رواية نيران الغجرية الفصل السابع والأربعون 47 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء السابع والأربعون
رواية نيران الغجرية البارت السابع والأربعون
رواية نيران الغجرية الحلقة السابعة والأربعون
قنبلة على شاطئ البحر.
________________
” هناك حقائق مزيفة … بقدر ما هنالك تهيلات حقيقية “
بعد مدة توقفت السيارة أمام إحدى المنازل المطلة على بحر الإسكندرية فترجل الإثنان منها و وقفا يطالعانه بمشاعر مختلفة …
هي التي كانت تتأمل المنزل الذي أواها لسنة ونصف و حمل معها أوجاعها و ضعفها و قلة حيلتها لتشعر أخيرا أنها تملك عائلة تسندها وتقف بجانبها بدلا من عم ضعيف أمام زوجته و ابنه الذي كان يتحرش بها في قعر بيته.
و هو الذي ما لبث يوزع أنظاره على البيت المتواضع و يتعرف على المكان الذي كان يجهل وجوده في السابق فبحث عن زوجته في كل شبر الا هنا ، و من الغريب أن عمار يقف الآن بجانب مريم أمام المكان الذي كانت تخفيه عنه طوال هذه المدة بحجة أنه سيؤذيهم …
بالله عليها كيف تفكر بأنه سيلحق الضرر بأحد اعتنى بها ؟ حسنا في البداية كان عمار غاضبا و متوعدا للشخص الذي اختبأت عنده و لكن هذا لأنه لم يعرف هويته.
ظن أن مريم ربما خانته و لجأت لرجل هي على علاقة معه حتى أنه فكر في نفس الشيء بخصوص ابن خالتها محمد إلا أنه عندما علم بأنه مرتبط بأخرى و يتزوج قريبا هدأت غيرته و خمدت نيران شكوكه.
تنهد مستفيقا بعدما فتح باب المنزل و أطلت منه امرأة تبدو في نهاية الأربعينات لتبهج ملامحها و ترفع ذراعيها وهي تضم مريم بعنفوان :
– بنت اختي الغالية وحشتيني اوي.
بادلتها الأخرى العناق مبتسمة :
– و حضرتك وحشتيني يا طنط ازيك عاملة ايه.
في هذه اللحظة خرجت الفتاة المراهقة ” ثريا ” التي سبق وأن التقى بها عمار و رآها وهي تعانق مريم صارخة بفرحة :
– روما حبيبتي وحشتيني.
ضحكت و قبلتها بسعادة و فجأة انتبهن لوجود عمار الذي كان يطالعهن ببرود و قال معرفا عن نفسه :
– اهلا و سهلا … انا عمار البحيري.
دهشت الخالة ” نورهان ” و رمقت مريم بتساؤل و دهشة لتتنهد الأخيرة و تهمس :
– هشرحلك بس خليه يروح دلوقتي.
نظرت اليها باِستنكار و عادت اليه مبتسمة :
– اتشرفنا انا نورهان خالة مريم.
تدخلت الفتاة في الحوار هاتفة :
– و انا ثريا التقينا من قبل لما انقذتني لسه فاكرني ؟
اخفض عمار بصره اليها و ابتسم لها :
– معقول حد ينسى الحلاوة ديه كلها طبعا انا لسه فاكرك يا ثريا.
احمرت وجنتاها بخجل طفولي فقالت نورهان بلطافة مرحبة :
– اتفضل ادخل محمد ابني هيجي بعد شويا.
ذهلت مريم و كانت ستعارض لولا حذرتها خالتها فزفرت ممتعضة و دلفت للمنزل و خلفها عمار الذي لم يكن مرتاحا كثيرا لأنه يتواجد في وسط غريب عنه غير أنه شعر بالفضول ايضا للتعرف على هذه الأسرة.
جلس على الأريكة المتواضعة وبعد نصف ساعة حضر محمد ووقف مندهشا عند رؤية ضيفهم و لكن عمار انتصب واقفا و مد يده له مغمغما بلهجة خشنة :
– احنا سبق و اتعرفنا على بعض من فترة طويلة … يا استاذ محمد صادق علي.
تمالك دهشته و تنحنح مصافحا اياه ليتابع الآخر :
– انا مكنتش اعرف ان مريم عندها خالة و اتفاجأت جدا لما اكتشفت الموضوع ده بس هي مكنتش عايزة اسمع عنكو او اشوفكم لانها فاكرة اني ممكن اؤذيكم … يعني مش عارف مين اللي صورلها الفكرة ديه عني بس مش مهم اساسا انا بقيت متعود عليها وهي بتتهمني بكل حاجة وحشة.
بهتت مريم و تفاجأت من تصريحه فاِلتفت عمار ناحيتها ينظر اليها لثوان صامتا قبل أن يستدرك مرددا :
– اتشرفت بمعرفتكم و الف مبروك يا استاذ محمد.
– الله يبارك فيك.
أجابه بذهول يشاهده وهو يتجه الى الباب كي يغادر و لكن نورهان التي نادته مانعة اياه من الخروج أثارت صدمة البقية بينما تقف هي امام عمار و تقول باِبتسامة :
– مهما كانت المشاكل اللي بينك وبين مريم بس انت بتفضل جوز بنت اختي و اكيد تعبت من طول الطريق علشان كده انا بطلب منك تقضي الليلة ديه معانا هنا ايه رايك.
فتحت مريم عيناها باِتساع و حملقت بخالتها كالخرقاء لكن لم تجد الفرصة للرفض لأن عمار الذي لم يكن يحبذ المبيت في منزل لا يعرفه أصبح اجتماعيا فجأة وهو يومئ برأسه موافقا على اقتراحها !
_______________
على الساعة 11 مساء.
ألقت بنفسها على السرير المشترك مع ابنة خالتها و رددت بذهول :
– هو اللي حصل من شويا ده حقيقي ولا انا بتخيل ازاي خالتي بتقول لعمار ينام معناها معقول هي مش عارفة عمل ايه معايا … انا مش فاهمة ايه سبب اللي بتعمله ده !
سمعت طرق الباب و دلفت نورهان فقامت مريم سريعا و تقدمت منها متسائلة :
– ازاي حضرتك تعملي كده يا طنط ده انا كنت بحاول على قد ما اقدر اني ابعد عمار عنكم عشان ميأذيكمش تقومي انتي …
قاطعتها ببرود أعصاب تحسد عليه :
– لو عايز يأذينا كان عمل كده من ساعة لما عرف بوجودنا بس هو معملش حاجة بالعكس اتعامل معانا ب احترام و قطع المسافة ديه عشان يوصلك وكان هيمشي لولا طلبت منه يقعد.
– ايوة انا مش فاهمة انتي ليه طلبتي منه يبات معانا معقول حضرتك نسيتي هو عمل ايه فيا ؟
رددت متحججة فقالت الأخرى :
– وانتي نفسك اللي قولتيلي انك مبقتيش متأكدة ان كان عمار هو اللي قتل ابنك … ولو عايزة رأيي فحتى انا شايفاه بريء.
رمقتها بغرابة و تساؤل أجابت عليه نورهان بينما تمسك ذراعيها هاتفة بجدية :
– جوزك ده ابن عيلة قوية عندها نفوذ كان قادر يضرك بس انتي بنفسك قولتيلي انه معملكيش حاجة حتى والده اللي قابلك و طلب منك تبعدي عن ابنه وقالك انه كان بيخونك طول الفترة ديه هو مقدرش يقرب ناحيتك لان عمار منعه.
سهلك الطريق اللي تقدري توصلي منه للشركة و دعمك لما دخلك لاجتماع مهم و ساعدك لما تعبتي في المكتب … كل ده انتي حكيتهولي بنفسك ازاي مش قادرة تشوفي حبه ليكي معقول منتبهتيش لنظراته و ازاي كان بيبصلك على سفرة العشا يا مريم ؟
شحب وجهها و ارتدت الى الخلف مهمهمة بتقطع :
– يحبني ايه هو … عمار عمره ما حبني ده انا لما قولتله اني بحبه اتريق عليا وقال …
بلعت لسانها متذكرة اهاناته لها فاِقتربت منها نورهان و همست بطيبة :
– العيون مبتكدبش يا مريم … انتي عارفة نظراته ليكي وانتي قاعدة قدامه شبه مين ؟ شبه نظرة ابوكي الله يرحمه لما كان بيبص لمامتك.
رفعت وجهها اليها متابعة :
– انا مش بقولك انسي اللي حصل بينكم ولا بضغط عليكي عشان تقتنعي بحاجة مش عايزاها بس متكدبيش قلبك و تشوفي اللي انتي عايزاه وبس ، واجهي عمار وقوليله انتي سمعتي عنه ايه واعترفيله بالسبب اللي خلاكي تهربي و لو اتضح انه الفاعل ساعتها اعملي اللي يشفي غليلك.
بس اتأكدي الاول عارفة ليه ؟ لان لو طلعتي ظالمة جوزك طول المدة ديه يبقى كنتي سايبة المجرم الحقيقي حر ومن غير عقاب.
في هذه اللحظة تدخلت ثريا و أردفت بتردد :
– انتي عارفة بقصتي مع جوزك وانه ساعدني لما كنت لوحدي … ممكن انتي معتبراني لسه صغيرة ومتاخديش كلامي بجدية بس لو عايزة رأيي ف انا بقولك ان الراجل اللي يخاف على شرف بنت غريبة ويخاطر بنفسه عشان يحميها مستحيل يضر بنت تانية او يقتل ابنه.
طالعتها مريم بتفاجؤ وهي تفكر أن الجميع يدافع عنه حتى ابنة خالتها المراهقة و في هذه الأثناء خطرت ذكراه وهو يخبرها بكل قوة أنه لن يسامحها اذا أدرك انها كانت تظلمه باِتهاماتها …
___________________
انقضت الليلة سريعا و شرقت شمس الغد ليحضر عمار نفسه من أجل الرحيل فسمع مريم تتحدث مع محمد عن التحضيرات في قاعة الزفاف و قالت له :
– انت روح للشقة بتاعتكم عشان تكمل الناقص فيها وانا هطلب اوبر و اروح اجيب بدلة الفرح و اهتم بالباقي.
– مش هتقدري تدبري كل حاجة في وقت قليل يا مريم خاصة ان أمي و ثريا هينشغلو معايا يعني مش هيكونو معاكي ويساعدوكي.
حك ذقنه و حمحم وهو يتدخل بنبرة هادئة :
– انا هنا بقدر اساعدكم في اللي ناقص.
نظرت اليه نورهان بحيرة ولم تدري بماذا تجيب بينما فكرت مريم ووجدت أنه من الصعب حقا ملاحقة كل شيء في هذا اليوم فلم تجد منفعة من العناد هذه المرة لذلك قالت بخفوت :
– شكرا … يلا نمشي.
خرجت معه و ركبت في سيارته و انطلقا الى المحل الذي ستجلب منه بدلة محمد ، بعد مدة كان عمار يضع الكيس في صندوق السيارة من الخلف ثم ركب مرددا :
– هنروح على فين دلوقتي.
نظرت اليه بغرابة ثم تنهدت مخبرة اياه عن الأماكن التي سيذهبان اليها و بالفعل كان عمار يبدي صبرا كبيرا و أخذها حيثما تريد حتى قارب اليوم على الانتهاء فتوقف عند مطعم مطل على البحر مغمغما :
– اليوم كان متعب اكيد جعتي تعالي ناكل حاجة.
– مش عايزة.
تأفف و تشدق بصبر :
– مريم انتي عارفة بيحصلك ايه لما تقعدي فترة طويلة من غير اكل و اخر مرة عاندتي وقعتي من طولك في الشركة مش عايزين الموضوع يتكرر يلا تعالي.
زفرت مريم بنزق و فتحت الباب لتسير الى البحر بسرعة فترجل عمار و ذهب خلفها يلحق خطواتها ، أمسك ذراعها ليوقفها و أدارها نحوه صائحا :
– انتي مالك مش طايقة نفسك ولا طايقاني ليه انا عملتلك ايه تاني !
افلتت منه و صرخت في وجهه بعصبية :
– اسأل نفسك و شوف انت بتعمل ايه.
توهجت ملامح عمار بحدة فحذرها من بين أسنانه :
– خدي بالك من كلامك و متعليش صوتك عليا.
أدارت وجهها للناحية الأخرى مكتفة يديها باِنفعال قبل أن تغمض عيناها مبللة شفتيها ثم تنظر له مجددا :
– انت ليه قاعد معايا هنا و ليه عماله تساعدنا كده انت عايز ايه يا عمار فهمني انا مش قادرة استوعب سبب اللي بتعمله.
– مستغربة ليه كنتي فاكرة اني هولع في بيت خالتك مثلا بس اتفاجأتي لما معملت مشاكل ؟
صمتت ولم تجبه فضم وجهها بيديه و قربها اليه هامسا بعنفوان :
– خايفة على عيلتك مني … ولا خايفة على نفسك لانك بدأتي تفكري بطريقة تانية ناحيتي لما شوفتي ان حتى خالتك وولادها مش مقتنعين بكرهك ليا و الدليل انهم استضافوني عندهم.
هلعت مريم من قربه و مدت يديها المرتجفتين كي تبعده عنها ولكنه لم يتزحزح شبرا واحدا بينما يطالعها بزيتونيتاه الامعتان ، و اه من تلك العينان اللتان يملكهما عمار و تجعل الناظر اليهما يذوب تحت تأثيرهما …
زادت ضربات قلبها و تسارع نسق أنفاسها وقد تخضبت وجنتاها باِحمرار متوهج انجذب اليه عمار وهو ينقل يديه الى مؤخرة عنقه و يتأملها وهي ترتدي فستانها الأبيض بخصلات شعرها التي تشعثت و بدأت تظهر تموجاته تحت تأثير ضربات الرياح الباردة …
تنهد بحرارة و وضع جبينه على خاصتها سامحا لأنفاسه الثائرة بأن تلفح بشرتها ، و شعر الإثنان بالزمن يتوقف من حولهما فاِختفى كل شيء ولم يبقى على الأرض سواهما فقط ..
و حينها ، أخفض عمار رأسه اليها ، وضم شفتيها في قبلة بطيئة حملت شغفا آلم قلبه من قوته و اختلت نبضاته لأجله ، و هنا فقط أدرك ان الغجرية الغاضبة تحتل مكانا عظيما بداخله …
مكانا لم تصل اليه أنثى من قبلها ، ليعترف لنفسه بأنه أحب هذه المرأة حقا !
مرت دقائق عليهما وهما يقبلان بعضهما تحت قطرات المطر الخفيفة حتى استفاقت مريم و انتفضت مبتعدة عنه بترنح ، طالعها عمار بوجه محمر من الانفعال و أنفاس متسارعة بينما لم يسعفها صوتها المبحوح وهي تتشدق بتقطع :
– انت … انت عملت ايه.
همس بصوته الرجولي الرخيم متأملا بقوة شفتاها المحمرتان :
– نفس اللي كنتي عايزاه يا مريم.
هزت رأسها بنفي و تمتمت :
– مستحيل … مينفعش ده غلط …
دنى منها عمار خطوة لكنها ارتدت للخلف بذعر :
– انا عايزة امشي … روحني ارجوك …
___________________
وصلا الى المنزل بعد حلول المساء و اخبرهم عمار بأنه حل كل الأمور العالقة و حان وقت رحيله إلا أن محمد هذه المرة من طلب منه أن يبقى لحضور زفافه الذي سيقام بعد يومان.
لكن عمار الذي كان ينوي العودة الى القاهرة الليلة من أجل أعماله رفض بلباقة قائلا :
– شكرا بس مع الاسف انا مش هقدر في حاجات كتير ورايا لازم اعملها.
أجابه محمد بهدوء مصمم :
– لو سمحت يا استاذ عمار حضرتك عملتلنا معروف كبير لما انقذت اختي و مش هقدر اردهولك و ساعدتنا اوي النهارده على الاقل اقبل عزيمتي و متقلقش بخصوص مريم صحيح المشاكل اللي بينكم كبيرة بس ياريت تعتبر الموضوع ده ملوش دعوة بالمسألة مابينكم.
تكلمت نورهان هذه المرة باِبتسامة :
– انا هبقى سعيدة جدا لو حضرت فرح ابني.
صمت مفكرا في الأمر ووجد ان هذه فرصة له فربما يسحب بعض الكلمات من هذا الشاب او الفتاة الصغيرة و يعرف عما عاشته مريم طوال الفترة التي غابت بها ، لذلك اتخذ قراره سريعا و تشدق بنبرة جادة :
– بما انكم مصرين ف انا بيشرفني اقبل عزيمتكم بس مش هقدر اقعد هنا لبعد يومين انا هرجع للقاهرة الليلة ديه و ابقى اجي بعد بكره منها بكون ضبطت اموري ومنها اقدر اجبلكم هدية تليق بيكم.
نظر بطرف عينه لمريم التي بدى عليها الشرود و الحيرة على غير العادة ثم ودعهم و رحل بينما ظلت هي تحدق في أثره حتى سمعت ثريا تناديها فاِستفاقت و توجهت نحو خالتها متهدجة بعيون مترقرقة :
– طنط نورهان … معقول اطلع ظالمة عمار.
مسحت على وجهها بحنان متسائلة :
– ليه بتقولي كده.
انتحرت الدموع من مقلتيها الحزينتان و ردت عليها بتحشرج :
– انا حاسة بالخوف … خايفة تطلع كل حاجة كذبة وفنفس الوقت عايزة اصدق ان عمار بريء ..
بس لو كان بريء يبقى مين اللي قتل ابني يا طنط و ليه خلاني اعيش الكابوس ده و اخسر فرصة اني ابقى أم تاني … و عمار بجد كان بيخوني دايما ولا والده كدب عليا … انا مش عارفة اعمل ايه.
ضمتها نورهان اليها و احتضنتها بقوة لتسمح مريم لنفسها بالانفجار في البكاء الذي كتمته كثيرا فاِنسحب محمد من المكان مفسحا لها المجال دون ان يسبب لها حرجا ما.
ظلت تنتحب في حضن خالتها حتى خفتت شهقاتها ولم تظل سوى انتفاضات خفيفة تصدر منها فوضعت نورهان يدها على رأسها هامسة :
– في مثل كنا بنقوله عندنا في القبيلة … ” في حقايق مزورة و تخيلات حقيقية ”
احيانا حتى العيون و الودان بتبقى غلطانة يا بنتي بس بتخلينا نفتكر انها صحيحة ، مش بقولك متثقيش في اللي شوفتيه وسمعتيه بس لما تحتاري بين الحقيقة و الخيال خلي قلبك و مشاعرك يحكمو و هيلاقو الجواب الصح.
رفعت رأسها و ملست على وجنتها مكملة :
– مفيش فايدة من انك تعاني لوحدك و تسيبي قلبك شايل حمل كبير مش قادر عليه بعد الفرح مايخلص كلمي عمار وواجهيه بالحقيقة و ساعتها لو اتضح انه المجرم انا بنفسي هشجعك في اللي حابة تعمليه و دلوقتي …
جففت دموع ابنة شقيقتها وقالت بقوة :
– امسحي دموعك ديه و متسمحيش لحد يوجعلك قلبك كده ومتنسيش انك بنت ثريا الغجرية اللي عاشت حياتها بكرامة و كبرياء خلت الكل يحسدها عليهم لا عاش ولا كان اللي يخليكي تعيطي كده يا بنتي.
تبسمت مريم بأسى و قالت :
– معاكي حق في اللي قولتيه انا هواجه عمار بس في الوقت المناسب و دلوقتي …
اعتدلت في وقفتها متابعة بصوت عال :
– دلوقتي هنقوم نجهز لاحتفال الليلة ديه و نفضل سهرانين للصبح.
صفقت الفتاة ثريا بحماس بينما ضحكت الخالة و تأملتهما داعية لهما بالراحة و الهناء …
__________________
يوم الزفاف.
أقيمت الحفلة في قاعة كبيرة و حضر الأصدقاء و الأقارب من جهة الأب و بعض الغجريات اللواتي أسسن حياتهن في المدينة ، كان الجميع سعيدا وخاصة العريس الذي بدى في قمة فرحته بجانب عروسه الجميلة.
أما مريم التي تأنقت بفستانها الأحمر المتوهج المفتوح من جهة الظهر مع حذاء أسود ذو كعب عال و تصفيفة شعر مرفوعة للأعلى فكان يبدو عليها العبوس وهي تنقل عينيها على الحضور باحثة عن شخص من المفترض أن يحضر ولكنه لم يأت.
مطت شفتها بضيق و سخط لم يدوما طويلا عندما سمعت همسة بجانب أذنها :
– انتي بتدوري عليا.
انتفضت بفزع و استدارت سريعا لتننفس بحدة عندما رأته :
– خضتني يا عمار.
ابتسم لها و غمزها ضاحكا :
– زمان لما كنا مع بعض كنتي بتتخضي بردو لما اجي من وراكي و اكلمك فجأة.
رمقته مريم بنظرات مستفهمة :
– كأنك بقيت متغير كتير في اخر فترة.
– ازاي يعني.
أبعدت عيناها عنه وهي تقول :
– هادي اكتر و بتضحك من غير تقييد … و لطيف زيادة ع اللزوم.
تفاجأ عمار من صراحتها فأحاط خصرها و جذبها اليه غير مبال بمعارضتها ثم اردف :
– و كده كويس ولا حالتي السابقة احسن.
تنحنحت تمنع نفسها من الانسياق خلف شعور لمسته على جسدها فرددت بعدم اهتمام زائف :
— ميهمنيش.
همهم و وزع نظراته عليها بتقييم ثم انكمش وجهه باِنزعاج :
– ايه الفستان اللي انتي لبساه ده.
– انت مالك انا بلبس اللي بحبه.
ضغط بأصابعه على خاصرتها و ردد بتوعد :
– هبقى اقولك انا مالي لما الفرح يخلص و نروح … اصلك نسيتي انتي متجوزة مين.
سحبها معه وهو يتجه الى محمد كي يهنئه و يقدم له هدية عبارة عن تذاكر سفر لإحدى البلدان السياحية فاندهش الأخير و كاد يرفضها إلا أن عمار اقترب منه هامسا :
– اعتبرها شكر مني لانكم خدتو بالكم من مريم طول السنة ونص اللي عدت صحيح هي واحدة من عيلتكم و طبيعي تهتمو بيها بس مراتي فنفس الوقت ولقيت ان ديه الطريقة المناسبة عشان اشكركم.
بعد لحظات رن هاتفه وكان المتصل هو رفيقه وائل الذي يساعده في جمع المعلومات فخرج من القاعة و أجابه بجدية :
– وائل ازيك.
– بخير الحمد لله وانت.
— انا كويس … عرفت حاجة جديدة.
**** مرت دقائق طويلة غاب فيها فنقلت عينيها نحو الباب الذي خرج منه مسرعا منذ قليل و انتابها الفضول لماهية الاتصال الذي جاءه و كادت تذهب اليه لولا أن عمار ظهر فجأة بتقاسيم جامدة بصورة مريبة و تقدم منها بخطوات واسعة ثم غمغم بصوت قاتم :
– تعالي معايا.
قضبت حاجباها بريبة و تساءلت :
– اجي معاك فين … انا مش رايحة لمكان.
حينها اختفت كل ملامح الرخاء الذي كان يبدو عليه منذ دقائق فقط و أمسك يدها مشددا عليها بعنف محذرا بصلابة :
– لو مسمعتيش كلامي هقوم اقلب الفرح باللي فيه يا مريم متختبريش صبري.
فزعت الأخيرة و شحب وجهها ولكن تهديده كان جديا حقا فاِزدردت لعابها و سارت معه لحيث يريد ، غادر عمار قاعة الحفل و جعلها تركب سيارته بعدما نزع سترة بدلته ووضعها عليها لتغطي بها ظهرها العاري ثم انطلق بها كالسهم لتخاف مريم و تسأله :
– انت واخدني على فين يا عمار رد عليا.
لم ينبس ببنت شفة او حتى ينظر اليها بل تابع طريقه حتى توقف في مكان على شاطئ البحر ، ترجل من السيارة و أخرجها هي أيضا و فوجئت مريم عندما سحبها بقوة من ذراعها مغمغما :
– قولتلك من كام يوم اني مش هسألك تاني عن سبب هروبك و اني هعرف الحقيقة بنفسي صح.
بهتت مريم و اصفر وجهها فحاولت الفكاك منه لكن عمار شدد قبضته عليها متابعا بصوت قاتم :
– انا عرفت انك رجعتي دخلتي المستشفى لما روحتي للاسكندرية و خضعتي لعملية تنظيف للرحم.
شهقت للهواء بعدما اختنقت أنفاسها ف ازدردت لعابها و عقلها يعيد فتح جروحها المدماة وهو يسترجع ذكريات ذلك اليوم الشنيع … عندما فقدت وعيها بين يدي خالتها وهي تنزف بقوة لينقلوها الى للمستشفى و تخضع لعملية جراحية فورية لتنظيف رحمها الذي تعفن بتأثير ذلك السم القاتل …
فوهنت ساقاها اللتان أصبحتا كخيط رفيع من الهلام ولم تستجب لعمار الذي جن بعدما علم من رفيقه وائل أن زوجته ظلت في المشفى قرابة الأسبوعين و كادت تخسر حياتها في تلك العملية.
لذلك هزها بعنف وهو يرى جمودها ثم صاح حتى كادت أحباله الصوتية تتمزق :
– ردي عليا و متفضليش ساكتة … انتي مريتي ب ايه و ليه فضلتي وقت طويل في المشفى بسبب انك سقطتي فهميني !
تلألأت عيناها بالدموع و أصدرت أنينا موجوعا قاومت باِستماتة لكي لا يتحرر و يتحول الى بكاء عنيف بينما ترتجف و تهز رأسها بنفي رافضة النطق ببنت شفة.
فضم عمار وجهها بقوة بين كفي يديه و أجبرها على النظر لعينيه وقد انكمشت ملامحه في رهبة مقسما بداخله على أنه لمن يتراجع هذه المرة قبل أن يضع النقاط على أحرف أسئلته الانهائية.
و استعرت أوداجه بنيران الجحيم عندما أفلتت مريم منه و ابتعدت عنه صائحة بجنون :
– يهمك في ايه لما تعرف … يهمك في ايه وانا اصلا مش عارفة اذا كنت انت اللي … انت اللي …
– انا ايه فهميني !! انا ايه !!
زمجر عمار وقد اشتعلت عيناه بلمعة الجنون و تابع هادرا بحدة :
– ايه اللي عملته خلاكي تكرهيني انا كل يوم بسأل نفسي ومش لاقي اجابة و دلوقتي عرفت انك عملتي عملية خطيرة مش عارف ايه نتايجها عليكي … الموضوع متعلق ببوم اجهاضك صح ؟
ايه اللي حصلك في اليوم ده انطقي يا مريم !
هزت رأسها رافضة البوح و شدت شعرها بعصبية و جرح لم ينضب وقد تكالبت عليها جميع الذكريات السيئة ، فاِلتفتت تاركة اياه لكنه أمسكها وهو يصيح بغضب مماثل :
– ليه حالتك ساءت وانتي اتعرضتي لحادثة اجهاض طبيعية !
حينها فقدت اخر عصب لديها عندما ألقى عليها ذلك السؤال المباشر فاِنفكت عقدة لسانها و نظرت اليه صارخة بقوة انقطعت بها أحبالها الصوتية وهي تهدر بجنون :
– ديه مش حادثة طبيعية مش حادثة طبيعية انا اتسممت و ابني اتقتل انت سامع يا عمار الجنين اللي كان في بطني مات بسبب الشوكولا اللي انت بعتهالي !!
__________________
ستوووب انتهى البارت
اخيرا وصلنا للنقطة اللي كلنا عايزينها
رايكم بيه وتوقعاتكم ؟ اكتر لحظة حبيتوها واكتر لحظة كرهتوها ؟
في رايكم ايه اللي ممكن يحصل بعدما اعترفت مريم بالحقيقة و عمار هيعمل ايه ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)