روايات

رواية نيران الغجرية الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء الثامن والأربعون

رواية نيران الغجرية البارت الثامن والأربعون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة الثامنة والأربعون

حقائق مؤلمة.
_________________
” عشت كثيرا حتى أدركت …
أن الاستمرار في العَتَب تَعَب ” #نصف وجه بلا ملامح
هزت رأسها رافضة البوح و شدت شعرها بعصبية و جرح لم ينضب وقد تكالبت عليها جميع الذكريات السيئة ، فاِلتفتت تاركة اياه لكنه أمسكها وهو يصيح بغضب مماثل :
– ليه حالتك ساءت وانتي اتعرضتي لحادثة اجهاض طبيعية !

حينها فقدت اخر عصب لديها عندما ألقى عليها ذلك السؤال المباشر فاِنفكت عقدة لسانها و نظرت اليه صارخة بقوة انقطعت بها أحبالها الصوتية وهي تهدر بجنون :
– ديه مش حادثة طبيعية مش حادثة طبيعية انا اتسممت و ابني اتقتل انت سامع يا عمار الجنين اللي كان في بطني مات بسبب الشوكولا اللي انت بعتهالي !!

زلزلت كلماتها الأرض من تحتهما و هولت أمواج البحر المتلاطمة فبدى الإثنان وهما واقفان وسط الرياح القوية التي تبعث الخوف في نفوس البشر كأوراق الخريف التي ذهبت و خضرتها ف اصفرت و تطايرت من غصونها …
كان هو واقفا كالمسمار لا يتحرك من مكانه ، فقط يحدق بها و يحاول استجماع حروفها التي يبدو وكأنه لم يسمعها جيدا فخيلت له بشكل خاطئ.
و لكن شكلها و الدموع المتحجرة في عينيها و شهقاتها المتقطعة لم تكن تدل على ذلك ، فرمش عدة مرات ثم همس :
– ايه ؟ شوكولا و سم و اتقتل ؟ يعني مش لاقية حجة غير ديه ولا مفيش طريقة تانية تتهربي بيها من سؤالي ! ولا استني ديه لعبة جديدة منك صح.

هدر مستنكرا الجنون الذي تتفوه به بينما تطالعه هي بعيون تنزف بدل الدموع دما و تتذكر ذلك اليوم الشنيع فقالت بتحشرج :
– مش لعبة مني … هي ديه الحقيقة يا عمار.

حينها صرخ فيها بهستيرية و قسوة :
– مريم انتي عايزة تجننيني ! سم ايه اللي بتتكلمي عنه ده انتي واعية اللي بتقوليه الجنين مات بسبب مشاكل صحية و حالتك النفسية اللي كنتي عليها من بعد خناقنا مع بعض الدكتور قال كده !

اشتعلت عيناها بنيران الجحيم و هجمت عليه تضرب صدره بقوة مزمجرة :
– لا الدكتور قالك ع اللي حصلي وانت كنت هادي ومعملتش حاجة و جيت كدبت عليا الممرضة قالتلي ع كل حاجة.

شدها عمار من ذراعيها و غرز أصابعه في لحمها متمتما من بين أسنانه :
– دكتور ايه وممرضة ايه انتي بتستهبلي امتى حصل الكلام ده !

كان على وشك الإصابة بالجنون ، بل أنه أصيب به فعلا فأمسى لا يستوعب شيئا يقال فقط ذاكرته تستعيد شريط صور غير منظمة من يوم إجهاضها …
حينما جلس أمام باب الغرفة في المشفى وهو في حالة مزرية جعلت وليد يصطحبه الى الخارج كي يخفف عنه و عندما عاد لمح الطبيب واقفا مع سليم فأخبره ان زوجته قد أجهضت لكن حالتها مستقرة الآن ..

هذا هو كل ما حدث يومها ، فبعد معرفته بأنه فقد طفله لم يعد واعيا لما حوله و اتخذ لنفسه مكانا في طرف الرواق غير مهتم بالممرضة التي وقفت مع سليم تخبره بأشياء لم يعبأ بسماعها حتى اقتربت منه هو و تمتمت :
– الف سلامة على مرات حضرتك الله يعوضكم.
– امين شكرا.

كل هذه الذكريات كان عمار يعيدها في عقله الآن و ترجمها بالكلمات على لسانه وهو يعيد لها سرد ما عاشاه في ذلك اليوم و انهى حديثه وهو يقول بغضب :
– هو ده كل اللي حصل يا مريم بطلي تلعبي عليا و تستخدمي ابنك اللي مات عشان تقهريني اكتر !

– تفتكر لو كلامي كدب و اجهاضي طبيعي كانت ساءت حالتي و رجعت دخلت المشفى عشان اعمل عملية تنظيف للرحم ! هو مين اللي بيكدب على مين مش فاهمة.
رددت بحدة فزفر عمار و امسك راسه بيديه وهو على وشك الانفجار و ظل يلف حول نفسه بعصبية نضحت من عينيه قبل أن يغمضهما متنفسا بعمق ثم يتنفس ببطء و يعود الى مريم قابضا على كتفيها.
ازدرد ريقه مبللا حنجرته المتحشرجة و قال :
– تمام هنفترض انك مش بتحاولي تكدبي عليا … احكيلي ايه اللي حصلك بالضبط تمام.

ضغطت مريم على صدرها مكان قلبها بعدما شعرت بغصة آلمتها و حاولت سد نزيف جرحه المدموم مؤقتا كي تستطيع التحدث ، ثم طفقت تتمتم بتهدج و دموعها تنزل كالوديان :
– في اليوم اياه انا كنت قاعدة في الشقة لما وصلتني هديتك بوكس من الشوكولاطة اكلت منها شويا بعدين بدأت احس بوجع رهيب في بطني ، فكرت اتصل بيك بس فنفس الوقت اتفاجأت لما وصلني فيديو ليك انت و بنت عمك وانتو بتبوسو بعض.

هز عمار رأسه بدون أن يجرب نكران ما تقوله لأن هذا ما حدث بالفعل و حثها على المتابعة لتتنهد و تردف :
– الوجع زاد عليا جدا و حاولت اتواصل معاك لأول مرة بس انت مردتش عليا و بعدها محسيتش على نفسي غير وانا في المشفى وانت قاعد جمبي وبتقول اني سقطت … بسبب ارتفاع ضغطي جامد و سوء حالتي النفسية.

– ايوة انا فاكر كل كلمة اتقالت فعلا بعدها انا طلعت من الاوضة عشان اخلص الاجراءات مش فاهم حصل ايه بعدين !

تدحرجت عيناها في المكان باِضطراب و تردد بعدما رأت تقاسيم وجهه المنصدمة حقا و حاجباه اللذان يعقدهما بنفس الطريقة عندما يكون متفاجئا بشيء ما.
فبللت شفتيها و تابعت بهمس :
– في ممرضة دخلت عندي و اتمنتلي السلامة وبعدين …
Flash back

( – مع إني مستغربة ليه مرضيش يعمل محضر و يحقق في حادثة التسمم بتاعت حضرتك.

عقدت مريم حاجبيها وهي تتكلم أخيرا :
– محضر … يتعمل محضر ليه ؟

نظرت لها الممرضة بغرابة :
– يعني انتي مسامحة في حقك ومش هتدوري على اللي كان السبب فموت إبنك قبل ما يتولد.

جزت الأخرى على أسنانها وقد بدأت تحدق بها و كأنها شخص ذو رأسين حتى إستطاعت لملمة شتات نفسها و سؤالها :
– مش فاهمة …. إنتي بتقصدي ايه و أنا حصل معايا إيه بالضبط ؟

– يا مدام حضرتك اتعرضتي لإجهاض مقصود احنا عملنا تحاليل و لقينا مواد مسممة كبيرة في دمك و ممكن المادة اللي خدتيها كانت من آخر حاجة حضرتك واكلاها لأن مفعولها سريع.

سكتت تطالع ملامح مريم المنصدمة و التي كانت تتردد عدة جمل في ذهنها “لقينا مواد مسممة كبيرة في دمك … اخر حاجة حضرتك واكلاها… جوزك رفض يعمل محضر”
ثم تابعت بإستنكار :
– بس لما الدكتور قال للسيد عمار على اللي حصل و سأله لو عايز يعمل محضر جوز حضرتك رفض و قال مش عايز حد يعرف و انا مفهمتش ليه الصراحة بس يمكن علشان متتجرحيش أكتر. )
Back

سردت له بالتفصيل الممل فتراجع عمار الى الخلف مطالعا إياها بصدمة وكأنه يرى عفريتا أمامه ، و ازداد نسق أنفاسه تزامنا مع آلام رأسه فصاح مرددا بأن هذا غير صحيح ، و تن طفله لم يتم تسميمه لترد عليه الآخر بصراخ مماثل مدافعة عن موقفها …
مرت الدقائق وهما يتجادلان حتى عم الصمت بينهما بعدما شعرا بتمزق أحبالهما الصوتية …
و ظل صوت أنفاسهما يسود المكان ممزوجا مع صوت الأمواج حتى همس عمار بتقطع بينما ينظر الى البحر :
– انتي بتقولي انك كنتي عارفة ان ابني اتقتل … وانا كنت فاكر انها حادثة طبيعية.

لم تجب عليه فاِستطرد مكملا :
– يعني طول الفترة ديه كنتي فاكرة اني السفاح اللي سممك و قتل ابنه و علشان كده كرهتيني و حبيتي تنتقمي مني.

أغمضت مريم عيناها و الألم مرتسم على وجهها ثم تنهدت مرددة بخفوت :
– قالتلي انك رفضت تعمل محضر وانا مباشرة اتهمتك لان مفيش حد غيرك كان بيعرف بعلاقتنا و اني حامل … مكنش في حد غيرك ممكن يعمل كده خاصة انك رفضت..

– اخرسي.
قاطعها بصوت قاتم فنظرت له مريم باِستنكار ليغمغم بنبرة جافية بدون أن يدير عيناه ناحيتها :
– انتي شكيتي فيا انا وضيعتي سنين من حياتنا مفكرتيش للحظة تجي تسأليني و خليتي عيلتك وصحابك يفتكروني حيوان قتل ابنه من غير مايرفلي جفن يبقى تخرسي.
انا هعرف مين المسؤول عن اللي حصل و هبدأ من سليم لان بقالي فترة بشك فيه بعدما عرفت انهم بيراقبوني.

– عمار عايزة اعترفلك بحاجة تانية.
تمتمت مريم باِرتباك وهي تلعب بأصابع يدها وقالت :
– من فترة طويلة كلمني واحد من رقم مجهول وقال انه عايز يساعدني في الانتقام لانه عاش نفس اللي انا عشته و انت ظلمته و أذيته كتير … مرضيش يقولي اسمه ايه او حصله ايه بالضبط بس كدليل لصدقه معايا قدملي خدمة … و هو اللي قالي انك كنت بتراقبني.

مع كل حرف يصدر منها كانت خلاياه تتخدر أكثر كما لو أنها سحبت الحياة من عينيه ! اختنق بأنفاسه فجأة عندما أطبق على صدره سلك وهمي شائك غزلته وهي تتابع :
– و اتصل بيا تاني بس انا رفضت اتعامل معاه لو مبينش هو مين بيكون ومن ساعتها اختفى و رقمه مبقاش متاح.

رفع عمار يده ليرخي قميصه وقد تزعزع داخله و عصف به الإدراك القاتل !
وتتوضح له حقيقة أنه طوال هذه المدة كان يتخذ موضع الأحمق الذي تدور حوله الخطط والمؤامرات وهو لا يعلم شيئا عنها ، لم تكفه معرفة أن طفله قد قتل وزوجته اتهمته بالجريمة البشعة …
بل أدرك أيضا بأن أعداءه قريبين منه لدرجة أن يعلموا بأصغر الخطوات التي يقوم بها و كل ركن من منزله أيضا !

يا الهي ما الذي يحدث معه أين كان هو من كل هذا كيف تم خداعه و حياكة المؤامرات ضده من الجميع و حتى من زوجته ! وضع عمار يده على جبهته باِرتجاف وهو يشعر بأنه سيتعرض لنوبة أخرى فبدأ بتطبيق نصائح طبيبته و التنفس بوتيرة منتظمة و التفكير في اشياء إيجابية حتى يهدئ من روعه ولا يفقد نفسه فيفعل شيئا سيئا بهذه المرأة التي تقف أمامه الآن !

لذلك ظل صامتا لدقائق استشعرت فيها مريم بالتوجس و الخوف ، ولكن ألمها و ندمها كانا أقوى من أي مشاعر أخرى فدنت منه قليلا و لكنه عاد الى الوراء فجأة مغمغما :
– يلا عشان اروحك لبيت خالتك وانا هقضي الليلة ديه في اي اوتيل هنا … احنا راجعين للقاهرة بكره.

افسح لها المجال فطأطأت مريم رأسها و ضغطت بيديها على سترته التي وضعها حول كتفها عندما خرجا من القاعة ، ثم مشت نحو سيارته وهو من خلفها وبعد مدة قصيرة كانت تدخل لمنزل خالتها الفارغ وهي تسمعه يردد بهدوء :
– هجيلك بكره الصبح عشان اخدك.

عضت مريم على شفتها مردفة :
– ممكن افضل هنا يوم كمان بكره يوم الجمعة ومفيش شغل ف…

قاطعها عمار بدون اهتمام وهو يستدير مغادرا :
– براحتك.

اصابها الذهول من لامبالاته بها على غير العادة و بقيت واقفة مكانها للحظات مفكرة بأن عمار لم يبدي الرد الذي توقعته منه فهي اعتقدت انه سيصرخ و يكسر و يعنفها بالكلام على الاقل إلا أنه فاجأها بهدوئه.
اضافة لأنه لم يجادلها على رغبتها في البقاء ببيت خالتها ترى هل اصبح ينفر منها الآن بسبب ما عرفه ؟

انتفضت مريم بذعر ثم تمالكت نفسها و قالت :
– و ايه يعني انا مالي بيه يكرهني ولا يحبني مليش دعوة المهم دلوقتي نعرف مين المجرم الحقيقي.

أقنعت نفسها بعناد و نزعت سترته لكي تذهب وتعيدها اليه و عندما خرجت وجدته واقفا أمام السيارة و يضع الهاتف على أذنه فتقدمت منه و تسمرت مكانها حين سمعته يقول :
– الو ريماس انتي صاحية … اسف لاني ازعجتك في الساعة ديه بس انا محتاج اكلمك.

التفت على حين غرة ووجدها تقف خلفه حاملة ما يخصه فالتقطه من يدها و ركب سيارته مكملا حديثه دون أن يكلف نفسه بإلقاء نظرة عليها حتى …

_______________
مرر بطاقة المفتاح على قفل باب جناحه في الفندق ثم فتحه و ولج للداخل ، ألقى جسده على السرير مغمغما بنبرته القاتمة بكبت :
– انا مضايق … حاسس بغضب كبير و اعصابي سايبة و خايف ارجع زي الاول و اعمل حاجات مقدرتش اتحمل نتايجها.

توجست ريماس ونهضت من سريرها مرددة بحذر :
– طيب حاول تهدى شويا و صفي دماغك … قولي انت فين دلوقتي.
– انا قاعد لوحدي في اوضتي ف الاوتيل.
– تمام وانا معاك اهو و مستعدة اسمع لكل اللي بتقوله.

همهم صامتا لوهلة قبل أن يهمس :
– كنت دايما بسأل نفسي مريم كارهاني كده ليه وانا عملتلها ايه … طلعت فاكرة اني قتلت ابننا يا ريماس … معقول انا اعمل كده ليه تفكر فيا كده و مين ده اللي حرمني من ابني.
مين ده اللي عايز ياخد مني كل حاجة و ازاي قدرو يوصلولي.

هتف بحيرة أحرقت داخله وهو قاب قوسين أو أدنى من الجنون ليسمعها تهتف برصانة :
– معاك حق تنصدم و تشك في اللي حواليك مش هنكر بس مهما كان المجرم ده افضل فاكر انه ذكي لدرجة يوقع بينك وبين مراتك ويدخل السم لبيتك ويراقب خطواتك وكل ده من غير ما تحس انت بحاجة علشان كده لازم تبقى منتبه وانت بتدور عليه … متتسرعش و متنساش ان مريم كمان ليها حق تتوجع ومتقدرش تفكر بشكل صح بعد اللي حصلها.

عقد حاجباه بغضب مرددا :
– وده بيخليها تشك فيا و تتهمني ؟ انا عملتلها ايه عشان تقول عني اني قتلت بيبي لسه مشافش نور الدنيا حتى تمام يمكن أذيتها بالكلام وشافتني وانا مقرب من غيرها بس مش لدرجة تتهمني بحاجة بشعة زي ديه !

– عندك حق بس احيانا الانسان بيقع في الغلط لما يكون في حالة غضب او وجع كبير و مبيقدرش يشوف الحقيقة بسهولة هي غلطت لما هربت و مواجهتكش لكن مفيش فايدة تلومها او تلوم نفسك ع الماضي … اهم حاجة دلوقتي تركز و تحاول توصل للمجرم من غير ماتبين حاجة انا عارفة ان الموضوع هيبقى صعب عليك بس لازم تعمل كده عشان ابنك و مرات….

قاطعها بجفاء لأول مرة وهو يتحدث عنها :
– انا مش هعمل حاجة عشان مريم لان سبق وعرفت نظرتها ليا فمش ههتم بيها ومش هسامحها على ظلمها ليا طول المدة ديه.

تنهدت ولم تجرب ان تضغط عليه فسايرته و تابعت محادثتها معه لدقائق أخرى حتى استدرك بخفوت :
– دكتورة … بعد 3 ايام هيكون يوم الذكرى ال 25 لوفاتها.

أدركت سريعا أنه يقصد والدته فبللت شفتها السفلية و سألته بحرص :
– انت عايز تزور القبر بتاعها ؟

زفر عمار بخنق وغلغل أصابعه في خصلات شعره وهو يجيبها :
– مش عارف … انا كل سنة بحاول مروحلهاش بس مقدرش امنع نفسي وده بيخليني احس بالذنب يعني مش كفاية اني شاركتها في خيانتها لما سكت لا كمان هروح ازورها انتي فاهمة قصدي.

– ايوة فاهماك انت زيك زي اي طفل فقد والدته و لسه بيحبها و بيشتاقلها بس ده ميعنيش انك شريك معاها يا عمار طبيعي تحس بالود ناحية والدتك في الاول و الاخر انت ابنها و حبك ليها حقيقة مينفعش تنكرها لانها طبيعية جدا.

– بس انا بتوجع كتير لما اشوف قبرها و كل الذكريات الوحشة بترجعلي ببقى حاسس اني بختنق و بقضي الليل وانا بحلم بيها … صحيح بحب والدتي بس فنفس الوقت هي كانت مسببة رعب كبير ليا و كسرت فيا حاجات كتيرة و لسه بعاني بسببها عشان كده مش متأكد لو ينفع ازورها ولا لأ …. قوليلي انا لازم اعمل ايه.

ردت عليه ريماس بصراحة :
– مقدرش احكم عليك ف اللي لازم تعمله لان المسألة ديه متعلقة بيك انت لوحدك و مينفعش حد غيرك يدخل فيها لانك انت اللي حبيت و عانيت و انخذلت فمفيش حد يقدر نفسه مكانك و ياخد قرار بدالك فهمتني.
فكر كويس ولو لقيت نفسك مستعد تروح للمقبرة و تفضفض متترددش بس لو مش قادر متضغطش على نفسك.

أغمض عيناه براحة طفيفة من حديثها و ابتسم قائلا :
– تعرفي ايه اكتر حاجة بتخليتي ارتاح لما اكلمك … هي انك الوحيدة اللي مبتضغطش عليا و مبتحكمش عليا من غير ما تفهم و دايما بتخففي عني … بجد افضل حاجة حصلتلي فحياتي هي اني قابلتك متشكر اوي.

بادلته ريماس نفس الابتسامة و ردت عليه بعاطفة :
– انا موجودة دايما يا عمار كفاية انك تطلبني.

________________
بعد يومين كان الإثنان قد عادا الى القاهرة و تواصل عمار مع وائل على الفور و تقابلا في إحدى المقاهي الكبيرة يخبره بما عرفه ليتفاجأ الأخير و يدرك أن الأمر أخطر مما ظن بكثير فقال بجدية :
– اول حاجة لازم نعملها هي اننا نروح للمشفى اللي سقطت فيه زوجتك و نقابل الدكتور اللي اشرف ع حالتها اكيد هو شريك في الجريمة بما انه خبى التقارير الحقيقية و كدب عليك.

هز عمار رأسه و عيناه تلمعان بالحقد و السخط لافظا حروفه المتوعدة من فمه :
– و الراجل اللي اتصل بمريم و طلب منها يعملو ديل مع بعض و يتفاهمو عليا ممكن يكون هو عدوي نفسه او حد تبعه … بس لازم نتحرك بهدوء لان الشخص اللي قدر يوصل لنص بيتي و يعرف اسراري اكيد هو واحد قريب مني جدا و خطير فذات الوقت و مخلي سليم الكلب بتاعه.

– طبها هناخد بالنا بس ايه مخليك متأكد من ان سليم جاسوس مزروع عندك ؟

جز على أسنانه و ضغط بأصابع يده على كوب القهوة الساخنة مجيبا :
– اسراري كلها كانت عنده جوازي و الشقة بتاعتي وحتى هو اللي جاب بوكس الشوكولاطة من مريم وهو اللي وداني للمشفى اياه بحجة انه اقرب من باقي المستشفيات الخاصة ومع الاسف انا مكنتش داري باللي بيحصل قدامي لما لقيت مريم غرقانة في دمها علشان كده سبته يتصرف ، يبقى مفيش حد غيره ممكن يغلوه جاسوس عندي.

أماء وائل باِقتناع و ارتشف من قهوته مردفا :
– مينفعش حد يعرف باللي اكتشفته كمل في لعبتك و اعمل نفسك مش فاهم ايه اللي بيحصل قدامك و نبه مراتك متتكلمش ف المواضيع اللي بينكو في شقتكم.

– اشمعنا يعني… استنى قصدك ان ممكن …
تمتم عمار مستدركا بترقب فهز الآخر رأسه بتأكيد :
– بما انهم عرفو بحمل مراتك و بأغلب تفاصيل حياتكم ف احتمال كبير يكونو مراقبينكم و زارعين اجهزة تنصت جوا شقتكم فبيقدرو يعرفو كل حاجة عنكم.

ذهل عمار و مسح على وجهه بغير تصديق متمتما :
– ايه اللي بيحصل ده ازاي انا كنت مغفل للدرجة ديه.

لقد كان منشغلا بهواجسه و ذكرياته و كوابيسه و شكوكه الدائمة بمريم حتى ترك كارهيه يجولون براحة و دون رقيب لأنه ببساطة لم يكن مباليا بأحد آخر غيرها ، يا الهي كيف وقع في هذه الغفلة اين كان عقله.
لعن نفسه بداخله بينما يرخي أذناه لوائل الذي قال :
– مش هينفع ابعت ناس تبعي و يدخلو شقتك لان ممكن يكونو مراقبينك من برا علشان كده هعلمك ازاي تستخدم جهاز يقدر يكشفلك اذا في اجهزة تنصت في بيتك …

*** في المساء.
بعد عودة مريم لشقتها اخذت حماما طويلا و رتبت أغراضها ثم خرجت الى الشرفة مطالعة الشوارع في الخارج بشرود حتى وصلتها رسالة لهاتفها و كانت من عمار يخبرها فيها أن تشغل الموسيقى في الشقة و ترفع الصوت قليلا.
رفعت احدى حاجبيها و كادت تسأله عن مالذي دهاه إلا أنه سبقها برسالة أخرى ” في حاجة انا لازم اتأكد من وجودها في الشقة يلا اعملي اللي قولتلك عليه وانا هجي بعد شويا “.

تعجبت أكثر وزفرت بينما تنفذ ما يقوله وبالفعل حضر بعد دقائق ووجد الموسيقى عالية فتحدث بصوت عال نسبيا :
– انتي مشغلة الميوزيك ليه حد قالك انك لسه في فرح ابن خالتك.

انكمش وجه مريم بتعجب فأشار لها عمار بالحديث و مسايرته لتهز كتفها بذهول ثم تمالكت نفسها قائلة :
– مبسوطة و جاي ع بالي افرح اكتر ايه ممنوع ؟

اقترب منها عمار و همس في اذنها بأن تتابع التكلم في اشياء أخرى ريثما يقوم بفعل ماجاء من أجله لأنه من المحتمل أن يكونا تحت المراقبة ، انتفضت الأخرى بذعر فهدأها سريعا ثم ابتعد عنها و أخرج جهاز الماسح الضوئي من جيب سترته وهو يردد بينما يمرره على كل ركن في الشقة :
– لا مش ممنوع بس في اخر فترة مبقتش في حاجة تفرحك الا لو كانت بتأذيني انا شخصيا علشان كده قلقت.

قلبت مريم عيناها بتملل و اختارت عدم الانسياق وراء كلماته هذه و التركيز على المهمة المطلوبة منها فرمت عليه أجوبة عشوائية و ظل عمار يمرر الجهاز على المصابيح و ساعات الحائط و إطارات الصور و المرايا و على الأرضيات أيضا حتى أنير الماسح فجأة و بدأ يصدر اهتزازا طفيفا فقضب حاجباه بترقب أكبر و قربه للمقبس لتزداد حدة الضوء الأحمر …
ولم تمر ثوان حتى وصلته رسالة من وائل ففتح الهاتف و انحنت عليه مريم تقرأ معه محتواها :
– اشارة الترددات وصلتني اهي يا عمار … يعني انتو فعلا تحت المراقبة !
_________________
ستووب انتهى البارت اخيرا خلصته انا قلت ممكن مقدرش اكمل نصه حتى.
رايكم فيه و ايه اكتر مشهد عجبكم ؟ رايكم بمواجهة عمار و مريم وهل هو عنده حق ف انه ينفر منها بعدما عرف بالحقيقة ؟
هل هيقدر يوصل للمجرم الحقيقي ولا عادل هيلعب عليه تاني ؟
رايكم بآخر مشهد و هيتصرفو ازاي بعد ما عرفو انهم تحت المراقبة.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى