روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الخمسون 50 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الخمسون 50 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الخمسون

رواية نيران الغجرية البارت الخمسون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الخمسون

فتيلة النار.
_______________

” كل ما فيه كان يركض نحوها لكنه – للعجب –
نجح في أن يبقي جسده واقفا مكانه ”
#نرمين_نحمد_الله#من_بعيد قوس قزح

رددت كلمات الرسالة بين شفتيها بصدمة صعقتها و أربكت خلاياها خاصة ان هذه الفتاة المدعوة ريماس هي نفسها التي تحدث معها على الهاتف تلك الليلة و أخبرها بأنه محتاج اليها بعدما اعترفت له هي بمسألة الجنين ، فتصلبت عيناها على الشاشة وقد شعرت بوخز مؤلم بقلبها أدى الى تأوهها بخفوت قبل أن تستدير ناحيته و تدنو منه متحدثة :
– كأنك واخد مني موقف ومن غير سبب كمان.

همهم عمار بينما ينظر من الشباك الزجاجي :
– موقف ؟ اشمعنا.

– بحسك متغير معايا من ساعة لما عرفت بموضوع السم.
– مش ده اللي كنتي عايزاه اني مقربش منك ولا اضايقك تمام انا بعيد عنك اهو عايزة ايه تاني.

رد عليها ببلادة أشعلت نار الغيظ بداخلها و كتبت لها سيناريوهات لعمار وهو يقرر الارتباط بأخرى بسبب غضبه منها فأردفت بتنعت :
– بس انت متعصب مني لاني كنت متهماك بقتل ابني … مش راضي تبص في عينيا حتى و عماله اسحب منك الكلام بالعافية.

ضغط عمار على يده وقد أظلمت عيناه فجأة لأن كلماتها ذكرته بالتفاصيل عن مسألة اتهامها له بكل وقاحة فنفث الهواء من فمه مغمغما :
– انا مشغول تقدري تتفضلي دلوقتي.

هزت مريم رأسها رافضة و صممت على محادثته لذلك امسكت ذراعه و ادارته نحوها مرددة بعنفوان جريح :
– هو انت ليه بتحاول تقلب كل حاجة عليا و ترجعني انا الغلطانة ؟ تمام انا ممكن اكون معملتش خطوة صحيحة لما خبيت عنك بس متنساش اني كنت لوحدي و خايفة خاصة بعدما قولتلي انك هتلاقي حل لمشكلة الحمل بعدها ابني مات و انت ارتبطت ببنت عمك و دلوقتي في واحدة…..

حدجها عمار بدهشة وهو يناظرها بغير تصديق كأنها مخلوق فضائي ثم قاطعها قبل أن ينتبه لمقصدها من جملتها الاخيرة :
– لسه بتلقي اللوم غليا و بتتهميني عشان تطلعي نفسك بريئة انتي ازاي عايشة بالنرجسية و الغرور ده ازاي كنتي راسمة عليا دور الغلبانة و مقدرتش اكشف حقيقتك من كل عقلك بتقوليلي ببساطة انك شكيتي فيا عشان رفضت حملك في البداية وبعدها خطبت واحدة تانية بعد مراتي ماهربت ؟

– ايوة شكيت و اي واحدة مكاني …
بررت مدافعة عن نفسها فتمتم بداخله ” لا تزال تنكر اخطاءها ” ، ثم اقترب منها في لحظة و قبض على ذراعيها ساحبا إياه نحوه و صارخا بنبرة قوية :
– اخرسي فاهمة اخرسي و بطلي تدافعي عن نفسك مريم انتي مدركة عملتي ايه و ايه اللي ضيعتيه مننا بسبب حقدك ؟
وبكل وقاحة لسه بتقولي شكيت فيك طيب سيبك من قصة رفضي للحمل فهميني انا عملتلك ايه من يوم ما ارتبطنا يخليكي تفتكري اني ممكن اؤذي طفل لسه متولدش !

صحيح علاقتنا كانت متوترة جدا في اخر فترة بس متقدرش تنكري اني كنت بعاملك بهدوء و حنان دايما و عمري مافكرت اؤذيكي ب ايديا ولا بلساني ولو ده حصل فكان بسبب غضب لحظي وكنت برجع اعوضك عنه.
وانتي عملتي ايه هربتي من غير ماتسمعيني و احتميتي بعمك اللي مقدرش يمنع ابنه من التحرش بيكي و بخالتك اللي فضلت سنين طويلة بعيدة عنك.
هو انا كنت وحش وواطي للدرجة ديه ؟ لسه لحد دلوقتي مش مستوعب ازاي فكرتي فيا بالطريقة البشعة ديه حسستيني وكأني واحد …

ابتلع بقية حروفه و طالعها بعينين حمراوتين تحملان الكثير من الغضب و العتب … و الخذلان.
ولكن أكثر ما آلم مريم هي نظرة النفور التي رشقها بها فجعلتها تشعر وكأنها دميمة لا تصلح بعدما شوهت صورتها بداخله …

أفلتها عمار و انحنى يسند يديه على سطح المكتب متأوها بثقل :
– عارفة ايه اكتر حاجة بتوجع … ان بعد الفضيحة اللي عملتيها و افتراءاتك و كرهك و المشاكل اللي حصلت بسببك انا اتحديت نفسي عشان مؤذكيش و منعت عيلتي من انها تعملك حاجة عشان من جوايا كنت متأكد ان مريم اللي عرفتها مستحيل تضر حد من غير سبب و ممكن اكون صح عملت حاجة وجعتك و كسرتك لدرجة تحبي تنتقمي مني.
و في الاخر حصل ايه ؟ طلعت الست اللي حاولت احميها معتبراني واحد قتل ابنه عشان مصالحه الشخصية و ضيعت من حياتنا سنين و ضيعت فرصة اني الاقي المجرم الحقيقي بسهولة من غير حتى ما تدي لنفسها الفرصة عشان تقلب الدنيا عليا و تستجوبني و تتأكد اذا شكوكها صحيحة ولا غلط.

كلا هي لم تفعل … نعم لقد هربت بالفعل و التجأت لغيره و لكن بعدما هدأت بدأت تفكر في احتمالية براءته و كانت ستتصل به ذلك اليوم لولا مجيء أبيه و اخبارها بكل قسوة بأنها لم تكن سوى واحدة من نسائه الكثيرات اللواتي يتمتع بهن و أنه على استعداد بأن يتخلص من اي امرأة دون رحمة اذا هددت مصالحه ..
في ذلك اليوم انحفر ظنها السيء فيه بداخل قلبها و تأكدت شكوكها ، لولا السيد رأفت لتصل الى هذه النقطة اذا لماذا تتحمل الوزر بمفردها بيد أن والده يعد الخائن الأكبر في هذه القصة !

مسحت بأصابعها خيوط الدموع التي نزلت من عينيها و همست بصوت مبحوح محاولة السيطرة على الارتجاف الذي يشوبه :
– انا حطيت احتمال اكون غلطت و ظلمتك … و حاولت في مرة اتواصل معاك بس …

– بس ايه ؟
سألها عمار بلهفة و ترقب نضحا من وجهه ففتحت فمها لتخبره بأن رأفت قابلها و أخبرها عن مدى بشاعته وكم أنه لا يهتم بشيء سوى بمتعته و نفوذه ، إلا أنها تراجعت في اخر لحظة مفكرة بأن عمار قد اكتفى من الخيانات و المؤامرات التي تعرض لها.
هي تعلم بأن علاقته مع والده ليست جيدة كثيرا و لكنها لاحظت أيضا مدى التقدير الذي يكنه عمار للآخر من خلال حديثه عن كفاءته انجازاته في الاجتماعات التي تنضم اليها و رأت كم أن عمار فخور بالسيد رأفت حتى لو لم يظهر هذا.

لذلك هو لا يستحق أن ينكسر بهذه الطريقة و يكشف بأن الرجل الذي أنجبه هو نفسه من شوه سمعته بقسوة ، لا أحد يستحق هذه الخيبة !

فأخذت مريم قرارها بالتراجع و هتفت بخفوت كاذبة :
– بس شيطاني غلبني خاصة لما عرفت انك خطبت ندى و غضبي منك خلاني اقنع نفسي بأنك الشخص اللي خانني و قتل ابننا.

أغمض عمار عيناه بيأس و هنا طرق الباب و دخل وليد على حين غرة و خلفه سكرتيرته التي كانت متوترة فقضب الأخير حاجباه و تساءل :
– في ايه ؟

طالعهما وليد بسخط و ردد :
– لو مفيش ازعاج لحضرتك ممكن تجي ثواني في مشكلة … مجلس الإدارة اتقلب عليك تاني و من الصبح وهما بيتكلمو عن غياباتك و اهمالك لشغلك علشان كده قررو يعملو تصويت بخصوص فصلك من المنصب بتاعك !

__________________
توقفت سيارة الأجرة بعدما وصولها لوجهتها فدفعت للسائق ثم دخلت الى منزلها لتجد أخاها قد جاء مع زوجته وها هما يجلسان مع والدتها فقالت بتعب و ملل بينما تنزع حجابها :
– خير ايه اللي جابكم لبيتنا.

زجرتها والدتها ليقهقه الآخر قائلا :
– بطلي لماظة يا هالة و اقعدي عايزين نكلمك في موضوع مهم.

نظرت لهم هالة بترقب و جلست مضيقة عيناها :
– خير ان شاء الله … اخر مرة انت كلمتني بالشكل ده كان في عريس متقدملي.

ابتسم احمد و هز رأسه بتأكيد :
– جبتيها المرة ديه ايوة في عريس متقدملك.

عبست ملامحها و ردت عليه مباشرة :
– مش موافقة.

مطت والدتها شفتها بغيظ :
– يابنتي اسمعي الاول انتي معرفتيش اسمه حتى.

تنهدت هالة بضيق و تمتمت بغير اهتمام لتنهي الموضوع و تذهب الى غرفتها :
– طيب اسمه ايه.

– وليد سعد الدين.

بهتت هالة و فتحت فمها بعدم استوعاب بينما راح احمد يحدثها عن عمله و عائلته و كيف أنه رآها في المدرسة عندما ذهب ليحضر ابنة شقيقته فأعجب بها اضافة لرؤيته لها في السابق رفقة صديقتها مريم لذلك طلب يدها من أخيها الذي التقى به في مكان عمله و كلمه عن رغبته الزواج منها.
بقيت هالة تستمع اليه و عقلها يعيد تذكر لقاءاتها مع المدعو وليد الذي كانت تراه رجلا مستفزا يتعمد مضايقتها لقد كانت ترشقه بكلمات غاضبة بإستمرار فأنى له أن يعجب بها و يرغب في الارتباط بها !

أفاقت من شرودها على كلام احمد الجاد :
– بصي يا حبيبتي انا عارف انك مش مقتنعة بسبب تجربتك السابقة بس مش هتندمي لو قابلتيه لو حصل قبول بينكم اللهم بارك ولو محصلش ساعتها كل واحد بيروح في حال سبيله.

أضافت أمها بتأكيد :
– ايوة يا هالة والله الشاب قعد كتير بيحاول يقنع اخوكي عشان يجي يتقدملك رغم انه قاله ممكن ترفضي.

هنا تدخلت زوجة أحمد في الحوار :
-معقول من اول مقابلة بينكم حبك كده و صمم يتجوزك ده ولا كأنه عارفك بقاله سنين.

قلبت هالة عينيها بسأم من حشريتها المعتادة ثم ردت عليها باِبتسامة صفراء :
– لا مش اول مقابلة انا شوفته قبل كده لما كنت بروح لمكان شغل صاحبتي اما بالنسبة لاصراره انتي بتقدري تسأليه ليه مصمم عليا كده لما يجي يشوفني.

احمد :
– يعني افهم انك موافقة تعملو رؤية شرعية ؟

نهضت من مكانها مجيبة اياه بضحكة بينما تلتقط حقيبتها و بقية أغراضها :
– ايوة حددو اليوم المناسب بقى يكش تضبط المرادي و اخلص منكم.

القى عليها شقيقها وسادة بيده لتهرع الأخرى نحو سريعا و تجلس على سريرها مفكرة بهذا الشاب و هي تحدث نفسها :
– ده احنا يدوبنا شوفنا بعض اربع ولا خمس مرات و كل مرة بديله كلمتين من قفايا و امشي معقوله يعجب فيا … اوعى يكون شبه صاحبه.

شهقت هالة بذعر ثم استكانت مردفة :
– لا صحيح هو مستفز بس مغلطش معايا قبل كده و ساعدني اكتر من مرة وكان محترم مش شرط يبقى طاووس زي عمار ده.

_________________
جلس رأفت على رأس الطاولة بهدوء و على طرفيه عمار و عادل ، وليد و يوسف و بقية أعضاء المجلس بعدما صدر قرار بالتصويت على انهاء مهام عمار البحيري المدير التنفيذي للشركة.
في البداية تحدث أحد الأعضاء عن تقصير عمار في عمله و كيف أنه يكرر غياباته بسبب أمور لا تهمهم ولا تفيدهم ، اضافة لأن هذا كان الانذار الثاني بعدما صدر الأول منذ اشهر قليلة و تعهد بأن يولي تركيزه التام لعمله بحيث لن يتلقى شكوى أخرى.

غير أنه عاد و ارتكب نفس الأخطاء مجددا و بسببه تعطلت الكثير من الأشغال و لهذا قرر المجلس بأن يجري تصويتا ليحسم الأمر.
فقال عادل الذي كان المسؤول عن قيام هذا الإجتماع :
– احنا مبننكرش انجازات المدير السابقة و حتى بعترف انه قدر يحل المشاكل في وقت قصير بس اهماله تاني في الاشهر الاخيرة خلانا نتعرض لخساير كبيرة و الماضي مش هيفيدنا فحاجة علشان كده … انا بصوت لإنسحابه من منصبه.

رمقه عمار بطرف عينه بجمود بينما قال رئيس مجلس الادارة ” رأفت ” :
– مين تاني بيصوت للإنسحاب.

رُفعت أربع أيادٍ أخرى ثم جاء وقت التصويت لصالح عمار فرفع يوسف يده بدون تفكير و تبعه ثلاثة آخرون و واحدا اضافيا ليقول رأفت :
– خمسة مقابل خمسة … وليد بيه انت اللي هتحسم.

توقع الجميع أن يشهد لصالح عمار على الفور ولكن هذا الأخير كان ينظر للطاولة أمامه بشرود و للحظات شعر نفسه مترددا بشأن التصويت ، من جهة فإن المدير هو صديقه ولكن من جهة أخرى هاهو يرى ان المدير نفسه لم يعد مهتما بعمله و ينشغل فقط في زوجته و اشياء اخرى لا يعلم هو عنها شيئا.
لهذا قبض على يده مفكرا لثوان قبل ان يحسم قراره فيتنهد و يرفعها متمتما :
– انا شايف ان المدير محتاج فرصة اخيرة ولو مرجعش زي الاول انا هبقى اول واحد يصوت لإنسحابه … بس حاليا بصوت لصالح عمار البحيري.

تنفس رأفت براحة بينما احمرت عينا عادل من و الغيظ و اشتدت قبضته بغضب من فشله في هذا الاجتماع مجددا فنهض و غادر القاعة و لحق به عمار بعد دقائق ليدخل الى غرفته و يقول :
– ديه تالت مرة بتحاول تطلعني من الشركة بس زي كل مرة حضرتك فشلت … يا عمي.

ضغط عادل بأصابعه على الكرسي بحقد ثم ابتسم و استدار له ساخرا :
– انت بتسمي اللي حصل فشل ؟ فوزك كان طبيعي اساسا لان معظم اللي صوتولك يا صحابك يا واحد من عيلتك.

– و انت كمان واحد من عيلتي بس اللي شايفه انك واقف ضدي.

– انا بدي الأولوية لشغلي يا عمار و الواضح جدا انك مبقتش قد المسؤولية و في الحالة ديه الافضل انك تتنازل عن منصبك بس طبعا ده صعب لان الواسطة اللي عندك في الشركة كبيرة.

– يعني الدافع الوحيد هو الشغل و ده اللي مخليك عايز تسحب المنصب مني صح انا مش مصدقك ليه يا ترى.
ردد عمار بتهكم و عقد حاجباه مدعيا التفكير للحظات قبل أن يضيف :
– يمكن عشان انت من الاول كنت حاطط عينك على اللي عندي وكنت عايز انا و ندى نتجوز للسبب ده بس بعد انفصالنا جشعك اتحول لحقد و رغبة في الانتقام فبقيت حضرتك عايز تحرمني من كل حاجة سواء شغل او فلوس او سمعة.

اقترب منه لثوان و استطرد مستجوبا إياه :
– او في سبب تاني انا معرفوش يا عمي ؟

بهت وجه عادل و شعر بنفسه يتعرق من هذا الحصار و السبب الذي يجعله يرغب في نزع كل ما يملك.
و للحقيقة أنه بالفعل كان يسعى منذ البداية لحرمانه من كل امتيازاته لأنه لم يكتفي بكونه إبن الرجل الذي أخذ حبيبته منه بل يريد أيضا أخذ ماهو من حقه ، هذه الشركة كانت سببا في تعرفه على أجمل امرأة رآها في حياته و أحبها كما لم يحب أنثى غيرها و لكن رأفت سرقها منه و تحصل على جميع الامتيازات و المديح و المناصب.

ثم جاء إبنه الذي ورث صفات والديه معا و استولى على المنصب الذي ظل يحلم به طويلا و جرح ابنته و تركها فجعله يشعر بالغيظ منه ، و بقدر محبة عادل لإبن حبيبته إلا أنه يحقد عليه بنفس القدر أيضا لأنه كان من المفروض أن يكون عمار طفله هو من فيروز و ليس طفل رأفت !

– قولي يا عمي في سبب تاني يخليك تكرهني ؟
كرر عمار سؤاله و اتكأ على سطح مكتبه بينما ينظر الى عمه الذي حدق فيه مباشرة و أجابه بجدية :
– انا مبكرهكش بس في حاجات انت مش عارفها منها انك مش قد المسؤولية اللي ادوهالك انت اخرك تجري ورا مراتك و نزواتك.

جز على أسنانه بعصبية و همس له :
– لو كلامك صحيح مكنتش وصلت بجهدي للمكان ده مش زيك اخرك تدور على غلطاتي و تدبر ناس تصوت ضدي … حضرتك لو عايز اللي بملكه يبقى اشتغل من قلبك عشان تستحقه ساعتها انا بنفسي هتنازلك عن المنصب.

رفع يده عن المكتب و رشقه بنظرات أخيرة قبل أن يغادر الغرفة سريعا ، و بمجرد خروجه اخرج هاتفه و اتصل بأحدهم ليقول بعد ثوان :
– الو ايوة يا وائل … اه انا لقيت فرصة اخيرا … ركبت الجهاز تحت المكتب بتاع عمي ومن غير ماياخد باله ..

__________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم فيه و بآخر مشهد
هل ممكن علاقة وليد و عمار تتضرر ؟
هالة هتوافق على وليد ؟

خبث بريء.
__________________
– تمام انت متأكد عمك مشافكش وانت بتحطه ؟

رد عليه بجزم :
– ايوة متأكد كنت حريص اخليه يبص في وشي و مياخدش باله من ايدي وهي بتركب الجهاز تحت مكتبه ، اساسا مكنتش هعمل كده بس في اخر فترة بقيت اشك في اي حد مع ان احتمال انه يكون عمي متواطئ في قتل ابني صغير جدا بس على الاقل هقطع الشك باليقين.

دخل الى غرفة مكتبه وهو يتحدث متذكرا أنه حرص على تركيب جهاز تنصت حتى في غرفة والده ، و بالمقابل كان عمار قد أخذ جميع احتياطاته في السابق عندما غير هاتفه و سيارته و مستلزماته و تأكد من أن غرفته هنا و في القصر تخلو من أجهزة التنصت و المراقبة و مازال حريصا على الفرز كل فترة كي يتجنب الأخطاء التي وقع بها سابقا.

تنهد عمار و نهض ذاهبا الى وليد الذي وجده جالسا مع يوسف فأخذ لنفسه مكانا بجانبه و قال :
– اهلا باللي كان هيوديني فداهية النهارده لولا تراجع في اخر لحظة.

نظر له وليد بطرف عينه و علق :
– مع انك مبتستاهلش.

رفع حاجبه و سأله بجدية :
– يعني بجد كنت ناوي تصوت ضدي صح … مش شايف ان مواقفك ديه اوفر شويا

زفر ووضع القلم من يده مرددا بطريقة مباشرة :
– لا مش اوفر بس انت مش واخد بالك من تصرفاتك في اخر فترة فين عمار اللي كان بيسهر الليل عشان مشروع هو مسؤول عنه و اجتماعاته مبتخلصش و كل شهر يجيب زباين جدد دلوقتي انت بقيت واحد مش عارف هو بيعمل ايه سرحان على طول و بيجري ورا واحدة أذته و سببتله مشاكل تمام انا عارف انك بتحبها بس انك تدمر نفسك بسببها ده هيبقى قمة في الغباء لان اللي اسمها مريم دخلت الشركة عشان تحولك للشخص ده و نجحت فعلا.

جز عمار على أسنانه و عقد حاجباه بغضب فقام و جذب وليد من ياقة سترته مهمهما بتهديد :
– ايه يالا اللي بتقوله ده انت اتجننن هو مين الغبي اللي بتتكلم عليه.

حدق فيهما يوسف بتوجس و حذر و عاد الى الخلف بإحتياط في حال ما إن تشاجرا بينما قال الآخر بدهشة :
– يعني من كل كلامي انت سمعت اللي عايز تسمعه وخلاص بقولك ايه سيبني و الا والله هفرمك.

– تعالالي يا روح خالتك.
هتف عمار وهو يضربه برأسه بعنف فاِرتد وليد الى الوراء بألم قبل أن يعود و يلكمه في وجهه ، انتفض يوسف و التقط جهاز التحكم لكي ينزل الستائر فلا يراهم أحد من الخارج ثم ردد بهلع :
– انتو بتعملو ايه اهدو شويا.

بعد دقائق كان عمار يرمي قارورة الماء البلاستيكية لصديقه قال بألم وهو يرتب شعره المشعث :
– مش فاهم ليه العنف ده كله يعني كأنك جاي من الشارع.

تهكم وليد و أشار الى شفته التي نزفت مهمهما :
– لا وانت متحضر اوي بص شوف عملت فيا ايه الاول.

صدر تأوه مكتوم فجأة فاِلتفت الإثنان ليجدا يوسف الذي اصابته ضرباتهما وهو يدلك رأسه هاتفا :
– انتو منكم لله بقالي ساعة بحاول ابعدكم عن بعض و في الاخر تجي الضربة فيا انا … Savages!

– ماهو مبيقدرش غير علينا احنا اما الناس التانية بيفرشلهم الطريق ورد.
برطم وليد متابعا وقد عاد وجهه يتجهم :
– كمان متستناش منه يقلق عليك معروف انه نسي صحابه من زمان.

تأفف عمار بخنق و جز على أسنانه مغتاظا منه :
– انت يالا بتقول الكلام ده ليه مين قالك اني نسيتكم كل ده عشان اتلهيت في كام حاجة ماانت عارف ايه اللي حصل.

التفت له وليد مجيبا اياه بإحباط :
– ايوة عارف ومش بقولك معندكش حق بس انت بدل ماتجي و تحكيلي زي لما انا بحكيلك ع كل حاجة عملتلك ايه يا عمار عشان تبقى مش واثق فيا كده حتى يوسف نفس الشي كأننا مش صحابك.

تدخل يوسف بهدوء :
– بس يا وليد انت عارف ان عمار مبيتكلمش كتير عن اللي بيخصه مش قلة ثقة بس هو طبيعته كده.

وليد :
– عارف بس على الاقل كان بيحكيلنا عن حاجة حصلت و ضايقته مثلا انما دلوقتي مش بيعبرنا حتى وبعدين مين قالك انه كتوم انا بقيت اشوفه بيتعامل مع ناس جدد و بيروح ضيف لعيلة مراته في الاسكندرية و اتصالاته مبتخلصش اشمعنا احنا يعني.

تجهم عمار و طالعه بصمت مفكرا بكيف له أن يحدثه عن مشاكله و خصوصياته التي هو بنفسه يجد صعوبة بالتفكير بها لكن انزعاج صديقه كان واضحا فتنهد و أردف بمنطقية :
– وليد انا صحيح مش بتكلم كتير بس ده موضوع مش متعلق بالثقة انت عارف انك و يوسف اعز اصدقاء ليا و صدقني هيجي وقت احكيلكم فيه عن كل حاجة ، و ثانيا انت مين قالك اني مش معبركم صح انا بعيد بس لسه مهتم بيكم مثلا عارف ان حضرتك ناوي تتقدم للبنت اللي كانت عاجباك.

اندهش وليد و ظهرت علامات التساؤل على وجهه ليوضح له الآخر بينما يستريح على الكرسي :
– شوفتك اكتر من مرة وانت واقف بعربيتك قصاد ال School اللي بتدرس فيها لمار بنت اختك و كنت مستغرب انت رايح هناك بدري ليه بس لما افتكرت ان صاحبة مراتي بتشتغل في المدرسة ديه وبعدها سمعتك وانت بتكلم والدك في التلفون و بتقوله انك ناوي تخطب و طلبت منه ينزل لمصر عشان يروح معاك هو و اختك فهمت كل حاجة.

رمقه وليد للحظات ثم ضحك و قال :
– معقوله انت عارف طيب انا حكيت ل چو وكنت هحكيلك بردو بس افتكرتك مش هتفضالي زي العادة … والله انا اول ماعرفت ان خطوبتها اتفسخت غصبت نفسي استنى كام يوم بعدين روحت اتقدملها و ان شاء الله توافق تقابلني ادعولي.

مط عمار شفته وشعر بالإمتعاض لأن صديقه واقع في حب الفتاة التي تكرهه و كانت تحرض مريم ضده في كل فرصة و تطلق عليه ألقابا غريبة لكن لا بأس سيتحملها على اي حال ، التفت ليوسف على حين غرة و قال له بهدوء :
– وانت مش ناوي تخطب او ترتبط مفيش واحدة في حياتك.

أحس الآخر بالإضطراب من نبرته خاصة أنه في آخر مواجهة بينهما لمح له عمار بالإبتعاد عن مريم وهو بالفعل قرر عدم الاحتكاك بها لذلك اصبح يتجنب التحدث معها في أمور خارج العمل.
و لكن نظرات عمار دائما ما تجعله يشعر وكأنها تعري دواخله و تكشف عن أفكاره فحاول تمالك نفسه قدر الإمكان وهو يرد عليه :
– لا لسه … يعني ملقيتش البنت المناسبة.

هز رأسه و استطرد :
– سمعت انك بقيت تخرج مع ندى كتير و بتقضو وقت طويل مع بعض.

هز كتفه ببساطة و أخبره بأنه عندما التقى بها مرة في الشارع وهي حزينة تكلم معها قليلا و ارتاحت معه ندى فاِتخذته صديقا وهو ايضا نفس الشيء ، فهز عمار رأسه باِستوعاب و فتح هاتفه ليجد رسالة ريماس ولم ينتبه إلى وليد الذي وقعت عليه عيناه بالخطأ و قرأ إسم الفتاة دون أن يلاحظ محتوى الرسالة فرفع حاجباه متمتما :
– ريماس … مين ديه.

أغاق الآخر الهاتف مهمهما :
– و انت مالك.

رشقه باِستنكار و أردف :
– هي ديه انشغالاتك اللي كنت بتتكلم عليها … ندى مريم ريماس يابني اتهد و ارحم نفسك شويا.

ضحك يوسف بينما قلب عمار عيناه و استأذن مغادرا لكي يتصل بطبيبته و يطلب منها أن تلتقي به في الخارج ان كانت تستطيع فهو لا يريد الجلوس بين أربع جدران اليوم.
و لم ينتبه الى تلك التي جاءت من خلفه كي تسأله عن حاله بعد الإجتماع فسمعت مكالمته مع المرأة وهو يطلب منها أن تلاقيه خارجا !

___________________
– بعيدا عن مريم مين من الستات كنت بتعتبرها مقربة ليك او على الاقل لما تشوفها متحسش بنفس درجة الخطر اللي بتحسها و انت مع التانيين.
سألته وهي تسير بجانبه على ضفة نهر النيل و تطالع الناس من حولها فصمت عمار مفكر قبل أن يجيبها :
– تيتا الله يرحمها كنت برتاح جدا وانا معاها خاصة لما تنيمني على ركبها و تقرالي قرآن ، عانيت جدا بعد وفاتها ولولا المهدئات اللي باخدها كان وضعي هيبقى أسوء.
– طيب ومين كمان.

– سعاد هانم مرات والدي … رأفت بيه اتجوزها بعد وفاة أمي بكام شهر الصراحة مكنتش بحبها في البداية و اعتبرتها خطفت مني ابويا لانه بقى عصبي جدا بعد موت ماما ومش بيطيق يشوفني بس لما شوفت حنانها و ازاي كانت بتطمن عليا وتجي تزورني في المدرسة الداخلية بقيت احس بشوية راحة معاها … سعاد هانم كانت متجوزة قبل كده و اطلقت عشان مش بتخلف ف اعتبرتني ابنها لكن انا مكنتش برتاح معاها لدرجة اقعد احكيلها و اشكيلها مثلا.

همهمت ريماس فأضاف :
– اخر واحدة هي ندى بنت عمي و صديقتي … مش معقول قد ايه بتنشر السعادة و الطاقة من حواليها انا كنت بحس معاها و كأن الدنيا پينك بالنسبة ليها اكبر مشكلة عندها هي ازاي تجيب فستان سهرة محدش لبسه قبل كده او ان وزنها يزيد ب اربع او خمس جرامات.

– يعني كل الستات دول كانو بعاد عن خانة المرأة بالنسبالك و حتى ندى انت دايما بتحكي عليها بصفتها بنت عمك او صديقتك عمرك ما حكيت عنها كخطيبة او زوجة … معقوله مفكرتش فيها قبل كده زي اي شاب بيفكر في مراته ؟

– لا انا كنت بعتبرها اختي و عقلي مانعني تماما من اني افكر بيها بشكل تاني وحتى كنت بفكر ازاي هتجوزها وانا لسه شايفها بالطريقة ديه ومش عارف ازاي ندى حبتني صراحة … رغم البنات و الستات اللي حواليا بس تقريبا انا عمري ما حسيت بالرغبة اتجاه اي ست الا مريم.

– طيب انت كنت بتثق في الستات دول يعني جدتك و مرات ابوك و ندى و مريم … عندك ثقة كاملة فيهم ؟

قلب عمار عيناه بتملل :
– انا مبثقش في اي حد في الدنيا خاصة لو كانت ست.

اتسعت عيناها بذهول و استنكار :
– يعني مبتثقش فيا ؟

كتم عمار ضحكته و حاول الرد عليها بحيادية كي لا تنزعج :
– الصراحة لما جيتلك اول مرة و بدأت احكيلك حسيت بالندم و قلت مش هرجع تاني بس وقتها لاحظت ان قلبي ارتاح شويا لما خففت الحمل فلقيت الحل اني معتبركش ست ولا اعتبرك انسان اصلا … انا اعتبرتك ملاك ربنا بعتهولي عشان يسمعني و يساعدني وصدقيني لولا الطريقة ديه مكنتيش هتلاقيني واقف قدامك دلوقتي.

حدجته ريماس بعيناها الملونتان ثم أشاحت بصرها عنه مبتسمة ليقول هو بإرهاق فجأة :
– دكتورة انا طلبت نقعد برا مش نفضل نمشي بالساعات.

ابتسمت و ردت عليه :
– احيانا انك تمشي وانت ساكت بيبقى افضل من جلسة فيها 10 ساعات لان التوتر و الاضطراب اللي جواك ممكن يطلع ع شكل مجهود بدني … انا بستخدم الطريقة ديه لما اكون مضايقة و محتاجة افرغ قلبي.

رفع عمار حاجباه و سألها بتعجب :
– هو انتي كمان بتضايقي و بتزعلي ؟
– ليه انا مش انسانة تعدي عليها فترات صعبة.
– مش قصدي كده بس يعني انتي دكتورة و الطريقة اللي بتتكلمي و بتنصحي بيها بتخليني احس انك قادرة تحلي كل حاجة.

تنهدت و تمتمت وهي تعيد خصلات شعرها الى الخلف :
– اي شخص في الدنيا مهما كانت طبيعته و شغله مكتوب عليه انه يعيش السعادة و الحزن وده بيبقى امتحان ليه في حياته ، انا طول عمري سعادتي مرتبطة بسعادة غيري وبعدما اشتغلت بقت اكبر فرحة بالنسبة ليا لما اشوف الحالة اللي عندي بتتحسن و اعرف ان مجهودي مكنش ع الفاضي.
انا قضيت سنين طويلة من حياتي وانا بسمع مشاكل الناس و بحاول اعالجهم ، كنت بفرح لما انجح و بزعل و تجيلي خيبة امل كبيرة من البعض ، يمكن عدت عليا حوالي 900 حكاية او اكتر من لما بدأت اشتغل من عشر سنين في النتيجة انا انسانة بردو وحتى بصفتي دكتورة و في حياتي الشخصية كمان اتجرحت جامد و قلبي اتكسر اكتر من مرة.

رمت عيناها نحوه و تابعت :
– هو ممكن نعيش في الدنيا ديه من غير ما تزعل او تتأذى اصلا ؟ بس انا عارفة ان البني ادم بيكبر بالتجارب ديه و كل فوز و خسارة متعلقين بجروحك يا عمار.

توقف عن السير و تحولت نبرته للسكون وهو يهمهم بشرود :
– يعني تجاربي هي اللي هتقويني صح … طيب انا من الناس اللي فرحتك ولا اللي زعلتك ؟

ردت عليه بمراوغة :
– انت شايف ايه يعني لو قارنت حالتك دلوقتي مع حالتك في الماضي هتحس ب ايه.

هز كتفاه بعدم معرفة هاتفا :
– والله معرفش … يعني انا بقيت اقدر اتحكم في اعصابي اكتر و اشوف الحقايق بطريقة افضل حتى ابويا مبقتش احس بالحقد و الكره اتجاهه زي الاول … بطلت الوم نفسي ع حاجات مليش ذنب فيها و حتى كوابيسي قلت و بقيت اقدر انام من غير مهدئات … بس مع ذلك لسه بعاني من صداع و بتجيلي احيانا ذكريات بتخص طفولتي بس بتتمحى من دماغي فورا وفنفس اللحظة مش فاهم ليه.
– لان اضطراباتك بدأت تخف و بالتالي ذكرياتك في اليوم اياه بدأت ترجع بس مش بشكل كلي لانك لسه متعافيتش كويس.

احتشدت أنفاسه بداخله و سأل بترقب :
– هو ممكن يجي يوم افتكر فيه كل حاجة حتى وش الراجل اللي كان مع أمي ؟ هعمل ايه لو طلعت بعرفه بجد.

رفعت ريماس رأسها اليه ولأول مرة تشعر بأنها لم تجد جوابا مناسبا ، فماذا ستقول لشخص يسألها عن تصرفه حين يعرف هوية عشيق أمه الذي دمر طفولته و شبابه ؟
_____________________
بعد مرور يومين.
داخل قاعة فاخرة خاصة بالطبقات المخملية ، أقام مدراء إحدى الشركات حفلة بمناسبة مرور سبعين سنة على افتتاحها و دعوا باقي المؤسسات من نفس القطاع او من قطاع مختلف و منها شركة آل البحيري.
حضر السيد رأفت و عادل و المساهمون و باقي أعضاء مجلس الإدارة و حتى بعض من المتدربين اللذين أظهروا مهاراتهم في فترة تربصهم فحضرت مريم التي دعاها يوسف بنفسه و هاهي تقف مع زميلتها وهي ترتدي ثوبا أسود أنيق مع حذاء ذو كعب بنفس اللون وقد رفعت شعرها في تسريحة جميلة و تركت بعض الخصلات منسدلة على وجهها.

رفعت رأسها تنظر للأجواء الفخمة و تتعجب من مدى ترف هذه العائلات التي تصرف الملايين ببذخ فقط كي تتفاخر بنفسها لكن هذا لم يمنعها من الإنبهار بجمال الديكور و كيف أنهم حرصوا على توفير كل شيء.
تنهدت مريم و نظرت لزميلتها التي تقول :
– كل ده عشان يبينو قد ايه الشركة ديه قوية و كبيرة و ناجحة في الاخر الفلوس اللي صرفوها ديه هترجعلهم بالأضعاف لما المدراء اللي عزموهم يطلبوا يتعاقدو معاهم.

همهمت بموافقة و فجأة ساد الهرج عندما هرع الصحفيون بكاميراتهم الى الباب الخارجي يلتقطون الصور لأفراد عائلة البحيري اللذين وصلوا للتو ، و ظهر عمار ببدلته السوداء وهو يبتسم برسمية و يأخذ الصور مع عائلته ثم مع نساء أخريات و يعبر متجها الى صاحب الحفل ، رشقته مريم بنظرات حادة مغتاظة وهي تتذكر مكالمته منذ يومين و الرسالة التي وصلته و الآن يحتك بالفتيات دون خجل من نفسه ثم يقول أنه لم يخنها في السابق
يا الهي كيف يعتبر أن تعامله بأريحة مع النساء شيء لا يمت للخيانة بصلة ؟ حسنا لقد تبين أن كلام رأفت صحيح و عمار ماهو إلا زير نساء لعين.

في الناحية الأخرى كان عمار يقف مع رجال و سيدات أعمال يحدثهم بدبلوماسيته المعتادة وهم نفس الشيء حتى لمح صاحب الحفلة مع زوجته ذات الأصول الإيطالية والتي لا تبدو من جمالها و اناقتها أنها في الخمسينات من عمرها فاِستأذن و اتجه إليهما مبتسما :
– ثروت بيه اهلا بحضرتك.

صافحه الآخر على الفور :
– اهلا يا عمار بيه.

نظر الى السيدة لينحني مقبلا يدها بنُبل و ابتسامة ساحرة :
– جميلة البارتي سنيورة سوزان.

ابتسمت و رددت بحبور :
– عمار ايه الوسامة ديه انت واخد قلوب الستات في الحفلة.

هز رأسه بلباقة :
– مفيش بعد جمال حضرتك.

استأذن زوجها و غادر لتنظر سوزان اليه و تعاتبه على غيابه عن المناسبات طوال هذه المدة و أخبرها هو بأنه كان منشغلا في أمور عدة فرمت عينيها الى الفتاة التي تناظرهما من بعيد و همست :
– مش ديه مراتك.

اومأ عمار بهدوء لتردف :
– البنت جميلة اوي استنى.

أنهت كلامها وهي تذهب اليها وسط تعجبه بينما اعتدلت مريم في وقفتها بتوتر عندما رأتها و تمتمت :
– سوزان هانم.
– انتي بتعرفيني.
– محدش هنا مبيعرفكيش انا معجبة اوي بحضرتك خاصة مساهماتك في مساعدة الأيتام و الناس اللي معندهاش مأوى و اتمنى ابقى زيك في يوم من الأيام.

همهمت و علقت :
– انا متأكدة انك هتوصلي لكل اللي انتي عايزاه المهم تقدري المكان اللي انتي فيه و تسعي لأنك تنجحي … و عموما لولا عمار مكنتش هقدر اعمل حاجة يعتبر هو اكتر واحد ساعدني في شغلي.

نظرت لها بدهشة و حملقت به لتومئ بشرود :
– ان شاء الله.

تركتها سوزان وغادرت لتدلف فجأة الى القاعة ندى البحيري وهي تتأبط ذراع يوسف الذي التقى بها في الخارج و عرض عليها بلباقة الدخول برفقتها لتسمع هنا كلمات إحدى الفتيات :
– شوفو بنت عادل بيه و فريال هانم جمال و نسب والله عمار ضيع فرصة عمره لما متجوزهاش.

ردت عليها الأخرى بنبرة لم تظن انها ستصل لأسماع الآخرين :
– اه والله زي اللي طرد النعمة معقول في حد يسيب بنت زي ديه و علشان مين واحدة جميلة بس في الأحلى منها بكتير و الأغنى و الأنظف … انا لو مكانه هقعد اتحسر على حياتي اللي ضاعت.
– حتى الست اللي فضحته عشان تظهر نفسها ع حسابه محدش معبرها و عمار عامل نفسه مش شايفها من لما دخل.
– وهو هيبصلها ازاي اصلا بعد اللي عملته مش بعيد يرميها قدام اي عربية معدية في الطريق.

انطلقت الضحكات من خلفها لتضغط مريم على يدها بعصبية و تحتد عيناها بغضب عصف بها و فكرت لثوان أن تذهب اليهن و تقطع شعر كل واحدة منهن ولكنها تمالكت نفسها بصعوبة و رغم هذا لم تستطع منع ملامح الحزن من التسرب الى وجهها.

و لاحظها عمار الذي كان يراقبها بطرف عينه منذ مجيئه و استغرب من شحوب وجهها و تقوس شفتها للأسفل كعلامة على أنها تكتم شيئا ضايقها…
فتوجس من ذلك و خشي ان يكون أحدهم قد رمى عليها كلمات مزعجة لذلك تحرك من مكانه و سار ناحيتها إلا أن مريم التي رأته التمعت عيناها بالتحدي عند تذكر كلمات اولئك النسوة اللواتي قلن أنه لن يعبرها فمشت هي ايضا تقلل المسافة بينهما حتى وقفا أمام بعضهما البعض وسط نظرات عائلة البحيري و يوسف و بعض من الحضور

رفعت رأسها اليه باِضطراب و التمعت عيناها بتوتر التقطه عمار سريعا فسألها :
– ايه اللي حصل انتي …

قاطعته مريم وهي تلفظ كلماتها دفعة واحدة :
– عمار … حط ايديك حواليا.
– افندم ؟
– لو سمحت.

زفر عمار و حاوط خصرها مثلما طلبت منه تزامنا مع انطلاق موسيقى هادئة فبدأ الإثنان يرقصان معا وشيئا فشيئا أصبحت يدا عمار أكثر حنانا وهو يقبض عليها بنعومة و يقربها نحوه بينما تبتسم مريم بغرابة توجس له ليسألها بحذر :
– انتي بتخططي ل ايه و ايه سر الابتسامة اللي ع وشك ديه.

ضحكت برقة رغم زيفها إلا أنها ألهبت قلبه فازدرد لعابه و قربها نحوه اكثر لتبتسم الأخرى باِتساع وهي تشعر بالنظرات المصوبة عليهما و تهمس فجأة :
– عمار … انا اسفة.

اندهش و ظن بأنها اصيبت بمرض ما أو انها أصبحت تتعاطى حبوبا مشكوك في أمرها فتهدج بريبة :
– على اللي عملتيه.

حينها هزت رأسها بنفي مجيبة :
– لا … اسفة ع اللي هعمله دلوقتي او مش اسفة انت أدرى.

و في نفس اللحظة تحت الأنوار التي أصبحت خافتة و عندما لم يكن يفصل بين وجههما سوى سنتيمترات قليلة ، عضت مريم على شفتها بإغراء و عينان ملتمعتان ثم ضربت بقدمها ساق عمار بدون أن ينتبه أحد لهذا فصعق الآخر و بتلقائية أخفض رأسه بدرجة صغيرة فقط … كانت كافية لجعل شفتاه تلتصق في شفتي مريم في قبلة مفاجئة وسط القاعة و بشكل يظهر وكان عمار هو من بادر بتقبيلها !

__________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى