضوا فوق شعرها بقوة كاد أن يقتلعوه لكنهم لن يهتموا لأمرها بدأوا يسددون لها ضربات مبرحة قوية دون رحمة، فانفلتت صرخاتها المتألمة تدوي عاليًا مسحوبة بوجعها لما يحدث لها بسببه فأسرعوا يكتمون أنفاسها ليستكملوا ما آتوا إليه، لم يصدر منها سوى آنين خافت متأوه يعلن عن وجعها الساحق لروحها، كانت تعلم من قبل أنه قاسي ولم يُهاب أحد لكنها لأول مرة تعلم أنه ظالم أيضًا..!!
تأكدت ظنونها عندما رأته عاد من جديد يقف عند أعتاب المنزل يتطلع لما يحدث بقسوة وتشفي لتنفيذ ما يريده، رمقته بنظرات ضيعة واهنة قبل أن تغمض عينيها فاقدة وعيها لم تشعر بشئ آخر بعدما رأت مدى قسوة والظلم عُمران الجبالي في سبيل تحقيق ما يهواه..!!
بدأ بوضع قيوده الحادة حول عنقها ليمتلكها بقلب قاسٍ يسوده ظُلمة حالكة ويقف أمام القدر وقسوة الفراق المريرة، يرى وجع روحها الساحق والآم فؤادها بعد أن تعالى آنينه، لكن ذلك القاسي لم يهتم سوى بتحقيق ما يريد عَنوة.
❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈❈-❈-❈-❈-❈❈-❈-❈-❈❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران نجع الهوى)