رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الحادي والعشرون
رواية نيران الغجرية البارت الحادي والعشرون
رواية نيران الغجرية الحلقة الحادية والعشرون
شائبة من الماضي.
_______________________
” اعرض قلبك على من أحببت ، ولكن لا تتوسل الحب ! ”
أشرقت الشمس على مدينة القاهرة منيرة أرجاءها بأشعتها الحارقة في الأيام الأخيرة من فصل الصيف ، لينزعج ذلك النائم و يتململ في سريره منزعجا رنين الهاتف المتصاعد.
رمشت عيون عمار قبل أن يفتحهما و يلتقط الهاتف فاتحا الخط :
– ألو.
– صباح الخير يا عريس ، انت لسه صاحي من النوم ولا ايه لأ فوق معايا كده ورانا مليون حاجة نعملها.
إعتدل في جلسته مهمهما بصوت أجش من فرط نعاسه :
– وليد أنا لو لسه نايم لحد دلوقتي فده بسببك أنت و يوسف أمبارح صممتو نعمل سهرة سوا بمناسبة رجوعه و فضلنا مع بعض لحد الفجر فمتجيش دلوقتي تتتريق عليا.
علق عليه وليد بإستهزاء :
– ده على أساس كنت هتصحى بدري لو مسهرناش امبارح …. عمار فوق يا حبيبي أنت فرحك بعد أسبوع و أي راجل مكانك مكنش هيفضى يحك شعره من كتر إنشغاله و حماسه بس هقول عليك إيه أنت جبله …. يلا جهز نفسك بسرعة و تعالى الشركة احنا هنعمل ميتينج مهم و لازم كل أعضاء الإدارة يبقو حاضرين علشان أسهم يوسف وانت لازم تحضر أول واحد.
– طيب ماشي ماشي مش هتأخر.
تثاءب بكسل و دلف إلى الحمام يغتسل ثم خرج و إرتدى بنطال جينز و قميص أبيض فوقه بليزر كحلي ، صفف خصلات شعره معيدا إياها للخلف و إنتعل حذاء رياضي باللون الأبيض ، وبينما هو يضع ساعة يده توقفت عيناه على خاتم الخطوبة الذي يزين أصبعه.
تنهد عمار و قلبه ينقبض وقد تذكرها.
مر عام ونصف على إختفائها ، ما يقارب 560 يوما بدون رؤيتها ، ولا سماع صوتها و صوت خلخالها.
سنة و بضعة أشهر كانت كافية ليتأكد من أنها لن تعود ، توقف عن البحث عنها و تقدم لخطبة إبنة عمه.
ندى ، الفتاة التي جاءت السيدة سعاد من أجلها قائلة أنه يجب عليهما الزواج لأن زوجته تركته و هو مضطر على الإستمرار في حياته.
و رغم ذلك رفض معللا أنه لا يريدها و إن كان قد حصل اي تقارب بينهما فهذا لم يكن برغبته ، إلا أن وفاة جدته المفاجئ منذ سنة و عقب طلبها بنفسها لأن يتزوجا جعله يفكر في الأمر مليا ، حتى أقنع نفسه بنسيان الماضي و عيش المستقبل …
لذلك وضع الخاتم في يد ندى منذ أشهر قليلة ، و إنتشرت صورهما تغزو مواقع التواصل الإجتماعي و حتى المجلات.
كالعادة ندى التي يصعب عليه دعوتها ب ” خطيبته ” مهووسة بالأضواء و الشهرة حيث لم تتوانى عن إلقاء تصريحات عن تفاصيل علاقتهما للصحافة و نشر صورهما معا و رغم غضبه منها إلا أن جزءا منه يريد إنتشار خبر خطوبته …
ربما يصل إليها الخبر و تظهر من جحرها ، لقد كانت مريم تغتاظ من ذكر إسم ندى أمامها حتى أنه من مراقبة هاتفها علم أنها كانت تتابع إبنة عمه على مواقع التواصل و ترى صورهما معا و أيضا تنزعج عندما كانت الأخيرة تتصل به و ذلك اليوم غضبت و عاتبته بسبب تقديم السترة الجلدية التي جلبتها له إلى ندى.
لم يكن عمار يعلم حينها سبب تصرفاتها أو يتجاهله عمدا لكن عند معرفته بأنها تُكِن له مشاعر الحب أدرك أن مريم كانت تغار عليه.
و الآن هو يستعد لإقامة حفل الزفاف على المرأة التي كانت تنزعج مريم من قربها منه ، لكنها هي من أرادت ، هي من غادرت حياته بدون أي سبب.
إنه غاضب منها للغاية ، غاضب لدرجة لو رآها من الممكن أن يعنفها لفظيا و جسديا ، تلك النقطة السوداء داخله تحرضه على أذيتها لو إلتقى بها مجددا ، سيمارس عليها كل ما حاول إخفاء في سنين زواجه بها خلف قناع التحضر.
و لكنه في نفس الوقت يحن لها ، يموت شوقا لأجل سماع صوتها و رؤية عينيها ، لملامسة شعرها المجعد و تمرير أنامله على بشرتها السمراء و شفتيها المصبوغتان بأحمر الشفاه الغامق.
اللعنة إنه يتطلع حتى لسماع صوت خلخالها ، و شم رائحة البخور العودية التي تشعله عند كل سهرة تجمعهما ، و إلى عطورها التي تركبها بنفسها ، و تُحَفها من الطين.
تلك المخادعة اللعينة ، لن يتركها بسلام إن ظهرت أمامه ثانية ، فلتظهر فقط.
إستنشق عمار كمية من الهواء ثم لفظه دفعة واحدة و غادر غرفته ، نزل إلى الأسفل فوجد أفراد العائلة متجمعة حول مائدة الفطور ، و عندما لمحته شقيقة ندى الكبرى رمت له إبتسامة مرحبة فبادلها إياها.
منال هي الإبنة الكبرى لعمه عادل ، تزوجت منذ 8 سنوات و سافرت مع زوجها إلى إحدى الدول الأوروبية نظرا لعمله هناك و كانت تزورهم بإنتظام و تقضي بعض العطل هنا معهم.
و الآن قد عادت إلى مصر لحضور زفاف أختها ، منال عكس ندى في كل شيء فهي ذات شخصية هادئة و جدية و أكثر ما يميزها أنها ذات وجه دبلوماسي تمثل المجتمع الراقي الذي تنتمي إليه و هذا أكثر ما يشبهها عمار فيه …
الإبتسامة الدبلوماسية و لعب دور الرجل الراقي و المثالي الخالي من العيوب.
تنحنح و ألقى تحية الصباح ثم جلس يتناول بهدوء و بعد دقائق نزلت ندى بإبتسامة مشرقة :
– Good morning يا عيلتي الحلوة …. صباح الخير حبيبي.
وجهت جملتها الأخيرة نحو عمار الذي رد التحية برسمية فجلست بجانبه ليقول رأفت بلهجة تقرير :
– بعد الإجتماع اللي هنعمله هيبقى يوسف شريك في الشركة و يمسك قسم الترجمة و علشان كده احنا هنعزمه المسا يتعشا معانا ك إحتفال عمل صغير.
هز عمار رأسه بجمود ليتابع الآخر :
– و خد بالك أن اليومين دول بالذات هيبقى الشغل متكاتر علينا انت عارف أن الأشغال ديه بتاخد وقت علشان تتحل.
علقت ندى بإمتعاض :
– OMG بابي أونكل رأفت هو الشغل ده مش هيخلص بقى معقول تتكلمو فيه دلوقتي بدل ما تتكلمو على تجهيزات الفرح بتاعي.
ضحك عادل عليها مجيبا :
– يا حبيبتي ده كله علشانك احنا لازم نخلص اللي ف ايدينا عشان عمار يفضي نفسه ليوم الفرح و السفرية بتاعتكو.
إنتعشت حواسها عندما تذكرت شهر العسل المخطط له و أنها ستذهب مع عمار إلى جزر المالديف بعد عقد قرانهما.
في الحقيقة أنها كانت ترغب أكثر في السفر إلى باريس العاصمة الرومانسية لكن شقيقتها عارضت متعللة بأن عمار بالتأكيد مل منها لكثرة ذهابه لها و إقترحت عليها إحدى الجزر السياحية المشهورة فأقنعت هي خطيبها الذي لم يبدي اهتماما كبيرا بمكان قضاء شهر العسل.
إبتسمت متطلعة لخاتم خطوبتها ثم أمسكت يد عمار و نظرت له بشغف ، لم تتوقع يوما أن تتزوجه فلقد كانت تراه طوال حياتها كإبن عم فقط إلا أن مشاعرها التي بدأت تتحرك له و تقبيلها له ذلك اليوم جعلا حياتها تتحول.
فمن بعد خجلها من فعلتها و عزوفها عن الخروج أمامه و مقابلته واجهها الأخير مخبرا إياها بجدية أن تنسى ما عاشاه سويا و سيبقى يراها كصديقة فقط ، و بعد وفاة جدتهما بأشهر قليلة تقدم عمار لخطبتها فوافقت بدون تفكير.
أفاقت ندى من شرودها على نظرته الباردة إليها رغم إبتسامته فحمحمت و أقنعت نفسها أنه ذو شخصية هادئة دائما و لذلك يتعامل بجفاء لا يجب عليها التركيز على هذه الأشياء.
ثم إنتبهت إلى حديث شقيقتها منال :
– متشغليش بالك بالتحضيرات أنا جهزت كل حاجة اتفقت مع أشهر مهندسي الديكور يعملو ديزاين الفرح هنا في القصر و كلمت أكتر ميكاب أرتست محترفة حتى ال fashion designer ( مصممة الأزياء ) من لندن اتصلت بيا امبارح و قالتلي أن الفستان جهز و هيبقى عندك من بكره.
همهمت فريال برضا :
– والله أحلى حاجة أنك أشرفتي على الفرح بنفسك إحنا كلنا بنتفق على زوقك الممتاز في كل حاجة بتعمليها …. حبيبتي ندى هتبقى أحلى عروسة في العالم و الكل هينبهر بيها.
تكلمت سعاد كنوع من المبادرة وهي ترب على كتف عمار بمديح :
– و إبني حبيبي هيبقى أحلى عريس ماشاء الله عليه هو من غير حاجة عنده كاريزما بتلفت الإنتباه ربنا يحميه.
أراد لو يضحك ساخرا على حواراتهم التي لا يهتم بها إطلاقا إلا أنه إبتسم مجاملا و إستأذن ينهض عن الطاولة.
بعد ساعة كان يدخل إلى الشركة رفقة والده و عمه و منه لقاعة الإجتماعات و بعد إنتهائه خرج عمار مع يوسف و أخذه إلى القسم الذي سيديره و عرفه على الموظفين هناك ، ثم إتجها إلى غرفة مكتب الأخير.
غمغم عمار مبتسما :
– أنت دلوقتي نقلت شغلك هنا و بقيت شريك معانا كده مفيش مهرب و مش هتتحجج و تسافر تاني.
– هههه لا مش هنهرب أنا قاعد على قلبك.
رد عليه يوسف بمداعبة ثم تجهم وهو يطالعه ليسأله بتمهل :
– عمار ….. Are you fine ؟
إستغرب سؤاله عن حاله فرد فورا :
– أيوة كويس هو أنا باين عليا تعبان ولا ايه.
هز رأسه بنفي وقد إحتلت الجدية نبرته :
– No ، قصدي على وضعك أنت … مش باين عليك مبسوط و متحمس زي أي راجل فرحه بعد أسبوع حاسس أنك في دوامة و مش عارف أنت بتعمل ايه.
أجفل عمار ولم يستطع التعليق فيوسف ذو شخصية حكيمة و ذكية يستطيع دراسة أوضاع المقربين منه من وجوههم فقط و بالتأكيد لاحظ فُتوره حين جلب سيرة الزفاف.
إلا أنه أجاد رسم الجمود على وجهه وهو يجيب :
– لأ طبعا مفيش من الكلام ده بس أنا تعبان و مرهق شويا علشان كده هتلاقيني أغلب الأحيان هادي و مبتكلمش كتير.
همهم يوسف و ربت عليه متريثا :
– Okay ، بس لو إحتجت لأي حاجة فصاحبك هنا متنساش.
في هذه اللحظة دلف وليد و رفع حاجبه مستهزئا :
– انتو لحقتو تقعدو مع بعض و تنسوني لأ بقولك ايه يا چو لو جاي ناوي تخطف صاحبي مني فمش هسمحلك فاهم أنا الكل في الكل هنا.
قهقه يوسف و عمار الذي إستأذن و ذهب لمكتبه متعللا بكثرة إنشغالاتها ، فجلس وليد على كرسيه متسائلا :
– ايه اللي حصل هو باين عليه مدايق كده ليه.
لوى يوسف شفته بغرابة :
– To be honest, I don’t know ، يعني أنا سألته و قالي أنه تعبان من الشغل بس حاسس أن في حاجة تانية …. كأن عمار لسه منسيش البنت اللي كان متجوزها ؟
رد وليد عليه بتأكيد :
– أيوة لسه منسيهاش و اقدر أحلفلك أنه كل يوم بيفكر فيها ، يا راجل ده هو فضل أكتر من 6 شهور في حالة عجيبة و فجأة كده قال أنا طلعتها من دماغي وبعديها بكام شهر خطب بنت عمه.
بس أنا لسه شايف وشها فعيونه شايف لهفته في كل مرة الموبيل بيرن عمار بقى لوح تلج أكتر من الأول لا بينفعل ولا بيزعل ولا بيتعصب طول الوقت سرحان و لما تسأله يقولك أنه تعبان و يطلع يشرب سجاير.
تنهد الآخر بحيرة :
– طيب انتو ملقيتوش البنت ديه هتكون راحت فين و ليه يعني ، هو عمار بجد مأذاهاش ولا عملها حاجة خلتها تهرب منه ؟
– طبعا لأ عمار مش من النوع اللي بيستقوي على ستات و الصراحة أنا طول مدة جوازهم كنت بشوفه بيبعتلها هدايا و بيهتم بيها عشان كده الإحتمال ده مستبعد …. هي مريم حملت و هو كان رافض و بعدين سقطت بس معتقدش ده سبب يخليها تهرب و تختفي كده.
حك يوسف طرف ذقنه بتعجب :
– طيب هتكون فين على حسب ما انا فهمت عمار بيعرف قرايبينها كلهم و هي من عيلة بسيطة و معندهاش قوة تخليها قادرة تتخبى منه طول الفترة ديه من غير محد يعرف عنها حاجة خاصة أنه ليه نفوذ و بيقدر يوصلها …. مش ممكن يكون حصلها حاجة منعتها من أنها تتواصل معاه ؟
رفع وليد كتفيه بحركة تلقائية كدليل على عدم معرفته للحقيقة ليقول يوسف بنبرة جادة :
– أنا شايف أنه استعجل في جوازه حرام يظلم نفسه و يتجوز وهو عقله مع واحدة تانية و كمان ملوش حق يعمل مع خطيبته كده و يخونها بتفكيره خاصة أنها بتبقى بنت عمه.
– جوازه من مريم أساسا كان غلط في غلط احنا كان لازم نمنعه من 4 سنين لما قرر يكتب كتابه على واحدة في السر بس لأ طاوعناه و كنا شهود كمان ياريت معملناش كده.
ضحك يوسف بخفة عند تذكر ذلك اليوم العجيب :
– و مسمحلناش نشوف وشها كمان على الأقل لو كنا بنعرفها كنا قدرنا ندور عليها معاه.
إبتسم وليد و أردف بنبرة خافتة :
– الصراحة أنا شوفتها مرة كنا قاعدين سوا أنا و عمار و ندى و لما لمحتها عاكستها قدامه.
تفاجأ الأخير و إتسعت عيناه منذهلا :
– are you serious ؟! ( هل أنت جاد )
– اه و الله بتكلم جد أنا مكنتش أعرف أنها مراته أصلا بس خدت بوكس منه إنما إيه وشي خد أسبوع على ما يتلم تاني.
________________
في المساء.
حضر يوسف إلى القصر و وليد مع أبيه تلبية لدعوة رأفت للعشاء.
استقبلته العائلة بأفضل شكل و انحنى يوسف يقبل يد سعاد بنُبل مرددا :
– سعاد هانم … you look like a queen as usual ( تبدين كملكة مثل العادة ).
ابتسمت له مجيبة :
– و انت چنتلمان زي ما عرفتك دايما.
جلسوا للعشاء و وسط المزاح و تبادل أطراف الحديث تكلمت سعاد :
– قولي يا چو انت مش ناوي تتجوز بقى اوعى تكون عايز تقلد وليد و تفضل من غير جواز زيه.
إبتلع وليد ما بفمه و نظر إلى والده سعد الدين الذي يطالعه شزرا ثم برطم بصوت خافت مترجي :
– طنط سعاد لو سمحتي متجيبيش سيرتي في الموضوع عشان ميتنكدش عليا لشهر قدام من غير حاجة ابويا و أمي نازلين زن عليا من لما عمار خطب.
هزت رأسها تجاريه و إلتفتت إلى يوسف الذي تمتم بأدب :
– إن شاء الله لما ألاقي البنت المناسبة.
تدخل رأفت في الحديث يهتف بتهكم و بنبرة ذات مغزى :
– يبقى إختار اللي تليق بيك بجد يابني احسن شباب اليومين دول بقى بيتخاف من زوقهم في الستات.
لم يستطع تحليل شيفرة ألغازه سوى سعاد و الشباب و عمار الذي ضغط على الشوكة بغيظ و حدج والده بنظرات جامدة أخفت خلفها غضبه من تلميحاته ، بينما تبسمت ندى مرددة بدلال :
– مش كلهم يا اونكل في اللي بيعرف يختار و أكبر مثال عمار أهو إختار أكتر واحدة كلاس والكل بيتمنى نظرة منها …. مش كده يا حبيبي ؟
اومأ بإبتسامة فاترة و تابع تناول طعامه حتى إستأذن يوسف قائلا :
– سوري يا جماعة أنا مضطر امشي دلوقتي عندي حاجات لازم أعملها …. شكرا على العزومة يا عمي رأفت ال evening ( السهرة ) كانت ممتعة بجد.
رغم إمتعاظهم من مغادرته سريعا إلا أنهم ودعوه في النهاية و غادر.
و بينما هو يقود على الطريق السريع تفاجأ بظهور جسد أمامه على حين غرة فإنتفض و ضغط على المكابح فورا لتتوقف السيارة مصدرة صوت إحتكاك عال.
هلع يوسف و ترجل سريعا يطالع الجسد المسجي على الأرض و عندما رأى شعرا أسود مموج أدرك أنها فتاة فطفق يردد بأعتذار :
– OMG I’m so sorry ، بس انتي اللي طلعتي فجأة قدامي … يا انسة إنتي سمعاني ؟
هتف بتحفز عند عدم صدور صوت منها و كاد يتقدم أكثر لكنه توقف بتلقائية عندما إلتفتت نحوه ، و توقفت معه أنفاسه للحظات متأملا ذلك الوجه الأسمر و العينين السوداوتين اللتين خيل له أنهما ترسلان إليه حمما من النار لشدة حدتهما.
و عندما أدرك نفسه حاول تشتيت ذهنه من أفكاره تلك فسمع صوتها الهادئ يتمتم :
– انا كويسة بس بعتذر من حضرتك لأن ده غلطي بس أنا كنت مستعجلة ومخدتش بالي من العربية.
كانت ترتدي فستانا صيفيا مورد يصل لأعلى ركبتيها بقليل فإستطاع يوسف من خلاله رؤية الخدوش المدماة على ساقيها نتيجة سقوطها …
فمد يده لها يساعدها على الوقوف هاتفا بجدية :
– انتي اتأذيتي من رجلك ولازم تشوفي دكتور تعالي اوديكي المشفى و ….
قاطعته بنبرة رسمية :
– مفيش داعي أنا كويسة.
لكنه أغلق أذناه عن رفضها و أصر بعناد غريب على طباعه :
– يا انسة انتي رجلك مجروحة ولازم تتعالج و عشان أنا اللي خبطتلك لازم أكفر عن ذنبي ممكن تركبي لو سمحتي و متخافيش صدقيني أنا مش هأذي …
قاطعته الفتاة بنظراتها الصارمة :
– أنا مش خايفة !!
حمحم يخفي دهشته من بلادتها و بعد ثوان كان ينطلق بها في إتجاه المستشفى ، و بين الحين و الآخر ينظر بطرف عينيه نحوها و قد إسترعت هيأتها إنتباهه.
كانت سمراء ذات شعر مجعد طويل و قوام متناسق تتكوم على نفسها مستندة إلى زجاج النافذة و عينيها الجميلتين لا يُقرأ منهما شيء.
أنفاسها متثاقلة بإنتظام و يدها اليسرى تتحرك بعصبية واضحة فسرها على أنها بسبب الألم أو لأنها تركب سيارة رجل غريب.
تنهد يوسف و أشاح وجهه عنها متابعا طريقه حتى وصلا للمكان المنشود.
دلف معها إلى قاعة الإستعجالات و بينما كانت الممرضة تعقم جروح ساقها و تضمدها لها بعناية هتف يوسف بكلمات مفادها أنه سيعود سريعا ثم ذهب لكي يدفع الفاتورة.
إلا أنه عندما عاد لم يجدها ، رحلت في غفلة منه ولم تترك سوى القرط الذي كانت تضعه في أذنها ملقيا على الأرضية أسفل السرير.
حمله يوسف و خرج يوزع بصره على كل المارين بلهفة على أمل رؤيتها و سرعان ما يئس من البحث و تطلع إلى القرط بين يديه هامسا بحسرة :
– مشيت من غير ما اعرف حاجة عنها …. ولا حتى إسمها.
__________________
دخلا إلى المطعم الراقي الذي يطل على ضفة نهر النيل و هي تحتضن ذراعه بيدها و تسير بخطوات رتيبة بجانبه ، وصلا للطاولة التي سبق وأن حجزها ثم سحب لها الكرسي بلباقة لتجلس عليه و إتخذ هو مكانه مقابلا إياها.
تنهدت ندى بإبتسامة وهي تتأمله بغبطة :
– أنا مبسوطة لأنك فضيت نفسك علشاني و جبتني نتغدا سوا … المكان هنا بيجنن بجد.
رسم إبتسامة مقتضبة على شفتيه مهمهما :
– و أنا كمان.
ثاطعها حديثهما النادل الذي حضر و بدأ بوضع الأطباق المتفق عليها سابقا و عند مغادرته هتفت هي :
– صحيح الفستان و البدلة بتاعتك هيوصلو اليوم المسا اتمنى متكونش مشغول عشان تجي تجربها و أشوفها عليك أنت عارف أنها اتعملت مخصوص علشانك يا حبيبي.
هز عمار رأسه بدون مبالاة :
– أنا بالنسبالي البدل كلها شبه بعض بس عموما هحاول أفضى.
كادت تتكلم أكثر و تخبره أنه ليس من عادته عدم الاهتمام بما يرتدي فهو يحرص دائما على إقتناء بدله و باقي مستلزماته بعناية ، و لكن الطريقة الجافية التي أنهى بها الحوار جعلتها تتراجع و تصمت بتزمت.
مرت الدقائق و هما يتناولان من الأصناف المحضرة في سكون عجيب حتى زفرت ندى و ألقت الشوكة جانبا بضجر.
إنتبه إلى حركتها و سألها بشيء من الإنزعاج :
– مالك في إيه ؟
كتفت يديها و أجابته بأنفاس متسارعة من الإنفعال :
– انا ولا انت اللي مالك ؟ عمار أنت واخد بالك من تصرفاتك معايا أنت عماله تتعامل معايا ببرود ومش راضي تبصلي حتى ولا كأننا مخطوبين و فرحنا بعد يومين !
أنا كنت بقنع نفسي أن ديه طبيعتك و لسه متعودتش على الكلام ده بين اتنين بس اكتشفت أن تعاملك معايا قبل ما نتخطب كان أحلى بكتير من دلوقتي …. كنت هقول انك مبتعرفش تتعامل مع ست انت مرتبط بيها بس على حسب علمي انت كان عندك حبيبة و فضلت سنين معاها يعني القصة مش مسألة تعود على وجود ست في حياتك.
صوتها المختنق و صدرها الذي يعلو و يهبط أكد له أن قدرة ندى على التركيز و ملاحظة أدق التفاصيل لم تخبت بعد ، و بالطبع إستطاعت تبين جفائه بسهولة بغض النظر عن هدوئه المعتاد.
تابعت ندى بقد اغرورقت عيناها بالدمع :
– انت لما طلبت إيدي أنا سألتك لو ده كان بسبب إحساسك بالذنب من اللي حصل بيننا و انت رديت عليا و قولتلي لأ …. واجهتك ب اني شوفتك في اليوم اياه في المطعم مع واحدة و سألتك لو هي لسه فحياتك أو لسه بتحبها بس أنت قولت أنها كانت علاقة عابرة و انتهت.
طيب ليه بحس دايما أنك بتبعد عني يا عمار ؟ بص لو أنت متردد و مش متأكد من الجواز صارحني و صدقني هنهي كل حاجة ومش هلومك على الأقل ده هيبقى أفضل من انك تتجوزني و عقلك مش معايا.
ضغط عمار على شفته لاعنا بداخله هذا الوضع و لوهلة فكر لو يعترف لها بحقيقة زواجه و يخبرها أنه ليس مستعدا لأخذ ذات الخطوة معها.
لو يتخلى الآن عن صمته و يربح راحته على الأقل ستكون الخسارة أقل وطأة مما ستكون عليها لو تم إكتشاف سره بعد عقد قرانهما.
لكن ماذا عن عائلته ؟ ماذا عن حديث الناس و كسر فرحتها هذه ؟ عمار لا يريد أن يخسر ندى ولكنه يرديها كصديقة فقط و ليس كحبيبة و زوجة.
مهلا هل هو لا يزال يتأمل عودة الغجرية الهاربة ؟ هل سيحطم قلب إبنة عمه و يفضح عائلته فقط لأجل من لم تحترم علاقتهما و جعلته يبحث عنها مثل المجنون ؟
لن يحدث هذا ، أبدا ، حتى لو عادت لن يتخلى عن قراره.
أخذ عمار شهيقا عميقا و مسح على ذقنه مغمغما :
– الحكاية مش زي ما انتي فاكرة … كل القصة اني ببقى مدايق لما حد يركز عليا اوي و تجهيزات الفرح عاملالي ضغط و كمان أنا مش عايز أقرب منك كتير عشان منضعفش و يحصل بينا تجاوزات زي اللي حصلت من سنة ونص … انتي لسه مش مراتي و أنا من واجبي احافظ عليكي.
لم تعلق ندى على كلامه لكنه إستطاع لمح لمعة عينيها تأثراا بماذا يقوله وقد بدأت تهدأ و تستعيد أنفاسها مجددا ، فإستغل الوضع و أكمل بنبرة رخيمة :
– أنا عايزك في حياتي يا ندى و انتي عارفة معزتك في قلبي و عمري ما اتمنى أزعلك مني خالص سعادتك بتهمني اوي علشان خاطري إمسحي دموعك ديه و متعيطيش تاني.
ضحكت ندى بدهشة منه :
– أنت مش متخيل قد ايه انا ارتحت لما سمعت كلامك كنت خايفة اوي بس دلوقتي هديت عشان عارفة انك مبتكذبش عليا.
و بالفعل لم يكن يكذب عليها في جملته الأخيرة ، فهي حقا ذات مكانة خاصة بقلبه ، سعادتها تهمه و ألمها يحزنه ، يريده في حياته ، لكن ليس كما تود هي و يود الجميع !!
مدت ندى كلها تمسك يده هامسة برقة تذيب القلوب :
– و أنا عايزاك في حياتي يا عمار و بتمنى نعيش سوا طول العمر …. ميرسي أوي على كلامك بجد فرحتني.
تنحنح بغلظة و نظر لها وهي تقبض بأصابعها على ظهر يده فلم يجد خيارا سوى القيام بلفتة لبقة لذلك رفع يدها نحوه طابعا عليها قبلة رقيقة إقشعر لها جسد الأخرى.
و في نفس الوقت …. في نفس اللحظة التي رفع عمار رأسه بعد تقبيلها رآها … تقف عند مدخل الباب و ترمقه بنظراتها التي لم ينسها !
توقف الزمن عند تلك الدقيقة ، و داهمه إحساس أن قلبه سيتوقف لا محالة ، تزامنا مع تحرك شفتيه بإسمها ….
لثوان لم يعرف ماذا يفعل ، إنه حتى لا يستطيع الحراك من مكانه من هول الصدمة ، صدمة لم يترجمها عقله على أنها حلم أو كابوس بعد.
و في لحظة خاطفة ، لحظة واحدة فقط كانت كفيلة لتختفي من أمامه عندما نهض رجل و زوجته ليغادرا فجعلا جسدها يختبئ من خلفهما ، و عند خروجهما تماما لم يرها ، إختفت بلمح البصر !
شهق عمار بعنف و إنتفض يلحق بطيفها بخطوات هدت الأرضية أسفله لكنه لم يعر لإنفعاله الواضح إهتماما بل أنه حتى لم ينتبه لندى التي وقفت تناديه بهلع من هيأته.
خرج عمار إلى الشارع ركضا و قلبه يدق بنسق مجنون عيناه تشخصان على كل المارة و شفتاه ترددان حروف إسمها بتوهان ، لقد كانت هنا ، مريم كانت تقف أمامه هو لم يكن يتخيل إنه متأكد من هذا الشيء !!
شعر بيد توضع على كتفه فلمعت عيناه ببريق إضمحل عندما خابت آماله وهو يرى ندى تقف أمامه و تسأله عما حدث له فجأة ليغادر بهذه الطريقة ، فزفر عمار مطولا يستعد لوصلة كذب جديدة يبرر بها تصرفه و عقله لا يستوعب ما ينطق به لسانه لأنه لم يكن معها من الأساس …
_________________
– يعني إيه شافها و لما قام يدور عليها اختفت من قدامه انت متأكد يا وليد من اللي قاله عمار ؟
هتف يوسف بإستنكار ليسمع الآخر يجيبه :
– أيوة متأكد هو كان قاعد مع خطيبته و فجأة جه المكتب ووشه مقلوب و بيعمل اتصالات و لما سألته و ضغطت عليه قالي أنه شاف مراته لما كان مع ندى بس اختفت من قدامه و معرفش يلاقيها تاني.
لوى شفته بحيرة ثم ردد :
– معقول كان بيتخيل لأنه بيفكر فيها اوي الفترة ديه ؟
– أو يمكن مراته رجعت فعلا لما عرفت أنه هيتجوز بعد بكره ! الحريم دول عليهم حاجات.
تمتم وليد بتهكم فتغضن وجه يوسف بإستنكار لجملته الأخيرة :
– حريم ؟ انت بتجيب ال words السوقية ديه منين.
رفع حاجباه مستهزئا من تعليقه :
– اومال اسمهم ايه يا باشا.
– آنسات او Ladies اي حاجة غير اللهجة اللوكال ديه.
تأفف وليد بملل من فلسفته العميقة هذه ثم همهم مجاريا له :
– ماشي اخلص انت نسيتني في الموضوع اللي بنتكلم فيه انا بسألك لو هتقدر تدور معانا على الlady ديه.
بينما هز الآخر رأسه وهو يردف :
– This is impossible ، لو كان عندي صورة واحدة للبنت ديه انا كنت عرفت ألاقيها بسرعة بس للأسف حتى وشها مش شايفه من قبل.
المهم أنا شويا كده و هكلم عمار و أعرف منه التفاصيل ممكن يكون كلامك صح و مراته رجعت لما عرفت أنه هيتجوز تاني … see you soon.
أغلق يوسف الهاتف بعدما ودعه ثم جال ببصره على ضفة النيل وهو مسحور من الطلة ، هذا المنظر وقت غروب الشمس يأخذ لُبَّ قلبه و يجعله مأخوذا من شدة السحر بالفعل.
و في اللحظة التانية كانت عيناه تتسعان بذهول ، و هذه المرة لأنه رآها من بعيد جالسة على إحدى المقاعد ، الفتاة التي صادفها منذ أيام قليلة عندما صدمها بسيارته !
إنشرح وجه يوسف و أحس بسعادة غريبة تجتاح روحه فضحك بغرابة من نفسه و ركض نحوها ، كانت تهز بقدميها مشخصة عينيها على المنظر أمامها فوقف الأخير بجانبها يطالعها مبتسما حتى سمعها تهتف بهدوء :
– خير حضرتك في حاجة ؟
تلجلج و توتر قليلا ولكنه حمحم و إستأذنها بالجلوس معها فوافقت و إتخذ مكانه على نفس المقعد.
لعب بأصابع يده بتوتر غير مدرك لما يجب قوله الآن و أخيرا إنحلت عقدة لسانه فهتف :
– انتي عاملة ايه دلوقتي ؟ اقصد رجلك اتحسنت ولا لسه بتوجعك ؟
همهمت بصوت يحتاج منه تركيزا كبيرا ليسمعه :
– بقيت أحسن.
اومأ ملتزما الصمت و فجأة إندفع يقول :
– ليه مشيتي من المشفى اليوم اياه من غير ما تعرفيني ؟ أنا قلقت و دورت عليكي كتير بس ملقتكيش يا …. آنسة.
عندما لم تعلق على كلمته الأخيرة تشجع مستطردا :
– افتكرت في حاجة حصلتلك و خفت عليكي كتير ااا لأن حالتك ديه بسببي يعني.
لاحت على وجهها إبتسامة لم يدرك سببها فتشجع قليلا و حاول إخبارها أن حلق الأذن الخاص بها في حوزته الآن لكنه توقف عندما اردفت :
– مكنش ينفع أمشي صح بس جالي إتصال مهم و كان لازم أروح …. شكرا ليك و آسفة علشان التصرف اللي عملته.
تهللت أساريره بسعادة من إنسياقها في الحديث معه أخيرا فمد يده لها يعرفها عن نفسه :
– أنا يوسف …. و حضرتك ؟
رمقته بطرف عينها قبل أن تمد يدها و تصافحه :
– و أنا … مريم !!
__________________
ستوووووب إنتهى البارت
إيه اللي هيحصل بعد ما ظهرت مريم تاني ؟
عمار و ندى فرحهم هيكمل ؟
ايه دور يوسف في القصة بعد اللي حصل معاه ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)