روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي عشر 11 بقلم فاطمة أحمد

موقع كتابك في سطور

رواية نيران الغجرية الفصل الحادي عشر 11 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الحادي عشر

رواية نيران الغجرية البارت الحادي عشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الحادية عشر

هوس قاتل.
___________________
” لقد كنت أحترق ،بينما جئت أنت تلومني على رائحة الرماد ”
شعرت و كأن الكون يطبق عليها فيخنقها ، أو أن هناك من يقبض على روحها فيهشمها دون رحمة ، بالنسبة لها كانت رؤيتها له وهو واقف أمامها يناظرها بتصلب كأقسى كابوس عاشته لحد الآن فإختض قلبها بين ضلوعها و إرتعشت مفاصلها في محاولة بائسة للثبات مكانها و عدم الإندثار أرضا !!
دمعت عيني مريم و حادت برأسها الى عثمان الذي يطالعهما بتسلية مريضة ثم بررت فخرج صوتها متقطعا :
– انا …انا ك … كنت ….
– في ايه مالك ؟
قاطعتها نبرته اللينة وقد حدجها بهدوء غريب لترفع وجهها إليه بتعجب و إضطراب أكثر ، لم يكن هذا السؤال الذي تنتظره منه أبدا توقعت أن يصرخ و يسب أو حتى يضربها – مع أنه لم يفعلها يوما – لكن يبدو أنه لم يستمع لحديثهما أبدا ، إذا لماذا ينظر لها بهذه الطريقة ؟؟
عاد عمار يسأل وقد لمحت عيناه وجود ذلك الشاب الذي لا يستلطفه :
– و كنتو واقفين بتعملو ايه ؟
أحست مريم بالجفاف يكتسح جسدها بأكمله و بشفتيها و قد سحب لونهما الإعتيادي لذلك قررت البوح بما كانت تسمعه من إهانات لكن عثمان قاطعها مبتسما :
– كنت بدور على أمي تعملي شاي بس ملقيتهاش فأصريت على بنت عمي عشان تعملهولي مش كده يا مريم ؟
نطق بآخر جملة رامقا إياها بخبث خبأ خلفه تحديا واضحا ” لن يصدقك أحد إن تكلمت و زوجك سيلومك أنتِ على ما إقترفته أنا بحقك ” ، فتمالكت الأخرى أنفاسها المتسارعة و تلعثمت بيأس :
– اه … ايوة صح.
هتفت بها محاولة عدم التطلع الى وجه عمار فإنقباض فكه الواضح و عينيه المحتدتين يزيد خوفها أضعافا الآن ، بينما تابع عثمان بسماجة :
– الصراحة الشاي اللي بتعمله مريم بيجنن و أكيد انت جربته قبل كده و عارف السبب اللي مخليني متشوق … ادوقه من ايديها.
أطلق عمار ضحكة صغيرة قبل أن يغلغل أصابعه مع أصابع يد زوجته هاتفا ببرود :
– و للأسف هتفضل مشتاق ليه ومش هتشربه لأني واخد مراتي تقعد معايا معلش.
سحبها بتريث و مريم تحدق فيه بذهول … كل ما يفعله يوضح أنه لم يسمع شيئا اذا لماذا عليها الخوف فهي لم ترتكب إثما بل الوغد من فعل لذلك فلتكف عن التفكير لا داعي للإنشغال فهما سيغادران بعد قليل فقط.
***بعد مرور نصف ساعة.
إستقام عثمان واقفا و قال :
– انا هستأذن امشي عشان رايح اودي مراتي لبيت أهلها ، اتشرفت بمعرفتك يا استاذ عمار.
مد يده يصافحه ليفعل الآخر المثل وهو يبتسم بدبلوماسية ثم إستدار الى مريم يحادثها :
– مع السلامة يا بنت عمي ابقي زورينا تاني و متطوليش علينا.
– ان شاء الله.
ودع والديه و غادر تاركا إياها تطالع فراغه ببغض و تلعنه في سرها ، لتسمع الأخير يردد بهدوء :
– انا رايح الأوضة اعمل مكالمة شغل ولما اخلص هنمشي فورا و اهي فرصة تقعدي مع أهلك و تودعيهم.
** بينما كان عثمان متجها إلى شقته شعر و كأن هناك من يلحقه إلتفت خلفه بتوجس لكنه لم يجد شيئا مريبا الجميع يتمشى و كل شخص يذهب لأشغاله كالعادة في هذا الوقت من الصباح ، هز كتفاه بغرابة و أكمل المشي مفكرا في مريم ، تلك الفتاة الذليلة التي يجد متعة كبيرة في إخافتها و تلمس جسدها بطريقة فظة بغية إثارة الإشمئزاز من نفسها.
لا يزال يتذكر حتى الآن كيف كانت تتصبب عرقا عندما يتحرش بها و يحذرها من البوح بشيء و إلا سيضربها و يجعل والده يطردها و الغبية كانت تصدقه و تترجاه لكي لا يفعل بها هذا.
تزوجت من ذلك الشاب الغني معتقدة أنها ستتخلص من تحرشاته لكنها وقعت في مأزق أكبر فالمسكينة رغم الوضع المادي الممتاز الخاص بزوجها من حيث غلاء ما ترتديه و ما تضعه في يدها إلا أن عمار يرميها في منطقة نائية و يزورها كلما إحتاج جسده التمتع بها و هذا هو مقامها في الأساس.
ابتسم بإستحقار و إتجه الى الزقاق المظلم قليلا و الذي تقبع شقته خلفه تماما و أثناء سيره عاوده نفس الإحساس فتوقف هذه المرة محاولا عدم إظهار خوفه و الهجوم على من يلحق به لكن قبل ان يفعل شيئا فوجئ بضربة عنيفة على ظهره كأن أحدا ركله فسقط على الأرض المليئة بالأتربة و الأشواك و الحجر.
صرخ عثمان بألم و الرعب يتملكه و قبل الدفاع عن نفسه شعر بخيط رفيع يلتف حول عنقه و يخنقه بعنف فجحظت عيناه و إحتقن وجهه.
حاول تحرير نفسه إلا أن ركبة الآخر ضغطت على مؤخرة رقبته بشدة تمنعه من المقاومة ، أحس بإنقطاع أنفاسه فأدرك أنه سيموت الآن لا محالة لكن فجأة تخلص من الخيط الملتف حوله عندما حرره المهاجم و ألقاه على الأرضية مجددا.
شهق و بدأ يسعل بقوة ساحبا أكبر قدر من الهواء حتى إنتظمت أنفاسه و قبل إستيعابه للهجوم أمسكه الآخر من رأسه و دفعه على إحدى الصخور المرمية ليتأوه عثمان بضعف و يفقد وعيه سريعا ….
****
بعد ساعة إلا ربع دخلت مريم الى غرفتها مبتسمة :
– طولت في المكالمة اوي يا عمار.
نظر لها مغمغما بصلابة :
– المكالمة بتخص السفرية اللي كان لازم اعملها صحيح انا مسافرتش بس الصفقة كلها واقفة عليا … قوليلي ودعتي أهلك خلاص نقدر نمشي ؟
اومأت بإيجاب و بعد دقائق كانت تركب السيارة بجانبه إنطلق بها و كعادته كان صامتا طوال الطريق و لكن لا تدري مريم لماذا تشعر بالإرتياب منه عيناه حمراوتان كمدمن يحتاج لجرعته و يبتسم من حين لآخر يا إلهي مالذي يحدث له !!
زاد من سرعة السيارة فجأة و أصبح يقود بشكل أخافها فتلعثمت بفزع :
– ااا انت زودت السرعة ليه بالراحة لو سمحت.
لم يلقي لها عمار بالا و تابع القيادة حتى سمعها تشهق بكتوم جز على أسنانه و بعد نصف دقيقة كانت تصرخ بأعلى صوتها عندما ضغط على الفرامل و توقف على حين غرة فإرتدت للأمام و إصطدم رأسها بتابلوه السيارة ، توقف أخيرا و إلتفت إليها يسألها :
– انتي كويسة !
نزلت دموعها و همهمت من بين شهقاتها وهي تتلمس جبينها الذي ينزف :
– كويسة ايه انت مش شايف راسي بتجيب دم … قولتلك سوق بالراحة ليه مسمعتش كلامي.
راقبها عمار وهي تنتفض من الألم و زاد بكاؤها عندما رأت الدماء على يدها الممسكة بجبينها ، كتم رغبته في الصراخ و تابع القيادة حتى توقف أمام عيادة صغيرة.
أدخل مريم الى الممرضة هناك فضمدت جرحها و عند إنتهائها جلست الأخيرة مستندة على نافذة السيارة الزجاجية تكتم شهقاتها فسمعته يقول بهدوء :
– معلش انا كنت بسوق بسرعة عشان الحق اوصل و اروح للشركة و مكنتش واخد بالي من انك مش حاطة الحزام لما دوست على الفرامل.
حاد عمار بعينيه نحوها وهو يحدث نفسه ” هل حقا لم تفعل ذلك قصدا ؟ ” رأى دموعها تنزل بصمت فزفر و عاد يراقب الطريق أمامه متذكرا ما حدث اليوم صباحا.
لقد رأى كل شيء حدث في المطبخ فبعدما جلس مع عمها منتظرا عودتها طويلا قرر الذهاب إليها و هناك رأى الوغد يحاصر زوجته بين ذراعيه و يخبرها كم كانت تحبه وهي لم تعترض بل بقيت صامتة و عندما سألها كذبت عليه بكل وقاحة ، لا يعلم كيف إكتسب قوة للتحمل و عدم الدخول و قتله ثم إسترق السمع ليجد عثمان يقول لمريم وهو شبه محتضن إياها أنها أحضرت زوجها لمنزل حبيبها السابق.
” متعصبة مني لأني قولت الحقيقة ما هو فعلا احنا الاتنين كنا بنحب بعض وانتي جايبة جوزك لبيت حبيبك و منيماه على ودانه ” ، ضغط بأصابع يده على المقود و الكلمات ترتمي عليه كسهام نارية تصيبه فتدميه بشدة لا يصدق أنه جلس على طاولة واحدة مع من كانت تعشقه زوجته و ربما حدثت ملامسات بينهما أو …. أو ….
ضيق عمار عيناه و الغضب بعتريه أكثر فأكثر خاصة عندما تذكر ” ازاي قدرتي تغفليه و تلعبي عليه لدرجة يبقى موفرلك اللي عمرك ما اتجرأتي تحلمي بيه لعبتي عليه دور الشريفة صح يا حرام جوزك مش عارف انك كنتي ميتة عليا و اتجوزتيه طمعا في الفلوس مش كده “.
اللعنة كيف وقع في هذا الموقف المخزي و المهين له كيف وضعته المرأة التي تزوجها موضع الغبي يسخرون منه خفية ، هل تغامزا و تكلما مع بعضهما بالإشارات دون أن ينتبه ؟ هل تلمسها خفية و طبخت له البارحة الأطباق التي يحبها حتما قد فعلت هذا يا الهي كيف أوقع نفسه في هذه الورطة.
رمقها عمار بطرف عينه بشر و ذكريات الماضي تتوافد واحدة تلوى الأخرى ، بلل شفتيه وقد بدأ يتعرق و صداع رأسه يزداد و أنفاسه تتقطع و الرعشة تسري في جسده أدرك أنه يتعرض لنوبة مجددا و إن لم يأخذ الدواء سريعا سيغمى عليه أو يفقد السيطرة على نفسه و يفتعل حادثا و الأسوء أنه من الممكن أن يؤذي مريم !!
أخذ شهيقا و زفره ببطء محاولا قدر الإمكان تهدئة نفسه ظل هكذا لبعض الوقت بينما مريم تراقبه دون أن ينتبه و تخاف أكثر من تصرفاته هذه ، الآن أصبحت شبه متأكدة من أنه سمع حديثها مع عثمان لكن لماذا يصمت لماذا لا يواجهها هل سمع الحديث كاملا و عرف أن إبن عمها مجرد متحرش أم عقله برمج له كلاما آخر ؟
مرت الساعات بطيئة للغاية حتى وصلا أخيرا توقفت السيارة أمام العمارة فهرعت مريم تترجل شبه راكضة فرحة بإنفكاكها عنه لكن داخلها خائف من أن يصعد معها الآن و يفتعل شيئا ، و عكس توقعاتها وجدت عمار يتحرك مجددا و يبتعد مغادرا المكان فعقدت هي حاجبيها بغرابة ثم استطردت :
– المهم انه معمليش حاجة الحمد لله يارب انا كنت خايفة أوي.
زفرت بقوة و ركبت في المصعد مفكرة في كل الأحداث بتدقيق …. ربما عمار ينتظر أن تخبره هي بنفسها عما جرى بينها و بين عثمان و يختبرها إن كانت ستسكت عن الحقيقة أم تعترف.
دلكت مريم رأسها بألم تزامنا مع الوصول الى طابق شقتها خرجت من المصعد فتقابلت مع رجل يبدو من ملابسه أنه عامل صيانة و بجانبه البواب ليبادرها الأخير بالقول :
– أهلا وسهلا يا هانم الاستاذ لسه مخلص شغله زي ما عمار بيه طلب.
تذكرت مريم أن زوجها أمر البواب البارحة بجلب عامل صيانة ليجري بعض التعديلات
في حوض المطبخ و أن يرافقه بعمله حتى ينتهي فإبتسمت بوهن :
– الله يسلم إيديكو يارب … عن إذنكو.
دخلت و رمت بجسدها على الفراش مباشرة تحاول طرد الأفكار السيئة و إراحة عقلها ولو لفترة مؤقتة ، الرعب الذي عاشته صباحا و الإحساس بالدونية بسبب تلقيها للإهانة دمرها و جعلها تشعر و كأنها مجرد حثالة لا يهتم أحد بشأنها ، إبن عمها يتحرش بها و والدته تتستر عليه و مجتمع لا يرحم المرأة بل يضغط بالسكين على المكان الذي جرحت منه …
لماذا هي ضعيفة هكذا ؟ لماذا ليست قوية مثل صديقتها هالة التي تدعس على كل من يحاول أذيتها هل لأن ضهرها في الأساس مكسور بفقدان والديها و حتى زواجها ليس طبيعيا بل حرمت فيه من أصغر حقوقها كزوجة ؟
انتفضت مريم جالسة تتحسس رأسها الملفوف بشاش طبي ثم أجرت مع هالة مكالمة فيديو حتى جاء صوتها المرح :
– أهلا باللي عملت خروجه مع جوزها و نسيت…. ايه ده مالك ايه اللي حصلك ؟
شهقت بتفاجؤ فأجابت مريم متنفسة بعمق :
– متقلقيش انا بس خبطت راسي على تابلوه العربية و احنا جايين.
– لا والله ؟ اتخبطتي ازاي ديه اول مرة تحصلك قوليلي الطاووس هو السبب طيب وشك مخطوف وباين عليكي قلقانة فهميني ايه اللي حصل ؟
أغمضت عينيها بإستسلام و إعترفت لها بكل ما حدث منذ مساء البارحة حتى هذه اللحظة و أكملت بغضب طفيف :
– انا كان نفسي اقتل الواطي ده يا هالة صدقيني لو مش خايفة من الفضايح كنت قطعت ايده اللي لمستني بس …
ضربت هالة جبينها بغيظ و علقت :
– ياريت لو كنت معاكي اقسم بالله كنت علقته من رجليه الندل ده …. المهم اللي فهمته ان عمار شافكم وانتو واقفين سوا بس انتي مش عارفة اذا كان سمعكو ولا لأ صح.
هزت رأسها بتأكيد :
– ايوة ، انا لقيته واقف بيبصلي بطريقة تخوف عيونه ان و وشه مشدود كأنه بيمنع نفسه من إنفجار حتى لما سألني كنت بعمل ايه حسيته بيستجوبني وانا … انا كدبت عليه.
– يعني حسيتي أنه سمعك و اتعصب ومع ذلك كدبتي انتي مجنونة ؟
دمعت عينا مريم بخزي و أجابت :
– خوفت والله العظيم خوفت كنت مرعوبة جدا و كل الأفكار الوحشة جتلي مرة واحدة و معرفتش ارد عليه غير كده.
تابعت بعدما صمتت قليلا لتلتقط أنفاسها :
– المشكلة أن عمار شكله بقى بيرعبني جدا عينيه و ايده و صوته حركاته ده انا حسيت … حسيته داس على الفرامل فجأة قصدا عشان انا اتخبط و اتأذى ولو شوفتي شكله اللي انا شوفته كنتي هتقوليلي نفس الكلام.
لوت هالة شفتيها بحنق ثم أردفت :
– قصدك ان الطاووس ده اتعمد تتأذي لأنه سمعك او شك فوجود علاقة بينك وبين ابن عمك صح …. و طبعا لو واجهتيه هيعمل نفسه مش فاهم ويقولك ايه اللي يخليني اعمل كده ساعتها انتي هتتجبري تقوليله انك خايفة سكون سمع حديثك مع عثمان يعني دلوقتي عمار بيستدرجك و بيحاول يوقعك في الكلام عشان تعترفيله بنفسك.
اومأت مريم بشدة وقد استطاعت رفيقتها قراءة أفكارها :
– أو يكون مسمعش بس شك بسبب توتري لما شوفته واقف قدامي لكن ده ميعنيش انه اتقصد يؤذيني ممكن صح ميكونش خد باله وهو سايق بسبب تفكيره.
تجاهلت هالة الشطر الثاني من جملة صديقتها لعلمها أنه لن ينتج شيء من مجادلتها و محاولة إقناعها بشخصية عمار الغامضة و – المؤذية – فركزت على الفكرة الأساسية :
– في الحالتين انتي محطوطة فنقطة ما بين السيء و الأسوء بينه لا قادرة تعترفي بالتحرش فيتعصب لأنك خليتيه ينام فبيت اللي كنتي بتحبيه و اتجرأ عليكي ، ولا عندك الشجاعة تفتحي الموضوع معاه لأنه ممكن يكون مسمعش و في الحالة ديه هتكوني جبتي المشاكل بنفسك لنفسك.
– اه ده تماما اللي انا بفكر فيه خايفة اجازف و اكلمه على حاجة هو مش بيفكر فيها اصلا و خايفة يكون سمعني و يعتبر سكوتي خيانة.
تمتمت الأخرى بحزم وهي تضغط على كل حرف من جملتها :
– يبقى قرري تجازفي و اعترفيله بكل حاجة من الأول فهميه حياتك كانت ماشية ازاي في بيت عمك و الظلم اللي اتعرضتيله ولو كان راجل بجد هيقف معاكي و ميلومكيش اعترفي و اخلصي من العبء اللي شايلاه وانتي مش مذنبة …. فاهماني يا مريم !!
_______________________
في قصر البحيري.
اجتمعت نساء العائلة في قاعة الإستقبال يتكلمن في عدة مواضيع حتى تكلمت ندى بتلقائية وهي تعبث بهاتفها :
– هو عمار لسه متصلش بيكي يا انطي.
ردت عليها سعاد بضيق :
– لا ومحدش عارف هو فين أساسا.
نظرت لها فريال بإستنكار متحدثة بداخلها :
– و عاملة نفسها أمه و بتقلق عليه وهي مش عارفة مكانه فين هه أكيد بيصيع مع حبيبته و بيصرف عليها فلوسه و رامي شغله على غيره.
في هذه اللحظة دخل رأفت و ألقى التحية بجفاء و صعد الى جناحه لاحظت الجدة و سعاد الأمر فحمحمت الأخيرة وهي تنهض :
– عن إذنكو يا جماعة.
غادرت فورا فوقفت فريال أيضا :
– و أنا هطلع اعمل مكالمة مع أختك يا ندى أصلها وحشتني اوي.
– اوك سلميلي عليها يا مامي.
بقيت الجدة بمفردها مع ندى فسألتها بنبرة يشوبها القلق :
– كأن رأفت جاي وهو مضايق شكله بيدور على عمار ومش ملاقيه ربنا يستر و متكونش حصلتله حاجة.
إنتقل الشعور بالقلق تدريجيا إلى حفيدتها التي هتفت بمرح زائف :
– في ايه يا نانا هي ديه اول مرة يغيب فيها عمار تلاقيه قاعد في أي حته على النيل بيعاكس المزز اللي هناك و ناسي عيلته و بنت عمه اللطيفة الغلبانة.
إنفلتت ضحكة صغيرة من الجدة فأضافت ندى وهي تنهض و تلتف حول الكرسي المتحرك لتدفعه :
– أنا بقول نسيبنا من قصص الكبار ديه و خليني أوريكي صور المكياج اللي نزل جديد ده عشان تختاري معايا أجيب ايه.
*** دخلت سعاد إلى زوجها و سألته بتوجس :
– في ايه يا رأفت باين عليك قلقان حصلت حاجة لعمار ؟
أجابها بسخرية واضحة عليه :
– لا من الناحية ديه اطمني إبنك كويس و جدا كمان.
– قصدك ايه.
أخرج رأفت من جيب سترته ظرفا و أعطاه لها فتحته الأخيرة و عيناها تتوسعان بصدمة عندما رأت صورا لعمار في سيارته رفقة إحداهن كانت الصور ملتقطة من الخلف فلم تتبين وجه الفتاة جيدا لكن يده الموضوعة على شعرها المموج كان واضحة فأدركت أن إبن زوجها لديه حبيبة فعلا و يتسكع معها في الوقت الذي يجب عليه أن يهتم بأعماله كمدير لشركة والده.
تنهدت بينما تستمع لصراخ رأفت الساخط :
– البيه غفلنا و مراحش على دبي عشان يصيع مع البنت **** ديه فاكر نفسه ذكي و بيؤذيني أنا و مش عارف أنه بيؤذي نفسه و سمعته بين الناس اتخيلي أنه جازف بمشروع كبير بسبب الست ديه ده غبي عمري ماشوفت أغبى منه.
إرتعدت سعاد من صوته وخشت أن يصل الى مسامع أفراد العائلة فهتفت بتريث :
– طيب اهدى و متعصبش نفسك كده و قولي الصور ديه وصلت لإيدك ازاي مش انت قولت لعمار أنك مبقتش تراقبه مش يمكن هو عمل كده عن قصد عشان ينتقم منك لأنك كدبت عليه و لسه بتلحقه.
توقف عن اللف حول نفيه و حدجها بغضب :
– انا فعلا كنت بطلت اراقبه لفترة بس رجعت بعت ناس وراه المرة ديه لما قالي أنه شاف عربية بتلحقه المشكلة أن كل اللي بعمله ده ملوش فايدة عمار عنده قدرة مش طبيعية على الهروب فلحظة بيختفي من قدامك و مبتقدريش تلاقيه.
صمت قليلا و أضاف :
– اللي قالقني أن في حد تاني غيري بيراقب تحركاته الراجل بتاعي قالي شاف عربية سودا ماشية وراه و اختفو الاتنين سوا في نفس الوقت انا خايف الناس ديه تكون ناوية تضره و ابو دماغ ناشفة مش واخد باله …. لازم أحط حد للوضع ده عمار لازم يتجوز في أسرع وقت عشان يعقل و يركز في شغله كفاية صياعة و قلة أدب ده مش شغل إبن عيلة محترمة.
وجدت سعاد الفكرة صائبة فعلقت :
– معاك حق بس انا كلمته في الموضوع ده من قبل و رفضه معتقدش هنقدر نجبره وبعدين حتى لو وافق هيتجوز حبيبته ديه ولا ….
قاطعها بحدة صارمة :
– مستحيل إبني أنا يتجوز واحدة شحاتة زي البنت اللي ماشي معاها ما هي لو كانت محترمة كان اتجوزها و حطها فبيته ، خليه يجي بس وانا هعرف شغلي معاه.
*** في الخارج وضعت فريال يدها على فمها بذهول مما سمعته و داخلها يلعن عمار و أفعاله ، من كان يظن ان الرجل الهادئ الرزين والذي يبدو عليه الإتزان يفعل تصرفات كهذه المشكلة ليست في أن له حبيبة فمعظم الشباب يفعلون هذا لكن الخوف الحقيقي من أن يكون عمار يحب تلك الفتاة حقا و إلا لما ضحى بعمله في سبيله قضاء وقت معها ، حتى زوجها عادل عندما تحدثه عن هذا الأمر يتجاهلها و يخبرها أنه لا يهتم إذا ماذا ستفعل و كيف ستجعل عمار يتزوج إبنتها ؟!
تركت المكان و توجهت نحو غرفتها وجدت عادل يعبث بجهاز الابتوب الخاص به واضعا سماعات الأذن و عندما رآها وضع ما بيده مرددا :
– خير مالك قالبة وشك كده ليه.
– هتهتم لو قولتلك.
– يبقى نفس الموضوع اللي صرعتيني بيه صح.
زفرت فريال و جلست بجانبه قائلة بجدية :
– سمعت أخوك بيقول لمراته أنه شاف عمار راكب عربيته مع واحدة و يمكن هي نفس البنت اللي انا شوفت صورها على تلفونه من شهر ، رأفت بيقول أنه هيقنع إبنه يتجوز احنا هنعمل ايه صور عمار قرر يتجوز حبيبته ديه ؟
أجابها عادل بإستنكار :
– مش انتي قولتي ان عمار كان مصور البنت دبه وهي بالملاية على السرير يبقى اطمني مفيش راجل شرقي بيتجوز واحدة كان عامل معاها علاقة من النوع ده.
بررت فريال موقفها :
– و مفيش راجل بيضحي بأعماله خاصة لو كانت صفقة كبيرة عشان واحدة هي بالنسباله متعة و تضيعة وقت مش أكتر …. يا عادل الوضع مبقاش يستحمل هزار عمار لو متجوزش ندى هتضيع و احنا هنضيع معاها اعمل أي حاجة عشان تبعده عن حبيبته …. بص انا معايا رقمها جبته المرة اللي فاتت لما فتحت تلفونه و شوفت صورها لو….
لم يدعها تكمل وهي يهتف بحزم :
– خلاص بقى يا فريال كفاية انا عندي شغل لفوق دماغي ومش ملحق عليه خليني اركز وبعدين لو عمار حب يتجوز حبيبته ف أخويا رأفت مش هيوافق مستحيل يسيب بنت **** زيها تدخل بيته و تبقى زوجة إبنه و أم لأحفاده و انا وانتي عارفين ان لما رأفت يقول حاجة محدش بيقدر يعترض حتى عمار نفسه سيبيني بقى من القصة ديه.
________________________
ترجل من سيارته و رفع رأسه يطالع من الخارج المنزل المظلم في تلك المنطقة النائية ، المنزل الذي رأى فيه مالا يجب على طفل رؤيته و سمِع مالا يجب عليه سماعه ، لاحقه في كوابيسه و في كل لحظة من حياته مخلفا آثارا لن تزول طوال ما بقلبه نبض.
تقدم بخطوات بطيئة ثم فتح باب المنزل مصدرا صريرا قطع ذلك الصمت الموحش المحيط به ، أشعل القداحة ليظهر وجهه و لف أنظاره في المكان متذكرا كل لحظة عايشها هنا ، هنا كانت والدته تحضره ثم تدخل الغرفة مع رجل غريب ولا تخرج إلا بعد ساعات ، هنا كانت تنبهه على عدم فضح الأمر و إلا سيقتلها رأفت ثم تهدده بالعقاب الشديد لو فعل ، فيجيبها الصغير ببلاهة ” متخفيش يا مامي مش هقول حاجة بس بطلي تجي هنا تاني انا بخاف اقعد لوحدي
غير أن عمار في كل مرة يأتي الى هذه الشقة يحاول ألا يتعدى مسافة المترين من الباب ، محاولة منه أن يبقى بعيدا عن تلك الغرفة قدر الإمكان جعلته لا يتجاوز المساحة التي حددها لنفسه و إلا سيقع منهارا !
لوى عمار شفته مبتسما بسخرية وضع خلفها إنكساره المحرج فهاهو يتلقى نفس مصير والده الذي عشق أمه بجنون ، الاختلاف هنا في أن السيد رأفت ربما لم يلتقي مع حبيب إمرأته أبدا أما هو فقد جعلته زوجته يذهب معها إلى منزل حبيبها ….. نفس الغدر و نفس الموقف و نفس الخيانة !
أرخى جسده ليجلس على الكرسي المتهالك و تذكر صباح اليوم عندما إدعى إجراء مكالمة مهمة فدخل الى غرفة مريم و قفز من الشباك الخلفي ليلحق بعثمان وهو ينوي له شرا ثم و بدون تردد هاجمه و خنقه برباط وجده في خزانتها ، لقد ترصد له و صمم على قتله فعلا لكن في آخر لحظة تراجع و دفعه على صخرة مكتفيا بفقدان وعيه فقط ، لا يزال هناك الكثير على قتله إن وغدا مثله لا يستحق الموت بسهولة هكذا يكفي أنه سيعيش حالة من الرعب قبل التخلص منه نهائيا !
زاغت عيناه بدوار و منظر مريم الباكِ صباحا بعدما تعمد أذيتها بقي معلقا في مخيلته ، سيطرت عليه حالته المرضية و أراد قتلها لكنه لسبب ما لم يستطع فعلها ولو لم يأخذ دواءه قبل بضع ساعات ربما كان سيصدم عن قصد سيارته في إحدى الشاحنات و يقتل كلاهما !! …. تلك الخائنة مدعية العفة مثلت عليه الضعف و الإنكسار سنتين كاملتين و في النهاية إتضح أنها كالبقية يستحيل أن يؤتمن لها رغم حبسه لها و وضع حصار على حياتها إلا أن ذلك لم يمنعها من غدره …. كيف إستطاعت فعل ذلك به !!!
و في لحظة إختفى السكون و ظهرت صورة والدته فيروز وهي تضحك بعلو صوتها مع عشيقها مرددة أنها غافلت رأفت و جلبت إبنها كورقة ضمان لها …. ثم التفتت إليه و قالت بإستهزاء :
– ايه يا عمار انت مصدوم من اللي شوفته صح فكرت انك لو اتجوزت بنت غلبانة و حبستها و قيدتها بشروطك هتقدر تسيطر عليها زي ما انت عايز و تخليها خاتم في إيدك ؟
أشاح عمار وجهه عنها بسرعة و انتفض عندما رآها مقابلة إياه :
– بس للأسف حتى هي خدعتك و خلتك رخيص في نظر نفسك قولي بقى انت هتشوف مين لما تبص في المرايا ؟
لم يجبها و بدأ العرق يتصبب منه و تنفسه يضيق فإستطردت بقوة :
– بقايا راجل مريض مراته زهقت من تحكماته فخانته انت فاكر نفسك تقدر تخبي ضعفك ورا قناع القوة اللي جبتها من فلوس أبوك ؟ تبقى غلطان.
– أسكتي …. أسكتي.
همس بها وهو يقف و يتراجع الى الخلف مرتجفا بهستيرية لكنها ضغطت على وجهه ضاحكة :
– معاها حق مراتك تخونك انت راجل مريض و عايش بالأدوية بتتخيل حاجات مش موجودة و بتبني حياتك عليها قولي مريم هتعمل ايه مع واحد مجنون و ساكت علطول و بيتكلم بالعافية هتعمل ايه مع واحد بيعاملها معاملة الجواري لأنه خايف يحبها فتخدعه و يبقى زي أبوه …. بس اللي كنت بتخاف منه حصل و انت بقيت بقايا راجل مراته مش مكتفية بيه و راحت شافت غيره.
وضع عمار يديه على رأسه صارخا :
– أنا مش زيه و مريم مش زيك مريم …. مريم بريئة و مستحيل ….
قاطعته مقهقهة بجنون و صوتها ينتشر في كل أرجاء المنزل :
– ههههه عشان كده انت حاولت تقتلها و مرتحتش غير لما شوفت راسها بيجيب دم يا مجنون فاكر انك كده جبت حقك و انتقمت لرجولتك بس انت غلطان مريم هتفضل تخونك و مين عارف يمكن في المستقبل تاخد ابنك معاها و تروح لشقة راجل تاني يعوضها على وجودك الفاضي فحياتها …. هههه هتبقى رجل كرسي مراتك مغفلاك و الناس بتجيب سيرتك ماهو مريض زيك مبيستحقش غير أنه يتهان و يتخان انت مريض يا عمار مريض و ملكش لازمة فحياة أي حد !!!
صاح بأعلى صوته و قد بدأ يضرب رأسه على الحائط :
– انا مش مريض ومش زي أبويا انا مش هسمحلك تلعبي فحياتي ولا تخليني زيه مستحيل اعيش مع واحدة خاينة مستحيل ابعدي عني امشي من هنا !!!
أغمض عيناه بقوة مهمهما بهوس و دموعه تأخذ مجراها على وجنتيه لن يكون مثل والده أبدا لن يدع زوجته تخدعه أكثر من هذا إنها مثل أمه ولن تتوانى لحظة عن الغدر به لذلك يجب عليه التخلص منها …. لن يكون نسخة من رأفت البحيري أبدا !!!
بعد دقائق كان يركب سيارته و يقودها بأعلى سرعة عنده حاول التخلص من التشويش و التركيز على طريقه لكنه لم يستطع فأخذت السيارة تنحدر يمينا و شمالا و من حسن حظه أن الطريق كان فارغا و إلا كان سيفتعل حادثة لن ينجوا منها أبدا.
وصل إلى شقته و فتح الباب ببطء و عيناه لا تستبشران خيرا بدى وجهه مظلما و زيتونيتاه إختفى لمعانها ملابسة غير مرتبة و شعره أشعث و رائحة السجائر تفوح بقوة منه حتى أصبح يبدو كقاتل متسلسل مهووس يحتاج لرؤية الدماء أمامه حتى يهدأ.
أغمض عيناه مجددا شاعرا بالدوار يداهمه و بضعف في سائر أضلاعه ازدرد ريقه و صوت بداخله يخبره … ” لا تكن مثل والدك …. لا تمنحها الفرصة للسخرية منك … تخلص منها …. تخلص منها …”.
– عمار !!
إخترقت نبرتها الرقيقة تلك الأصوات المتداخلة بعقله ففتح عيناه و حدق في مريم التي وقفت تطالعه بتوجس من هيأته.
دنى منها ببضع خطوات حتى وقف أمامها مباشرة فسألته بحذر :
– في ايه مالك …. انت كويس.
إبتسم عمار و رفع يده يمررها على طول ذراعها من الأسفل بروية حتى وصل إلى عنقها فتلمسه بأصابعه هامسا بداخله :
– كم مرة وضع رجل غيره يده على بشرتها هذه ؟
و بنفس الهدوء ضغط بأنامله على رقبتها و عيناه مركزتان على وجهه الذي بدأ ينقبض فهمست معتقدة أنه لا يقصد الضغط عليها هكذا :
– ع … عمار … انت بتوجعني.
تراءت لها نفس الإبتسامة التي رأتها صباحا عندما دعس فجأة على الفرامل و إصطدم رأسها بعنف على تابلوه السيارة فإتسعت عيناها برعب و حاولت إبعاد يده عنها ليضحك الأخير بخفوت خانقا إياها بقصد قطع نفسها نهائيا … غير أنه في لحظة كان يرخي يده و جسده بأكمله وهو يغمض عيناه و يسقط على الأرض فاقدا وعيه !
_______________________
رايكم و توقعاتكم ؟
حالة عمار المرضية ممكن تأثر على مريم ؟
فريال هتقدر تحقق غايتها ؟
رأفت هيعمل ايه لما يقابل عمار ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى