رواية نيران الغجرية الفصل الأول 1 بقلم فاطمة أحمد
رواية نيران الغجرية الجزء الأول
رواية نيران الغجرية البارت الأول
رواية نيران الغجرية الحلقة الأولى
و كان أكثر ما يميزها …
شعرها المموج … بشرتها السمراء … كحل عينيها الثقيل و أحمر شفاهها الفاقع … وتلك الشامة أعلى شفتيها …
ثم يأت خلخال قدمها الرنان … والذي مع كل رنة منه يهتز قلبه معه … و يزيد رغبته بها !”
على الساعة الثامنة مساء ، داخل ذلك القصر الذي يعد من أضخم القصور في القاهرة و أطولها تاريخا ، ذو الجدران العتيقة الواسعة و الثريات الضخمة المتدلية من الأعلى تعطي إنطباعا عن مدى حسن ذوق صاحبه في إختيار ما يليق لمثل هذا المبنى العظيم ….
قصر البحيري حيث تعيش فيه العائلة المتكونة من الجدة الكبرى و ابنها رأفت رجل الأعمال الستيني و زوجته و ولده ، و شقيقه الأصغر عادل البحيري المتزوج من فريال لديهما إبنتان إحداهن متزوجة و تقيم في بلد أروبي و الأخرى فتاة جميلة في منتصف العشرينات تدعى ندى و يلقبها الجميع بالقطن الأبيض نظرا لشدة بياض و صفاء بشرتها و لطافتها في التعامل مع الآخرين …
نجد الخدم هنا و هناك يسرعون في أشغالهم تحت الأوامر الصادرة من تلك المرأة ذات المظهر الراقي و الشخصية القوية ، انها سعاد هانم الزوجة الثانية لرأفت البحيري و ابنة خالته في نفس الوقت.
و هاهي تملي التعليمات على العمال تخبرهم بضرورة ما يجب فعله قبل وصول إبن زوجها عمور الله الغائب منذ 4 أشهر و الذي سافر إلى إحدى البلدان لمتابعة أعمال العائلة من هناك و سيعود اليوم ….
تنهدت بقلق وهي تتطلع الى الساعة لتسمع صوت سلفتها فريال الضاحك :
– سعاد كل حاجة جاهزة عشان الإستقبال مفيش داعي للقلق ده اهدي شويا.
نظرت لها بتلبك :
– كأن عمار اتأخر هو اتصل و قالي هيرجع بدري بس الساعة عدت 8 و لسه مجاش يا ترى حصلت معاه مشكلة في ….
قاطعها صوت زوجها الذي نزل للتو من غرفته :
– محصلش اي مشكلة هو بخير انا اتصلت بالشوفير و قالي لسه طالعين من المطار ومش هيطولو.
استدرك مستهزئا :
– طبعا لان ابنك المدلل مرضيش يرد على اتصالاتي ف اضطريت اطلب الغُرب علشان يطمنوني عليه.
– رأفت !
أوقفته بلهجة عتاب و نظرت لفريال التي حمحمت قائلة :
– انا طالعة اشوف ندى عن اذنكم.
تركتهم و صعدت بينها استدار الأخير لزوجته :
– بتبصيلي كده ليه انا بكدب يعني ؟ ماهو فعلا عمار مش معتبرني أبوه و طول عمره بعيد عني و بيتجنب اي تجمع ابقى انا موجود فيه !!
صمتت سعاد لوهلة ثم أردفت بتريث :
– لأنك محاولتش تكون أبوه يا رأفت …. من لما أمه الحقيقية اتوفت و اتجوزتني بقى منعزل عن الناس ولما بدأ يحبني بعد مجهود كبير مني انت بعته لمدرسة داخلية ومحدش كان بيزوره غيري انا و جدته ، اللي عمار بيعمله ده نتيجة لأفعالك وانا نبهتك كتير و قولتلك القسوة بتولد الجفا ولو مقربتش من ابنك وهو صغير مش هتقدر تقربله لما يكبر.
كلماتها الصريحة فاجأته و للحظة عجز عن التفكير في رد مناسب ، و كيف يفعل ؟ كلامها صحيح بنسبة مليون في المائة فهو منذ ولادة طفله لم يتقرب منه كان دائما يبتعد عنه و بعد وفاة زوجته الأولى التي أحبها كثيرا أصبح أشد قسوة على عمار و أرسله الى مدرسة داخلية لكي لا يراه.
و عندما مرت السنوات و شعر بخطئه و أراد إستعادة طفله كان الأوان قد فات ، عمار كبر و أصبح يمقته مقتا واضحا من خلال نظراته ، مرت سنوات على تخرجه من الجامعة و العيش معهم في القصر لكن تلك المدة لم تكن كافية لنسيان ألمه ، إبنه الرجل الثلاثيني اصبح لا يطيقه النظر في وجهه حتى !!
****
طرقت الباب و دخلت لتجد ابنتها ندى جالسة أمام التسريحة نمشط شعرها البني الفاتح و عند إنتهائها بدأت تحدد عينيها الخضراوتين بالكحل و بالطبع لم تنسى أحمر الشفاه ذو اللون الوردي الخاص بها … ابتسمت فريال تطالع صغيرتها و فكرت قليلا …. اذا استطاعت تزويجها بعمار سيكون القدر قد لعب لعبته و جعلها في وضع المسيطرة بهذا القصر …. للأسف لم يكن من نصيبها ان ترزق بطفل لذلك الجزء الأكبر من الأملاك سيرثه المتعجرف عمار و اذا وافق و تزوج ندى فستكون اارابحة الأكبر و ترث طفلتها اكبر الحصص … و لِمَ لن يوافق ؟ أين سيجد فتاة كصغيرتها ؟؟
تنحنحت و اقتربت منها مرددة :
– الجميلة ديه بتعمل ايه.
طالعت ندى انعكساها في المرآة و ضحكت :
– بجهز نفسي لسهرة النهارده … ايه رأيك في شكلي ؟
قالتها وهي تقف أمامها و تلتف حول نفسها تريها الفستان الزهري القصير الذي ترتديه فقالت أمها :
– زي القمر ماشاء الله عليكي …. عمار هينبهر بيكي لما يشوفك ومش هيقدر يشيل عينه من عليكي خالص ده مش بعيد يطلب ايدك للجواز.
مطت ندى شفتها ممتعضة :
– تاني الكلام ده يا مامي … انا كام مرة قولت لحضرتك تشيلي الفكرة ديه من دماغك عمار ابن عمي و صديقي ومش هعتبره غير كده ريحي نفسك.
تأففت فريال من تفكير ابنتها المحدود و زجرتها بغيظ :
– و ايه المانع لو فكرتي فيه و حاولتي تجذبيه ليكي مش فاهمة … يعني لو هو دلوقتي طلب يتجوزك هترفضي ؟
سكتت تترجم كلام والدتها ثم ردت بثقة :
– وقتها هشوف ، لو حصل فأنا معنديش مشكلة بس لو محصلش عادي في ميت راجل غيره انا ندى عادل البحيري الرجالة كلها بتتمنى نظرة واحدة مني مش العكس ، حتى لو كان الراجل ده عمار مش هجري و ارمي نفسي عليه خاصة انه عمره ما بصلي …. Impossible !
رفعت فريال حاجبيها مستنكرة حديثها :
– نعم ياختي و ميبصلكيش ليه هو هيلاقي فين بنت أحسن منك جمال و جاه و حلاوة و أدب و ثقافة ده مهيصدق أصلا ….. وانا مبقولكيش اتذليله بس على الأقل بطلي تتصرفي زي الأطفال جمبه و حسسيه انه قاعد جمب ست ناضجة عشان ياخد باله منك قبل ما يلاقيله بنت تانية انتي أولى من الغريب.
همهمت بعدم إهتمام ثم سحبت أحد الفساتين التي ألقتها على السرير و رفعتها أمامها قائلة :
– الفستان الاحمر ده أحلى ولا اللي لابساه ؟
– معلش حاولي تغيري الموضوع مفيش فايدة انا رايحة اشوف باباكي عشان يجهز و ينزل مع رأفت يستقبلو سمو الأمير.
كتمت ندى ضحكتها ثم نظرت للمرآة مجددا تفكر في كلام والدتها لتشهق و تهز رأسها بنفي :
– ايه اللي مامي بتخليني افكر بيه ده اما اتصل بعمار اسأله هيوصل امتى.
_______________________
تجاوزت السيارة السوداء الكبيرة البوابة الخارجية التي فتحت إلكترونيا عند إقترابها ثم توقفت و هرع السائق يفتح له الباب الخلفي ليترجل بشموخ ببدلته السوداء و يلف بعينيه المكان الذي غاب عنه لأشهر …. و لا مانع لديه ان يغيب عنه مدى الحياة !
مرر يده على لحيته الخفيفة ثم غمغم بصوت خشن :
– عايز عربيتي تكون جاهزة و المفاتيح في ايدي بعد ساعتين من دلوقتي.
– أمرك يافندم.
خطت قدماه خطوات ثابتة تحمل خلف هدوئها المزعوم مرارة و بغضا لم يستطع التخلص ننهما أبدا ، عدل خصلات شعره التي ازدادت كثافة ثم دخل الى القصر ليجد العائلة في إنتظاره بلهفة و بمجرد أن رأته زوجة أبيه هرعت تحتضنه بشوق :
– ابني حبيبي حمد لله على سلامتك وحشتني اوي يا عمار.
أجفل للحظة من حضنها ثم تمتلك نفسه و حاوطها بذراعيه هاتفا :
– الله يسلمك …. سعاد هانم.
ابتعدت عنه و تلمست وجهه بلهفة :
– انت كويس باين عليك تعبان اطلع ارتاح فأوضتك انا خليت الخدم يعملولك جو حلو فيها لأ بص خد شاور يريح جسمك و بعديها انزل عشان تتعشا عملتلك كل الأكل اللي بتحبه.
إبتسم لها عمار بصدق :
– مكنش في داعي تتعبي نفسك.
– لو متعبتش عشان ابني الوحيد هتعب عشان مين ؟
قالتها بحنان أمومي فطالعها عمار بنظرات ممتنة قبل ان يطبع قبلة على جبينها و يستدير لباقي العائلة التي ترحب به …. ثم جاء هو … والده …
وقف رأفت أمامه يناظره بلهفة و شوق لإحتضانه لكن لم يستطع سوى ان يهمس :
– ايه الأخبار ؟
همهم بصلابة :
– كسبنا الصفقة و وقعنا مع العملا.
– انا بسأل عليك انت !
تلجلج عمار من هذا الموقف و شعر بحاجته للإبتعاد في الحال فأجاب بنبرة مقتضبة :
– أنا بخير.
ساد الصمت في المكان و أصبح الجو مشحونا بالتوتر لكن لحسن الحظ صراخ ابنة عمه الصغيرة وهي تنادي بإسمه أنقذه من هذا الوضع ، نزلت ندى ركضا على السلالم حتى وصلت له تحتضنه بسعادة :
– عمااار.
إلتقطها بين ذراعيه سريعا متمتما بود :
– Oh white cotton. ( أيها القطن الأبيض )
– انت جيت اخيرا وحشتني اوي.
ضحك عليها و أزاحها عنه قائلا وهو بداعب وجنتها البيضاء :
– اهدي يا غلباوية انتي كمان وحشتيني اوي بس متجريش كدن تاني احسن تقعي.
هزت كتفيها دون مبالاة و تشدقت :
– جبتلي معاك ايه ؟ اوعى تقولي نسيت.
قهقه والدها عادل و اقترب يمسكها من كتفها :
– يا بنتي حرام عليكي ابن عمك جاي من سفر متعب سيبيه يرتاح و ابقو اتكلمو بعدين.
تنحنح عمار بجدية :
– انا هطلع اشوف تيتا عن اذنكم.
انسحب من هذا التجمع أخيرا و صعد الى الأعلى اتجه الى غرفة جدته المقعدة و دخل لها مبتسما.
كانت الجدة جالسة على كرسيها المتحرك تمسك بين يديها المصحف تقرأ آياته وعندما لاحظت وجوده صدقت ثم رددت بلهجة سعيدة :
– حفيدي الغالي حمد لله على سلامتك.
انحنى عمار جالسا على ركبتيه و أمسك يديها يقبلهما بإحترام :
– وحشتيني … حضرتك منزلتيش تستقبليني مع العيلة ليه انا افتكرتك تعبانة وقلقت عليكي.
حطت بيدها على وجنته الخشنة تداعبها بلطف :
– حبيت نكون قاعدين لوحدنا عشان كده رفضت انزل تحت و قولت اكيد حفيدي هيجي بنفسه يطمن عليا …. قولي انت عامل ايه الشغل ماشي كويس.
اومأ وهو يعلم جيدا ان هناك كلاما خفيا تود قوله و صدق حدسه عندما سألته :
– سلمت على أبوك و مراته.
اجاب بنعم فأردفت الجدة :
– رأفت قلق عليك كتير لما مردتش على اتصالاته ليه عملت كده يا حبيبي.
ابتسم عمار مستهزئا :
– رأفت البحيري قلق عليا ؟ عموما انا مسمعتش صوت التلفون عشان كده مردتش …. احم انا اطمنت عليكي اقدر اروح ع اوضتي اريح.
استدار للذهاب لكن كلامها أوقفه :
– انت عارف ان أبوك بيحبك و ندمان على اللي عمله معاك زمان صح ؟
وصد عمار جفنيه بألم يتذكر ما ناله من جفاء و قسوة و رفض من والده فأجابها بصوت حاول جعله ثابتا قدر الإمكان :
– الندم مينفعش لما يفوت الأوان …. و انا فضلت سنين طويلة اتمنى حبه بس دلوقتي اتخليت عنه و مبقتش عايزه …. بعد اذن حضرتك.
_________________________
تأكدت من تجهيز كل شيء لإستقباله ثم ركضت الى غرفتها تقف امام المرآة تتأكد من مظهرها للمرة الألف ربما ، قضبت حاجبيها عند ملاحظة تلف بعض خصلات شعرها فقالت بسخط وهي تعدلها :
– معقول ناوية تقابليه بالشكل ده هيقول عليكي ايه يعني !
جددت المكياج الخفيف على وجهها ثم ابتسمت برضا تطالع هيأتها ، بداية من الثوب الذي ترتديه مكون من بلوزة سوداء ضيقة تصل إلى بداية خصرها بشق واسع من الصدر و حمالات تتهدل على كتفيها.
و تنوة سوداء مزينة في أطرافها بألوان متعددة و متداخلة ناسبت الإكسسوارات الملونة التي وضعتها ، ذات فتحة تمتد من بداية ساقها اليسرى إلى الأسفل مظهرة بذلك خلخالها الفضي.
وجهها حلو الملامح ببشرة سمراء ناعمة ثم شعرها الطويل المموج فتظهر بهيأة غجرية حرة كما يلقبها هو ” إبنة الغجر “.
ابتسمت عند تذكرها الألقاب الغريبة التي يطلقها عليها عندما يعجب بمظهرها …. هي تعرفه منذ سنتين ونصف تقريبا و في هذه الفترة غازلها مرات تعد على الأصابع إلا أنها في كل مرة تشعر وكأنها ستطير من جمال كلماته … يا ليته دائما معها لتسمع غزله بها.
تنهدت بحسرة و تطلعت للساعة بقلق لقد تأخر الوقت كثيرا هل يعقل ألا يأتي ، لقد فعلها سابقا بعد سفر بعث رسالة يقول فيها انه سيجيء الليلة يومها قضت ساعات امام المرآة تجهز نفسها و أعدت له كل الأصناف الشهية و انتظرته كثيرا حتى نامت على طاولة العشاء وعندما استيقظت وجدت نفسها بمفردها ، لم يكلف خاطره ليخبرها بأنه الغى الموعد و غاب يومين ليأتي أخيرا و يقول انه كان مشغولا ولم يستطع التواصل معها ، تتذكر جيدا مدى الألم الذي شعرت به و انكسار قلبها لكنها ككل مرة تقول ….
أن وجوده في حياتها أفضل بكثير على الأقل هي آمنة معه عكس ما كانت عليه في منزل عمها ، لكن هل حقا سيغيب هذه المرة ايضا ؟ أخذت هاتفها تنظر لرقمه بتردد قبل ان تضغط على رقم آخر و تنتظر الرد …
بعد ثوان جاءها صوت صديقتها المازح :
– اهلا بالست مريم ايه خلصتو سهرتكو انتي و الطاووس و جيتي تحكيلي ع اللي حصل اتفضلي انا سامعة.
إبتسمت مريم بخفوت :
– بطلي قلة ادبك يا هالة هحكيلك ايه بس اساسا هو لسه مجاش.
زال مرحها و حل مكانه الغيظ مجيبة :
– لسه مجاش ؟ و امتى هيشرف عمار بيه ولا ناوي يخليكي تستنيه لحد الفجر ….. ايوة طبعا الاستاذ سهران مع عيلته وانتي ولا في باله.
هتفت مريم بتبرير :
– طب ماهو بقاله زمان غايب عن بيته اكيد هيقعد مع اهله الأول.
أردفت هالة بتبرم :
– وانتي كمان أهله … انتي مراته و ليكي حق عليه.
– مراته في السر ! عمار طلب ايدي من عمي شرط يتجوزني في السر و عمي وافق لما شاف المهر اداني ليه من غير ما ياخد رأيي و من وقتها بطل يكون عندي حق في اي حاجة !!
قالتها وهي تمسح الدمعة التي فرت من سوداوتيها ثم ابتسمت بحزن :
– بس رغم كده انا وقعت على دماغي و حبيته … حبيت الراجل اللي مبقدرش اقول عليه جوزي قدام الناس هعمل ايه ده نصيبي.
عضت هالة شفتها بغيظ من سلبية صديقتها المزعجة لكنها لم ترد إحزانها أكثر فقالت :
– طيب يا روما متزعليش نفسك كده الطاووس قصدي عمار اكيد عنده سبب للتأخير ده اتصلي و اسأليه.
ضحكت الأخيرة بسخرية :
– عمار مانعني من الاتصال بيه هو الوحيد اللي بيقدر يطلب رقمي وانا برد بس ، مبتصلش.
شتمته في سرها لتتمتم أخيرا :
– هو مبيستاهلكيش ….. انتي انسان مش سلعة الله يخليكي ابعدي عنه هو بيأذيكي بتجاهله و إهماله.
و كانت الإجابة هي الصمت ، ككل مرة تحاصرها تسكت ولا تنبس ببنت شفة ، قدرها ان تحب رجلا صامتا غريب الأطوار يفتح لها قلبه تارة و يوصده بإحكام تارة أخرى ، عمار قدرها وهي لن تعترض ، لن تستطيع أن تفعل !
حمحمت و تكلمت أخيرا :
– بصي انا هقفل دلوقتي و اروح الم السفرة و انام الواضح انه مش هيجي بلاش استنى ع الفاضي …. سلام.
رمت الهاتف بإهمال و انحنت على التسريحة تمسك أطرافها و دموعها تنذر بالهطول حتى سمعت صوت الباب الخارجي يفتح و يغلق ….
****
أوقف سيارته أمام إحدى العمارات الفاخرة و ترجل منها وهو ينظر لساعة يده ببلادة ، لقد تجاوزت 00:00 منتصف الليل لا يعلم ان كانت نائمة او لا تزال تنتظره فلقد أجبرته زوجة أبيه على الجلوس معها و محادثته ساعات و عندما كان سينهض جاءت ندى و أصرت عليه ان يحضرا فيلما يويا ولم يشعر بالوقت وهو يمر حتى تذكر أنه وعدها بالمجيء هذه الليلة فنهض مسرعا ولم يرد ان يحدثها على الهاتف خشية ان تكون نائمة فيوقظها.
عدل عمار ياقة قميصه و مشى بخطوات متزنة فتح باب شقتهما و دخل يلف أنظاره من حوله ، كانت الأنوار مضاءة لكن الهدوء يعم المكان ولم يعد كذلك فجأة عندما سمع رنات رقيقة بوتيرة سريعة ….
ابتسم عمار لصوت خشخشة الخلخال الذي لم تتخلى – زوجته – عنه يوما و دائما ما تضعه في قدمها مخلفا رنات يدق لها قلبه بقوة عندما سماعها وهي تتحرك ، و ظهرت الفتاة الغجرية كما يسميها من خلف باب الغرفة الموارى و لاحظ ضحكتها الواسعة عند رؤيته لتركض اليه و تحضنه بشوق :
– عمار انت جيت …. وحشتني اووي مش مصدقة اني شايفاك.
تجمد جسده بذهول لكنه بادلها الحضن مداعبا خصلات شعرها وهو يهمس :
– و انتي كمان … وحشتيني.
إنسلت منه مريم و راحت تتلمس لحيته تتشبع من ملامحه التي لم ترها منذ 4 أشهر ، حتى صوته سمعته مرات قليلة في مكالمات قصيرة يسألها فيها ان كانت تحتاج لشيء ما ثم يغلق الخط ، يا الله كم اشتاقت له لقد كانت تشكو جفاءه و إهمال الجانب الروحي الذي يخصها لكن رؤيته الآن و إمتاع عينيها بوجهه تغنيها عن ألف سؤال ، ليتجاهلها إن أراد المهم ان يكون معها حتى لو كان مرة او مرتين في الشهر حتى لو لم يكن لها حبا فحبها يكفي لكليهما !!
طبعت مريم قبلة أسفل شفته هامسة :
– اتأخرت كده ليه … انا استنيتك و خفت متجيش متصلتش ليه تقولي انك هتتأخر ؟
تنحنح عمار ينفث عنه آثار قربها خاصة نبضات قلبه المرتفعة بشكل عجيب عند رؤيتها و سماع صوتها الحاني ، ثم غمغم بإيجاز :
– المهم اني هنا دلوقتي.
ثم ضمها إليه مجددا و طبع قبلة على كتفها العاري برقة أذابت مريم و طمست فتات الإنزعاج الذي حملته إتجاهه بسبب تأخره ، لتبتسم مغيرة الموضوع وهي متأكدة انه لن يبرر لها او حتى يعتذر لجعلها تنتظره كل هذا الوقت :
– طيب اقعد عشان نتعشا سوا عملتلك كل الأكل اللي انت بتحبه و لسه مكلتش لحد دلوقتي وانا مستنياك.
أشارت إلى مائدة العشاء التي جهزتها بحماس حيث طبخت كل ما يحبه و زينتها بالورود الحمراء و الشموع المعطرة مضفية عليها جوا رومانسيا و بسيطا في نفس الوقت.
كاد يجيبها بأنه تناول العشاء مع عائلته و لكن عند قولها بأنها لم تأكل لحد الآن و رؤية كم تعبت في تجهيز المائدة لم يحبذ كسر خاطرها فسحب لها الكرسي لتجلس عليه و جلس مقابلها وهو يردد :
– تاني مرة متستننيش لو اتأخرت عليكي و مفيش داعي تجوعي نفسك علشاني يا مريم !
عبست ملامحها للحظة و لكنها تمالكت نفسها سريعا ثم تمتمت مومئة :
– حاضر.
بعد دقائق.
ألقى الهاتف في جيب سترته الخارجية بعد إخبار سعاد هانم انه سيسهر مع أصدقائه هذه الليلة ثم اتجه الى غرفتهما ليجدها تخفض الإضاءة بعدما أشعلت البخور ذو الرائحة الطيبة وسرعان ما وقفت عندما رأته …
طالعها عمار من الأسفل للأعلى بنظرات جريئة أخجلتها خاصة عندما وقع نظره على جسدها الناعم الذي تلتحفه بثوبها ذو التصاميم الغجرية التي دائما ما تنجح بالفتك به.
بشرتها السمراء و عيناها الكحيلتين أحمر الشفاه الفاقع الذي تضعه دائما و شعرها المموج الموصل بخيط ملون تصنعه بنفسها و تظفره مع بعض من خصلاتها.
حتى ذلك الخلخال المحاطة به قدمها كل شيء فيها يسحره و يجذبه نحوها لدرجة أنه يتعمد الغياب عنها أياما طويلة ليكبح رغبته عنها ولا يبدي إفتتناه الكبير بمظهرها تلك السمراء الغجرية ، لكنه لن يبتعد عنها هذه الليلة ، ربما لكي يتمتع بجمالها ، او لتنسيه جروح طفولته …
أو تعوضه عن الحنان الذي افتقده ، لا يعلم تماما عن السبب ، لكنه يريدها للحد الذي لا حدود له !!
تقدم منها ببطء يمرر يده على طول ذراعها فتأوهت بخفوت متأثرة ليتلمس شفتها السفلى بإصبعه و يضغط عليها ، ثم حاوطها بلطف و أخذها لتقف أمام المرآة فتنعكس صورتها عليها وهو من خلفها.
عقدت مريم حاجبيها بتساؤل سرعان ما انقشع و حل مكانه الترقب و اللهفة حينما رأته يخرج شيئا ما من جيب سترته الداخلي.
لتشهق بخفوت وهي ترى عمار يمسك بسلسال يلمع فتعرفت عيناها عليه على الفور … إنه خلخال خصر !
لمعت عينا عمار بثقة و رضا عند رؤية إنبهارها وهو يلف هديته على بطنها المسطحة ، كان الخلخال من الذهب الأبيض الخالص مزين بأحجار اللؤلؤ الملونة و نجمتي بحر فكان مبهجا رقيقا و بذلك القدر خاطفا للأنفاس .
– مش طبيعي قد ايه حلو.
همست مريم بتلك الجملة وهي في غياهب إنبهارها فبادلها عمار نفس الهمس على أذنها :
– أول ما شوفته افتكرتك و اتخيلته عليكي قولت أكيد هيبقى حلو جدا بس طلعت غلطان … انتي طلعتي أحلى بكتير و انتي بيه يا غجرية.
أمسك عمار يدها بخفة و أدارها حول نفسها سريعا متأملا هيأتها البرية و رنات الخلخال تتصاعد حتى جذبها إليه فرفعت نفسها قليلا لكي تطبع قبلة بجانب شفته السفلى.
إبتسم عمار و بادلها بأخرى شغوفة ثم حاوط خصرها يراقصها بخطوات بطيئة لتتجاوب معه مريم و تلف يديها حول عنقه و ترقص معه على أنغام موسيقى صامتة …
لعل الأمر لم يأخذ منه سوى إبتسامة صغيرة و هدية حتى تنسى إنزعاجها من تأخره … أو من الصور التي نشرتها إبنة عمه على حسابها منذ ساعتين و هي تحتضنه و الآخر يبادلها العناق بوداعة.
إلا أنها في كل مرة تستغرب علامات الإنبهار عندما يطالعها و تسأل نفسها لماذا إختارها هي عن باقي النساء …
ربما مريم تمتلك ملامح جمال بسيطة إلا أن المدعوة ندى البحيري تفوقها جمالا بكثير وهي تدرك ذلك جيدا إذا لماذا لم يختر تلك الفتاة زوجة له رغم أنها مناسبة ؟
و إذا لم يختر عمار إبنة عمه كزوجة و حبيبة فهذا يعني أنه لا يحمل بداخله مشاعر حب إتجاهها ، إذا لماذا هو مقرب منها إلى هذه الدرجة ؟
لماذا يحتضنها و يتنزه معها و ينشر صورهما معا و لما هي لا تمتلك نفس الحق ؟
عقدت حاجبيها بوجوم إسترعى حفيظة عمار الذي سألها :
– انتي كويسة ؟
أخذت نفسا و زفرته وهي ترسم إبتسامة على وجهها لتومئ بإيجاب فيمرر إبهامه على وجنتها و يقبلها دون النطق بكلمة.
و هذا أكثر ما يميز عمار البحيري ، يفضل تبادل النظرات مع إبتسامات و لمسات رقيقة على أن يتحدث ، و للغرابة تسحرها نظرات عينيه الزيتونيتين الصامتة أكثر من أي شيء آخر !
إنخفض عمار و طبع قبلة على عنقها فإرتعشت مريم و كادت تنفلت منها كلمة ” أحبك ” لكنها صمتت في آخر لحظة بل وضعت يدها على صدره تصده عنها و إرتسمت إبتسامة على وجهها عند رؤية ضيقه من إبعاده عنها.
– لسه بدري.
همست بحرارة ثم إبتعدت متمايلة بخطوات رشيقة نحو هاتفها تضغط على زر التشغيل فإندلعت الموسيقى الشرقية تملأ الغرفة مهيجة لدى عمار توقعات مجنونة أيقنها عندما سحبت وشاحا أسود و لفته حول وجهها مظهرة عينيها الكحيلتين فقط !
تصنم عمار مكانه وقد تسارعت ضربات قلبه بجنون و اعتصف الترقب به مأخوذا ينتظر العرض الصاخب …
وقفت مريم بمنتصف الغرفة و رفعت يديها بسلاسة فغنت أساورها مع الموسيقى و شرعت تمايلهما بشكل متناسق مع تمايلات خصرها الرفيع إستجابة للإيقاع ليجلس عمار على طرف السرير كالمغيب متأملا إياها بينما تتقدم نحوه بقدميها الراقصتين تنحني عليه غامزة إياه ثم تلفحه بعبق شعرها عندما أزاحته على كتفها الأيسر مستعدة للخطوات التالية …
إلا أنه مع تسارع نسق الإيقاع نفذ صبر عمار فوقف و إمتدت يده دون أمر منه لتقبض على خصرها المتمايل هامسا بخشونة :
– كفاية.
لتنشغل مريم بقربه منها وهو يقبلها بتريث تحول لعنف نوعا ما و يده تمر على كل إنش منها فإرتفعت ذراعاها تحيط بهما رقبته و تجذبه إليها و طفقت تبادله سغفا كان يستعر مع كل ثانية فيتلوى داخله وهو يستشعر مدى شوقها إليه …
لكن الحياة ليست منصفة بالنسبة اليها لهذه الدرجة ، فسرعان ما وجدته يبتعد عنها يتأمل وجهها المحتقن متسائلا بأنفاس لاهثة :
– خدتي البرشامة ؟
و حطم سعادتها قبل ان تبدأ ، عند تذكرها حبوب منع الحمل التي يجبرها على أخذها قبل أي علاقة بينهما ، كتمت مشاعرها و اومأت دون إجابة فأكمل ما يفعله غير ملاحظ للإنكسار الذي إعترى وجهها ، لن يحبها ، لن يستطيع رؤية من باعها أهلها كزوجة مناسبة له هو عمار البحيري ابن إحدى العائلات العريقة.
لن يأتي يوم يقررا فيه معا تكوين أسرة و جلب طفل يعبر عن حبهما الى العالم …. ذلك حظها …. و بالنسبة لها العيش معه بالسر أفضل من عيش حياة غير آمنة تحت سيطرة عمها الظالمة أحيانا و تحرشات إبنه بها !!
___________
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نيران الغجرية)