رواية نيران الغجرية الفصل الخامس عشر 15 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الخامس عشر
رواية نيران الغجرية البارت الخامس عشر
رواية نيران الغجرية الحلقة الخامسة عشر
” فقد كنت و مازلت أؤمن أن إظهار الإهتمام هو إظهار للحب ، لا حب بلا إهتمام ، أو بالأحرى لا تخبرني أنك تحبني ، إهتم بي و سأعرف لوحدي ! ” # ليطمئن_قلبي_أدهم_الشرقاوي
توقف بسيارته أمام بوابة القصر و تركها إلى الحارس ليأخذها للجراج الخاص بسيارات العائلة ، نظر إلى ساعة يده ووجدها الثانية بعد منتصف الليل فتأوه بإرهاق متمتما :
– على أساس أن وليد طلبني عشان نسهر سوا بس خدعني و خلاني أراجع ملفات الشغل وانا هموت من تعبي.
دلك صدغيه و دخل بخطوات هادئة مجاهدا نفسه ليستقيم فلقد مرت ثلاثة أيام وهو في شقته يعتني بمريم و يهتم بإحتياجاتها ، كان يقضي الليل ساهرا فوق رأسها خوفا من ان تتعب مجددا ثم يستيقظ صباحا ليجهز لها الأكل و الأدوية التي أوصته الطبيبة بجلبها بعدما أحضرها لمنزله لكي تفحصها.
وبعدها يذهب الى عمله و يعود في المساء حتى تحسنت مريم تماما فودعها تاركا إياها مع صديقتها هالة البغيضة والتي يمقتها بشدة و متأكد من أن الأخيرة تكن له نفس الشعور ، لكن على كل حال من الجيد أنه أخذ إحتياطاته ولم يصب بالعدوى.
تثاءب عمار وشعر برغبته في شرب الماء فإتجه إلى المطبخ و تفاجأ هناك بوجود إبنة عمه ليستفهم بتعجب :
– ندى إنتي بتعملي إيه هنا في الوقت ده.
شهقت بفزع و التفت نحوه لتتنهد براحة عندما رأته :
– ده انت خضتني … الصراحة انا قلقت ولقيت نفسي جعانة فقولت أعمل سلطة فواكه بدل ما افضل جعانة تحب اعملك معايا ؟
لوى شفته بعبوس عندما رآها كيف تعذب ثمار الفاكهة المسكينة فأزاحها جانبا ملتقطا السكين من يدها :
– الموز مبيتقطعش بالطريقة ديه انتي كده بتعذبيه … و التوت مبيتقطعش اصلا لا بترميه زي ما هو عشان تحسي بطعمه كويس و كمان الفراولة مينفعش تجيبيها طرية اوي كده هتبوظ منك.
راقبته ندى وهو يقطع الفواكه بإحترافية شديدة كأنه شيف عالمي فحدثت نفسها … ” مالذي ينقص هذا الشاب لكي يكون مثاليا إنه وسيم و رياضي و مسؤول و غني و ذو كاريزما عالية إضافة لإيجاده فنون الطبخ كما أنه مهذب و لبق .. إنه حقا حلم كل فتاة “
إلتقطت ندى هاتفها تصوره وهو يعد السلطة حتى أنهاها ووضعها على طاولة صغيرة هاتفا :
– مش هتبطلي العادة بتاعتك ديه أنك تقعدي تتفرجي على الأفلام بتاعتك و تتمكيجي و تكلمي صحابك و تتصوري و مترضيش تنزلي تتعشي بعدين تجوعي و تجي تدوري على حاجة تاكليها.
ضحكت ندى معلقة :
– طبعي كده أعمل ايه يعني … زي ما انت متعود تختفي من البيت فجأة و تغيب بالأيام.
سكت عمار ولم يعلق عليها و انشغل بما يفعله ، و بعد دقائق جلست مقابلة له وهي تهتف بمرح :
– و ده العصير انا اللي طلعته من الفريزر اشكرني.
إبتسم الآخر مهمهما :
– متشكر اوي انا معرفش هودي جمايلك ديه فين يا شيف الشربيني.
غمزت له ندى ممازحة :
– بذمتك مش انا لايق عليا تمدحني.
رفع عينيه مجاريا إياها في كلامها وللتو لاحظ أنها ترتدي ثوبا صيفيا لا يناسب الجو البتة بحمالات رفيعة تظهر عنقها و كتفيها و جزء من صدرها بسخاء ثم يصل إلى أعلى ركبتيها بكثير كاشفا عن ساقيها و تلف إيشارب ملون على شعرها فأعطاها شكلا لطيفا لاءم طبيعتها.
تنحنح عمار و غض بصره عنها مبرطما بإيجاب لتسأله وهي تأكل :
– انت كنت فين باين عليك تعبان اوي.
تثاءب مجددا و رد عليها :
– كنت في المكتب مع وليد و الشغل كان متعب اوي النهارده.
أضافت وقد وصلتها منه رائحة عطر نسائي مختلطة مع رائحة السجائر :
– لا انا بقصد كنت فين الأيام اللي فاتت انت خرجت في نص الليل و الجو كان بيرعب و كلنا قلقنا عليك.
لعق عمار شفته يشعر بالضيق من أسئلتها فكاد يرد لكن ندى إستطردت بإبتسامة :
– متفكرش إني بستجوبك يا عمار انا سألتك من خوفي عليك لو مش عايز تقولي براحتك بس اذا فكرت تتكلم فأنا موجودة …. انت عارف اني دايما موجودة علشان أهون عليك.
وضعت كفها على يده بلطف فإبتسم عمار ، بالفعل إبنة عمه لطالما كانت تخفف عليه بطريقة غير مباشرة مزاحها و ضحكاتها المستمر كافية لتخرجه من حالته ولو لفترة مؤقتة ، شتان بينها و بين مريم
فندى فتاة حيوية تجيد إضحاكه بأعلى صوته بسبب خفة دمها و عفويتها ليجد نفسه منشرح الصدر معها.
أما زوجته فهي إمرأة هادئة الطباع يجد معها السكون و الدفئ و الإنبهار و الإشباع الجسدي … و شيء آخر غريب لا يستطيع التعبير عنه ..
و حقا لا يعلم كيف إستطاع ذلك الوغد عثمان التعرض إلى إبنة عمه و إرهابها نفسيا فعمار لا يتخيل نفسه يؤذي ندى بأي شكل من الأشكال بل على إستعداد تام لحمايتها ممن ينوي أذيتها.
أفاق عمار من شروده عليها وهي تسحب كرسيها و تلتصق به كادت تقع لكنه أمسك بها من خصرها هاتفا بخشونة :
– خدي بالك.
إنتفضت من لمسته المفاجئة لكنها إستطاعت السيطرة على نفسها متمتمة :
– انا عايزة ناخد سيلفي و احنا كده و انزلها ع الواتس و الأنستجرام بتاعي.
– ماشي.
اعتدلت ندى في جلستها و التصقت بجسده وهي تضع رأسها على كتفه ملتقطة الصورة ، ثم إستدارت اليه فجأة و قالت بشيء من الإنزعاج :
– يووه دبوس الشعر هيقع مني و الغرة بتاعتي نزلت على وشي و مدايقاني ارفعها Please علشان ناخد صورة تانية.
مد عمار يده يعدل خصلات شعرها و أثناء ذلك كانت ندى تقترب منه بعفوية لتسهل ما يفعله إلا أنها فجأة توقفت وهي تجد نفسها شبه ملتصقة به لا يفصل بين وجهيهما سوى بضع سنتيمرات ، فإضطربت ملامحها و نبض قلبها بشكل عنيف أثار حفيظتها ، و فزعت لكونها تشعر بأنفاسها تختنق و الفراشات تحوم بمعدتها مخلفة إحساسا مؤلما و لذيذا بنفس القدر عند الإقتراب منه هكذا ، يا إلهي مالذي يحدث معها الآن !!
توردت وجنتاها متأملة إياه وهو يحط بعينيه الزيتونين عليها ، ثم وقعت عيناها على شعرة سوداء طويلة ملتصقة بكتفه ولم تكن هذه أول مرة تلاحظ بها وجود مثل هذه الأشياء لكنها للمرة الثانية بعد الحفل السابق تشعر ندى بضيق من فكرة تواجده مع إمرأة أخرى و حزن لم تعرف سببهما.
إبتسمت ندى عندما وجدت عمار يتأفف بإمتعاض :
– ما تقصي شعرك ده و تريحي نفسك مش فاهم ليه انتو البنات بتسيبو شعركم يطول كده.
همست ندى برقة :
– انت بتكره الشعر الطويل.
أجفل مكانه و للحظة تذكر شعر مريم الغجري الطويل الذي يعشق لمسه خاصة عندما يخلل أصابعه بين خصلاته و يشم رائحة الزيت العطري عليه ، شعر بجفاف حلقه فإزدرد ريقه و أجاب :
– لا مبكرهوش بالعكس بحبه.
إتسعت إبتسامتها أكثر :
– و بتحب البنت تبقى بيضا ولا سمرا عينيها ملونة ولا عادية.
” أفضلها سمراء بعيون سوداء حادة ” تحدث عمار بداخله ثم اردف بجدية وقد وقف بعيدا عنها :
– معنديش تفاصيل معينة لسه مفكرتش في اللي بحبه في البنت.
همهمت بخفوت و مدت له يدها بالشوكة ليأكل معها ، و بعد إنتهائهما حمل عمار الطبق وضعه بداخل الحوض فإتبعته ندى متكلمة بنبرة مدللة لطيفة :
– طب قول الصراحة إيه رأيك فيا ؟ اقصد انت شايفني ازاي يعني.
– بتسأليني الأسئلة ديه ليه.
– عادي عايزة أعرف فضول مش أكتر.
همهم عمار صامتا بعض ثوان ثم إبتسم :
– شايفك بنوتة صغننة لطيفة و دلوعة و عفوية و رغم أنك بتعملي حاجات غلط أحيانا بس لسه على براءتك يمكن انتي الوحيدة اللي معملتيش تصرف يزعلني منك الوحيدة اللي بقعد معاها وانا متأكد أنها مش هتضايقني ، و كمان جميلة و قلبك طيب و حنين و بسكوته في نفسك كده.
عضت ندى على شفتها بذهول و همست بلهفة خجلة :
– معقولة انا بالنسبالك كل ده … أنا حلوة فعينيك للدرجة ديه.
هز عمار رأسه و زيتونيتاه تلمعان بأسى لم تتبينه :
– اوعى فيوم من الأيام تسمحي لحد أنه يقهرك و يطفي شغفك ده متخليش ضحكتك تغيب عنك و ابعدي عن كل اللي يأذيكي و افضلي نظيفة من جواكي يعني خلي قلبك زي لون وشك
white cotton ( قطن أبيض ) … يلا تصبحي على خير.
تركها و صعد إلى غرفته بهدوء نزع كنزته و إرتدى ملابس مريحة ثم دخل في الفراش و أمسك هاتفه ليدخل إلى المعرض و يرى صورها ….. الغجرية البربرية الهادئة في نفس الوقت.
تنهد و أراد الأتصال بها لكنه خشي أن تكون نائمة فيزعجها لذلك تراجع مهمهما :
– حتى سيستم الكاميرات عطلان أنا لازم أركب كاميرا تانية بدالها بس ازاي وهي مش بتخرج من البيت الأيام ديه.
تنهد و رمى رأسه على الوسادة متثائبا :
– هستنى الوقت المناسب علشان ابقى لوحدي في الشقة كده كده هكلمها لما احب اطمن عليها فمفيش داعي اقلق بخصوص الكاميرات.
تطلع لصورتها للمرة الأخيرة ثم أغمض عيناه مستسلما للنوم …
________________
بعد مرور يومين.
إستندت بيديها على أطراف الشرفة تطل منها على الخارج ، مشخصة عينيها على الشارع بهذا الحي الراقي تاركة نسمات الهواء الباردة تعبث بشعرها و تبعث القشعريرة بجسدها جاعلا إياها تسعل من حين لآخر.
أحكمت لف الشال على كتفيها و تركت عقلها يسرح بأشياء عدة ، بداية بلقائها به يوم التخرج ثم مجيئه لقريتها و طلب يدها للزواج وبعدها كل الأحداث المتناقضة التي حصلت بينهما والتي كان يظهر فيها بمنظر الهادئ البارد ذو المعاملة الجافة أحيانا و اللينة أحيانا أخرى …
و بدون شعور منها أغلقت مريم عينيها تستذكر موقفا حدث بينهما في اول سنة من زواجهما عندما جاء إليها بعد غيابه في سفرة عمل دامت شهرين …
Flash back
( سمعت صوت المفتاح يدور بفتحة المقبض ثم يلج و يغلق الباب بتريث ، فتأففت بخنق وهي تطبق بيدها على بطنها التي تصاحبها هذه الآلام الإعتيادية كل شهر ، حاولت مريم رفع نفسها من الفراش وهي تسمع صوته يناديها ثم عضت على شفتها تلعن حظها الذي جعل زائرتها الشهرية تأتيها في هذا اليوم تحديدا فبعد كل ما حضرته لإستقباله بعد رجوعه من سفره هاهي تتعب و تلزم الفراش ، مؤكد أن عمار سيتضايق و يغضب منها الآن لن تتحمل ردة فعله وهي بهذه الحالة أبدا …
تأوهت مريم بكبت حينما رأته يدخل للغرفة يسألها بنبرة حادة :
– انتي صاحية اهو اومال مبترديش عليا ليه وأنا بنادي عليكي ؟
بلعت لعابها ولم تجب فأعاد كلامه بنفاذ صبر :
– مريم أنا بكلمك ! مش معقول تستقبليني بالشكل ده وانا غايب بقالي كتير.
و كان مع كل كلمة منه يقترب حتى إنتبه إلى دموعها المتحجرة و وجهها الشاحب ، إندهش و أشرف عليها وهي مستلقية على السرير يسألها بقلق :
– مالك يا مريم شكلك عامل كده ليه انتي عيانة في حاجة واجعاكي ؟
لفت نظره وضع يدها على بطنها فقال :
– حاسة بوجع في بطنك.
أطلقت مريم أنينا خافتا :
– مفيش مشكلة ده تعب عادي.
إستنكر عمار كلامها مشيرا إلى حالتها :
– لا باين عليه عادي و هيخف … انتي كلتي ايه علشان يحصل معاكي كده.
ضغطت الأخيرة على شفتها وقد تلون وجهها بحرج :
– مش واكلة حاجة …. و ده تعب طبيعي بيحصلي كل فترة.
توقف مكانه وقد فهم مقصدها و فجأة وجدها تجهش بالبكاء واضعة كفيها على وجهها ليهتف بإضطراب :
– انتي بتعيطي ليه طيب إهدي شويا مفيش حاجة !
ثم إستطرد مبرطما بإهتمام :
– في علاج معين متعودة تاخديه ؟
تمتمت من بين شهقاتها :
– انا خدت حباية عشان الوجع … و كنت متعودة اعمل شاي زنجبيل بس مش قادرة أقوم اعمله دلوقتي.
زادت دموعها بشكل أكبر فنهض عمار متجها إلى المطبخ يعد شاي الزنجبيل ثم أخذه لها ، شرع يراقبها وهي تشرب منه و يمسح دموعها مبتسما لها حتى إنتهت و إستلقت على جانبها الأيمن معتقدة أنه سيغادر الآن بعدما خيب أمله في قضاء ليلة حميمية لكنها ذهلت عندما أحست به يحاوطها من خلفها و يضع كيسا حافظا للحرارة معبأ بماء دافئ أسفل بطنها.
تعجبت مريم لكنها لم تعلق بل تركت جسدها يتنعم بهذا الدفئ وهي تفكر محرجة أنها قابلته بشكل سيء ووجه شاحب كالموتى و دموع بائسة بالتأكيد ستبقى هذه الصورة المنفرة في عقله ولن ينساها أبدا.
أغمضت عينيها تكتم شهقاتها لتشعر بعمار يضع شيئا على شفتيها فنظرت ووجدته يحمل بيده قطعة شوكولا داكنة تبدو من النوع الفاخر فرائحتها الشهية إستطاعت التسلل إلى أنفها و جعلتها تشتهيها بشدة ، سمعت عمار يهمس بصوت رجولي بحت :
– بيقولو أن الشوكولا بتعدل المزاج.
فتحت فمها بإندهاش و إستدارت تنام على ضهرها هامسة بإسمه بعاطفة ثم إنسابت منها الحروف بتقطع :
– انت جايبلي معاك شوكولاطة.
همهم عمار بشجن :
– انا عارف انك بتحبي النوع ده وعلشان كده جبتلك معايا من البلد اللي كنت فيها بوكس مليان منه.
نظرت مريم له و لعينيه الدافئتين فنزلت دمعتها بتأثر وهي تتناول القطعة من يده مستلذة بها تحت تطليعاته و عند إنتهائها و عودتها لوضعيتها السابقة سمعته يهمس فوق أذنها مباشرة :
– انتي كل مرة بتتعبي كده وانتي قاعدة هنا لوحدك ؟
هزت مريم رأسها ببطء و أردفت :
– انا نسيت ان النهارده ميعادها … اسفة لأني ااا….
قاطعها عمار بجدية :
– انا مش وحش لدرجة اهتم بمتعتي و اتضايق لما ألاقيكي تعبانة متفكريش في الكلام ده.
ادخل قطعة أخرى في فمها و هذه المرة كانت تبتسم بسحر من جمال هذه اللحظات بينهم فهي لم تتوقعه أن يكون بهذا الحنان و التفهم أبدا …. تنهدت براحة و شيئا فشيئا خفت الوخزات و أصبحت تشعر بتحسن كبير حتى سيطر عليها النعاس و أغمضت عينيها مستسلمة للنوم بين أحضانه ….. ).
Back
تأوهت بتأثر لتلك الذكرى و همست :
– في الليلة ديه مشاعري بدأت تتحول من إعجاب لحب … انت سألتني امتى حبيتك وانا بشوفك مرة كل شهر إعتبرت أن مشاعري ليك مش حقيقية بس أنا يا عمار حبيتك فكل موقف حنين منك … لما كنت تحضني و تبتسملي و تعتني بيا و تضحك معايا و تغازلني …. كل مرة كنت بشوف منك إهتمام بالحاجات اللي أنا بحبها الألوان و استايل اللبس و الكتب كنت احبك اكتر …. هي مجرد مواقف بسيطة بالنسبالك و قليلة بس كانت كفاية علشان أحترمك و أحبك.
نفثت بالهواء بحسرة و مشهد تلك الليلة يمر كالحلم حتى إنتفضت فجأة وهي ترتد إلى الخلف كالممسوسة و عيناها تتسعان بشدة وقد إنتبهت لشيء كان غائبا عن بالها …. إن دورتها لم تأتها منذ حوالي شهرين على غير العادة و هذه أول مرة يحدث معها هذا الشيء فهي لم تعاني يوما من إختلالات هرمونية بجسدها اما الآن تأخرت زيادة عن اللزوم ومن شدة إنشغالها في أحزانها نسيت الأمر تماما.
وضعت مريم يدها على فمها تزدرد ريقها بإرتجاف وهي تفكر في إحتمالية حدوث ما يطرأ على بالها الآن ، إنها تعاني منذ فترة من الغثيان و تقلبات في الشهية و تعب و إرهاق مستمرين ، إضافة إلى إنتفاخ جسدها و الذي لم تنتبه له إلا الآن ، دورتها الشهرية متأخرة و أيضا …
كانت قد نسيت أخذ حبوب منع الحمل اكثر من مرة و هذا قبل شهرين بالضبط … هل يمكن أن تكون … لالا.
غادرت الشرفة و ذهبت للصالة وهي تهز رأسها بسرعة متمتمة :
– أنا بفكر في ايه بس معقول علشان ميعادها اتأخر اقلق كده ما ده عادي بيحصل مع ستات كتير.
شعرت بجفاف حلقها فشربت رشفتين من الماء و عادت تدور حول نفسها قبل أن تلتقط هاتفها و تبعث بأصابع مرتجفة رسالة إلى عمار تستأذنه في حضور رفيقتها هالة إليها لأنها تشعر بالملل و بعد دقائق أجابها بنعم.
أخرج الهواء من فمها دفعة واحدة ثم إتصلت بصديقتها و عندما فتح الخط قالت مباشرة :
– هالة ممكن تجيلي و تجيبي معاكي جهاز تست الحمل …. جيبيه بس وانا هبقى اشرحلك لما أشوفك و اه ياريت تجيبيلي اكتر من واحد عشان عايزة اتأكد … ماشي متطوليش.
أغلقت مريم الخط و مررت يدها على وجهها متمتمة برجاء :
– لأ مستحيل مش ممكن ده يحصل دلوقتي مش في الظروف ديه بالذات لأ يارب أرجوك.
_______________________
في مؤسسة البحيري للصناعة ، داخل مكتب رأفت البحيري.
– يعني البنت ديه هي اللي كان عمار على طول قاعد معاها ؟
نطق بشدة وهو يتطلع إلى الصور أمامه بينما أجابه الآخر بثقة :
– أيوة يا فندم إحنا صح ضيعنا عربية إبن حضرتك بس قدرنا نوصل لكاميرات المراقبة في الشوارع اللي كان بيعدي منها و ف اخر مرة الست ديه كانت راكبة معاه فعربيته …. أما الصورة ديه بتخص السنة الماضية لما عمار بيه خدها على اليخت و سهرو هناك …. و ديه و هما في الأتيليه و البنت ديه اسمها مريم عبد الرحمن كانت طالبة في جامعة ألسن و في يوم حفلة تخرجها عمار بيه اتعزم كضيف شرف و ألقى عليهم خطاب أعتقد ده كان يوم تعارفهم ….
حضرتك انا قدرت أوصل للمعلومات ديه كلها بس مقدرتش أعرف طبيعة علاقتهم او هي ساكنة فين لأن بياناتها اتحذفت بفعل فاعل من الملف بتاعها في الكلية و لسه معرفناش إبن حضرتك بيروح على فين لأننا دايما بنضيعه بس هنعرف قريبا.
همهم رأفت بشرود وهو يتأمل صور الفتاة ذات الهيأة الغريبة و الفاتنة في نفس الوقت ، مختلفة في سمارها و شعرها و طريقة إختيار ملابسها و إكسسواراتها مظهر بربري ولكنه ملفت للإنتباه ، هل لهذا السبب أعجب إبنه بها و إتخذها عشيقة سرية له هل أحبها لدرجة الإهتمام بها و إقامة سهرات لها و قضاء ليال طويلة معها ترى ما بها هذه الفتاة دونا عن باقي النساء لتسحره هكذا ؟؟!
زفر بضيق و قال :
– و لسه معرفتوش مين اللي بيراقب عمار غيركو ؟
أجاب بنفي :
– للأسف لأ يافندم اللي كان بيلحقه كنا بنضيعه هو كمان فنفس الوقت اللي بتختفي فيه عربية عمار بيه و انا بعتقد انهم وصلوله قبلنا بس الغريب ان بقالهم شهر مختفيين ومحدش ماشي وراه غيرنا.
لوى رأفت شفته بغضب ثم أمر الرجل بالإنصراف و ظل يقلب الصور بين يديه حتى طرق الباب و دخل عمار ، أخفى الظرف في درج مكتبه بسرعة و نظر له نظرة جعلت الأخير يتعجب من تطليعاته :
– خير في حاجة حضرتك بتبصلي كده ليه ؟
– مفيش انت كنت عايز ايه.
وقف عمار مقابلا له ووضع إحدى الملفات أمامه :
– ورق المناقصة انت كنت طالبه … عن إذنك.
– إستنى يا عمار اقعد انا عايز اتكلم معاك.
إستغرب عمار لكنه جلس على أي حال ليتنهد الآخر و ينظر له مباشرة :
– أنا شوفتك من يومين قاعد مع ندى في المطبخ الساعة 2 الفجر.
– أيوة ؟
همهم يحثه على المتابعة فتحدث رأفت بجدية :
– و أكتر من مرة شوفتها بتدخل اوضتك بليل و تقعدو تتكلمو بالساعات و تقضو وقت طويل برا مع بعض و تاخدو صور و تنشروهم أنا على فكرة مكنش عندي مشكلة بالعكس كنت افرح لما ألاقيك بتتفاعل مع فرد من العيلة بدل إنعزالك عننا بس يا عمار الوضع زاد عن حده تقربكم من بعض أوي كده مبقاش ينفع انت دلوقتي بقيت راجل و بنت عمك عندها مشاعر ممكن تتحرك …
قاطعه عمار بذهول و إستنكار :
– أنا و ندى أصحاب عادي ومش معنى اننا مقربين من بعض شويا يعني في حاجة بيننا و أنا صحيح مببقاش مرتاح لما تجيلي الأوضة وانا قاعد لوحدي بس عارف أنها بتعمل كده بعفوية و مبتقصدش حاجة وحشة و اساسا ندى لسه صغيرة و بريئة فمشاعر ايه اللي هتتحرك إتجاهي ديه معتبراني زي أخوها.
صمت قليلا و أردف :
– مش فاهم ايه اللي خلاك تفكر كده عمي عادل قالك حاجة يعني ؟
نفى رأفت وقد تأكد من أن عمار لا يكن مشاعر حب لإبنة عمه و يعتبرها أختا له لكن تصرفاته من الممكن أن تفهم على نحو خاطئ و شقيقه عادل غير منتبه إلى ما يجري حاليا لكن فريال تستمر في مراقبة تحركات إبنتها و يخاف أن تقول لزوجها ما يحدث فيعتقد أن عمار ينوي سوءا بإبنة عمه الصغيرة.
ردد بصلابة و حزم :
– ندى كبرت يا عمار و مبقتش صغيرة لازم تخلو حدود بينكو اعتقد أن لو كان عندك أخت بنت مكنتش هتسمحلها تدخل أوضة ابن عمها و تقعد معاه أو تحضنه و تبوسه و تلبس براحتها قدامه.
تضايق عمار من كلام والده لكنه لم يعترض فهو محق لكن هو متأكد أن ندى تتعامل بتلقائية معه لذلك لا ينزعج منها و رغم هذا سيتصرف معها بحذر من اليوم فصاعدا.
كاد ينهض لكن رأفت أوقفه قائلا :
– مع أن كان نفسي تقولي أن تقربك من ندى سببه أنك بتحبها و عايز تتجوزها بس أكيد هتقولي انا عمري ما فكرت فيها بالطريقة ديه …. ايه اللي ناقصها ندى علشان متحبهاش يا عمار هي بنت جميلة و مثقفة ومن عيلة محترمة و بتقدر تتفاهم معاك كويس.
إتسعت إبتسامة عمار المتهكمة ولم يجب عليه بينما عقد رأفت أصابع يديه معا و مال على سطح المكتب يقول بثقة :
– أوعى تكون بتحب البنت اللي أنت ماشي معاها ديه يا ابني لو ناوي تخليها زوجة ليك و عروسة لعيلة البحيري فأنا بقولك انسى لا يمكن ده يحصل لأن البنات اللي زيها آخرهم للمتعة وبس …. قضي وقت حلو و اتبسط معاها ولما تزهق تعالى وقولي عشان اختارلك عروسة مناسبة تليق بيك.
أطلق عمار ضحكة خافتة أخفى وراءها بركان غضب أنفجرت حممه بفعل حديث والده لكنه رسم على وجهه قناع البرود المعتاد ثم انتصب واقفا و انحنى على رأفت يهمس :
– لا حضرتك ولا غيرك تقدرو تتحكمو فحياتي و تقررو عني … ولو في يوم قررت اتجوز هختار البنت اللي تعجبني و ادخلها القصر و أعيشها وسطيكو يا رأفت بيه … بعد إذنك دلوقتي.
ألقى عليه نظرة قوية واثقة و غادر تاركا رأفت يطالع فراغه محدثا نفسه :
– نفس نظرة أمه و وقفتها و طريقتها في الكلام …. عمار نسخة عن فيروز فعلا طول عمري بشوفها فيه و علشان كده أنا مش هسمحله يتبع قراراته المتهورة و ينهي نفسه …. مستحيل أسمحله يتجوزها و يدمر حياته.
أما عمار فعندما غادر أخذ هاتفه و عبث فيه ليعلم أن مريم أجرت إتصالا للتو مع رفيقتها و لسوء الحظ حتى نظام تتبع مكالمات هاتفها تعطل أيضا و حقا هو لا يعلم السبب و كيف لهذه الصدفة أن تحدث حيث أن جميع طرق مراقبتها أُفسدت فجأة و بنفس الوقت !
________________________
خرجت من الحمام و أغلقت الباب ببطء و مشت بخطوات متهدلة لترمي نفسها على الأريكة تحت نظرات هالة المتوجسة :
– خير يا مريم قوليلي ايه نتيجة التست اللي عملتيه.
تنهدت و أعادت رأسها إلى الخلف هامسة بوهن :
– إيجابي …. جربت 3 مرات و طلعو إيجابي أنا حامل يا هالة.
صدر صوت شهقة هالة بعلو رغم وضعها ليدها على فمها محاولة كتمها لتتابع الأخرى وهي على حافة الإنهيار :
– خلاص انا انتهيت … حياتي انتهت وكل ده بسبب الحمل ده ازاي أنا غفلت و مخدتش إحتياطاتي ازاي يا ربي.
إستغفرت هالة في سرها و حاولت تهدئتها قائلة :
– ده قدر و مكتوب يا مريم نصيبك انك تحملي مينفعش تلومي حد أنا عارفة أن الظروف مش مناسبة بس ….
قاطعتها مريم وقد بدأت شهقاتها الهستيرية ترتفع :
– لأ انتي مش عارفة حاجة أنا متجوزة واحد في السر وهو رافض يعلن جوازنا عشان شايفني مبستاهلش أعيش حياة كريمة قدام الناس انتي مش فاهمة اني سمعت كلام قاسي و اهانات و ذل من عمار علشان بس طلبت يعمل هوية لعلاقتنا مسابش كلمة إلا وقالهالي و جرحني بيها يبقى أزاي هقوله اني حامل مش بعيد يتبرى من الولد و يطلقني أو …. أو يجبرني اجهضه و يحبسني بعدها جوا الشقة ديه هضطر أعيش تحت سقف واحد مع نفس الشخص اللي رفض إبني و قتله !!
عقدت حاجبيها بحدة :
– لا جوزك مش من حقه يعمل حاجة زي ديه هي الدنيا سايبة ولا ايه مبيقدرش يجبرك تنزلي البيبي لو انتي مش عايزة …. وبعدين ايه اللي عرفك ممكن لما تقولي لعمار أنك حامل يراجع حساباته و يوافق أنكم تعلنو جوازكو و على حسب ما انتي كنتي بتحكيلي عنه فهو مش وحش اوي لدرجة يرفض إبنه صح.
خفتت شهقات مريم وهي تستمع لحديث صديقتها و تأملت أن يتحقق ما تقوله بينما إستشعرت الأخرى تأثيرها فهمست مبتسمة :
– ممكن ربنا كتب عليكي تحملي في الوقت ده بالذات عشان يصلح أوضاعك و تتحقق أمنياتك و جوزك الطاووس يفهم أن مبقاش ينفع علاقتكم تتخبى أكتر من كده أنا كان ممكن أقترح عليكي تطلقي منه و تاخدي بعضك و تمشي بكرامتك بس دلوقتي مبقاش ينفع تعملي كده لأن في روح جواكي ليها الحق تعيش.
كلماتها كانت كالمهدئ لأعصابها التي تلفت حتى لم تعد قادرة على قدميها او التنفس يإنتظام فعادت مريم إلى رشدها و قد تسرب الأمل إليها و شيئا من الطمأنينة ، عمار رغم بروده و جلافته إلا أنه ليس برجل يرفض طفله لقد رأت حنانه و عطفه سابقا إذا بالتأكيد عندما يعلم بوجوده سيعلن زواجهما و يتخذها زوجة له أمام الجميع.
حادت بعينيها نحو الخاتم الذي يزين أصبعها البنصر ثم تلمسته هامسة :
– و لو رفض ، لو عمار رفض يعترف ب…
قاطعتها هالة مجددا و هذه المرة كانت نبرتها حادة :
– هيعترف بيه غصب عنه البيبي مجاش من الحرام لا سمح الله علشان ينكره و انتي محملتيش بيه لوحدك عمار لازم يتحمل مسؤولية البيبي و يبطل تصرفاته بتاعت المراهقين ديه.
– معاكي حق ، هو ابننا احنا الاتنين و عمار لازم يتحمل مسؤوليته.
نطقت بصلابة مخفية خلفها هشاشتها و ضعفها فربتت هالة على كتفها بموساة مرددة :
– اتصلي بيه و اطلبي منه يجي.
نفت مريم برأسها في هدوء :
– انا ممنوع اتصل بيه قولتلك قبل كده مش مسموح ليا ارن عليه أبدا مهما حصل.
كتمت هالة مسبة كادت تنطقها و أرفت محاولة تمالك نفسها :
– طيب ابعتيله ميسيج اعتقد ده مش ممنوع.
– هعمل كده بس مش دلوقتي ممكن يكون لسه في المكتب بيشتغل.
رمقتها الأخيرة بإستغراب واضح على قسمات وجهها ، ذلك الطاووس عمار البحيري إستطاع حقا أن يجعل من صديقتها عبدة له ، تنفذ أوامره بالحرف و تخشاه ولا تستطيع نطق كلمة إن لم يسمح لها.
من قال أن العنف يتجلى في الضرب و إطلاق الإهانات و المسبات فقط فيجعل من الطرف الآخر ذليلا ليس له شخصية ؟ هاهو عمار يمارس العنف على مريم بأقسى الطرق النفسية !!
زفرت الهواء بحسرة عليها و إستأذنت للمغادرة ، بينما بقيت مريم مستلقية على الأريكة تضع يدها على بطنها و عبراتها تنزل مبللة وجنتيها بمرارة حتى رن هاتفها و تفاجأت عندما وجدته عمار.
فتحت الخط بعد ثوان متمتمة بنبرة مبحوحة من البكاء :
– ألو.
وصلها صوته الخشن يسألها :
– ماله صوتك عامل كده انتي كنتي بتعيطي ؟
– لأ مكنتش بعيط ….خير انت اتصلت ليه.
كتم عمار تأففه المنزعج من كذبها الواضح و أجاب :
– كنت عايز اطمن عليكي لأني مكلمتكيش ولا سألت على صحتك من لما مشيت من الشقة ، انتي كويسة ؟
تراءت إبتسامة ساخرة على مريم و هتفت :
– أنا كويسة …. بس في حاجة لازم اقولك عليها.
– خير.
– الموضوع مهم اوي و مينفعش اقوله في التلفون تعالى فأقرب وقت عشان تعرفه.
تحفز عمار متأكدا أن هناك شيء خطير حقا خاصة عندما تناهى إلى أسماعه صوتها الذي بدت عليه عليه آثار البكاء و الآن طلبها مجيئه و أنفاسها المتقطعة ، ترى مالذي حدث و ماذا تود إخباره ؟
لكن على أي حال غمغم بهدوء :
– في شغل كتير عليا النهارده مش هقدر أجي بس ممكن بكره.
– ماشي سلام.
أغلقت سريعا و وضعت الهاتف فوق المنضدة اما عمار فظل يتأمل رقمها متسائلا بماهية الأمر الذي يجعل زوجته تتحدث بهذا الأسلوب الجاف معه ، فكر ان يعيد الإتصال بها و يستجوبها لكنه تراجع في آخر لحظة هامسا :
– انتي عايزة تقوليلي على حاجة مهمة ، ماشي و أنا متشوق جدا علشان اسمعه بس وانتي واقفة قدامي و بتبصيلي.
_______________________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)