روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الرابع عشر 14 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الرابع عشر

رواية نيران الغجرية البارت الرابع عشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الرابعة عشر

إهتمام
____________________
“ضيكِ لن يبزغ وسط ظلماتي …
أنا و أنت نار و ماء متى اِلتقينا فأحدنا سينطفئ و الآخر سيتبخر …
و بالنهاية إمتزاجنا عدم ! ” #ضي يونس
صمت عمار يحدق فيها بذهول و إنفعال ولم يجبها فلوت شفتها بسخرية من عجزه عن نطق كلمة ” زوجتي” و إستطردت :
– احنا بقالنا سنتين ونص متجوزين استحملت فيهم العيشة بين أربع حيطان بعد ما كنت مبقعدش في مكان واحد أكتر من ساعتين خبيت نفسي و خبيت هويتي و حقيقة إني مراتك و بشوفك مرة كل شهر ولو حنيت عليا هتجيلي كل أسبوعين انا كنت صابرة بس لحد هنا و كفاية ….. أنا تعبت.
زادت آلام رأسه و شرعت أعضاؤه في الإرتجاف بهستيرية قبل أن يغمغم بصوت قاتم :
– قصدك ايه ؟
أخذت مريم نفسا تنظم به إنفعالاتها ثم ردت عليه بنبرة جدية ، و داخلها يرجو أن لا تُكسر روحها مع نهاية هذه الليلة :
– انا شايفة ان علاقتنا لازم تتوضح و من حقي تبقى حياتي أحسن من كده …. إعلن جوازنا يا عمار !!
دقيقة مرت وهو يطالعها بعدم إستيعاب ، لم يتوقع أبدا أن تواجهه بهذا الموضوع و بمنتهى الجدية التي تقطر من وجهها ، ربما فكر سابقا بحضور لحظة كهذه لكنه لم يحسب حدوثها هذه الليلة نهائيا ، هو حتى لم يفكر في كلمات يشتتها بها و يجعلها تنسى الأمر !
رطب عمار شفتيه ثم هتف مستنكرا :
– إيه اللي بتقوليه ده يا مريم انتي بتجيبي الكلام ده منين بس يلا امشي نامي مش وقته الكلام ده انا همشي دلوقتي.
وقفت أمامه و قالت بقوة :
– مش هنام وانت مش هتتهرب مني كلامي واضح انا بطلب منك تعلن جوازنا و أعيش بقية حياتي معاك وانا مش خايفة حد يشوفنا سوا ، عايزة يكون حق فإني أمسك ايدك قدام الناس و أقولهم ده جوزي …. أنا بستحق تديلي الحق ده أقسم بالله زهقت من العيشة وانا مستخبية.
صمتت تسترد أنفاسها المقطوعة من الإنفعال و عندما وجدته يكاد يتكلم و النيران تندلع من عينيه أوقفته هاتفة بتحجر :
– عمار خد بالك أن أي كلمة فكرت تقولهالي دلوقتي انا مش هنساها وهفضل فاكراها طول عمري … فلو سمحت كلمني على الأساس ده.
من الصفات الصعبة في مريم أنها إمرأة لا تنسى أي حرف قيل لها ، سواء كانت حروفا تبني كلمات جيدة او سيئة فإنها تضعها بداخل ذاكرتها و تقفل عليها ولو مرت سنين عليها.
و لعل هذا أكثر ما جعل مريم تبقى متعلقة بعمار فهو منذ زواجهم لم يوجه كلمة مهينة لها ربما كان يعاملها ببرود ولكنه لم لم يجرحها بلسانه.
إلا أنها هذه المرة خائفة … مرتعبة من سماع شيء يحطم قلبها و يجعلها تجافيه و تحقد عليه !
أما عمار فدلك عنقه بعشوائية وهو يتنفس بصعوبة محاولا الحفاظ على نظافة لسانه قدر الإمكان و التفاهم معها بهدوء فقال :
– مريم أنا مضحكتش عليكي ولا خبيت عنكم حاجة انا من أول لما جيت اتقدملك فهمتك و فهمت عيلتك انك هتكوني زوجة ليا في السر و انتو وافقتو عمك قال انك معنديش مشكلة تعيشي معايا بالطريقة ديه أنا مغصبتكيش !!
– يعني إيه ؟
سألته مريم مباشرة وهي تحاول كبح دموعها بجلادة رافضة اللف والدوران فأجابها عمار وقد تصلبت نظراته بقسوة :
– يعني شيلي الأفكار ديه من دماغك انا معنديش حاجة أقدمهالك اكتر من كده … ياريت تقفلي على الموضوع و متسيبيش حد يأثر على علاقتنا بكلامه.
كان عمار يدرك جيدا أنها ليست صاحبة هذا الكلام وحتى لو خطر على عقلها فلم تكن لتمتلك الشجاعة لكي تواجهه من فراغ مؤكد أن صديقتها تلك هي من حرضتها لكنه لن يسمح لمريم بالتحكم به.
عارضته الأخيرة بشدة و أصرت على ما تقوله لينفجر يصيح بعصبية :
– قولتلك كفاية انا مش عايز أسمع حاجة عن الموضوع ده مش معقول امسك ايدك و أوديكي لعيلتي و أقولهم اني متجوزك ده حتى لو أنا وافقت على اللي بتقوليه محدش من عيلة البحيري هيوافق أزاي إبنهم يبقى متجوز واحدة …..
قطع كلامه عندما رأى الصدمة تنطبع بقسوة على وجهها و ترتد إلى الخلف بترنح فزفر يسب نفسه على ما تلفظ به لتباغته مريم بسؤاله :
– محدش من عيلتك ولا مجتمعك هيتقبل انك متجوز واحدة مستواها أقل منكم واحدة مش شبهكو لا في مستواكم ولا في طريقة اللبس و الكلام و العيشة صح ، انت مكسوف تقول أنك متجوز واحدة مش من طبقتك الإجتماعية واحدة غجرية و شايفني مش لايقة عليك اومال مين اللي بتليق على عمار البحري ندى بنت عمك صح هي ديه اللي انت بتشوفها شايفها مناسبة كزوجة ليك و أم لعيالك ؟
قضب حاجبيه بإعتراض :
– ايه اللي بتقوليه ده مين اللي جاب سيرة بنت عمي في النص مش فاهم ! مريم لآخر مرة بقولك لمي الدور أحسنلك انا من غير حاجة مضايق و مصدع بس هعمل نفسي مسمعتش حاجة و انتي كمان خلي الليلة تعدي على خير و متلعبيش دور الزوجة اللي غيرانة على جوزها.
– بس انا بغير عليك بجد و كل مرة بموت من الغيرة و القهر لما أشوف صورك مع بنت عمك و الناس تقول عليكو انكم كابل هايل و تستاهلو بعض …. بغير يا عمار لأني بــحــبــك !
لابد أن هذه الليلة خاصة بالصدمات فقط ، أولا غرابتها في التعامل ثم مجادلتها و الآن تقول له أحبه ، كيف و متى حدث ذلك ؟
دلك عمار عنقه بحدة :
– بتحبيني ؟ انتي فاكراني أهبل و هصدق كلامك.
تفاجأت مريم من ردة فعله ليتابع و قد تذكر أمه التي كانت تدعي الحب لوالده و في الخفاء كانت تقوم بخيانته :
– حبيتيني امتى و ازاي مين الست اللي بتحب راجل حطها بين أربع حيطان و مانعها تتصل عليه و بيجيلها لما مزاجه يقوله و ياخد منها حقه كزوج و يمشي ؟ مين الست اللي هتحب واحد حارمها من أبسط حقوقها و ده مش غلطه لأنها وافقت من الاول على شروطه ؟ انتي مبتحبنيش يا مريم بلاش نكدب على بعض.
و في كل كلمة منه كان قلبها يصرخ متوجعا ، و روحها تحترق في الجميع و أنفاسها تضيق ، إنه ينكر حبها الذي بدأ بإعجاب منذ أول مرة رأته يوم تخرجها من الجامعة و الذي تحول لدفئ عندما قضى معها أول اسبوعين ببداية زواجهما و تحول إلى حب عند رؤيته يهتم براحتها و يهتم بتلبية كل طلباتها ولم ينطق يوما بما يجرحها أو يقلل منها …
لكنه الآن يفعل بإستنكاره من حقيقة مشاعرها !!
و رغم كرامتها التي بعثرت الآن إلا أنها رفضت تبرير صدق أحاسيسها و رمت عليه كلماتها النارية :
– يبقى طلقني.
و عندما رأت الذهول باديا عليه أكملت :
– مادام مش عايز تشهر جوازنا يبقى وجودي معاك ملهوش لازمة طلقني يا عمار و سيبني أروح فطريقي.
أطلق عمار ضحكة عالية عبرت عن سخريته من حديثها ولم ينتبه لكونه يضحك لأن أعصابه جميعها فلتت و على وشك التعرض لنوبة مجددا ، و حينما رأى تطليعاتها المستغربة من ضحكته ردد :
– أطلقك ؟ يا سلام انتي فاكرة نفسك عندك القدرة تطلبي مني الطلاق بعد ما اشتريتك بفلوسي !
أنا دافع فيكي مبلغ عمرك ما تتخيلي تحصلي عليه عشان أحطك تحت طوعي و تتنفذ أوامري كلها مش عشان أنا اللي أنفذلك أوامرك من أول لما وقعتي على قسيمة الجواز و رضيتي تتجوزيني عشان الفلوس فقدتي حقك فأنك تاخدي اي قرار يخص علاقتنا أنا بس اللي بقرر.
أكمل عمار غير آبه بدموعها كان فقط يرى والدته أمامه و يتذكر ضحكها مع مريم في حلمه فقال :
– مالك مصدومة ليه هتقدري تنكري أن الفلوس غرتك علشان كده وافقتي على الجواز ؟ أنا عمري ما فكرت أستحقرك لأنك بعتي نفسك بس انتي جبرتيني دلوقتي.
تجمدت الدماء في جسمها و فغرت فاهها تحدق به في عدم تصديق ، أيراها فتاة باعت نفسها لأجل المال ؟ ألم يستطع التكهن بسبب قبولها بعدما حدثته عن تحرش إبن عمها بها ألم يستطع إستيعاب أنها وافقت لتهرب من الجحيم ؟
أكان يراها طوال هذه السنوات إمرأة غرها المال فضحت بسعادتها طمعا به هل لذلك يقلل منها الآن ألم يخبرها منذ أسبوعين انه ليست هناك أنثى في العالم تستحق الذل و المهانة مهما كانت طبيعتها و دوافعها إذا لماذا يهينها بهذا العنف الآن مالذي يحدث له ؟!!
همست مريم بصوت مبحوح :
– أنت بجد شايفني واحدة باعت نفسها ليك معقول فاكرني بالسوء ده.
هز عمار رأسه نافيا :
– انا مبقولش عليكي سيئة يمكن أي واحدة فوضعك كانت هتقبل بس برجع و بقول اني مخبيتش عليكي حاجة …. مريم انتي بنت جميلة و طيبة بس مبتقدريش تتخلي عن جوازنا لأني حتى لو وافقت انتي ملكيش مكان تروحيله معندكيش لا شغل ولا فلوس حتى أهلك مش هيفرحو لما ترجعيلهم مطلقة و ابن عمك الواطي هيستغل الفرصة و يضايقك أكتر من الأول.
بالفعل هي ليس لها شيء ، لا إستقلالية ولا كرامة و كبرياء ولا عائلة تحميها حتى عثمان الذي سمعت من أسبوع ونصف أنه تعرض لحادث رهيب جعل الشلل يصيب ذراعه الأيمن بالكامل و فقد وظيفته كعامل بناء لن يدعها و شأنها ، يا إلهي هي حقا لا تملك ملجأ غيره و مضطرة على العيش مع هذا الرجل الذي اعترفت للتو بحبها له ليحتقرها في النهاية و يتهمها بالطمع و يريها أنها ليس لها مكان بجانبه أمام المجتمع !
غادر عمار بعدما ألقى كلماته عليها وهو يعلم تمام العلم أنه جرحها ، لطالما كان يريها بشكل غير مباشر أنها لاشيء بدونه و إن تركها ستضيع لكنه لم يلحظ هذه المرة ان ليس قلبها من كسر فقط بل حتى كبرياءها ، لقد حطم بقسوته إعتزاز الغجرية بنفسها و جعلها كالاشيء !!
_________________________
على أثر النور الخافت جلست تنظر من الشباك الزجاجي التابع لصالة الإستقبال إلى الخارج ، تتأمل بسكون الظلام الذي يتخلله ضوء البرق من حين لآخر ثم تحيد بعينها نحو الزجاج تتابع قطرات المطر التي التصقت به و ها هي تنزل بوتيرة بطيئة ….
في العادة لم يكن هذا الجو يخيفها ، أو صوت الرعد بعينه يقلقها ، بل كان إحساس الوحدة هو من ينهشها من الداخل فيزيد المطر من هول وحدتها و فراغ حياتها.
أما الآن فهاهي لا تهتم حتى بكونها تجلس بمفردها داخل هذه الشقة المظلمة ولا بالسخونة التي تملكت جسدها و جعلته يرتعش من الحمى ، لأنه لا ظلام الآن أشد من ظلمة قلبها ، ولا حرارة تضاهي قوة إحتراق روحها …
مرت 3 أسابيع على آخر مواجهة بينهما ، يوم أنكر أحقية وجودها و إستهزأ بحبها و إتهمها بشكال غير مباشر بأنها مجرد بضاعة لاقت أستحسانه فاِشتراها بماله ليتمتع بها و يرميها متى ماشاء ، حينها فقدت هي ما تبقى من روحها المكسورة ، الجرح الذي ضمده عندما ساندها بعد معرفته بحادثة التحرش ثم أعاد فتحه بقوة و دون رحمة بكلامه و نظراته المستحقرة لها …
أغمضت مريم عينيها عند سماع صوت البرق مجددا لتنتحر الدموع من مقلتيها و تسيل على وجنتيها معبرة عن مدى قسوة ما تعيشه ، لم يكفيها تفتت قلبها بل زادت عليها حرارة بشرتها وهي تتلمسها فأمست وكأنها تحترق بألسنة النار رغم البرودة التي تشعر بها !!
أخفضت مريم رأسها بوهن تئن تحاول التركيز بأي شيء لكي تشتت ذكرياتها و بدون قصد إصطدمت يدها بالكتاب الذي تحمله فسقط أرضا ..
إزداد تنفسها ضعفا و إرتجافها قوة فجربت إزدراد ريقها و لم تستطع فجفاف حلقها لا يساعدها أبدا و دوار رأسها لا يساعدها على الإتزان ، نزلت دموعها مجددا لكن هذه المرة لأنها أحست بإنسحاب روحها عنها شيئا فشيئا ، إنها الآن تجلس بمفردها بقلب مكسور في مكان منعزل تعاني من حمى قوية ولا أحد يراها وربما هذا ما حطمها أكثر و أكثر فحتى إن سقطت ميتة لن يعرف أحد ولن يلاحظ أي شخص غيابها فهي بكل الأحوال غير موجودة في حياتهم !!
شهقت مريم ثم تحاملت على نفسها وهي تحاول الوقوف لكن سرعان ما سقطت على الأرض و آخر ما سمعته هو صوت يناديها بإسمها في لهفة … قبل استسلامها للظلام و غيابها عن الوعي ….
*****
بلل المنشفة الصغيرة البيضاء بالمياه الباردة ووضعها على جبينها مجددا ثم جلس يتحسس بشرتها الدافئة متذكرا رؤيته لها منذ ساعة وهي فاقدة الوعي في الصالة و جسدها يحترق من الحرارة …. لولا أنه لم يحضر هذه الليلة إليها لم يكن ليعرف ما يحدث لها حقا ….
Flash back
( كان عمار بغرفته في القصر منذ ساعات يتأمل الصور التي إلتقطها لها منذ شهرين عندما كانت نائمة و أخرى عندما كانت جالسة في الشرفة بهيأة غجرية فاتنة تشكل تحفة من الطين و تغني بصوتها الشجي متناولة حبات الرمان من حين لآخر و يتلمس بإصبعه وجهها المبتسم الذي أشرق بعدما إعترفت له بما تخفيه فساندها ووقف معها.
وقتها كان يفكر بها فطلب رقمها ليجد الشبكة منعدمة و حينما أراد رؤيتها من كاميرات المراقبة تفاجأ بتعطلها ولم يتطلب منه الكثير حتى إستقام يرتدي ملابس الخروج و يغادر إليها في ذلك الجو الماطر بعدما تسرب القلق لقلبه و حين دخل رأى مريم في تلك الحالة منكمشة على نفسها بوجهها الأحمر المحموم.
حملها عمار و أخذها للغرفة وهي ترتجف بين يديه غير لها ثوبها المبتل الذي التصق بها و ألبسها كنزة ثقيلة و بنطال قطني مع الجوارب ثم جفف شعرها المتعرق و أعطاها خافضا للحرارة ليجلس بجانبها يضع لها الكمادات …. )
أفاق عمار من شروده حينما تهافت له صوت أنينها الضعيف فنظر لها مسرعا و تمتم :
– مريم إنتي سمعاني ؟
لم تجبه و ظلت تئن بنومها حتى همست بصوت يكاد يسمع :
– ع … عمار … عمار ….
إبتسم و مرر اصبع يده بخفة على وجنتها :
– انا هنا هتتحسني متخفيش.
ذهب عمار إلى المطبخ يعد لها ما ستأكله بعد إستيقاظها و بعد مدة كان قد أخذ مكانه بالكرسي مقابل الشرفة الملحقة بالغرفة و ملامحه يكسوها الندم و تأنيب الضمير …
كيف إستطاع الغياب عن مريم طوال هذه المدة و ماذا كان سيحدث لمريم لو لم يقلق على خوفها بسبب سوء الجو و يأتي إليها لقد وجدها بحالة سيئة للغاية و كانت بمفردها هنا.
زفر عمار بضيق و عقله يعيد بضعا من مشاهد آخر مشادة كلامية مع مريم قبل 20 يوما ، حين أصيب بنوبة عصبية فوبخها و أهانها بقسوة ولم يكترث لدموعها ووجهها المصدوم ، و مع الأسف لم يستوعب ما حدث و ما قاله إلا عندما أخذ دواءه و غرق في النوم ليصحو بعدها وهو يلعن نفسه ورغم ذلك لم يذهب إليها أو يعتذر منها …
لقد حدث بينهما شجار عنيف حقا و أخبرته مريم وسطه أنها تحبه ….. و عند تذكره تلك اللحظة تراءت على وجهه إبتسامة أخفاها فورا هامسا :
– امتى مريم حبتني و ازاي معقول تكون قالت كده علشان أوافق أعلن جوازنا … لالا عينيها كانت صادقة بس انا مقدرتش … مكنتش عامل حسابي تواجهني بالكلام ده و كمان كسرت قلبها ووجعتها ده حتى مسألتش عليها ولا عرفت هي عملت ايه بعد ما قولتلها أني جبتها بفلوسي.
إلتفت لها و همس :
– معقول بتحبيني بجد معقول في حد بيقدر يتقبل مزاجي و تقلباتي و يحبني ؟ بس مريم مبتعرفش حاجة عليا انا وريتها الوش الهادي اللي بوريه للكل بس هي مجربتنيش لما ….
صمت ثوان يتذكر والدته و تابع بحسرة :
– حتى هي كانت بتقول لرأفت البحيري أنها بتحبه بس خانته و استعملتني كوسيلة علشان محدش يكشفها.
مرت دقائق أخرى و شعر بها تستيقظ فوقف مقابلا إياها لتفتح الأخرى عينيها بتريث شديد و تطالعه بتوهان فتنهد عمار براحة هاتفا :
– حمد لله على السلامة.
فتحت عينيها بصعوبة و كأن طاقة سوداء رزحت فوق رأسها فأثقلت جفنيها و بعثت في أذنيها طنينا مزعجا ، دحرجت مقلتيها بالمكان حولها تحاول إستيعاب أين هي حتى همست بصوت متهدج :
– ايه … اللي حصل … عمار انت … بتعمل ايه هنا.
رد عليها بعاطفة :
– جيت و لقيتك واقعة ع الارض كانت عندك سخونية بس أنا عملت الازم …. حاسة بإيه دلوقتي ؟
ناظرته مريم بضياع قبل أن تقول :
– صداع و جسمي كله بيوجعني و عطشانة.
جلب لها كوبا من الماء و رفعها عن السرير قليلا لترتشفه ثم أعادها ووجدها تحدق فيه بصدمة و فتور ، يبدو أنها عادت إلى رشدها و تذكرت ما حدث بينهما.
إرتفع صوت أنفاسها فتمتمت بإختناق :
– انت جيت ليه عايز مني إيه تاني …. امشي من هنا انا مش عايزة أشوفك.
همهم الأخير ببرود :
– أكيد انتي جعانة و عايزة تاكلي استنيني ثواني.
غادر الغرفة تحت أنظارها المتفاجئة وهي تعتدل جالسة و تلتفت حولها تنظر إلى نفسها فلقد غير عمار ملابسها و لملم شعرها و غطاها ببطانية ثقيلة أيضا ، رفعت حاجبيها مندهشة و للتو لاحظت وجود كمادة موضوعة على المنضدة و حقنة و أشرطة أدوية ماذا كان يفعل عمار هنا هل إعتنى بها حقا ؟؟
ألم يقل أنه لا ولن يحبها و ستبقى زوجته في السر ؟ ألم يتهمها زورا بحبها للمال ؟ لماذا جاء الآن هل حرم عليها الموت بسلام أيضا ؟!
تأففت مريم بغضب في نفس الوقت الذي إقتحمت فيه رائحة شهية أنفها تلاه ظهور عمار وهو يحمل صينية صغيرة و يجلس أمامها مرددا بإبتسامة :
– عملتلك شوربة فراخ بالخضار و الجبنة وانتي نايمة هتاكلي صوابعك وراها و اه على فكرة أنا بعرف أطبخ متخفيش يلا دوقي.
رمقته بإستهجان و ودت لو تقول له ” أنا أعلم مهاراتك في الطبخ و لكنني لم أراها سوى مع إبنة عمك التي تلتقط لكما صورا غبية في المطبخ و تنشرها ”
ولكن بدلا عن ذلك أشاحت مريم وجهها برفض فنفث عمار الهواء ببطئ مردفا :
– انتي لازم تاكلي علشان تتحسني جسمك ضعيف اوي و شكلك مكنتيش بتاكلي كويس علشان كده باين عليكي خسرتي كام كيلو في الأسبوعين دول.
فتح فمها بالإكراه و بدأ يطعمها بتمهل حتى أنهت طبقها كله ولم تستطع نكران روعة الحساء …. طعام لذيذ من يدٍ صاحبُها مُر كالعلقم.
بعد دقائق طويلة كانت مريم تستلقي على جانبها رافعة الغطاء لأعلى رأسها و دموعها تنزل مرة أخرى من شدة ألم قلبها ، يبدو على عمار الندم بسبب ما إقترفه بحقها لكن هل يظن أنه سيستطيع جعلها تنسى إهاناته ببعض من الإهتمام منه ؟ هل يعتقد أن كسر قلبها سيجبر فورا جينما يبتسم لها و يطعمها هل رِضاها سهل لهذه الدرجة ؟
بالفعل كان عمار في السابق يترضيها بكلمتين منه لكن هذه المرة الأمر ليس متعلقا بغيابه عنها لأشهر بل متعلق بروحها التي تحطمت بقسوته و جبروته.
شعرت مريم به يستلقي بجانبها و ينسل بجسده تحت الغطاء ، لف عمار يده حول خصرها و دفن رأسه في عنقها من الخلف هامسا :
– أنا اسف … مكنش ينفع أكلمك بالطريقة ديه أبدا ولا كان ينفع أخليكي تعيطي حقك عليا أنا حسيت بقلبي اتحرك من مكانه لما لقيتك واقعة ع الأرض و معرفتش أعمل ايه و خوفت عليكي اوي.
أجفلت مكانها دون حراك فتابع بثقل :
– مريم انتي الحضن الدافي بالنسبالي … الملجأ اللي باخده لما أحس بنفسي تعبان ولوحدي … مجرد ابتسامة منك بتنسيني همومي و لمسة واحدة من إيدك كفاية علشان تخليني مرتاح لما اسمع صوتك الحلو وهو بيكلمني او وهو بيغني ببقى مستعد استغنى عن اني اسمع أي صوت غيره …. انتي عندك مكانة مميزة فحياتي.
أحست مريم بتوقف دقات قلبها و إنحشرت كلماتها بداخلها من هول صدمة إطرائه عليها لتسمعه يكمل وقد ضغط عليها أكثر :
– بس أنا مقدرش أكون زي ماانتي عايزة … مبقدرش أبادلك حبك و مبقدرش أخليكي زوجة ليا قدام الناس حاليا …. مريم انتي اكتر حاجة صادقة فحياتي انا بلاقي معاكي الهدوء وببقى مبسوط وانتي جمبي متغيريش مكانتك و افضلي عاقلة زي عوايدك وأنا بوعدك بحياة حلوة.
إستغرب سكونها و إعتقد أنها نامت لكن عندما إبتعدت عنه وإنزوت في طرف السرير أدرك أنها لا تزال غاضبة و حزينة بسببه ، نفث أنفاسه مثقلا و قرر ألا يضغط عليها فعدل من وضعية إستلقائه ثم أغمض عيناه بعدما بعث رسالة لزوجة والده يخبرها أنه سيبيت في الخارج الليلة.
_________________________
إستيقظت في اليوم الموالي و هي تعتقد أنه غادر لكن عند سماعها صوتا يصدر من المطبخ أدركت أنه هنا فرفعت حاجبها بتعجب ثم نظرت لساعة هاتفها ووجدتها الواحدة بعد الظهر.
لوت شفتها بعدم إكتراث و تلمست جبينها فوجدته معتدل الحرارة كما أن حالتها تحسنت ولم تعد تعاني من ذلك الصداع و الدوار المقيت ، نهضت بحذر تفتح باب الشرفة و تطل منها مطالعة الشوارع المبللة بفعل ليلة أمس العاصفة و الشمس المختبئة خلف بعض الغيوم ترسل أشعتها الضعيفة على إستحياء فلا تكفي لتدفئة هذا الجو القارص.
إنكمشت مريم على نفسها تسعل عدة مرات ثم دخلت تستحم وبعد إنتهائها إرتدت ملابس ثقيلة و عند خروجها تفاجأت بوجود عمار.
شهقت بخفة لتسمعه يقول :
– صباح الخير.
ردت التحية بفتور فتابع وهو يدنو منها :
– بقالك نايمة 13 ساعة شكلك مكنتيش بتنامي كويس الفترة اللي فاتت.
وضع عمار يده على جبينها متجاهلا الرجفة التي أصابتها ثم أحضر المحرار و شرع بقياس درجة حرارتها و عيناها مركزتان عليه حتى رأته يبتسم برضا :
– حرارتك نزلت و رجع لون وشك الطبيعي الحمد لله حاسة بحاجة تعباكي لسه ؟
أرادت مريم الصراخ بوجهه ” أنت من تتعبني ” لكنها هزت رأسها بنفي فأمسكها من يدها و ذهب بها إلى طاولة الطعام هاتفا :
– أكيد انتي جعانة تعالي انا عملتلك رز جمبري بالصلصة هتحبيه.
أجلسها على الكرسي و وضع الطبق أمامها لكنها أبعدته بهدوء :
– أنا مش جعانة.
تنحنح عمار و حمل المعلقة لكي يطعمها بنفسه متمتما بجدية :
– بس لازم تتغدي كويس عشان تقدري تقفي على رجليكي انتي مش شايفة نفسك خاسة ازاي عايزة يجيلك هبوط و يغمى عليكي تاني بس انا مش هضمن وجودي معاكي المرادي …. يلا افتحي بوقك بلاش عند.
زفرت مريم و فعلت ما قاله على مضض حتى أخبرته بأنها شبعت ، ثم هتفت :
– ديه أول مرة بتعملي أكل.
– اممم ال boarding school اللي درست فيها علمتني حاجات كتيرة.
– طيب انت مكنتش بتطبخلي ليه قبل كده ؟
تأملها مبتسما :
– لأنك متعبتيش لدرجة يغمى عليكي قبل كده.
تهكمت مريم بداخلها من صراحته ولو كان الوضع مختلفا لكانت دعت على نفسها بالمرض لكي ترى إهتمامه بها ، نهض عمار و جلب لها شراب أعشاب مخلوط بالعسل هاتفا :
– ده علشان الكحة اللي عليكي أنا سمعتك من شويا بتكحي.
زاد شعورها بالغيظ و الغضب من تصرفاته و عندما أدخلها إلى غرفتهما ووضعها على سريره اندفعت تهاجمه بغضب خالطه اليأس :
– أنت بتعمل كده ليه ؟ جيتلي بليل وانت عارف اني بخاف أقعد لوحدي لما الجو يبقى وحش زي ماكان امبارح غيرتلي هدومي و حطيتلي كمادات و اديتلي الدوا و حضرتلي العشا وسهرت جمبي طول الليل و دلوقتي بتعمل نفس التصرفات ديه عماله تهتم بيا وانا مش فاهمة ليه بتعمل كده وانت قايلي انك مستحيل تخليني زوجة ليك قدام الناس.
صمتت تسترجع أنفاسها المنهكة ثم تابعت وهي تكبح دموعها بتجلد :
– اتهمتني اني اتجوزتك عشان الفلوس كمان ، من جهة حسستني بغلاوتي عندك لما وقفت جمبي و محكمتش عليا لما عرفت بحكاية التحرش و من جهة تانية ذليتني و رميتني لسابع أرض و دلوقتي بتهتم فيا كده فهمنني انت قصدك ايه من اللي بتعمله !!
صرخت مريم في آخر جملة لينظر لها عمار ثوان قبل أن يقول بثبات :
– انتي مراتي يا مريم و طبيعي اهتم فيكي مش معنى أننا اتخانقنا يعني ارميكي و انا قولتلك امبارح انك عزيزة عليا و غلطت لما زعقتلك كنت في حالة عصبية و اتكلمت من غير ما احس و اعتذرت منك فبلاش تكبري الموضوع لو سمحتي و انسي كل الكلام اللي قولناه احنا الاتنين و عن انك ب … بتحبيني.
انتصب واقفا يرمقها بنظرات ساخطة ثم غادر تاركا إياها تحدق في فراغه بذهول من تغيره المفاجئ ثم إبتسمت بقهر :
– أنا هنساه يا عمار … هنسى إني اعترفتلك بمشاعري و أوعدك مش هتسمع كلمة بحبك مني تاني أبدا.
******
– أيوة مش فاهمة يعني الراجل ده بيحبك ولا بيكرهك ولا بيحس بإيه بالضبط مش فاهمة !!
هدرت هالة بنزق وهي تستمع لحديث مريم وقد جاءت لزيارتها بعدما سمعت بتعبها :
– ولا أنا فاهمة حاجة صدقيني أحيانا بحس عنده إنفصام في الشخصية مرة بيقرب مني و مرة بيبعد انتي مشوفتيهوش وهو خايف عليا و بياخد باله مني كنتي هتقولي أنه بيموت عليا بس لما افتكر إهانته ليا … بحس …
أوقفتها غصة البكاء بحلقها فصمتت ممسكة لدموعها ثم أكملت :
– لو شوفتيه لما كان متعصب و عمال يزعقلي عيونه حمرا و بيتنفس بالعافية و عروق وشه كانت باينة أنا حسيته عايز يقتلني و ده كله علشان قولتله اعلن جوازنا … ذلني و كسر قلبي و جرحني عايرني و اعتبر كلامي فاضي وملهوش لازمة ده كان بيضحك عليا لما قولتله بحبك و قال أنه اشتراني بفلوسه و بيقدر يعمل فيا اللي عايزه انا ….
قاطعتها هالة بعدما رأت إنفعالاتها :
– خلاص يا روما إهدي يا حبيبتي انتي كنتي عايزة تعرفي مكانتك عنده و عرفتيها رغم اني متفاجأة من اللي عمله لما تعبتي ممكن انتي كلمتيه بطريقة غلط و عمار عند معاكي بس لازم تقوي نفسك و متضعفيش محدش هيخسر غيرك.
أومأت بعدم إكتراث لتتابع رفيقتها :
– انتي ناوية تعملي ايه دلوقتي هتتصرفي معاه ازاي بعد كده هتعتبري ان مفيش حاجة حصلت و هتكملي حياتك معاه عادي ؟
رفعت مريم وجهها نحوها بحدة :
– لأ أنا مش هسمحله يلمسني تاني ولا يطول شعرة مني اللي قاله مش قليل يا هالة مش هنسى إهانته و كسرة قلبي حتى لو كنت كلمته بطريقة غلط بس مش من حقه يقلل مني.
– مش هتخليه يلمسك ازاي ما انتي مراته و طول مانتي قاعدة في بيته مش هتقدري تمنعيه عنك …. انتي عندك مكان تروحيله من غير بيت عمك ؟
عضت مريم على شفتها بقهر :
– لأ مفيش مكان حتى هو عايرني وقالي مليش ملجأ اقعد فيه غير هنا و ….. لالا استني.
توقفت عن التكلم و اتسعت عيناها فجأة بإدراك :
– ايه ده انا ازاي كنت ناسية كل ده.
سألتها هالة بتحفز :
– في ايه ؟
زفرت مريم بظفر مرددة :
– أنا عندي مكان أروحله يا هالة … بيت مستعد يستقبلني في أي وقت و محدش عارفه حتى هو …. حتى عمار مسمعش فيه قبل كده و مستحيل يقدر يعرفه أبدا !
______________________
رايكم وتوقعاتكم ؟
عمار هيقدر يتحسن و ينسى الماضي ؟
مريم هتعمل ايه مع عمار ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى