روايات

رواية نيران الغجرية الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء التاسع والخمسون

رواية نيران الغجرية البارت التاسع والخمسون

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة التاسعة والخمسون

مفتاح الحقيقة
__________________
ضغطت بيدها على المعطف الذي وضعته على كتفيها وهي تسير في الشارع بعدما تركت حفل الخطوبة إثر ما حدث بينها و بينه ، بداخلها هي لا تصدق أن شابا راقيا و هادئا مثله من الممكن أن يصدر منه فعل كهذا ..أن يقبض على ذراعها بعنف و يكلمها بتلك النبرة المخيفة مهددا أياها.
لقد اعتادت على لطافته و سماحته و ابتسامته اللبقة دوما كيف استطاع الإنقلاب في ثوان هكذا ؟

اِرتجف جسدها من شدة البرد في هذا الوقت من الليل و إشرأب عنقها وهي تحاول لمح أي سيارة أجرة تعبر و لكنها لم تجد فبدأ التوتر يتسلل الى قلبها خاصة أنها صادفت بعض الشباب الذين كانوا ينظرون إليها بجرأة و التفت لتعود الى القاعة حتى تفاجأت بسيارته الفاخرة تقترب منها ثم أطل هو من النافذة هاتفا بجدية :
– اركبي.

كبتت ابتسامتها المستريحة من وجوده معها و ادعت الإنزعاج منه فقالت :
– ميرسي مفيش داعي انا طلعت اشم هوا و هرجع لوحدي.

زفر بصبر نافذ و شدد عليها هذه المرة بنبرة آمرة :
– يلا يا ندى الناس بدأت تبص علينا.

تأففت ندى بضيق و فتحت الباب الأمامي فاِبتسم يوسف بثقة فهو كان يعلم بأن صورتها أمام الناس أكثر ما تهتم هي به ، انطلق بسيارته و ساد الصمت بينهما حتى افتتح هو دفة الحديث مغمغما :
– عارف اني خوفتك و عاملتك بطريقة مش حلوة و بعتذر … بس انا مش ندمان.

اتسعت عيناها بدهشة و إستنكار ليردف :
– مهما كان نوع علاقتك مع عمار زمان و مشاكلك مع مريم احنا اتفقنا ع اننا نحاول ننسى الماضي باللي فيه بس انا شايف انك مش بتحاولي زي ما انا بعمل و الدليل سبتيني و روحتي تغيظي في مريم و يا عالم قولتيلها ايه خلاها تزعل كده.
– اه قولي بقى انت زعلت عليها صح بس ده ميديكش الحق تشدني جامد و تهددني انا … انا خفت منك و لأول مرة مبحسش بأمان و أنا معاك.

ضغط يوسف على فكه متابعا قيادته وهو يفكر بأنه قسى عليها حقا و لكنه لم يستطع تمالك غضبه عند شعوره بأنه أداة اتخذتها صغيرة مدللة لتنسى بها حبيبها الأول و اضطر لتعنيفها من أجل أن تفهم بأنه لن يقبل مثل هذه التصرفات ، لذلك قال بينما يحدق بها من حين لآخر :
– بس انتي اللي غلطتي يا ندى وكمان لما سألتك ايه اللي حصل بينك وبين مريم رديتي عليها بتريقة و معملتليش اعتبار كأنك مش معتبراني راجل … بصي احنا عملنا deal بينص ع اننا نحاول نتعرف ع بعض في فترة الخطوبة قبل ما نتجوز بس انتي ساعات بحسك بدأتي تميلي اتجاهي و ساعات بترجعي ندى القديمة ااا…

قاطعته الأخرى سريعا تنفي ما يفكر به :
– لا انا مفكرتش بالطريقة ديه خالص I swear ، القصة اني لما بشوف اللي اسمها مريم ديه و الاقيها واقفة ببرود كأنها معملتش حاجة بحس بالقهر و بقول ازاي ديه متعاقبتش ع افعالها ساعتها ببقى عايزة اضايقها و افكرها بغلطها … ايوة انا جبت سيرة عمار في النص بس صدقني محسيتش للحظة اني غيرانة عليه او بفكر فيه زي الأول.

تنهد بوجوم ولم يرد عليها فأمسكت يده مؤكدة :
– والله يا يوسف انا مقصدتش اجرحك ولا اقل منك انت عارف انك صديق ليا قبل ما تكون خطيبي انت اللي فهمت مشاعري ووقفت جمبي فوقت كل الناس خذلتني بس انا كنت متغاظة خاصة لما حسيت انك اتعصبت عليا عشان مريم … Sorry متزعلش مني.

توقف على قارعة الطريق فجأة و نظر اليها متمتما :
– وانا بعتذر منك مكنش ينفع اعاملك كده حتى لو متنرفز منك بصي انا عمري ما عاملت اي Lady وحش وخاصة واحدة برقتك و نعومتك مبتستاهلش غير الحلو و اوعدك مش هتتكرر تاني بس انتي لو مش عايزة تكملي معايا حقك انا …

رفعت رأسها اليه مقاطعة إياه :
– انا عن نفسي معنديش نية افركش معاك يا يوسف ع الاقل حاليا انما انت أدرى بنفسك.

ابتسم براحة و هز رأسه ببطء :
– وانا عايز اكمل معاكي.

ضغط على يدها الممسكة بخاصته و طبع قبلة رقيقة عليها ثم قبلة أخرى على جبينها و انطلق مجددا ولكن هذه المرة كي يأخذها الى مكانها المفضل … الجسر المطل على نهر النيل.

__________________
منذ أن خطر تحليل الرسالة على باله وهو يعيش حالة من ثوران للأعصاب كيف غاب عن باله تفسير آخر جملة كتبها سليم إنه الآن لا يعلم إن كان ما يفكر به صحيح أم خاطئ و لكن اذا قصد سليم بالفعل توجيه رسالة مشفرة له فلن يكون لها أي معنى آخر !

احتدت عيناه و ضاقت أنفاسه فضرب المقود بعنف ثم طلب رقم وائل و رمى هاتفه جانبا بعدما أوصل المكالمة بسيارته عبر البلوتوث وبعد قليل جاءه الرد :
– ايوة يا عمار.
– انا محتاجك في موضوع مهم انت فين.
– اساسا كنت لسه هتصل بيك انا كمان اصل مدام مريم كلمتني من شويا وقالتلي انك …

قاطعه عمار بإنتباه وقد نسي للحظات ما أراد قوله :
– مريم كلمتك ليه انت جبت رقمها منين.
– لما جت معاك قبل كده ادتني الرقم علشان لو احتاجتني.
– وانا كنت فين ؟

اندهش وائل من حديثه فردد مغتاظا :
– عمار احنا فين وانت فين يابني ركز معايا و قولي انت سبت الحفل و رحت جري ليه في حاجة !

عاد الآخر لوعيه و تذكر الوضع الذي هم فيه فزفر بكبت و غمغم :
– انت فاكر الجواب اللي سابهولي سليم و قلنا ممكن الكلمات تكون مشفرة وهو بيقصد حاجة تانية توصلنا للحقيقة … ع الاغلب انا فهمت هو قاصد ايه بس مش عايز اعمل حاجة قبل ما اتأكد خايف تكون لعبة جديدة منهم.
– طيب انا لسه قاعد في المكتب تعالى عندي و خلينا نتفاهم.

بعد مدة وصل عمار لمكتب التحقيقات ودخل بعدما تأكد من أنه لا يوجد هناك شخص يراقب خطواته ، جلس مع وائل و شرح له وجهة نظره ليهمهم الآخر بتفكير :
– ده منطقي اوي يعني شجرة و جذور بيقصد بيها المكان اللي عاش فيه و بما ان الكلام اللي انت قولتهوله من قبل كان خاص بيكم انتو ومحدش غيرك ممكن يعرفه ف احتمال كبير يكون عندك حق.
– طيب احنا بنستنى ايه دلوقتي يلا.

أماء بإيجاب و جمع فريقه و اتجهوا الى بيت سليم ليجدوا شقيقه الأصغر مذعورا من اقتحامهم للمكان في منتصف الليل فطمأنه عمار قائلا :
– متقلقش احنا مش هنأذيك بس مضطرين نعمل كام حاجة في الحديقة ينفع ؟ و اوعدك هعوضك عليها اول ما نخلص.

ازدرد لعابه بإرتباك و أماء بالموافقة على أي حال فباشر الفريق بالعمل و تم حفر جميع الأماكن المحيطة بالأشجار لعلهم يصلون لشيء ما و لكن بدون فائدة ! فتمتم وائل بصوت خفيض :
– تفكيرنا طلع غلط مفيش حاجة هنا.

انفعل عمار و ضرب بقدمه على الارض بعصبية :
– يعني بردو موصلناش لطرف يفيدنا ولسه بنلف في نفس المكان.

– يمكن من الأساس الجواب اللي سابهولك مكنش فيه حاجة لان سليم كان خايف أخوه يتأذى لو اعترف عليهم … يلا نرجع احنا و الرجالة هتضبط الوضع هنا.

أومأ بإيجاب مستدركا :
– تمام بس لو سمحتو تحطو اتنين او تلاتة حوالين البيت ده لان اللي جرب يخلص ع الدكتور و قتل سليم ممكن يحاول يأذي أخوه بأي طريقة خاصة لو شك في انه بيعرف حاجة عن القضية.

طمأنه وائل و عادوا أدراجهم محملين بالخيبات ، و عند وصول عمار الى القصر دلف رأفت لغرفته سائلا إياه :
– انت كنت فين يابني ومبتردش على تلفونك ليه.

جلس على طرف سريره يتنهد بإرهاق مجيبا :
– كنت عامله silent و مسمعتوش ، وبعدين حضرتك قلقان ليه انا مش ولد يعني و اكيد مش هبقى ضايع.

تجهم وجه رأفت ممتعضا ثم ذهب ليجلس بجواره موضحا :
– انا قلقت لاني شوفتك وانت طالع من القاعة جري و عرفت ان في حاجو خطيرة حصلت لانك مش هتسيب خطوبة صاحبك بالطريقة ديه لو المسألة تافهة قولي انت وصلت لحاجة.

رمش بعينيه للحظات و بحث في طيات عقله عن حجج كاذبة يستطيع إقناع والده بها لأنه لا يريد إدخاله في هذا الأمر بعد الآن خوفا عليه.
صحيح أن المجرم قد فعل كل شيء إلا الإقتراب من فرد يخص أهله وقد فكر عمار سابقا في إحتمالية أن يكون هو نفسه جزءا من العائلة ولكن لا يمكن أن يقيس الوضع على هذا الأساس ، فَمَن تجرأ و ارتكب جرائم عدة لن يغفل عن إلحاق الأذى بكل من يتدخل في هذه القضية وهو الآن خائف على أبيه فقرر إبعاده تماما عن الأمر.

لذلك تنحنح و غمغم مدعيا التلقائية بدون أن ينظر الى وجهه :
– لا موصلتش لحاجة و ممكن منعرفش اصلا لان مفيش اي دليل يوصلنا للحقيقة و انا فقدت الأمل و قررت مدورش تاني.

سمع ضحكة خفيفة تصدر من والده فإلتفت اليه متعجبا ليتكلم الآخر بدهاء :
– صحيح انت بتقدر تعمل حاجات كتير بس لسه مبتعرفش ازاي تضحك عليا بقى انا ابني عمار البحيري اللي مبيهداش قبل ما يعرف دبة النملة فين بيجي يقولي انه فقد الأمل في موضوع حساس جدا وانا لازم اصدق ؟

كاد عمار يتكلم لكن رأفت قاطعه :
– انت ممكن تكون ورثت صفات كتيرة من والدتك بس متنساش انك شايل چينات عيلة البحيري و احنا معروفين ب اننا مبنهداش قبل ما نوصل للي عايزينه علشان كده انا متأكد انك لسه متابع التحقيق مع وائل بس حصلت حاجة خلتك عايز تبعدني عن القضية قولي ايه هي يا عمار.

– انا … انا …
أخرج من فمه كلمات متقطعة و تردد من الإفصاح عما يشعر به حتى حسم أمره فأردف دفعة واحدة :
– انا خايف عليك مش عايزك تتأذى بسببي لان اللي أذاني و أذى مراتي و قتل ابني و اتخلص من ايده اليمين بكل برودة دم قادر يوصل لأي حد تاني قريب ليا وانا مش مستعد يا بابا اخسرك انت كمان كفاية اللي ….

بتر كلماته فجأة مستوعبا ما قاله فاِلتفت ببطء ناحية والده ليجد بأن هذا الأخير يحدجه بذهول و صدمة كأنه يحاول معرفة إن كان ما يعيشه حقيقة أم خيال ، ليبتسم بخفوت و يهمس :
– انت قولتلي … قولتلي يا بابا.

أخفض بصره بإحراج كمن فعل شيئا مشينا أو ليس من حقه و هتف مراوغا :
– هو يعني … مش حضرتك والدي … الكلمة خرجت مني بتلقائية من غير ما احس.

باغته رأفت وهو يجذبه اليه و يعانقه بقوة و الدموع تأخذ مجراها على وجهه فبادله عمار بعد تردد منه و اختار في النهاية أن يتبع رغبته مثلما أخبرته ريماس ، لقد مر وقت طويل جدا على مناداته ب “أبي” وجها لوجه و على عكس ما توقع فهو الآن يشعر براحة كبيرة …. راحة لم تزره منذ كان طفلا !
_____________________
قطعت الرواق ذهابا و إيابا وهي تتنفس بحدة و تعبث بخصلات شعرها التي كادت تقطعها منذ تركها عمار وسط الحفل مكلفا السائق بإيصالها للمنزل عند إنتهاء السهرة ، لا تعلم بالذي أصابه فجأة و جعله يركض الى سيارته لقد ارتعبت كثيرا و فكرت انه شيء متعلق بالتحقيق فإتصلت بوائل و أخبرته عما حدث لعله يلحق به و هاهي تنتظر مكالمة منه او من عمار لكن بلا فائدة.

زفرت مريم بإنفعال و همست :
– يا ترى ايه اللي حصل و ليه اتحول فجأة لما قلت الجذور معقول يكون قدر يوصل لحاجة من الكلمة ديه.
يا ربي انا قلقانة هو لسه متصلش بيا ليه.

التقطت هاتفها و ارتجفت أصابعها على الأرقام مترددة من الإتصال به لأنها سبق وأن وعدت نفسها بألا تطلب رقمه مجددا فإذا فعلت ولم يجب عليها “مرة ثانية” لا تعلم حينها ماذا ستفعل.
تأفلت مريم بحيرة مابين الإنصياع لقلبها أو لعقلها لتزول حيرتها و تحل مكانها اللهفة عند رؤية إسمه يضيء على شاشة هاتفها ففتحت الخط على الفور :
– الو ايوة يا عمار انت فين.
– هكون فين يعني طبعا فبيتي.
– افندم يعني انا قلقانة عليك و بقالي كام ساعة مستنية مكالمة منك عشان تطمني و تفهمني سبتني و مشيت روحت ع فين بس انت قاعد مرتاح في بيتك ؟

استنكر عمار هجومها و انزعج منه فغمغم بتهكم حاد :
– لا والله وانا لازم اصدقك صح ماهو انتي لو فعلا قلقتي عليا كنتي اتصلتي ولا ممعكيش رصيد …. صمت يتنفس بغضب حتى هتف بإستدراك :
-استني متقوليش انك لسه عند حلفانك متتصليش بيا تاني بعد اول مرة عملتيها وانا ملحقتكيش ؟

تبكمت مريم و لعنت نفسها لأنها تسببت بفتح هذا الموضوع فحاولت تغيير دفة الحديث قائلة :
– سيبك مني و قولي انت روحت ع فين انا خفت عليك لما لقيتك ااا…

قاطعها عمار بنزق :
– مفيش انا افتكرت اني وصلت لحاجة تفيدنا بس طلعت غلطان هبقى اشرحلك بعدين يلا تصبحي على خير.

اندهشت مريم من حالته هذه و نطقت على الفور لكي تلهيه عن أغلاق الخط :
– طيب استنى انت متصل عليا ليه.

سخر عمار من نفسه عند تذكره بأنه أراد مشاركتها بآخر ما حدث بينه و بين والده منذ قليل مطبقا لنصيحة ريماس التي أخبرته بأن يشارك لحظاته الجميلة مع الأشخاص الغاليين على قلبه و لكن هاهو يتشاءم بعدما أدرك بأن مريم لا تزال قابعة في مركز بعيد عنه ولم تجرب أن تتخطى الماضي مثلما يفعل هو الآن فهي ترفض أن تتصل به في حين أنها تحدث وائل كأنه صديقها !
لذلك أصبح يدرك بأن تلك النقطة المشتركة التي أخبرته عنها الطبيبة لم تجمع بينهما بعد فقرر تجنب الأمر من أصله و أردف بإيجاز :
– مفيش انا كنت هسألك ع حاجة تخص الشغل بس خلاص افتكرت ان التفاصيل موجودة في الايميل بتاعي تصبحي على خير.

لم يمهلها فرصة للرد لأنها سرعان ما سمعت صافرة إنهاء المكالمة فحدقت في الهاتف بصدمة محدثة نفسها :
– ده اتجنن ولا ايه.

لوت شفتها بإمتعاض و هزت كتفيها بإستسلام إلا أنها توقفت سريعا مفكرة :
– يعني هو دلوقتي هينام ولا هيقعد يكمل في الشغل اللي بيتكلم عليه ده … ولا ممكن يكلم ريماس ديه او ندى او اي ست تانية ما الباشا دنجوان زمانه بقى بس والله العظيم لو عرفت انه بيلعب بديله زي الاول هندمه ماهو انا مش مضطرة استحمل وجع القلب ده تاني.

أنهت تهديدها و جلست على الأريكة ممسكة الحاسوب لتتابع عملها الذي تركته في المنتصف ثم دخلت لمجموعة الواتساب المشتركة مع بقية المتدربين فتفاجأت بإحداهن تقول لأخرى بأنها تحدثت مع السيد عمار منذ قليل حول بعض التفاصيل و هو بدوره شكرها و أثنى على عملها.
حينها خطرت على بال مريم فكرة مناسبة فسارعت تنفذها لترسل أحدى الملفات الى عمار مدعية إهتمامها به ” استاذ عمار انا خلصت الfile ده بقدر ابعته للمدام ماري ولا لأ “

جاءها الرد بعد دقائق ” محتاج يتضبط شويا ابقي اطلبي من يوسف بكره يعدله معاكي بما انه هو المسؤول عن شغلك مش أنا لأن الوقت متأخر دلوقتي.

قرأت مريم الرسالة بغيظ و قلدته :
– محتاج يتضبط اطلبي من يوسف يعدله الوقت متأخر دلوقتي نينيني … ماهي لو سهى اللي عملت الملف كان هينزل فيها مدح ده انت رخم و دمك سم.

” اشمعنا مش دلوقتي انت بتقصد اني بكلمك في وقت غلط ولا ايه ”
” ايوة لاني في الوقت ده انا مش مديرك ”
” يعني مش مضطرة اعاملك دلوقتي برسمية صح ؟”

قرأ عمار رسالتها بإستغراب لكنه أجاب على أي حال ” المفروض ايوة “

ضحكت مريم و أرسلت له بعد ثوان صورة للقط “توم” وهو يعقد يديه و يعبس بوجهه و تبعتها بكلماتها ” انت بتبقى شبهه وانت مكشر “

اعتدل الأخير في جلسته و حدق في الصورة بذهول قبل أن تتسع إبتسامته و تتحول لقهقهة عميقة خرجت من داخله حتى ادمعت عيناه ، ثم أجرى معها مكالمة فيديو و هتف بمجرد ظهورها على الشاشة :
– انا عمار البحيري بشبه توم ؟ وانتي شبه مين بقى الساحرة خالة الاميرة النائمة أورورا.

– ايوة و هعمل عليك تعويذة دلوقتي عشان تبطل برودك ده.
قالتها بغيظ مصطنع فلم تمر ثوان إلا و هما ينفجران ضحكا على أحاديثهما التافهة …
___________________
في اليوم التالي.
توقف بسيارته أمام ذلك المنزل المتواضع و طرق الباب ليفتح له ذلك المراهق الذي لم يصل لسن العشرين فتنحنح مرددا :
– صباح الخير يا هشام بعتذر لاني جيت من غير موعد بقدر ادخل ؟

تمالك دهشته و أفسح له المجال فدلف الأخير مطالعا بطرف عينه حالة المنزل المهترئ لكي لا يسبب له الإحراج ثم استمع لهشام وهو يقول بصوت خفيض :
– اتفضل يا عمار بيه انا هجيب لحضرتك شاي و …

قاطعه عمار بهدوء :
– لا انا جيت علشان اطمن عليك بس و اعرف انت محتاج ايه.

رفع الشاب الصغير رأسه بكبرياء مجيبا :
– الحمد لله مستورة مرتب ابيه سليم ربنا يرحمه بيكفيني وانا من بكره هنزل ادور على شغل عشان مصاريف جامعتي.

طالعه وهو يحاول الحفاظ على مياه وجهه رغم الوضع الذي هو به فاِبتسم بإعجاب و اقترب منه يربت على كتفه متسائلا :
– انت لسه في اول سنة صح هتقدر ازاي تلحق ع دراستك و الشغل مش شايف ان ده كتير عليك.
– لا يكلف الله نفسا إلا وسعها يا بيه هقدر اوفق بين الاتنين بإذن الرحمٰن.

لمعت عينا عمار بدهشة من إجابته التي تدل على وعيه و مدى صبره و قوته و إيمانه فتنهد متأكدا من أن اللف و الدوران لا ينفع مع هذا الشاب و دخل في الموضوع مباشرة :
– بص يا هشام انت عارف اني بعتبرك زي اخويا الصغير و ياما اعتنيت بيك و خدت بالي منك انا مش بذلك على فكرة بس اعتبرني بطلب منك تعمل نفس الشي و تساعدني … عايزك تقولي اذا كنت عارف او سمعت اي حاجة من اخوك بتدل ع انه كان بيتعامل مع ناس خطيرة و بيهددوه.

ازدرد لعابه بإضطراب ثم عقب عليه :
– ابيه سليم الله يرحمه مكنش بيحكيلي حاجة من وقت لما بطل يمسح الجزم في الشوارع من حوالي 7 سنين و بدأ يشتغل عند واحد باين عليه مالي هدومه.

ضيق عمار حاجباه و ركز معه مفكرا بأن سليم انضم لرجاله منذ أربع سنوات فقط وكان حينها قد مر على زواجه بمريم 5 أشهر فإستطاع كسب ثقته في وقت قصير و أطلعه على سر وجود اِمرأة في حياته مكلفا إياه بالإعتناء بسلامتها و تلبية طلباته عند غيابه.
هذا يعني أن الرجل الذي خلصه من وظيفة مسح أحذية الناس في الشارع فعل هذا خصيصا كي يكسب إمتنانه طوال حياته و بالتالي ينفذ جميع أوامره التي كان من ضمنها التسلل لخصوصيات عمار و التجسس عليه و أذيته !

قبض على يده بعنف و كتم سبابا بداخله ثم نظر لهشام معقبا :
– طيب انت ملاحظتش حاجة غريبة عليه قبل ما يموت بفترة.

أنكر وهو يهز برأسه ليتمتم :
– لا ابيه جه وقالي عنده شغل مهم هيغيب فترة ولما طلبت منه ياخدني معاه رفض وقال مش هينفع عشان الكلية وبعدين اتصل بيا و فاجأني بأنه هيسافر لبرا البلد و بعد كام يوم هيخليني احصله بس … هو اتوفى ..

اختنق صوته عند آخر جملة نطقها و نزلت دموعه التي كان يحتبسها طويلا ثم نظر لعمار هاتفا بقوة مهزوزة :
– يا بيه انا مش فاهم ايه سبب أسئلتك ديه و مين دول اللي جم امبارح وكانو بيحفرو في الارض ليه انا مش عيل صغير عشان مفهمش ابوس ايدك فهمني ايه اللي حصل ل اخويا بالضبط هو اتوفى فحادث طبيعي ولا … ولا اتقتل علشان كده انتو نازلين عليا تحقيق من ساعة جنازته رد عليا عشان اعرف اخد حق اخويا بإيديا !

– لا انت مش هتعمل حاجة غير انك تاخد بالك من نفسك و دروسك وصدقني لو عندك حق القانون اللي هياخده … يلا انا همشي دلوقتي و اهو رقمي عندك فحال كنت عايز حاجة.

هز رأسه بتأكيد و اتجه ناحية الباب مغادرا و عند عتبته اوقفه هشام مناديا بعدما تذكر شيئا مهما :
– استنى يا عمار بيه … انا لقيت مفتاح في اوضة اخويا ومعرفتش هو تبع ايه وقلت ممكن يكون تبع اي حاجة تخص شغل حضرتك لانه سبق وقالي انه مهم عندك ولو شوفتك لازم اديهولك.
دخل لغرفته و عاد بعد لحظات يعطيه لعمار الذي أخذه منه بإستغراب لأن كل خزينة لديه و حتى سيارته تعمل إلكترونيا ولا تحتاج لمفتاح قديم الصنع كهذا ، أماء له بشكر و التفت فوقعت عيناه على صورة قديمة معلقة لمنزل في غاية التواضع يقف بجانبه رجل يبدو في الخمسينات من عمره وهو يمسك امرأة تحاوط طفلا لم يتجاوز سن الخامسة ربما.

ركز عمار في الصورة و سأل بجدية :
– الولد الصغير ده أخوك و دول عيلتك صح.

ظهر على هشام الحسرة وهو يجيبه :
– ايوة كنت انا لسه متولدتش وهما كانو عايشين في بيتنا القديم قبل ما ينتقلو لهنا

غامت عيناه و شرد في تفكيره منتبها لحديث الآخر وهو يستطرد :
– بس حتى بعد ما جينا لهنا ابيه سليم فضل يزور البيت ده و يعتني بيه لان فيه ريحة أهلنا الله يرحمهم.

نعم لقد أخبره سليم ذات مرة بأنه وُلد في بيت آخر و انتقلوا الى هنا عند إيجاد أبيه لعمل جديد و حتى أنه قد أعطى له العنوان ففكر عمار بأن حديثه هذا و تفاصيله من باب الثرثرة لا أكثر فلم يكترث كثيرا بما يقوله.
اللعنة ، كيف غاب هذا عن باله !

كاد يقتلع الباب وهو يفتحه بقوة و يركض الى سيارته متجها للمنطقة التي أخبره عنها سليم و بعد ساعتين وصل و قابل نفس المنزل الموجود في الصورة و للصدمة … كانت في حديقة شجرة ليمون واحدة مغروسة !
حينها لم يتمهل بل ركض ناحيتها يتفقد جوانبها و يتحسس تربتها حتى وصل لبقعة شعر من خلال تلمسها بأنها حديثة الحفر و لكي يتأكد من حدسه بحث عما يساعده ففتح باب غرفة مجاورة ووجد أداة تساعد على الحفر و طفق يستعملها في حفر تلك البقعة بتصميم و عزيمة حتى وصل الى مراده … ووجد صندوقا مدفونا و مليئا بالأتربة !

انتشله عمار سريعا وهو يكاد لا يصدق ما يعيشه الآن ثم أخرج ذلك المفتاح من جيب سترته بيد مرتجفة و حلق جاف و فتحه لتخرج من داخله أوراق يكاد لا يحصيها من كثرتها فأخذ نفسا عميقا وقد أدرك بأنه وصل لنهاية الطريق أخيرا وهاهو على وشك كشف هوية الشخص الذي قلب حياته رأسا على عقب ….

وثائق إختلاس و نصب ، تعاملات مع أشخاص مشبوهين و تسجيلات تخصه هو وتدل على المكائد التي نُصبت ضده ، و عدة أوراق أخرى اختنقت لها أنفاس عمار و احمرت من إثرها عيناه وهو يجد مالكا واحدا لكل هذا ، المجرم الذي فعل الكثير له و لعائلته و للشركة ، عادل البحيري !!

___________________ ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه و بكل مشهد يخصه ؟
اخيرا وصلنا للي كنا حابينه و عادل اتكشف يا ترى عمار هيعمل ايه بعد كده و هيعاقبه ازاي ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى