رواية نيران الغجرية الفصل السابع والخمسون 57 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء السابع والخمسون
رواية نيران الغجرية البارت السابع والخمسون
رواية نيران الغجرية الحلقة السابعة والخمسون
خطوة بدون حساب
__________________
ترجل من سيارته وهي خلفه ثم دخلا الى المركز و اتجها لغرفة التحقيق ليقابلهما وائل عند الباب فسأله عمار مباشرة :
– هو جوا ؟
– ايوة.
هز رأسه بوعيد و تحرك ليدخل إلا أن يد وائل أوقفته وهو يردد :
– اول حاجة يا عمار انا عايزك تتمالك أعصابك و تهدا عشان نعرف نوصل لنتيجة تفيدنا انا عارف انه صعب عليكم بس لازم تعرفو ان اي حركة غلط ممكن تكلفنا كتير تمام ؟
ضغط عمار على أسنانه بعصبية مريرة وهو يجد نفسه عاجزا عن الدخول و خنق ذلك الوغد بل مضطرا لأن يسايره كي يدلي بإعترافه ، ثم نظر لمريم التي تمثل الهدوء ولكن اهتزاز حدقتيها و جفاف شفتيها و ضغطها على طرف ثوبها أوضح له كم هي متوترة و خائفة فحاول تمالك أعصابه من أجلها و غمغم بصلابة :
– انتي مش مضطرة تدخلي لو مش عايز…
حينها قاطعته بثبات لم يتوقعه :
– انا استنيت اللحظة ديه كتير ومستحيل افوتها.
تنهد بحدة و دلف معها ليجدا الطبيب خائن المهنة جالسا على كرسي و يسند يديه المقيدتين على سطح الطاولة الحديدية أمامه و عندما رآه تلجلج و ظهر عليه الإرتباك فقال :
– انت مين.
– انا الراجل اللي عالجت مراته لما جبتهالك وهي بتنزف و زورت التقرير بتاعت عليا وخبيت حقيقة انها اتسممت.
رد عليه بصوت قاسٍ بعث الرجفة في أوصاله فاِرتجف مبررا :
– انا قلت كل اللي عندي سيبوني امشي.
ابتسم عمار متمتما وقد اقترب منه :
– معقول عايزنا نسيبك بالسرعة ديه استنى لما نخلص شغلنا معاك الاول.
ثم انقبض وجهه و تغيرت نبرة صوته وهو يهتف بقتامة :
– ازاي قدرت تزور التقارير بتاعت مراتي من غير مايكشفوك و ايه علاقتك بسليم وليه اختارك انت من بين الكل و اختفيت فين بعد موته … انا عايز اعرف كل حاجة.
زفر الطبيب بإضطراب و تكلم :
– انا اعترفت للباشا بكل حاجة و هرجع اقول نفس الكلام … سليم كان صديق ليا و عارف عن العمليات اللي متعود اعملها خارج اطار القانون زي الاجهاض و جه فمرة وقالي انه هيجيبلي بنت عشان تسقط و المفروض اكدب على والد الطفل و محكيلوش ان الجنين مات متأثر بالسم وخلصت القصة ع كده.
قبضت مريم على يدها وهي تشعر بغصة تحكم قلبها و تجعله ينزف فحاولت السيطرة على مشاعرها بينما أكمل الآخر مطالعا إياها :
– بس لما الست جتلي لقيت حالتها خطيرة و كان ممكن تخسر حياتها وانا عملت مجهود اضافي عشان انقذها و علشان كده اتفقت مع سليم يديلي الضعف وهو قالي انه هيكلم الريس بتاعه ف الموضوع وبالفعل بعتولي مبلغ كبير مكنتش بحلم بيه و القصة اتقفلت ع كده صدقني انا مبعرفش مين الريس بتاعه و مهتمتش اعرف اصلا لان مراتك كانت حالة عادية زي باقي الحالات و….
في اللحظة الموالية وجد الطبيب نفسه مكوما على الطاولة وقد انفجر أنفه بالدماء حين نهض عمار على حين غرة و قبض عليه من مؤخرة عنقه دافعا إياه على الطاولة بعنف ! شهقت مريم بهلع بينما اندفع وائل ليبعد عمار الذي كان يصرخ بجنون :
– الحالة العادية اللي بتتكلم عليها ديه مراتي و ابني فاهم ! ابني اللي مشافش الدنيا و مكنش عنده حظ يخلينا ناخدله حقه من ال*** اللي اتفقت معاهم.
ارتاعت مريم من شكله وهو يتنفس بقوة و عروق رقبته بارزة من شدة الإنفعال و تقاسيمه إجرامية ، ولكن رغم خوفها إلا أنها شعرت بلذة الانتقام تسري في عروقها وهي ترى ذلك الطبيب بتلك الحالة المزرية و تلك الدماء كانت مثل المياه الباردة التي ألقيت على قلبها فاِنتعشت روحها و لمعت عيناها بالحقد وهي تتمنى لو تذهب و تقطع أنفاسه !
أما وائل فدفع عمار هاتفا بحدة :
– انا هطلعك برا لو الموضوع ده اتكرر تاني.
– انت بتكلمني انا كده ؟
– قولتلك لازم تهدا و تتمالك أعصابك و شوف انت عملت ايه هنستفاد ايه لما تضرب الدكتور هو مبيعرفش حاجة بجد و معندوش علاقة الا بسليم اللي سابله جواب قبل ما يمشي.
تضاءلت وتيرة أنفاسه و بدأت ضربات قلبه تهدأ عندما أصبح يشهق بعمق و يزفر الهواء على دفعات ثم يعدُّ ببطء حتى خبتت ثورته ، و عند عودته لرشده جلس على الكرسي المقابل مغمغما بصلابة :
– انت كنت مختفي فين ومين ساعدك تهرب.
ازدرد لعابه و نظر لوائل يلتمس الحماية ليتمتم بتلبك :
– قبل فترة من وفاة سليم جه لعندي و ادالي جواب وقالي لو حصلي حاجة شوف طريقة عشان تبعته لعمار البحيري من غير ماتكشف نفسك وانا وافقت لانه صاحبي و بعرفه من زمان و كمان عشان ادالي مقابل مالي.
بس لما عرفت انه مات في حادث عربية حسيت انه كان مدبر و خفت قمت هربت عشان محدش يلاقيني بس مكاني اتكشف ولولا وائل باشا كانو خدوني وقتلوني.
قضب عمار حاجبيه و نظر لرفيقه الذي هتف مؤكدا :
– الدكتور كانو مراقبينه وقدرنا نوصله في اخر لحظة قبل ما يجو وياخدوه بس مع الاسف مقدرناش نعرف هما مين لانهم هربو لما شافونا.
– فين الجواب اللي بيتكلم عليه ده.
جلب وائل الظرف و فتحه عمار بعدما اقتربت منه مريم و ركضت أعينهما على الحروف …
” عمار بيه … لو حضرتك بتقرا الجواب ده دلوقتي يبقى انا ميت و اتمنى فعلا كلامي يوصلك ، انا الخادم اللي كنت معتبره ايدك اليمين ووثقت فيه و أمنته على أسرارك و ساعدته في مشاكله بس انا مكنتش قد الثقة ديه.
الظروف اللي كانت ضدي جبرتني اغلط و أخون ثقتك فيا و بعرف ان بقالك كتير شاكك فيا و تدور ورايا و شكك كان في محله ، أنا اللي اشتغلت ضدك و سممت زوجتك و ركبت جهاز تنصت عشان اعرف حركاتك مش هنكر و ندمان جدا بس صدقني مكنتش عايز الأمور توصل لكده انا مش هقدر اجازف بحياة اللي بحبهم و اعترف بهوية الشخص اللي كنت بشتغل عنده ومش هعرف اعمل حاجة غير اني اعتذر منك عن كل حاجة عملتها.
حضرتك ذكي جدا و بتقدر تكشف كل حاجة مش واضحة و كنت قولتلي مرة واحنا بنزرع شجرة في الحديقة أننا عشان ننجح في الزراعة لازم نهتم بالجذور كويس لأنها الأساس ولو عملناها بطريقة غلط النتيجة مش هتعجبنا و شبهت الجذور بالبيت اللي بيتربى فيه الطفل … كان عندك حق يا عمار بيه وانا عرفت أن مسيرنا نرجع للجذور اللي ياما هربنا منها .. “
انتهى عمار من قراءة محتوى الإجابة و على عكس ما توقع فلقد ازدادت حيرته بشأن هذا الأمر و تضاعف بغضه اتجاه سليم ، قال أنه نادم و اعتذر منه ، حقا ؟
هل هو يرى بأن كل ما فعله له لا يستحق سوى طلب السماح وماذا سيفعل هو بإعتذاره بعدما تعاون مع عدوه فقتل طفله و أودى بحياة مريم للخطر و جعله يتهم والده و يعيش في دوامة من الحيرة.
و كيف يكتفي بالإعتذار فقط و يخبره بكل وقاحة بأنه لن يستطيع الاعتراف عن هوية رئيسه ماذا سيستفيد هو من كل هذا !
ام هل يعقل أن تكون كلمات الرسالة مشفرة و سليم يقصد بها شيئا آخر ، لماذا يشعر وكأنه لم يكن يود الإعتذار فقط بل هناك شيء آخر تحتويه هذه الكلمات وهو لا يستطيع فهمها.
أما مريم فشعرت بسياط من نار تجلد قلبها و تعصف بأعصابها التي كادت تنفجر بينما تطالع ذلك الوغد المشترك في جريمة قتل طفلها و تمنت لو يشنق الآن إلا أنها صدمت حين سمعت وائل يردد بصوت خفيض :
– زي ما كنا متوقعين هو مبيعرفش حاجة ومش هيقدر يفيدنا فمفيش داعي نحقق معاه اكتر يدوب نعرف منه معلومات عن العمليات غير القانونية اللي أشرف عليها خلال مسيرته و نرفع عليه دعوى بتهمة تزوير التقارير عشان يتحاسب.
زفر عمار ساخطا و في خضم صمته هتفت مريم بإستنكار غالبه الغضب :
– احنا كده مستفدناش حاجة صح و هتسيبوه يتحاسب سنتين او تلاتة في الحبس و يطلع ؟ ممكن يبقى كداب و متفق مع الريس بتاعه و عامل نفسه مبيعرفش حد غير سليم انتو لازم تحققو معاه اكتر.
– اهدي يا مريم هما حققو معاه ومش هيقدرو يعملو معاه اكتر من اللي عملوه اساسا
هدر عمار بتعقل وهو يمسك يدها و لكنها فاجأته عندما أزاحته عنها و صاحت بعصبية :
– يعني ايه انا هسيب حق ابني يضيع ومش هقدر اوصل للحيوان اللي عمل فيا كده انت ازاي واقف ببرود كده و عايزني اهدا كمان ولا لما اللي كان شغال عندك اعتذر منك يبقى خلاص سامحته و هتقفل القضية.
جز عمار على أسنانه بكبت و توحشت عيناه وهو يهمس بنقمة هوجاء :
– خدي بالك من كلامك ومتنسيش ان اللي مات ابني زي ماهو ابنك متتجاوزيش حدودك !
أدارت وجهها عنه بنزق ولم ترد عليه ليستدعي وائل مساعده و يشير اليه كي يأخذ الطبيب من هنا فنهض الأخير بإعياء وسط الدماء التي ملأت وجهه و مر عليهما مبتسما بطرف شفته ابتسامة كانت كفيلة بجعل مريم تستعر جنونا وهي تهمس :
– و بتضحك كمان.
كل ذلك حدث في لحظة ، لحظة كانت سبب في غفلة وائل عن الجحيم الذي اشتعل من عيني مريم !
غفلة قصيرة أحس على إثرها بسلاحه يستل من مكانه بخفة لم يجاريها ! سلاحه الذي استقر بين يديها في لحظة خاطفة صدحت فيها صرخته المنفلتة من قيود التعقل :
– انا هقتلك !
– عمار اتصرف معاها و خليها تسيب السلاح فورا.
نطق وائل بجدية وهو يرى بأن الأمور تخرج عن السيطرة بسبب التهور الذي شاب تلك المرأة غير المتزنة بينما حدجها الآخر بصدمة محدقا بالغجرية التي فقدت عقلها وهاهي تشهر السلاح في وجه الطبيب و تهدده بالقتل ! فاِحتدت عيناه مغمغما بحذر :
– مريم اهدي و سيبي اللي ف ايدك فورا يلا.
اهتز الطبيب الذي كان يمسك به مساعد المحقق و ازدرد لعابه برعب بينما تهز مريم رأسها رافضة الإستماع اليهم :
– لو انتو هتسيبوه يفلت فأنا مش هسمحلكم حتى لو خدت فيها اعدام الواطي ده لازم يموت هو وكل اللي اتعاون معاهم.
زفر بحدة ورفع يده يهادنها :
– احنا مش هنسمحلهم يفلتو وكل واحد منهم هياخد جزاته صدقيني.
– ازاي واحنا كل مرة بنرجع لنقطة الصفر من تاني ؟ كل لما بنقرب خطوة بنرجع لورا ميت خطوة و مبنستفادش حاجة يبقى ايه لازمته اسكت و اصبر.
هدرت بثورة كساها القهر بينما تتابع بغصة مريرة خنقتها :
– ليه انا اللي لازم اهدأ و استنى و اسمحلهم يعيشو حريتهم ده انا غلطت كتير بسببهم خلوني اؤذي ناس بريئة و اخد حقي من الشخص الغلط.
تفجرت عيناها بالدموع و انكمش وجهها بألم متذكرة ما عاشته فاِستغل عمار الفرصة و اقترب منها ليخطف منها المسدس ويعطيه لوائل على الفور معتذرا منه ثم أخرجها من المركز و جعلها تركب قي سيارته عنوة.
بعد مدة وصلا للشقة وكانت الشمس قد غربت و بدأت النجوم تتخذ مكانا لها على السماء المزينة بالغيوم و بمجرد دخولهما :
– ايه اللي عملتيه ده انتي اتجننتي مش عارفة عواقب الجنان ده.
– انا ابني اا…
هتفت مبررة ولكنه وضع يده على فمها يمنعها من المتابعة هامسا بعصبية :
– بس كفاية اسكتي انتي ليه مصممة تنسبي البيبي لنفسك ليه حاطة نفسك في خانة المظلومين دايما و معتبرة انك الوحيدة اللي موجوعة و مظلومة كام مرة قولتلك ان الولد المتوفي كان ابني انا كمان معقولة انتي أنانية حتى في الموضوع ده !
جلب كلامه الحرقة لعينيها فورا و سالت منهما الدموع مجددا فطأطأت رأسها ليتنهد عمار بإعياء و يضم وجهها بين يديه هادرا بعاطفة :
– مريم والله انا عارف كل اللي بتحسي بيه وحتى اني ممكن ابقى بعاني اكتر منك لان العدو ده مستقصدني انا بالذات و خلى الكل يخونني بس اهدي بالله عليكي و اصبري و هنحل كل حاجة ثقي فيا شويا و بطلي التسرع بتاعك.
حينها ارتجفت مريم و شعرت بحاجتها لحضنه فلم تضيع وقتا بل رمت رأسها على صدره و لفت يديها حوله معانقة إياه ، تفاجأ عمار و بقيت يداه معلقتان في الهواء لوهلة قبل أن يضمها بدوره و يخفض رأسه لشعرها يشم رائحته بهوس ، مرت عليهما لحظات وهما هكذا حتى سمعها تهمس بتحشرج :
– انا اسفة.
– خلاص اهو حصل اللي حصل.
– لا مبقصدش ع اللي عملته من شويا ، انا بعتذر لأني ظلمتك و اتهمتك بقتل ابنك من غير ما اتأكد و سببتلك مشاكل كتير و خليت الناس تتكلم عليكم ، اسفة لأن بسبب تسرعي خسرنا سنتين من حياتنا بعرف ان كلامي مش هيصلح حاجة وانت لحد دلوقتي مش مسامحني و علاقتنا مستحيل ترجع زي الاول بس ع الاقل تعرف اني ندمانة لانك مهما غلطت فحقي مكنش ينفع انتقم بالطريقة ديه.
مقلتيها الامعتين و رموشها المبتلة مع شفتيها المرتجفتين جعلوا مشاعره تتحرك بدون إرادة منه خاصة وهي بهذا الهدوء و الطاعة المغرية ، حرك اصبعه يمسح عبراتها هاتفا بصوت مثقل :
– و انا اسف على كل حاجة عملتهالك من لما اتجوزنا … ع كل دمعة نزلت من عنيكي بسبب غيابي احيانا و كلامي الجارح ليكي بس صدقيني كل ده كان غصب عني انا …
صمت غير راض بشرح دوافعه التي لم يتحدث عنها سوى لطبيبته ريماس ، و بذكرها راح يعيد ما دار بينهما في آخر جلسة …
” – انا مش عارف لازم احس ب ايه اتجاه مريم يعني احنا مبقيناش نتخانق زي الاول و فاهمين بعض غلط بالعكس اغلب الوقت بنقعد نتناقش حتى تصدقي من يومين نمنا في نفس الاوضة وكنت حاضنها بس …
– حاسس انك مش فاهم طبيعة علاقتكو بتمشي ازاي و ملهاش اسم محدد ؟
– ايوة بالضبط يعني احيانا بنقعد نهزر و مرات بنتخانق و مرات بحسها بتغير عليا و بتضايق لو لقتني واقف مع موظفة و ببتسم معاها و احيانا بلاقيها رجعت انطوائية و بعيدة عني و انا نفس الشي مرة بتعامل معاها بتلقائية و احيانا بقعد افتكر هي عملت ايه فبحس بالغضب و ببعد عنها.
لا انا قادر اسامحها ولا قادر اتجنبها خايف اقرب منها اكتر ولسه فقلبي حقد و شك اتجاهها فبقوم بزعلها غصب عني و بشك فيها زي الاول لاني لسه متعافيتش كويس من انعدام الثقة اللي بحسه اتجاه الناس.
– عمار قولي حاجة انت بتحبها ؟
– ها … يعني … هو انا مش متعود اقول الكلمة ديه كتير بس شكلي بحب مريم اه و الا مكنتش هسكت ع كل اللي عملته.
– طيب ليه مصمم متعملش خطوة من غير ما تفكر في النتايج … انا مش بقول انك لازم تبقى مندفع بس مش شرط تحكم عقلك مع مشاعرك دايما لان ده غلط جرب مرة تفكر بقلبك و متعملش ألف حساب و تفضل تتوقع في النتايج و العواقب لحد ما تلاقي الزمن عدى و خسرت اكتر من فرصة كانت بين ايديك.
انت لو متأكد من حبك ناحية مريم ومن جواك عارف انك مش عايز تخسرها لازم اولا عن معيار المثالية اللي انت متمسك بيه شيل مريم من المنصة العالية اللي جبرتها تتحط فيها و اعتبرها زي الناس العادية اللي بتغلط لان مفيش حد مثالي في الدنيا ديه الكل بيرتكب أخطاء و حتى انت نفسك غلطت كتير فحقها وهي مستنتش منك اعتذار كل اللي كانت مريم عايزاه هو وجودك جمبها.
متخليش ماضيك يدمر حاضرك و مستقبلك ولو لقيت المسافة مابينكم طويلة ابدأ انت بأول خطوة … “
حينها أفاق عمار من شروده و قربها منه أمثر هادرا بعاطفة بينما تلفح أنفاسه الحارة شفتاها :
– عارف اني غلطت فحقك كتير و خليتك تعيطي و تحسي بالنقص و انزعجتي من بعدي عنك بس انا … هي ديه طبيعتي يا مريم انا مكنتش عارف ابقى زي ماانتي كنتي عايزة و غصب عني بدأت اضايق من الاختلافات اللي مابيننا ولو عايزاني ابقى صريح معاكي انا قلبي لسه مش صافي ناحيتك صعب انسى و اتجاوز حقيقة اتهامك ليا بقتل ابني بس طلع عندك عذر عشان تفكري فيا بالطريقة ديه لان عمري ما …
هذه المرة هي من أوقفته عن المتابعة ولكن ليس بيدها بل بشفتها التي التصقت بخاصته في قبلة مفاجئة حملت بينهما عاطفة و شغفا إنصهرا به ، ولم ينتهِ الأمر بالإبتعاد ككل مرة لأن كلا منهما اشتاق للآخر …
اشتاقا لتبادل الشغف بدل النظرات ، و للإحساس بأنفاس بعضهما البعض ، لرائحة شعرها و هي اشتاقت لمطالعة عيناه الزيتونيتان عن قرب وهما تقدحان برغبته التي ترضي غرور الأنثى بداخلها …
و حينما انفصلا عن بعضهما بعد دقائق أسند عمار جبينه على خاصته بينما يحكم القيد على خصرها لاهثا بجنون :
– مريم … انا مش عارف ايه عواقب اللي بعمله … بس اللي عارفه ان صعب جدا اني ابعد عنك دلوقتي.
توعكت معدتها و لفحتها أدفاق من حرارة غزت برودة الجو التي شعرت بها في الخارج فأصبحت كمن تتدفق في عروقها حمما بدل الدماء ، و أغمضت عينيها لثوان قليلة لم تستطع عدها …
تنتشي بالإحساس بكلتا ذراعيه حولها فتملأ فراغ روحها بإزدحامه ، و تصرع حناياها بإقتحامه …
بداخلها كانت تعي جيدا مدى التخبط الذي يعايشه لأنها تعيشه هي أيضا الآن ، و تدرك كذلك ما يريده منها في هذه اللحظة فاِكتشفت بفزع أنها تحمل نفس رغبته !
و لهذا قررت أن تتبع قلبها هذه المرة و تستلم لما توده ، و لتدع التفكير بما سيحصل فيما بعد.
لذلك وضعت يدها على صدره الصلب و همست بلوعة :
– وانا مش عايزاك تبعد اساسا … متبعدش عني …
كانت إشارة صريحة أعطته الضوء الأخضر فعاد يقبلها و يخلع عنها معطفها الذي وقع على الأرضية و تبعته سترته بعد قليل ثم حملها بين ذراعيه لتدس وجهها عند وداج عنقه المختلج و تمضي معه حيث منحا لبعضهما فرصة البدأ من جديد !
________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه و بإندفاع مريم ؟
هل سليم رسالته كانت عادية فعلا ولا زي ما شك عمار عبارة عن شيفرة بيقصد بيها حاجة معينة ؟
رايكم بكلام ريماس وهل عمار لازم يتخلى عن معايير المثالية اللي ملتزم بيها
تتوقعو ايه ممكن يحصل بين عمار و مريم بعد الليلة ديه و علاقتهم هتتطور ولا هما استعجلو بقربهم من بعض
___________________
” خائفة
مني ؟
منك ومن نفسي ومن الحب
خائفة أن تخذلني..
و أن أخذلك .. و أن تخذلنا الدنيا ” # لحن سيبقى بيننا # نرمين نحمد الله
نفث دخان سيجارته و تابع حركة تطايره في الفراغ أسفل السماء التي بدأت تُخرج من جوفها خيوط الضوء في هذا الوقت من الفجر ثم اطفأها و غادر الشرفة مقتحما الغرفة ليجد مريم مستلقية على السرير بسكون تجذب الغطاء عليها فلا يظهر من جسدها سوى ذراعيها العاريتين وهي تحدق في السقف بشرود …
تذكر عمار عندما استيقظ من غفوته قبل قليل فوجدها تضع رأسها على صدره العاري وقد شعر بالبلل على بشرته و أدرك أنه بفعل سيل الدموع المتدفق من عينيها لكن حين انتبهت لتحركه مسحت وجهها سريعا و ادعت النوم.
لم يرد هو محاصرتها و إزعاجها فنهض من جانبها و ذهب ليدخن وهاهو الآن يقف مطالعا إياها وهو لا يعلم بما يجب فعله بعد انتهاء ثورة المشاعر هذه ، و كيف عليه التصرف بعدما كسر الحواجز الجسدية بينهما و ترك بقية الأمور عالقة دون حل.
أخرج صدره تنهيدة عميقة و اقترب مستلقيا على الفراش بجوارها ثم مرر يده على وجنتها و شفتيها و شعرها المجعد الذي ازداد طولا فاِبتسمت مريم بخفوت هامسة :
– لسه عندك عادة التدخين كل يوم الفجر.
بادلها الإبتسامة مجيبا :
– في عادات مبتقدريش تبطليها حتى لو عارفة انها بتضرك … زي الإدمان كده.
وهو بالطبع لم يقصد التدخين بل كان يلمح على المرأة التي لم يستطع الإبتعاد عنها رغم كل مافعلته به ! لف عمار خصلة من شعرها حول اصبعه و شمه مهمهما :
– ريحة شعرك لسه زي ماهي متغيرتش.
ثم همهم بنبرة مثقلة وهو يتلمس عنقها :
– بس انتي اتغيرتي … زمان مكنتيش بتعيطي وانتي فحضني … ليه الدموع ديه يا مريم.
و كأنه داس على جرحها فجعل عيناها تخرجان دموعا غزيرة وهي تجيب عليه بتحشرج بدون أن تنظر اليه :
– افتكرت اخر فترة كنا فيها مع بعض ، كنت قررت افاتحك فموضوع اعلان جوازنا و قررت اني مسمحلكش تلمسني تاني لو رفضت تقول للناس انك متجوز.
انقبضت يده و اشتدت على عنقها تلقائيا متذكرا تلك الليلة فشعرت هي ببعض الألم و لكنها لم تعلق أما عمار فتنهد بتجهم مغمغما :
– عايزة تقولي انك ندمانة ع اللي حصل بيننا ده ؟
– مش قصة ندم بس انا مش عارفة ايه اللي هيحصل بعد الليلة ديه و علاقتنا هتمشي ازاي احنا اتصالحنا ولا لسه زي الاول مشاكلنا اتحلت ولا لأ و كمان …
وضع عمار اصبعه على شفتيها يمنعها من المواصلة فنظرت له ريثما يردف بتقطبية جبينه المحببة :
– انا فاهم قصدك وحتى اني كمان كنت بفكر فنفس الموضوع زيك بس قلت ان التفكير المستمر هيضيع من ايدينا حاجات كتير و انا مبقتش عايز اخسر اكتر من اللي خسرته زمان … علشان كده سيبي كل حاجة لوقتها.
انحنى عليها يتأملها بتدقيق و يمرر يده عليهت بروية هامسا :
– وحشتيني …
فأغمضت مريم عيناها مستسلمة اليه ..
__________________
أشرقت شمس يوم جديد حاملا معه المفاجآت …
تململت في فراشها وهي تفتح عينيها مستقبلة ضوء النهار ، ثم امتدت يدها لهاتفها ترى كم الساعة و تفاجأت عندما رأتها الثانية عشر ظهرا ، هل نامت كل هذا الوقت ؟
تأوهت بخفوت عند شعورها ببعض الألم في جسدها فعادت تتسطح على الفراش وهي تمسح على وجهها مطالعة الغرفة الفارغة ، كالعادة يغادر المنزل تاركا إياها بمفردها بعد أن يأخذ ما يريده لماذا ستتوقع بقاءه اذا.
و لكن حين استرقت السمع للأصوات القادمة من الخارج تبعتها رائحة طعام شهي اختفى عبوسها و حلت مكانه الدهشة ، ألم يذهب عمار و بقي معها هنا ؟
نهضت مريم فورا و اغتسلت ثم ارتدت ملابس بيتية و مشطت شعرها لتتجه الى المطبخ و في طريقها تفاجأت بوجود السفرة في الصالة وهي مليئة بشتى الأطباق فقادتها قدماها الى المطبخ لتجد عمار منهمكا في الطهو و هاهو يضع اللمسات الأخيرة على آخر طبق.
استندت هي على طرف الباب مراقبة إياه بإبتسامة فوصلها صوته وهو يتحدث بنبرته الرخيمة دون ان ينظر اليها :
– صح النوم طولتي كتير وانتي نايمة و قلت لنفسي على ما استناكي تصحي وتعملي أكل هكون انا مت من الجوع … ده لو رضيتي تطبخيلي يعني.
ثم التفت ناحيتها متابعا بجدية وهو يشير لما يُعده :
– علشان كده قررت ادخل انا المطبخ وعملتلك الاكل اللي بتحبيه مستحيل تدوقي زيه.
همهمت بإستنكار بينما تقترب منه لتساعده :
– طيب هنشوف استنى اعمل عصير المانجا انت بتحبه مش كده.
هز عمار رأسه بإيجاب و كاد يخرج لكنه توقف و عاد اليها هامسا بجدية مصطنعة :
– مش هتحطيلي حاجة في العصير صح.
قلبت مريم عيناها بتملل تبتسم ببرود :
– هاها دمك خفيف اوي … عموما هفكر ممكن احطلك دوا يخليك نايم طول اليوم.
التمعت عيناه بخطورة محدقا بها بنظرة أثارت ريبتها حتى تمتم :
– ما انا نايم عندك من امبارح بس في حاجات غير المنوم هي اللي خلتني اتعب و انام.
اتسعت عيناها من جرأته و توردت وجنتاها بفعل كلماته فاِختفى تنعتها و أخفضت رأسها مهمهمة بإرتباك :
– المانجا في التلاجة و … لازم اطلعها بسرعة.
اختفت من أمامه فظل عمار يطالع أثرها بينما يتجه للصالة وهو يفكر في أن مريم دائما ما تعود لشخصيتها القديمة حالما يخف التوتر في علاقتهما قليلا سواء من ناحية هدوئها و ابتسامتها اللطيفة أو خجلها المحبب لقلبه في كل الأحوال هي رائعة و يتقبلها كيفما كانت …
بعد قليل كانا يجلسان الى الطاولة نفسها لا يسمع سوى صوت طرق الملاعق في الصحون وسط الصمت السائد بينهما ، راقبها عمار وهي تتناول طعامها الذي من الواضح أنه نال إعجابها فتنحنح يفتح دفة الحديث بينهما :
– مقولتليش ايه رايك.
بلعت لقمة من السمك المُعدَّ بالصلصة الحمراء و أجابته بتلذذ :
– الصراحة ديه تاني مرة اكل من ايدك ومش هكدب عليك ، I am really impressed بطبخك بيجنن بجد.
ابتسم عمار و قرب منها صحن السلطة الذي تحاول الوصول اليه قائلا :
– الف صحا بس ديه مش تاني مرة نسيتي لما خطفتك من الشركة و خدتك للشقة عشان اجبرك تعترفي باللي مخبياه ساعتها انا عملتلك اكل وانتي اول ماخلصتي عملتي ايه.
توقفت مريم متذكرة تلك الليلة حين فقدت أعصابها و ضربته أسفل رأسه بالمطرقة الخشبية حتى جعلته ينزف و رغم هذا لم يؤذها بل هدأها عندما أصيبت بنوبة هلع من الأبواب المغلقة و احتضنها حتى غفت.
شعرت بالحزن و الإحراج يلازمانها معا فعبس وجهها و تمتمت :
– انا مكنتش واعية للي بعمله بس ساعتها انت ضغطت عليا و…
قاطعها عمار على الفور لكي لا تشعر بالخزي أكثر :
– انا مطلبتش منك تبرريلي انا افتكرت الموضوع بس و حبيت ارخم عليكي.
ثم غير الموضوع هاتفا :
– انا هقوم اروح للشركة انتي المفروض اجازة النهارده صح.
– اه.
ذهب الى الغرفة كي يجهز نفسه و ترك مريم على السفرة محتارة تفكر في اذا كان يجب عليها سؤاله عن موعد رجوعه و في النهاية قررت تجاهل الأمر فهي لن تسمح لنفسها بتكرار الماضي لن تجلس و تنتظره كالبلهاء و تبكي شوقا له.
ارتدى عمار حذاءه و استعد للمغادرة و حين كاد يخرج توقف مكانه و عاد اليها يقبل وجنتها هامسا بما يخالج نفسه من ليلة البارحة :
– وحشتيني اوي.
وضعت يدها على موضع قبلته متفاجئة ثم تنهدت و انتظرت ذهابه كي تتصل بصديقتها و حينما ردت عليها سارعت بالقول :
– هالة الحقيني … انا شكلي رجعت وقعت تاني.
_________________
مر 3 أيام على نفس الأوضاع و في اليوم الرابع و عندما كانت مريم في القسم التابعة له طلبها يوسف و أخبرها بأن العميلة الروسية وصلت من باريس ليلة البارحة و سوف تقيم اجتماعا مع عمار لذلك سيكلفها هي بترجمة الحديث بينهما.
فاِندهشت مريم و رددت :
– معقولة انا هبقى المترجمة الوحيدة من غير ماحد ما يساعدني ؟
ضحك على رد فعلها و علق :
– فين المشكلة مش قولتيلي مرة انك تعلمتي تتكلمي روسي في السنة ونص اللي اختفيتي فيها و نجحتي في شغلك و هتتوظفي عن قريب طيب خايفة ليه.
– مش خايفة بس يعني متوترة هترجم الكلام الروسي من غير مساعدة لأول مرة.
عبرت عن ما يخالجها بصراحة فحمحم يوسف متحدثا بهدوء جاد :
– هتبقى فرصة ليكي عشان تثبتي جدارتك اكتر في الميتينج ده I trust you ( انا واثق منك ).
أماءت مريم بإيجاب و طلبت منه إعطاءها بعض التفاصيل عن موضوع الاجتماع ريثما تصل العميلة ” ماري ” ، و بعد مرور بعض الوقت سمعت جلبة قادمة من الخارج فذهبت مع يوسف و هناك لمحت امرأة تدخل رفقة بعض الأشخاص … امرأة لم ترى لها مثيلا !
وقفت مريم مكانها فاغرة فمها بدهشة وهي تطالع تلك السيدة الروسية فوجدتها ذات قامة رشيقة و وجه مستدير يشع منه لون عيناها الرمادي الفاتح لم ترى شبيها له من قبل ، كانت ترتدي فستانا أحمر ناري أبرز بشرتها شديدة البياض يصل لأعلى ركبتيها بكثير و فوقه معطف أبيض مع حذاء ذو كعب عال و تسدل شعرها البرتقالي الحريري على كتفها الأيسر و رغم أنها لم تكن تحتاج لمساحيق التجميل التي وضعتها إلا أنها زادتها جمالا !
رمشت مريم أكثر من مرة ولم تكد تستفق من تأملها حتى وجدت يوسف يتجه نحوها و يرحب بها بعناق بسيط و قبلة على الخد فتصاعدت الدماء لوجهها مفكرة بأن هذه البرتقالة الروسية سبق و أن تعاملت مع عمار كثيرا و مؤكد بأنهما متعودان على بعضهما ، هل هذا الرجل لا يتعامل إلا مع ذوات العيون الملونة !
عظت على شفتها بحنق وبدون شعور منها بدأت تتأكد من أناقة هيأتها قبل ان تقترب منهما وسط الموظفين اللذين أوشكوا على أكل تلك العميلة بعيونهم ، رحبت بها بتزمت و توجها لقاعة الإجتماع و بمجرد أن رأت عمار الذي نهض عند دخولها ذهبت و احتضنته سريعا متمتمة بعربية ضعيفة بأنها اشتاقت له.
ابتسم الأخير و دعاها للجلوس و أشار لمريم أيضا فمطت شفتها بإستنكار و اتخذت مكانا بجانبهما لتقول ” ماري ” بضحكة :
– Прошло много времени с тех пор, как мы в последний раз встречались в Париже, и я так скучаю по тебе.
نظر عمار لتلك الجالسة بجانبه وهي تشد على القلم بيدها و تمتم :
– انتي ساكتة ليه ترجمي هي بتقول ايه.
حدقت فيه شزرا متحدثة من بين أسنانها :
– بتقولك عدى وقت طويل على اخر لقاء بيننا في باريس و وحشتها جدا.
همهم بتفهم :
– قوليلها وانتي كمان وحشتيني و مبسوط اننا رجعنا اجتمعنا في صفقة شغل تانية … و اسأليها اذا قدمو ليها خدمة كويسة في اوتيلنا امبارح.
كان قاصدا أن يجعلها تعرف بأن اللقاء الذي تقصده ماري هو عبارة عن صفقة عمل فقط و لكن مريم لم تلق بالا و ترجمت الكلام للغة الروسية لتجيب الأخرى وهي تضع ساقا فوق الأخرى فبرز جسدها أكثر :
– Да, они очень заботились обо мне, и все это было благодаря вашему самому надзору за делом и вашему интересу к моей службе.
– ياربي.
همست بغيظ وهي على وشك شعرة من الإنقضاض عليها و لم تنتبه لعمار الذي ناداها بصوت عال :
– مريم انتي معايا مش بتردي ليه !
انتفضت و نظرت اليه بعدم فهم فتنهد و همس بصوت خفيض :
– اذا لقستي صعوبة فأنك تفهمي عليها هي بتقول ايه اطلعي برا وانا هجيب حد تاني بدالك عادي.
بللت شفتها السفلية و أجابته بغيظ :
– لا أنا فاهمة عليها كويس و بتقولك مش انت أشرفت ع الخدمة بنفسك فطبيعي يهتمو بيا.
هز رأسه بعدم مبالاة لها و بدأوا بالحديث عن موضوع العمل الذي سيقام بين الشركتين و مريم تهتم بترجمة ما يقولانه و في الحقيقة هي تستحق جائزة الصبر لأنها استطاعت تحمل تلك الحركات التي تقوم بها العميلة بداية من جلوسها بتلك الملابس التي تظهر مفاتنها و ابتسامتها الجذابة التي تجزم أنها تستطيع إيقاع أي رجل في الكون و رغم أن كل تصرفاتها تصدر بعفوية واضحة منها وهي تتكلم بجدية لكن لم يسع مريم سوى الإحساس بالضيق منها.
انتهى الإجتماع بعد ساعتين فنهضت مريم تستعد نفسيا لترجمة كلمات الوداع العاطفية بينهما غير أنها انصدمت عندما تحدثت ماري بإنجليزية ممتازة :
– Well, I will come with my partners tomorrow for the signing, I am happy that we were able to agree and I hope that we will succeed in this work together. ( حسنا سوف آت مع شركائي غدا من أجل التوقيع ، انا سعيدة لأننا استطعنا الإتفاق و أتمنى أن ننجح في هذا العمل سويا. )
صافحها عمار مجيبا إياها :
– We are honored to work with you, Mary.
أشار لمساعدته سلمى للذهاب معها و حين فرغت القاعة سألته مريم بدهشة و إستنكار :
– انت جايب مترجم ليه مادام بتقدرو تتواصلو بلغة مشتركة مابينكم.
رفع عمار حاجبه متعجبا من أسلوبها هذا فرد عليها :
– اولا واحنا في الشغل و قدام الموظفين هتقوليلي حضرتك مش انت و ثانيا ماري زبونة روسية واحنا بنحب نتواصل مع بعض بلغتنا الأصلية و على فكرة
أغلب العملاء اللي بنتعامل معاهم بيعرفو يتكلمو انجلش بس وجود المترجم ضروري و فمصلحته هو و مصلحتنا … بعدين انتي مضايقة ليه عايز افهم.
التزمت الصمت فدنى و منها ووضع يده على وجنتها مغمغما :
– لسه امبارح كنا سوا و انتي كنتي رايقة مالك النهارده.
تنهدت بيأس منه لأنه لم يستطع إدراك سبب إنزعاجها حتى ، إذا أخبرته الآن بأنها تضايقت من تلامسه مع تلك البرتقالة الروسية و بدأت عقلها يرسم لها خيالات عما كانا يفعلانه سويا في باريس سيستهزئ بها و يقول لها بأنها مجرد زبونة فقط ، و مع الأسف فإن عمار لا يدرك ما تشعر هي به حينما تراه مع غيرها لأنه يعتقد بأن إحتضانه للنساء و مدحهن و تقبيل أيديهن في الحفلات و مراقصتهن أمر عادي مادام لا يُكن لأي منهما مشاعر عاطفية رغم أنه سيجن جنونه لو انقلبت الأدوار و أصبحت مريم من تعانق الرجال و تسمح لهم بلمسها.
و لهذا أبعدت وجهها عنه هاتفة بوجوم :
– مفيش حاجة.
– انتي زعلتي لاني حضنت ماري صح … كوني صريحة معايا.
سألها عمار هامسا لتعود و تحدق فيه مجيبة بسؤال هي الأخرى :
– ازاي بتطلب مني ابقى صريحة معاك وانت مخبي عني حاجات بتخصك ؟ بتقدر مثلا تشرحلي ايه سبب مشكلتك مع والدك و ليه كنت بتهلوس بمامتك وانت نايم جمبي ليلة امبارح بعدها صحيت و خدت تلفونك و طلعت تكلم واحدة برا ؟
صمتت تلتقط أنفاسها التي سحبت منها بينما يطالعها هو بذهول لكنها لم تسمح له بالتكلم لأنها هدرت بقوة سائلة إياه مباشرة :
– مين ريماس ديه يا عمار و ليه بتتصل بيها كل لما تضايق !
_________________ ستووب انتهى البارت
رايكم فيه وتوقعاتكم ، يا ترى مريم بالغت في رد الفعل بتاعها ؟
و عمار هيعترفلها بالحقيقة ولا لا ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)