روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثلاثون 30 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الثلاثون 30 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الثلاثون

رواية نيران الغجرية البارت الثلاثون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثلاثون

العدو المتخفي.

_______________
” تسأليني يا نبض ، لماذا لا يتقاتل الناس بالأخلاق ؟
فأضحك و أجيبك : كيف تريدين للحرب ان تخاض بأخلاق اذا كانت بالأساس عملا منافيا للأخلاق ! ” #.نبض #.أدهم الشرقاوي.

صدر طنين بالجانب من أذنيها فأزعج غفوتها ، و إختار دماغها العودة إلى الوعي فطفق يرسل إشارات إلى سائر جسدها ليستيقظ من سباته.
رمشت عيناها بثقل وكأن هناك غيمة سوداء رزحت عليهما ، و استطاعت فتحهما بصعوبة وهي تتأوه جراء تحريكها لمعصم يدها اليسرى الملفوفة بالشاش.

– صحيتي اخيرا يا برنسيسه.
وصلها صوته الشجي من العدم فإلتفت برأسها ببطء لتجد عمار جالسا على طرف السرير مميلا عليها بإبتسامة ، همست بإسمه ثم تعلقت خضراوتيها الباهتتين بالسقف في ضعف و عدم تركيز محاولة استوعاب ما تعيشه الآن حتى بدأت تتذكر ما حدث معها شيئا فشيئا …

بعد ليلة قضتها في دموعها مستمعة لتقريع والدتها التي لامتها على محاولتها لحفظ كرامتها ثم أخبرتها بكل قسوة أنها كانت تتمنى لو رزقت بطفل ذكر يرفع من شأنها شعرت ندى بالدنيا تدور حولها و أن حياتها الآن بلا معنى.
فدخلت إلى الحمام التابع لجناح غرفتها و جلبت شفرة حادة لتقطع معصمها بدون تردد و تخر ساقطة على الأرض غارقة في دمائها مستسلمة للموت … و لكنها لم تمت !

شهقت ندى دامعة عينيها فإمتدت يد عمار تمسحها قبل أن يهتف بنبرة مازحة تخللها بعض اللطف :
– طول عمري بسمع منك اني واحد رخم و بعصبك بس معقول تكرهيني لدرجة تحاولي تنهي حياتك عشان متتجوزنيش.

نجح في إستمالة تركيزها وهي تعقد حاجبيها مستغربة كلامه :
– ازاي يعني.

كان صوتها مبحوحا ضعيفا بالكاد وصله لكنه ضحك و أردف موضحا :
– يعني انتي امبارح قولتي انك مش عايزة تتجوزيني بس فريال هانم اتعصبت و زعقتلك وقالت الجوازة ديه هتم غصب عنك قومتي عملتي ايه قطعتي شرايينك اللي هو الموت ولا اني اتجوز عمار …
والله عيب في حقي تفضحيني كده مالي اهو شاب حليوة مفضوح وزي العسل هو احنا جربانين مثلا.

انسابت ضحكة من شفتيها من مزاحه النادر ثم عادت للعبوس مفكرة أنها حاولت الإنتحار ليس لأنها لا تود الزواج منه ، بل لأنها كانت تتأمل عودته اليها بعد إنتهاء المشاكل من أجل إعادة سمعتها و سمعة عائلتها الضائعة غير أنها انصدمت و جرحت كرامتها بشدة عندما قال عمار بأنه لن يأخذها زوجة له وأنها تستحق رجلا أفضل منه.

أفضل منه ؟ أي رجل سيكون أفضل من عمار في التمثيل و الخداع ، أي رجل سيكون أفضل منه في إخفاء الأسرار ، و أي رجل سيقبل بها غيره بعد الذي حدث !

إستمر عمار في التحدث معها و عاتبها بحنان عما فعلته بنفسها لأن لا أحد يستحق أن تُنزف دماءها لأجله حتى لو كان هو ، كان يمسح على شعرها تارة و على يدها المجروحة تارة أخرى و يكلمها حتى إستقام واقفا و ردد بهدوء بكلمات مفادها أنه لديه عمل الآن و سيعود إليها بعد أن ينهيه.

لم تجبه ندى مثلما فعلت طوال الدقائق الماضية و أشاحت وجهها عنه ، فتنهد الأخير ماسحا وجهه ثم غادر غرفتها ليتصادم بشكل عرضي مع منال التي تجهمت عند رؤيته و تمتمت بإقتضاب :
– ندى فاقت ؟

هز رأسه بإيجاب :
– ايوة من شويا ، ياريت لما تدخلو ليها متكلموهاش ف اللي حصل من غير حاجة هي مضايقة.

رمقته منال من أسفل لأعلى بإستنكار و علقت على كلامه قائلة :
– ندى اختي الصغيرة و عارفة ايه اللي بينفعها واللي مبينفعهاش يعني مش هتجي انت بعد اللي عملته فيها تمثل علينا دور الشهم المهتم ببنت عمه ولا خطيبته السابقة و تعمل نفسك خايف عليها اكتر مننا … صحيح بابا سمحلك تقعد معاها بس انت هتفضل …

قاطعها بابتسامة حادة وهو يخفض صوته لكي لا يصل إلى القابعة بالغرفة :
– اختك ديه نفسها اللي ضغطتو عليها و جبرتوها تعمل حاجة هي مش عايزاها … و مهما حصل بيني و بين ندى هفضل الوحيد اللي بيقدر يفهمها و علشان كده عمي سمحلي افضل جمبها ومش انتي اللي تحددي ايه نوع علاقتي بيها فاهمة.

رفع أصبعه في وجهها محذرا ثم إنسحب تاركا إياها تغلي من الغيظ ، أخذت نفسا عميقا و رسمت بسمة خفيفة على وجهها ثم طرقت الباب و دخلت إلى أختها الصغرى التي وجدتها تنظر للشرفة التابعة لغرفتها بشرود و عندما لاحظت وجودها عبست منزعجة خاصة عندما جاءت بقية العائلة يطمئنون عليها متجاوزين تماما موضوع محاولتها الإنتحار.

طبع عادل قبلة على جبينها هامسا بحنان :
– حبيبة بابي اللي منورة عليا حياتي … للحظة قلبي وقف لما افتكرت اني ممكن اخسرك اسف يا روحي لو ضغطنا عليكي اوعدك من النهارده مش هتحصل حاجة غير برضاكي.

جاهدت للإبتسام وهمست بكلمات معتذرة تطيب بها خاطره الذي تزعزع بعد ما فعلته ، و تجاهلت فريال التي كانت تنظر لها بذنب فهتفت بإرهاق :
– انا تعبانة و عايزة انام.

تشدقت سعاد مسرعة :
– مش هتنامي قبل ما تاكلي وتعوضي الدم اللي خسرتيه … انا هخلي الشغالة تطلعلك صينية الأكل لحد هنا ماشي.
– اوكي.

غادرت الأخيرة مع رأفت و عادل لتبقى فريال و منال مع ندى ، نظرت لهما بطرف عينها ولم تتكلم فأمسكت فريال بيدها و تمتمت دامعة :
– حقك عليا يا حبيبتي ياريت اتقطع لساني قبل ما اقولك الكلام ده والله كنت عايزة مصلحتك صدقيني انا عارفة انك بتحبي عمار عشان كده اتفاجأت لما قولتي مش عايزاه.

همهمت بشرود قبل أن تهمس :
– عمار كان فين لما عرف باللي حصل معايا.

نظرت منال إلى والدتها بإضطراب ثم تنحنحنت مبتسمة :
– كان في المكتب و اول ما عرف جه ليكي جري و صمم ننقلك للمشفى عشان تتعالجي بطريقة أحسن بس انتي حالتك مكنتش خطيرة اوي و جبنا الدكتور حسين.

رفعت ندى حاجبيها بإستهجان منها وهي تستنكر بداخلها جملتها الأخيرة فهي تعلم جيدا أن العائلة رفضت نقلها إلى المستشفى و اكتفت بعلاجها في المنزل سرا لكي لا يصل الخبر إلى الصحافة فتفضحهم أكثر.
غير أنها لم تهتم بهذه الحقيقة كثيرا لأنها ركزت على كلمات شقيقتها التي تفيد بأن عمار جاء إليها ركضا ، بل و ظل مناوبا فوق رأسها حتى إستيقظت و تأكد من أنها بخير.

إذا عمار لا يزال يُكن لها الحب كما في الماضي ، و مازالت هي عزيزة عليه حتى و إن حدثت بينهما بعض المشاكل !
إستمعت إلى حديث أمها وهي تضيف :
– اوعدك من النهارده مش هجيب سيرة عمار ديه تاني ولا هقولك حاولي تجذبيه ليكي ولا اي حاجة زي ديه خلاص شيليه من حياتك.

لم ترفع وجهها لها و اكتفت بالنظر إلى معصم يدها المجروح وهي تردف بخفوت مريب بعض الشيء :
– ساعات بتقوليلي اجذبيه و ساعات بتقوليلي انسيه … هو انا المفروض اتبع ايه يا مامي … فكرة ان عمار ابن عمي و متجوز واحدة تانية … ولا فكرة عمار خطيبي ولازم اتجوزه عشان سمعتي اللي ضاعت ترجع ؟

– كلامي ده كان قبل ما الاقيكي غرقانة في دمك يا بنتي … انا معنديش اعز منك انتي و اختك علشان كده بقولك طلعي عمار من قلبك و عقلك انتي بتستاهلي الأحسن منه.
أنهت فريال كلامها ثم إستدارت إلى الباب الذي دخلت منه الخادمة وهي تدفع عربة الطعام …

بينما ندى كانت تلف أناملها حول خاتم الخطوبة الذي لا يزال في يديها ، ذلك الإحساس الخبيث بداخلها قد إقتنع بحديث والدتها في الأيام الماضية و إلتصقت بها فكرة أنها يجب أن تتزوج عمار و إلا سوف تصبح أضحوكة أمام الناس الذين لا يساوون قرشا بجانبها …

حتى ليلة البارحة فقط كانت مقتنعة بوجوب الإبتعاد عن عمار لحفظ كبريائها و كرامتها ، و لكن بدون أن تنتبه تعلق عقلها الباطن بالكلام الذي سمعته من عائلتها …
سمعتها يجب أن تعود كما كانت و ندى البحيري يجب عليها النهوض من جديد وذلك لن يتحقق إلا بواسطة عمار … زواجها منه سيصلح كل شيء !!

_______________

أغمض عيناه يتمتع بنسائم الخريف الليلية وهو جالس في الشرفة الواسعة ، ثم نفث دخان السيجارة في الهواء و طمسها في المطفأة مستمعا إلى حديث وليد الذي يقول :
– طيب و انت هتعمل ايه دلوقتي … يعني مراتك طلعت فضحتك قدام الناس وعملتلك مشاكل مع عيلتك و مشاكل في الشغل وانت سكت بعدين هي قدرت تدخل للشركة بتاعتنا وده اللي انا مستغربه اوي و بردو معملتش حاجة و دلوقتي ندى بنت عمك حاولت تنتحر وكنت هتخسرها بسبب مريم … مش فاهم ايه سبب سكوتك لحد دلوقتي عمار اللي بعرفه انا كان يا اما طلقها فورا و طلعها من حياته يا اما خربلها حياتها وندمها ع الساعة اللي فكرت فيها تلعب عليه.

أخرج عمار الهواء من أنفه وغمغم بخشونة :
– انا ساكت لان في حاجات كتيرة مش عارفها و مبقدرش اخد خطوة وانا مش فاهم ايه اللي بيحصل قدامي.
ليه مريم هربت وليه مش قادر اوصل للمكان اللي اتخبت فيه وليه رجعت وعملت كده وليه ابويا وافق يشغلها عندنا و ليه هو ساكتلها لحد دلوقتي ومعملهاش حاجة هو وعمي عادل و ايه السبب اللي مخليها قوية كده بعد ماكانت مبتقدرش حتى تبصلي وانا بكلمها !!

ضرب بقبضة يده بنقمة على طرف المقعد الجالس عليه ثم تابع وقد إنقبضت عضلات فكه بإنفعال :
– كل يوم بحاول افكر في السبب اللي خلى مريم تقلب بالشكل ده ، قولت ممكن علشان رفضت اعلن جوازنا او عشان رفضت الحمل بتاعها او لانها عرفت بخطوبتي من ندى بس لو ده اللي خلاها ضدي كانت على الأقل جاوبتني لما سألتها ، بس هي فضلت ساكتة وبتبصلي كأنها عايزة تقول حاجة انا مش عارفها يعني … بص في غموض في القصة وانا مش ههدا غير لما اكتشفه و لغاية الوقت ده مش هطلقها مريم لازم تفضل قدام عينيا لحد ما اعرف كل اللي بتخبيه.

– طيب هتعرف ازاي انت جربت كل الطرق و بردو موصلتش لحاجة ، روحلها و أسألها تاني ممكن المرة ديه تحكيلك.

إقترح عليه وليد بمنطقية فضغط عمار على أسنانه بحدة وهو يفكر بأن ما حدث صباح اليوم جعله يفكر جديا في طرد مريم من حياته ، فضررها لم يعد يطوله هو فقط بل مسَّ عائلته بشكل سيء لدرجة محاولة إبنة عمه الإنتحار.
و في الحقيقة كان سيفعل هذا لولا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة عندما تذكر بأن هناك عدة أسرار يجب عليه كشفها قبل أن تتمادى هي أكثر ، وذلك الصوت المقيت بداخله والذي يخبره بأنها خائنة تستمد القوة من عشيقها الذي أخفاها عنه لذلك لا يجب عليه تطليقها لكي لا تأخذ حريتها منه و تتمتع مع حبيبها السري بأمواله هو !

و بسبب أفكاره التي تراوده للتو قرر عدم مقابلة مريم حتى يهدأ ، فهو لا يعلم ماقد تضمر له نفسه اذا حاولت إستفزازه وهو بهذه الحال ، ربما يجن و يخنقها مجددا أو يعنفها جسديا حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لينتظر أن يستعد زمام سيطرته على نفسه و يُخرس الصوت الذي يحرضه على جميع أنواع الشر ثم يلتفت إليها ، و يعرف نواياها !

أخرجه من شروده صوت طرق على باب الشرفة المطلة على الحديقة الخلفية لهذه الشقة الجميلة التي إبتاعها يوسف ، فنهض وليد عندما رأى الخادمة و بيدها صينية عليها ثلاث أكواب قهوة وبعض قطع الشوكولا ليتسلمها منها ثم شكرها بلباقة و عاد إلى عمار مرددا بمزاح :
– شوف قلة الزوق بتاعت الچنتل بتاعنا عزمنا لبيته بعدين سابنا و راح يعمل مكالمة.

رد عليه الآخر بهمهمة :
– نستناه عادي هو مش غريب.

رافق قوله حضور يوسف الذي أقبل عليهما وهو يتمتم بكلمات معتذرة :
– سوري يا جماعة I got an important call ( جاءني أتصال مهم ) و اضطريت أرد اتمنى متبقوش مضايقين مني.

– ولا يهمك احنا كنا بنتسلى بالقوة و التشوكليت اللي جابتهم الشغالة.
أجابه وليد مستلذا بمذاق قطعة الشكولاطة الحلوة مع القهوة المرة لينظر إليه يوسف بعبوس بضع ثوان قبل أن يعلق عليه :
– لو مفيهاش ازعاج اتمنى متقولش عليها شغالة تاني اسمها housekeeper ( مدبرة المنزل ) أو المساعدة أو بأي لفظ أرقى شويا من كلمة شغالة و خدامة.

قلب وليد عيناه بتملل و سأم من رُقي هذا الأبله و نصائحه في إختيار ألفاظ مناسبة تتم فقط بترجمة الكلمات العربية إلى أخرى إنجليزي حسب منظوره ، لكنه أومأ بالموافقة على أي حال فهو لا يقصد الإهانة أبدا.

بينما رفع عمار رأسه إليه و إنسابت الكلمات من شفتيه وهو يغمغم بنبرة ذات مغزى :
– على ذكر الاتصال اللي جالك أنا بردو وصلتني مكالمة من الراجل بتاعي و سمعت منه انك التقيت بمريم النهارده الصبح … و قعدت معاها ساعة أو أكتر تقريبا.

إبتلع يرمق بنظراته وجه كلاهما و يراقب ردود أفعالهما ، كوليد الذي نقل نظراته بينهما متفاجئا بما سمعه فإعتدل في جلسته بإنتباه ، و يوسف الذي أجابه بنبرة طبيعية :
– ايوة انا كنت في عربيتي لما لقيتها قاعدة ع الكورنيش و بتعيط ، فقعدت جمبها اهديها و طلعت خايفة على ندى لتحصلها حاجة بسببها.

– انت كنت بتعرف مريم من قبل يوم الفرح ؟
تلفظ بهذا السؤال بهدوء مريب و كاد الآخر يرد عليه بالإيجاب ، إلا أن وليد أدخل نفسه في الحوار على حين غرة وهو يهمهم :
– احنا كلنا شوفناها يوم كتب كتابك على ندى و اكيد يوسف عرفها اول ما لقاها قاعدة لوحدها بتعيط فحب يخفف عليها … مش كده يا چو.

أنهى جملته بضحكة سخيفة فتطلع عليه الأخير بذهول من كذبه الغير مبرر و منعه من إخبار عمار بيوم لقائه مع زوجته ، غير أنه مع تركيز الإثنان عليه نفث بإنزعاج و اومأ قبل أن يستطرد :
– على فكرة انا خدت الاذن من الحارس اللي حطيته قبل ما اقعد معاها وكنت عارفه هيقولك ع اللي حصل عادي.

حينها علق عليه عمار بجمود :
– و انا كنت عايز اسمع الكلام ده منك انت الاول.

ضيق يوسف حاجبيه من حديث صديقه الذي يبدو غريبا على غير عادته و أحس بالضيق عندما شعر أنه يتم إستجوابه فظهر هذا على نبرته وهو يتشدق متسائلا :
– في ايه انا مش فاهم هو انت مضايق عشان قعدت مع مراتك و هديتها ولا شاكك اني بتعامل معاها ضدك ولا ايه مش فاهم !

حرك عمار رأسه بنفي مردفا بمنطقية :
– الست اللي انت قعدت معاها ديه اختفت من سنة ونص و ملقتهاش في اي مكان ممكن تروحله فجأة رجعت و طلعت افترت عليا وعلى عيلتي وقدرت في الاخر تدخل شركتنا … و الست ديه تبقى مراتي اللي بقى كل همها تدمرني وانت بقى صاحبي ف اكيد هي مش هتقبل تقعد معاك لوجه الله كده.

إستنكر يوسف حديثه و إعترض عليه فكاد يخبره بأن تلميحاته خاطئة ، و أن مريم امرأة لطيفة مثقفة كل همها أن تجد عملا يعيلها و الدليل أنها قضت معه وقتا لا بأس به ولم تصدر منها أية كلمة خاطئة – عدا عن غضبها حين سماع سيرته -، لذلك هي لا تنوي مثلا إستغلاله فقط لأنه شخص طيب سهل المراس.
هذا لأنه قد يكون يوسف فعلا من الأفراد بالغي اللطافة ولكنه ليس غبيا كما يظنه عمار.
إلا أن وليد سارع في التدخل و إبتسم بإضطراب قبل أن يهتف :
– يا بختك يا عمار في اتنين بيتخانقو عليك دلوقتي واحدة بتنتحر علشانك و التانية فضيحة ورا فضيحة ومحدش عارف يوقفها مش زيي مش لاقي بنت اتلم عليها.

نجح في إنتشالهما من النقاش اللذي كانا سيدخلان فيه فإنفلتت ضحكة من يوسف بينما تمتم الآخر بحنق :
– اهو قرك ده اللي جايبني ورا ، وبعدين مين قالك مش عارف اوقفها انا ساكتلها بمزاجي بس.

همهم وليد بإستهجان و التفتت إلى يوسف الذي همهم بتساؤل :
– وانت مادام عايز بنت تتلم عليها ليه متدورش اكيد هتلاقي واحدة مناسبة.
– ماهو انا معرفش ايه اللي بيناسبني.

رفع حاجباه بعته :
– I didn’t understand ( أنا لم أفهم )

إعتدل في وضعيته يشرح له وجهة نظره بمنطقية :
– يعني مثلا انت يا چو a tactful man ( رجل لبق ) بتحب جو الرُقي وكده ف اكيد هتبقى عايز ست كلاس زيك.

ثم التفت إلى عمار متابعا بسخرية :
– و صاحبنا ده الكل بقى عارفه زوقه طلع بلدي انت فاهم … بس انا مش عارف اختار اما امشي وراك و اقضي حياتي مع بنت تقعد تبرطم بالإنجلش زيك يا يوسف ولا اتجوز واحدة أم جلابية وخلخال تقوم تفضحني و تخلي اللي ما يسوا يتفرج … اااه.

صرخ بغتة عندما إصطدم رأسه بقارورة الماء البلاستيكية التي رماها عليه عمار بقوة فإنتفض يوسف بخفة قبل أن يشرع في الضحك وهو يشاهد مناكشات صديقيه.
مر الوقت عليهم وهم متسامرين حتى إستأذن عمار ليغادر.

و لكنه بمجرد وصوله إلى الباب الخارجي داهمه دوار قوي جعل توازنه يختل و عيناه تبصران بقعا سوداء.
إستند بيده على الجدار المقابل متأوها بتقطع و ظل مكانه بضع ثوان حتى إستعاد نفسه فتنحنح بخفوت ووزع ناظريه حوله يتأكد من أن لا أحد رآه ثم تابع سيره نحو السيارة وهو يمتن لإحضاره السائق معه اليوم لأنه بالتأكيد لم يكن سيستطيع القيادة بحالته هذه.

بينما في الطابق العلوي حدج وليد صديقه بنظرات لائمة هاتفا :
– ايه اللي كنت هتقوله لعمار ده كويس اني لحقتك قبل ما تخرب الدنيا.

طالعه يوسف بعدم استوعاب :
– انا مش فاهم عليك ازاي كنت هخرب الدنيا ؟

– اقصد لما قولتله كنت قاعد مع مراتك ولما اتضايق انت كنت هتبدأ تمدح فيها صح ولا لأ.
– ايوة وبعدين فين المشكلة ؟
– يا چو عمار دلوقتي عنده مشاكل مع مراته وفي الوقت اللي هو مش عارف يتفاهم معاها دقيقتين ع بعض عرف انك قعدت معاها يجي ساعتين وكنت هتنسحب من لسانك وتقوله ديه واحدة لطيفة و كذا وكذا.
اتخيل ايه هيكون موقفه وانت نازل مدح في مراته.

تأفف يوسف من تفسيره للأمور و لسبب ما انزعج من تكرار كلمة ” مراته” ، غير أنه لم ينتبه لهذا وهو يخبره متضايقا بأنه لم يكن يقصد إغضاب عمار …

_______________
بعد مرور أسبوع.
ذهبت مريم إلى الشركة و بمجرد دخولها إنتبه لها الجميع و حدقت بها كل العيون ، منها المنصدمة و المذهولة و منها المستغربة و منها المستحقرة و منها الساخرة.

إلا أنها لم تبالي بهم و أبدت وجها ثابت الإنفعالات وهي تجلس في انتظار دورها لإجراء مقابلة العمل.
و بالفعل دخلت عند المتخصص في هذا المجال و قدمت ملفها لينظر إلى أوراقها و شهاداتها بإعجاب لم يخفه ثم طرح عليها بعض الاسئلة الشفهية وقد أجابت عليها بثقة قدر الإمكان لتنتهي المقابلة على إتفاق بالرد بعد يومين.

و هاهي داخل شقتها الآن تجلس في الصالة بجوار هالة التي تساءلت بغرابة :
– على حسب ما فهمت انتي اتفقتي مع رأفت بيه يديكي وظيفة في شركته وهو وافق ف ايه لازمة الانترڤيو ؟

حاوطت يديها حول كوب القهوة و ردت عليها بجدية :
– رأفت بيه اداني وعد يشغلني بس انا مش عايز اشتغل بالصفة ديمي بس ، عايزاه لما يقرا ملفي يعرف اني اشتغلت ع نفسي كتير اوي رغم ظروفي و عايزة الناس نشوف اني كنت بقدر اعمل كتير لو حصلت ع فرصة واحدة.
هالة انا صحيح داخلة للشركة لهدف معين بس انا كنت صادقة لما قلت عايزة اطور من نفسي و ابني حياتي و استقلالي بعيد عن كل حد قلل مني.

بل هي تريد الإثبات لعمار على وجه الخصوص بأنها ليست ضعيفة و إنقيادية كما ظن دائما ، هذا ما فكرت به هالة وهي ترى سعي مريم الدؤوب في إثبات نفسها وقد يكلفها هذا إنحرافها عن طريقها لأن تركيزها يتشتت كلما إقتحمت فكرة العمل دماغها.
إلا أنها لم ترد مواجهتها بهذا بل اثرت الصمت حاليا ربما يكون إعتقادها خاطئا ، فجلست مقابلة بها وهي تسأل :
– نفترض انك دخلتي للشركة خلاص ، هتعملي ايه وانتي عارفة ان رأفت وافق عليكي لأنه مخطط يأذيكي و كمان عمار يعني هما ممكن يخلوكي في المكان بتاعهم.

هزت مريم رأسها نافية :
– اكيد مش هيسيبوني في حالي و هيحاولو يوقعوني بس طول مانا شايلة سر رأفت جوايا مش هيتجرأ يطلع عن ال deal بتاعنا خاصة وهو مقتنع أني لو اتكلمت عمار هيصدقني انا ومش هيصدقه هو.
بما اني عارفة مدى المشاكل اللي بين الاب و ابنه هستغل النقطة ديه و اقنع رأفت أن ابنه مش هيصدقه لو كدبني وقال انه معترضش طريقي قبل كده.
و كمان طول مانا جوا هبقى قريبة منهم و هحاول اعرف كل نقاط ضعفهم و استغلها ضدهم … هندمهم على عنصريتهم ناحيتي و اندم عمار على اللي عمله فيا و ف ابني.

بصقت بهذه الجملة بكره متلمسة بطنها وهي تقاوم غشاوة الدموع التي غطت عينيها ، فناظرتها هالة بتأثر ثم همست بتردد :
– هو انتي لسه متأكدة ان عمار اللي عمل فيكي كده … على حسب ماقلتي هو كل مرة بيسألك ايه سبب اللي عملتيه و محاولش يتهجم عليكي معقول كل ده يبقى تمثيل.

إعتصر قلبها للحظات آلمتها و إنقبضت معدتها مهمهمة :
– ايوة كله تمثيل … زي لما مثل عليا وقال انه بيعتبر ندى صديقة و أخت وطلع بيخوني معاها كمان عامل نفسه بريء وهو اللي بعت الشكولا المسمومة و قتل ابني.

– بس يمكن ميبقاش هو وانتي فاهمة غلط اا…

انتفضت مريم واقفة تشد خصلات شعرها بعصبية صارخة :
– لا انا مش فاهمة غلط … انا شفت وشه وقت عرف اني حامل وسمعته لما قال هيلاقي حل للمشكلة ديه و قريت رسالته اللي قالي فيها هيبعتلي حاجة حلوة و شفت الراجل بتاعه اللي اسمه سليم ده وهو اللي جابلي الشكولا بنفسه و سمعت الممرضة اللي قالت الدكتور عرف عمار بسبب اجهاضي وهو جه قالي ده حصل بسبب التعب.
حتى انا بعد ما هربت قعدت افكر اني ممكن ابقى غلطانة بس بعدها بشهر أبوه لقاني و كلمني عن كل حاجة قذرة بتخص ابنه !

إنفرطت عقالها و إنسابا دموعها من عينيها هاتفة بنبرة غطتها غصة مؤلمة :
– تصدقي حتى بعد كلامه قعدت اقنع نفسي و قلت يارب ابقى غلطانة و يطلع عمار بريء و ملوش دعوة بموت ابننا … بس … بس بعدها عرفت انه خطب بنت عمه و ظهر معاها وهو بيحتفل بخطوبته بيها ومفكرش في ام ابنه اللي سقطت و اختفت.
وقتها عرفت ان كل شكوكي كانت صح … و قلبي هو الغلطان.
عمار خلص على ابني وهو فبطني بعدها قعد يدور عليا عشان ميضيعش جارية زيي من ايده ولما زهق ارتبط بواحدة تانية.
بس انا هدفعه التمن … هنتقم منه يا هالة صدقيني و هستغل الكل عشان اوصل لهدفي ومش هيهمني حد خالص !

سالت دموع هالة و احتضنتها وهي تربت عليها مستمعة لكلامها المرير.
و في الحقيقة لم تكن هي الوحيدة التي تصلها كلمات مريم ، بل كل هذا الحديث كان ينتقل لذلك ال ” أحدهم ” وهو يجلس أمام حاسوبه في حجرة صغيرة …

كان جالسا يستمع لكل حرف يقال في تلك الشقة ، كل الفضل يعود إلى أجهزة التنصت الصوتية الصغيرة المزروعة بحرافية كبيرة في كل غرفة منذ سنتين ، فيستطيع معرفة كل ما يدور هناك.

رسم إبتسامة على ثغره و تشدق بعبث موجها حديثه إلى الرجل الذي يقف بجانبه :
– ديه جابت سيرتك يا سليم … يا راجل عمار الوفي.

اومأ برأسه بإحترام و رد عليه :
– اللي حضرتك كنت عايزه حصل يا بيه و مريم حاقدة على عمار بيه وقدرت تدخل للشركة.

همهم بإستمتاع معيدا تشغيل التسجيل الصوتي و علق :
– بعد اللي حصل كنت متوقع البنت ديه تبعد عن عمار نهائيا بس هي طلعت أقوى من اللي كنت فاكره و جت عشان تنتقم … صحيح عملتها جت بنتايج سلبية عليا بس انا قدرت اصلح الوضع و قربتها من المكان اللي انا موجود فيه.

– طيب حضرتك هنعمل ايه لو هي عرفت ان عمار ملوش دعوة باللي حصل ؟

– انت مسمعتش كلامها ولا ايه ديه حاقدة عليه اوي و هتاخد وقت على ما تعرف الحقيقة.
ثم تابع :
– ولما تعرف بقى هيكون فات الاوان يا سليم لاني هبقى عملت اللي انا عايزه و اكتر ، هخليها تلعب مع عمار شويا و هساعدها و اوصلها لكل نقاط ضعفه ولما نخلص منه هيجي دورها هي …و محدش هيعرف ان احنا اللي سممناها.

هتف بخبث و دهاء شديدين قبل أن يرمق مساعده برضا مادحا إياه :
– على فكرة انا مكنتش هحقق اللي عايزه لولاك … انت كنت أفضل شخص اخترته يتجسس على عمار و يجبلي اخباره و كالعادة هو مخيبش ظني وثق فيك و خلاك الشوفير بتاعه و الراجل اللي يبعته لشقته و يجيب طلبات مراته و بالتالي كان سهل عليا اعرف اسرار حياته الشخصية و اقتل ابنه واحطه في دايرة المتهمين … برافو عليك يا سليم.

إبتسم بغبطة وأنحنى برأسه مدمدما بإحترام :
– العفو انا دايما تحت أمرك ومستعد اعمل اي حاجة حضرتك عايزها … يا عادل بيه !!

_________________
ستوووب انتهى البارت
عرفنا اخييرا مين اللي سمم مريم و خلى عمار المتهم
انا طبعا مستنية رايكم بعد القفلة الصادمة ديه و قولولي لو حد منكم كان متوقع عادل يطلع المجرم

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى