رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الخامس 5 بقلم أمل نصر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الخامس
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الخامس
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الخامسة
كانت تقطع الطريق في اتجاه الموقف الخاص ببلدتهم، بجدية لا تناسب ابدا شخصيتها المرحة التي يعرفها، تحمل دفترها وحقيبتها، ترتدي ملابس عصرية محتشمة، وجهها الخمري النضر ، مكتسبًا لونًا برونزيًا جاذب للنظر ، جميلة وانيقة ومهذبة، من يراها لا يصدق ابدا شراستها ومغامراتها مع زينهم ،
انتبهت عليه لتقطب عاقدة حاجبيها بدهشة حتى اقتربت بخطواتها منه لتبادره بمزحتها:
– ايه الحكاية؟ بجيت واخد الطريق جياسة انت ولا ايه ؟
اشرق وجهه باستقبالها المبهج، وابتسامتها التي تأسر النظر اليها، فرد يبادلها المزاح:
– لا وانتي الصادقة قدمت على طلب اقامة قبل ما اخد الجنسية.
– اممم
زامت بفمها تعقب على قوله:
– يبجى هتتعب كتير، عشان احنا بلدنا تختلف عن أي بلد ، ظروف الإقامة والجنسية بتاعتها تكلف كتير جوي تجدر تعتبرها من دول العالم الأول.
– وانا قدها وقدود.
قالها مواصلا تفكهه، والذي بدا منه وكأنه مقصود ، ولكنها لم تعطي بالا، لتسأله بفضول :
– ماشي يا عم الجامد، بس انت ايه اللي جابك هنا ؟ ليك حد جريبك في الجامعة؟ ولا جاي تخلص مصلحة في الإدارة؟
تحمحم يجلي حلقه، ليتحول للجدية مبررًا:
– لا طبعا مدخلتش الجامعة اصلا، انا بعد ما خرجت من المحطة، خليت سواق التاكسي يلف بيا على معالم البلد عشان اتعرف عليها اكتر، بس بقى لما شوفت الطلبة خارجين من الجامعة هنا، لقيت نفسي بوقفه، ونزلت قريب كدة وقعدت ع القهوة استمتع بالأجواء ، قبل ما اروح البلد وافاجئ غازي ، اصله ميعرفش بزيارتي .
اومأت بابتسامة رزينة جعلته يعلق بمشاكسة:
– هتصدقيني لما اقولك اني بجد بتفاجئ بأي رد فعل منك، وانتي هادية كدة وليدي، عكس وردة اللي بشوفها في البلد عندكم ، وشراستها في السيطرة على زينهم.
ردت بابتسامة لاحت على ملامحها:
– ما احنا جولنا ان الجامعة غير البلد، ولا انت غاوي بس تفكرني؟ ع العموم انا بعتز بأصلي، وفخورة بيه كمان، عن اذنك بجى .
قالتها وتحركت بدلال اعجبه، قبل ان يوقفها عارضًا:
– طب بدل مواصلات البلد المتعبة، ما تستني اوصلك في التاكسي اللي هياخدني البلد، او حتى اتصل ببسيوني يجي ياخدنا احنا الاتنين.
ارتفع حاحبيها بذهول ، لا تصدق السهولة التي يتكلم بها وهذا العرض الكريم الناتج عن شهامة في غير موضعها، فردت ترفض بمناكفة:
– لا متشكرين يا عم الشهم، انا بحب الموصلات وتعبها، سيبتلك انت العربيات،…. احسن حتى لمصلحتك.
فهم للمغزى الذي تقصده، فتبسم متقبلا بصمت، ليتركها تذهب، ، يتابعها بعيناه حتى اختفت من امامه، ليغمغم داخله:
– اه، ياما انت واحشني يا زينهم.
❈-❈-❈
عاد الى منزل اخيرًا، يجر اقدامه جرًا من التعب، بعدما بات ليلتين في المحافظة، فلم يطاوعه قلبه على المغادرة وتركها دون ان يطمئن جيدًا عليها، استقبلته شربات مهللة بسخرية وقد بلغ منها الغضب الى الحلقوم:
– حمد الله ع السلامة يا غالي، منور بيتك يا سيد الرجال يا بطل، اخيرًا حنيت على اهل بيتك يا باشا؟
سقط على الاَريكة الخشبية بإنهاك يمنعه حتى عن الرد، مما ساهم في زيادة سخطها:
– ساكت ليه يا فايز؟ ما ترد عليا وفهمني ، كيف جالك جلب تسيب بيتك يومين بليالهم من غير ما تطل ولا تسأل على أحوالهم، ايه؟ مكفكش تاخد الصيت بعد ما جريت بالهانم وانت شايلها على درعاتك عشان تنجدها وتروح بيها المستشفى؟ جاعد جمبيها ليه؟ شفجان عليها ولا هو الجلب اللي حن بعد فوات الأوان.
حدجها بغضب حارق ولكنها لم تكترث لتواصل افراغ ما كانت تشحنه داخلها، منذ يومين:
– رد عليا يا فايز، انا دلوك عايزة اعرف سبب لعمايلك مع الولية دي ، لو اللي بتعملوا معاها دا الطبيعي، في انك تخطط وتتكتك لحد ما تلهف الورثة في البيت، يبجى تبيض عليا وتخبرني، ع الأجل اساعدك وعجلي يستريح من الفكر ، لكن تسيبني كدة على عمايا ، اهري وانكت في نفسي، لاه يا فايز.
صرخت الأخيرة بإزعاج اجبره على الرد بحدة ليوقفها:
– وان جولتك ان الورث اخر همي، واني بعمل كدة عشانها هي نفسها، هتساعديني برضوا،
وكأن رأسها ضرب بمقلاة اهتزت حدقتيها وشحب وجهها بصدمة، حتى توازنت في وقفتها بصعوبة، لترد بصوت مضطرب، تنهج بلهاث وكأنها في سباق عدو:
– يعني ايه؟ انا مصدجش ابدا انك تكون بتعزها يا فايز ، طول عمرك بتكرهها، انت بتحبني انا، وجاعد معايا انا ، هي هاجرها بجالك سنين، يبجى كيف هتحبها؟ جولي كيف هتحبها؟
لاحت منه ابتسامة ساخرة ، يطالعها بنظرة تؤكد على ما تفوه به:
– انتي برغم كل عفاشتك وطمعك ، انما انا كنت حاملك يا شربات لانك الصراحة كنتي مدلعاني وممشية امورك معايا ،
نهض فجأة امامها يردف ببساطة غير مباليًا بملامح وجهها التي تعقدت وتبدلت لأخرى:
– انتي كنتي الكيف……. الحتة الخضرا اللي باخذها كل ليلة عشان اتوه من دنيتي وانسى، انسى وجعي مع اللي تاعبة جلبي، انا كنت بنتجم منها بيكي، كان كل همي احرق جلبها كيف ما هي حارقة جلبي .
– ودلوك فوجت
صرخت بها، شاعرة بنصل خناجر كلماته السامة، تمزق احشائها بقسوة، صاحب القلب المتحجر ، كيف له ان يحب؟ او يعرف الحب من الأساس؟
– انا لا يمكن اصدج أي كلمة من كلامك، انا اللي معاشراك وعارفاك زين، انت يا فايز معندكش جلب اصلا؟
قابل صيحتها بصمت، دون ان يكلف نفسه عناء الرد ببنت شفاه، ثم استدار يتركها بعدم اكتراث، ذاهبًا نحو غرفته، متمتمًا لها بأمر :
– ياريت توفري مناحتك دي لوجت تاني، انا هروح اريح جتتي على فرشتي، بجالي يومين منمتش، اصحى الاجي الوكل جاهز، ولو عاندتي يا بت التنح ، ما في مليم هطلعه، لاسبوع جدام، خلي بجى المحروس هو اللي يصرف عليكم.
كبتت على فمها تكتم وابل من الشتائم والسباب، حتى لا ينفذ تهديده، فهي الأعلم بحجم عناده ، وغباءه،
انتظرت على اغلق عليه باب الغرفة، لتغمغم بقهر في اثره:
– روح يا فايز ربنا يسخطك قرد ولا تغور في مصيبة ما حد يعرفلك طريج ، بحق كسرتك لخاطري يا بعيد
❈-❈-❈
دلفت الى الغرفة ممسكة بيدها الجلباب المنشي ، بعدما قامت بكيه بنفسها، تتخذه حجة الاَن لفتح اي حديث معه، يزعجها هذا الهدوء المبالغ فيه من الأمس من جهته، وهذا التجاهل المقصود، في تعبير واضح لغضب يخفيه رغم كل ما يقوم به معها من افعال تبدوا طبيعية، تعترف الاَن بخطأها، وقد بالغت في صب جام غضبها عليه، وهو لم يقابل فعلها بالمثل، بل ضمها الى صدره، ليخفف من ارتياعها، قبل ان يأخذها الى سليمة لتريح قلبها بالأطمئنان عليها
وقفت تراقبه وهو يصفف شعر رأسه بعدما خرج من المرحاض، لا يدندن ولا يشاكس بنظرات عبثية نحوها، يبدوا عليه الشرود والهم،. حتى لم ينتبه لدلوفها، فلم يسخر كعادته من خجلها وهو الاَن عاري الجزع، ولا يرتدي سوى بنطال، لا تدري متى تمكن من بناء هذا الصدر العضلي البارز، حتى تميز عن جميع ابناء العائلة ، رغم اشتهارهم بالبنيان القوي والبأس
تحمحت تجلي حلقها وتجسر نفسها وهي تخطو لتقترب منه ، حتى جعلته يستفيق من شروده فينتبه، ليطالع انعكاس صورتها في المراَة، حتى تكلمت تخاطبه :
– اا الجلبية، انا جهزتها وكويتها
بفراسة شديدة، لم يخفى عليه محاولاتها الضعيفه في فك جموده، معنى هذا انها تنتبه لفعلها وتعلم بخطأها، وعتابه المكتوم، لتحاول باستحياء كشفه هو بحنكته، من أجل ترضيته….. تبدوا اشارة جيدة
!
توقف يلتف ليطالع حيائها الشديد دون ان يكلف نفسه برفع يده ليتناولها منها، مما جعلها ترفع ابصارها اليه باستفهام ، اجاب عنه بمكر:
– حاسس يديا التنين تجال علي، كانهم اتملخوا من شندلتي مع الحصان الحرنان امبارح ، ممكن يا نادية تلبسهاني انتي .
في البداية شعرت بالشفقة وقد انطلت عليها كذبته، مع تذكرها لسيطرته بصعوبة على الحصان الذي غلب جميع الحراس في الركض خلفه بالأمس،
لكن سرعان ما استدركت لمطلبه، لتطالعه متوسعة العينان بعدم استيعاب وهي تقيس بنظرها فرق الطول بينها وبينه:
– البسهالك كيف يعني؟ ايه اللي انت بتجوله دا يا غازي؟
اقترب منها وعيناه المشاغبة عاد اليها بريقها ، ليشاكسها برده:
– ما انا بجول دراعاتي التنين مملوخين يا نادية ومش جادر ارفعهم.
قارعته بالرد لتضحض حجته:
– بس انا داخلة عليك دلوك وكنت بتسرح شعرك، يعني بترفعها يدك اها.
برر سريعًا لها:
– دي كانت يد واحدة واهى كمان وجعتني…. هتلبسيني الجلبية ولا انده بسيوني من برا
– يا مري لاه استني.
اعترضت بحرج ، لتطيعه مزعنة، وتعدل الجلباب على وضع الارتداء سريعًا، ثم ترفع بذراعيها، وتشب على اقدامها ، في محاولة يائسة لتنفيذ مطلبه، دنى هو، مقربًا رأسه لتتمكن من إداخلها داخل محيط الجلباب، ثم تنزل بالقماش على باقي الجسد، وقبل ان تفعلها جيدًا شهقت بفزع وهي تجد نفسها مرفوعة عن الأرض بعدما غافلها وحملها ، حتى خرج صوتها بدهشة اختلطت بفزعها:
– يا مراري انت شيلتني كيف؟ مش دراعك واجعك، ولا انت بتضحك عليا يا غازي؟
جلجلت ضحكة مناكفة منه، ليفاجأها بقوله:
– وافرضي انه واجعني، دا هيخليني اضعف عن شيل مرتي؟ واهو بدل ما رجلك تشب لفوج عشان تحصلني، رفعتك انا عشان اسهل الأمر عليكي.
ماذا يقصد بالاخيرة؟
وقد اجبرها الاَن على النظر اليه من علو ، وانحصرت الرؤية امامها عليه، تبتلع في ريقها وتطالبه بضعف:
– نزلتي يا غازي، وبلاش منه شغل العيال ده.
عاندها برفض حاسم:
– وانا جولتلك ان احب ما عندي هو شغل العيال.
تذمرت بحرج شديد، تباعد من خصلات الشعر الناعم للخلف، وكحل العينن عن قرب يزيده هياما بها.
اما عنها، فبرغم ادعائها التململ والضيق، إلا انها لم تقوى على منع نفسها من التطلع اليه، ليس بنعومة الراحل ولا برقته في صب كلمات الغزل على اسماعها ليل نهار دول كلل او ملل، لكنه يملك وسامة رجولية تميزها الخشونة والقوة ، يعرف دائمًا كيف يسرق اهتمامها بأفعاله،
يكتنفها دفء غريب حين يغمرها، وحتى في نظرته اليها، قادر ان يبث اليها الامان، به شيء لا تعرفه ، ولكنه يربكها، مما يجعلها دائمًا في حاجة للهرب منه:
– وبعدين؟ هفضل انا معلجة كدة اليوم كله، مش ناوي تنزلني؟
سمع منها وقد ارتخت يداه بالفعل، وذهب تماسكه أدراج الرياح، ينزلها بتأني وبطء شديد مرافقًا لمحاصرته لها، وقبل ان تلمس قدميها الارض اعادها اليه بعناق قوي، ينهل منها ما حرمه على نفسه بالأمس ، وقد منعه كبريائه من التقرب اليها بعد هجومها عليه دون مبرر، اما الاَن وقد لمس منها استجابة على استحياء ، في محاولة غير مباشرة منها للصلح معه، ببرائة وعفويه زادته جنونا بها، فلا يستطيع التوقف، ولا يرتوي ابدًا من عزوبتها.
❈-❈-❈
يقف امامه بابتسامة تصل من الاذن الى الأذن الأخرى، يستقبله بالتهليل المبالغ فيه:
،- حبيبي يا غازي وحشتني، ووحشتني البلد الجميلة ، قد ايه مشتاقلك يا غالي .
تقدم نحوه باستغراب قارب الريبة، حتى اذا وصل اليه، عقب بتساؤل ساخر مضيقًا عينيه:
– ايه يا يوسف؟ المرة دي برضوا جايبلي عجد مهم امضيه ولا ف حاجة تانية أهم؟
اشرق وجه الأخير ليجيب بمرواغة، متصنعًا العتاب:
– هي دي برضوا حمد الله ع السلامة اللي تستقبل بيها صاحبك؟ جرالك ايه يا غازي؟ كنت بايت في حضنك انا عشان تقابلني بقلة الزوق دي؟ ولا كنت بايت في حضنك…..
قطع بشهقة عاليه خرجت منه ، معبرًا عن ارتياعه، بعدما باغته غازي بالقبض على تلباب قميصه يخاطبه بتحذير:
، بلاش اللف والدوران معايا يا يوسف، انا فاهمك وعارف زين انت بتطلع من هنا وتروح على فين في البلد، انا مش نايم على وداني، واخد بالك منها دي؟
ردد خلفه يوسف بصوت مرتعب:
– واخد بالي والله، بس انا عملت ايه بالظبط عشان ازعلك يا كبير؟
واصل غازي هزهزته، محذر له بشر:
– انا محدش يجدر يزعلني، وانت بالذات يا يوسف عشان عارف غضبي زين هتتقي شري، بأنك تعجل وترسى من جنانك ده، تعمل ايه يا يوسف؟
– اعقل وارسى، بس انا برضوا مش فاهم، انت قصدك ايه بالظبط ؟ وانت تحت أمرك يا حبيبي، هو انا اقدر اكسرلك كلمة.
ردد بها من خلفه يدعي الطاعة، قبل ان يصمت على اثر زمجرة عالية من غازي جعلته يستكين بأدب:
– يا يوسف بلاش اللوع معايا، رجلك اللي استحلت الروحة على شرق البلد، مالك انت باخت بسيوني؟
برقت عيني الأخير يهتف بمظلومية :
– يا نهارك اسود يا غازي، عيب عليك الكلام ده يا جدع، يعني هيكون مالي ومالها بس، شالله يارب اطفحها لو كنت بكذب.
– يوووسف
– نعم يا نور عيني.
كبت غازي ضحكاته بصعوبة ، ليتركه فجأة بيأس منه، ثم تحولت لهجته للجدية والنصح
– بلاش تزعلني يا يوسف، انا مش عايز اخسر راجلي الامين بسببك ، بسيوني دا مش أي حد عندي ، يعني اللي يمسه يمسني.
تغضنت ملامح الاخر بتفهم ، ليرد بصوت خلى من العبث:
– وانا عمري ما هائذيك ولا ازعلك، انت عارف اخلاقي كويس، بدليل انك بتكلمني وبتحاول تتفاهم معايا .
اومأ غازي ببعض الرضا ليسأله بفضول :
– حلو جوي الكلام، بس برضك انا عايز اعرف السبب اللي يخليك تروح كل شوية هناك .
ارتبك الاخر وصمت للحظات بتفكير، حتى صدر منه الرد:
،- زينهم يا غازي، انا اتعلقت بزينهم أوي، من بعد نطحته ليا وانا قلبي اتشعلق بيه، ولو سافرت بلاقي نفسي على الفور بشتاقله.
بازبهلال شديد وعدم استيعاب، سأله غازي:
– زينهم مين اللي نطحك يا جزين؟ وبتشتاجله كمان؟!
❈-❈-❈
تسمرت محلها ، بغيظ يفتك بها تطالع هذه الأجنبية التي احتلت منزلهم وهي تضحك وتلعب مع الأطفال في الحديقة وكأنها واحدة منهم، بعدما اجبرتهم على تقبلها بينهم ، بهذه الورقة التي تمسكها على شقيقها الابله، ليرضخ اباها ووالدتها مجبرين، خشية الفضيحة التي قد تتسبب بها لهم ، ان اعلنت الخبر وانتشر اسم عائلته الشهيرة على افواه البشر ، ليخلقوا قصة وهمية في الاعلان عن زواجه بها امام افراد العائلة والبلدة.
– واجفة بتراجبيها ليه؟ ليكون عايزة تتعركي معاها تاني، احنا مش ناجصين نصايب.
قالتها رئيسة وهي تدلف الغرفة خلفها، تحمل بيدها بعض الشراشف المطوية بعد تنظيفها وتجفيفها، وكان الرد من فتنة بزفرة حارقة :
– ما كله من ولدك بوز الاخص، يعني مش مكفيه المشي على كيفه السنين دي كلها ، عشان يجيبلنا بلوة في الاخر يبلينا بيها، هو احنا كنا ناجصين.
– ايوة والله كنا ناجصين.
تمتمت بها رئيسة مبتئسة لما يحدث مع ابناءها دونًا عن باقي افراد العائلة، نتيجة للتربية الخطأ من زوجها، هو السبب الأول والرئيسي قي الإعوجاج الذي زرعه في نفوس ابناءه، بعجرفته ودلاله الدائم لهما، وكأنهم مميزين عن باقي البشر، بما حباهم الله من مال وجمال وسلطة متوارثة.
– مالك ياما سرحتي في ايه؟
سألتها فتنة تفيقها من شرودها، لتعتدل مستقيمة، بعد ان اغلقت أحد الأدراج، التي وضعت بها عدد الشراشف.
فردت بضيق:
– سرحت مطرح ما سرحت، انتي مالك؟ على أساس انك هتحسي ولا تفهمي اصلا؟
غمغمت بالاخيرة تعطيها ظهرها، لم تكترث فتنة وهتفت توقفها:
– طب انا طالعة النهاردة، خلي بالك من البنات،
استدارت لها بغضبها:
– ليه تاني كمان يا برنسيسة؟ هو انتي مبتشبعيش طلوع؟
رددت خلفها بانفعال:
– ما انا بجالي يومين مطلعنش ياما، والجو في البيت هنا بجى يخنق، وانا واحدة دمي حر ، مبتحملش، البت اللي تحت دي ممكن تجيبلي شلل وولدك الأهطل مش عارف يسد معاها ولا يحكمها، اكتم في نفسي لحد ما اموت يعني؟ ثم كمان انا خدت موافجة ابويا، هو رضي عشان حاسس بحالي.
عقبت رئيسة، تجر اقدامها لمغادرة الغرفة بقنوط ويأس يكتسحها:
– لا يا ختي متكتميش في نفسك ولا تزعلي روحك، مدام ابوكي مجدر وحاسس بحالك، اكتم واتفلق، يكش اولع حتى.
❈-❈-❈
امام البناية التي تحتوي على عدد هائل من العيادات المتخصصة، توقفت بسيارته، ليميل برأسه للأمام متمعنًا النظر باليافطات العديدة قائلًا:
– العمارة فيها مية دكتور، فينها عيادة فاطمة دي؟ انا مش جادر احدد في اي جيهة،
تبسمت بياس تجيبه وهي تلملم اشيائها:
– الدكتورة في الدور الخامس، ويافطتها صغيرة يا عارف، لو ركزت كويس ممكن تجيبها.
– فينها دي؟….. اها خدت بالي بس دي على جنب مش في الوش زي البجية
ضحكت تشاكسه وهي تعدل جلستها للترجل وتذهب:
– معلش العتب ع اليافطة المشجلبة، مش نظرك يا غالي…… اه.
صدر التأوه كرد طبيعي بعدما اوقفها قابضًا على رسغها، يقول بتهدبد:
– شامم ريحة تريجة….. كديها انتي دي؟
كبتت بصعوبة ابتسامتها لتعترض بقولها:
– في ايه يا عارف؟ الناس في الشارع هتاخد بالها، مش وجت تهديداتك التافهة دي خالص على فكرة.
صدر تأوهًا مرة أخرى مرافقًا لضحكاتها، بعدما زاد بضغطه ليعقب بغضب مصطنع:
– لسانك طول، وشكلك عايزة جرص من جديد ، مدامتي عارفة ان جوزك تافه، يبجى تراعي وتاخدي بالك، مش تجلي أدبك……. اتعدلي واحترميني حتى لو كنت تافه، دا واجب الزوجة ناحية جوزها، فاهمة ولا لأ.
أومأت بمهادنة، لا تستطيع توقف عن الضحك المكتوم، امام جدية مزيفة يصطنعها:
– حاضر ماشي، هحترم جوزي التافه، في أوامر تاني؟.
– لا .
قالها مندمجًا في الدور ليأمرها:
– خلاص انزلي، هي ربع ساعة بالكتير، هروح اوصل للست سليمة اسلم واطمن وبعدها هاجيلك، مش هعوج.
، ماشي وسلملي عليها.
قالتها وهي تترجل من السيارة بعدما القى عليها بعض النصائح والتعليمات، ثم توقف يطالعها حتى دلفت لداخل المبنى ، ليتحرك بالسيارة بعد ذلك ذاهبًا نحو وجهته، غافلًا، عمن كان يراقبهما منذ قليل داخل المبنى ، بعدما اوصل زوجته هو الاخر لنفس عيادة الطبيبة الشهيرة، ثم انتبه عليهما اثناء مغادرته، ليتربص بها من محله حتى ولجت لداخل المصعد، ثم تفاجأت به ينضم معها،
– مساء الخير يا ست الحسن .
– عمر .
تمتمت بالأسم، ثم همت للخروج، ولكنه باغتها، بأن ضغط على الالواح طالبًا الطابق الاخير، واعترض طريقها حتى لا تخرج، فهتفت به غاضبة:
– انت اتجننت يا عمر، ولا واعي أصلا للي بتعمله دلوك، دا تطير في رجاب.
ردد ببساطة غير ابهًا:
– وايه اللي هيخلي الرجاب تتطير؟ هو انا هخطفك مثلاً؟
زفرت بغضب حارق تطالعه بحنق تخفي من خلفه ارتيابها من فعله، وظلت صامتة حتى توقف المصعد على الطابق الأخير، الخالي تقريبا من البشر ، بعدم وجود العيادات الممتلئة بالبشر، كباقي الأدوار، ليفرد ذراعه امامها قائلًا بحركة مسرحية:
– ممكن لو تسمحي، بكام دجيجة من فضلك يا هانم، دا لو تتكرمي يعني، لاني انا مستعد ابوظ الزراير في الانساسير واجعد معاكي لحد الصبح ، ومش هيهمني.
صكت اسنانها بغيظ متعاظم، غير فاجئها بتهديده، لتأخذ القرار على الفور وتخرج من المصعد، ثم تتوقف في وسط الرواق متكفتة الذراعين، تواجهه بقوة سائلة:
– اديني جدامك اها، عايز ايه يا عمر؟
التف حولها ليقف امامها متمعنًا النظر داخلهم وكأنه يريد الغوص بهما، يبحث عن فتاته الصغيرة التي كانت هائمة به.
تركها بالسنين وظلت على العهد محافظة، ثم انقلبت كغدر الزمان الذي يفاجئ اصحابه، لتصبح هذه الشخصية الواقفة امامه الاَن:
– عايزك تجاوبي عن سؤالي واعرف اللي حصل، كيف أجبروكي تتخلي عني وتروحي لواد عمك تتجوزيه؟ عملت ايه فتنة خلاكي تتكسري جدامهم وتنخي؟
طالعته بارتياع وعدم استيعاب لمعرفته بهذا الأمر الخطير:
– مين جاب سيرة فتنة؟ مين اللي جالك الكلام ده من الأساس؟
رد بعدم اكتراث:
– المهم اني عرفت، وعرفت هي عملت ايه عشان تشوه صورتي وصورتك جدامهم هي السبب بت ال……
– خلاص يا عمر
هتفت بها تقاطعه بعدم احتمال:
– مفيش داعي نجلب في اللي راح، بعد الحكاية ما فضت وكل واحد راح لحاله، مكنش لينا نصيب في بعض، انت شوفت حالك واتجوزت، وانا ربنا رضاني بجوازى وسعيدة والحمد لله
– رضاكي وسعيدة كمان!
تمتم بها بحقد يحرق فؤاده المعذب بعشقها، ليقترب بنظرات ازدادت حدة حتى كانت ترتد للخلف خشية منه:.
– يعني اتخطيتي ونسيتي، امال انا ليه مش عارف اعيش؟ ليه مش عارف ابجى زيك كدة وادوس على جلبي اللي عاش يتنفس هواكي؟ جوليلي عرفتي تعمليها ازاي دي؟ ولا هو مكنش حب من الأساس؟
ازداد خوفها منه، تريد الهرب وابصارها تتجه كل دقيقة نحو الدرج او ألمصعد تتمنى ظهور اي شخص ما، ولكنها ايضا لم تقوى على الصمت، لتفحمه بقولها:
– اسأل نفسك يا عمر، وحاول متعملش فيها دور الضحية عشان انت اتخطيت، واتخطيت من زمان كمان، بدليل الثروة اللي كونتها في الغربة وانا هنا زي المغفلة في انتظارك، لو كنت حاططني في أولوياتك مكنتش هتستني وتسيبني على دكة الاحتياط بعد ما تحقق كل أهدافك.
تجمد. وقد فاجأته بردها الغير متوقع، لتواصل هجومها:
– لو عايز تلوم حد يبجى تلوم نفسك، روح الدهشان، يمكن تكون حالمية زيادة عن اللزوم بس هي عمرها ما كانت غبية عشان ما تاخدتش بالها من التفاصيل المهمة دي بس انا كنت بفوت بمزاجي، زي ما دلوك هفوت غلطتك واعتبرها محصلتش عشان مزيدتش في تعجيد الأمور لو جوزي عرف…… عن اذنك
تفوهت بالاخيرة وتحركت من أمامه عائدة لنفس المصعد، تضغط على اللوح الرقمي حتى وصل اليها وانفتح بابه ، لتنضم داخله ثم تهبط به، امامه ، وقد تخشب محله ، فلم يسعفه ذكائه ، في إيجاد رد مناسب، او ان يتجرأ ويجيبها بالحقيقة الصادمة، فتزداد كرها له!
❈-❈-❈
– انت متأكد من كلامك دا يا بسيوني؟
سأله غازي بعدما قص عليها جميع ما جمعه من معلومات، طوال الساعات الماضية، وتقرير مفصل عن تحركات المشتبه بهما داخل دائرة الشك، وقد فاجئه بكم من المعلومات،
وجاء رده بتأكيد:
– ما انت عارفني يا غازي بيه، انا مجولش كلمة في الهوا ، العيال دي ما صدقوا ان الولية بعدت عن البيت، عاملين زي المجانين، عايزين يلحجوا الوجت ويوصلوا للي هما عايزينه.
ردد غازي بتفكير متعمق:
– انا كنت شاكك فيهم من الاول، دور الشهامة اللي كان رسمينوا مكانش لابج عليهم ابدا، الطمع في عينهم كان كاشفهم جدامي بكل وضوح.
وافقه بسيوني الرأي:
– هما دلوك دخلوا في الجد والشيخ اللي شوفته معاهم امبارح دا اسمع ان مفيش اعفش منيه في الفلوس ، سمعته معبيه الدنيا في كاره الزفت ، لا يعرف حرام ولا حلال، وأكيد معشمينه بحاجة كبيرة ، تخليه يوافج عشان يتعاون معاهم.
المهم احنا بجى، هنعمل ايه؟
اجابه غازي بحنكة:
– هسيبلهم الحبل ع الغارب ، خليهم يبرطعوا ويعملوا كل اللي عايزينه، لحد اما نشوف فعلهم دا هيوصل لإيه
، انا كمان وصيت الدكتور ما يصرفش سليمة ع البيت، على ما اشوفلها صرفة، دي مش حمل أذية تاني .
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))