روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثالث 3 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثالث 3 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الثالث

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الثالث

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الثالثة

تقلبت في فراشها بعدما اخترق ضوء الصباح اجفانها، لتستيقظ بعد فترة من الصراع داخلها، شيء يأمرها بالنهوض، لترى ما ينتظرها من مسؤليات، واخر يحثها على المتابعة في النوم، بكسل لذيذ يكتنفها، وما بين ذاك وذاك تشعر وكأن…..

فتحت عيناها على وسعها، تتاكد من ظنها، وفد وجدته به امامها كما توقعت، مستندا على مرفقه، يطالعها بتمعن وكأنه يراقبها…..

– صباح الفل.
ابتلعلت ريقها بتوتر ترد له صباحه:
– صباح النور، هو انت هنا من امتى؟

تبسم بتسلية يجيبها:
– والله ما حسبتش بالظبط، انا كل اللي فاكره ، هو اني صحيت الصبح بدري، لجيت غزالي شغالة تسرح وتتجلب ع السرير وكأنه ملكها وحدها ومحدش معاها فيه، لدرجة انها كذا مرة تدفسني برجلها، باينك كنتي بتتعركي مع حد في الحلم باين،

شهقت بعدم تصديق مستنكرة:
– انا دفستك برجلي يا غازي؟ دا انا عمري ما عملتها ؟

اشار على صدره بمظلومية:
– يعني انا بكدب يا نادية؟

اخجلها بسؤاله، حتى اسبلت اهدابها عنه تتمتم باستحياء:
– انا مجولتش كدة، بس كمان مستغربة، اصل اللي انت بتجوله دا جديد ، واول مرة حد يجولهولي.

حينما طال الصمت، رفعت ابصارها اليه، ف اصطدمت عيناها بخاصتيه، وهذه النظرة الدافئة التي كانت تطل منه نحوها ، ليعلق بوله:

– انتي جايبة النعومة دي منين؟ كيف كدة عاملة زي البسكويتة ولا اكنك عيلة عشر سنين؟

رددت خلفه بعدم فهم:
– عشر سنين ! كيف يعني؟
اومأ لها يزيد من قربه منها يشرح بمشاكسة تقارب الوقاحه:
– يعني طرية جوي، انا بمسك يدك بخاف لتتكسر مني، حتى في كلامك بتتحدتي ببراءة واحدة مدخلتش دنيا من اساسه،

لفحتها انفاسه الحارة وهو يستطرد:
– انتي كنتي غايبة عني فين بس؟
قالها ثم دنى يقطف ثمار الورد من الوجنتين، ورحيق العسل من الشفاه، في عادة صباحية اصبح لا يستطيع الاستغناء عنها حتى قطع لحظته، طرقات صغيرة صاخبة:

– يا بايا، يا بابا، افتحي يا ماما،

❈-❈-❈

حول المزرعة التي تأسست حديثًا، تسكعت بخطواتها وكوم التمر بكفها تأكل منه، وتتأمل بتركيز لحركة البشر من رجال والبشر التي تعمل بها، وتجار بجوار سيارتهم التي تحمل اقفاص الدجاج الابيض في نشاط مستمر بعدم توقف

تحسب اعداد السيارات وأعداد الأقفاص الممتلئة لتمصمص بشفتيها مغمغمة:
– وه يا عمر با واد بهانة، دي باضتلك في الجفص بابنها وزهزت معاك وانا لسة نايمة على وداني، احفف في حريم معفنة، ويطلع عيني معاهم في الحساب على تفاتيف بعد ما غازي الدهشان جطع رجلي من نجعهم، وكله بسبب جوز النصايب، خلفة سعيد المشجلبة.

فاقت من شرودها على رؤيتها له، وقد توقف بسيارته، ليترجل منها نحو مدخل المزرعة، انتفضت ترمي ما تبقى من تمر كان بيدها، لتعدو بخطواتها المسرعة
حتى تلحق به، علها تجد منه الفرصة، أو يطولها جانب ولو ضئيل من هذا الترف.

– عمر بيه عمر بيه
هتفت منادية توقفه قبل ان يصل للباب الحديدي في المدخل الخاص به، بعيدًا عن صخب العمل، ليلتف لها بنزع عن عينيه النظارة السوداء يطالعها باستفهام سائلًا، ف اقتربت هي على الفور مخاطبة له بلهفة:

– انا نفيسة يا عمر بيه، نفيسة الحفافة، أكيد تسمع عني؟

عبست ملامحه بازداء واضح بعدما اعلمته بهوينها وسمعتها السيئة التي تصل عنان السماء في وسط الرجال قبل النساء، ف التف يرد بامتتعاض:
– اسمع عنك….. بتندهيني ليه بجى؟

تغاضت عن جموده الغير مشجع بالمرة واقتربت تدعى المسكنة في صوتها:
– انا واجعة في عرضك يا عمر بيه، الدنيا ضاجت بيا، ونفسي في حاجة اكل منها لجمة عيشي بالحلال.

تحولت ملامحه للقتامة، ليصدمها بسخريته:
– وجيالي بجى عشان اشغلك في ايه؟ انا لسة مفتحتش قسم في المزرعة للحفافة الحريم، لما يحصل هبجى ابعتلك.

اجفلها برده الازع، ثم استدار عنها بعجرفة أذهلتها، ولكن سرعان ما استعادت وعيها لتوقفه للمرة الثانية:

غازي الدهشان انتجم فيا بسبب اخته روح وسعادتك

علمت بإصابتها للهدف وقد تصلب ظهره امامه، قبل ان يلتف بتحفز جعلها تلحق مرددة بلهفة، تختلق حديثا يتماشى مع غرضها:

– ايوة يا بيه، انا اتنصبلي فخ ووجعت فيه عشان غلبانة، لبسوني تهمة بريئة منها، لغرض واحد، وهو انهم
يخربوا جوازة سعادتك من روح هانم، من جبل حتى ما تدخل بيتهم .

ضاقت حدقتيه يطالعها بخطر، وكلماتها تدوي كمطارق برأسه، ليتراجع بخطواته نحوها سائلا بحدة:
– ايه بتجولي يا بت؟ انتي واعية للكلام اللي هتخربطي بيه ده؟
انتفضت نفيسة لتقترب نحوه بلهفة وكأنها قد وجدت الفرصة:
– بجولك يا عمر بيه ع السبب الحجيجي اللي خلى غازي الدهشان يضيج عليا في لجمة عيشي، منها لله اللي كانت السبب في ظلمي وظلمك انت كمان معايا؟!

تجمد محله بملامح ازدادت تجهمًا، حتى اصاب الزعر قلبها من هيئته، ثم فاجئها بقطع المسافة الصغيرة المتبقية من باب مكتبه، ليفتحه بسرعة البرق، ثم يشير بطول ذراعه نحو الداخل يأمرها:

– انتي هتدخلي معايا دلوك، وهتحكي بالتفصيل عن كل اللي حصل، ولو عرفت انك بتكدبي، هطير رجبتك

حاولت ابتلاع ريقها وقد جف حلقها على الفور، تأثرًا من تهديده، ثم ما لبثت ان تتماسك سريعًا لتفرد ظهرها مزعنة لأمره، تذكر نفسها انها نفيسة…. التي لا يغلبها شيء .

❈-❈-❈

انهى صلاته ليخرج اليها مرتديَا كامل حلته ، وقد وجدها جالسة على أحد الارائك متربعة القدمين، بيجامة حريرية لامعة، بحمالتين فوق الأكتاف، تكشف حتى أعلى نهديها، واللون الفيروزي انعكس على بشرتها المرمرية بروعة تكاد أن توقف القلب من فرط سعادته،

حلم عمره الذي تحقق بعد عذاب، غافلة عن كل ما يدور من حفلات صاخبة بداخله، تشاهد التلفاز، واضعة طبقًا من الفاكهة المفضلة بحجرها تتناول منه دون انتباه في غمره تركيزها بأحد البرامج، وداخل احشائها تحمل طفلها منه

– يا عيني ع التفاح اللي بياكل تفاح .
هتفت بها ممازحًا، يلفت انتباهها اليه، لتهديه ابتسامة اشرقت بقلبه؛ والذي رد بسرعة الخفقان لها

فاقترب يسقط بثقله بجوارها حتى اهتزت بجلستها والطبق، لتوبخه ضاحكة:

– براحة يا عم ، هتطيريني ببطبج الفاكهة والعيل اللي في يطني.

دمدم ضاحكًا معها:
– يا ستي سلامتك انتي والعيل والطبج، يا ام يامن انتي يا غالية.

التفت اليه بابتسامة متسعة، لتقارعه بمشاكسة:
– وانت عرفت منين ان اللي جاي واد؟ عشان تلحج تسميه كمان؟ دا يا حبيبي لسة ملحجش يتكون اساسا .

مال بنصف نومه، يلتقط قطعة من طبقها، ليلوكها بفمه، ثم يرد عليها بتأكيد:
ء مش محتاج معرفة ولا تفكر، انا عارف من الاول يا حبيبتي، ان اول خلفتي منك صبيان خليكي متأكدة منها دي.

– يا سلااام وكمان متأكد.
– جوي، زي ما انا شايفك جدامي دلوك .

قالها بنبرة واثقة، لتزيد من دهشتها تردد بيأس ،محتفظة بروحها المرحة؛
– لا انت مش معجول بجد يعني.، المصيبة ان اللي يشوفك بالبس الكاجول والمودرن، ما يظنش ابدا ان الكلام ده يطلع منك.

تبسم يتمتم بتصميم:
– يا ستي خليهم مخدوعين على كيفهم، انا واحد مقتنع بكلام امي، هي جالتلي هتبكر بالواد يا عارف عشان انا حلمت بكدة وانا صدجت، يبجى خلصت.

قال الأخيرة بأسلوب فكاهي جعلها تقهقه ضاحكة حتى تحولت فجأة للجدية تخطابه:
– طب انا كان نفسي في طلب وبجالي مدة عايزة افاتحك فيه، بس مش عارفة دلوك بعد خبر الحمل هتجبل ولا لأ.

اعتدل بجلسته يعقد حاجبيه بحيرة سائلًا:
– ارفض ليه؟ هو الطلب لدرجادي صعب؟

نفت على الفور:
– لا والله هو في الأصل ما صعب خالص…. بس كمان برضك حسب دماغك!
لاح التوجس على ملامحه ممزوجًا بشعفه في المعرفة، لتردف له بأمنيتها على تردد:

– انا عايزة اعمل مشروع لنفسي، حاجة تنفع البنات والستات في بلدنا

❈-❈-❈

بصفحة ارتسم عليها الغضب، حتى بدت للناظر خير تعبير عن الخطر القادم، كان يتابع استرسالها في سرد القصة بما لا يدينها .

– زي ما بجولك كدة يا بيه، انا كنت ماشية بالصدفة لما شوفتها بتصوروكم، وهي بجى مصدجت شافتني في وشها عشان تلاجي اللي يسد عنيها وتشركني غصب عني معاها في خطتها، وتعكر بجى على الست روح وتشفي غليلها منها .

استطردت بدموع التمسايح:
– انا اترجيتها وبوست على يدها انها تسيبني في حالي، وانا مش هتكلم ولا اجيب سيرة، بس المفترية هددتني انها تلبسني تهمة ولا فضيحة، وضغطت عليا لحد ما خدت التلفون من يدي وبعتت على ارقام الناس اللي تعرفها من عيلتهم، من عمامها وعيال عمها واخوها…. الصور اللي لجطتها من تلفونها ونجلتها لتلفوني.

زفر من نيران حريقه من الداخل ليخرج صوته:
– فين الصور دي؟ طلعيها .

توقفت على الفور لتضيف وهي تبريء ساحتها:
– قسما بالله ما اعرف اثرها دلوك يا بيه ، حتى خد تلفوني وشوف بنفسك.

دفعت بهانفها القديم على سطح المكتب واستطردت موضحة:

– غازي الدهشان خدوا ومسح كل الداتا اللي عليه، بعد ما وصل ليا هو كمان بجبروته، وخلاني اشهد بالكلام ده جدام عيلته كلها عشان يبرئ اخته، وهددني انه هيجطع لساني لو جيبت سيرة جدام حد، حن عليك ما تجولوا اني بلغتك باللي حصل، كفاية عليا جطع عيشي انا مش ناجصة كمان أذية .

لم يعير رجاءها اهتماما، بل تابع سائلا لاكتشاف حقيقة ما حدث:

– وايه اللي لف الموضوع لحد ما وصلها لجوازها من عارف .

– الله أعلم يا بيه، انا بعد شهادتي، معرفش باللي حصل بعد كدة في المجلس، بس الست روح كان حالها يصعب ع الكافر، وفتنة دي جادرة، انا معرفش هي دافعت عن نفسها بإيه؟ بس هي اطلجت في نفس اليوم ، وغازي الدهشان جفل ع الموضوع بالضبة والمفتاح، انا بلعت الظلم وجهرتي مع نفسي، والست روح بعدها بأسبوع اتخطبت لواد عمها، ازاي معرفش؟

توقفت تطالع هذا الجمود الذي اصابه، واظلام وجهه، وقد كان يبدو كالبركان الخامل، يغلي بالحمم من داخله، حتى اذا اتي وقت انفجاره، احرق الاخصر واليابس .

– هتشغلني عندك يا بيه؟
سألته تقطع عنه شروده، لتتلقى اجابته على الفور:
– هشغلك يا نفيسة

هللت بمرح تتمتم له بالإدعية، وهو مستمر على تصلبه حتى اردفت تذكره:

– حن عليك انا واجعة في عرضك ما تجيب بسيرة عن الموضوع ده، لتضر نفسك انت كمان، ما انت عارف دول ناس جبارين.

❈-❈-❈

– مشروع ، يعني عايزة تشتغلي يا روح؟ دا برضوا كلام ؟
قالها ونهض من جوارها بعبوس جعلها تردف بنبره يتخللها الحزن:

– بجولك امنيتي يا عارف، يعني نفسي انفع بنات البلد بيها، دا غير انه هيكون حاحة تحسسني بكياني، بدل ما انا عايشة كدة كل حيااتي في الكتب

رمقها من محله وقد كان واقفًا امامها بنظرة حانية، بعدما اطرقت برأسها تضع همها في التلاعب في الطبق دون مواصله الجدال معه، كالعادة، تعتز بنفسها عن الإلحاح حتى في شيء هام كهذا ، ظل يتأملها حتى انتبهت لترفع رأسها اليه، فتجد ابتسامة بعرض وجهه يفاجئها بقوله:

– تدفعي كام؟
– في ايه؟
– تدفعي كام عشان اوافج؟

بعدم فهم كان يكتنفها، تحولت ملامحها بعد ذلك لغيظ شديد لتزفر بغيظ متخصرة:

– حد جالك جبل كدة ان انت مستفر يا عارف؟
ضحك بتسلية يجيبها:
– كتييير،
قالها ليطوف عليها بنظرة وقحة ثم تابع غامزًا:
– المهم بجى، ايه المقابل عشان اوافج واساعدك في التأسيس كمان .

شهقت بفرحة لبداية تقبله ، ثم ما لبثت ان تعود لعدم الفهم سائلة:.
– ما انا مش فاهمة انت عايز ايه بالظبط؟

تبسم باتساع يجيبها بخبث:
– اجولك، وانت اللي هتحددي موافجتي ولا لاه؟

اومأت رأسها له بتوجس، حتى سمعت منه ما جعلها تنهض برفض منفعله:
– نعم يا حبيبي، دا بعينك يا عارف، انا بت الدهشان اجل بمجامي والبس بدلة رجص؟ هي حصلت؟

❈-❈-❈

انهت تمشيط شعر الصغيرة، لتتأمل الضفيرتين بإعجاب تردد لها بتغزل:
– بسم الله ما شاء الله، شوفتي بجى لما بتسرحي وتلميه، بتبجي حلوة ازاي؟

تطلعت ايه لنفسها في المراَة لتوافقها الرأي بإعجاب :
– صح يا خالتي نادية، بس انا بسيبه عشان ستي ما بتعرفش تضفر زيك، بتجرص على شعري وانا مبتحملش

– يا حبيبتي ما هي دي عادة الناس الكبيرة، انا اني كمان كانت أمي بتجرط على شعري عشان ما يتفلتش وينعكش على رأيها، بس كنت بتحمل وعشان كدة شعري طول ، حتى شوفي .

قالت الأخيرة تشير لها على خصلة كبيرة امسكت بها تطلعت بها الصغيرة بانبهار:
– انا كمان عايزة شعري يبجى زيك، بس هو ليه مش ناعم ومفرود زيه؟

ضحكت تجيبها بحنان:
– عشان شعرك مختلف عن طبيعة شعري، انتي طالعة زي عمتك وارثة منها كل حاجة حتى الشعر.

– وحلوة زيها؟
– وهتبجي احلى منها كمان.
قالتها بإطراء جعل الصغيرة تهلل فرحًا قبل ان تأتي الوسطى شروق تاركة اللعب مع شقيفتها ومعتز، لتطلب بعبوس طفولي:

– انا كمان عايزة اسرح شعري والف ضفرتين.
همت نادية ان ترحب بها، ولكن ايه سبقتها باعتراض:
– كل ما اعمل حاجة لازم تجلديني، ياباي ع الغيرة، مش هي دي نادية اللي بتجولي لماما انك بتكرهيها؟

– وافرضي يعني يكرهها، ما هي ماما دايما بتجولي خليها تعملك اللي انتي عايزاه، وان بابا جابها خدامة لينا .

– بت يا شروق تعالي هنا.

دوت صيحته الغاضبة من خلفهم، مناديًا باسمها بنبرة خطرة جعلت الأخرى تفيق من صدمتها ، لتنهض على الفور تضم الطفلة اليها بحمائية تدافع:

– ملكش دعوة بيها هي أكيد متجصدتش
اقترب يدعوها ببأس:
– سبيها نا مش هضربها، انا بس هفهما غلطها.

رفضت مواجهة له بعدم اكتراث:
– وانا جولت له، لو عايز صح، يبجى في وجت تاني مش دلوك .

– يا نادية سبيها الله يرضى عنك.
هدر بصوته الجهوري اثار الرعب بقلب الاطقال حتى انتبه ليتراجع عن حدته يأمرها بلطف ولكنها اصرت على موقفها”

– يا نادية بجولك سبيها.
– وانا جولت في وجت تاني مش دلوك، البت صغيرة ومحدش ياخد على كلامها.

اضطر في الاخير امام تحديها له، لان ينصاع يترك المنزل بأكمله، يحفر الأرض بغضبه، يلعن حظه المشؤوم بأن تزوج امرأة لا تعرف اخلاقا ولا دين ، تبث سمومها في عقول الاطفال غير عابئة بما تفعله بهم هذه الأفكار، ليته ما انجب منها ولا تزوجها من الاساس

❈-❈-❈

رمقته من محلها باستغراب، بعدما تفاجأت به جالسًا في وسط الصالة فور خروجها من غرفة النوم دون ان تشعر به، ولا بدخوله الصاخب كالعادة في النداء عليها او اصدار اي صوت يعلمها بوجوده،

لتجده الاَن جالسًا بهذه الهيئة الواجمة بسكون غريب عنه، ينظر نحو نقطة ما في الفراغ، بشرود جعله لم يشعر بها وحتى تقترب منه حتى جلست مقابله تحدثه:

– حمد الله ع السلامة، امال انت جيت امتى، انا محسيتش بيك خالص.
التف اليها بنظرة غامضة وملامح مغلقة زدات من توجسها ليخرج صوته اخيرًا:

– الدكتورة جالتلك ايه؟
اجفلها بعدم اكتراثه بالرد على اسئلتها، ثم الدخول مباشرة في هذا الأمر الذي،اصبح يعطيه اهمية مبالغ فيها هذه الأيام على غير العادة، ليثير توترها في الرد عليه:

– ما انا رنيت عليك بعد ما طلعنا على طول من عندها بس انت مرديتش، وبعدها بعت رسالة ابلغك ان……..

– مكنتش فاضي، خلصي جولي جالتلك ايه؟
قاطعها بحدة اربكتها لتردف على الفور موضحة:
– ما انا جيالك في الكلام اها ، الدكتورة جالتلي اني زينة ولسة بدري ع الاستعجال، بس امي لما شددت عليها، كشفت عليا وطلبت مني تحاليل وانا طلعت من عندها عملتها على طول، وعشان كنت باعتة رسالة ابلغك.

اومأ بتفهم ليرفر عائدًا لشروده، فتواصل هي بعفويتها:
– دي دكتورة زينة، امي بتشكر فيها جوي، احسن من دكتورة البلد اللي مبتفهمش اي حاجة .

ظل على صمته وكأنه لا يسمع، مما اضطرها لسؤاله:
– عمر هو انت في حاجة شغلاك، لو على العيال ان شاءالله ربنا هيكرمنا بس احنا منستعجلش زي ما جالت امي وجدتي ام ابويا كمان.

رفع رأسه اليها يحدجها بحنق ليوقف ثرثرتها من البداية، لتنكمش على نفسها بقلق من رد فعله، وتلفت انتباهه بهيئتها الوديعة تلك، وهي بكامل زينتها، ترتدي منامة تكشف عن جسدها اكثر مما تستر، من يصدق ان الفتاة الخفيفة التي رأها اول مرة تحدثه بجرأة، هي نفسها من تجلس امامه الاَن ، لا تقوى على مواجهته حتى بنظرتها،

ترهبه، وتخشى غضبه بصورة جعلته يشعر بالإطراء،، لتخفف عنه ما كان يفتك به منذ دقايق، لتغزو ابتسامة انتشاء محياه، فيخاطبها بصوت هادئ:

– هدير
حينما رفعت رأسها اليه، اومأ بعيناه لها يأمرها:
– تعالي .
اذعنت بطاعة لتجلس نحو ما اشار اليها بجواره على الاريكة، فيباغتها بأن لف ذراعه حولها من الخلف يقربها اليه، ثم بيده الحرة امسك بذقنها يرفع وجهها اليه قائلًا:

– بتحبيني يا هدير، ولا بتخافي مني؟
ردت على الفور بلهفة:
– بحبك والله العظيم….. بس برضوا بخاف منك لما تزعجلي ولا تزعل مني….. لكن كمان اكيد بتحبني صح؟

ازداد اتساع ابتسامته ليردد خلفها بتسلية:
– صح، انا بحبك عشان شطورة وبتسمعي الكلام.
تبسمت لمرحه معها، فهذه الأوقات دائمًا ما تنتظرها منه، وتابع لها بمزاج اصبح يتحسن مع اندماجها معه، يتلمس بإبهامه نعومة بشرتها، وشفتيها المكتنزة قبل ان يباغتها بقبلة عاصفة جعلتها تأن بين يديه، حتى اذا تركها تلتقط انفاسها طالعته باستغراب لهيئته المتقلبة ، يلوخ بعقلها السؤال عن تلك الرومانسية التي كانت تراها في التلفاز، ليأتيها الرد منه بأن يعاود من ضمها اليه ، ليأخذها في جوله من جولاته الخالية من تلك المشاعر الخيالية بعقلها الساذج

❈-❈-❈
عاد مساءًا، بعدما حسن مزاج رأسه بالمشروب، والمكيفات التي اعتاد عليها حتى أصبحت من روتين يومه، ولا يستطيع الاستغناء عنها على الإطلاق،

دلف لغرفته وما ان هم بالضغط على قابس الكهرباء، حتى تفاجأ بضوء اخر، يأتي بالقرب من التخت، من قبل زوجته المصون والتي كانت تقف امامه بهيئة…..

– ايه اللي انتي عملاه في نفسك دا يا ولية،
سألها مستهجنًا رؤيتها بهذه المنامة الصاخبة بالأشياء اللامعه، واضواء تبدوا كمصابيح صغيرة، ليضيف على قوله السابق :

– الله يخرب بيتك، عملالي فيها تاكسي السهرة.
تبسمت متقبلة شتيمته، لتقترب بخطواتها منه تخاطبه بنعومة زائدة:
– مالك يا راجل؟ هتعملي فيها مخضوض ولا ايه؟

تابعت تلكزه بمرفقها بغنج مبالغ فيه :
– عملالك جو يا ابو العيال، مش واخد بالك ولا ايه؟

رد بانفعال غاضب:
– ياريتني ما خدت بالي يا شيخة، دا انت لو جاصدة تسرعيني وتجطعي خلفي، مش هتعملي كدة ، هو اتجنيتي يا مرة؟

صدمها برد فعله حتى سقطت جالسة على التخت من خلفها، بخيبة امل تكتنفها تردد:
– بجى ده ردك على اللي عملاه لاجل ما ارضيك، اتجنيت وجطعت الخلف عشان بس عايزة اصالحك وارجعك ليا بعد ما هجرتني، وانت اللي غلطان بضربي، دا انا اتنازلت على كرامتي عشان ارضيك، بدل ما تقدر تجرح بالكلام الواعر؟

زفر بضجر، لا يتحمل مسكنتها، وقد كادت ان توقف قلبه منذ لحظات بغبائها،

– اسمعي يا شربات، انتي مش صغيرة على عمايلك دي ولا انا كمان صغير، عشان افرح باللي بيزغي واللي بيلمع، راعي سنك وبلاها منها التفاهات دي.

كلماته الحادة زادت من اشتعال، لتهتف محتجة بعدم تقبل:.
– ايييه؟ ما تخف كلامك اللي عامل زي السكاكين ده؟ عمال تخربط وترمي في الدبش من غير تجدير ولا احساس، يعني هي دي جزاتي؟…… أني مشتقالك وعايزاك.

قالتها لتنهض وتقترب مننه، واضعه كف يدها على عظام صدره، تلين من لهجتها يإغواء تناجيه:
– شهرين وانت باعد نفسك عتي، كام مرة احاول معاك وانت ولا فايدة، حس بيا يا راجل ، حرام الهجر يا فايز، انا مرتك وليا حق عليك زي ما انت ليك حق عليا

– وصاحبة الحق المهدور من سنين موجفها ايه؟
خرج السؤال منه كصفعة تفيقها، لتبرق عينيها بشر ، ونيران تنهش بها دون رحمة:

– تاني يا فايزة، عايزنا نرجع للهجر والخصام من تاني، ايه جاب سيرتها دي من الأصل اساسا؟ لما صعبانة جوي كدة عليك، مطلجتهاش ليه تشوف نصيبها، حد كان جبرك على بعادها؟ مش انت اللي كنت دايما تجول انك مش طايجها؟ حليت دلوك في عينك، عايز تورث بعد ما غار ولدها……. اه

صرخت مجفلة، وقد باغتها بلطمة أخرى على وجنتها المكتنزة ليزيد من صدمتها بأن قبض على شعر رأسها من الخلف يهدر بتحذير ووعيد:

– قسما بالله يا شربات، لولا بس مجدر حالتك والجنان اللي انتي فيه من الغيرة اللي بتاكلك دلوك ، لكنت كسرتلك عضمة تفكرك تاني مرة عشان تعملي الف حساب، جبل ما تيجي تهلفطي بنص كلمة تاني

دفعها بعنف لتسقط على التخت الذي اهتز من ثقلها ، ليختم باصقًا عبارته الأخيرة بازدراء:
– صحيح يا ولاد، ما هي مش كل الناس تملك عزة النفس، ولا كل الناس برضوا، التناحة بتجري في دمها.

قالها والتف مغادرا الغرفة، يتركها تذرف دموع الأنكسار مرددة :
– روح يا فايز، اللهي بكسر بخاطرك زي ما كسرت بخاطري

❈-❈-❈
في سكون الليل ، وقد خلت الشوارع من المارة، ومعظم الناس نيام، كان الاثنان يسيران نحو وجهتهما، لتنفيذ الخطة المتفق عليها، بعد تدبير وتخطيط يسبقها منذ شهور ، حتى حسما التردد بالتنفيذ الليلة،

خلف المنزل المقصود توقفا اسفل النافذة ، بجوار الشجرة العتيقة،
وبصوت بالكاد يسمع، تحدث الأول، وكفه استندت على جذغها:

– واحد فينا هيطلع الأول والثاني هيطلع وراه

اومأ الاخر برأسه بموافقة، ليرد بنفس الهمس:.
– ماشي، يبجى انت الأول وانا هستنى اشارة منك

– تمام، وبرضوا خلي عينك في وسط راسك، وراجب زين .
تمتم بها الاول بحزم، قبل ان يعتلي الشجرة، ويتسلق بخفة، ثم ينتقل بين الفروع برشاقة محترف، حتى اذا وصل الى نافذة الغرفة المعروفة، ليفتحها بقطعة حديد حادة اخرجها من جيبه، ثم دلف امام ابصار الاخر في الأسفل، ليخطف نحوه نظره مفهومة قبل أن يدلف للداخل،

كانت الغرفة غارقة في الظلام، وقد كان هو مستعدًا لذلك يان اخرج من جيبه الهاتف لينير مصباحه كي يرى منها، وكانت المفاجأة حينما اضيئت الغرفة بأكملها ، ليجدها امامه مباشرة وكأنها كانت في انتظاره، وعلى استعداد تام للتعامل معه، تجفله بالبندقية التي تمسكها بين ذراعيها، وتصوبها نحوه، ليتسمر مذهولًا امامها، ثم تبادره بحديثها، بعدما تمعنت النظر جيدًا لهذه الهيئة الغريبة عنها:

– انت مين ياد؟ ومين اللي باعتك بالظبط؟

لم يجيبها بل ظل على وضعه يناظرها بزوج الأعين، الوحيدة الظاهرة من وجهه الملثم،

– رد عليا، مين اللي باعتك يا واد المركوب، حد جالكم سليمة هينة وهتنولكم غرضكم اياك؟ مبلم ليه زي سنفور المحطة؟

هدرت بها بصوت اكثر حدة وفوة، لكن الاَخر كان قد تصلب بجمود اثار التوجس داخلها، لتقرر بجرأة سحب زر الأمان في اشارة لتزيد من تهديده ولكنه كان الأسرع بأن باغتها برميها بقطعة الحديد المدببة التي فتح بها النافذة، لتنغرز بها، وكانت النتيجة انها اهتزت بالبندقية التي كانت بيدها وهي في وضع الاستعداد لتخرج منها الطلقة النارية التي عرفت طريقها نحو ساقة، لتصدر صرخة التأوء منه، قبل ان يستدرك وضعه، وهي برغم ألمها وسقوطها، إلا انها زحفت على الأرض تشرع بتعديل وضع البندقية مرة أخرى

لينتفض هو برعب متراجعًا نحو النافذة والذهاب قبل مجيئ البشر من الجيران لإنقاذها، وقد فضحته الطلقة النارية وافسدت عليه المخطط هو وصديقه.

زاغت عيني سليمة وسقطت البندقية من يدها، فتأثير الطعنة التي تلقتها كان أكبر من مقدرتها على المواصلة، لتلفها هوة سوداء وتبتلعها، فلا تشعر بعدها بأي شيء

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى