روايات

رواية نيران الغجرية الفصل التاسع عشر 19 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الفصل التاسع عشر 19 بقلم فاطمة أحمد

رواية نيران الغجرية الجزء التاسع عشر

رواية نيران الغجرية البارت التاسع عشر

نيران الغجرية
نيران الغجرية

رواية نيران الغجرية الحلقة التاسعة عشر

نزاع للعيش.
_________________
” أكان ذنب المرأة أنها صادقة فصدقت ، و أنها مخلصة فأخلصت ، و أنها رقيقة فلانت
و أنها محسنة فرحمت ، و أنها سليمة القلب فإنخدعت ! ” # الرافعي

ضمت وجهه بين يديه و عند عدم تمنعه اقتربت منه أكثر و في لحظة مجنونة حطت بشفتيها على خاصته تقبله بنعومة مستسلمة لرغبتها !!
مرت ثوان يحاول فيها عمار إستيعاب ما حدث ولم ينتبه لكونه يستجيب لقبلتها فضم خصرها بين ذراعيه يبادلها لكن عند إدراكه أن التي أمامه ليست مريم بل هي إبنة عمه الصغرى انتفض يدفعها بعيدا عنه و يقف صارخا بلهاث :
– ندى ايه اللي عملتيه ده !!

شهقت عائدة للخلف بخطوات مرتجفة و ذهول من فعلتها الصادمة و ردة فعله فهو قد إستجاب لقربها للتو لكن خزيها و حرجها من نفسها كانا أكبر من تحليل ردة فعله فهمست بحروف متقطعة :
– مش قصدي …. انا معرفتش عملت كده ازاي … عمار ااا انا …

رمقها بعصبية و أدار ظهره لها فتحركت و غادرت الغرفة مسرعة تاركة إياها يضغط على رأسه و يكلم نفسه بصدمة :
– ايه اللي انا عملته ده …. ازاي … عقلي كان فين ازاي اتخيلتها مريم و اتفاعلت معاها … و ندى …

تذكر ما حدث فأغمض عيناه يسب نفسه على ضعفه أمامها كيف إنفلتت زمامه و اقترب من إبنة عمه …. المرأة الوحيدة التي ربطته بها علاقة بريئة صافية !
و مريم زوجته …. لقد كان يشك فيها و يتوقع خيانتها له في أي لحظة و الحال أنه هو من فعلها … كيف سينظر في عينيها مجددا !!

زفر عمار وقد إحتقن وجهه من الإنفعال فضرب الحائط بقبضته هامسا :
– ده مش غلطي … انا مش فوعيي و ندى اللي قربت مني … هي الغلطانة مش أنا بس مريم …

دخل إلى الحمام و نثر بعض قطرات المياه على وجهه ثم خرج ضاغطا على شفته بعنف خاصة عندما سمع زوجة والده تناديه من أجل تناول فطور الصباح لكنه أخبرها دون فتح الباب لها أنه لا يريد تناول شيء فتركته على راحته ….

________________
في نفس الوقت.

إعتدلت في جلستها على الأريكة في الصالة وهي تتأمل بوكس الشوكولاطة التي وصلتها منذ نصف ساعة مع رجل زوجها ، و أخبرها أن السيد عمار طلب منه إختيار هذه الهدية بعناية و تزيينها مع الحرص على جلب كل الأنواع المفضلة لديها.

تنهدت و إستندت بوجهها على يدها تحدي في خاتم يدها بمرارة ، مريم لم تعد تفهم عمار ولا تفهم تصرفاته أبدا ، من جهة يمارس عليها الترهيب النفسي و يؤذيها بكلامه و من جهة أخرى يحضر لها هدايا و يطبخ لها و يعتني بصحتها عندما تتعب …
لم تعد تعرف ماهية حقيقته ولا نواياه ، لكن ما هي متأكدة منه أن عمار له جانب غير الجانب ” الراقي” الذي يختص به ، طرف يخفيه عن الناس و يظهر فقط عندما يعرف أن كلامه لا يُنفذ و أوامره تُعصى !!

هي لا تعرف إلى أي حد ممكن أن تصل نوبات جنون عمار ، لا تعرف بالضبط ماذا سيفعل بشأنهما ، لكن ما تدركه أنها كانت مخطئة طوال هذه الفترة في رؤيتها له ، أن تصرفاته الهادئة معها عادة لم تكن نابعة عن لطافته و إحترامه لشخصها ، بل كلها كانت مزيفة لغرض ما !!

تأوهت مريم بتعب و دلكت جبينها متمتمة :
– جايبلي بوكس شوكولا بعد ما أهاني فاكر يعني إني هنسى اللي قالهولي و عمله فيا بسهولة كده.

أشاحت وجهها بضيق لكن عادت و نظرت إلى هديته و كمية الشوكولاطة المغرية التي تقابلها ، ستكون كاذبة لو قالت أنها لم تشتهي تناولها جميعها لكن إستياءها من صاحبها يحول دون ذلك.
نفخت بتذمر و نهضت لتتفحص البوكس و عيناها تجولان بإشتهاء عليه حتى زفرت مستسلمة و ملست على بطنها تحدث صغيرها شبه ضاحكة :
– شكلك انت كمان عايز تدوق خلاص يا حبيبي متزعلش هتاخد منها حته بما أن باباك جابهالنا مخصوص.

أخرجت قطعة صغيرة من النوع الفاخر و قضمت منها لتغمض عينيها بلذة و تهمهم مستمتعة بمذاقها الرائع ، أخذت قطعة أخرى و أخرى وقد إزدادت شهيتها بمعدل بالغ لتنهي كمية معتبرة منها و أخيرا نظرت إلى نفسها وهي تضحك مرددة :
– انا قولت لعمار مرة واحدة اني بحب أنواع معينة و ده كان من زمان معقول لسه فاكر لحد دلوقتي.

ثم جلست مريم مجددا تفكر في شرود :
– معقول بعت الهدية كإعتذار على اللي عمله معايا و بيكون قرر يعلن جوازنا … طب لو ده اللي بيحصل فعلا انا هعمل ايه هسامحه و انسى اللي قاله و عمله معايا …

سكتت لثوان قبل ان تضع يدها على بطنها تبتسم بحنان :
– انا هعمل اي حاجة علشانك يا حبيبي حتى لو اضطريت ادوس على قلبي و كرامتي … انا كده كده مش تقدر اقف فوش أبوك و اتحداه.

تلون وجهها بالحزن و الإنكسار لكن أقنعت نفسها أن عمار نادم على ما فعله و سيأتي ليعتذر منها و يعيشا سويا في علاقة زواج طبيعية …. سيكون لها الحق بأن تسمى زوجته و طفلها سينتسب لعائلته بكل فخر …. عمار لن ينفذ تهديداته و بالتأكيد سيحميهما !!

دخلت إلى غرفة المكتبة تطالعها بشغف وقد أعيدت لها طاقتها نوعا ما … معظم سعادتها تتعلق بالكتب و رائحتها الساحرة إنها نسخة عن والدها المرحوم لقد ورثت عنه عشقه و إدمانه على القراءة و لكنها للأسف لم ترث قوة شخصيته هو و أمها.

نفثت مريم تلك الأفكار السوداوية من رأسها و شردت في أخرى أعادتها للماضي …

Flash back
( كانت مستلقية في حضن عمار بعد ليلة عاصفة بينهما في بداية زواجهما …
كانت حينها لا تزال تخجل منه و تخاف من التكلم بأريحية لكنه حثها على الحديث دون إرتباك و بالفعل بدأت تحدثه عن نفسها و عما كانت تفعله في السكن الجامعي أيام حتى زل لسانها و أخبرته أنها كانت تقضي معظم وقتها تقرأ كتب أبيها و تستعير أخرى من مكتبة الكلية …

أخفض رأسه لها متسائلا بلهجة قوية :
– انتي بتحبي الكتب اوي كده ؟

تلجلجت مريم و فكرت أنه من الممكن أن يكون تضايق أو هو من النوع الذي يستهزئ من فكرة أن الناس من طبقتها لا تفيدهم المطالعة بشيء ، لكن كان يجب عليها أن ترد فأجابت عليه بخفوت :
– ايوة بحبها و بحب اقرا كتير حتى اني جبت معايا شوية كتب من بتوع والدي الله يرحمه …. مقدرتش أجيبهم كلهم معايا للأسف.

لاحت على وجهه إبتسامة أدهشتها ثم غمغم وهو يداعب بإصبعه خيط الشعر الملون الذي ركبته مع خصلاتها :
– أي نوع بتحبي تقري.

إرتاحت مريم من ظنونها السوداء نوعا ما و سعدت لكونه إهتم بما تقوله فهمست وهي ترفع الغطاء على جسدها العاري :
– مفيش نوع معين انا بحب اقرا كل حاجة …. بس يعني الروايات الرومانسية و الأساطير القديمة بتلفت إنتباهي أكتر.

همهم عمار و إلتزم الصمت فإعتقدت أنه غير مهتم بما تقوله ولامت نفسها على ثرثرتها المزعجة و صمتت أيضا.
لكن بعدها بيومين سمح لها بالخروج مع صديقتها صباح اليوم و حينما أعادها بنفسه في المساء دخلا سويا للشقة و فتح عمار باب الغرفة الفارغة التي لم تعد كذلك …. فهاهو قد حولها إلى جنة على الأرض !!

شهقت مريم بذهول و لهفة و هي تتطلع إلى تلك الرفوف العالية التي ربط بينها خيوط مضيئة بألوان هادئة تحمل كتبا عديدة لم تحصها من كثرتها …. و طاولة متوسطة الحجم متبوعة بكرسي بجانب الأرفف عليها دفاتر ملونة و أقلام مصطفة بترتيب بالغ.

و في طرف الغرفة وضع أريكة واسعة باللون الرمادي الفاتح تحيط بوسائد جانبية صغيرة مع منضدة زجاجية صغيرة و لم يكفي ذلك بل وضع على الأرضية كرات كبيرة مضيئة إنبعث نورها في الأرجاء …. لترى عالمها الذي تبدد عند تحويل مكتبة والدها إلى غرفة تخص إبن عمها المدلل …. يصنع من جديد و بأحلى صورة لم تتوقعها حتى في أحلامها !!

شهقت بلوعة و ركضت إلى الأرفف تتأمل الكتب بلهفة و إنصدمت عندما رأت كتب أبيها على الرف الأول فنظرت إلى عمار الذي إبتسم بشجن :
– انا بعت رجالتي لبيت عمك امبارح و جبت كل كتبك و رواياتك و وصيت على مجموعة من الكتب الأجنبية اللي بتتكلم ع الأساطير و الأشعار و روايات رومانسية لسه نازلة طبعتها الأولى …. تماما زي ماانتي بتحبي.

وضعت مريم يدها على فمها غير مصدقة لما تسمعه و أنه فعل كل هذا من أجلها هي و دون أن تطلب حتى ، ثم لم تشعر بعينيها اللتان إغرورقتا بالدموع متأثرة و عقلها يعجز عن معرفة إن كان هذا حلما أم حقيقة.

فتحت كتابا تلوَ الآخر تشم أوراقه بعمق مثل المهووسة كأنها تسترجع رائحة ماضيها مع والديها ثم وضعت ما بيدها جانبا و تحركت تتلمس الطاولة و الدفاتر و الاريكة و الكرات المضيئة و تتأرجح بحماس على أرجوحتها الجميلة …. حتى ذلك البساط الأبيض ذو الملمس الحريري الناعم الموضوع على الأرضية أسفل الأريكة لم تتوانى مريم عن تمرير أناملها عليه !

و في لحظة متهورة ركضت إلى عمار تقبله بقوة و تعانقه مرددة كلماتها الممتنة … كانت هذه أول مبادرة منها منذ زواجهما من أشهر قليلة … و في ذلك اليوم بدأ الإعجاب يتحول إلى حب إستطاع عمار زرعه في قلبها دون شعور منه …. ثم لامها بعد ذلك على حبها له !! )
Back

أفاقت مريم من شرودها على دمعة نزلت في غفلة منها و تنهدت وهي تسحب كتابا بعشوائية ثم تجلس على الأريكة تقلب صفحاته بشرود حتى سقطت عيناها على جملة باللغة الأجنبية
( Be strong because things will get better , It may be strong now , but it never rains forever.

كن قويا فلأمور ستتحسن ، قد يكون الطقس عاصفا الآن و لكنها لن تمطر إلى الأبد ).

ظلت مريم تقرأ بصمت حتى بدأت تشعر بوخزات تصيب بطنها لكنها لم تركز كثيرا و شيئا فشيئا إزداد الضغط فوضعت يدها على بطنها تتأوه بألم.
تحاملت على نفسها ووقفت متجهة إلى الصالة أين تركت هاتفها و عندما سمعت صوت وصول رسالة أسرعت إليه بلهفة معتقدة أنه عمار لتخبره بأنها تشعر بالألم ….. مؤكد سيأتي إليها و يأخذها إلى الطبيب.

فتحت الرسالة دون رؤية رقم صاحبها في لهفة تبددت على الفور …. و حل محلها ذهول قاتم …. و عيناها تصرعان برؤية مقطع الفيديو الذي قابلها للتو !!

إرتدت للخلف منتفضة كمن لسعتها نار حارقة وهي تشخص بصرها على المشهد أمامها ….. كان مشهد طعن قاتل بطله زوجها و أداته الخيانة …. خيانة تجسدت في عمار عاري الصدر وهو يحصر إبنة عمه بين ذراعيه و يقبلها بشغف على سريره !!

شعرت مريم بالدنيا إسودت في عينيها و إهتزاز أسفل قدميها المرتجفتين مطالعة المشهد مرارا بأعين فارغة.
و بالكاد إستطاع عقلها المغيب التنبه إلى تاريخ تسجيل المقطع المسمر بأرقام جعلتها ترتخي و تذوي …..

و تسقط أرضا تحت وطأة الصدمة و البشاعة التي إستحالتها بعنف عند رؤيتها لتاريخ اليوم المسجل على الفيديو و بالتحديد منذ ساعة واحدة فقط.
أي بعد إرساله هديته المزينة بقناع رسم لها جماله المزيف …. مزيف مثله هو !!

سحبت مريم شهيقا عميقا تسترد به أنفاسها المخطوفة و عادت تحمل هاتفها بيد مرتعشة و عينين جامدتين كي تعيد مشاهدة مسرحية حقارته و خداعه لكن للمفاجأة كان المرسل قد حذف الفيديو بعد رؤيته لعلامة مشاهدتها …. يا إلهي مالذي يحدث الآن !!

جاهدت مريم لكسر بكمها وهي تهمس بحروف متقطعة :
– انت … ااا انت .. خ … خنتني … ل … ليه … ليه.

صرخت بغتة صرخة إهتزت لها جدران الشقة لكن لم تكن بسبب ألم الخيانة فقط هذه المرة … بل بفعل بطنها التي إنقبضت بعنف و أصبح ألمها لا يحتمل !!

إنحنت مريم للأمام تصيح ببكاء وهي تشعر بإنسحاب روحها من جسدها ثم سقطت على الأرضية الباردة تكاد أنفاسها تنقطع ، وضعت يدها على بطنها هامسة بجنون باك :
– لأ يارب لأ … يارب احفظلي ابني أنا مليش غيره … عمار … عمار ….

مدت يدها بضعف إلى هاتفها و دخلت لسجل الأرقام فقابلها إسمه و قررت الإتصال به … حتى لو خانها لكن بالتأكيد سيحضر ليساعدها …. فهو أخبرها سابقا أن لا تتصل به إلا لأمر ضروري جدا و اذا اتصلت به في يوم من الأيام سيأتي إليها سريعا !!

إزدادت دموعها لكنها داست على رقمه و دعت مرارا أن يجيب عليها سريعا …. هذه أول مرة تتصل رجاء أجب …

لكن الحياة لم تكن منصفة لهذه الدرجة …. فهاهو يرن بإستمرار حتى إنقطع الرنين …. و لم يفتح عمار الخط في أول طلب مكالمة لها معه !!

عضت على شفتيها بقوة حتى أدمتها و جربت التحرك ولكنها لم تقدر ، رفعت عينيها إلى باب الشقة المغلق و تمنت أن تصرخ فيصل صوتها إلى من في الخارج و يهرعوا لينقذوها.
أو ان يدخل عمار الآن و يخبرها أنه لن يحدث مكروه لطفلهما ، و لكن لم يحدث.

هاهو الباب مغلق ، ولا أحد يستطيع إنجادها.
دسَّت مريم رأسها في الأرض تنتحب بألم حتى تفاقم الدوار و الألم فإستسلمت لموجة الظلام التي غرقت بها … !

_________________________

عاد بظهره إلى الخلف وهو ينفث دخان السيجارة من فمه إلا أن روائح النيكوتين المنبعثة من لفافة التبغ المحترقة لم تفلح هذه المرة في رسم الإنتشاء على محياه ، بل كانت منقبضة و أعصابه مشدودة تكاد تتمزق.

زفر عمار بعنف مدلكا بيده عنقه المتعرقة ثم تأفف في سخط عند تذكر ما حدث بينه و بين ندى و حينما سمع صوت رنين هاتفه يعلو كاد سينهض و يجيب لكنه توقف و بعد دقيقتين رن ثانية فقرر تجاهله ، فرغم أنه إرتدى ثيابه الرسمية للعمل إلا أنه طاقة له الآن لكي يتكلم مع أحد.

وبعد ربع ساعة أخرى نهض و تحرك نحو سريره بوجوم ، وجوم تحول إلى ذهول و صدمة عندما فتح هاتفه و رأى إسم مريم يرن يضيء أمام عينيه ، ذلك الإسم الذي لم يره على قائمة الإتصالات الواردة منذ زواجه منها !!

ام يهتم بإسم حارس العمارة أسفل خاصتها و ظل يحدق في رقمها وقد إحتل الفزع قلبه عند تذكره أنها وعدته أن لا تطلبه إلا إذا كان الأمر ضروريا جدا و هاهي إتصلت به بعد سنوات و لكنه لم يرد عليها بل تجاهلها مبررا أنه لا مزاج له في التحدث.

إزدرد عمار لعابه و نبض قلبه بقلق وهو يتصل بها لكنها لم ترد عليه …. إتصل ثانية و ثالثة و نفس النتيجة فتوترت أعصابه و بدأ بالتعرق هامسا :
– هي مش هتتصل لو مكنتش حاجة مهمة … حتى لما وقعت من سنتين متصلتش ايه اللي حصل علشان تطلبني المرادي.

كاد يدخل إلى تطبيق المراقبة ليراها من الكاميرا إلا أنه تذكر أنها معطلة منذ فترة طويلة و أجل إصلاحها و فجأة إتصل الحارس به ليجيب فورا :
– خير ايه اللي بيحصل في الشقة !

جاءه صوته المرتجف المُحمل بالتوتر و الإضطراب :
– يا فندم ااا انا حاولت اتصلت بحضرتك اكتر من مرة بس حضرتك مردتش عليا وو …

– انطق في ايه !

صرخ عمار بحدة عصبية فرد عليه الآخر :
– انا سمعت صوت صويت و عياط مريم هانم من الشقة بتاعت حضرتك حاولنا نكسر الباب عشان ندخل و نشوف في ايه بس مقدرناش و كمان النسخة الإحتياطية من المفاتيح مع حضرتك و مش عارفين ايه اللي بيحصل مع الهانم و طلبنا المساعدة بس …

لم يستمع لبقية حديثه لأن عقله توقف عند قول أن مريم تصرخ و تبكي و لا أحد إستطاع مساعدتها ، ولقد إتصلت به لكنه لم يرد عليها !

شعر عمار بجفاف حلقه وقد تشوشت الرؤية أمامه ، غمره إحساس الفقدان الذي يرتعب منه و كاد قلبه يهوي أرضا عند تخيله لحالة مريم الآن دون أن يستطيع أحد فتح الباب و رؤية ما يحدث لها.

أغلق الخط سريعا و خطى خطواته الواسعة في الحال و نزل على الدرج ركضا غير آبه للقلق البادي على عمه و نساء عائلته عند رؤيته حالته المريبة.
نهضت سعاد و ذهبت إلى غرفة مكتب رأفت سريعا فوجدته جالسا على مقعده يطالع ما بيده في تركيز حاد لتقول :
– إلحق يا رأفت عمار لسه خارج من شويا و حالت مش طبيعي ده مبصليش وهو بيجري شوفه راح فين أنا خايفة يكون حصله حاجة.

لم يبدُ عليه التأثر بما قالته أبدا ، في الحقيقة هي لم تكن متأكدة في الأساس من أنه سمعها فها هو يتأمل أشياء على الأغلب أنها صور ما ، جعدت حاجبيها بإستهجان من تجاهله لها و يقترب لترى ما لديه فإنصدمت أنها صور لفتاة !

– ديه تبقى البنت اللي عمار مصاحبها رجالتي قدرت توصل لإسمها الكامل ….. مريم عبد الرحمن.

إعتدلت في وقفتها بتوجس ثم أخذت إحدى الصور فوجدتها شابة سمراء ذو شعر أسود مموج و طويل و إبتسامة فاتنة …. تعانق إحدى الفتيات مرتدية زي التخرج و صور أخرى لها وهي ترتدي أزياء غريبة ملونة و بنفس القدر ملفتة للنظر …. هذه المرأة لقد رأتها سابقا إنها متأكدة !!

تنحنحت سعاد بوطل متمتمة :
– انت جايب صورها ديه منين و بعدين انت قولتلي أن أكيد عمار مصاحب واحدة من الشارع و عامل معاها علاقة عابرة مقابل الفلوس بس البنت ديه طالبة في الكلية يعني هي متعلمة و كمان باين عليها محترمة ازاي واحدة زيها هتعمل علاقة غير قانونية مع شاب ؟

تأفف رأفت بغضب و حنق :
– معرفش أنا مقدرتش اوصل غير للمعلومة ديه عمار ذكي و عرف يخبي أي حاجة تخصها علشان كده معرفتش نوع علاقته بيها …. هو يا مصاحبها يا متجوزها بورقة عرفي بس في الحالتين احنا لازم نبعد البنت ديه عنه.

بينما كان يتحدث كانت هي تحدق في الصور بتركيز حتى إنتفضت وقد تذكرتها ….
إنها نفس الشابة التي ساعدتها في المول قبل أشهر قليلة و عاملتها بطيبة و إحترام و بعدما جاء عمار و رآها ظل واقفا يحدق بها و ظنت سعاد أنه أعجب بها ربما لذلك تجمد مكانه محدقا بها إلا أنه حين نظر للخاتم في يدها أشاح وجهه عنها ….. لحظة …. الخاتم !

فغرت سعاد فاها بجزع محدثة نفسها :
– الخاتم اللي كانت لابساه هو نفس الخاتم اللي شافته ندى يوم اللي عملت شوبينج مع عمار و عجبها و قالتلي بعدها أنه اتباع أنا متأكدة هي ورتني الصورة بتاعته …. معقول يكون عمار اللي اشتراه و اداه للبنت ديه …
لألأ لو كان كده فعلا كان صاحب المحل قالنا بس البنت لابسة الخاتم في أيدها الشمال ليه ؟

وضعت سعاد يدها على رأسها تفكر بفزع ثم بللت شفتيها اللتان شحبتا بعد تفكيرها بإحتمال ما لو تحقق ستحدث كارثة كبرى !!

_________________________

بعد زيادة سرعته إلى حد مرتفع ، و إوشاكه على التعرض لحادث سير أكثر من مرة ، وصل إلى المنطقة التي تقبع فيها زوجته فتوقف فورا و ترجل من سيارته راكضا نحو باب العمارة بوجه شاحب و قلب وجل.

صعد عمار للطابق العلوي و عند وصوله لشقته وجد بعضا من الجيران متجمعين و هناك رجال من الصيانة يحاولون فتح الباب المقفل من الداخل ، تقدم وهو يدفعهم للخلف لإزاحتهم و يأمر بصوت صارخ بالمغادرة ثم أخرج المفتاح الإحتياطي و دلف إلى الداخل مناديا عليها :
– مــريــم ، مــريــم انتي فين ؟!!

قابله صراخه سكون مرير عصف بكيانه و جعله يعجز عن تمالك نفسه أكثر من ذلك ، لف بعينيه في الشقة و هو يسير و يناديها حتى تيبس جسده و تجمدت عضلات وجهه عندما رآها مرمية على الأرضية و الدماء أسفلها !!

لوهلة أحس عمار أن أسفله يهتز و الدنيا تسود من حوله لدرجة أنه كاد يسقط ولكنه تحامل على نفسه و ركض لها مرددا بهلع :
– مريم … مريم ردي عليا.

أبعد شعرها المتعرق عن وجهها و هاله شحوبها الكثيف و الهالات السوداء حول عينيها و كان سيعتقد أنها ماتت لو لم ترتجف رموش مريم قليلا مطلقة تأوها خافت إلا أنه كان كافيا لوصوله إلى مسامع عمار ، مسح عليها بعشوائية هامسا :
– انا هنا يا حبيبتي متخفيش مفيش حاجة هتحصلك.

خلع سترته ووضعها عليها ثم حملها و أخرجها و لحسن الحظ أن حارسه المخلص كان قد لحق به عندما رآه يركض منذ نصف ساعة فأمره بالقيادة عنه و جلس هو في المقعد الخلفي بعدما عدل جسد مريم ثم وضع رأسها على ساقيه مزمجرا :
– يلا اتحرك بسرعة على أقرب مشفى !

حول ناظريه نحو وجه زوجته الباهت و قلبه الملتاع يكاد يصرخ ألما عليها فهمهم بشجن :
– أنا آسف … مكنتش أعرف أن الوضع هيوصل لحد هنا و تتأذي كده سامحيني.

*****
مرت ساعة كامل وهي غائبة عن الوعي ، تذكر عند إحضارها إلى هنا و تصميمه على البقاء معها داخل الغرفة لولا الممرضة التي إضطر للخروج بعدما أخبرته أنه يعطلهم عن عملهم و هذا لا يصب في مصلحة المريضة.

كان عمار وقتها في أشد مستويات إنهياره فأخذ مهدئاته غير آبه إلى أنه أصبح يتجرع الأدوية بكثرة ، فعلى كل حال كان سيرتكب فعلا شنيعا و يفقد الوعي بعدها لو لم يلحق بنفسه و يأخذها.

و ها هو جالس على المقعد جانب سريرها بعدما طلب من وليد الذي حضر إليه أن يرحل لكي لا يلفت أنظار والده له ، و في الحقيقة أن عمار لم يرغب في أن يرى صديقه حالته المزرية و المثيرة للشفقة لذلك تحجج بأعذار واهية.

هاهو يمسك كفها بكلتا يديه و يسند جبينه عليهما محاول تمالك أعصابه قدر المستطاع و لكنه لم ينجح !
شعور كأن هناك صخرة ضخمة تجثم فوق صدره بات يمزق داخله و زادت حالته سوءا بعدما حدث لمريم !

بعد دقائق حركت يدها و بدأت تئن مستعدة للعودة إلى الواقع رغم عدم رغبتها في ذلك ، فتحت عينيها بصعوبة و كأن هناك طاقة سوداء فوق رأسها أثقلت جفنيها و جعلت طنينا مزعجا يحتل أذنيها ، تدحرجت مقلتيها في المكان ذو الرؤية الضبابية حولها تحاول إستيعاب ما يحدث و أين هي.

إنتبه عمار لها فإنتفض يقف متلمسا وجهها و اليد الأخرى متمسكة بخاصتها :
– مريم انتي صحيتي !

طالعته بنظرة فارغة غير مدركة لما حدث معها ثم همست محاولة التغلب على الجفاف المؤلم بحلقها :
– في … ايه … انا … انا فين …

توقفت عن الهمس المتقطع عند غزو ذكرياتها المرعبة لذاكرتها و إستعادة المشهد الذي عاشته قبل وقوعها.

وصول فيديو يؤكد خيانة عمار لها ، ثم إزدياد الشعور بتمزق أحشائها و إتصالها به و تجاهله لمكالمتها ، ثم فقدانها الوعي و الآن أفاقت في غرفة ذات ستائر بيضاء ، هي في المشفى إذا.

تجمد وجه مريم وهي تحرك يدها على بطنها و أحست بأن ذلك الإنتفاخ البسيط إختفى ولم يعد له أثر ، إرتجفت شفتها السفلى بدموع كبحتها ثم طالعت عمار تسأله بعينيها فقط دون التكلم.

أغمض جفنيه مدركا لما تحاول سؤاله حوله ثم تنهد متمتما :
– أنا لقيتك واقعة و في حالة صعبة … الدكتور قال ان جسمك كان ضعيف جدا و ضغطك إرتفع جامد … و الجنين مقدرش يستحمل.

سمع شهقة حارقة تصدر منها و أصابعها الضعيفة تضغط على فراش السرير ، تأهب عمار بحزم بعدما ظن أنها ستدخل في إنهيار و تصرخ و تبكي إلا أنها لفت وجهها للناحية المعاكسة الأخرى تطالع الفراغ كابحة دموعها بتجلد.
إستغرب الأخير ردة فعلها فهمس :
– انا مش عارف أقولك ايه يا مريم علشان أواسيكي بس اللي اعرفه أن مفيش حاجة هتنسيكي الوجع ده مهما قولت … ربنا يعوضنا بغيره.

نفس الجمود … و نفس النظرة الخاوية … و نفس الدموع المحتجزة … كل هذا البرود في مريم الآن قابله غضب و رعونة من عمار و ذهول بقدره فهي لا تتكلم ولا تصرخ ولا حتى تبكي مالذي يحدث معها و منذ متى و مريم إمرأة قوية إلى هذه الدرجة !!!

مد يده يلامس خصلاتها و تفاجأ عندما إبتعدت برأسها مانعة إياه من قربه عليها فزفر عمار بعنف ثم إنتصب واقفا يردد بجدية :
– انا رايح اطلب من الدكتور يبعت معانا ممرضة على الشقة بتاعتنا لأن مينفعش تفضلي هنا و كمان علشان يطمني على حالتك أكتر.

تحرك خطوتين ثم إستدار يتأملها قبل أن يتابع طريقه …

بعد دقائق دخلت ممرضة تشرف عليها و رددت بعطف وهي تقوم بعملها :
– ربنا يصبرك و يعوضك يا مدام.

اومأت دون إجابة بينما تابعت الممرضة :
– وضعك كويس دلوقتي الحمد لله الصراحة حضرتك كنتي في حالة صعبة لما جيتي و جوزك كان كل دقيقة بيسأل عليكي واضح أنه بيحبك اوي.

رسمت مريم إبتسامة متهكمة على وجهها إختفت سرعان ما سمعت باقي الحديث :
– خسارتك صعبة بس الحمد لله اننا مخسرناش حضرتك كمان مع البيبي لأن السم كان منتشر بنسبة كبيرة في دمك.

عقدت مريم حاجبيها وهي تتكلم أخيرا :
– سم ايه ؟

نظرت لها الممرضة و تابعت ثرثرتها :
– والله معرفش ايه نوعية الناس اللي بتقدر تأذي ديه … ربنا ينتقم من اللي كان السبب.

جزت الأخرى على أسنانها وقد بدأت تحدق بها و كأنها شخص ذو رأسين حتى إستطاعت لملمة شتات نفسها و سألتها مجددا بحدة :
– انا مش فاهمة إنتي بتقصدي ايه و أنا حصل معايا إيه بالضبط ؟

– يا مدام حضرتك اتعرضتي لإجهاض مقصود احنا عملنا تحاليل و لقينا مواد مسممة كبيرة في دمك و ممكن المادة اللي خدتيها كانت من آخر حاجة حضرتك واكلاها لأن مفعولها سريع و قوي.

سكتت تطالع ملامح مريم المنصدمة و التي كانت تتردد عدة جمل في ذهنها “لقينا مواد مسممة كبيرة في دمك … اخر حاجة حضرتك واكلاها… جوزك رفض يعمل محضر “

ثم تابعت الممرضة وهي تقوم بعملها :
– بس لما الدكتور قال للسيد عمار على اللي حصل جوز حضرتك كان متفهم و قابل كلامه بهدوء يتحسد عليه بس يمكن كان لازم عليه يتمالك نفسه علشان يقدر يساندك و متتجرحيش أكتر.

****

بعد خروجه من غرفة الطبيب منذ دقائق إتصل به صديقه وليد مستفسرا عن الوضع و طمأنه الأخير أن مريم بخير لكنهما خسرا الجنين ، و ها هو يهرع الآن للغرفة التي تقبع فيها مريم لكي يخبرها بما كان ينوي فعله.

فتح الباب يدخل ولم يلبث أن وقف يطالع السرير الفارغ بذهول محدقا في فراغها ، منذ دقائق فقط كانت هنا إلى أين ذهبت الآن ؟

حمحم عمار و طرق باب الحمام المتصل بداخل هذه الغرفة لكنه لم يسمع ردا ففتحه و وجد المكان فارغ.
جن جنونه و كاد يخرج ليبحث عنها و لكنه و فجأة وقف جامدا عند وقوع عينيه على خاتم الزواج وقد تركته مريم على المنضدة الصغيرة بجانب السرير … و غادرت !!

________________________
ستووووب إنتهى البارت
رأفت هيعمل ايه بعد ما قرب يكشف الحقيقة ؟
مين اللي بعت الفيديو لمريم وهي راحت فين ؟
ايه اللي هيحصل لعمار دلوقتي ؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى