رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثامن 8 بقلم أمل نصر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الثامن
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الثامن
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الثامنة
في ركن مظلم داخل إحدى البنايات الغير مكتملة البناء، كان قابعًا يتابع بتركيز شديد؛ لكل شاردة او واردة في هذا المنزل وهذه الساعة المتأخرة من الليل والهاتف على اذنه يبلغ محدثه من الجهة الأخرى اخر المستجدات لحظة بلحظة:
– ايوة يا غازي بيه زي ما بجولك كدة، الحركة النهاردة غير طبيعية، الراجل اللي جايبنه كذا مرة اشوف خلجته وهو طالع يتجنص ع الشارع، ودي اول مرة تحصل منه،
جاءه الرد من الطرف الآخر:
– يعني ايه؟ انت شاكك تكون اللقية هتطلع النهاردة؟
– مش عارف الصراحة بس حاسس زي ما يكون في حاجة هتحصل؟
– تمام يا بسيوني انا معاك ومستني ساعة الصفر، اما نشوف ايه أخرتها.
❈-❈-❈
طال انتظارها له، منذ ان دلف لداخل الشرفة، واغلق شراعاها عليه وهو لم يخرج الى الاَن، تصلها بعض الهمسات الخفيفة بكلمات ليست مفهومة اليها ،
في هذا الوقت المتأخر من الليل ، الوضع يدعو للإرتياب،
حتى استبد بها الفضول، لتنهض عن التخت ترتدي مئزرها، وتتبع هذه المرة غريزتها، متخلية عن تحفظها الدائم، وتذهب اليه كي تسأله او تستكشف الأمر بنفسها، لربما…..
نفضت رأسها فجأة عن هذه الفكرة الغبية، فهذا غريب عن طبعه و….. ولكنه رجل!
همت أن تطرق على خشب النافذة في البداية، وتتصرف بطبيعتها كالعادة، لكن مع سماعها لنفس الهمهمة التي لم تفسرها بعد ، تقدمت لتفعل ما لم مالم يخطر على بالها ان تفعله قبل ذلك، لتدفع شراعي النافذة بعنف وتقتحم عليه خلوته
حتى اجفل ليلتف اليها ، وهو يتحدث عبر الهاتف مع أحدهم، ويقطب حاجبيه بدهشة لفعلها، متمتمًا لمحدثه من الجهة الأخرى:
– ثواني دجيجة طيب، هجفل وراجعلك تاني
اغلق الهاتف ليرمقها بتساؤل، وقد تفاجا بهذا التجهم الذي ارتسم جليا على ملامحها :
– ايه يا نادية؟ في حاجة؟
– والله السؤال ده تسأله لنفسك، بجالك ساعتين جافل على نفسك وشغال ود ود في التلفون، كل دا بتكلم مين يا غازي؟
كانت منفعلة تسترسل في توجيه الأسئلة له بحدة وكأنها ظبطته بجرم ما، حتى صدر منه الرد بدفاعية وعدم تركيز:
– وه يا نادية، يعني هكون بكلم مين كمان؟ دا بسيوني كان عايزني في أمر هام
جاء ردها بتشكك مرددة بما يشبه السخرية:
– بسيوني برضوا؟ تلت ساعات وانا جاعدة ملطوعة على فرشتي مستنياك تطلع من البلكونة اللي حابس نفسك فيها بعيد عني، عشان تيجي في الاخر تجولي بكلم بسيوني، بالذمة دا كلام يخش عقل عيل صغير يا غازي.
– تلت ساعات كمان؟ ما هو من شوية كانوا ساعتين يا بوي، خبر ايه يا نادية. مالك كدة بتزودي على كيفك مع كل جملة……..
قطع فجأة صيحته ليستدرك بأعين برقت في النظر إليها، يتمعن بهذه الملامح المحتقنة، واهتزاز جسدها
امامه من فرط غضبها وتحفزها في تكذيبه، وكأنها…..
ابتلع يتمالك بصعوبة الصخب الدائر داخله، ليسأل على تردد منتقيًا كلماته:
– جصدك ايه يا نادية بكلامك ده؟ هو انتي شاكة اني بكدب عليني لما بجولك اني كنت بكلم بسيوني.
– انت نفسك مصدج كلامك دا يا غازي؟ هو بسيوني دا كان حبيبتك يعني عشان ترغي معاه بالودودة والهمهمة؟ ولا هو بيسيبك اصلا طول اليوم عشان ياجي يكمل معاك السهرة ع التلفون
خرج ردها بعفوية، وعدم انتباه، غافلة عن قلب محب كان يتراقص بالفرح لغضبها هذا ، حتى لم يقوى على كبت ابتسامة لاحت على محياه، ليعلق مواجهًا لها:
– نادية هو انتي بتغيري؟
صعقها بسؤاله حتى ارتدت بفزع للخلف، تبتلع وقع الجملة عليها، أتكون بالفعل غاضبة من أجل ذلك؟ ولكن كيف لها ان تغير عليه وهي في الأصل لم تفتح قلبها لأحد اخر بعد الراحل زوجها؟
ف الغيرة هي النتاج الطبيعي للعشق وهي لم تعشق سوى الراحل.
– سكتي ليه ما تجاوبي؟
سألها بمكر وما تقرأه من عينيه زاد من سخطها نحوه
لتنفي وكأنها تنفي عنها تهمة:
– لا طبعا، إيه اللي انت بتجولوا ده؟ انا كنت بتكلم من الخوف لتكون قي حاجة حصلت دا غير جعدتك في البرد لوحدك وفي البلكونة المتلجة، يعني مش اللي في بالك.
– مش اللي في بالي، اه .
قالها بمشاكسة واضحة، مظهرا عدم تصديقه، ف استشاطت من الغضب، لتضرب الأرض بقدمها، قائلة بغيظ وهي تلتف عنه:
– براحتك يا غازي، انا راحة انام وسيبهالك خالص، اعمل اللي يلد عليك.
قالتها وتحركت بغضبها للداخل ولكنه كان الأسرع ليوقفها في وسط الغرفة، جاذبًا لها من ذراعها ليباغتها بضمها اليه، وبدون استئذان حطت شفتيه تعانق خاصتيها بقبلة انقطعت بها انفاسهما، حتى اذا تركها اخيرًا، تمتم لاهثًا لها بتوعد:
– والله لو ما كنتش النهاردة ورايا اللي يجبرني اسيبك، ما كنت اخليكي ابدا تفلتي من تحت يدي دلوك، بعد ما بردتي جلبي بكلمتينك دول، حتى لو مكنتيش جصداهم ولا معترفة بيهم.
❈-❈-❈
وفي الجهة الأخرى اعتدل ليسلط ابصاره على السيارة التي توقفت قرب البناية القابع هو داخلها، ليقترب بخطواته على أطراف اصابعه، في الظلام الدامس، حتى وصل لمدخل البناية التي لا يوجد بها باب بعد، ليراقب بحرص شديد ذاك الذي كان يترجل منها، حذاء شديد السواد حط ع الارض، وجلباب فاخر، يرتديه رجل ضخم الجسد، يغطي على كتفيه العريضين بعباءة سوداء، ليتيبن وجهه امامه الاَن بوضوح، صاحب البشرة شديدة البياض والمعروف لدى الجميع، بشاربه الكبير، ينثر بأصابعه الغليظة رماد السيجارة المحترقة، قبل ان يصفق باب السيارة ويذهب نحو وجهته داخل المنزل المقصود،
– صدقي ابو سليم، وه يا ولاد .
تمتم بها بسيوني باستدراك اثار ابتسامة على شفتيه تخلو من المرح، وقد تأكد ظنه اخيرًا بهذا الرجل ، والذي تروج عنه الاشاعات ، كضلع اساسي في تصريف ما تحمله المقابر الفرعونية، التي يستخرجها الأهالي في الخفاء ، بما يملكه من علاقات قوية مع مسؤلين في الداخل والخارج، تمكنه من فعل الكثير دون محاسبة من أحد، وفي الظاهر تجارة مشروعة في بيع الأجهزة الكهربائية، وبعض الأشياء الأخرى.
انتفض من شروده على هزة الهاتف بورود اتصال اعتقد في البداية أنه من غازي، ولكنه كان من شقيقته ليرد يجيبها على الفور وهو يتحرك ليصعد الدرج الاسمتني الى السطح الخرساني، حتى يرى الصورة أوضح:
– ايوة يا ورد ، عايزة ايه يا خيتي؟
– عايزة سلامتك يا شجيجي، الساعة داخلة على اتنين دلوك وانت لسة مجيتش؟ ناوي تبيت برا اياك؟
قالتها بتلهف اجبره على طمأنتها :
– لا يا غالية مش هبيت ولا هعوج اكتر من كدة، هي نص ساعة بإذن الله اكون مخلص اللي في يدي، نامي انتي ولا تكونيش خايفة؟
– مين دي اللي تخاف يا باشا؟ دا انا تربيتك عاد، جلجانة عليك بس يا واد ابوي .
– لا يا حبيبتي متجلجيش، واجفلي دلوك عاد عشان اللحج اخلص اللي في يدي واجيلك، ماشي يا بت بسيوني.
وصله صوت ضحكتها فور اخبارها باللقب المحبب ، لتجيبه بلقبها له هي الأخرى:
– ماشي يا جلب ورد، ربنا يجف معاك يا حبيبي .
انهي معها ليتلقى الأتصال الاخر، فبجيب منشغلًا في المراقبة من خلف العمود الخرساني:
– ايوة يا غازي ييه، صدقي ابو سليم حضر، كدة وضحت الرؤية ، والاكيد انه جاي عشان يخلص، يبجى احنا لازم نلحج
رد غازي بموافقة:
– تمام يا بسيوني، اثبت انت مكانك على ما اخلص انا واجيلك مع القوة الأمنية.
– ماشي يا بيه انا جاعد ع السطح دلوك شايف يدوب حركة خفيفة، مش عارف منها حاجة ، انا بجول اجرب او ادخل من الضهر اشوف اكتر .
رد غازي برفض قاطع:
– لاه يا بسيوني، ما تسيبش مكانك، راجب من محلك وبس عشان امانك، احنا هنشوف ونعرف كل حاجة مع الحكومة، متخليش الحماسة تاخدك، صدقي دا مش هين، ومحدش يضمن رد فعله.
– ماشي يا غازي بيه اللي تؤمر بيه.
انهى بها ليغلق الهاتف ، مزعنًا بطاعة لأمر رئيسه، في المراقبة من محله في هذا الوقت، يمشط المنزل من كل النواحي، حتى اصطدمت عينيه بهذا الجسد الضئيل الملتصق في نصف الحائط الصغير، ليفتر فاهه على اخره بدهشة، وقد علم بهوية الشخص:
– وه، يخرب مطنك ، جاعد بتراجب مكانك انت كمان، طب انا ليا هدفي، وانت هدفك ايه يا جزين؟
❈-❈-❈
الى ورد التي انهت مكاملتها مع شقيقها، تعود لتصفح
وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، تلهي نفسها بها، حتى يأتي شقيقها وتطمئن عليه ، وقد قامت بنشر احدى المنشورات على الجروب الشهيرة لطائفة الحقوقين في الجامعة، تمزح فيه عن احدى المواد الخاصة بدارستها والعصيبة في مذاكرتها،
لتنهال تعليقات العديد من الطلبة مثلها ، يشاركنها الرأي والمزاح وهي تندمج في الضحك على الطريف والرد على المنتقدين، حتى انتبهت لبعض التعليقات المميزة كملصق متكرر، خروف صغير ووديع، ثم اَخر يحمل قلوبًا، والعديد منها بأشكال طريفة،
لتقطب عاقدة حاجييها بحيرة جعلتها تضغط على الحساب، ربما تكتشفت هوية المرسل، وكانت المفاجأة حينما عرفته، من ذهب اليه التخمين من البداية، ليصدق الاَن حدسها، برؤية الاسم الكامل له والمعلومات المعروفة عنه، والصور العديدة التي يلتقطها لنفسه بعدة اوضاع، يبدوا انه نشط من عدد المنشورات التي ينشرها في اليوم، لدرجة ان يخترق الجروب الخاص بالجامعة.
تبسمت بعد قرائتها بإحدى المنشورات الفكاهية التي نشرها مؤخرًا، فقررت الرد له ، لتعلق بكلمة واحدة مبهمة:
(( زينهم))
على الفور جاءها الرد سريعًا بترحيب:
– يا هلا يا هلا بزينهم، واللي يجي من ريحة زينهم حبيبي……. نورت صفحتي،
ضحكت مقهقهة وهي تقرأ رده، والذي لم يخلو ابدا من خفة ظله المعتادة، لتعقب بمرح :
– يا مجنون، طب والنعمة مجنون
❈-❈-❈
مازال على نفس وضعه داخل الشرفة ، وهي على الفراش تهزهز قدميها بعصبية، ابصارها على الباب الملغق ، وغيظ يفتك بها من فعله .
يدعي العشق ويفعل العكس، حتى بعدما واجهته بظنونها ما كان منه سوي الخداع واتهامها بالغيرة عليه ، قبل يعصرها بين ذراعيه ويقبلها ، ليشعرها انها ملكة على عرش قلبه، ثم يتركها بعدم اكتراث ويعود للهمهمة والأحاديث الخفيضة عبر الهاتف مع احدهم، أو إحداهم، لا تستبعد.
تجزم داخلها انه يخدعها ، هي واثقة من ذلك، فهو الماكر الخبيث كالذئب، حينما يريدها ينصب شباكه حولها فلا يتركها سوى بعد ان ينالها، يربكها ويشتتها ثم يتركها ، بئسا له من رجل .
انتفضت فجأة حينما لمحت اقتراب ظله لتسقط نائمة على الفراش وتسحب الغطاء عليها سريعًا قبل ان يخرج من الشرفة ، حتى لا يظنها في انتظاره، لابد الا يشعر بغضبها ولا يظن انها تحت أمر جنابه، تقسم داخلها انه مهما حاول ايقاظها لن تفعل وترضيه ابدا
كانت غارقة في افكارها ، تضغط على عينيها تتصنع النوم، حتى انتبهت فجأة لتفتح عينيها على وسعها ، بعد سماعها لصوت قفل باب خزانة الملابس، لتفاجا به مرتديًا جلباب اخر ، والسلاح الناري يخرجه من احدى الادراج ليضغه داخل جيب السيالة في الأعلى
انتفضت تستقيم بجذغها، ناسية كل الخطط التي كانت ترسمها منذ قليل لتسأله بجزع :
– واخد السلاح ورايح على فين يا غازي.
التف اليها برأسه مجيبا على عجالة :
– نامي انتي متشغليش نفسك.
– مشغلش نفسي كيف؟
صاحت بها لتنتفض عن محلها وتتبعه:
– يا غازي رايح فين بسلاحك ده؟
استمر في سيره دون ان يلتفت لها ، حتى انتبه اخيرًا، ليأمرها قبل ان ينزل الدرج:.
– ادخلي جوا يا نادية، واستري نفسك بأي حاجة، هتاجي ورايا فين تاني؟
❈-❈-❈
وفي داخل المنزل
ابتسامة الفخر كانت تعلو افواه الاثنين بحضور الشيخ الذي انجز معهم في كشف الكنز، و استخراج بعض المقتنيات الاَن ، والتي كان يتفحصها صدقي بسعادة جمة:
– براوة عليكم يا شباب، ايوة كدة ريحتوا جلبي اخيرا .
عقب سند ممسكًًا بإحدى التماثيل الذهبية:
– عارفين احنا ومجدرين يا ابو صدجي تعبك وانت بجالك سنين هتموت وتطلعه، فاضل احنا كمان يرتاح جلبنا ، عايزين انجاز وفلوس وجتي، انت مجيبتش معاك ليه؟
ضحك صدقي يرد على قوله بتفكه:
– كدة على طول يا عم سند اجيب شنطة الفلوس من غير ما اشوف بعيني ولا اتأكد، طب مش يمكن تطلع مغشوشة، ساعتها انا ادور عليكم بجى عشان ترجعولي فلوسي.
– كلام ايه ده اللي بتجوله يا عم انت؟ حد جالك هنغش كمان في حاجة زي دي؟ كيف دي تحصل يعني؟
قالها عيسي بانفعال واضح، ليعقب له صدقي بتسلية وهو يمشط بعينيه على مظهره المزري:
– رغم اني محبيتش المعاملة دي منك، بس نعديها يا عم عيسي، تجديرا لتعبك طول الأيام اللي فاتت ، اما عن الفلوس ف انا احب اطمنكم يا شباب ، الفلوس في شنطة العربية، يعني نتفج، وهتلاجي الشنطة جدامكم.
تدخل عيسى باستهجان :
– شنطة ايه دي يا عمنا اللي هنلاجيها على طول في وشنا؟ هو انت جايب فيها كام، ولا ناوي تشتري كام مسخوط بالظبط؟ ما احنا مش دج عصافير عشان نبيعلك بكام مليون الكنز دا كله ، دا حاجة عايزة ارقام فلكية، يعني شيكات في البنوك على اجل مسخوط فيهم،
ترك صدقي التمثال يضعه جوار عدد اخر من امثاله، ليقابل الاثنان زافرا تنهيدة مطوله:
– انا عارف زين كلامكم دا، وعارف انه صح، بس يا حبيبي انتوا ناسين ان انا مجرد وسيط ما بينكم وبين ناس كبارات، منجدرش نذكر اسمها اساسا، هي اللي بتتصرف وتطلع الحاجة دي برا البلد ، وهما اللي بيدفعوا مش انا عم سند فاهم يا عيسى .
سأله الاخير بانفعال:
– جصدك ايه بكلامك ده؟ ناوي تاكل حجتا ولا ايه،
خرج الشيخ المتابع من البداية عن صمته، ليتكفل هو بالإجابة:
– لا يا عم عيسى الكلام ما يبجاش كدة، الراجل بيوعيكم ويحط الصورة كاملة جدام عنيكم عشان تفهموا بس، محدش هياكل حقكم، انا شغال معاه بجالي سنين وكل الناس اللي اتعاملنا معاهم وكانوا زيكم، دلوك بجوا بهوات .
اضاف عليه صدقي:
– وانا مش هعاملكم زي اي احد، مش هطلع من هنا ولا ابعت ع الرجالة تيجي تحمل غير وانتوا راضين تمام الرضا، تمام يا باشا؟
هما ان يجيباه الاثنان ولكن سبقهم صوت اخر من جهة الدرج الداخلي:
– كدة يا عم صدقي، طب وحق ابويا هيبجي في رجبة مين فيكم المرة دي؟
التفت اعين الأربعة نحوه وهو يهبط اليهم بخطوات متأنية، متابعًا بمكر:
– هان عليك صاحبك يا عم صدقي؟ مكانش العشم.
– اه يا ابن ال…..
تمتم عيسى بها امام صدمة البقية ، حتى اقترب هو، ليقف امامهم يطالع المقتنبات الثمينة على فرشة من القماش، تم وضعهم عليهم، فدنى يتفحصهم بضحكة منتشية:
– ههه طب والله برافو عليا ، بجالي تلت ايام بلياليهم، متجنص فوق في الطل، عشان اشوف اخركم وفي الاخر اها بانت النتيجة اللي تستحق.
نهض متفكها نحو الجميع مخاطبًا لهم:
– يسلم زندك يا سند في الحفر، تسلم صحتك يا عيسى اللي اتحملت الشجا تلت ايام بليالهم عشان تلحجوا تخلصوا جبل بوز الاخص سليمة ما تطلع من المستشفي، تسلم يا عم الشيخ يا ماكن، تسلم يا عم صدقي يا أصيل.
قال الأخيرة بمغزة فهمه الاخر والذي كان مضيقًا عينيه بتفكير ليعقب له:
– كان لازم اعرف من الاول ان خلفة الندامة من فايز النحس وشربات التنح، لا يمكن تجيب الا الفقر…… عايز ايه يا واكل ناسك؟ دا انا مصدجت خلصت من خلجة ابوك، طلعتلي انت من فين؟
– هه من فوق السطح .
قالها بضحكة بلهاء زادت من احتقان البقية ليختصر عيسى الجدال، صائحًا بغليل، يقبض على ياقتي قميصه بعنف:
– ومفكرنا احنا هنسلم لعيل اهبل زيك ، بعد المرار دا كله اللي شربناه.
– استني يا عيسى، متبجاش غشيم، احنا مش ناجصين نصايب
هتفت بها من خلفه سند وهو يحاول فك اشتباكه به، امام ابصار الرجلين المنتظرين النتيجة من خلف هذا النزال
رد معقبًا عيسى
– انت مش شايفه انت كمان؟ واد شربات عايز يعمل نفسه ناصح ويجاسمنا ع الجاهز.
صاح به مالك:
– لا يا حبيبي كان خال عليا لعبكم، زي ما خال ع الكل،
انتوا الاتنين بالذات فاهمكم من الاول، مش من النهاردة وبس، لا يا غالي، دا من بداية الحكيوة كلها وموت حجازي اللي كان متفق هو كمان معاكم…….
بقوله الاَخير، خيم الصمت على رؤوس الجميع، وارتخت ذراعي عيسى عنه، امام الذهول الذي عصف بالآخر، الصغير الابله يعرف كل شيء، بل ويأتي الاَن ليهددهم بإفساد صفقة العمر التي تسير الخطط لها منذ سنوات.
نفض مالك ذراعي الاثنان عنه ، يرمقهم بتشفي، وقد
صار الوضع كحرب مشتعلة بالنظرات المحتدة نحوه، شاعرًا بانتصار غبي ، حتى لم يتوقع رد الفعل الذي أتى مباغتًا من سند ، حينما هجم فجأة ليقيده من الخلف كاتمًا فمه بكفه الحرة ، ثم يهدر بفحيح له:
– طب والله كتر خيرك ، كدة بجى الواحد يعيش على نضافة بعد ما يخلص عليك ، والحفرة اللي انت مراجبها بجالك ايام ، هتبجى جبرك دلوك.
قاوم مالك محاولا اخراج صوته ، لينجده احد من الثلاثة الآخرين، او احد من الخارج ، ولكنه قوبل بالصلف والجمود من الجميع حتى صدقي قبل ان يُصدم بالاتصال المفاجئ من احد الارقام الهامة اليه، التي ما أن نهاها سريعًا حتى هتف بغضبه نحوهم:
– الله يخرب بيوتكم ، الحكومة عاملة حملة وجاية ع البيت، يلعن فايز وخلفة فايز، بجدمكم النحس اللي يجيب الفقر
قالها وتحركت اقدامه على الفور نحو المغادرة وخلفه الشيخ المزعوم ولكنه تفاجأ بمن يقف يتصدر أمامه:
– على فين يا صدجي باشا؟ هتمشي كدة من غير ما ترحب بحبايبك اللي جاينلك مخصوص يباركولك ع اللقية الجديدة.
تجمد الرجل مصعقوًا، كرد فهل اولي ، قبل ان يتمالك وتبرق عينيه باشتعال، يغمغم الاسم بتذكر:
– بسيوني.
❈-❈-❈
انتبه عارف عقب خروجه من المرحاض واثناء تجفيفه بالمنشفة على شعر رأسه، لصوت زوجته المنفعل في الحديث عبر الهاتف، مع احدهما:
– ازاي مجالكبش رايح فين؟ يطلع في عز الليالي بالرجالة بتاعته من غير ما يقولك على خط سيره، دا اتجنن دا ولا ايه؟………… وانتي هتجوليلي؟ ما انا عارفاه وعارفه راسه الناشفة……. يا حبيبتي اهدي متجلجيش عليه، دا اخويا وانا عارفاه، على كد ما هو متهور في افعاله، لكنه في نفس الوجت حريص ومفيش ازكي منه………. يا حبيتي عارفة ان انتي بتتكلمي خوف، وعشان العيل اللي جاي ، فهماكي انا فهماكي،
انهت المكالمة لتلتف نحو زوجها الذي جلس بالقرب منها على الفراش يسألها بقلق:
– ايه الحكاية؟ ماله اخوكي المجنون عمل ايه؟
ردت بقلق واضح:
– دي نادية متصلة، بتجول انه خد الرجالة وطلع من ربع ساعة بالظبط ، ولما سألته مرديش يريحها غير بجملة واحدة، متجلجيش ، خير ان شاء الله
– وه .
غمغم عارف بدهشة قبل ان يتناول هاتفه ويطلب الرقم على الفور، ثم عاد اليها بقوله:
– يخرب عجله، دا بيقولي الرقم مغلق، هو راح فين الجزين ده؟
– ما هو دا اللي مخلي مرته بتشد في شعرها، مسكينة بتكلمني وهتموت من الرعب، خايفة عليه، حتى وهي بتلاوعني في الكلام ، انا نفسي كمان هتجن واعرف راح فين؟ عليا النعمة غازي ده عايز اللي يلمه على عمايله دي ، طب يدينا خبر ، ولا حتى يخبرك انت صاحبه، مش انت صاحبه بردك،
– طبعا صاحبه يا مجنونة انت كمان .
هتفت بها ردًا لها قبل ان يعاود الاتصال مرة اخرى مرددًا بقلق تسرب اليه هو الاخر:
– جيب العواقب سليمة يارب، يا ترى هببت ايه يا غازي الزفت؟
❈-❈-❈
– اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
صرخت بها، وهي تنهض بجزعها عن الفراش، واضعة يدها فوق موضع قلبها، وكأنها كانت في سباق عدو ولسان فمها لا يتوقف عن التمتمة بالأدعية الحافظة، رغم لهاثها،
فعلها جعل سكينة هي الأخرى تستقيظ جوارها على التخت المجاور لها، لتخاطبها بحنان:
– بسم الله عليكي يا بتي، دا اكيد كابوس اللي كتم على نفسك
قالتها سكينة وتقدمت نحوها بالكوب الزجاجي الممتلئ بالمياه ، لتلتقطه الأخرى وترتشف منه المياه دفعة واحدة وكأنها كانت في صحراء جرداء، لتمسد المرأة على ذراعها بحنو قائلة:
– بالهنا يا بنتي، ليكون نمتي من غير ما تقري قرآن، مش بعادتك يعني
مسحت سليمة بكفها على جبهتها وباقي وجهها تمسح عنهما العرق الذي اغرق بشرتها، لتعقب ردًا لها:
– والله ما انا عارفة دا كان كابوس ولا حقيقة، اللهم اجعله خير .
سألتها سكينة بفضول:
– ليه يا بتي؟ هو انتي حلمتي بإيه؟
كانت على وشك ان تجيبها قبل ان تنتبه على خلو الغرفة الا منهما ، لتسالها بفضول :
– امال هويدا راحت فين؟ دي نامت جبل اما انام .
اجابتها سكينة بعدم اكتراث وهي تعود لفراشها بخطواتها البطيئة بفضل التقدم بالعمر:
– جالها اتصال من شوية، وبعدها رجعت تلبس عبايتها السودة بتاعة الطلوع، واما سألتها راحة فين؟ جالت جوز بتي جاعد تحت مستنيني عايزني اروحلها دلوك واشوفها ليكون اللي عندها دلوك طلق ولادة.
– طلق ولادة.
رددت بها سليمة من خلفها لتغمغم بتساؤل واستغراب:
– طلق ولادة ع التامن ، يمكن….. الله اعلم .
❈-❈-❈
وصلت القوة الأمنية لتدفع باب المنزل المفتوح على مصراعيه، ليدلف مقدم الحملة اولا، ثم خلفه عدد من الرجال الأشداء، يرافقهم غازي والذي دلهم على طريق الغرفة المقصودة من وصف رجله الذي اتقطع به الاتصال منذ دقائق ، حتى شعر بانقباض قلبه في القلق عليه.
يخشى ان يكون قد تهور بفعل من نفسه ، رغم التحذير والتشديد من جانبه الا يفعل شيء من دون مشورته:
– شكلهم هربوا يا باشا، مفيش اي صوت في البيت،
قالها احد رجال الأمن، قبل ان يصرخ الاخر:
– يا نهار اسود ، دا في واحد هنا باين دماغه مفتوحة ومغمى عليه .
اندفع غازي مع الرجال نحو الجهة التي جاء منها الصوت ، وكانت المفاجأة حينما رأه كالجثة امامه مستلقي ، لبقع على ركبتيه جواره، يصرخ عليه بجزع:
– بسيوني، ايه اللي حصلك يا بسيوني؟
لم يكد ينهيها حتى صدر صوت إجش من جهة قريبة:
– دا في قتيل تاني هنا كمان!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))