روايات

رواية نيران الغجرية الفصل العشرون 20 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل العشرون 20 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء العشرون

رواية نيران الغجرية البارت العشرون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة العشرون

غربة قلب.
___________________
” تعلم ألا تلوم أحدا على اختياره ما لم تضعك الظروف مكانه ، لو دخلت لقلب من تستنكر صنعه لأشفقت عليه.
فلا يدري بقلوب العباد إلا رب العباد ! “

أدار المفتاح في مزلاج الباب و فتحه ليلج للداخل بخطوات هامدة و أعين جامدة ، منذ قليل فقط كان يقود سيارته بسرعة إلى هنا على أمل إيجادها و لكن عندما إتصل في منتصف الطريق بالحارس و الذي أخبره أن السيدة لم تأتي إعتصر قبضته و غلت الدماء في عروقه.

ألقى نظرة مطولة على الأرضية الملطخة بقطرات الدماء دون أن يرف له جفن و إستحضر في ذاكرته مشهد مريم صباح اليوم وهي فاقدة الوعي.
ثم إشتدت عضلات وجهه متذكرا عندما غادر غرفتها في المستشفى كي ينهي إجراءات الخروج ولكنه تفاجأ بإختفائها عند عودته و رؤية سريرها فارغ و قد تركت خاتم الزواج !

حينها جن جنونه و صرخ على الأطباء و الممرضات و هددهم بمقاضاة مشفاهم إذا لم يجدوا المريضة المختفية حتى أنه لم يصدق أنها تركته بملء إرادتها إلا عندما رآها بواسطة كاميرات المراقبة وهي تسير حافية في الرواق تضع يدها على بطنها بينما اليد الأخرى تستند بها على الجدران و ملامحها كلها تدل على التعب و الإرهاق … اللعنة إلى أين ذهبت مريم وهي بهذه الحال … و لماذا ؟!
لمح هاتفها الملقى أسفل الأريكة فإنحنى ليأخذه متأملا أن يكون فيه شيء يدله على مكانها ، دقق عمار في سجل المكالمات و رسائل الهاتف و حتى رسائلها على جميع حساباتها في مواقع التواصل المختلفة لكنه لم يجد شيئا …

هي لم تتكلم مع أحد إلا صديقتها هالة و عمها و زوجته هؤلاء الثلاثة فقط من تتواصل مريم معهم و بالفعل منذ إختفائها وهو يتتبعهم و أوكل رجاله بحراستهم فربما أحد منهم يخفيها عنه بطلب من تلك المجنونة.

تحرك و سار بإتجاه غرفة نومهما ثم جلس على الفراش ضاغطا بيديه على أطرافه و عدة أفكار تغزو عقله الآن.
قبض عمار على فكه بتزمت متذكرا نفسه وهو يجوب الشوارع بحثا عنها حتى وجد نفسه يقطع طريق رفيقتها البغيضة و يستجوبها بحدة عن مكان مريم … و لكن هالة تفاجأت عندما علمت بإختفائها بل و انصدمت صارخة عليه بأنه السبب فيما حدث.
رفع عمار يده يدلك عنقه المتشنجة مناشدا إستقراره العقلي و بدأ يفكر مليا … مريم غادرت فجأة و كانت في حالة مزرية لا تسمح لها بالتحرك كثيرا إلا أنها إختفت ولم يستطع رجال كثيرون إيجاد أثر لها …
هل من الممكن أن تكون مريم تواصلت مع أحد لا يعرفه قبل وقوع الحادث و خططت معه لعملية الهروب هذه ثم حذفت رقمه ؟
هناك إحتمال كبير لحدوث هذا و لكن سحقا كان عمار سيعلم كل شيء لو تنصت على مكالمات آخر شهر لزوجته إلا أن التعطل المفاجئ لتطبيق المراقبة من على هاتفها حال دون ذلك.

ولم يجد وقتا لتصليح نظام كاميرات المراقبة و كأن الكون كله تعاون ليمنعه من معرفة شيء عنها فهاهو يجلس مثل الأحمق جاهلا مكان زوجته واللعنة ألف مرة على ذلك.

هذا كله حدث بسببه ، لقد أهمل مراقبة تحركاتها في آخر فترة و السبب كان إنشغاله بالجانب العاطفي الذي يخص حياته الزوجية ، في السابق كان يرصد كل خطوة تخطوها مريم يتابع ما تفعله في الشقة حتى هاتفها وضع به تطبيقا يجعل كل ما تفعله عليه ينعكس على شاشة هاتفه كنسخة ثانية له و يرى من خلاله سجل مكالماتها و محادثاتها على مواقع التواصل و معرض الصور وكل تفصيلة صغيرة عنها.

لو أن عمار ظل كما كان في أول زواجهما يترقب كل نفس يصدر منها لم يكن ليحدث هذا و تختفي فجأة دون أن يعرف أين هي …
مؤكد أنها ستعود … مريم غادرت بسبب قهرها و ستعود إلى هنا عندما تهدأ …. ساعتها لن يتوانى عن تلقينها درسا لن تنساه و حبسها داخل الشقة …. سيضيق عليها أنفاسها لكي لا تفعل ذلك مجددا !!

رن هاتفه بغتة ففتح الخط سريعا :
– ايه الأخبار انتو لقيتوها ؟

سمع صوت الطرف الآخر يجيبه بإضطراب و شيء من الإحباط :
– لأ يا باشا احنا دورنا في كل الشوارع و المستشفيات حتى أقسام الشرطة بس ملقيناش زوجة حضرتك مش فاهمين المدام ممكن تكون راحت على فين حتى بيت صاحبتها المقربة و بيت عمها محدش راحله النهارده …. أنا آسف.

لم يعلق عمار عليه بل إكتفى بإبعاد الهاتف عن أذنه و الضغط على أطرافه بعنف ، عضلات وجهه تشجنت و حدقتاه أظلمتا وهو يتذكر نفس الكلمات منذ ما يقارب ال 20 عاما ….

“- يعني ايه ضيعتوها ومش لاقيينها هتكون راحت فين يعني أنا وكلتك تكون السواق بتاع الهانم انت سبتها فين و جاي هنا لوحدك ؟
– يا رأفت بيه صدقني حضرتك انا كنت قاعد برا الكافيه اللي متعودة فيروز هانم تقعد فيه و استنيتها 3 ساعات على ما تخلص و أرجعها ولما حضرتك اتصلت بيا و قولتلي أجيبها دورت عليها و ملقتهاش.
– هيفيدني ب ايه كلامك ده مراتي مختفية بقينا بليل و لسه مرجعتش والله اعلم هي فين ولا حالتها عاملة ايه اسمعني كويس لو فيروز هانم مرجعتش سليمة هندمك مفهوم ! “

عاد عمار للواقع بعدما زاد طنين أذنه و جعله عاجزا عن التركيز و ذاكرته سافرت إلى يوم يحمل نفس ما يحمله هذا اليوم من أحداث.
والده رأفت فقد زوجته فجأة و ظل طوال النهار يبحث عنها حتى عادت في منتصف الليل و بررت إختفاءها بحجج واهية أقنعته … لكن تلك لم تكن آخر مرة بل بداية لخيانتها و إستغلال طفلها لتغطية غيابها عن القصر.

عمار الآن يعيش ما عاشه أبوه إذا هل من الممكن أن تكون مريم إلتجأت إلى شخص يحميها من زوجها … شخص …. رجل …. عشيقها مثلا ؟

إنتفض برهبة ثم ثقلت أنفاسه مرددا بهمس هستيري :
– لأ مريم خسرت إبنها علشان كده انهارت و خرجت ….طب ما انا خسرت إبني كمان هو كان حته مني و مكنش قصدي اتجاهل مكالمتها يبقى مشيت ليه !!

مسح على وجهه زافرا بقوة و فجأة توقف عن الحركة عند سماعه ضجة خافتة تصدر من مكان ما في المنزل فإنتصب واقفا و خرج بخطوات متسارعة ليرى من جاء …. بالتأكيد هذه مريم لا يوجد غيرها.

لكن سرعان ما إضمحلت لهفته ، و حلت محلها صدمة تسمرت بها أقدامه ، لأن الذي أمامه لم يكن مريم ، بل والده رأفت و السيدة سعاد !!

كأن الزمن توقف في هذه اللحظة تماما ، هاهو عمار يقف الآن في منتصف الصالة يطالع أباه بذهول و عدم إستيعاب ، نضا اللون من وجهه و عجز عن النطق ، و راح يتأملهما محاولا جمع الخيوط كي يستعيد وعيه.

حينها أدرك أن البيت السري كُشف أمام رأفت البحيري و ربما كشف أمر زواجه أيضا ، و شيئا فشيئا تذكر أنه غفل عن الهروب من الحرس صباحا عندما كان يقود بسرعة جنونية ليصل إلى مريم و لم يهتم بهم في تلك اللحظة.

تبا ، بالتأكيد عُرف مكانه فقط لأنه غفل مرة واحدة ، و عند إدراك هذا ، تجمد وجه عمار و توقف عن التحديق بإنفعال ، إلا أن إجفاله كان واضحا للعيان ، خاصة للسيد رأفت !!

قطع الصمت صوت خطوات الأخير وهو يقترب منه حتى توقف أمامه ، متحدثا بتهكم ساخرا :
– أخيرا انا عرفت السر اللي مخبيه ، أنت مصدوم مش كده ؟

– رأفت …
هتفت سعاد محاولة تهدئة الوضع لكنه رفع يده مشيرا لها بالتوقف عن محاولة فعل هذا فتنهدت بتزمت و صمتت متذكرة ما حدث صباحا.

كانت مع زوجها عندما إتصل به أحد من رجاله و أخبره أنه أخيرا إستطاع تتبع حركات السيد عمار و الوصول إلى المكان الذي يزوره بين الحين و الآخر .
فأشرق وجه رأفت بهذا الخبر رغم تعجبه من فشل عمار في الإختباء هذه المرة ، وعلم بوقوع حادثة مع المرأة التي تقطن الشقة و عمار ركض ليسعفها.

حينها أصرت سعاد على الذهاب معه و بالفعل وصلا منذ ساعة ، و نجح رأفت في الحصول على المفتاح الذي تركه ولده معلقا في الباب و أخذه الحارس.
ثم دلفا إلى الشقة التي صممت بإحترافية و جُهِزت بأغلى الأثاث و بالفعل لم ينقصها شيء ، و تفاجأ الإثنان عند دخولهما للغرفة الرئيسية الفاخرة و رؤيتهما لما يدل على أن المرأة التي على علاقة بعمار ليست عادية.

فإكسسواراتها و ملابسها و طريقة تزيينها للغرفة تظهر كم هي مختلفة ، إنما إمرأة فريدة من نوعها و علاقة عمار بها ليست مجرد علاقة عابرة ، بل هي أشبه بشيء لن تتمنى سعاد حدوثه أبدا !!

إسترعى إنتباهها صوت زوجها قائلا :
– رجالتي قدرت تلحقك و تعرف مكانك و سمعت أن الست اللي عايشة في الشقة هنا حصل معاها حادث و أنت أسعفتها.

سكت لبضع ثوان ثم أكمل بحدة تنافي إبتسامته المرسومة على وجهه :
– و لما جيت و شوفت المكان استغربت الصراحة و اتفاجأت فنفس الوقت من جمال الشقة …. انا معتقدش ان عشيقتك اللي بتقضي معاها لياليك زيها زي اي بنت ليل بتستاهل المصاريف ديه كلها …. مريم عبد الرحمن مش كده.

قبض على يده بشدة و أظلمت عيناه بقتامة عند سماعه يهين زوجته هكذا ، عمار يعلم جيدا أنه مادام رأفت وصل إلى إسمها فبالتأكيد وجد ما يثبت أن علاقتهما ليست مجرد رجل و عشيقته ، إنه متأكد من أن والده يحاول إستدراجه في الكلام لمعرفة نوع العلاقة بينهما و ربما هو يشك في زواجهما أيضا !

حاول الهدوء و السيطرة على نفسه و سرعان ما فشل عندما رأى شيئا يلمع بين يدي الآخر …. إنه خلخال من خلاخيل مريم ماذا يفعل بحوزته و اللعنة !

أدرك هو ماهية نظراته فرفع حاجبه مستفزا إياه :
– أعتقد ده بيخص حبيبتك صح …. انت بقى بتحب النوع الرخيص ده من الستات القروية.

– رأفت بيه !
هدر عمار في حدة محاولا قدر الإمكان التحكم في لسانه و عدم النطق بأشياء غير لائقة ، ثم تابع محذرا إياه :
– متغلطش فيها و اطلعو انتو الاتنين برا بما انكم خلاص عرفتو اللي انا مخبيه عنكو.

إختفى البرود المزيف من رأفت فصرخ بعصبية :
– لا أنا مش هطلع و انت هترد عليا دلوقتي و تقولي ايه علاقتك بالست ديه و ايه الدم اللي ع الأرض ده فاهم انت هتشرحلي اللي اسمها مريم ديه بتبقى حبيبتك ولا …..

سكت راميا عليه الصور الذي وصل إليها فإلتقطها عمار يتأملها متسائلا لكيفية وصوله إلى صورها أيام دراستها في الجامعة لكنه ضحك بإستمتاع مريض و راوغ :
– بما انك عرفت اسمها ووصلت للملف بتاعها في الجامعة و قدرت تجيب صورها ف أكيد هتوصل للحقيقة في وقت قريب حضرتك مستعجل ليه ؟ ديه حتى مراتك بتعرف مريم.

– انت بتقول ايه سعاد هتعرفها منين يعني ؟

إبتسم مراوغا و حول عينيه إلى زوجة أبيه يردف بعبث :
– فاكرة البنت اللي ساعدتك يوم اتأذت رجلك في المول ؟ البنت اللي قولتي عليها طيبة و مرضيتش تسيبك غير لما تطمن عليكي إنتي في اليوم ده استغربتي انا فضلت متنح فيها ليه لما شوفتها واقفة معاكي و افتكرتيني معجب بيها بس الحقيقة أنها كانت حد قريب مني جدا.
هتف الآخر بغضب مستحقرا :
– يبقى أكيد واحدة من الشارع عجبتك و قعدت سنين تصرف عليها وهي باعت نفسها ليك لما لقتك معاك فلوس … لأن مفيش ست محترمة تقبل تعيش مع راجل في السر كده إلا لو كانت * *

شهقت سعاد بصدمة من حديثه أما عمار فخطف الخلخال من يده مزمجرا بشراسة :
– رأفت بيه إلزم حدودك و متتكلمش عليها كده …. مريم مش عشيقتي و باعت نفسها ليا لا هي مراتي و انا متجوزها من وقت طويل.
– اسمها مش هيتغير حتى لو انت متجوزها بورقتين عرفي.

إنفلتت من فمه ضحكة خالية من المرح عند تأكده أن رأفت يستدرجه لقول المزيد ، فقرر إراحته و تلبية رغبته لذلك إقترب بوجهه منه هاتفا بلهجة قوية :
– لأ أنا متجوزها على سنة الله و رسوله زواج كامل شرعا و قانونا.

شهقت سعاد بصدمة بينما أغمض الآخر عيناه يلعن بداخله بعدما تأكد من من ظنونه ، أما عمار فتابع بلهجة واثقة تخلو من التردد :
– أنا شوفت مريم فحفلة التخرج بتاعها و لفتت نظري ، طالبة متفوقة أبوها كان صحفي و والدتها من الغجر أنا أعجبت بيها و اتجوزتها فتحتلها بيت و عشت معاها و جبتلها كل اللي بتتمناه و تعرف ايه كمان انا رفضت السفرية اللي كانت من شهرين عشان اقعد معاها حتى لما كنت بسافر كنت باخدها معايا أحيانا.
انت فاكر خاتم الأوبال اللي سألتني اديته لمين لما اشتريته ؟ أنا بقى اديته لمريم مراتي أخيرا عرفت الجواب اهه.

إختفت النبرة الساخرة من عمار لتمتلئ بالألم مشيرا إلى نقطة معينة على الأرض :
– انت عارف دم مين اللي ع الارض ده ؟ ده دم إبني.

إهتزت عينا رأفت لثوان قبل أن يستعيد جموده سريعا ، أما سعاد فهتفت بذهول وهي تقترب منه :
– عمار انت بتقول ايه ؟

تهكم الأخير مرددا :
– مريم كانت حامل بس سقطت النهارده الصبح و أنا ملحقتهاش … جيت ولقيتها مغمى عليها وديتها المشفى بس وصلت متأخر جدا يعني انا مقدرتش انقذ ابني ….. و هي مختفية حاليا ومش عارف راحت فين.

ساد الصمت بينهم ولم ينطق أحد منهم و كأن على رؤسهم الطير ، شحنات سلبية إنتشرت في المكان و إزداد التوتر لدرجة دفعت عمار للضغط على مفتاح الشقة بعنف حتى تشكلت نقاط دم داخل يده.
لكن هذا لم يمنع سعاد من السؤال بحذر :
– مراتك مختفية ازاي يعني مش قولت انك انت اللي وديتها المشفى.
– هي خرجت من غير ما أشوفها و مش قادر ألاقيها لحد دلوقتي.

القهر الظاهر عليه لم يمنع والده من غض النظر عنه و الإهتمام بكبريائه و مركزه الإجتماعي فهدر متعمدا إستعمال أقسى الألفاظ للتعبير عن غضبه :
– كويس أنها هربت و إلا كنت انا بنفسي اللي همحيها من على وش الدنيا الظاهر الست اللي عاملها هانم ديه طلعت أذكى منك و عرفت أن ملهاش مستقبل مع عيلة البحيري فقررت تهرب قبل ما تلحق إبنها.

حذرته سعاد بعينيها للتوقف عن قول هذا إلا أنه أردف بقسوة نتجت عن جرح كبريائه لأنه آخر من علم بزواج ولده الوحيد :
– اللي مستغربه أنك ازاي طلعت غبي كده و روحت اتجوزت بنت همجية من الغجر أنا مقدر أنها جميلة و عجبتك بس انت كنت قادر تخدعها بورقة عرفي و لما تزهق منها ترميها ليه تروح تتجوزها ؟!
عموما اللي حصل أحسن كويس أنها سقطت و مشيت لأن سواء كان البيبي اللي انت زعلان عليه عاش أو مات مستحيل كنت هدخلها بيتي لأني مبقبلش على إبني الوحيد غير أنه يتجوز بنت من الطبقة بتاعته و مناسبة لشكله قدام الناس خلاص متقلقش يومين و تنساها و أنا هجوزك اللي تليق بيك.

لم يندهش عمار من حديثه ، ولم يظهر أي إستغراب و إستنكار مما يسمعه ، على العكس تماما كانت ملامحه هادئة ، منطفئة بشكل ما وهو يعلق عليه ساخرا :
– هنسى مراتي و ابني و ابدأ حياتي من اول وجديد زي ما انت عملت صح … حضرتك نسيت الست اللي كنت بتقول أنك بتعشقها و اتجوزت بنت خالتك بعد شهرين من وفاة أمي و رميت إبنك ليها علشان تربيه بدالك بعدين بعته لمدرسة داخلية و أنكرت وجوده.
أنت أكتر واحد عندك موهبة في النسيان و عايز تطبق ده عليا مش كده.

شعرت سعاد التي تستمع بالحزن و أدركت أنه للآن لا يزال عمار ينظر لها على أنها المرأة التي سرقت والده منه ، لم تحبذ السماع أكثر فتنحنحت مردفة في جدية :
– أنا في العربية تحت لحد لما تخلصو كلام.

بعد مغادرتها إلتفت رأفت إلى ولده مهمهما بنبرة غامضة تحمل خلفها الكثير :
– كل المشاكل اللي بينا بتلف و بتدور و بترجع لمكان واحد … ” فيروز” …. صح ؟
عدت سنين طويلة على وفاتها بس الغضب اللي فعينيك لسه مطفيش ، كنت بقول أنك متعصب مني علشان عاملتك بقسوة و بعدتك عني و ده صحيح بس في حاجة غير ديه …. حاجة أنا معرفهاش.

إختنقت أنفاس عمار و أحس برغبته في شرب المهدئات تزداد بإستماتة و لكنه لم يظهر ذلك بل ظل على حاله وجهه لا يفسر ما يفكر به ، ليستطرد أباه وقد غامت عيناه بشيء من الحسرة :
– أنا حبيت فيروز مامتك اوي … حبيتها لدرجة محدش يقدر يتوقعها كنت مستعد أجيبلها كل اللي بتحلم بيه و كل اللي بتتمناه بس … مقدرتش أخليها تبادلني نفس الشعور.

– تعرف إيه اللي بشوفه لما أبصلك يا عمار ؟ بشوف صورة أمك انت نسخة منها عندكم نفس العيون و الشعر و رسمة المناخير و الشفايف و البرود و الغضب و القوة و للأسف أنت ورثت منها صفات سيئة كمان و هي عدم الإلتزام باللي ينفع يحصل و اللي مينفعش و التمرد على الحياة و أنك مبتعرفش فين مصلحتك و الدليل أنك اتجوزت و خليت مراتك حامل بس البيبي اتوفى و حاليا هي ضايعة.

لوى عمار شفته مطلقا ضحكة لم تصل لعينيه :
– و أنت بقى اللي هتصلح أغلاطي صح ؟ يبقى حط في بالك يا رأفت بيه أن اول ما الاقي مريم هعلن جوازي منها غصب عنك و عن الكل.

– و أنا قولت لأ ده مش هيحصل انت هتنساها و تكمل حياتك.

عض على شفته من الداخل ثم إندفع يصرخ بشراسة إنفجرت يعد كبت طويل :
– عمال تقولي انسى انسى … انت متعود تنسى متعود ترمي أي حد وراك من غير ما تهتم طالما عندك بديل أنت زمان اتجوزت و رميتني و دلوقتي عايز مني انسى اني خسرت ابني كأن مكنش ليه وجود و انسى الست اللي خسرت ابنها و أغمى عليها وهي لوحدها في الشقة و انا مش عارف راحت فين !

توقف لثوان يسترجع أنفاسه المسلوبة ثم أكمل :
– عايزني ابقى زيك معدوم الضمير و الرحمة و تتحكم في حياتي بس لأ مستحيل ده يحصل عارف ليه لأن الإنسانة اللي انت بتقول عليها مش معروف أصلها ديه هي الوحيدة اللي قدرت أقضي معاها وقتي بعيد عن النفاق بتاعك و الوحيدة اللي بنام معاها تحت سقف واحد من غير ما احس بالقرف لأني أنا ووياها بنتنفس من نفس الهوا …

مريم الوحيدة اللي مكنتش بتفكر فيا كوريث و ووسيلة تفتخر بيها قدام المجتمع أنا لقيت معاها الأمان و الراحة اللي ملقتهمش في بيتك يا أستاذ رأفت و تعرف ايه كمان مريم عيشتني اللي مقدرتش أعيشه معاكم لما عرفت أنها حامل و اتعصبت عليها هي اتحولت و هددتني اول ما افتكرت اني ممكن اؤذي البيبي ..

اتخيل أنها كانت معلقة بروح لسه مشافتهاش و دافعت عنها و في المقابل أنت كنت جبان و اتخليت عني بسهولة أنت مجرد راجل مراته و ابنه محبوهش ولا اتقبلوه كزوج و أب بالعكس كل مرة كانو بيتمنو يطلع من حياتهم و انا دلوقتي بقولك اهو يا رأفت بيه أنا بكره نفسي لأني شايل دمك في عروقي و عمري ما هعتبرك أبويا ا…..

قطع حديثه صوت صفعة قوية وقعت على وجهه من يد والده ، صفعة إمتدت بقوة كل الغضب و الصدمة و القهر و الإنكسار الذي شعر بهم رأفت في هذه اللحظة ، فأجفل عمار غير مستوعب لما حدث ..

عيناه أصبحتا أكثر قتامة ، و لونهما يشبه الغيوم الملبدة في السماء ، لم يتحرك أو ينبس ببنت شفة ، فقط ذاكرته أعادته إلى سنين مضت ، بات يشعر و كأن الزمن يعيد نفسه و يكرر ما تعرض له من إهانة أمام أساتذته في المدرسة الداخلية و المدير عندما تشبث بساق والده يترجاه لأخذه معه أما الأخير فدفعه عنه و ضربه على وجهه دون رحمة.

تقطعت نياط قلبه في ذلك اليوم و خاب أمله في كل مُحب ، خسر والده لقب ” أبي ” الذي كان يردده على مسامعه كل مرة وهو يطلب حبه.
و اليوم ، حطم آخر ما تبقى له من إحترام في داخله ، كسر كبرياءه و إستخف من ألم فقدانه لإبنه و إختفاء زوجته ، و ذكره بأنه ليس سوى رجل عديم الرحمة الذي لم يحب إبنه يوما و تخلى عنه بعد وفاة زوجته ، زوجته التي كانت تخونه و تدوس على شرفه دون ذرة ضمير تؤنبها على ما تفعله.

إرتخت تقاسيم وجهه رغم زيادة رجفة جسده ، فإبتسم مغمغما بقتامة :
– رأفت بيه أنا عايز اقعد لوحدي … امشي لو سمحت.

فتح رأفت فمه ليتحدث لكنه توقف و إختار الصمت ، هو لم يرد على الإطلاق أن يصفع عمار ، لم يرد أن يتسبب في إتساع الفجوة بينهما ، ولكن الآخر لم يتوانى عن إهانته و نعته بالجبن و عدم تحمل المسؤولية.
آلمه سماع عمار وهو يبصق كلماته بكره أهوج لذلك و بدون شعور منه رفع يده عليه بغية إيقافه … لكنه لم يقصد صفعه !!

تنهد بيأس و إستسلم لرغبة ولده ليغادر بهدوء ، بينما بقي عمار واقفا بمفرده في منتصف الشقة و إحساس الدونية يتملك منه.
طرق الباب فجأة و كان الحارس الذي وقف أمامه متمتما في خوف :
– سامحني يا باشا عشان مقولتلكش أن في ناس دخلت لشقة حضرتك ااا انا كنت هتصل بيك بس هما منعوني و هددوني وأنا مقدرتش أعمل حاجة خصوصا لما قالولي أن الباشا بتاعهم بيبقى والد حضرتك سامحني يا عمار بيه.

هز رأسه بآلية و أغلق الباب ، ثم أخذ هاتفه و إتصل برجاله و الرد كان نفسه ” لم نجد السيدة مريم في أي مكان ” ، أغلق الخط يجز على أسنانه و عيناه قد أظلمتا بسواد مخيف حتى أمسك تحفة زجاجية و رماها على الأرض بقسوة !

إستند عمار على باب شقته و صدره يرتفع و ينخفض بشدة يجاهد ليتنفس ، مرر يده يمسح شعره منتقلا إلى وجهه و عنقه ولم ينتبه إلى جسده الذي بدأ ينزلق رويدا رويدا حتى لامس الأرضية الباردة.
أكثر من شعور يغلف قلبه الآن الغضب و الحقد و اللهفة و التوتر لكن الإحساس بالشك هو ما طغى عليه ، و الفزع من الخيانة أكثر شيء يمزقه حاليا.

يستحيل أن تختفي مريم ولا يستطيع أحد إيجادها هكذا ، ستعجز عن القيام بهذا بمفردها لكن هي لم تعرف أحدا في هذه المدينة سواه هو وصديقتها ، المدعوة هالة ليست برفقتها و عائلة عمها في القرية لم يأتيها أحد حسب المعلومات التي وردته.
إذا مريم تعرف شخصا يجهله وهو من يساعدها في الإختباء هكذا شخص ربما يكون رفيقها أو … أو حبيبها.

إنتفض عمار بعدما شعر بالإختناق و جن جنونه عندما فكر حول إحتمالية أن مريم قد تكون مخططة للهروب منذ وقت طويل و إستغلت إجهاضها أو هي من تسببت في قتل طفلهما لكي تخرج من المنزل و لهذا هي لم تبكي في المستشفى عندما علمت بشأن الإجهاض !!

تكاثفت قطرات العرق على وجهه و عنقه و بدأ الدوار يداهمه مجددا فأخرج علبة دوائه و إبتلع قرصا منها ثم رماها بعيدا ، و جملة واحدة يهمس بها بتكرار :
– هلاقيكي … و هحاسبك على اللي عملتيه … ولو طلع اللي بفكر فيه صح … هقتلك يا مريم.

_________________

أطلت سعاد من شرفة الجناح الخاص بها ثم إلتفتت إلى زوجها تهتف بسأم :
– الوقت اتأخر و عمار لسه مجاش.

رد عليها رأفت بهدوء :
– أكيد هو لسه بيدور على ست الحسن اللي اختفت.

جلست الأخيرة بجانبه و تمتمت بترقب :
– هنعمل ايه بعد اللي عرفناه ده ؟ احنا كنا فاكرين أن عمار عنده حبيبته بس هو طلع متجوز البنت من اكتر من سنتين و فاتحلها بيت و كان بيروحلها في الأيام اللي بيبقى غايب فيها ازاي مكناش واخدين بالنا من اللي بيحصل ده ؟

زفر بخنق متمتما :
– أنا لحد النهارده الصبح فكرت اني بدور على حبيبته او واحدة متجوزها عرفي عشان يتسلى معاها … محطتش إحتمال ولو صغير أنه يكون كتب كتابه عليها في السر و إلا كنت وصلتلها من زمان ده حتى رجالتي لسه متصلين بيا من ساعتين قالولي عمار باشا طلع متجوز البنت بس بعد ما أنا كنت عرفت.

هزت رأسها مستطردة بحذر :
– البنت حملت منه و سقطت و حاليا هي مختفية و معرفش يلاقيها أنت متخيل ايه اللي ممكن يحصل لو القصة ديه اتكشفت و الناس عرفو بيها ؟

تأفف رأفت بضيق وقد أوشك رأسه على الإنفجار :
– ايوة عارف ممكن ندخل في فضيحة منقدرش نطلع منها بس ده كله بسبب إبني اللي بيعمل أي حاجة علشان يتمرد عليا و ياريته عرف يختار هه ساب بنات الطبقة بتاعته و إختار واحدة قروية من الغجر مش فاهم ايه اللي كان بيفكر فيه لما اتجوزها.

ربتت سعاد على كتفه ثم قالت بعدما حمحمت بتردد :
– أنا شايفة الحل أن نعلن جوازهم لما يلاقيها و يجيبها للقصر هنا على الأقل عمار هيفضل تحت عنينا أساسا مادام علاقتهم استمرت لفترة طويلة كده يبقى هو بيحبها مش شايفاها مجرد نزوة.

إنتفض الأخير و حدجها بعصبية قبل أن ينتصب واقفا و يصيح برعونة :
– مستحيل ده يحصل إلا على جثتي إبن رأفت البحيري مستحيل يحب واحدة زي ديه و يكمل حياته معاها عمار عمل أغلاط كتيرة لحد دلوقتي بس أنا مش هسمحله يسوق فيها و يدمر مستقبله و هعمل أي حاجة علشان أحميه حتى من نفسه !!

– طيب اهدى البنت اساسا مكانها مش معروف فين على الأقل نحاول نلاقيها يمكن القصة تتحل لما نفهمهم أن ملهمش مستقبل مع بعض و يطلقها بقى قبل ما الموضوع ينتشر أكتر من كده.
– و هو ده اللي هعمله هحاول ألاقيها و أخلي عمار يطلقها و تاخد مننا اللي عايزاه المهم تسيبه.

طرق الباب فذهبت سعاد لفتحه ووجدت فريال تقابلها بوجه واجم و طلبت التحدث معها على إنفراد.
ذهبت معها إلى غرفة فارغة و سألت مستفهمة :
– في ايه يا فريال ؟
– يعني انتي مش عارفة.

تأففت سعاد بخنق مردفة :
– انا مش حمل احل الغازك دلوقتي قوليلي في حاجة حصلت.

ناظرتها بجمود ثم أخرجت هاتفها و فتحت إحدى مقاطع الفيديو تريه إياه :
– حصلت حاجات كتيرة اوي خدي شوفي.

قضبت حاجبيها بتعجب و سرعان ما إنتفضت بصدمة مما رأت ، ندى في غرفة عمار الشبه عاري جالسة على سريره يقبلان بعضهما و من الواضح أنه غارق فيها تماما فهو يشدها من خصرها و يقربها نحوه دون تردد !

وضعت سعاد يدها على فمها و عيناها تعيدان المشهد مرارا لكي تستوعب لكن هذا لم يحدث ، لم تصدق ما تراه حتى أنها شكت في كونه مزيف.
ندى و عمار ؟ كيف ذلك لقد أخبرها سابقا أنه لا يفكر في ندى كزوجة و حبيبة كيف يتقرب منها هكذا …. و هو في الأساس متزوج ؟!

رطبت شفتيها و جاهدت لتهتف بصدمة باهتة :
– ازاي ده حصل …. وانتي جبتي الفيديو ده منين.

ردت عليها فريال بحدة :
– النهارده الصبح لما طلبتي من ندى تروح تصحي عمار ، أنا لقيتها اتأخرت و قمت ادور عليها قولت يمكن زعلت تاني و هتقول مش عايزة تفطر بس وانا رايحة ليها عديت على أوضة إبنك المحترم و سمعت صوتها وهي بتقوله أنت بتعمل ايه و ليه بتقرب كده.

صمتت تستجمع أنفاسها وقد بدى كذبها مقنعا لدرجة لم تتوقعها ، ثم تابعت محاولة جعل إبنتها هي الطرف الذي تم إستغلاله :
– ندى كانت بتقول اللي بتعمله ده مينفعش ف أنا اتخضيت و قربت بسرعة أشوف في ايه و اتصدمت زيك لما لقيت عمار بيشدها لحضنه و بيبوسها.
انا معرفتش أعمل ايه و لقيت نفسي بصور اللي بيحصل عشان متكدبنيش لما أقولك أن إبن جوزك ده استغل قرب ندى منه و صغر سنها و من غير ما يتكسف قعدها على سريره و … طبعا عشان هو عارف أنه هيقدر يضحك عليها و ده الواضح في الفيديو لما استسلمتله و مبعدتوش عنها.

رفعت الأخرى رأسها لها عاجزة عن التفكير بشكل مناسب و حتى فريال لم تدع لها فرصة لذلك وهي تدمع و تمثل عليها دور الأم الخائفة على شرف إبنتها :
– سعاد أنا بقالي كتير ملاحظة أن عمار معجب ببنتي و جيت بنفسي و اقترحت عليكي نجوزهم عشان خايفة على ندى تتأذى ساعتها انتي قولتي أن عمار شايفها زي أخته الصغيرة و عمره ما هيفكر فيها من الناحية ديه و ياريتني مصدقتكيش شوفي نتيجة كلامك عمار اتجاوز حدوده معاها و سابها وهي عماله تعيط من الصبح و قافلة أوضتها على نفسها.

رأت سعاد أن صوت فريال بدأ يعلو فرفعت يديها مجربة تهدئتها :
– طيب خلاص إهدي أنا هكلم عمار و أشوف حل للحكاية ديه بس متخليش حد يعرف باللي حصل و إلا هتحصل مشكلة كبيرة.

– الحل واضح يا سعاد هانم احنا كلنا عارفين أن عمار بيقضي لياليه مع بنات الشوارع لما بيبقى غايب عن البيت بس أنا مش هسمحله يلعب ببنتي الصغيرة أنا لحد دلوقتي بذلت جهد كبير علشان بناتي ، كفاية أن بنتي الكبيرة بعيدة عني بسبب أنها متجوزة و عايشة برا البلد مش هسمح لبنتي الصغيرة تبعد عني كمان بسبب اللي انتو بتعملوه.

ألقت كلماتها بشدة و غادرت إلى غرفتها و عندما أغلقت الباب إختفى عبوسها و حلت إبتسامة واسعة مرتسمة على وجهها ، مسحت فريال دموعها الزائفة و نظرت إلى الفيديو في هاتفها تتذكر عندما إلتقطته صباح اليوم.

على عكس ما تقوله للآخرين فهي قد رأت بنفسها إبنتها تقترب من عمار الذي بدى و كأنه ليس بوعيه لتقبله فيبادلها في لحظة غفلة ثم يبعدها بعدما أدرك ما يحدث.

في الحقيقة هي صورت الفيديو في بداية تقاربهما فقط لإعتقادها أن ندى ستكتفي بحضن في سريره وهذا ما كانت ستعمل على إستغلاله ، إلا أنها إندهشت عندما رأتها تقبل إبن عمها و لثوان ثارت غريزة الأمومة لديها وكادت تقتحم الغرفة صارخة عليهما.
لكنها إستطاعت العودة لرشدها و التفكير بعقلها فهي تعلم أنها لو افتعلت فضيحة ستحدث مشكلة كبيرة و عمار لن يفيد معه أسلوب التهديد هذا ، لذلك إلتزمت الصمت و تابعت التصوير.

و ها هي الآن ستصل لمرادها قريبا بعدما بعثت المقطع إلى رقم عشيقة عمار التي رأت صورها على هاتفه و رقمها يسطع أعلى الشاشة منذ أشهر ، ثم حذفت الفيديو بعدما رأت علامة المشاهدة و تأكدت من أن تلك اللعينة شاهدته.

بالطبع فريال لا تعلم مالذي سيحدث الآن تماما ، لكن الشيء الوحيد الذي تعرفه أن حبيبته السرية ستدرك جيدا أن لا مكان لها في حياة عمار ، و ربما تكون قد تشاجرت معه و رحلت لذلك هو خرج ركضا منذ ساعات ولم يعد حتى هذا الوقت.
المهم الآن أنها ستستغل ما حدث لصالحها ولن تكون سيدة من سيدات عائلة البحيري إذا لم تجعل عمار يلبس إبنتها خاتم الخطوبة قريبا.

أفاقت من شرودها على صوت فتح الباب إلتفتت لخلفها و تساءلت محاولة إخفاء إنفعالاتها :
– عادل أنت اتأخرت كده ليه النهارده.

عقد الأخير حاجباه متعجبا :
– ما انا قولتلك الصبح أن رأفت أخويا مش هيروح للشركة النهارده علشان كده الشغل كتر عليا و اني احتمال اتأخر.

ضحكت فريال بخفة :
– ايوة افتكرت معلش يا حبيبي أصلي نسيت.
– و هو ده بيخليكي تضحكي يعني ؟

هزت رأسها تنفي ببرود مستفز :
– لا خالص بس أنا كنت بفكر في حاجة بتفرحني ….. جواز بنتك و إبن أخوك مثلا.

حملق بها ثم تأفف بسخط معلقا عليها :
– هو كل ما أقول أنا أنك عقلتي ترجعي تفتحي الموضوع ده من أول و جديد مش انتي كلمتي مرات أخويا وهي قالتلك أن عمار مش عايز يتجوز و أساسا هو مش شايف ندى غير أخته ليه مبتفهميش من أول مرة.

هتفت تبرر مدافعة عن نفسها :
– يعني أنا الغلطانة علشان بفكر في مستقبل بنتي ما هو لو عمار اتجوز ست تانية و خلفت منه الثروة كلها هتروح ليهم و إحنا هنطلع من المولد بلا حمص يرضيك ده يحصل ؟

إحتدت عينا عادل و دنى منها يرفع إصبعه في وجهها محذرا :
– فريال …. شيلي الأفكار ديه من دماغك و متخليش ندى تتأثر باللي بتقوليه لحسن تبقى تفكر زيك و نقع في مصيبة متأذيش بنتك بالشكل ده.

******
أنهى سيجارته الخامسة و رماها في المطفأة بعدم إهتمام ليخرج الأخرى و يضعها بفمه.
عادة ما تساهم مادة النيكوتين الموجودة داخل التبغ في إراحته و تهدئة أنفاسه المتشنجة لكن هذه المرة لم ينجح في ذلك ، اللعنة ، اللعنة على الحالة البائسة التي وصل إليها.

مر شهر كامل ، ثلاثون يوما لم يتوانى فيها عن البحث عنها في كل أنحاء مدينة القاهرة و قريتها و القرى المجاورة لها ، حتى أنه وصل لعناوين منازل زملائها في الجامعة و كلف من يراقبهم ربما تكون مريم ذهبت إلى أحد منهم لكنه لم يجدها.

و يبقى السؤال إلى أين ذهبت و مع من ؟ لقد أصلح هاتفها و أعطاه لمختص عرف أن هناك مكالمة تمت بينها و بين أحد مجهول قبل أيام قليلة من الحادثة لكنها حذفتها .
ناهيك عن الرسالة التي وصلتها قبل بضع دقائق من تدهور صحتها و إتصالها به و أيضا تم حذفها …. و رقم المُرسل كان من الإنترنت و يستحيل تعقبه و معرفة من صاحبه.
من هاذان اللذان تواصلا مع مريم ؟ هل هما نفس الشخص أم طرفين مختلفين ؟

أخرج عمار هاتفه و فتح معرض الصور ليراها ، وجهها يبزغ على الشاشة كمصباح أنير وسط الظلام.
غامت عيناه وهو يرى الصور التي إلتقطها لها ، منذ سنة ونصف عندما سافر معها إلى أحد البلدان السياحية و أخذها معه …

كانت كالملاك في ذلك الثوب الأبيض المطرز بتصاميم غجرية تضع على رأسها قبعة صيفية و تزين قدمها بخلخال به رسومات ملونة جميلة.
يتذكر عندما هرعت إلى مياه الشاطئ تلعب بها متخلية عن خجلها ثم طلبت منه تصويرها بهاتفها ، ولم تنتبه إلى أنه نقل الصور لهاتفه في غفلة منها.

أطلق عمار زفرة ملتاعة وهو يستند على الكرسي في الشرفة ، يكاد يجن و عقله لا يسعه للتفكير.
كيف لإمرأة ضعيفة حاول كسر جميع ما تستند عليه
إتضح أنه هو الذي كان يلعب دور الأحمق في هذه القصة.

قطعه عن دائرة تفكيره صوت دق الباب و عندما رأى والده يدخل أطفأ سيجارته فورا و وضع هاتفه على المنضدة أمامه.
ولج رأفت إلى الشرفة ورغم إنزعاجه من رائحة السجائر القوية إلا أنه كف النظر عنها و تمتم :
– مساء الخير.

رد التحية بجمود و أشاح وجهه عنه سريعا فهو لم ينسى أنه ضربه منذ شهر و ترك له آثار نفسية إضافية لمشاكله.
أدرك رأفت غضبه و إحترم ذلك ليجلس بجانبه متحدثا بصلابة :
– أنا قولتلك من أسبوعين إني بدور على البنت اللي كنت معاها مش علشانك لأ علشان أعرف أحل المصيبة اللي انت عملتها و فعلا دورت كتير و في كل مكان يمكن ألاقيها …. بس فشلت.

نظر له و أكمل :
– أنا لحد دلوقتي مش مصدق انك كنت متجوز في السر و ياريت اتجوزت واحدة محترمة تليق بيك و بعيلتنا لأ انت اخترتها بربرية و مبتفهمش في الأصول مراعتش زعلك على إبنك اللي مات و هربت فنفس اليوم اللي أجهضت فيه.

تلعثم عمار يحاول تبرير موقفها :
– يمكن ليها أسبابها أنا ….

قاطعه رأفت بنبرة حازمة لا تحتمل النقاش :
– إيه هي الأسباب اللي هتخلي ست تهرب من جوزها بص أنا شوفت الشقة بتاعتكو و سألت و عرفت أنك مكنتش منقص عليها حاجة أنت جبتها من مكان بيكسف و عيشتها ملكة عملتلها قيمة بس هي محترمتكش و مشيت من غير ما تبص وراها.

ثم ربت على كتفه مغمغما :
– الحقيقة أن الراجل مهما عمل للست هتفضل مستخفة فيه و متقدرش اللي عمله ليها و هتزهق منه و تمشي و ده اللي حصل معاك يا إبني مريم راحت تعيش حياتها بعيدة عنك و أنت فضلت تدور عليها و عايش على ذكرياتها بس خلاص لازم تفوق لنفسك و تنساها …. لأنها مبتستاهلكش.

أنهى حديثه و غادر مخلفا وراءه بركانا على وشك الإنفجار ، شد عمار شعره بهستيرية و كلام والده يتردد في أذنيه مجددا ، هو يعلم جيدا أن رأفت كان يقصد نفسه بهذا الكلام.
فهو عشق إمرأة لم تبادله الحب قط ، صحيح أنه لم يعلم بخيانتها ولكنه أدرك جيدا أنها قابلت حبه بسوء عجرفة ، و الآن نفس الشيء يحدث معه.
مريم هربت تاركة وراءها خاتم زواجها و كل ذكرياتهما معا ، هربت ولم تدع له مجالا لإيجادها ، حتى أن أباه رغم نفوذه قد فشل في معرفة طريق يقوده إليها ، و ها هو عمار البحيري يعيش نفس ما عاشه والده يوما !
أدخل يده في جيبه و أخرج منه خلخالها الذي كان يلتف حول قدمها يوم إجهاضها و عندما دخلت للمستشفى سقط على الأرضية و وصل بشكل ما إلى يد رأفت فأخذه عمار منه سريعا عندما رآه …
هذا الخلخال مميز بالنسبة له ، فهو من قدمه هدية لها وهو أيضا ما كانت ترتديه في آخر لقاء بينهما.

لوى شفته بحدة وإنتصب واقفا متجها إلى خزانته ، فتح صندوقا صغيرا و رمى فيه الخلخال ليوضع بجانب الخاتم ثم أغلقه و خبأه ثانية ، و جملة واحدة رددها بتصميم :
– مش هسمحلك تعيشيني اللي عيشته فيروز لأبويا ، خلاص إنتي إنتهيتي من حياتي يا مريم !

________________________
ستوووب إنتهى البارت
مريم يا ترى راحت فين ؟
سعاد هتعمل ايه بعد ما شافت الفيديو بتاع ندى و عمار ؟
عمار هيقدر يطلع ذكرى مريم

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى