رواية نيران الغجرية الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الحادي والخمسون
رواية نيران الغجرية البارت الحادي والخمسون
رواية نيران الغجرية الحلقة الحادية والخمسون
إنشطار القلب
__________________
أضواء خافتة زادت حلاوة اللحظة ، و نسمة خفيفة شحنت بحرارة جسدين ملتحمين ألقى الليل عليهما بستاره ، فأغمض عيناه يغوص في فجوة مجهولة ، يستقبل هجوما مفاجئا من المرأة التي كانت تصرح بكرهها ونفورها منه منذ وقت قليل فقط ، و لكن هذا الهجوم كان من نوع خاص !!
قلبه انخلع من مكانه ، و قلبها تمرد من تحت صدرها المتقافز فاِنشطر لنصفين ، نصف له و نصف ردم تحت انقاض آخر ذرات كره كانت توجهها اليه ، لتعترف بداخلها في هذه اللحظة أنها و اللعنة … لا تزال غارقة في عشقه حد النخاع !
ومن خلف ستار مشهدهما استرقت النظر عليهما عيون متفاجئة و أخرى مستنكرة ، و حدقتان خضراوتان ماطرتان بدموع الجرح ، عينا ندى التي تماسكت بصعوبة طوال رقصتهما وهي ترى كيف يطالع عمار المرأة التي دمرت حياتها حتى قبلها غير عابئ بمشاعرها …
تلك الذراعان كانتا تحاوطان خصرها هي في السابق ، و ابتسامته الوقورة كان يوجهها نحوها عندما كانا يرتادان للحفلات معا.
و رغم ان ندى تدرك جيدا بأنه لا وجود لفرصة تجمعها مع الرجل الذي تحبه إلا أنه لم يسعها سوى أن تحزن و تشعر بالقهر يجلدها وهي تراهما هكذا ! تنهدت بحسرة لتلمح يدا تمتد أمامها و صوت مألوف يقول :
– Will the princess let me dance with her? ( هل تسمح ليه الأميرة برقصة معها )
التفت الى يوسف فرأته يبتسم لها بلطف و إعجاب فبادلته إياها ووضعت يدها على خاصته ماضية معه لمنصة الرقص …
على الجانب الآخر كان عمار لا يزال غير مستوعب لما حدث منذ قليل عندما راقصها حتى وجد نفسه يدمغ شفتيها بقبلة مفاجئة ارتعدت بها ضلوعه ، ابتعد عنها بعد ثوان و طالعها بصدمة ثم نظر الى الحضور وكتطان البعض مركزين عليهما أما البعض الآخر اعتبروه شيئا عاديا ولم يهتموا كثيرا.
و لكن الغضب الواضح على وجه والده و عمه جعله يتفطن فتمتم مستهجنا :
– انتي … عملتي ايه.
ردت عليه ببساطة :
– انت اللي عملت مش انا.
– احنا هنهزر ماانتي اللي ضربتيني و خليت … استني معقوله عايزة تسببي فضيحة تانية هنا و تقولي اني جبرتك و غصبتك ع البوسه كان لازم اتوقع.
تضايقت مريم من فكرة أنه لم يعد يثق بأي تصرف يبدر عنها و يعتبر كل شيء خطة او مؤامرة ضده ولكنها كفت النظر عن ذلك و ابتسمت هاتفة بسماجة :
– لا متقلقش مش هعمل حاجة وبعدين اوعى تكدب وتقول ان البوسه مش عاجباك.
عاد عمار الى طبيعته و رفع حاجبه مراوغا :
– لا عجبتني بس انا عايز اكتر.
تزعزعت ابتسامتها و ملأ التوتر و الإندهاش تقاسيم وجهها وكأن دلو ماء بارد ألقي عليها في منتصف فصل الشتاء لتدرك فجأة حقيقة الموقف الذي وضعت به نفسها فقط بسبب رغبتها في استفزاز الناس اللذين يعتقدون بأنها أصبحت بدون فائدة فعادت الى رشدها و همست :
– انا … عايزة امشي.
أحكم عليها قيوده و ردد بمكر :
– ليه مااحنا كنا كويسين من شويا.
انفلتت ضحكتها المصحوبة بالخجل و أبعدته عنها برفق لكي تسير الى طاولتها تحت أنظار الحضور بينما تنحنح عمار و اشتدت ملامحه بالجدية ليتجه صوب رفاقه …
و بعد انتهاء الحفلة ارتدت مريم معطفها و كانت ستغادر لولا أن اعترضت السيدة سعاد طريقها و أوقفتها ، طالعتها بدهشة و تعجب لم يدم طويلا عندما قالت الأخرى بهدوء :
– ديه اول مرة اشوفك فيها وش لوش … نقدر نتكلم عادي و اطمن ولا في داعي اني اخاف انام و اصحى الصبح ع خبر كادب و افتراءات منك عن اني هنتك او شتمتك مثلا.
ضغطت على طرف حقيبتها بأصابعها و دحرجت عينيها في الاشيء لتتابع سعاد :
– متهربيش مني بصيلي بنفس الشجاعة اللي خلتك تطلعي اليوم اياه و تفضحي جوزك و عيلته قدام الناس و تفتري عليهم.
– حضرتك مش انا اللي طلعت الافتراءات او…
هدرت مريم مدافعة عن نفسها إلا أن الثانية قاطعتها :
– مش انتي اللي طلعتيها بس فنفس الوقت سكتي و منكرتيهاش و خليتيهم يتهمو عمار بحاجات هو معملهاش.
المهم انا مش جاية اعاتبك ع اللي فات بس اللي عايزاكي تعرفيه اني عمار بيبقى ابني حتى لو مخلفتوش بس عشت معاه طفولته و مراهقته و شبابه المرة اللي فاتت كلنا سكتنا لانه هو طلب يتعامل معاكي بنفسه ومحدش يدخل مابينكم و انا شايفة دلوقتي انكم بدأتو تحلو مشاكلكم بهدوء وياريت كنتي عملتي كده من الاول بدل ما تفضحي نفسك وتفضحيه.
بس صدقيني انتي لو فكرتي المرة ديه كمان تعمل نفس الشي ساعتها محدش هيسكت وانا هقفلك بنفسي و اتأكد من اني ابعدك عن ابني نهائيا و ادمرك انتي فاهمة ؟
جزت على اسنانها ووكزها كبرياؤها يحرضها على رد تهديداتها ولكن في النهاية تبقى هذه المرأة بمثابة والدة عمار كما أنها أكبر منها سنا لذلك غضت النظر و قالت :
– المشاكل بيني وبين عمار بتخصنا احنا الاتنين بس يا هانم و اطمني اللي حصل زمان مش هيتكرر … و بالنسبة لتحذيراتك ف انا سمعت نفس الكلام من جوز حضرتك قبل سنتين لما دور عليا ولقاني و قالي ابعد عن ابنه لأنه هيبدأ حياته مع ست تانية و حكالي عن مغامرات عمار و قصصه مع الستات ف اطمني لاني مش هرجعله بعد كل ده … الا لو اللي قاله رأفت بيه كدب ساعتها هيبقى في كلام تاني.
شعرت سعاد و كأن هذه الفتاة تتعمد تذكيرها بأنهم يخفون لقاءها مع رأفت في السابق وكيف أنه شوه صورة زوجها في عينيها متهما إياه بالفسوق و الخيانة ، و لهذا رمقتها من الأسفل للأعلى و ابتسمت ساخرة :
– مكنش ده حالك لما التقينا اول مرة في المول.
ذلك اليوم عندها كانت تتجول هي مع صديقتها و رأت عمار مع ندى فهربت للخارج و صادفت السيدة سعاد التي التوت قدمها فساعدتها بلطف و اطمأنت عليها ، تذكرت مريم ما حدث بينما تستطرد الأخرى :
– لما عرفنا ان عمار متجوز وقالنا انه هيعلن جوازه بعد ما يلاقيكي قلت عادي البنت غلبانة ومش هتعمل مشاكل بس اتوضح دلوقتي قد ايه كنت غلطانة.
تأملتها مجددا وهي تفكر بأن هذه الغجرية تمتلك الجمال الحاد و البسيط ، الشجاعة و الجُبن ، التمرد و الاستسلام ، الحب و الكره ، لا ريب في أن عمار تعلق بهذه المرأة ولم يستطع نبذها من حياته مهما فعلت.
تركتها و غادرت لترى عمار في الخارج فعرض عليهت اصطحابها الى القصر لترد بمضض :
– مفيش داعي انا مروحة مع الشوفير.
– طيب ماشي بس حضرتك بتبصيلي كده ليه في حاجة ؟
سألها بريبة لتعبس اكثر وهي تجيبه :
– انت ب رأيك ببصلك كده ليه ؟ يعني مش شايف الحركات اللي بتعملها الست جوا ؟
تنحنح عمار و غمغم بهدوء :
– مفيش حاجة حصلت خلاص انا اتعودت على حركاتها مبقاش في مشكلة بالنسبة ليا … اتفضلي.
فتح لها باب السيارة بلباقة و استدار الى السائق متسائلا :
– فين رأفت بيه.
بيتكلم مع سليم يا فندم.
قضب حاجباه و ذهب حيث أشار اليه السائق و رأى والده واقفا مع سليم ويعطيه ظرفا من الواضح أنه يحتوي على مبلغ مالي ليخفيه الأخير في جيبه بسرعة ، اندهش عمار مما يهراه و كاد يتجه ناحيتهما و يسأل أباه عن سبب اعطاء هذه النقود له و لكنه تراجع و ظل يحدق بهما حتى تركهما و عاد لسيارته …
__________________
مر أسبوع على الحفل ، و هاهو اليوم المنتظر بالنسبة لأحدهم.
نظر الى مرآة السيارة و هندم ربطة عنقه متسائلا :
– متأكدين ان شكلي مفيهوش حاجة غلط ؟
ضحكت شقيقته الكبرى بتعب من طرحه لنفس السؤال منذ خروجهم من المنزل فأجابت طفلتها لنار هذه المرة :
– طالع حلو اوي يا اونكل وليد.
بعث لها وليد قبلة في الهواء و نظر الى والده الذي قال :
– انا بقالي بحاول معاك كتير عشان تتجوز وانت مش راضي ايه اللي حصل فجأة عشان تعقل.
– نصيب يا بابا … انا وقعت في البنت من اول مرة شوفتها و قولت مفيش داعي نأجل.
بعد دقائق وصلا لمنزل هالة و استقبلهم شقيقها ووالدته وبعد السلام والكلام دلفت العروس وهي ترتدي فستانا جميلا باللون الزهري مع حجاب أبيض ولم تضع الكثير من المكياج لأن جمالها الهادئ كان يطغى على اي زينة أخرى … هكذا رآها وليد الذي ابتسم بمجرد دخولها و إلقائها السلام ثم تنحنح و حاول تمالك نفسه لكي لا يزعج أخاها بنظراته المستمرة.
تكلمت أخته “هدى” بلطف :
– بسم الله ماشاء الله العروسة قمر ربنا يباركلكم فيها.
انكمشت هالة بخجل و عبثت بأصابع يديها بتوتر تملكها عندما شعرت بالأبصار تحيط بها فرغم أن احمد و السيد سعد الدين تطرقا لمواضيع جانبية قصد التقليل من حدة الموقف إلا أنها كانت تشعر بعينا وليد المعلقتان عليها وكم رغبت في زجره أو إلقاء صحن الفاكهة عليه كي يكف عن هذا.
بعد دقائق قصيرة نهض الجميع و تركوهما سويا فقال وليد :
– كنت بشوفك حلوة وانتي متنرفزة من غير سبب ومش طايقة نفسك بس دلوقتي شايفك احلى بكسوفك ده … انسة هالة ممكن ترفعي وشك و تبصيلي متخفيش.
نظرت اليه و ردت عليه مباشرة :
– انا مش خايفة.
ابتسم و بدأ بالتعريف عن نفسه حتى انتهى فبادرته بالسؤال :
– انت بتصلي ؟
هز رأسه بصدق :
– الحمد لله ، مش هكدب عليكي انا احيانا بصلي متقطع بس بحاول قدر الامكان اني التزم .. في سؤال تاني ؟
– ليه انا اقصد احنا كل لقاءاتنا كانت عبارة عن خناقات و مشاكل المفروض تبقى مش طايقني.
صارحته هالة بما يجول في خاطرها منذ معرفتها برغبته في الزواج منها ليجيبها الآخر بدون تردد :
– انا معتبرتش اللي حصل بيننا خناقة تقدري تقولي عليه سوء فهم ولو عايزة الصراحة انا اعجبت بيكي من اول مرة بس بعدين طرقنا بعدت عن بعض ولما رجعت شوفتك اعتبرتها اشارة من ربنا و قلت مش هضيع وقت اكتر غير كده.
اومأت و أردفت بتقطع :
– على فكرة انا كنت مخطوبة ومحصلش نصيب مش هتسألني ليه يعني …
قاطعها وليد بجدية :
– مش عايز اعرف انا مش بيهمني الماضي يا انسة هالة و اتمنى لو وافقتي عليا انك تنسي خطوبتك من الراجل الاولاني و تعتبريني اول واحد في حياتك.
اندهشت من كلامه و لمعت عيناها بإعجاب لم تستطع منعه من التسرب اليها فاِبتسمت و أخفضت رأسها سريعا لكي لا يظهر له هذا ، تابعا الحديث قليلا حتى دخلت العائلة و اتفقا على الرد بعد يومين …
_________________
– عملت المطلوب منك يا سليم.
تكلم عادل على الهاتف وهو يجلس في غرفته ليرد عليه الآخر :
– ايوة يا فندم الصبح كمان دخلت لمكتب رأفت بيه بحجة بسيطة و عمار بيه شافنا مع بعض … بس لسه مش فاهم ليه بنعمل كده مع انهم لسه معرفوش بخيانتي ليه.
– قولتلك من قبل ان هيجي يوم تعترف فيه مريم لعمار بكل حاجة ساعتها يا اما هيقوم الدنيا و يكشف مين اللي قتل ابنه و هيبدأ منك انت يا اما هيشتغل بالساكت و في الحالتين هتكون اول واحد يشك فيه و احنا مهمتنا دلوقتي نبين تعاونك مع رأفت.
بعدين انا بقيت اشك ف ان عمار بقى بيعرف كل حاجة ايه مش شايف علاقته متحسنة ازاي مع مريم حتى هي مبقتش تهاجمه زي الاول.
غمغم عادل بقتامة يدرس كل تفصيل مهم و تابع :
– عمار ذكي و قادر يوصل لأي حاجة هو عايزها عشان كده انت لازم تحذر الدكتور و كل واحد اتعاون معانا و تقطع تعاملك معاهم و تبعدهم عن هنا لان احتمال كبير يكون بيخطط ضدنا … و مين عارف ممكن يبقى حاطلنا Gps مثلا ف انت حاول تفحص كل حاجة تخصك و متتكلمش عن الموضوع ف اي مكان وخلاص.
– أمرك يا باشا.
اغلق الخط و نظر للفراغ بإقتضاب مفكرا بأن علاقة عمار و مريم التي تصلحت فجأة تنذر بأنه ربما قد تم كشف أوراقهما لبعضهما و بدآ يسعيان وراء الحقيقة ، لقد لاحظ هذا منذ شعر بأن تلك المرأة لم تعد تتحدث بأريحية في الشقة كما في السابق و حتى عمار لم يعد يزورها كثيرا هناك.
هل اكتشفا وجود جهاز التنصت ولهذا أخذا حذرهما أم أنه مخطئ في توقعاته ، ولكن حتى لو لم يصب فعليه المضي في خططه بعدما فشل في طرد عمار من منصبه.
عمار … ذلك الشاب الذي بسببه يستيقظ كل صباح وهو خائف من أن يكون قد تذكر كل شيء فيغافله بضربة سكين على مستوى القلب أو رميا بالرصاص …
Flash back
( قبل سنوات طويلة جدا ، و في تلك الشقة التي أتخذها مع حبيبته مسكنا لهما بعيدا عن أعين الناس.
كان معها داخل الغرفة بعدما تركت طفلها في الخارج و هاهما يتشاجران و تذكره للمرة الألف أنه بسبب نزواته وصلا لهذه المرحلة من القذارة و قلة القيمة فأصبحت تخون زوجها مع أخيه الذي ماتت فيه عشقا.
و عندما تركته فيروز و فتحت الباب انصدمت برؤية عمار الذي كان يمسك بكرته و يحدق بهما بعدم فهم فشحب وجهها و انسحبت الدماء من جسمها وقد ارتعدت أوصالها وهي تتمتم بتقطع :
– عمار … حبيبي انت بتعمل ايه هنا.
لم يرد عليها و نظر الى عمه كمن يحاول استيعاب أشياء لا يصل اليها عقله فأزاحها عادل و انحنى عليه محاولا الابتسام قدر الامكان :
– حبيب اونكل كشف المفاجأة ولا ايه … تعرف اني انا و ماما التقينا هنا عشان نخطط لحفلة عيد ميلاد باباك بس السوبرايز باضت دلوقتي … الا لو عمار شاطر ومش هيكشف السر لبابا.
ضغط على كتفه في آخر جملة له فتأوه الطفل بألم بينما ينظر عادل لفيروز التي كادت تقع مغشيا عليها :
– يلا جيبي شنطتك عشان نمشي.
وقف وهمس لها :
– عمار ولد ومش هيفهم هنقدر نضحك عليه بسهولة بس انتي متبينيش حاجة.
لم يسعها سوى أن تهز رأسها بإيجاب و ذهبت للصالة تبحث عن حقيبة يدها بينما عاد عادل الى ابن أخيه و أمسكه من يده ليغادرا الشقة ، و في الطريق فاجأه الطفل بنبرة هادئة :
– عيد ميلاد بابي لسه فاضله كتير.
ضغط على يده و حاول تزييف ابتسامته مجيبا إياه :
– ايوة عارف بس احنا مخططين لحفلة كبيرة لازم نجهزلها بدري.
ردد مجددا بدون أن يرفع عيناه عن الأرض :
– كنت بتقول لمامي يا حبيبتي و حضنتها … مش الحاجات ديه بتحصل بين المتجوزين بس … ليه مامي مبتحضنش بابي و حضنتك انت.
هنا تبخر تماسك عادل المصطنع و كان في تلك الفترة شديد العصبية فقد زمام تحكمه في نفسه و انخفض لعمار قابضا على كتفه بصورة عنيفة بعض الشيء متسائلا بحدة :
– انت شوفت و سمعت ايه بالضبط ؟
هلع الطفل و أجابه بصوت متقطع :
– اا انا مشوفتش ح حاجة … اا انا …
ضغط عليه أكثر و انتقلت يده لعنق الصغير زاجرا :
– متكدبش.
لمعت عيناه بالرعب و امتلأتا بالدموع ليعترف في النهاية :
– انتو … انتو كنتو بتشوفو بعضكم هنا … مامي كانت بتكدب وبتقول انها رايحة لصاحبتها … كانت بتجيلك انت … انا …
تأوه عندما ضغط عادل على مجرى تنفسه بدون رحمة و نضحت تقاسيمه بالإجرام هامسا بتهديد :
– انت مشوفتش ولا سمعت حاجة … تعرف لو الكلام ده طلع لبره انا هعمل فيك ايه هخلي باباك يهزقك زي العادة لانك كداب و بتاع مشاكل انت اكبر مشكلة في حياة أهلك يا عمار.
– عادل انت بتعمل ايه سيب الولد !
ظهر صوت فيروز فجأة و التف اليها فتحرر منه الطفل و بمجرد انفلاته لم يلحظ من خوفه وجود الدرج فاِلتوت قدمه عند اول درجات السلم و في ثواني كان جسده الصغير يتكور حتى وصل للاسفل فاقدا الوعي ! )
Back
تلك اللحظات لا تزال موشومة في عقله ولن تغادره ، يتذكر كيف أنه لم يكن في وعيه ذلك اليوم بسبب تعاطيه لبعض الحبوب التي كان مدمنا عليها في تلك الفترة ، و شجاره مع فيروز زاد من غضبه و عندما رآه عمار تمكن منه الخوف الذي أخفاه بعنفه على الطفل فلم يجد نفسه إلا وهو يخنقه مهددا إياه حتى وجده يغرق في دمائه بسبب وقوعه من أعلى درجات السلم !
حينها هلعت فيروز و صفعته و صرخت عليه بهستيرية فهدأها و أخبرها بأنه ليس المذنب ، و أخذاه الى المشفى وكانت هي تبكي عليه طوال الطريق و تتهم نفسها بأنها السبب فيما حدث ، و عاشا ساعات عصيبة بين الخوف و الرعب و كذبت على العائلة بشأن أنها كانت مشغولة مع صديقتها ولم تنتبه اليه كيف وقع.
ولحسن الحظ أن عمار لم يتذكر شيئا عندما استيقظ وربما حدث هذا بسبب الإصابة التي على رأسه.
و توالت لقاءاتهما مجددا بصحبة عمار الذي اصبح كتوما و منعزلا بشكل غريب حتى قررت فيروز في يوم من الايام قطع علاقتها به نهائيا و بعدها اصابها مرض خطير توفت على إثره … و خسر هو حبيبته…
__________________
داخل مكتب وائل ، جلست مريم بجانب عمار الذي كان يقول بإنزعاج :
– غريب اننا لسه معرفناش سليم بيتعامل مع مين ده الدكتور وعرفنا شغله ليه مجيبوش بقى لحد عندي و اخليه يعترف بطريقتي بدل مااحنا بنضيع وقت !
رد عليه الآخر بمنطقية :
– مش هتستفاد حاجة لان اللي زي المجهول ده مبيتعاملوش بشكل مباشر مع الناس اللي بتساعدهم يعني حتى لو جبنا الدكتور و السباك مش هيكونو عارفين غير سليم وده واضح جدا لاننا قدرنا نكشف سليم بسهولة بس البوص بتاعه لسه مقدرناش نقرب خطوة منه … الا لو جبنا سليم نفسه و استجوبناه ساعتها ممكن نطلع منه حاجة مفيدة.
فكر قليلا ثم نفى بسخط :
– معتقدش هيعترف بسهولة وممكن الباشا بتاعه يخلص منه و يبلينا بيه.
– طيب انتو ملاحظتوش احتكاكه مع حد معين من الشركة مثلا او مع واحد من العيلة و لقيتو ان تعاملهم مع بعض مشكوك فيه ؟
ردت مريم هذه المرة :
– هو اول لما يجي للشركة بيفضل قاعد مع security men بره ولو دخل بيروح لمكتب عمار … او مكتب رأفت بيه.
نطقت بالجملة الأخيرة ببطء و استدراك لتتابع :
– بقى بيدخل لمكتبه كتير في اخر فترة بس سمعنا التسجيلات وكل كلامهم مموه يعني كأنهم بيتكلمو بالألغاز.
– ازاي يعني.
– مثلا تسجيل امبارح رأفت بيه كان بيقوله انت عملت اللي عليك ولا لأ و التاني بيقوله اطمن يا فندم حاجات زي ديه يعني.
استهجن عمار و نظر اليها هاتفا بحدة :
– انتي بتلمحي ل ان ممكن يبقى والدي هو الشخص اللي بندور عليه ؟
تعجبت من تضايقه هذا و أجابته :
– انا برد على الاسئلة وبس بعدين انت مالك متعصب كده مش اتفقنا ع اننا نحط الكل في دايرة الاتهام حتى صحابك نفسهم.
طحن ضروسه بغضب و شدد قبضة يده بعصبية لكن ليس منها هي بل لأنه يتذكر تعاملات رأفت مع سليم في الفترة الماضية و أنه أعطاه مبلغا ماليا الأسبوع الماضي ، في الحقيقة هو لم يتوانى عن مراقبتهما بتركيز منذ تلك الليلة إلا أنه لم يجد شيئا ملموسا ضده.
و للحظة تخيل عمار بأن والده من فعل كل شيء و هذا جعل ضربات قلبه تتسارع بصورة عنيفة ! فهز رأسه و هتف بقوة :
– ايوة بس نخلي اهلي برا الموضوع اساسا هو بابا معرفش بقصتك غير بعد ما انتي هربتي و شافك لأول مرة ليلة الفرح يعني هو مستبعد مستحيل يأذي ابنه بالطريقة ديه.
حينها استنكرت مريم طريقته في الدفاع عن والده الذي سبق وأن شوه صورته في عينيها فهدرت بتهجم :
– ولو هو مستبعد ده ميمنعش ان المجرم واحد قريب منك و بسبب مشاكل شخصية معاك قتل ابني انا بس اللي بيسمعك دلوقتي بتتكلم عن ابوك ميصدقش انه نفس الراجل اللي قابلني بعد شهر من هروبي و قالي …
ابتلعت حروفها فجأة و توسعت حدقتاها بإستيعاب متأخر لأن عمار و وائل كان قد ركزا عليها بإندهاش و ترقب للتتمة فاِزدردت لعابها و قالت بتهرب :
– احم الوقت اتأخر وانا لازم امشي.
أمسكها عمار من ذراعها بقوة :
– استني عندك … انتي كنتي بتقولي ايه ؟
أغمضت مريم عيناها تلعن نفسها بداخلها ثم فتحتهما متشدقة بإضطراب :
– مقلتش حاجة انا كنت بقصد اننا اتقابلنا بعد الفضيحة و …
تدخل وائل بجدية :
– حضرتك مقولتيش كده من شويا … في حاجة لازم نعرفها يا مدام مريم.
أنكرت سريعا مردفة :
– لا مفيش … عن اذنكم انا مروحة.
أفلتت نفسها من يده و غادرت المكتب غير منتبهة لعمار الذي تصاعدت الشياطين اليه وبدأت تحوم حول وجهه فلحق بها و سحبها نحوه قبل أن توقف سيارة أجرة ، انتفضت الأخيرة و استقبلت هجومه العاتي وهو يصرخ عليها :
– انا مش هسمحلك تتخبي زي كل مرة … قوليلي انتي شوفتي ابويا امتى ؟
– يا بني ادم انا بقول اني…
– متكدبيش ! قولي الحقيقة.
هدر بأنفاس متلاحقة وهو يشعر بنفسه يعيش أسوء لحظات حياته و على وشك سماع ما سيفقده عقله مجددا ، فشدد على ذراعيها و أجبرها على النظر في وجهه مهمهما :
– مريم انتي خبيتي عني حاجات كتير قبل كده ومش هسامحك لو عملتي نفس الشي دلوقتي … اللي قولتيه من شويا صحيح ولا لخبطة في الكلام بس.
أشاحت وجهها عنه بقلب ينزف لتذكرها ذلك اليوم المرير ، و تألمت بسبب ملامح عمار الذي يبدو وكأنه ينتظر سماع ما يطمئن قلبه و حقا كانت ستكذب عليه هذه المرة أيضا لكنها فكرت بأن هذا القدر من الكذب و اخفاء الحقائق يكفيها.
لذلك كانت مجبرة الآن على الإعتراف فتنهدت بينما تصرح :
– ابوك عرف مكاني بعد شهر واحد من هروبي … في اليوم اياه كنت هتصل بيك واطلب منك تجيلي عشان احكيلك ع كل حاجة بس فجأة شوفت رأفت بيه و … قالي انك كنت بتخونني ع طول مع ستات تانية ومجرد لما تزهق منهم كنت بتطردهم من حياتك بأسوء طريقة ومن غير رحمة.
ب اختصار هو حكالي عنك حاجات وحشة و بشعة جدا لدرجة اني اتأكدت مليون في المية من أنك الشخص اللي قتل ابني !
_________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه و هل هالة هتوافق على وليد ؟
ممكن سعاد تشكل صعوبة فعلاقة مريم وعمار ؟
عرفنا ان عادل السبب في اضطراب عمار هل هيجي وقت وعمار يفتكر كل حاجة فعلا ؟
مريم اعترفت بكل حاجة حصلت عمار هيعمل ايه و هيفكر بوالده ازاي ؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)