رواية نيران الغجرية الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الخامس والأربعون
رواية نيران الغجرية البارت الخامس والأربعون
رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة والأربعون
مواجهة الماضي.
_______________
***قبل 3 ساعات.
كانت منغمسة في الملف الذي سلموه اليها و تعمل عليه بتدقيق لدرجة لم تلاحظ أنها قضت وقتا إضافيا زيادة عن اللزوم ، حتى اقتربت منها إحدى المتدربات و قالت لها :
– مريم الوقت اتأخر واحنا مروحين مش هتجي معانا ؟
– لا مقدرش أنا لسه مخلصتش.
– طيب سيب ال file ده لبكره و ابقي اطلبي المساعدة من الاستاذ يوسف لو مقدرتيش عليه.
فكرت مريم بأنها بالفعل وجدت الملف يحمل نقاط كثيرة لم يتطرقوا اليها بعد على عكس بقية المتدربين اللذين أعطوهم مهام سهلة ولكن لا بأس فهي تحمست لإنجازه رغم صعوبته كما أنها لا تستطيع الافصاح عن عجزها لأنها لا تريد لأحد ان يسخر منها خاصة السيد عادل الذي بدى و كأنه يتحداها عندما سلمها الملف.
لذلك نظرت لزميلتها و نفت برأسها :
– مفيش مشكلة هفضل هنا و اعمله لوحدي من غير مساعدة كده احسن.
– اوك براحتك Good luck.
انضمت الفتاة الى المجموعة التي كانت تتهامس على مريم حيث علقت إحداهم بسخرية :
– مغرورة اوي و شايفة نفسها قال ايه مش محتاجة مساعدة ع اساس انضمامها للميتينج النهارده كان بمجهودها مش لان عمار بيه طلب من المستر يوسف يدخلها … لولاه مكنتش حلمت تدخل للشركة ديه اصلا.
– البنات اللي زيها بيشتغلو بالطريقة ديه علشان يوصلو للي عايزينه مش شايفينها بتقعد تسبل لعمار بيه و يوسف بيه ع طول علشان تكسب رضاهم …
تعمدوا التحدث بصوت مسموع لكي يصل اليها و بالفعل تناهت كلماتهم لمريم التي كادت تنهض لتقطع ألسنتهم و لكنها هدأت نفسها سريعا و حاولت تجاهلهم حتى لا تعطيهم فرصة لمضايقتها متى ما أرادوا.
غادر الجميع و بقيت هي بمفردها مع الملف حتى بدأ جسدها يفقد طاقته بسبب الإرهاق و عدم تناول شيء منذ الصباح اضافة للأبواب المغلقة التي تشعرها بالإختناق.
و لكن اصرارها على إنجاز عملها جعلها تعاند نفسها و ترفض الذهاب لأي مكان قبل انهائه فظلت جالسة على طاولتها وهي تشتغل دون توقف.
إلا أنها مع مرور الوقت زاد تعبها فذهبت الى ماكينة القهوة لتصنع واحدة أخرى تمكنها من التركيز ، و بمجرد جلوسها مجددا تفاجأت بكيس يوضع أمامها فرفعت رأسها و تمتمت بدهشة عند رؤيته :
– مستر يوسف !
ابتسم لها و قال :
– كان عندي شغل لسه مخلصتوش و جيت علشانه بس عرفت انك لسه قاعدة هنا لوحدك ففكرت اجبلك اكل معايا.
– مكنش في داعي انا قربت اخلص اصلا.
هتفت مشيرة للملف الذي بيدها ثم شكرته و تابعت حتى سقط القلم من يدها وهي تضعها على رأسها متأوهة بتعب ، انتبه لها يوسف فاِقترب منها بحذر :
– فيه ايه يا مريم Are you okay ؟
همهمت مريم وهي تشعر بأطرافها تتعرق اضافة لدوار رأسها :
– ايوة انا بخير بس حسيت بشوية تعب مش اكتر d’ont worry.
– ده علشان تعبتي نفسك زيادة ع اللزوم و مش راضية تاكلي كمان … يلا قومي كفاية كده.
وقف بقلق عليها و جذبها معه لكن بمجرد وقوفها شعرت بالكون يدور من حولها و خارت قدماها لترتخي اضلاعها و كادت تسقط لولا أن أسندها يوسف.
وضع يده على خصرها و تمتم خائفا عليها :
– مريم استني انتي كويسة.
وصله أنينها الخافت فسار بها في حذر قائلا :
– تعالي معايا slow down و متخفيش.
أجلسها على الأريكة الجانبية وهي شبه غائبة عن الوعي ثم هرع لجلب كوب من الماء و رش عليها قطرات منه ، أسند ظهرها و جلس مقابلا لها يمرر يده على وجهها البارد و يديها نفس الشيء متمتما لها بكلمات مهدئة …
*** بينما في الجهة كان كمن تلبسته الشياطين وهو يرى تقاربهم لهذا الحد ، في لحظات اختفى كل ما سعى اليه في الأيام الماضية و تطايرت أطياف ذكرى واحدة أمامه.
أحس أنه يعيش تلك الحادثة من جديد ، خيانة من زوجة تعانده و تتهمه بالسوء دائما مع رجل يعرفه حق المعرفة لا شيء مختلف إلا الشخصيات نفسها فهو أصبح بطل الحكاية المخدوع بدلا من والده !
لم يطق عمار شعلة اللهيب في عينيه من سخونتها فأغمضهما و فتحهما ثانية ربما يجد نفسه يتخيل و يعيش واحدة من هلاوسه ، و لكن العالم الذي من حوله ظل ينهار وهو يرى صديقه المقرب مع زوجته في وضعية واضحة للأعمى ، و في الثانية التي خطى فيها خطوة واحدة وهو ينوي الدخول اليهما و قتلهما خنقا…
في تلك اللحظة بالضبط أعاد عقله على حين غرة استحضار جملة قالتها طبيبته في إحدى جلساتهما ولم يظن أنها ستستطيع التأثير عليه لهذه الدرجة …
” الحياة ليها زوايا كتيرة ووجهات نظر مختلفة كل واحد بيشوف و يسمع و يفهم بمزاجه و يصدق اللي رسمهوله عقله من غير ما يحب يستفسر فيلاقي نفسه دمر كل حاجة في دقيقة كان قادر فيها يستوعب وجهات نظر غيره و يفوز بحاجات كتير.
– ازاي يا دكتورة يعني اكدب اللي بشوفه و بسمعه و اقول ممكن ابقى غلطان ؟
– لا بس كل حاجة في الحياة عندها اكتر من اتجاه انت مش هتقدر تعيش فيها لو اعتبرت ان ليها اتجاه واحد اسمه الحقيقة و تعتبر اي حاجة من غيره كدب و نفاق ، جرب تشوف الموضوع من زاوية تانية و اتمهل قبل ما تعمل اي خطوة قادرة تكلفك كتير في المستقبل …”
كانت كلماتها كالسحر عليه فتريث في آخر خطوة و اختار تطبيق نصائحها على أرض الواقع هذه المرة ، فركز معهما بعينيه الحمراوتين قبل أن يسمع يوسف يتساءل :
– بقيتي احسن دلوقتي ؟
قضب عمار حاجباه بغرابة و قطع المسافة بينهما وهو يتجه ناحيتهما لتتضح له مريم التي لا تبدو في وعيها التام و الآخر يحاول جعلها تشرب الماء فاِستوعب ما يحصل و ردد فجأة :
– في ايه مالها مريم.
انتفض يوسف الذي تفاجأ بحضور عمار المفاجئ و سحب يده بتلقائية قائلا :
– داخت ووقعت مني.
ظهر القلق جليا على وجهه و اقترب منها معطيا لنفسه المكان الذي كان يشغله الآخر ، و اردف باِستعجال بينما يتفحصها :
– عندها هبوط.
بهت يوسف و ركض الى الطاولة الصغيرة التي يضعون عليها آلة صنع القهوة و احضر علبة السكر ليضع ملعقتين منها في كأس الماء ثم أعطاه لعمار ، التقطه الأخير و قربه من فم مريم بلطف و ساعدها بشربه بينما يسأله الآخر بقلق :
– حصلت معاها قبل كده ولا ديه اول مرة.
تذكر عمار يوم وجدها على الارض في تلك الليلة الشتوية العاصفة وقد أغمي عليها بسبب الحمى و قلة الأكل فتنهد بيأس منها مغمغما :
– ايوة بيجيلها هبوط لما تفضل كتير من غير اكل و شرب.
همهم يوسف بأسف عليها و علق :
– صح انا جيت لقيت وشها اصفر و باين عليها تعبانة ولما قامت عشان ناكل سوا وقعت.
كان يسرد عليه بتلقائية مستفزة جعلت عمار يركز على جملة ” ناكل سوا ” بالإضافة لرؤيته وهو يضغط على يدها و يقترب منها لدرجة تخيل للرائي بأنهما يفعلان شيئا خاطئا فاِحتشد أنفاسه و زفرها ببطء كي يضبط أعصابه ثم نظر الى مريم التي بدأت تستعيد رشدها و تهمس بتقطع :
– عمار … في ايه هنا ايه اللي حصلي.
شرح لها بإختصار ما حدث معها وهو يحاول ألا يصرخ عليها و يوبخها لأنها ظلت بمفردها داخل القسم حتى ساءت حالتها ، وبعد ان استعادت مريم كامل وعيها حاولت النهوض غير أن عمار أوقفها بحزم :
– بلاش تلعبي دور القوية دلوقتي و تحاولي تقومي احنا شوفناكي كنتي عاملة ازاي من شويا.
مطت شفتها باِمتعاض وهي تدلك صدغيها لعل الصداع يزول عن رأسها بينما أراد يوسف الاقتراب و الاطمئنان عليها لكنه لاحظ كم أن عمار انزعج منه وهو صدقا لم يكن ينتوي سوءا ، حسنا بالفعل جاء بعدما علم أن مريم بقيت لوحدها و لكنه أراد مساندتها من ناحية و انهاء عمله وهو برفقتها من ناحية أخرى ، هل يعقل أن عمار لاحظ مدى لهفته عليها و أدرك أنه يُكِن لها مشاعر لا يجب أن تتملكه اتجاه مريم ؟!
أما مريم التي استفاقت جيدا ادركت الموقف الذي وضعت نفسها به و تضايقت لأن عمار سيبقى يذكرها بضعفها و احتياجها اليه هذه المرة أيضا فرفضت اليد الممتدة لها و همهمت بإيجاز :
– بقدر امشي لوحدي.
وقفت على قدميها المرتعشتان و جربت السير إلا أن قوتها لم تكفِ لذلك فأمسك بها عمار بالقوة مغمغما بنبرة حادة :
– كفاية عناد انتي كده بتأذي نفسك.
– سيب ايدي !
جز على أسنانه بغيظ و انحنى على أذنها هامسا بوعيد :
– لو مسندتيش عليا دلوقتي هشيلك لحد العربية برا وبعدها احبسك في الشقة و امنعك تخرجي منها لأسبوع كامل ف اتقي شري احسنلك و متلعبيش معايا.
حدجته مريم بإستنكار أهوج و كادت ترفض لكن الغضب و التصميم المتقدان من عينيه جعلاها تستشعر جدية تهديده فتأففت و قبلت على مضض ليضع عمار يده على خصرها و يسند رأسها على كتفه مغادرا معها و تاركا يوسف يحدق في أثرهما …
*** بعد مدة وصلا الى الشقة و أدخلها الى الغرفة و عندما كان سيخرج توقف مكانه و التفت اليها مستفسرا :
– بس انتي فضلتي قاعدة لوحدك بتعملي ايه يعني مش فاهم.
ردت عليه مريم بنزق تخفي به حرجها :
– ال file اللي اداهولي عمك كان معقد شويا و اضطريت افضل معاه وقت أطول … عمار.
نادت بإسمه في آخر جملة وقد خرج صوتها عاطفيا بدون شعور منها و تابعت متسائلة :
– بجد انت اللي اقترحت على المستر يوسف تدخلني للميتنج ؟
– ايوة ليه.
استندت على كوعها معتدلة في جلستها و نظرت له مليا قبل أن تهتف بحيرة :
– اشمعنا انا … كان في كتير غيري و كمان احنا …
رفع عمار يده يمنعها من المتابعة و رمقها بنظراته الثابتة مجيبا :
– مفيش حاجة في الشغل اسمها احنا يا مريم يعني بعيدا عن العلاقة اللي بيننا انا شوفت شغلك كواحدة من الtrainees اللي عندنا في الشركة و عجبني ف حبيت اختبرك في الميتنج منها نحدد كفاءتك و منها نوري للوفد الأجنبي ان القسم بتاعنا عنده قدرة يطلع متدربين كفؤ في فترة قصيرة.
ارتخت ملامح مريم المشدودة ولوهلة تعجبت من نفسها لأنها انزعجت من جوابه ، ربما لأنه تعمد محادثتها بجفاء او ربما لأنها كانت تظنه سيمدحها و يكلمها بلطافة مثل المعتاد فتترفع عنه و ترمقه بغرور ، و لكن كل هذا ذهب أدراج الرياح عندما أخبرها بأنه عاملها كمتدربة فقط.
فأرادت إيقاعه في مراوغتها و لهذا رفعت إحدى حاجبيها قائلة :
– وليه كنت واثق من اني هشتغل حلو و مخيبش ظني اشمعنا يعني ؟
حينها رشقها بنظرات شملتها من أعلاها لأسفلها و احتقن وجهه و تحشرج صوته وهو يرد عليها :
– انتي عاملة كورس ايطالي عندي من قبل و عارف قدراتك.
تفاجأت من رده و توهج وجهها سريعا فأخفضت رأسها لكي لا يراها و تملكها الذعر عندما شعرت بعضلات فمها تتقلص على شكل ابتسامة كادت تلقيها عليه ، اللعنة مالذي دهاها الآن لماذا تبتسم و تحمر خجلا من تلميحاته.
خرج عمار من قوقعته المؤقتة و غادر الغرفة ليعود بعد قليل وكان قد أعاد تسخين الوجبة التي ابتاعها من المطعم ووضعها في صحن زجاجي ثم تنحنح مجليا صوته :
– كنت عارف انك مكلتيش حاجة من الصبح لانك في ساعة الغدا كنتي عماله تتكلمي عليا مع صاحبتك في التلفون و اكيد من كتر النميمة ملقتيش وقت عشان تبلعي اللقمة.
– انت سمعتني !
هتفت مريم بدهشة بلهاء كادت تطلق ضحكته لكنه تمالك نفسه نافيا :
– لأ بس شوفتك وانتي حاطة تلفونك ع ودانك و طبعا المتصل معروف و الموضوع معروف مش كده.
عظت على شفتها بحرج لأنها كشفت نفسها للتو بلهفتها الخرقاء و أرادت الحفاظ على ماء وجهها المتبقي ف التزمت الصمت وهي تستسلم ليده التي تضع الطعام في فمها …
_________________
– ازاي يعني الخطة فشلت !
هدر عادل بعصبية فرد عليه سليم عبر الهاتف :
– للأسف يا فندم احنا عملنا زي ماحضرتك أمرت سرقنا ملف مهم جدا و كنا متوقعين مريم تفضل لوحدها في القسم فيبقى سهل نتهمها بسرقته بما انها كانت قاعدة في نفس المكان و نلعب بكاميرات المراقبة بس محسبناش حساب يوسف بيه و عمار بيه.
زفر بغل و لكم الحائط بيده وهو يلعن حظ مريم الذي جعلها تنجو من خطته بسهولة ، ثم استدرك متسائلا :
– انت عملت ايه مع عمار.
– زي حضرتك ما قولت يا فندم عمار بيه محطليش جهاز تنصت في التلفون ولا GPS في العربية بس بعت ورايا واحد يراقبني فدخلت لأوضة رأفت بيه بحجة تافهة و عملت نفسي كأني بكلمه ف حاجة مهمة و سرية.
همهم برضا و علق مردفا :
– اساسا عمار سأل والده عن سبب وجودك معاه النهارده و شوفت في عينيه نظرة الشك … هيبقى سهل اوي نوقعه في فخنا يا سليم و لما يوصل لحقيقة هروب مراته هيكون في واحد بس قدامه قادر يتهمه وهو أبوه يعني انا هبقى بعيد عن الشك.
– و انا يا فندم لو عمار بيه عرف اني اللي سممت الشكولا و رشيت الدكتور هيعمل ايه.
قلب عادل عيناه بملل متمتما :
– قولتلك متقلقش لما يقرب يوصل للسر هدبرلك طريقة تهرب بيها عشان متنكشفش.
– طيب يا فندم أمرك.
__________________
ارخى جسده على الأريكة و أكمل سرده وهو مغمض العينين :
– لما شوفتهم وهما قريبين من بعض رجعت حسيت نفسي و كأني بعيش حادثة والدتي و عشيقها حسيت بنفس الوجع و النار جوا قلبي و للحظة فكرت اقتلهم وكنت هعمل كده يا دكتورة لولا افتكرت نصيحتك عن ضبط النفس انا لو معملتش كده كان زماني مرتكب جريمتين.
هزت ريماس رأسها و سألته :
– بعد ما عرفت ان مريم تعبت و صاحبك كان بيساعدها لسه حاسس بالشك اتجاههم ؟
– انا دلوقتي متأكد ان مريم تعبت ووقعت غصب عنها بس يوسف … خوفه و قلقه عليها ضايقني بصي انا عارف انه طيب و بيحب يساعد الكل بس احيانا بحس انه مبيضبطش نفسه مع الحدود بين الناس وده زعجني جدا.
– واجهته باللي قولتهولي دلوقتي ده ؟
– لأ بس متأكد انه فهم من نظراتي … يوسف ذكي و بيفهم من قبل ما تلمحيله حتى.
استمعت له ريماس بتركيز ثم انتقلت الى نقطة مغايرة :
– طيب خلينا نكمل اللي كنا بنقوله الجلسة اللي فاتت … احكيلي عن فترة زواجك من مريم كانت عاملة ازاي و تحديدا في اول سنة.
تنهد عمار و شرد في الماضي يسرد لها بسلاسة وكأنه تحت تنويم مغناطيسي :
– في البداية كانت بتتعامل معايا برسمية جدا مكنتش بتندهلي ب اسمي حتى و كانت على طول خايفة مني مش هكدب لو قولت ان ده مكنش عاجبني … يعني في مكان في قلبي كان مبسوط بحالة مريم لسبب انا مش عارفه بس في نفس الوقت مكنش هينفع تفضل بالحالة ديه كتير و علشان كده انا بدأت اقرب منها و اناقشها عن اللي بتحبه و تفضله سألتها عن كل تفاصيل حياتها و جبتلها كل حاجة تطلبها يعني وفرتلها كل اللي تحلم بيه اي ست.
و مع ذلك مريم بدأت في اخر فترة تطلع عن محور البنت العاقلة الضعيفة و تتكلم وتعبر عن غضبها و تطالب بحقوقها و ده ضايقني جدا يا دكتورة لاني …
– لانك خفت تبطل مريم تعملم حساب ف تسيبك ؟
أكملت ريماس بدلا عنه فسكت وهو يطالع السقف بدون ان يرمش حتى ، فرددت الأخرى بجدية مفسرة عدة جوانب لم تكن مفهومة :
– من اخطر العلاقات بين الناس علاقة ( الحبل السري ) ،و فيها بيكون واحد من الطرفين بيمثل كل حاجة بالنسبة للطرف التاني مصدر الحب و الحنان ، الأمان و الاكتفاء الجسدي و المالي.
وفنفس الوقت بيجرد منه كل الأشخاص من العالم الخارجي اللي ممكن يوفروله المصادر ديه … أخ، أب ، صديق عشان ميبقالوش حد غيره لانه هو مصدر الحياة اللي يستحيل يتنفس في غيابه.
و فذات الوقت بيكون الطرف التاني شديد السلبية و الاعتمادية في الوضع ده ومن هنا بيجي التناغم بينهم حيث ان الطرف الاول بيستمد قوته و أهمية وجوده في العلاقة من استسلام و ضعف شريكه وكأن في رابط خفي بينهم بيربطهم ببعض زي الحبل السري.
و انت استعملت الطريقة ديه مع مريم عشان ميبقالهاش اي اختيار غيرك ، انت كنت خايف من الاختيار يا عمار.
خفت مراتك تختار غيرك لو الفرصة قدمتلها بدائل غيرك ، ده لان في حاجة جواك مقتنعة أنك مبتستحقهاش و انها بتستاهل واحد أفضل منك.
صمتت ريماس تراقب حالته الصامتة فأدركت انه يدرس مدى صدق حديثها و يربط الأحداث ببعضها البعض محاولا التحقق لذلك هتفت مستفسرة :
– كنت قولتلي انك أعجت بمريم من اول نظرة و اتجوزتها بس لسه مقولتليش ليه اخترت تتجوز بالسر هل لأنك كنت مخطط من البداية تبقى علاقتك بيها مؤقتة ولا عشان حاجة تانية.
ركز عمار في سؤالها الذي لم يوجهه لنفسه من قبل حتى ، و رد عليها بعد ثوان :
– مش عارف … يمكن عشان السبب اللي قولتيه يعني كان في احتمال كبير ننفصل … او يمكن لأن … مريم من الطبقة المتوسطة و مختلفة عن كل بنات المجتمع المخملي ف اكيد ارتباطي بيها مكنش هيبقى مناسب بالنسبة لإبن رجل اعمال.
تحدث ببلادة وبغير اقتناع فاِبتسمت ريماس معلقة عليه :
– معقول خليت جوازكم سري عشان منصب عيلتك و لأن مريم مختلفة عنكم … فكر كمان.
– هو في اسباب تانية غير ديه ؟
سألها عمار باِقتضاب لتردف الأخرى بدهاء :
– اولا انت صحيح شخصية بتهتم بالمظاهر قدام الناس و الأهم عندك اسمك ميتضررش بس فنفس الوقت كانت عندك مشاعر غضب كبيرة اتجاه والدك و كنت عايز تعمل اي حاجة قادرة تسببله احراج و جوازك من غجرية افضل طريقة عشان تعصبه و توريه ان عمار كبر و بقى راجل قادر ياخد قراراته بنفسه.
ثانيا لو كلامك بخصوص الاختلاف صحيح مكنتش انبهرت بمريم و استايلها اللي مشوفتوش من قبل او بمعنى تاني كنت هتحاول على الاقل تغيرها و ترجعها زيكم بس ع العكس يا عمار اكتر حاجة انت حبيتها في مراتك هو شكلها المختلف يعني شعرها الغجري و لبسها الملون و الخلخال و الاكسيسوريز الملونة و اعواد البخور … كل حاجة فيها طبيعية و ده اللي حسسك وكأنها بنت جاية من عالم تاني.
انت فاكر قلت ايه في اول جلسة لينا ؟ قلت انك شوفتها وهي قاعدة في الصف التاني او التالت وكانت شايلة شهادتها و عماله تبص عليها بفرحة صح.
تنفس بنزق و قال باِنزعاج :
– ايه اللي دخل ده في النص انا مش فاهم.
طرقت بقلمها على سطح المكتب و هتفت ببطء ضاغطة على كل حرف :
– مريم كانت مبسوطة و لمعة عينيها فيها تصميم غير طبيعي و كانها ملكت الدنيا بين ايديها … نظراتها بتفكرك ف ايه.
كاد يعلق عليها و يخبرها أن تتكلم بوضوح ولكنه توقف فجأة و احتبست حروفه داخل حلقه وهو ينتبه لمقصدها ، و تعود ذاكرته لذلك اليوم حينما رأى لمعان القوة و الثقة في عيني مريم لدرجة شعر فيها بأنها ستحكم العالم لو أتيحت لها الفرصة ، و تلك النظرات كان قد رآها في أعين امرأة أخرى عرف بهويتها وهو يهمس بتوهان :
– والدتي … كانت بتمتلك نفس القوة و التصميم و الشجاعة و ده اللي خلاها تخون جوزها و تستغلني في لعبتها.
هزت الطبيبة رأسها بموافقة و شرحت له بينما تلبس نظارتها الطبية مجددا :
– العلاقة التانية اللي طبقتها على مريم هي علاقة ” العمى ” و ديه بتبقى مدمجة بشكل تلقائي مع علاقة ” الحبل السري “.
خطورتها مبتقلش عن الاولى بالعكس بتبقى أسوء في الحالة ديه بيكون الطرف الاول مش شايف الطرف التاني و هنا انا مقصدش ” مش شايف ” بالمعنى الحرفي ..
قصدي انه بيبقى شايف شخص غيره مكانه و الشخص ده بيكون شكل مرحلة مهمة في حياته ، حبيبة سابقة ، زوجة سابقة ، أخ او أم فيبدأ يتعامل مع شريكه في العلاقة ع الاساس ده و مش بنفس المشاعر بس لأ كمان بنفس وجهة نظره و ردود افعاله اتجاه الشخص اللي شكل اهم مرحلة في حياته و فضلت مأثرة عليه كأنه شايفه في وش شريكه …
توقفت تتأمل ملامح الصراع تزحف على وجهه و استكملت بطريقة حثيثة كأنها تسير على طبقة هشة من الجليد :
– و انت يا عمار لما لقيت بنت من الطبقة المتوسطة عندها نفس تصميم و شجاعة أمك حبيت تنتقم من والدتك فيها فبقيت حابسها و مقيدها بشروطك و متخطيش خطوة واحدة غير لما تاخد اذنك يعني عاملتها بنفس الطريقة اللي كنت عايز أبوك يعامل بيها والدتك عشان تبطل تخونه و تجرح مشاعرك و للسبب ده كمان كنت رافض تخلف منها عشان خفت ابنك يعيش نفس معاناتك من جهة.
ومن جهة تانية كنت عايز تحولها لشخصية عديمة الحياة و مجرد آلة تنفذ أوامرك ملهاش كلمة مسموعة و على طول بتنظلم … زيك لما كنت طفل صغير.
فلما بدأت مريم تطالب بحقوقها زاد شعورك بعدم الاستحقلق و بقيت منزعج و خايف تتخلى عنك و رجع عقلك يصورلك كل مشاهد الخيانة و الشك الغير مبرر و ده خلاك تفتكر انها هربت مع راجل تاني ساعة لما اختفت من المشفى.
صوت عقارب الساعة المعلقة على الحائط كان لها إيقاع رتيب يرخي الأعصاب فساهم في إدخال عمار في جو الجلسة و بدى من عينيه الواجمتين و عضلاته المتشنجة انه يسعى للتركيز في كل كلمة ، و بالفعل كان ما تقوله الطبيبة صحيحا فعند التدبر في الأمر وجد نفسه قد عاش كل ما تسرد عليه الطبيبة ، و أدرك في لحظة ما أن حياته السابقة كانت مليئة بالأمراض التي أثرت عليه و على غيره.
كان يريد قمع مريم بدون شعور منه ، هذا لأنه رأى فيها القوة التي لم يمتلكها هو في صغره و كلما وجدها تنقاد لأوامره زاد تجبره عليها ، و لذلك تغيرت فكرته اتجاه مريم عندما تغيرت هي و أصبحت لا تقبع تحت سلطته بل صار يشجعها على إنجازاتها ، ربما لأن ضعفها الذي كان ينمي شعور القوة بداخله قد كان يكرهه في نفس الوقت لأنه يذكره بنفسه فعاش تناقا عظيما أسفر عن ضحايا كثر …
___________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه و بمشهد عمار و مريم ؟
عادل هيقدر يقلب كل حاجة على رأفت و يحطه في وش المدفع ؟
يوسف هيفهم ان مريم مستحيل تكون ليه في يوم من الأيام و هل عمار هيعرف بمشاعر صديقه ناحية زوجته ؟
رايكم بمشهد الجلسة العلاجية هل انتو شايفين ان كلام ريماس صحيح و عمار كان عايش تناقضات كتيرة في حياته من غير ما يحس ؟
أول درجة فوق الصفر.
_________________
– اول مرة بشوف نفسي بالسوء ده …معقول اطلع وحش للدرجة ديه ؟
همهم عمار بشرود فقضبت ريماس حاجباها و نهضت لتسحب الكرسي و تجلس مقابلة له تماما ، ثم نظرت له بتركيز قائلة :
– مادام انت اتقبلت أنك محتاج مساعدة و جيت علشان تتعالج و بتضغط على نفسك علشان تصلح أفكارك و تصرفاتك فده بيثبت انك مش انسان سيء بالعكس الخطوة اللي عملتها بتدل على ان في جواك نقطة لسه نظيفة متأثرتش بماضيك و حاضرك و كونك بتستجيب للعلاج فده بيعني انك مش وحش … و حتى انك بتحب بطريقة جميلة اوي.
رفع عمار رأسه اليها و همهم بشرود وكأنه يحدث نفسه :
– حب ؟
ابتسمت ريماس و تابعت بعاطفة :
– رغم كل تصرفاتك الأنانية في الماضي و عقدك فده مبيمنعش حقيقة انك بتحب مريم انت حبيتها بإختلافها و تميزها و ضعفها و قوتها و حبها و كرهها ليك … ولو بعد كل اللي هي عملته انت متجرأتش تأذيها و لسه صابر عليها و مستنيها تتكلم و عماله تشجعها من غير ماتحس و قررت تتعالج و تتكلم عن أسرارك اللي بقالها سنين طويلة مخبيها بس علشان متأذيهاش في لحظة غضب ف ده بيعني حاجة واحدة بس وهي أنك بتحب مريم … و حبك ليها جميل و قوي بشكل بيخلي اي ست تتمنى تلاقي زيه في حياتها.
صعقت ملامحه و تهدجت أنفاسه حتى انعقد لسانه لكنه لم يلبث أن هتف بمكابرة :
– انا مبحبش حد هي كانت مراتي و طبيعي اسأل عليها بس انا … مينفعش.
– ليه مينفعش ؟ انت بتقدر تحب اي واحدة سواء مريم او غيرها.
حاد بعينيه نحوها و استطاعت ريماس التقاط لمعة الانكسار من عينيه والتي قد أخفاها سريعا وهو يجيبها ببلادة :
– انا والدي كان بيعشق والدتي و متعلق بيها بس هي عملت ايه ؟ كانت بتخونه و تروح لحضن راجل تاني و فرضا مريم مش خاينة او ايه اللي هيخلي واحد عاش حياة معقدة زيي تكون ليه علاقات مثالية من غير مشاكل و سلبيات سواء مع مراتي ديه او مع ست غيرها يا دكتورة.
رفعت ريماس حاجباها و قالت بهدوء :
– ليه فاكر انك لازم تكون Perfect man ( رجل مثالي ) عشان تحب و تتحب يا عمار ، و ليه مستني من شريكك انه يكون معصوم من الخطأ ! مفيش انسان في الحياة ديه بيبقى كامل ولا عيشته كلها مثالية احنا كلنا بشر بنفرح و نزعل و نضحك و نعيط و بنمر بمشاكل و امتحانات مش المهم مش غلطاتك او سلبياتك و مشاكلك المهم هو انك تتقبلها و تحاول تصلحها عشان متأثرش عليك.
و لما انت تبقى فاهم نفسك كويس و تتقبل حقيقتك ساعتها مش هيهمك رأي الناس فيك و هتقدر تتجاوز كل حاجة.
كان شاردا بها و يستمع لكل حرف تقوله بتركيز و حتى كلماتها كانت كالبلسم على جروحه التي لم تجف قشرتها بعد إلا أن تطبيقها صعب بل شبه مستحيل فهو من تربى وسط عائلة لا تهتم سوى بالمظاهر و الكماليات ، و تَعَلَّم أنه من المعيب أن يبدو عمار البحيري بصورة تظهر حزنه او ضيقه و ضعفه ، فتعمد جرح المقربين منه لكي لا ينجر خلف عواطفه اتجاههم فيبين لهم مأساته في لحظة ضعف منه.
أفاق عمار من شروده و التمعت زيتونيتاه وهو يتحدث بخفوت مبتسما :
– انتي بتقولي ان مفيش انسان كامل و الكل عنده ايجابيات و سلبيات … معقول الكلام ده بينطبق عليكي انتي كمان ؟
رمشت ريماس عينيها مستفهمة :
– اشمعنا ؟
تنهد و اعتدل في جلسته يشرح لها وجهة نظره :
– يعني انتي دكتورة ناجحة و لطيفة اوي و كلامك مريح و بيطمن اضافة ل انك جميلة كمان مش فاهم ايه اللي بيخلي ست زيك تكون عندها مشاكل و تعقيدات في حياتك و ممكن تأذي غيرها.
ألقى ما بجعبته و انتظر اجابتها السريعة كما تعود عليها و لكنه تفاجأ بصمتها الغريب هذه المرة وهي تحدق به قبل أن ترمش وهي تحمحم ضاحكة :
– لا أنا زيي زي غيري بس بساعد نفسي لما اساعد الناس المحتاجة ليا.
بادلها الضحكة برصانة فنهضت ريماس و عادت لتجلس على كرسي مكتبها مرددة بعملية :
– انت لسه بتاخد الادوية اللي كتبتهالك ؟
– ايوة و بقيت اقدر انام بشكل احسن من الاول و الصداع خف كتير.
رد عليها فأماءت الأخرى برأسها مهمهمة :
– تمام وقف برشام **** و استمر بالتاني بس متاخدش منه اكتر من مرة في اليوم.
– ازاي يا دكتورة انا قدرت انظم نومي بالعافية لو وقفته هرجع تاني زي الاول.
– ده ضروري يا عمار لان مينفعش تقضي حياتك بيها لازم تساعد نفسك بنفسك و صدقنس هتلاقي نفسك احسن بكتير كل لما تقلل الجرعات اللي بتاخدها.
مستنياك الاسبوع الجاي.
استقام عمار واقفا و ابتسم لها بشكر و رحل وهو راض عن نفسه لأنه أخذ أول خطوة فعلية في طريقه نحو العلاج …
________________
في قصر البحيري.
كانت العائلة متجمعة في الردهة لتوديع منال التي ستعود الى زوجها المغترب بعد قضائها أشهرا طويلة في مصر ، و قد ظهر الحزن على الجميع خاصة ندى التي قابلتها بدموع ترقرقت في خضراوتيها الامعتين :
– يعني مبتقدريش تفضلي معانا كمان كام اسبوع.
تنهدت منال بحسرة و حنان أخوي :
– مينفعش يا حبيبتي انا بقالي غايبة كتير بس اوعدك هبقى اكلمك ع طول و هرجع انزل مصر في اول فرصة.
عانقتها ندى بتأثر و ابتعدت لتفسح المجال أمام باقي أفراد عائلتها و منهم عمار الذي دخل للتو ، حمل الخدم الحقائب و أخذوها للسيارة متجهين نحو المطار و ظلت الأخيرة تطالع أختها الكبرى وهي ذاهبة حتى اختفى أثرها فتنهدت هامسة بداخلها أن كل من تحبه و تتعلق به اصبح يتركها و يرحل.
ظلت لدقائق في الحديقة ثم دخلت و تمتمت بإيجاز :
– انا طالعة لأوضتي.
صعدت مسرعة و عندما مرت على غرفة والدها سمعته يتكلم على الهاتف و يبدو عليه الغضب حيث كان يقول :
– انت مش شايف انك مبقتش تعمل شغلك كويس … انا ايه يهمني في الظروف و الفرص اللي بتضيعها !
توجست خيفة و تقدمت بحذر من الباب لتسمعه يتابع بعصبية :
– يعني الصفقة اللي المفروض تتلغى لسه موقعين عليها اليوم الصبح و حتى الخطة اللي عملناها للهمجية الشغالة في الشركة فشلت و مقدرناش نلاقي فرصة نرفدها بيها و نتهم عمار بأن اهماله و تسامحه معاها هو السبب.
فغرت فاها بذهول مما التقطته أذناها فذهبت الى غرفتها و بدأت تلف حول نفسها مفكرة :
– كان قصده ايه باللي ثاله معقول بابي عمل خطط عشان يرفد البنت البربرية من الشركة … بس عمار ماله في الموضوع هو ملوش دعوة …
يعني مهما غلط معايا بس ميستاهلش يتأذى في شغله انا اكتر واحدة عارفة هو تعب قد ايه عشان يوصل للمكان اللي هو فيه دلوقتي.
عضت على شفتها بعبوس و كادت تخرج لتذهب الى عمار وتخبره بما سمعته إلا أنها توقفت فجأة و تراجعت مفكرة بأن والدها سيتضرر ان تكلمت كما أن تلك البربرية تستحق كل ما تناله من سوء بالفعل و حتى اذا مس هذا الأمر عمار سيستطيع تجاوزه كالعادة.
و لهذا اختارت ندى الصمت و اكتفت بحزنها على أختها التي سافرت ولن تعود إلا بعد أشهر طويلة ربما تدوم لسنة كاملة ، فجلست على الأريكة وهي تفكر بأنه مهما قست عليها أختها في بعض الأحيان الا انها كانت بئر لأسرارها بعد عمار بالطبع.
و الآن منال سافرت ، و ابن عمها لم يعد يملك الحق في سماع همومها اما صديقاتها فمن المؤكد أنهن لسن جديرات بمعرفة أحزانها لأنها لو أخبرت واحدة منهن فقط ستجد كل ما يخصها معروض على الأخريات بعد يوم واحد فقط !
زفرت ندى بحسرة و دخلت الى حجرة تغيير الثياب لتبدل ملابسها فصادف أن لمحت داخل خزانتها غرضا ما.
رفعته بين يديها مطالعة قطعة الحرير و تذكرت اين حصلت عليها منذ أيام عندما كامت في الحديقة جالسة بمفردها و مستسلمة لأحزانها …
Flash back
( أحنت ندى رأسها تستعد لموجة بكاء جديدة قطعتها يد ظهرت من العدم حاملة منديلا رماديا وصلتها منه رائحة عطر رجولي ، فرفعت وجهها على الفور و تفاجأت عندما رات يوسف يقف فوق رأسها باِبتسامة لطيفة.
ارتبكت سريعا و همت تخفي دموعها فقال :
– لازم تدي لكل حاجة في الدنيا ديه حقها حتى دموعك … متتكسفيش بيها لانها الوحيدة اللي تقدر تعبر عن مشاعرك.
لم تعلق عليه فأشار لها يوسف بالسماح له لتهز رأسها موافقة و تزيح حقيبتها ، و جلس الأخير بعدما أعطاها المنديل مقترحا عليها :
– This handkerchief has a magical effect.
و لما قلت عنده تأثير سحري متفكريش اني ببالغ لأنه بجد اول ما تحطيه ع وشك دموعك بتختفي فورا…)
back
تحسست ندى المنديل و تذكرت يوسف ذلك اللطيف الذي وقع في عشق زوجة صديقه التي دمرت حياتها ، فإبتسمت ساخرة وهي تفكر من أكثر شخص سيء الحظ بينهما ثم التقطت هاتفها و طلبت رقمه …
بعد ثوان سمعت صوته الهادئ الذي لم يستطع اخفاء نبرة التعجب به :
– ندى … اهلا وسهلا.
– Hi … ازيك يا يوسف اتمنى مكونش عطلتك عن حاجة.
تمتمت بتردد ليجيبها بأنه متفرغ فأردفت :
– Can we meet today?
تساءلت إن كانا يستطيعان اللقاء اليوم فنال الاستغراب من يوسف أكثر و أجابها بحذر :
– Yes , of course بس في حاجة ؟
سحبت ندى نفسا عميقا و زفرته على مهل قبل أن تقول :
– انا مضايقة اوي النهارده و محتاجة اكلم حد وملقتش غيرك … بس لو انت مش …
قاطعها بلباقة :
– ماشي تحبي نلتقي فين مطعم *** مناسب ليكي ؟
– ايوة مفيش مشكلة.
ودعته مؤقتا و ذهبت تختار طقم اليوم فاِرتدت فستان أزرق سماوي يصل الى فوق الركبة بقليل مع حذاء باللون البيج خريفي ذو كعب و معطف من نفس اللون ، اختارت اكسسواراتها بعناية و صففت شعرها البني قبل أن تلتقط حقيبتها و تغادر …
_______________
داخل شقة مريم.
كانت جالسة تتصفح الرسائل التي وصلتها عبر الايميل و تدون ملاحظاتها على الأوراق حتى رن هاتفها فأجابت ببهجة بعدما قرأت اسم المتصل :
– الو ازيك يا محمد عامل ايه.
رد عليها بنفس انفعالها :
– بخير الحمد لله و انتي عاملة ايه.
أخبرته بأنها بخير كذلك فاِستطرد :
– اتصلت بيكي علشان اعزمك على فرحي الاسبوع الجاي أمي و ثريا عزموكي لما كلموكي امبارح اساسا بس انا بأكد عليكي اهو.
عبست مريم و قالت بحيرة :
– والله مش عارفة يا محمد يمكن مقدرش احضر.
– متحضريش ايه انتي بتهزري !
زمت شفتها بأسف وهي تشرح له :
– انا لازم اخد اذن من الشغل بس مش متأكدة اذا هيوافقو ولا يرفضو انت عارف انا بشتغل عند مين … خاصة ان في حاجات كتيرة حصلت و عمار زي ما حكيتلك كان فاكر ان انا وانت في حاجة بيننا علشان كده هربت معاك.
تضايق محمد و غمغم بجدية :
– بس انتي شرحتيله الوضع و قولتيله اني ببقى ابن خالتك و زي أخوكي بعدين عمار ده ملوش حق يمنعك بصفته جوزك اساسا لأنكم في حكم المنفصلين دلوقتي وهو اللي مش راضي يطلقك … ولا في حاجة تانية احنا منعرفهاش ؟
كادت تحكي له عن آخر المستجدات وأنها أصبحت غير متأكدة من حقيقة اتهامها له خاصة أنه بدى مصمما و بجدية على اكتشاف سبب هروبها ، لن تكون حالته بهذه الشكل لو كان مخطئا وقتل طفلها بالفعل.
غير أنها تراجعت بعدما قررت أنها لن تعكر مزاجه و فرحته بقصصها الكئيبة فغيرت الموضوع هاتفة :
– لا مفيش حاجة انا هطلب اذن و ان شاء الله يوافقو … احكيلي ع التجهيزات اللي عملتوها.
مر الوقت وهما يتحدثان حتى أغلقت معه ولم يمر سوى دقيقتان قبل أن يراودها اتصال آخر و كان من رقم مجهول ، توجست مريم ولم تحبذ الرد غير أن الرنين المستمر ازعجها ففتحت الخط منزعجة :
– ألو.
– انا شايف ان حضرتك رجعتي اتخدعتي في عمار البحيري تاني و بطلتي تحاولي تنتقمي منه ع اللي عمله بيكي.
اندهشت من حديث هذا المجهول و كانت ستسأل عن هويته فتذكرت الرجل الذي اتصل بها منذ 3 أشهر تقريبا و كشف لها عن مراقبة عمار لها في السابق فرجحت انه نفس الشخص لذلك قالت بنزق :
– انت بتقول ايه و مين انت اصلا.
– انا نفسه اللي عرفك من قبل عن خطط عمار البحيري ضدك و حذرتك منه لأنه أذاني هو و عيلته بس انتي طنشتي و فلوسه و شركته نسوكي في ابنك و …
قاطعته مريم عندما نهضت و صرخت فيه بعصبية :
– اخرس مش انا اللي تغرني فلوس اي حد وبعدين انت بتكلمني بصفتك مين ايوة اللي قولته بخصوص الكاميرات طلع صحيح بس ده ميعنيش اني ممكن اثق في كلام واحد معندوش الجرأة يظهر نفسه حتى.
تمالك سليم نفسه و نظر الى عادل الذي يحثه على المتابعة فقال بهدوء :
– و انا نفس الشي مقدرش اخاطر و اظهر نفسي لواحدة ممكن تنخدع من كلمتين و موقف حلو و تنسى اللي سمعته و شافته حضرتك يا مريم هانم كنتي قدوتي لما طلعتي و فضحتي حقيقة عيلة البحيري و توقعت منك تاخدي حقك و حق كل اللي اتظلم منهم بس مع الاسف نسيتي خياناته المستمرة و اهاناته و قتله ل ابنك.
شعرت بنفسها أنها على وشك الانفجار و احمرت عيناها باِنفعال غير غافلة عن كلماته التي عادت لتغرز السكاكين في قلبها و تشعله بنيران الشك مجددا ، و كادت تنساق وراء كلامه لولا استعادت رشدها و هتفت بثبات :
– انا منسيتش حاجة بس كمان مبقتش اعمل اي خطوة غير وانا متأكدة و على فكرة انا هدور على الحقيقة بنفسي فلو حضرتك بجد مظلوم ونفسك تنتقم من عمار وريني وشك عشان نقدر نتفق مع بعض غير كده ياريت متتصلش بيا تاني.
أغلقت مريم الخط و رمت الهاتف على الطاولة برعونة قبل أن تصاب بالجنون فتحمل تحفة أثرية و تلقيها على الحائط صارخة بهستيرية تزامنا مع انهيار تماسكها الهش و اجهاشها بالبكاء.
هي لم تنس طفلها ، لم يمر يوم واحد عليها إلا وهي تتخيله شكله و تعد كم كان سيصبح سنه لو لم يمت … لو لم يقتل بوحشية …
فطفقت تضغط على بطنها و وهنت ساقاها اللتان أصبحتا كخيط رفيع من الهلام وهي تقع على الأرضية الباردة … و ذاكرتها مقيدة بأطياف ذلك اليوم …
( عندما وقعت بين يدي خالتها وهي تنزف بقوة …. و ذكرى أخرى لها مع طبيبها الذي جلس مقابلا لها بينما تنتظر هي شحذه لنصل كلماته الحاد الذي ذبحه بها من الوريد الى الوريد عندما حدجها بنظرات عملية تخللتها بعض الشفقة وهو يبرطم عن نتائج التحليلات الطبية و يخبرها كم تضرر رحمها بفعل المادة المسمومة ..
ثم انقلب عالمها رأسها على عقب بينما يتنهد الطبيب و يلقي عليها آخر كلماته :
– مع الاسف المبايض تأثرت بدرجة قوية جدا بسبب الحادثة اللي حصلتلك … و نسبة قدرتك على الحمل مرة تانية شبه معدومة … ).
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)