روايات

رواية نيران الغجرية الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

موقع كتابك في سطور

رواية نيران الغجرية الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء السادس والثلاثون

رواية نيران الغجرية البارت السادس والثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة السادسة والثلاثون

لطف مزيف.
_________________
تمر الحياة بتقلبات عديدة.
بعضها تجعل الإنسان يتكيف مع تغيراتها و يتقبلها …
و بعضها لا يتقبلها فيسعى إلى تدويرها لصالحه بالقوة …
و بين هذا و ذاك تضيع الروح مشتتة بين العقل و القلب ، الكبرياء و الإنكسار ، الثقة و الخيانة …
فتصبح هذه الروح قاسية ، مؤذية يمتد أذاها لنفسها حتى ، ولا سبيل لمعرفة أين الصحيح من الخطأ !!

أنهت جلسة تزيينها و نظرت إلى المرآة فشقت ابتسامة الزهو وجهها مطالعة إياه بغرور لا يليق إلا بها ، هي إبنة عائلة البحيري التي يتغنى الناس بحسنها و دلالها فكيف لا تغتر بجمالها الذي فتن الجميع … عداه هو.
انطفأت ابتسامتها فجأة عند هذه الخاطرة و غلفت عيناها غشاوة من الحزن و لكنها افاقت نفسها سريعا و ركزت على هدفها ، لن تجعل مزاجها يفسد هذا اليوم هي ذاهبة لمواجهة غريمتها لذلك لا يجب أن تبدو عليها أي لمحة من الضعف.

نهضت تضع قلادتها الألماس التي ستبدو رائعة على هذا الفستان ثم نثرت العطر على مواقع النبض لديها داعبت شعرها الحريري قبل أن يأتيها صوت والدتها التي دخلت لغرفتها و سألتها :
– انتي رايحة لمكان يا حبيبتي.

ردت عليها بنبرة عادية وهي تلتقط حقيبتها :
– ايوة انا رايحة للشركة.

اضمحلت ابتسامة فريال التي ظهرت على محياها عند إعتقادها بأن ندى ستخرج مع رفاقها ، و جعدت حاجبيها هاتفة :
– اشمعنا النهارده يعني.

– جه ع بالي اشوف شركتنا يا مامي ايه ممنوع !

ازدادت حيرتها من حالتها ولكنها نفت على أي حال ، ألقت ندى نظرة أخيرة على نفسها و نزلت إلى الأسفل فقابلت شقيقتها منال التي قالت بإمتعاض :
– برضو مصممة تعملي اللي في بالك … انتي فاكرة لو جهزتي نفسك كده و روحتي قابلتي مريم و سمعتيها كام كلمة هتخليها تطلع من الشركة يعني.

ضحكت ندى بخفوت و أجابتها :
– My beautiful sister ، انا مش رايحة اتخانق مع البربرية ديه ولا اعمل معاها مشاكل كل اللي عايزاه اني اوريها قد ايه هي أقل مني تقف قدامي و تعمل مقارنة بيننا ، عايزة اشوف الست اللي اتجرأت على عيلتنا.

و مواجهة المرأة التي سحرت عمار لسنين طويلة و أغلقت عيناه عن باقي النساء ، كتمت ندى هذه الجملة بداخلها ثم أرسلت قبلة لمنال في الهواء وودعتها قائلة :
– See you soon.

ركبت السيارة الفارهة مع السائق و بعد مدة وصلت لوجهتها ، ترجلت و طالعت المبنى الشاهق ثم سارت بخيلاء و دخلت وهي تستمع لترحيبات كل من يقابلها ، بالطبع لم تخفى عن النظرات التي تلقتها من طرفهم و قد تنوعت بين الإنبهار و الدهشة من حضورهة و الترقب و السخرية …
لكنها تجاهلتها عمدا لتريهم أن ندى البحيري لم تسقط بعد تلك الفضيحة ، مازالت شامخة تعلو بشأنها عن البقية و ستبقى هكذا.

قابلها في طريقها أحد المساعدين وقد رحب بها بحرارة :
– اهلا يا هانم الشركة نورت بوجود حضرتك.

إبتسمت له و هتفت :
– بابي في مكتبه ؟

– لا عادل بيه و رأفت في ميتنج من ساعة ونص و عمار بيه معاهم ، حضرتك تقدري تستنيه في مكتبه تحبي اطلبلك …

قاطعته بدون مبالاة :
– لأ انا هعمل جولة سريعة ع المكان هنا ولو عوزت حاجة هقولك.

اومأ بإحترام و انسحب بينما تابعت ندى تخطو بكعبها العالي خطواتها الرشيقة و في كل دقيقة تسمع شهقة تفاجؤ عندما يرونها ، حتى وصلت أخيرا إلى القسم الذي تبتغيه و المغطى بحواجز زجاجية تجعل من في الخارج يرى كل ما يحصل بالداخل.
توقفت ندى تمرر عيناها بخفة حتى وقعت على شخص بعينه ، و تأججت النيران بداخلها وهي ترى غريمتها تجلس بوقاحة في مكان هو ملك لعائلتها.

كم شعرت بالكره لها في هذه اللحظة ، هي لم تمقت أحدا بهذا القدر من قبل ولكن ما فعلته الغجرية الهمجية جعلها تعيش مشاعر لم تتخيل أنها تجتاحها يوما.
و كم تتمنى لو تمتلك الحق في شتمها و لعنها أمام الجميع ثم طردها من شركتهم و حياتهم ، غير أنها لا تستطيع.
فعمها و عمار و حتى والدها موافقون على توظيفها لديهم !

أخذت نفسا عميقا تسترد ملامحها الرقيقة ثم توجهت لغرفة عمار و دخلت دون صعوبة بما أن عمار قد أعطاها في الماضي الحق في إنتظاره بمكتبه إذا لم يكن موجودا ، لذلك ولجت بثقة و جلست على كرسيه بعدما أمرت مساعدته بطلب المتدربة مريم عبد الرحمن.

كان عمار قد ترك وشاحه معلقا فسحبته و دست أنفها به تستنشق اثر عطر عمار الرجولي الممتزج مع رائحة سجائره وهي تغمض عينيها.
لطالما صاحب هذا الوشاح الرمادي عنق عمار في كل موسم خريف بارد ، و برغم أنه يملك الكثير من الأوشحة إلا أن هذا الوشاح بالذات متعلق به بصورة عجيبة ، و لكنها لا تلومه فلونه و ملمسه و الدفئ الذي ينبعث منه يجعل الإنسان لا يتخلى عنه.
تنهدت ندى متلمسة إياه ولا تزال مسحورة برائحته ، كانت هي من رشحت له هذا العطر الفاخر منذ سنتين و أهدته إياه كهدية فلاقى إعجابه و منذ ذلك اليوم وهو يستخدمه ، كم كانت علاقتهما جميلة و مميزة لولا دخول تلك المرأة بينهما ، ليته لم يعرفها أبدا ، لكانت حياتهما جميلة جدا الآن.

طرق الباب و ظهرت من خلفه صاحبة أفكارها ، المرأة الغجرية التي طالعتها بدهشة من وجودها لأنها اعتقدت بأن عمار من طلبها و كانت آتية من أجل نهره عن جلبها لمكتبه كلما سنحت له الفرصة.
و لكنها لم تتوقع وجود إبنة عمه التي سبق و أن أفسدت حفل زفافها و تسببت في محاولتها الإنتحار ، ازدردت ريقها بضيق و اقتربت منها بضع خطوات متمتمة :
– كنت فاكرة عمار اللي …

قاطعتها ندى وهي تضع ساقها فوق الأخرى :
– اسمه عمار بيه … هو هنا مديرك.

ألجمتها ببرودها فلعنت مريم نفسها لأنها جاءت للمكتب من الأساس وقد أدركت أن ندى حضرت من أجل إستفزازها و إستحقارها.
لذلك لم تود أن تعطيها هذه الفرصة على طبق من ذهب لذلك هتفت بهدوء :
– بما أن عمار بيه مش موجود يبقى حضوري ملوش لازمة.

تحركت لتغادر و لكن ندى استقامت و أوقفتها بقوة ثم بدأت تقترب منها حتى أصبحت مقابلة إياها ، لترفع مريم حاجبها و تستفسر بإستنكار :
– ايه ناوية تعملي مشاكل في اول يوم ليا في الشغل … اوعى يكون عمار اللي باعتك.

إستهزأت بها ندى و ردت عليها متهكمة :
– عمار باله مش مشغول بيكي اصلا علشان يبعت اي حد ليكي … و كمان المشاكل و الفضايح دول من اختصاصك انتي انما واحدة زيي جاية من عيلة كبيرة و راقية مستحيل تنزل للمستوى ده … عكسك انتي معندكيش أهل تخافي عليهم من الفضايح.

للحظة إنكسر لمعان مريم في عينيها من ألم حقيقة يتمها و لكنها تحاملت على نفسها ولم تظهر أي رد فعل ، بينما إدعت الأخرى التكلم بهمس و كأنها على وشك قول شيء خطير :
– By the way ، انتي عندك عم واحد و باعك لعمار مش كده … علشان السبب ده فضلتي مرمية في شقة معزولةلمدة سنتين ونص.

– متتجاوزيش حدودك !
هتفت بها مريم بتحذير وقد انقشعت كل ملامح الصلابة المزيفة حينما ضمت قبضة يدها تمنع نفسها عن صفع الوقحة المدللة بصعوبة ، و بداخلها كانت تدرك مدى صدق ندى غير أن الموت الآن كان أهون لها من إظهار تأثرها.

بينما سكتت الأخرى و اكتفت بتأملها مليا لعلها تبصر سر ما جذب عمار إليها من لقاء واحد فقط.
حسنا المدعوة مريم جميلة ، و لكن ندى تفوقها جمالا بكثير ، انها تمتلك جميع المواصفات الازمة من شعر أشقر حريري و عينان ملونتان و نسب و جاه و دلال ، في حين أن الغجرية تعكسها في كل شيء من ناحية الشكل و الطول و درجة التعلم و البيئة التي ترعرت فيها و باقي التفاصيل الأخرى.

اذا لما أحبها عمار و لما يحب ابنة عمه التي تربت معه ، مالذي يجذبه في هذه المرأة البربرية و يجعله صبورا عليها لحد الآن !
بالتأكيد لم تكن ندى ستبوح بما يخالجها بل آثرت اخفاء حيرتها و الاستمرار بإستفزازها حيث هتفت :
– هو انتي شايفة نفسك على ايه مجرد واحدة مكنش حد هيعرف انها عايشة لو مستغلتش اسم عيلتنا و حبت تظهر على حسابنا.

– الصراحة مش عايزة ابقى كأني بتخانق علشان راجل بس انا هي نفس الست اللي جري وراها اول ما شافها و فضل سنين يخاطر بسمعته علشان يفضل معايا و يكذب على عيلته بسببي … حتى انتي عمار فضل معيشك في كذبه و ليلة فرحك انتي وياه كان عايز يقضيها معايا انا لولا اني وقفته و بعتهولك و لسه لحد دلوقتي بيجي لشقتي و بيحاول يقرب مني … لو مش مصدقاني اسأليه.

نجحت في إغضاب الأخيرة التي تلقت صدمة أخرى تمثلت في حقيقة أن عمار ظل راغبا بمريم حتى قبل ساعات قليلة من زفافه ، بقي متمسكا بها ولم يفكر لحظة في خطيبته التي جلست تنتظره في غرفتها !
ضغطت بأصابعها على طرف ثوبها متوسلة الهدوء و عدم إنزال دموعها المختبئة خلف غشاوة عينيها ، ثم بلعت تلك الغصة بحلقها و تمتمت بإزدراء :
– انتي فاكرة عمار متمسك بيكي عشان بيحبك ؟ فوقي بقى هو مستني يعرف كل أسرارك بعدها يرميكي زي لما كان بيعمل زمان … لما كان يسيبك في شقته و يجي يقضي وقته معايا.

ارتفع نسق أنفاس مريم و تطايرت الشياطين أمام وجهها من كثرة الإنفعال بينما كانت ندى تردد بإستحقار أكبر :
– مهما عملتي و اشتغلتي و غيرتي شكلك هتفضلي نفس الست اللي استخسرت يتعملها فرح و رضيت ببواقي زوج بيديها ساعتين من وقته كل شهر بعدين يسيبها و يمشي.
و انا هفضل بنت عمه اللي حتى لما كان بيكدب عليها بس مرضيش يقلل من مستواها و وراها للناس و عملها خطوبة و فرح ضخم لولا العشيقة اللي جت و بوظته.

بكلماتها الأخيرة قضت على أي فرصة تكبح جنون مريم التي خرجت عن عقالها ، فإقتربت منها ولم تشعر بنفسها إلا وهي تقبض على فكها بعنف صائحة بشراسة :
– قولتلك متتجاوزيش حدودك انتي مين علشان تحكمي عليا و تحددي الصفة بتاعتي لو عايزة عمار بتاعك ده خديه مش عايزاه بس اوعى تغلطي في حقي !

رافق صراخها فتح الباب ليظهر عمار و يوسف من خلفه فيصعقا من رؤية مريم فاقدة لأعصابها و تتهجم على ندى في غرفة المكتب التي لا تخصهما أساسا.
فغر عمار فاه بصدمة قبل أن يستجمع نفسه و يقترب منهما ليفصل زوجته المجنونة عن ابنة عمه ، سحبها من ذراعها هاتفا بخشونة :
– في ايه اللي بيحصل هنا انتو بتعملو ايه.

أفلتتها مريم بإزدراء بينما أمسك يوسف ندى التي بالغت في إظهار ألمها وهي تدمع عينيها :
– اللي بيحصل أن الست البربرية ديه اتهجمت عليا في نص شركتنا هي ديه اللي انتو جايبينها تقعد وسطينا !

التف الأخير إلى الفتاة التي تتململ بين يديه تحاول الفكاك منه و رمق يوسف بنظرة فهمها الآخر فأومأ له بالموافق ، ليسحب عمار مريم معه و يأخذها لشرفة المكتب بحيث لا يظهر أحدهما إلى من بالداخل ثم جذبها ناحيته بعنف صارخا بهمجية :
– انتي اتجننتي خلاص خلصتي شغلك معايا و جه دور ندى تحاولي تضربيها انتي فاكرة نفسك مين فهميني ايه الجرأة اللي عندك ديه معقول تتهجمي على بنت الشخص اللي لولا موافقته عمرك ما كنتي هتعتبي باب الشركة !

– مش انا اللي بدأت بنت عمك هي …
انتفضت تدافع عن نفسها غير أن الآخر أوقفها مقاطعا إياها بصرامة :
– بطلي كدب و نفاق كلنا شوفنا مين اللي غلط مع التاني بس بقولك ايه اسمعيني كويس يا مريم انا ممكن استحمل كل اللي بتعمليه معايا عشان عارف انك فاهمة حاجات كتيرة غلط عني بس إلا ندى فاهمة اوعى خيالك يصورلك انك بتقدري تأذيها.

بهت وجهها و تسمرت مكانها تطالعه بدهشة تحولت إلى إستوعاب وهي تتمتم مستدركة :
– طبعا ما هي حبيبة قلبك ايه الفايدة من اني ادافع ع نفسي … معاك حق انا بكدب.

بالطبع هو الملاك الحارس لتلك المدللة ، مالفائدة من تبريراتها لرجل خانها مع قريبته و قتل جنينها ، أساسا لقد إنتهت حياتها المهنية في نفس يوم بدايتها ، ندى إستفزتها متعمدة و هي إنقادت خلف مشاعرها و تهجمت عليها.
بمجرد أن يصل الكلام للسيد رأفت و السيد عادل لن يسمحا لها بالبقاء دقيقة إضافية في الشركة ، لذلك ستذهب لجمع أغراضها قبل أن يطردوها أمام الجميع يكفيها ماسمعته من إهانات.

لم تشعر مريم بغشاوة الدموع التي ترقرقت في عينيها و حتى أنها لم تلاحظ ضغطها على شفتيها لتكبت شهقاتها ، إلا أن عمار إنتبه لما يحدث معها فأمسكها من معصمها بعدما كادت ترحل ، و همس بذهول متسائلا :
– انتي بتعيطي ؟

حررت يدها منه بنفور :
– مش هعيط علشان ناس زيكم.

– ناس زينا ؟
سأل مجددا ثم تدارك الأمر و تشنج صوته وهو يقول :
– ايه اللي حصل بينك و بين ندى اساسا انتي ايه اللي جابك لأوضتي اتكلمتو ف ايه خلاكي تتجنني كده.

هل فكر بسؤالها الآن ؟ هذا إن لم يكن متواطئا مع ندى وقد اتفق معها على ما حدث بهدف طردها من الشركة ، لن تستغرب الأمر اذا كان صحيحا.
و لذلك لم ترد إضاعة وقت إضافي معه فهمست :
– سيب ايدي انا عايزة امشي.

نفث عمار الهواء بقوة و ألم رأسه يعاوده من جديد ، مهما حاول الهدوء من أجل حالته الصحية يجد مريم تفتعل مشكلة أخرى تجعله يبدأ من الصفر لذلك لم يجد مانعا من الضغط عليها أكثر ففي كلتا الحالتين سيقضي اليوم بطوله مع هذا الصداع المقيت ولن يشفى منه.
لذلك رفض تركها بل قربها منه حتى لفحت أنفاسه بشرة وجهها ليهمس :
– انتي عارفة اني مش هسيبك قبل ما تجاوبيني فمتتعبيش نفسك اكتر و احكيلي ع اللي حصل.

انقشعت ذرات تحملها و التمعت عيناها بالغضب الممزوج بألم أخفته ببراعة وهي تردف بقوة :
– بنت عمك خلت المساعدة بتاعتك تطلبني لمكتبك و اول ما شافتني قالتلي كل الكلام اللي قالته ناس كتير عليا و انت منهم.
زي اني رخيصة بعت نفسي عشان الفلوس وكنت برضى بساعتين من وقتك زي العشيقة ولما تخلص مني تروح تقضي يومك مع حبيبتك في العلن.

صعق من كلامها فطفق يناظرها مصدوما ، متخبطا بجنون لاطمته أمواج الغضب الهادر عند إدراك ما تسبب في جنونها هكذا … و دموعها !
كيف يتجرأ أحد على قول هذا لزوجته بل كيف تتخلى ابنة عمه عن أصالتها و تهين مريم هكذا ، و لكن لماذا يغضب إن كان ما يتداوله الناس على أفواههم صحيحا وهو السبب في ذلك ، يجب أن تكون مشاعر الغضب موجهة إليه و ليس لشخص آخر !

تسارع نبضه بنسق خطير و استنفرت عروقه من شدة العصبية ، قبل أن يفلتها و يهمس بصوت تبينته بصعوبة :
– امشي انتي دلوقتي و متكلميش حد ع اللي حصل ساسا الدوام بتاعك خلص مفيش داعي تفضلي اكتر في الشركة.

لوت مريم شفتها بتهكم و كرهت نفسها لأنها استسلمت لدموعها التي أظهرت مدى تأثرها بحديث غيرها ، في الأساس هي قد سمعت الكثير من هذه الأقاويل تلقتها من طرف ابن عمها المتحرش و السيد رأفت و المتفاعلين مع مواقع التواصل الاجتماعي و حتى من عمار نفسه.
كان يجب عليها كسب مناعة قوية ضد إهاناتهم إلا انها لا تعلم لماذا بكت حقا ، هل بسبب القول عنها عشيقة فقط ، أم لأن ندى قارنت بينهما و اوضحت لها كم أن علاقتها قوية مع عمار !

ألقت نظرة أخيرة عليه و غادرت المكتب كليا ، بينما بقي عمار واقفا مكانه يتصارع مع شياطينه كي لا يجن ، ثم اتجه الى غرفته فوجد ندى جالسة على المقعد و يوسف يقدم لها كوبا من الماء و عندما رآه انتفض بلهفة و اقترب منه هامسا :
– ايه اللي حصل انا شوفت مريم طالعة دلوقتي و باين عليها مضايقة اوي.

لم ينتبه عمار الى نبرة صديقه المهتمة أكثر من الازم بل ركز على الأخرى ثم غمغم :
– ممكن تسيبنا لوحدنا شويا … و متعرفش حد باللي حصل.

تعجب من حالته و أدرك بأن شيئا ما حدث بين الفتاتين جعل الأوضاع تتعقد هكذا ، لقد كان مع رفاقه و العملاء يتبادلون أحاديث جانبية بعدما انتهى الإجتماع ، قبل أن ينسحب وليد فيبقى هو و عمار رفقة بقية الأوضاع فيصل لهما خبر بأن الآنسة ندى البحيري جاءت الى الشركة و دخلت غرفته فنالت الدهشة منهما حين معرفتهما بأن مريم برفقتها الآن !

استأذن عمار و توجه لمكتبه فتبعه يوسف سريعا و انصدما عند رؤيتهما تتشاجران و هو لا يعلم لحد الآن ماذا حدث بينهما.
غير أنه لم يكن له سبب للبقاء هنا على أي حال فتنهد و اومأ بإيجاب قبل أن ينسحب من الوسط و يذهب للبحث عن مريم التي تشغل باله.

بينما من الناحية الأخرى كان هو يتطلع بنظرات حادة اتجاهها ولم يخفى عنه ارتجافة يدها عندما رأته في تلك الحال ، لا يصدق أن الشجار حدث بين أكثر فتاة لبقة ناعمة و فتاة كان يناديها بالمسكينة فيما مضى.
و لكن لما يجب عليه الإندهاش هكذا فالجميع نزع أقنعته و بدلها بأخرى.

تقدم منها و سحب كرسيا ليجلس أمامها عازما على توبيخها ، غير أنه عندما فتح فمه للكلام أوقفته ندى هاتفة بصوت منخفض :
– I have to tell you something important.

عقد عمار حاجباه عندما سمعها تقول بأنها يجب عليها إخباره بشيء مهم فحمحمت الأخرى و ضغطت على الكوب الزجاجي بين يديها متمتمة بحرج :
– مريم مش غلطانة … انا السب ف اللي حصل.
– ازاي يعني ؟ ولا اقولك احكيلي كل حاجة من الاول

– لما جيت للشركة عشان اشوف بابي لقيتها في وشي و كانت بتبصلي ببرود ولا كأنها عملت حاجة … و انا اتعصبت و طلبت منها تجي للأوضة بتاعتك لاني فكرت اننا ممكن نقدر نتفاهم لو اتكلمنا فمكان بعيد عن الناس و هادي
مكنتش هقدر اخدها لأوضة بابي طبعا علشان كده انا اخترت نتكلم هنا و … اتكلمنا شويا قولتلها انا كان ايه ذنبي لما فضحتيني قدام الناس.

اغرورقت عيناها بالدمع و رفعت وجهها المحمر ناحيته متابعة بصوت متحشرج :
– عاتبتها و قولتلها لو كنتي عايزة عمار كنتي قادرة تواجهيني بالحقيقة عشان افسخ خطوبتي منه … بس مريم كانت بتبصلي ولا كأنها عاملة حاجة عشان كده فقدت اعصابي و .. I told her bad things.

هز رأسه و تساءل قائلا بحدة :
– و انتي ندمانة عشان خايفة بريستجك يبوظ قدام الموظفين في الشركة ولا عشان غلطتي فيا انا بما اني الراجل اللي اشترا ست بايعة نفسها و رماها في شقته ولا عشان استغليتي الصلاحيات اللي ادتهالك و دخلتي اوضتي تخانقي مراتي.

نفت ندى وهي تمسح دموعها :
– ندمت لاني مكنش ينفع اقول الكلام ده لأي واحدة ست مهما عملت … صحيح مريم دمرتلي حياتي بس مش لازم اردهالها بنفس الأسلوب … و كمان في وقت غضبي غلطت فيك من غير قصد انا اسفة مستعدة اعتذر منها هي كمان.

هذه المرة نجحت في إثارة دهشته حتى بات يطالعها كأنها مختلة عقلية ، هل تخبره بأنها ستعتذر من المرأة التي أفسدت زفافها و جعلتها سيرة على ألسنة الجميع ؟ و هذا فقط لأنها استسلمت لغضبها – المبرر –
هل الفتاة الواقفة أمامه لطيفة الى هذه الدرجة ، يا الهي ما أنقى قلبها.

ابتسم عمار و ضم وجهها بين يديه مبتسما :
– مفيش داعي تعتذري من حد المهم عرفتي غلطك و اتمنى انك متعمليش كده تاني … بنوتة رقيقة زيك مينفعش تعمل التصرفات ديه.
و كمان بالنسبة للي حصل هنا في الاوضة انا …

قاطعته بتفهم :
– مش هقول حاجة لاني عارفة لو اتكلمت بابي و اونكل رأفت هيلوموك و انا مش عايزاك تضايق … علشانك بس.

أنهت حديثها بغمزة مرحة و ضحكت له فبادلها إياها ثم عانقها بهدوء ، و بمجرد أن اختفى وجهها عن مرمى نظره مسحت ابتسامتها المزيفة و تنهدت بإنتصار لأنها استطاعت تهدئته.
لقد كانت تخطط لإستفزاز مريم لجعلها تفعل تصرفا أخرقا و تُطرد من الشركة ، و لكن عندما رأت لهفة عمار على البربرية تبعها بنظرات غاضبة نحوها علمت أنه علم بالحوار الذي دار بينهما.

لذلك قامت بالمبادرة و لعبت دور اللطيفة التي ندمت على خطئها فكسبت عاطفته مجددا بسهولة ، و فازت في مواجهتها الأولى مع غريمتها !
__________________
– يعني ايه هو بدأ يشك فيك !
هتف عادل بخشونة يسأل سليم الذي أخبره بما دار بينها و بين سيد عمله ، فحمحم الأخير و أجابه بحرص :
– مش شك بالضبط بس عمار بيه لاحظ اني في اخر فترة مبقتش اشتغل زي الأول وقالي لو مجبتش معلومة في غضون اسبوع هيرفدني.

لعن عادل وهو يضرب كفا بكف مفكرا بأنه كان عليه توقع أن يبدأ عمار بالشك في مساعده ، و لكن ماذا يفعل ان كان هو نفسه لا يعلم أين كانت تلك الفتاة طوال هذه الفترة.
منذ هروبها من المستشفى لم يجرب البحث عن مكانها كان يكفيه أن تكون بعيدة عنهم.
ثم علم بأن رأفت وجدها و ملأ رأسها بالأفكار السيئة ضد إبنه إلا أنه لم يسأله أين ذهبت مريم و لم يجرب البحث من الأساس …
هذا لأنه يعلم أن رأفت قد اخذ كل احتياطاته ومن الصعب العثور على شيء أخفاه بنفسه.

زفر بغضب فقال سليم :
– طيب احنا هنعمل ايه دلوقتي … حضرتك أمرتني مدورش على حاجة و في الاخر عمار بيه يزهق و يبطل يحاول يعرف مراته كانت فين بس دلوقتي هو بدأ يشك فيا … بعد اذن حضرتك انا شايف هيبقى أحسن لو نفذت أوامره و جبتله معلومة حتى لو صغيرة بس على الاقل يرجع يثق فيا تاني.

– المشكلة ان عمار لو عرف مراته كانت مختفية فين و مين اللي ساعدها هيقدر يوصل لسبب كرهها ليه كمان و يعرف ان الاجهاض كان سببه تسمم.
من غير حاجة انا ببقى خايف القصة تتكشف في كل مرة لما الاتنين دول يشوفو بعض ، انا مكنتش حاسب حساب البنت ترجع و دلوقتي مش عارف ابعدها عن هنا بسبب اخويا.
انا لسه مستغرب من مريم لانها لسه مواجهتش عمار و مع ذلك مش قادر افكر هنعمل ايه لو مريم حكتله على كل حاجة.
تمتم عادل بعصبية سوداء وهو يفكر بأن عمار لو علم بتسمم مريم سيشرع بالبحث عن الجاني و سوف يبدأ من مساعده سليم لأنه هو من أخذ الهدية المسممة لها و بالتالي وصوله لعمه لن يكون صعبا كثيرا.

– يا فندم انا اقترحت عليك نخلص عليها و حضرتك رفضت لانهم هيشكو فينا … ولو من ناحية البنت تتكلم ف انا معتقدش هتقول حاجة دلوقتي لاني لما كلمتها في التلفون و قولتلها جوزك أذى ناس كتير و كان بيراقبك هي صدقتني و دلوقتي هتخاف تواجه عمار بيه عشان يمكن يخدعها تاني أو يأذيها زي لما عمل مع ابنه اللي لسه مشافش الدنيا.

استمع عادل اليه و بالتفكير في كلامه هدأ من روعه قليلا وهو يرى أنه محق ، مريم تأكدت من أن المتصل المجهول صادق في حديثه و بهذا زاد مقتها لعمار لذلك ليس من المعقول أن تواجهه الآن خشية من تزييفه للقصة أو أن يؤذيها.
و لكنه لن يعتمد على الإحتمالات يجب عليه التحرك قبل فقدان سيطرته على زمام الأمور و فشل خططه ، مريم ستجعل عمار يتهاون في عمله لدرجة تمكنه من طرده من منصبه و بعدها سيكون عادل الشخص الأمثل لتولي كرسي المدير التنفيذي !

_______________
ستووب انتهى البارت
ممكن تقولو عليه قصير او احداثه مش مهمة بس والله يعتبر انجاز اني قدرت اكتبه 😂
رايكم بيه و توقعاتكم
رايكم بمشهد عمار و مريم و ندى
ايه هي مخططات عادل عشان يقدر يأذي عمار ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى