روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الستون 60 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الستون 60 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الستون

رواية نيران الغجرية البارت الستون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الستون

على نار هادئة.
_____________________
يقولون … إحذر من عدوك مرة … و من صديقك ألف مرة …
ولكن ماذا إن كان الشخص الذي تربيت على يديه ، والذي عشت معه تحت سقف واحد و قاسمته الطعام و الشراب ، قد فعل بك مالم يفعله عدوك !

الدمار … الفراغ … الجحيم … هذا ما كان عمار يعيشه في هذه الأثناء وهو يشاهد بعينان حمراوتان الأدلة التي تشهد على جريمة شخص عزيز عليه … و كأن قوة العالم اِتحدت ضده لتكون له الخيط الذي يلتف حول عنقه و يخنقه !
كيف ، متى و لماذا ، كل هذه الأسئلة جالت في باله وهو يحمل بيدٍ إحدى الوثائق و باليد الأخرى يقبض على حفنة من التراب الذي جلس وسطه بخمول.
لا يصدق بأن عمه عادل هو السبب في كل ما حدث له ، هو الذي كان يرسل الحراس خلفه و يتبعه حيث يذهب وهو من سمم زوجته و قتل طفله و خرب حياته و تخلص من مساعده حين كاد يُكشف.
هذا يفسر حديثه على الهاتف يوم كان يتصنت عليه فسمعه يتكلم عن إيجاد شيء ما … لقد كان يقصد هذه المستندات إذا وهو لم يفهم ذلك.

لقد كان عمار يعلم جيدا بأن عادل يسعى لتزويجه بإبنته بسبب الثروات التي ستقسم عليهم في حال تزوج الإبن الأكبر من إبنة العائلة و اذا لم يتحقق هذا الشرط سيحصلون حينها على إرث أقل ، لكن حتى وإن قابلهم مال قارون ، كيف يستطيع المرء إرتكاب أفعال شنيعة كهذه ، و كيف يستطيع أن يكون نذلا و مزيفا الى هذه الدرجة !
نعم كان يضع إحتمالا بأن يكون المجرم من عائلته و لكن عيش الحقيقة أصعب بكثير من التفكير بها يا إلهي ماهذا الإمتحان الذي يمر به …

انخفض نسق أنفاسه حتى خُيل له بأنها ستنقطع و يرتاح أخيرا ، ولكن ربما الحياة ليست عادلة معه لهذا الحد لأنه لا ينفك يتعرض لصدمة تلوَ الأخرى و مع ذلك هو لا يزال حياًّ يرزق !
تأوه عمار بألم و تشكلت طبقة غثيثة فوق عينيه تمنعه من الرؤية جيدا ، و همس بنبرة خائبة أثقلت كاهله :
– ليه كده … ليه انا عملت ايه علشان ده يحصل معايا … ليه مصممين يضروني مع و يطعنوني في ظهري على طول والله ده كتير عليا انا … انا مش قادر استحمل.

أخرج زفرة ثقيلة من صدره و أحنى رأسه بتعب تحول في دقائق لتقاسيم جامدة تنضح شرا و تهديدا ، و طحن ضروسه هامسا بوعيد :
– اقسم بربي لأخليك تندم على كل حاجة … ع كل وقت انا كنت محتار فيه و ع دم ابني اللي مشافش نور الدنيا و على كل دمعة نزلت من مريم بسببك !!

__________________
بعد ساعات لم يعرف فيها كيف استطاع قيادة السيارة دون التعرض لحادث هاهو يجلس مقابل وائل مقدما له كل المستندات فقال الأخير :
– الأدلة ديه كفاية عشان تودي عمك في داهية احنا هنبعتها فورا ل…

غمغم عمار بصوت جامد :
– لا انا مش عايز الورق ده يوصل لحد تاني.
– متقلقش الفريق موثوق و بأكدلك ان العدالة هتاخد مجراها.

هز رأسه ينفي ما يفكر به ثم شرح له مقصده :
– مش عايز تتكشف جرايمه دلوقتي وياخد عقاله بسهولة كده يا وائل.

رفع حاجبه بإدراك مهمهما :
– عايز تلعب معاه شويا يعني.
– مش هو عذبنا لوقت طويل و سابني زي الاهبل بتهم في ده و ده وبلف وبدور فنفس المكان ؟ انا بقى هخليه يعاني اكتر مني وديه اقل حاجة اعملها.

حذره الآخر من ذلك و أخبره بإحتمالية تعرضه للخطر و لكن عمار كان مصمما ، سيذيقه الويل و ينزع منه كل ما يطمع به و حينها فقط ستتحقق العدالة !
اِقتنع وائل بخطته و أوضح له بعض الاحتياطات التي يجب عليه اتخاذها ثم قام بصنع نسخة من كل وثيقة بينما يسأله :
– بس انت ازاي قدرت تربط الخيوط ببعض و توصل للمكان اللي كان سليم بيقصده ؟

تنهد عمار متذكرا المغامرة التي قام بها و رد عليه :
– عشان الواحد يفهم شفرة سليم كان لازم يبقى عارفه و فاهمه كويس و مع الاسف انا كنت واحد من المقربين منه لولا انه غدر بيا وخد مني كل حاجة حلوة.

نطق الجملة الأخيرة بكبت و سخرية من نفسه لأنه لم يكتشف خيانة الجميع له مبكرا و لسوء الحظ قد كلفه هذا الكثير ، ولا يعلم ان كان الخذلان قد انتهى أم أن صندوق حياته الأسود لا يزال يحمل المزيد في جعبته !

__________________
في المساء.
دخل الى القصر فوجد العائلة مجتمعة مع رجل مألوف الملامح ولكنه لم يهتم به بل اِقترب منهم ووقعت عيناه على عمه ليظل واقفا يحدق فيه بريبة أثارت تعجب والده الذي قال :
– في حاجة يا عمار ؟

أخذ نفسا عميقا و لفظه على مهل لكي يتمكن من تهدئة أعصابه التي لن تتحمل شرب أدوية إضافية على التي تجرعها منذ صباح هذا اليوم ، ثم رسم ابتسامة مصطنعة لهم و قال :
– مساء النور.

ردوا له التحية و نهض الضيف ليصافحه بينما يعرفهما رأفت على بعض :
– ده عمار ابني و المدير التنفيذي لشركة البحيري …. و ده كامل بيه رئيس مجموعة **** للصناعة و صاحب الفرع اللي في فرنسا.

حسنا لقد تذكره هذا هو رجل الأعمال الذي يطمح عادل للعمل معه منذ وقت طويل كما أنه أعد مشروعا خاصا به و مؤكد أنه سيعرضه عليه بما أنه قد عزمه هنا للقصر ، فكر عمار بهذا بينما يطالعه وهو يفكر في شيء خطر على باله الآن فتنحنح و رحب به بعملية ثم جلس معهم محاولا قدر الإمكان عدم النظر الى عمه لكي لا يقوم بفعل مشين.

ولكن هو لم يكن محظوظا لهذه الدرجة لأنه عندما استأذن وصعد لغرفته و اغتسل ثم غير ملابسه نزل مجددا لينضم الى طاولة العشاء إلا أن الآخر صادفه في طريقه و قال :
– خير يا عمار انا مشوفتكش من امبارح انت كنت فين.

عض على شفته من الداخل وكم تمنى لو يقبض على عنقه و يقطع أنفاسه إلا أنه ليس الوقت المناسب ، لذلك ادعى البرود و قال :
– كنت مشغول.
– و الشغل ده بيتضمن الست اللي انت ماشي معاها ؟ ماهو اكيد انت كنت عندها.

انقبض وجهه و احتدت ملامحه عند ذكر سيرتها بهذه الطريقة فتقدم منه و همس بصلابة :
– اولا الست ديه مراتي و اسمها مريم … و ثانيا اعتقد وجودي معاها ولا مع حد تاني ميخصش حد … عن اذنك دلوقتي.

نزل الى الأسفل بسخط من فكرة أنه مضطر لتحمل رؤية عدوه كل يوم فلاحظته سعاد و سألته وهي تتقدم معه للسفرة :
– في حاجة يا عمار انت مضايق ليه.

– مفيش.
رد عليها بإيجاز لكنه لاحظ بأنها اِنزعجت فحمحم و أمسك يدها يقبلها :
– انا كويس يا ست الكل بس في مشاكل صغيرة في الشغل هحلها.

ابتسمت بسعادة من تعامله معها و نظرت لفريال التي كانت تخبرها منذ قليل بأن تلك المدعوة مريم قلبت عمار على عائلته و خاصة عليها هي لأنها ربما حدثته عن مقابلتها تلك المرة في الحفلة مع زوجة والده و كذبت عليه بشأنها …
ولكن يبدو أن مريم لم تفعل ذلك بل حتى أنها بدأت تلاحظ بأن عمار أصبح أفضل بكثير من السابق و هذا يرجع لعلاقته المتحسنة مع زوجته ، حسنا هي لا تفهم منطق علاقتهما الغريبة ولكن فهمت أن ابنها لن يكون سعيدا سوى مع تلك الغجرية التي قلبت حياتهما رأسا على عقب !

بعد مدة دخل السيد كامل رفقة عادل لغرفة المكتب و استأذن منه الاخير لكي يحضر بعض المستندات التي تخص عمله ، و في هذه الأثناء دلف عمار بعدما عرف أنه بمفرده و قال بلباقة :
– كامل بيه حضرتك قاعد هنا لوحدك ليه عمي فين.

أخبره بأنه استأذن ليحضر بعض الاوراق الخاصة بالعمل فهمهم بتلقائية مصطنعة و جلس بجانبه مرددا :
– عمي بيتقن شغله كويس و الشركة كلها بتشهد.
– ايوة انا تابعت مشاريعه و الصراحة افكاره حلوة و حضرتك كمان مدير ناجح انا سمعت عنك كتير انت مشترك مع عمك و والدك صح.

هز عمار رأسه بنفي :
– لأ انا عندي مشاريعي الخاصة و حاليا متفق مع فرع شركة *** اللي موجود في باريس.

نظر له السيد كامل بإهتمام و سأل :
– انت بتقصد الشركة الروسية ؟ قدرت تتفق معاهم معقول.

لمعت عينا عمار بخبث لأن خطته تسير في طريقها الصحيح ثم أجابه بنبرة هادئة :
– ايوة انا اشتغلت في الاول مع ماري هي شريكة بأكبر حصة من الأسهم في ال company اكيد حضرتك بتعرفها بس ساعتها كنا احنا الاتنين زباين عند شركة تانية.
– طيب انتو اتفقتو ع العقد خلاص ولا لسه.

– ايوة وقعنا بس فاضل نختار ممولين للمشروع لان زي ما انت بتعرف الشركة ضخمة و في مؤسسات كبيرة عايزة تمولنا.

فكر السيد كامل سريعا و وجد أن العمل مع مثل هذه الشركة العالمية سيكون مربحا له و يوصله لمكانة أعلى بكثير في عالم الأعمال خاصة أن جميع المشتركين في المشروع هم مدراء ناجحون و عمار واحد منهم.
لذلك نظر الى عمار و قال في نفس الوقت الذي دلف فيه عادل و رأفت
– عمار بيه انت عارف مكانة شركتنا في السوق و قد ايه حققنا ارباح في اخر سنتين ف عايز ابقى واحد من الممولين في المشروع بتاعك مع الشركة الروسية طبعا اذا ناسبك.

انصدم عادل و اشتدت يده الممسكة بالملفات بينما ابتسم عمار بإنتصار و أردف :
– طبعا انا عارف مكانتك و بتشرف بمشاركتك معايا بس لو سمحت محتاج استشير المساعدين بتوعي و هبقى سعيد لو جيت للشركة بكره عشان نتفق.

أومأ السيد كامل بحماس موافقا و نهض يصافحه و يطلب الإذن للمغادرة غير أنه توقف فجأة مستديرا لعادل و قال :
– صحيح انت كنت عايز توريني حاجة مهمة تخص الشغل ايه هي.

تجمد الآخر منتقلا بعينيه بينه و بين رأفت و عمار ثم تنحنح هاتفا بصلابة مهزوزة :
– لا هي مش مهمة كتير بنقدر نأجلها.

بعد توديعه و إيصاله لسيارته اتجه رأفت سريعا الى الغرفة ووجد أخاه يقف على رأس إبنه مرددا بإنفعال :
– انت … انت عملت ايه عشان تخليه يهتم بمشروعك ليه عملت كده !

– عملت ايه يا عمي مش فاهم.
رد عليه ببرود مستفز فضرب الآخر بقبضته على سطح المكتب صائحا :
– متعملش نفسك مش فاهم انت عارف كويس ان بقالي زمان بخطط اشتغل مع كامل بيه و انت استغليت غيابي و كسبته لصفك.

حينها انتصب واقفا و تنهد بتلاعب :
– يبقى ده غلطك لان مكنش ينفع تسيبه لوحده مش حضرتك اللي قولتلي زمان ان الاصعب من انك تلاقي زبون هو انك تحافظ عليه و متديش لغيرك فرصة عشان يكسبه انا اهو طبقت نصيحتك.
و بعدين انا معملتش حاجة كامل بيه هو اللي عرض عليا الشغل لوحده و انت سمعته بنفسك اساسا هو كده كده مكنش هيتفق معاك.

صمت قليلا يتابع ملامحه التي اتصفت بالإجرام و سخر بداخله لأنه لم يكن يدرك لحقيقته من قبل ثم تابع :
– لانك مديون يا عمي و خسرت في اخر صفقة انت عملتها و كامل مكنش هيوافق يشترك معاك في حالتك ديه.

– عمار !
– عادل !
صرخ رأفت بقوة وهو يجد شقيقه يرفع يده ليصفع ولده إلا أن الآخر أمسكها قبل أن تصل لوجهه و ضغط عليها بعنف هامسا بتهديد :
– اوعى تفكر تعمل كده تاني … اوعى يا عمي.

اقترب والده و أزاح يده مزمجرا بغضب :
– انت اتجننت بتمد ايدك على ابني انا.

ربت عمار على كتفه يهدئه خوفا من تعبه فحدجهم عادل بحقد و سخر منهم :
– مش ده نفسه اللي كنت بتقول انك مش عارف تسيطر عليه وهو مكنش بيطيق يشوفك ولا يسمع صوتك ايه علاقة الأب و الإبن اتصلحت و هتتفقو عليا ولا ايه.

أغمض عيناه بعصبية راجيا الصبر و التعقل و فجأة وبينما هو يرى الظلام ظهرت له صورة مشوشة لطفل يبكِي وهو يستمع لنفس هذه النبرة الصارخة و مع مرور الثواني توضحت الصورة و رأى أن صاحبها هو عادل … و مع أن الكلام الذي كان يردد هو غير مفهوم ولا يتذكر أين كانا بالضبط أو من ذلك الطفل ولكن … تلك الصورة بدأت تتوضح شيئة فشيئا حتى ظهر بأن ذلك الطفل هو نسخة عنه وهو صغير !
_____________
ستووب انتهى البارت
بعتذر على التأخير و يمكن تلاقو ان الفصل مشملش كل الشخصيات و لكن انا كتبت عن أهم الأحداث
ايه رايكم باللي عمله عمار و يا ترى هيقدر يستحمل وجود عمه قدامه من غير ما يكشف نفسه ؟ و هيفتكر بقية ذكرياته اللي جتله أثناء خناقته مع عمه ؟

_________________
تكالبت عليه تلك الذكريات فجأة ولكن عقله لم يسعفه على أن يجعلها واضحة و يعلم بها مالذي يعيشه بالضبط.
تظهر الصور جيدا ثم تعود و تتشوش و تبقى الأصوات متداخلة و غير مفهومة ليشعر عمار برأسه يوشك على الإنفجار و رغم ذلك بقي ينظر الى عادل بشكل أثار ريبة الآخر و للحظات أحس بأن إبن أخاه تذكر كل شيء !

لكن الحيرة على وجه عمار أكدت للآخر بأنه ذلك لم يحدث بعد ، فإضطر لإغلاق الموضوع و تراجع الى الخلف مرغما وهو يتمتم :
– ماشي انا هقنع نفسي بأن الموضوع مكنش مستاهل لانك في النهاية اكيد هتحب تكسب الصفقة و زي ما انت قولت ديه غلطتي لاني سبتلك الفرصة.
بس مش هنسى اللي عملته ده.

نظر له بتوعد و غادر المكتي صافقا الباب بقوة فزفر رأفت بغضب منه و التفت موجها كلامه لعمار :
– الواضح ان سكوتي على افعاله من وقت فضيحة الفرح خلاه فاكر ان محدش هيوقف في وشه لو جرب يتجاوز حدوده معاك بس لأ هو غلطان محدش بيقدر يقرب لإبني طول ما انا موجود.

لم يولي الآخر إهتماما كبيرا بما يقوله والده لأنه يستطيع حماية نفسه دون مساعدة أحد ولكن حديثه عن تجاوز الحدود جعله يسأل بنبرة خفيضة :
– هو … عمي كان بيعاملني ازاي وانا صغير بقصد يعني كان بيزعقلي او حاول يمد ايده عليا قبل كده عشان انا مش فاكر كويس.

تنهد رأفت مجيبا اياه على مضض :
– ايوة بيزعقلك لما تعمل تصرف غلط بس عمره ما مد ايده عليك مكنتش هسمحله اساسا غير ان محدش كان بيتجرأ يضايقك ولو بكلمة في وجود فيروز بس أنا …

صمت متذكرا بأنه هو نفسه من كان يصرخ عليه في آخر سنوات حياتها و يصب غضبه من إهمال زوجته على ولده الوحيد ، و أدرك عمار ما يفكر به الآخر ولكن إرهاقه لم يسمح له بالكلام أكثر فاِستأذن و ذهب الى غرفته مركزا في خططه التالية.
فجأة واتته رغبة ملحة في رؤية مريم أو سماع صوتها و لكنها ستلاحظ ضيقه من نبرة صوته و تصر على تصريحه بالسبب وهو الآن لا يريد إخبارها عن كشف السر لذلك أخرج هاتفه و دخل لتطبيق الصور و رآها …

صور لها قبل سنتين عندما كانت نائمة بشعرها الطويل المجعد و تغطي نفسها مظهرة ذراعيها العاريتان فقط ، و أخرى وهي ترتدي فستانها الأحمر و ترفعه لأعلى ركبتيها فتتوضح ساقيها الملتفان حول آلة صنع الفخار و تغني بصوتها العذب ، و أخرى عندما سافر بها لبلد سياحي و سار معها على رمال شاطئ البحر فإلتقطت لهما صور سيلفي ثم صورا وهي تسبح و غيرها من اللقطات التي تعيده الى الماضي …

كيف كانت مريم لطيفة و مسالمة لا ترفع صوتها أو عيناها في وجوده إلا عندما يأذن لها ، و الآن أصبحت قوية و شجاعة لا تصمت عن حقها رغم أنها إرتكبت الكثير من الأخطاء.
ولكن لا يهم ، فهو يحبها بكل حالاتها …
__________________
مر الأيام مع محاولات عمار للإطاحة بعمه في سوق الأعمال و الآخر بدأ يهاجمه بنفس الطريقة و رغم تخطيطه لعدة مؤامرات إلا أنا عمار لم يتأثر وقد أخذ حذره التام بعدما اصبح يعلم بهوية عدوه …

و اليوم هو حفل زواج ندى البحيري على يوسف ، أقيم في قاعة كبيرة مزينة على حسب ذوقها الخاص بعد أن أتاح لها الفرصة لكي تختار كل شيء تريده هي لانه زفافها.
و في المقابل كانت ندى سعيدة وهي ترى بأنها أخيرا قد أشرفت على مناسبة تخصها …
كان الحفل يليق بإبنة أكبر عائلة في المدينة وقد سحرت يإطلالتها الجميع و على وجه الخصوص يوسف الذي تركزت عيناه على تلك الأميرة ولم يستفق من شروده إلى على مزاح وليد الواقف بجانبه :
– اقفل بوقك يا چو مش كده هتفضحنا.

عند نهاية اليوم أخذها إلى الفندق الذي سيقيمان فيه هذه الليلة قبل أن يسافرا الى شهر العسل في الغد ، و دخلا سويا للجناح الفخم المجهز بأفضل طريقة فشعرت بضربات قلبها تخفق بتسارع و حلقها يجف بينما تنحنح يوسف مرددا :
– هروح انا اخد شاور.

أومأت ندى بتحفظ ليدخل هو الى الحمام محاولا تشويش ذهنه لكي لا يفقد سيطرته من جمالها و رقتها المهلكة أما هي فوضعت يدها على صدرها بإرتجاف و همست :
– اهدي هو مش هيجبرك على حاجة … بس انا … انا …

اغمضت عيناها متذكرة لباقته و لطفه و وسامته لتتنهد مستطردة :
– مش حاسة بخوف منه … يا ربي انتي بتفكري في ايه بس.

تأففت من تلبكها و تشوشها هذا فجلست على الفراش الوثير تهز قدماها بعصبية حتى مر الوقت وخرج يوسف من الحمام مرتديا ملابس بيتية ، أصدر صوتا خفيفا لكي تنتبه له فاِستدارت ندى اليه سريعا ليقول بهدوء :
– انا هنام
كان يقصد الأريكة التي تقبع في غرفة الجلوس المتصلة بالجناح فعضت على شفتها و احمرت وجنتاها بإرتباك وهي تطلب بصوت خفيض :
– انا مش هعرف اتصرف مع الفستان ده لوحدي ممكن تساعدني.

أولته ظهرها فتبينت له خيوط الفستان المتشابكة ببعضها البعض و بشرتها البيضاء تظهر من أسفلها معطية لها منظرا يغريه لكي يفك تلك القيود عنها ، و لكنه تذكر طبيعة زواجهما سريعا فاِزدرد لعابه بصعوبة و حاول أن يتحكم في رغبته إتجاهها قدر الإمكان ليتقدم منها بخطوات بطيئة كان من شأنها زيادة نسق أنفاسها …
وقف خلفها و أزاح شعرها الحريري ليراها عن قرب أكثر ، ثم رفع يداه و بدأ يفك الخيوط لاعنا نفسه على إرتجافه هكذا.

لقد قضى سنوات من حياته متنقلا بين الدول الأوروبية و رأى نساء فائقات الجمال و ارتبط بالكثيرات منهن لكن لم تؤثر به اِمرأة مثلما تفعل هذه الندى التي تجعله يشعر بأنه مراهق أبله ، و بدون أن يشعر التصق بها ووضع أنفه على مؤخرة عنقها يشم عطرها فتنهدت الأخرى بتأثر و ضغطت على يده الموضوعة على خصرها لينتبه هو لما يفعله فأنجز مهمته سريعا ثم غمغم بإيجاز :
– تصبحي على خير.

و عند تحركه لكي يغادر أمسكت ندى يده و همست :
– متمشيش.

و كان هذا تصريحا لموافقتها بالإقتراب منها ، فلبى هو النداء …
___________________

– حسيت ان الدنيا اسودت في وشي و معرفتش اتحرك ولا اقف على رجليا حتى ، اول حاجة فكرت فيها اني اقوم و اروح اخنقه و كنت هعمل كده فورا لولا اني هديت نفسي في اخر لحظة.
تمتم بها عمار وهو يجلس على الطاولة في المقهى الذي يطل على وادي نهر النيل ، ثم نظر إلى ريماس و تابع بإختناق :
– انا لسه لحد دلوقتي مش مستوعب ، ازاي في حد بيقدر يعمل كل الجرايم ديه طيب نفترض ان في ناس زيه موجودة بس معقوله يكون ضميره ميت لدرجة موجعوش وهو بيأذي إبن أخوه و كل ده عشان ايه ؟ عشان الفلوس.

أغمض عيناه يزفر بثقل ليكمل بعد صمت دام لدقيقة :
– كل الناس من حواليا كدابة يا دكتور ، مش قادر ابص في وش أي حد قرفان من نفسي ومن الكل كل لما احاول اتحسن و افتح صفحة جديدة بلاقي اني برجع لنقطة الصفر لانهم مبيدونيش فرصة اعالج نفسي.
بتعرفي احساس انك تبقي نايمة و بتحلمي بكابوس فظيع و عايزة تصحي بس مبتقدريش ؟ اهو انا بعيش نفس الحالة بس الفرق بيننا ان ديه حقيقتي مش حلم ابدا.

رمقته ريماس بشفقة درأتها سريعا لكي لا يلاحظها و ينزعج ثم أردفت بلطافتها و عقلانيتها المعهودتان :
– عشان توصل لقمة الجبل لازم تتسلق عليه الاول و تتجاوز كل الصعوبات لحظ ما تحط رجلك عليها.
و نفس اللي هتعمله وانت بتحاول تنظف حياتك لازم تتحمل الشوك و الحجر و تكشف العقبات اللي فطريقك و تتغلب عليها ساعتها هتقدر تنجح يا عمار مفيش حاجة بتجي بالساهل.
– بس ده صعب اوي يا ريماس من جهة الماضي بتاعي ومن جهة تانية مريم و دلوقتي عمي اللي قتل ابني و عذب مراتي و خلاني اشك في والدي و اتهمه بحاجات غلط لحد ما قربت اتسبب في وفاته.
– انت ليه شايف السلبيات بس و مكتفي بيها ليه متحاولش تبص للحاجات الحلوة اللي حصلت من ساعة لما بدأت تتعالج احكيلي عن اللي قدرت تنجح فيه مثلا مريم انت قولتلي انكم رجعتو لبعض.

بمجرد ذكر سيرتها انبسطت ملامح وجهه المتجهمة و ظهرت اِبتسامة خافتة عليه وهو يقول :
– مرجعناش لبعض تماما بس يعني قربت منها وهي معترضتش بقيت اقضي معاها وقت اطول بعيد عن المشاكل و العتاب و بحاول معملش نفس التصرفات اللي كانت بتضايقها و مريم كمان بحس انها بتحاول تعوضني ع الاتهامات الباطلة اللي رمتها عليا بس مع ذلك احنا مش عارفين العلاقة ديه هتودينا لفين و لسه مش فاهم اذا بالشكل ده المشاكل اللي بيننا اتصلحت ولا لأ …
وكمان احنا لسه موصلناش للمرحلة اللي بنبقى فيها صريحين مع بعض لا انا بقولها الحقيقة لما تسألني عن حاجة عايز اخبيها عن الكل ولا هي بتتصرف معايا بتلقائيتها كأنها بتتعامل معايا بحساب مش عارف اذا قدرت اوصلك الفكرة ولا لأ.

أماءت ريماس بإيجاب و تفهم :
– مريم عانت معاك كتير في بداية علاقتكم و انت متجاهلها و حتى لما اعترفتلك بحبها و طلبت منك تعلن جوازكم لانها حامل اهنتها و جرحتها و حسستها بالدونية هي شافت في عينيك نظرة السخرية كأنك بتقولها انتي ضعيفة و هتفضلي طول عمرك تحت طوعي.
فهي دلوقتي بقت حذرة و خايفة تعمل حاجة تحطها في موضع الضعف زي الاول هتخاف مثلا تظهرلك انك واحشها و عايزاك تقعد معاها ولو شافتك واقف مع واحدة هتتردد تسألك عنها ولو صارحتك هتتكلم بطريقة تحسسك أنها بتحقق معاك و طبعا انت تنزعج لانك مبتحبش حد يعاملك بالأسلوب ده.
خلاصة الكلام بينك و بين مريم حاجز وهو الصراحة انا من رأيي تقعدو مع بعض و تتكلمو عن مشاعركم ولو حكيتلها عن جلساتك النفسية بيكون أحسن.

نفى عمار سريعا رافضا بتصميم :
– لا مش وقته يا دكتور مش مستعد احكيلها عن اي حاجة تخص الماضي بتاعي انا قدرت اواجهك و احكيلك بصعوبة اساسا اكيد هيبقى صعب اتكلم مع واحد بعرفه و بتعامل معاه دايما.
– ليه بتحس بالخجل ولا خوف من انهم يقللو منك.
– معرفش يمكن مبحبش اشوف نظرات الشفقة في عيون حد انا بحبه لو قولتله اني شوفت أمي بتخون ابويا اللي كان بيعاملني وحش و قضيت حياتي وانا باخد ادوية اكتئاب و مهدئات … انتي الوحيدة اللي قدرت اصارحها ومفيش حد غيرك.

طالعته هي بغموض و همست على حين غرة :
– يعني لو بتعرفني من زمان كنت هترفض تتعالج عندي.

أجاب بغير تردد :
– ع الأغلب أيوة … مع اني بحس أحيانا اني بعرفك من زمان.
– اشمعنا يعني.

رفع حاجبه و ركز في التحديق بها مغمغما :
– العيون الخضرا ديه بحس اني شايفها من قبل و كمان الصوت كأنه مألوف أو سمعت حاجة شبهه انت ايه رأيك.

بهتت ريماس و رمشت عيناها بإرتباك اِستطاعت السيطرة عليه سريعا بحكم مهنتها ثم اِبتسمت بإصطناع قائلة :
– انت عرفت ستات كتير في حياتك سواء من العيلة او الطبقة الاجتماعية بتاعتكم او من الشغل يمكن شايف واحدة شبهي بس في كتير عينيهم خضرا اشمعنا انا.

بمنتهى التلقائية رد عليها عمار بصوته الأجش :
– لا لون عنيكي انتي بالذات مختلف … بيبقى أخضر فاتح اوي لما تكوني قاعدة في مكان درجة النور فيه عالية و غامق في الوضع المعاكس بس حلوين اوي.

تفاجأت من إطرائه الذي يعتبره هو حديثا عاديا و شعرت بالسخونة في وجهها فحمحمت تجلي صوتها و تخفي الخجل الذي سيطر عليها للتو ، لقد دعته هي بذاتها اليوم لكي تكون جلستهما بعيدة عن جو المكتب و الرسمية لكنها لم تتوقع أن ينقلب عليها الوضع عندما بدأ يتعامل معها بطبيعته.
الآن أدركت لماذا أغلب فتيات طبقته معجبات به و ابنة عمه اعتقدت أنه يحبها أما مريم فتغير عليه بشكل مبالغ به حسب قوله ، فعمار لا يكبح لسانه عندما يبدأ بمدح اِحداهن و رغم نيته البريئة إلا أن ملامحه و نظراته و نبرته. يجعلون الآخرين يعتقدون بأنه غارق في حبهم حينما يرمي عليهم كلمات جميلة.
اذا لحسن الحظ أنها تعرف طبيعته جيدا فضحكت بخفة و هتفت :
– ميرسي بس ايه رأيك تقول الكلام ده لمريم و تطلعو تتغدو سوا اهي تكون فرصة عشان تسمعو بعض

نظر لها بتفكير و همهم :
– good idea كده كده هي معندهاش شغل في الشركة النهارده.

نهض سريعا فإبتسمت ريماس لحماسه و قالت :
– اوك و انا هرجع للعيادة المرة الجاية هنتكلم عن والدك متفكرش اني ملاحظتك محاولاتك عشان تتوهني و متحكليش عليه ماشي.
– تمام استني هوصلك.
– لا مفيش داعي هطلب تاكسي من هنا.

بعد دقائق كان يفتح لها باب السيارة الخلفي و يراقبها وهي تغادر ثم اتصل بمريم و بعد ثوان أجابت فبادرها بالسؤال :
– انتي بتعملي ايه دلوقت.

ردت عليه الأخرى ببرود تخفي به غيظها :
– مفيش انا براجع الخمس ملفات اللي بعتهوملي حضرتك في الايميل و كلفتني اخلصهم في يومين.

غمغم عمار بجدية :
– طيب انا عازمك ع الغدا برا جهزي نفسك وانا جايلك عشان اخدك.

تفاجأت مريم بقوله فأعتدلت في جلستها معارضة :
– بس انا لسه مخلصتش و…

– هنبقى نفكر في الموضوع ده بعدين.
أجابها بعدم اِهتمام ثم أغلق الخط و فتح هاتفه ليتصفح مواقع أرقى المطاعم في المدينة و يختار الأفضل و لكن فكر بأن يدعَ مريم تختار فركب سيارته و بعد مدة كان يقف أسفل البناية لتخرج مريم وهي ترتدي بنطال جينز مع قميص أبيض ذو رقبة علوية و فوقه معطف ازرق يطابق لون حقيبة يدها.
راقبها وهي تتهادى بكعبها العالي و تضبط خصلات شعرها المعقودة على شكل ذيل حصان فاِبتسم متذكرا إطلالاتها السابقة عندما كانت ترتدي فساتين ملونة فضفاضة متزينة بإكسسواراتها النادرة تاركة الحرية لشعرها الغجري فارع الطول …

صحيح أن خصلاتها الآن قد ازدادت طولا عن آخر مرة قصصتها بل و مازالت شديدة الجمال و الأناقة أيضا لكنه مرتاح لأنها لم تعد تلبس تلك الأثواب التي تظهر انوثتها زيادة عن اللزوم أمام العامة …
فتحت مريم باب السيارة و جلست جواره مرددة :
– ايه سر العزومة المفاجئة ديه مكنتش قادر تعرفني قبل كام ساعة.

نظر اليها عمار و قال :
– مكنتش مخططلها اصلا وبعدين مش مستاهلة تعرفي بدري عشان تلحقي تجهزي نفسك انتي حلوة كده.

أرضاها الإطراء الذي ألقاه عليها إلا أن ذلك لم يمنعها من القول كذبا :
– بس انا مقلتش كده عشان الحق اجهز نفسي ولا كنت ناوية اساسا.

– واضح.
هتف ببرود ثم إقترح عليها إختيار المكان الذي يعجبها مبرزا عددا من المطاعم الكبيرة و لكن مريم لم تشعر بالحماس فهي ملت من العيش على طريقة هؤلاء الأغنياء و التردد على محلاتهم في كل مناسبة ثم خطرت ببالها فكرة و قالت :
– انا بعرف مكان أكله بيجنن و مستحيل تدوق زيه في حياتك.

*** بعد مدة قصيرة.

– انا مستحيل ادخل للمكان ده !
ردد عمار بدهشة و إستهجان مطالعا المطعم الشعبي الذي جاء إليه ، هذا إن كان يسمى مطعما من الأساس.
الطاولات موزعة على أماكن متفرقة في الهواء الطلق و أغان شعبية تصدر من مسجل كبير مسببة له تلوثا سمعيا و لكن هؤلاء الناس الذين يسببون فوضى عارمة بقهقهاتهم تلك و بجلوسهم المرتاح زيادة عن اللزوم يبدون مستمتعين بها و رغم أن الروائح المتسللة لأنفه تملكت منه و جعلته يشعر بالفضول لتجربة الطعام هنا إلا أن الجو الشعبي البعيد تماما عن نمط حياته قد أربكه و تغلب على إحساسه بالجوع.

رمقته مريم وهي تكبت ضحكتها من مظهره ثم قالت بإنزعاج مصطنع :
– مش انت قولتلي اختاري الrestaurant اللي انتي عايزاه.

– لمؤاخذة يعني بس المطعم ده اا … يخربيتك ايه ده.
هتف عمار بصدمة وهو يشاهد أحدهم و تبعه قوله :
– الراجل ده بياكل بصل مش مقطع … لا ده بيقطعه بسنانه !

أطلقت مريم ضحكة خفيفة و أمسكته من يده لترغمه على الجلوس إلى طاولة صغيرة منعزلة قليلا و أخبرته :
– انا قضيت طفولتي و حياتي وانا باكل في الأماكن ديه ع فكرة و غيرت نظامي بعد ما اتجوزتك بس دلوقتي جه وقت انك تعيش بطريقتي و اه على فكرة الأكل هنا عنده ذوق خاص مش هتلاقيه في مكان تاني.

استنكر عمار مديحها المبالغ :
– اشمعنا يعني انا باكل من تحت ايد أحسن الشيفات.

أجابته بمنتهى العقلانية و الجدية :
– لا المسألة مش متعلقة بالشخص اللي بيطبخ بص حواليك و شوف صحيح الناس هنا ممكن متبقاش كلاس ع حسب المعايير اللي انتو بتحطوها و بتقولو عليهم شعبيين و معندهمش رُقي بس لو ركزت هتلاقيهم عفويين و بيقعدو و بيضحكو و يتكلمو براحتهم مع اللي بيحبوهم من غير ما يهتمو لشكلهم او يخافو من ان حد يصورهم بالسر … عكس اللي بتعملو انتو.

استمع لها عمار بتركيز ووجد أنها محقة في كلامها لأن الحذر المبالغ يقتل إحساس المتعة و عيش اللحظة فإختار العيش بطريقتها اليوم و قال :
– اوك فين ال food menu مش هيجيبوه عشان نعرف عندهم ايه.

تنهدت مريم و ردت عليه وهي تشير بيدها إلى الشخص الذي يتكفل بإحضار الطلبات و أخبرته بما يريدانه تحت إنزعاج الآخر الذي شعر أنه أحمق بجلوسه هكذا و تسليم زمام الأمور لزوجته لأنه لا يعلم شيئا ، و بعد دقائق وضع لهما الشاب ما طلبته متمتما بإعتيادية :
– صحة وهنا.

نظرت هي لعمار مرددة :
– ده كشري أكلة شعبية مشهورة يمكن سمعت عنه من قبل و اللي جمبه صلصة بتتاكل معاه و اه ديه اسمها دقة مكونة من الخل و التوم انا شخصيا بحب احط الشطة معاها.

طالع بعينيه الأطباق المرصوصة أمامه و اكتنفته الرائحة الشهية فاِلتقط الملعقة بتوتر بما أنه ليس متأكدا من مدى تعقيمها ولكنه عندما رأى مريم تتناول “الكشري” بنهم اكتسب بعضا من الشجاعة ، و بمجرد وضع أول لقمة منه في فمه أغمض عيناه بتلذذ مهمهما :
– مش هكدب طعمه يجنن.

تناول ملعقة أخرى متجاوزا الصلصة و البصل الأخضر و دقة الثوم معتبرا إياهم ” جريمة في حق الإنسانية ” حتى أنهى طبقه فسألته مريم بحماس :
– ايه رأيك مش قولتلك انك مش هتدوق زيه.

أماء بإيجاب مضيفا :
– ايوة عجبني بس انتي عمرك ما عملتيلي الحاجات ديه.
– لأنك مكنتش هترضى تنزل لمستوى الأكل الشعبي ف اكتفيت ب اني احط مع الطبيخ الاعشاب الخاصة بيا.

بعد دقائق كانا ينهضان سويا تحت النظرات التي ترمق بدلة عمار الرسمية في مكان كهذا بإستغراب و لكن هذا الأخير لم يستغرب لأنه هو نفسه لا يصدق أنه جلس هنا ، و حين مرَّا من جانب ذلك الرجل الذي شاهده وهو يتخذ من أسنانه وسيلة لتقطيع البصل غير المطبوخ مط شفته بتقزز محاولا منع نفسه من النظر إليه ثم همس :
– انا عايز اغسل بوقي.

مر الوقت سريعا و هما يتجولان وقد أجبرته مريم على عدة أمور لم يفعلها من قبل كالوقوف عند العربات في الشارع و تناول الحلويات مع الشاي ثم سارا سويا و كلا منهما يحكم القبض على يد الآخر …
كانت مريم تغمرها سعادة لم تشعر بها منذ وقت طويل و ربما هذا لأنها منذ زواجها السري به وهي تتمنى أن يتصرفا كأي ثنائي طبيعي أمام الملأ و دون خوف من رؤية أحد لهما و هاهي أمنتيها تتحقق بغض النظر عن كل شي مرا به …

في نهاية اليوم جلس عمار على إحدى المقاعد في حديقة كبيرة و بجانبه مريم التي زفرت بإرهاق :
– انا تعبت اوي النهارده.

وضعت رأسها على كتفه وهي تتثاءب فطبع عمار قبلة على شعرها هامسا :
– وانا كمان … ديه اول مرة نطلع فيها سوا من غير حذر من انهم يشوفونا.

ابتسمت بألم لتذكرها ما كان يحدث في الماضي فهمست متسائلة :
– احنا بنعمل ايه يا عمار … قاعدين دلوقتي مع بعض و بنتكلم ليه … ايه اخرة علاقتنا ديه.

حينها أجابها بهمس مماثل وهو يركز على نقطة معينة :
– معرفش … في مشاكل كتيرة حصلت مابيننا بس اللي بعرفه كويس اننا مش هنقدر نتخلى عن بعض مهما اتخانقنا و أذينا بعض.
بعدين يمكن الأيام الجاية تورينا حاجات حلوة و مين عارف … ممكن انتي تحملي تاني و تخلفي مني اتخيلي و نبقى زي اللي واقفين هناك.

أشار بعينيه إلى أب و أم يجلسان مع طفلهما و يلاعبانه فبهتت مريم و انتفضت كمن صعقته الكهرباء فإبتعدت عنه بتلجلج و أعادت خصلة من شعرها الى الخلف هاتفة بإرتجاف :
– ايه اللي جاب سيرة الخلفة دلوقتي.

تعجب من حالتها و اعتقد بأنها ترفض الفكرة بسبب رفضه السابق لها و إجهاضها بعد ذلك ليقول بهدوء :
– انا بقول اتخيلي بس ، يعني فحال لو الامور اتصلحت و رجعنا لبعض مالك اتقلبتي كده ليه.

تنفست بحدة مردفة بإنفعال واضح :
– مفيش حاجة هتتصلح وانا مش عايزة اتخيل ولا احط احتمال اني اخلف حتى لو رجعنا لبعض.

وقفت بسرعة و غادرت الحديقة متجهة الى السيارة وهي تقاوم الدموع التي تسببت في إحداث غشاوة بعينيها و لكنها تأوهت بألم عندما وصل اليها عمار و قبض على ذراعها يديرها اليه ، كان سيوبخها لأنها تركته بهذه الطريقة و لكن عند رؤية وجهها الأحمر و عبراتها بدأت تنزل بغزارة حملق بها في دهشة مستفهما :
– في ايه يا مريم انتي بتعيطي ليه … معقوله كرهتيني لدرجة قرفك من فكرة انك تخلفي مني.

أشاحت بوجهها عنه تكبت صراخا حادا ثم تمتمت بتقطع :
– مش مسألة كره بس انا … انا …

– بصي انا عارف اني اذيتك و جرحتك لما عرفت بحملك بس اقسم بالله كنت هعلن جوازنا في نفس اليوم اللي انتي سقطتي فيه و رفضي مكنش بسببك لأ انا كنت رافض الفكرة من الاساس بس دلوقتي بعد ما جربت احساس ان الواحد يخسر ابنه و عشت الوجع ده عرفت غلطي ولو حملتي تاني انا …

فقدت الأخرى أعصابها فأفلتت يديها منه صائحة :
– قولتلك انا مش هحمل ولا اخلف تاني انت مش فاهم عليا ليه بطل تقهر فيا كده.

انصدم من هيأتها هذه و أحس بشيء غريب يتعلق بهذه المسألة وهو لا يعرفه فوضع يده على وجهها و أداره إليه عنوة مغمغما بصلابة :
– اقهرك ليه … انتي مخبية عني ايه يا مريم و ليه اتعصبتي كده.

حاولت إبعاده إلا أنه سيطر على حركتها بفعل قوته الجسدية فزفرت بإرهاق وقد رأت أنه لا جدوى من إخفاء هذه الحقيقة من بعد الآن لتقول بإختناق :
– الحادثة اللي حصلت و السم اللي خدته أثر عليا و اتسبب في تشويه الرحم بتاعي تقريبا … علشان كده انا مش هقدر احمل ولا اسمع كلمة ماما في حياتي.

____________________
ستووب انتهى البارت
ياترى عمار هيقدر يتغلب على عادل و هيقدر يفتكر اللي حصل في الماضي ولا لأ ؟
ايه رايكم في كلام ريماس لعمار و نصيحتها و ياترى هي ليه اتوترت لما عمار قالها حاسس اني شايفك قبل كده ؟
مريم اعترفت لعمار بأقسى حقيقة عاشتها على عكسه هو اللي لسه غامض معاها … تفتكرو هيعمل ايه بعد ما عرف انها صعب تخلف ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى