رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل السادس والعشرون 26 بقلم أمل نصر
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء السادس والعشرون
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت السادس والعشرون
رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة السادسة والعشرون
الخاتمة
علقت الأنوار ، ونصب الصوان الكبير بامتداد يسع الالاف من البشر، ليدوي صيت الفرح الأسطوري بداخل البلدة وخارجها على مستوى المحافظة، بعدما نسق هو بحرفنة حتى يمنع عن الاخر أي سبيل للتراجع، مع التردد الذي كان يلمسه منه في كل اللحظات التي مرت على مدى الشهر الفائت، وهي مدة علاج غازي الذي له الفضل مع ابن عمه عارف في الضغط على رأس هذا العنيد حتى يقبل.
وقد تولى غازي مهمة اقامة الفرح داخل منزله الكبير، ليزيده تورط.
مع استضافة لعروس الاخر واهلها داخل المنزل ايضا، والتي ساهمت بعض الشيء في التخفيف عنه، وعدد من اهل يوسف المتبقين في الدولة كعمته وابنتها، ف المعظم منهم مهاجرين بدول أخرى.
اقيمت له ثلاث ليالي، الاولى كانت بليلة لتلاوة ايات الذكر الحكيم، مع مائدة كبيرة لأطعام المدعوين من اهل البلدة، والثانية كانت الحناء والتي احياها عدد من اشهر مطربي الجنوب،
لتأتي اليوم الليلة الكبرى، ليلة زفاف الاربعة، يوسف وورد، وبسيوني وعروسه مشمش او مشيرة .
والبيت الكبير مقر الفرح،
كان في هذا الوقت يتم تجهيز العروسين بغرفة خصصت لهم، وقد أتت اليهم المرأة المتخصصة(( ميكب ارتست)) لتزين الاثنتين.
اما الرجال فكانت لهم ايضا غرفتهم.
ليزيد الضغط على بسيوني والذي كان مذبذبًا من الأساس.
دلف عائدًا من الخارج ، ليسقط جسده على التخت بإرهاق، وفتور يمنعه من القيام او فعل أي شي، بفكر شارد،، بعدما مل من التصرف بطبيعية والابتسام مع البشر ليجاري فرحهم له ولشقيقته ، فوصله صوت هذا المشاغب من داخل حمام الغرفة
– ايوة يا قلبي شوفتيني وانا برقص امبارح……. دا انا كنت هموت واسحبك من ايدك وسط الستات وارقصك بالحنا اللي في ايدك وفي رجليكي الحلوة دي، بس اخوكي بقى……. الله يسامحه…….
– رجليكي الحلوة!
غمغم بها بسيوني بعدم تصديق ، لينهض نحو مصدر الصوت ليرهف السمع اكثر، ويعرف باقي المكالمة
– طبعا مش هتأخر عليكي، هخلص لبس بسرعة، وانتي خلي الميكب ارتست تجهزك بدري ، عشان نخلص كله بدري ونلحق ندخل بيتنا بدري، دا انا مجهزلك حاجات تخبل…… تاني يا ورد بتتكسفي، لا اصحى معايا بقولك اهو، دا النهاردة السهرة هتبقى صباحي، و……
قطع بشهقة صارخًا مع اندفاع الباب بقوة مع دخول غاشم من هذا الذي يتحمل الحديث، ليرمقه بغضب هاتفًا:
– انت بتهبب ايه يا زفت؟
فزع في البداية لكن سرعان ما تمالك ليرد بثقة:
– كلك نظر يا حبيبي، قاعد على قعدة الحمام، هكون بعمل ايه يعني؟
انفعل بسيوني ليلطم بكفه على خشب الباب:
– انا مش جصدي الزفت ده، انا بتكلم ع التليفون والرغي مع البت ، ما تحترم نفسك، البت متفهمش المسخرة دي
رفع له حاجبًا باستهجان يرد:
– وافرض متفهمش يا سيدي، امال انا وظيفتي ايه معاها، دا انا جوزها يا عم، نفسي بقى تستوعبها دي، وياريت تبطل تدخل كدة هجم تاني ف لحظاتي الخاصة، خلي بالك انا ممكن اقطع الخلف منها الخضة دي، ودا مش كويس على مستقبل اختك معايا.
– يوسف.
صدح بالأسم بلطمة أكبر على الباب، ليعقب الاخر :
– يا دي النيلة على يوسف، انت هتفضل واقفلي كدة؟ عيب يا بسيوني، اخرج يا حبيبي خليني اركز في اللي انا فيه، ولا انت شوف حالك وافتكر انك عريس واتصل بعروستك، اخرج بقى واقفل الباب وراك، مش عارف اخد راحتي .
امتقعت ملامحه بشدة، فهذا الولد ببروده الا متناهي، سوف يتسبب له بجلطة، ليضطر اخيرا للخروج مغمغمًا بالكلمات الحانقة:
‘ انا عارف ايه اللي حدفه علينا ده بس يا ربي؟
اما عن الاخر، فقد مط شفتيه بعدم اكتراث، ليعود الى مهاتهفتها مرة اخرى:
– ايوة يا روح قلبي كما بنقول ايه بقى؟……. بسيوني، لا يا حبيبتي دا كان بيهزر معايا….. قوليلي بقى انتي بتعملي ايه دلوقتي؟
❈-❈-❈
وداخل المنزل
دلف عائدًا من الخارج من أجل تبديل ملابسه العادية لأخرى مخصصة لهذه المناسبات.
– نااادية، يا نااادية
هتف مناديًا بإسمها بطريقته المعروفة بعدما بحث بعيناه عنها ولم يجدها.
جاءه الرد من مخرج حمام الغرفة ، تسحب ابنها بعد ان حممته لتقول ضاحكة:
– يادي المد اللي مش فاهماه، اموت واعرف ليه الاسم مختلف من خشمك .
بادلها ضحكتها يجيب، قبل ان يلتقط الصغير ويقبله:
– بحسه حلو على لساني، امد فيه زي ما انا عايز ، ومحدش له حق يقلدني، ولا ايه يا باشا؟
توجه بالاخيرة للصغير والذي قلده:
– يا باسا.
عبس يشاكسه:
– تاني برضو بتاكل النقط اللي ع الحروف، ياض كدة هيبتك تروح جدام البشر ، هتورثني وتبجى كبير كيف؟
قهقه الصغير مستجيبًا لدعابات الأخير امام اعين والدته العاشقة لهذا الرجل، وامتنان لا يوصف نحوه.
تركتهم في مزاحهم، لتتجه بخطواتها البطيئة نظرا لكبر البطن بحمل التوأم ،ثم لتجلس بصعوبة تمسك بكفها على ظهرها من الخلف، حتى لفتت ابصاره ، ليصرف الطفل بلطافة:
– روح انت يا بطل عند جدتك فاطنة، اصلها لاما خواتك حواليها وبتحكيلهم حكايات.
سمع منها ليركض سريعًا بفرحة، واشتياق لحكايا الجدة العجوز، واتجه هو إليها، ليعدل الوسادة قبل ان يتخذ وضعه خلفها، ثم يسحبها بلطف:
– ارجعي وريحي ضهرك زبن، دا اكيد من الشجا في الفرح، انا جولت من الاول تخفي على نفسك، البيت مليان.
تبسمت مستسلمة ببطء لسحبه لها ، حتى تفاجأت بصلابة ما استندت عليه، لتنتبه ان ظهره هو المسند وليس الوسادة، استدركت لتشهق بجزع:
– يا مري يا غازي، بَعد من ورايا لاصطك في الجرح ب
يفتح عليك واحنا ما صدجنا،
شدد عليها بذراعيه:
– بعيدة عن الجرح اطمني، لكن فلفصتك دي هي اللي ممكن تأذيه صح.
توقفت على اثر تعقيبه الاخير، لتخاطبه برجاء:
– يا حبيبي طب لزومه ايه نجيب الأذية لنفسينا، حتى المخدة اطرا واريح.
قالتها بمزحة قابلها بتصنع العتاب:
– يعني المخدة احن مني يا نادية؟
تطلعت اليه مضيقة عينيها وكأنها تكشفه، ولكنها كالعادة ترضي هذا الجزء لديه:
– انا جولت أطرى واريح يا غازي، مجيبتش سيرة الحنية، انت مش بس حنين يا جلبي، دا انت السند والضهر الحجيجي.
تبسم بوسع فمه، وقد اسعده مكرها في الرد ليزيد من النشديد عليها بضمته، مراعيًا جرح صدره:
– بجيتي عفريته وبتغلبيني في الكلام يا بت هريدي، انا عارف كنتي مخبية الشجاوة والعفرتة دي فين؟
ردت ضاحكة:
– اتعلمته على يدك يا حبيبي .
– وه .
غمغم بها، قبل ان تتخذ شفتيه طريقها يلثم على ورد الوجنتين والجهة بأكملها، ثم يدفن رأسه في تجويف عنقها مرددًا:
– وهو حبيبك عاد له هيبة خلاص، ما راحت على يدك وفي الجري وراكي، يا بووووي كرريها تاني.
قهمت مقصده، لتجاريه ككل مرة يطلبها منها:
– حبيبي، حبيبي، هفضل أكررها في اليوم مية مرة يا ناس؟
– وباللأف كمان، انا عمري ما اشبع منها.
❈-❈-❈
وعند سليمة التي اصبح منزلها الاَن، يعج بعدد الأفراد التي تدخل وتخرج داخله، بعدما حولت معظم الطابق الأرضي لجمعية خيرية شاملة، من رعاية النساء الأرامل والمطلقات، وفصول تقوية لطلاب المدارس، بدعم حكومي وفره لها غازي بعلاقاته، وتبرعات اهلية ان كان مال او تطوع .
وقد نقلت سكينة معها في الطابق الثاني، برضاء تام من المرأة ، وقد تحول الميراث الملعون، لشيء جديد ينفع البشرية ويدخل في قلب الحزين الفرح بما تم
تبسمت باتساع فمها حينما طلت عليها هذه الفتاة الصغيرة صاحبة الفكرة من بدايتها، تدخل المنزل بصحبة اباها والذي اشرق وجهه وتحول لانسان اخر بعدما ذاق حب البشر الحقيقي له، بعد تغير شخصيته
ولذة النجاح بتفوق ابنته الذي اصبح يشهد عليه الجميع.
– صباح الخير يا خالة سليمة.
القت اليها بالتحية لتتلقفها الأخيرة، تضمها وتقبلها من وجنتها:
– صباح الفل يا حلوة، شكلك جاية من الدرس .
تكفل فايز بالرد:
– جابلتني وهي جاية من درس العلوم، شبطت فيا ناجي ونطل عليكم ، عاملين ايه بجى؟
تبسمت له بود، وقد وأدت بداخلها جميع الاحقاد بعد تغيره:
– احنا زين والحمد لله، يديم نعمه علينا
– اللهم امبن يارب
غمغم بها قبل ان يأمر ابنته:
– اسراء، اطلعي فوق عند ستك وانا جاي وراكي
سمعت منه وصعدت على الفور تنفذ الأمر، لتخلو المساحة الصغيرة الا منها ومنه، لتبادره بالحديث كالعادة:
– عاملة ايه شربات معاك، لساها على جنانها ولا هديت شوية؟
ابتلع الغصة داخل حلقه، يعلم جيدا ان تفهمه، ولذلك دائمًا ما تتعمد تذكيره بسؤالها، وهي معها كل الحق.
– لا هديت يا بت عمي، بعد ماشافت ع التلفون تكريم الناظر للبت والشكر في شطارتها، شوية شوية بجت تحس من سؤالات الناس والكلام عن البت، اهو سبحان الله ، لف الزمان ولجينا اللي نرفع راسنا بيه.
– وبكرة تفرح بيها اكتر لما تكبر وتبجى حاجة زينة، الايام مع البنتة بتعدي بسرعة.
قالتها بتمني حقيقي شعر به، ليرد بامتنان:
– تشكري يا بت عمي، انا متبشر بيها جوي، معرفش ليه بتفكرني بيكي.
– ربنا يخليهالك
قالتها وابتسامة لاحت على محياها، قبل ان تحرك اقدامها لتذهب نحو الداخل ، عن اذنك بجى، داخلة اطل على فصل محو الامية جوا، عارف بجى رط الحريم
غمغم في اثرها بحسرة كالعادة، قبل ان يتخذ طريقه نحو والدته في الطابق الثاني :
– عارف يا بت عمي عارف
❈-❈-❈
والى زوج الاحباب وقد عادت المياه الصافيه بينهم الى مجاريها، فقد كانت هي امام المرأة تعدل من هيئتها، بعد ارتداء عباية راقية تليق بها في مناسبة كهذه، وتناسب الوضع الجديد لها، بعدما كبرت بطنها بشكل يجعلها شهية بصورة غير طبيعية في عين حبيبها والذي وقف خلفها يمارس عادته في تأملها كالعادة، ولا يمل ابدا:
– عارف،
– يا روح عارف.
– انا حاسة نفسي تخنت في الجسم كله، مش بس البطن ، ولا انت ايه رأيك .
اقترب ليلف ذراعبه حولها من الخلف، يضع يده على بطنها ويحدث انعكاس صورتها في المراَة:
– اجولك الحق ولا ابن عمه.
ابنلعت تجيبه بتوتر:
– جول يا عارف شكلك كدة هتصدمني،
ضحك معقبًا بمرح لقولها رغم جديته:
– مش انا طول عمري بجول ان انتي احلى بنات العيلة .
– اممم .
زامت بها بريبة، تخشى القادم، ولكنه اجهض قلقها بقبلة على وجنتها المكتنزة بفضل الحمل يقول:
– انا دلوك بشوفك احلى من كل المراحل اللي عديتي بيها، من وانتي طفلة صغيرة بجصة ع الجبين
تبسمت براحة لإطراءة قبل ان يجفلها بقوله:
– لدرجة اني بتمنى انك تفضلي كدة دايما ،
التفت برأسه تسألها بعدم استبعاب:
– افضل كدة تخينة ولا حبلة؟
ضحك يلعب حاجبيه:
– الاتنين، عايزك تحبلي على طول، وتتخني على طول.
عبست بغيظ مرددة وهي تحاول الافلات من ذراعيه:
– لا دا انت بتهزر بجى، بَعد يا عارف ، عايزة اللحج الفرح، وانت شكلك فاضي بتهزر.
زاد من تشبثها بها، فلم يسمح لها بالتنصل، مستمتعًا بمنكافتها:
– وان مسيبتش هتعملي ايه؟ لو راجلة فكي نفسك.
جاهدت بيأس حتى دبت الأرض بقدميها متذمرة:
– يا بوي عليك لما تغلس.
وكان رده قهقهة عالية، يفتنه كل فعل منها، حتى الغضب يراه منها جميل، عجيب امر هذا العشق.
❈-❈-❈
دلفت اليه داخل غرفة مكتبه بالشقة، بخطوات مترددة ، تفرك كفيها ببعضها، تفتح فاهاها وتغلقه في اللحظة عدة مرات ، حتى شعر بها دون ان يرفع رأسه عن الاوراق التي يباشر العمل عليها:
– عايزة ايه يا هدير؟ اتكلمي .
جسرت نفسها لتخبره على الفور:
– عايزة اروح الفرح .
– فرح مين ؟
سالها ليصدر صوتها بالإجابة التي صعقته:
– فرح ورد اخت بسيوني .
– مين؟ انتي عايزة تروحي فين؟
هتف بها بحدة قابلتها هي بشجاعة :
– انا جولت فرح ورد عشان هي صاحبتي، والفرح معمول في ساحة الدهشان، مش في البيت نفسه.
– وتفرق.
– ايوة تفرق عشان هي صاحبتي زي ما جولتلك، وجاتني هنا ودعتني بنفسها،
توقف يطالعها باستغراب:
– صاحبتك كيف، وهي في تانية كلية ، انما انتي..
– دبلوم، عارفة نفسي، بس هي صاحبتي من الاعدادي، اينعم كانت سابجاني بسنة ودخلت ثانوي وتعليم عالي، انما عمرها ما اتكبرت عليا حتى بعد ما اتخطبت لبيه كبير من مصر ، برضو مبطلتش سؤال عني، ولما تشوفني كأنها شافتني امبارح.
كلماتها المقصودة وصلت اليه بوضوح، ليكتنفه الخجل بداخله، وقد وصله المرارة التي تتحدث بها، ليباغتها بسؤاله
– هدير انتي عايزة تكملي كلية؟
كان بصمتها وهذه النظرة المتشككة ابلغ رد له، لتبزغ ابتسامة بثغره ويفاجئها برده:
– انا بتكلم جد، لو عايزة من بكرة اسعالك في الموضوع ده، فكري كويس واديني قرارك عشان انا مش بهزر، وان كان ع الفرح، ف انا موافج .
– صح والله يا عمر.
صدرت صيحتها بلهفة ذكرته بهدير القديمة، لتقترب بالخفة التي افتقدها منها ، ثم تقبله على وجنته مرددة:
– شالله يخليك يارب ، ويسعد ايامك، انا هروح البس بسرعة عشان البنات بجالهم ساعة بيتصلوا بيا،
قالتها وتحركت سريعا لتهرول من أمامه ، فظل لمدة من الوقت يطالع اثرها بانشداه محدثا نفسه:
– تبا لها الرزانة والتعقل ان نزعت من الإنسان الطفولة، كما تبا له من احمق، حتى لا يشعر بقيمة الأشياء الجيدة بحياته الا بعد فقدانها….. او ربما مازال هناك فرصة لأعادتها مرة أخرى
❈-❈-❈
في المساء
كان الفرح ممتلا على آخره بقائمة المدعوين وغير المدعوين، على منصة العرسان، جلس الاربعة، مشمش وفرحتها كطفلة فازت بجائزة اليانصيب، رغم عتبها عليه لتركيزه المنصب على شقيقته وعريسها الذي لا يكف عن الرقص وسحبها معه.
– شايفة يا مشمش، الواد المجلجلز ده ، عمال يرجص في البت ويشيل فيها من غير خشا ولا حيا.
خرج ردها بعبوس:
– على الاقل مبين انه فرحان بيها مش زيك ، مش معبرني من أساسه، ولا اكني مغصوبة عليك .
التف إليه بجزع ينكر:
– لا يا مشمش، ايه الكلام ده؟ يعلم الله بفرحتي بيكي ايه، بس الواد دا مخايلني،
تقربت اليه بمكر تعرض:
– طب ما تيجي نعمل زيهم، هو احنا كبار ع الرقص، ولا رجلينا مش شايلانا.
هز برأسه رافضا:
– لا لا يا مشمش، حن عليكي انا راجل طول عمري بهيبتي، اخري ارجص بس بالعصاية.
– خلاص يبقى اعملها .
– هي ايه؟
– الرقص بالعصاية.
وقبل ان يستوعب وجدها تشير للفتي العامل على ادي جي، ليحول الفقرة لرقص بالعصا، ثم اشارت نحوه لتلتف جميع الأبصار اليه ، بعد ان صدح صوت المزمار البلدي، ليتطوع احد الشباب يحمل زوج من العصا يعرض عليه احدهم ليبارزه بمرح ف استجاب له، وكانت فقرة تخطف العقل ، حتى اجبرت شقيقته وعريسها على التوقف ،والمشاهدة كالبقية.
❈-❈-❈
ومن مدخل الصوان دلفت توزع ابصارها على الجميع ، لم تكن هذه المرة ملفته للنظر كعادتها بارتداء الثياب الفاخرة، ووضع زيننها من المصوغات الذهبية بكثرة،
في السابق كانت تتعمد ذلك لتكيد الجميع بجمالها وحسبها ونسبها، اما الاَن وقد استدركت لغباء تفكيرها بمصيبتها بالزواج من هذا ال……
ماذا تقول؟ وكيف تحكي لتشمت الجميع بها، بعد ان اكتشفت حقيقته، في فترة وجيزة لا تتعدى الشهرين من الزواج، كسكين مغروز بجانبها، ولا تقوى على البوح
عنه
اللعنة عليه، لقد خطفها في حلم جميل جعلها تحلق وتصل النجوم، ثم اوقعها شر وقعة بمعرفة صنفه من الرجال ،
تلك الفئة التي تعيش على مال ومجهود الآخرين، لا تدري تضحك ام تبكي حينما تتذكر اخذه لها الى مسكنه القاهرة بعد قضاء شهر عسل بمالها من فيزا الحساب الذي تملكه،
حينما دلف بها إلى الفيلا التي حلمت بها، واسرها المنظر من الخارج،، اما بالداخل فقد كادت ان تصاب بأزمة قلبية لقدمها ووجود الاثاث القديم بها، وحين سألته كان رده كالعادة انها ورث عزيز من والدته ولا يجد الراحة الا بها،
وقتها اضطرت لمجارته على أمل المغادرة قريبا والذهاب الى إحدى ممتلكاته بالقرى الشهيرة، لتمر ايام قليلة ، وتظهر الحقاق امام عينيها، واحدة تلو الأخرى، انه عاطل وليس لديه شركات من الاصل، لا يملك غير هذا مسكن ولولا وجود ورثة معه لتمكن من بيعه ثم الصرف ببذخ، وضياع الأموال على القمار، فهذه عادة تجري بدمه، حتى لو حصل يوميا على الااف من الأموال سوف يًضيعها .
حتى حينما ثارت به، واعتقدت انه سيتكر، فأجاها بردن
– بتخلص فلوس الفيزا ع الشرب والقمار يا صلاح ، طب ما تبجشش من جيبك، ولا انت فالح بس في الوخد وياريت بتصرف على حاجة زبنة
رد ببساطة يضع قدما فوق الأخرى:
، ومالوا يا بيبي، المهم اني اصرف واتمتع، هما اللي زينا اتخلقوا ليه؟ مش عشان يصرفوا
– اصرف من جيبك .
صرخت بها لتكمل بهياج:
– عاملي بيه وعايز تبذر ، يبجى اتشطر واصرف من جيبك، مش تصرف من جيب مرتك، انت اللي زيك بيتقال عليه كلمة واحد في بلدنا، ( نطع)
تخلي عن بروده لينهض ويربت بكفه على خدها بتحذير :
– بلاش قلة ادب يا بيبي يا اروح اشتكيكي عند اهلك ، ولا حتى اوصفلهم الوضع ع الطبيعة، اوعي تفتكري اني هنكسف، المهم بقى انتي ساعتها هيبقى شكلك ايه ؟
انا طول عمري عايشها بالطول والعرض، عجبك تعيشي معايا وتغرفي من عز ابوكي أشطة اوي، مش عاجبك يبقى ارجعيلهم عادي اوي ، انا مش غرمان حاجة في الحالتين
ختم بضحكة مقيتة مازالت تصدح بأذنيها حتى الاَن، يتركها في غليلها، لا تعلم ان كان عليها الاستمرار والصرف من جيبها ، ام اخبار اهلها بالحقيقة ثم تتحمل بعد ذلك عواقب اعترافها من شماتة وكلمات حادة تؤنبها على سوء اختيارها.
فاقت من شرودها حينما وقعت عينيها على العريس الذي وضعت عينيها عليه قبل ذلك ، ولم يعير جمالها اهتمامه ليتزوح من فتاة متواضعة الحال ومتواضعة الجمال ايضا بالنسبة لها ، مع ذلك يطير بها فرحا، ثم ابنة عمها تلك التي تزوجت مضطرة لهذا المتيم بعشقها ، ملتصق بها ولا يتركها، غير ابهًا بنظرات البشر حوله، ثم هذه الفتاة التي سرقت حظها في البداية من الزواج بحبيب مراهقتها، لتأتي بعد ذلك تتزوج طليقها والذي تبدو السعادة جلية في عينيه ، وبرقصه مع الاطفال ،
الان فقط عرفت انها الخاسرة الوحيدة.، والعجيب انه خسارتها بيدها.
❈-❈-❈
انتهت الليلة وكل عروسين اتجها الى مقرهما، يوسف كانت ليلته في منزل الدهشان بناء على طلب غازي والذي فضل تأجيل ذهاب العروسين الى القاهرة، اما بسيوني فكانت شقته هي مقره،
وقد كان جالسًا في هذا الوقت بشرود، يفرك كفيه بقلق وعصبيه تجعله ينهض ويتحرك في محله بغير هوداة، حتى لم يعد قادرا على الصبر، ليضغط على رقم شقيقته وليحدث ما يحدث.، وعلى عكس المتوقع
جاء ردها سريعًا.
– الوو…. ايوة يا خوي بتتصل ليه؟ فيه حاجة.
تحمحم يجيبها بحرج :
– لا يا خيتي، انا كنت بس عايز اطمن يعني…..
قطع مجفلا على الأصوات التي اصبحت تصله متقطعة:
– بتعملي ايه يا وردتي؟….. دا وقت تليفون برضو؟….
يا يوسف دا…… يووسف…… يوسف مين وانتي عاملة زي البسكوتة اللي تتاكل أكل.
– يا بن ال…
غمغم بها، وبدون وعي منه، تحركت اقدامه ينوي الخروج، ولكنه توقف على صيحتها:
– رايح فين يا بسيوني.
التف إليها، لتتسع عينيه بإجفال لما ترتديه وقد ابدلت فستان الزفاف، لمنامة شفافة لا تخفي شيء منها، وقد انفرد شعرها القصير شديد النعومة، ليجعلها شديدة الجمال في عينيه…….
– انت كنت رايح فين بلبسك، اللي لسة مغيرتهوس
قالتها باشارة نحو الحلة التي مازال يرتديها ، ليتذكر على الفور ما كان ينتوي عليه منذ قليل :
– بصي يا مشمش، انا كنت عايز اروح اطمن على اختي….
– يا مصيبتي..
هتفت مقاطعة له، تسترسل:
– وانا مين يطمن عليا، عايز تسيبني في ليلة زي دي يا بسيوني، طب اختك مع عريسها، انا بقى الناس تقول عليا ايه لما يشوفوك خارج بيتك في ليلة زي دي، يا هيقولوا اني مش عجباك ، يا إما…..
– يا اما ايه؟
ردت بمكر تشيح بوجهها للناحية الأخرى:
– والله يا اخويا انا مش عايزة اقولها في وشك، اصل دي حاجة تمس رجولتك.
– رجولتي
هتف بها بغضب ليلقيها على التخت متابعًا وهو يخلع عنه سترته:
– معاش ولا كان اللي يمس رجولتي بكلمة يا بت.
تبسمت بحماس بعدما استفرته، لتردد بمرح :
– ايوة يا اخويا والنعمة انا عارفاك من الاول وحش يا وحش ، لولولولي..
❈-❈-❈
في اليوم التالي استيقظ على دوي صاخب لجرس الباب، لبنتفض من جوار عروسه، ويتجه نحو باب الشقة بضيق :
– اعوذ بالله، مين دا جليل الزوق اللي جاي ع الساعة ستة الصبح يصحي عرسان .
بمجرد فتحه تفاجأ بها امامه،
– ورد ، ايه اللي جابك دلوك يا بت ابوي .
جذبها على الفور يدخلها المنزل بقلق، وقبل ان تتفوه بحرف جاءه الرد من الخارج،
– جات معايا انا يا بوس.
حدجه بضيق:
– وجايب البت الصبح بدري كدة ليه؟ مش عارف انها عروسة وغلط طلعتها اصلا
دلف يغلق الباب من خلفه:
– يا باشا ما احنا كان لازم نجيلك، اختك اصرت انها تسلم عليك قبل ما نسافر.
– تسافروا ليه؟ انتوا مش جولتوا انكم هتجعدوا سبوع العروسية هنا .
ردت بخجل:
– لا ما احنا مش راحين مصر، لكن يوسف حجز في قرية سياحية في الغردقة
– عشان شهر العسل يا بوس
هتف بها غامزًا يزيد من سخطه؛
– طب،ولما انتوا هتروحوا شهر عسل مجلتوش ليه؟ كنا روحنا معاكم.
رد وهو يجذب ورد من يده، ويضمها إليه:
– معلش يا بوس المرات اللي جاية كتير ، انا بصراحة مكنتش عامل حسابي والسفرية جات فجأة.
حدجه بحنق، ليقترب ويقبل رأس شقيقته يردف بفتور:
– تروحوا وتيجوا بألف سلامة، عن اذنكم.
قالها وتحرك للداخل، فتحركت ورد خلفه على الفور تراضيه:
– استني يا خوي متزعلش، انا والله ما كنت اعرف.
توقف يوسف يتابع اثرها بأسف ، حتى اتت الأخرى تحمل بيدها مشروب بارد تعطيه له:
– اتفضل يا يوسف باشا .
تناول منها يرتشف جرعة كبيرة، ثم قال مخاطبها بهمس:
– بقولك ايه يا قطة، الواد غلبان زي ما انتي شايفة عايزك تسعديه على قد ما تقدري ، نسيه اسمه الله يخليكي.
اشارت بسبابتها على عينيها:
– من عنيا الاتنين.
– تسلم عنيكي، بقولك ايه يا مشمش، انا بتكلم جد، افتكري اني السبب في جوازو بيكي، لولا اني بلغته ان مضغوط عليكي من والدتك عشان تتجوزي الممرض اياه
مكنش اتنحرر للسنة الجاية
ردت بلهفة:
– اطمن يا يوسف باشا، دا بسيوني ده روح قلبي من جوا ، مش محتاج وصاية.
– طب ياللا يا ختي شدي حيلك ، عايز اللحق اسافر انا والبنت،
توقف يهتف مناديا على عروسه:
– ما تيللا يا ورد الطيارة هتفوتنا
❈-❈-❈
بعد عدة شهور قليلة
كان غازي في مقر عمله مع ابن عمه يتناقشان في بعض الامور حينما وصلهم إحدى العمال يخبرهم:
– يا غازي بيه، اللحق الهانم بتولد.
هتف عارف به:
– هانم مين يا واد؟ يكونش جصدك على مرتي انا ، هي دي اللي على وش ولادة، انما دوكها لسة.
عاد الرجل يؤكد له:
– يا بيه انا اللي بعتاني الست روح نفسها، بتبلغك يا غازي بيه ان الهانم اتزحلجت من ع السلم واضطروا ينجلوها المستشفى
انتفض غازي صارخا بعد سماع الرجل:
– مرتي انا اللي اتزحلجلت، اللحجني بالعربية يا عارف ، اعصابي كلها سابت يا واد عمي .
وصل بعد اقل من نصف ساعة ، ليكن معها الاَن بغرفة الولادة التي يتم تجهيزها من أجل ولادة الاطفال قبل اوانهم، كان بجوراها ممسكا بيدها يؤازرها، وهي تبكي بضعف:
– ولادي يا غازي، هنحرم منهم زي اللي فاتوا ، خايفة يروحوا مني يا غازي.
– خلي عندك ثقة في ربنا، ان شاء الله ربنا مش هيسيئنا فيهم، جولي يارب.
يهون عليها ويجسر نفسه، حتى لا يضعف أمامها، رغم ارتجاف قلبه خوفا وهلعا عليها وعلى الاطفال، نبتة الحب التي تجمع بينها وبينه.
انتفض فجأة على صرخة شقيقته من خلفه:
– يا مري، دا بيني انا كمان هولد الحجني يا عارف.
سمع منها يصرخ بدوره على الاطباء:
– الحجونا يا جدعان، حد يشوفها
❈-❈-❈
في وقت لاحق
وبعد فترة عصيبة من القلق والخوف على الإنثنتان، تمت ولادة الاطفال الثلاثة في يوم واحد.
– ابنة عارف والذي تفاجأ بجنسها، بعد تأكيد الاطباء ووالدته ان بداخلها طفل، اما غازي فكان انثنان من الولاد ، بصحة جيدة، وكأن الله يعوضها على خسارتها الاولى،
وبداخل جناح واحد ضمت الاثنتان وازواجهما وعدد من الاحباء التي تصل تباعًا:
– يعني الولاد حلوين ولا شكلك يا غازي طمني
قالها يوسف بمشاكسة كالعادة، ليثير ضحك الجميع، ليرد غازي
– حلوين ولا عفشين انت مالك يا عم ، اتشطر انت وهات زيهم بس .
– عيوني وانا اطول اخلف من وردتي.
زمجر بسيوني من خلفه:
– احنا جولنا من الاول، مفيش حمل غير بعد ما تخلص كليتها .
تبسمت هي تغيظه له، ليميل عليها هامسًا:
،- اضحكي براحتك، وانا برضو لما اعوز اخلف هيحصل ولا انتي مش عارفة جوزك.
بمرفقها لكزته بخصره، بخجل اصابها من كلماته، حتى يصمت، فحول اتجاهه نحو الاخر :
– طب انت يا عم عارف، مبسوط عشان البنت مرحتش
الحضانة بقى، ومن فرحتك مش قادر تسببها؟
بإحساس لا يقدر على وصفه، قبل كف الصغيرة الشبيهة طبق الاصل من والدتها، يرمق زوجته بامتنان لهذه الهدية الرائعة، حتى خرج رده بصعوبة من فرط السعادة التي يشعر بها::
– دي نور عين ابوها انا هسمينا نور، عشان هي نور .
طب كدة عرفنا اسم بنتك ، وانت بقى يا غازي ، ناوي تسميهم، ايه؟
سمع منه غازي ليلتف على الفور نحو زوجته:
– ايه رأيك يا جلبي نسميهم ايه؟
سألها وقلبه توجس من رد لا يعجبه، ولكنها كالعادة فهمت عليه، لترد بفراسة:
– المهمة دي بتاعتك انت، سميهم باللي تحبه.
– يبقى يوسف، مش انت بتحبني يا غازي؟
هتف بها بمزاح ، ثم ما لبث ان يفاجأه الاخر:
– والله ما كدب، انا فعلا هسمي واحد فيهم يوسف، والتاتي نبجى ندورلوا وعلى اسم يناسبه مبسوط يا عم؟
هلل يوسف بفرح:
– مبسوط اوي، عقبالك يا بوس، لما تجيب العيال شبهي وتسميهم على اسمي .
انتفض بسيوني بحنقه:
– يخرب مطنك، اجيبهم شبهك كيف يا جزين؟ يا بوي حد يبعده عني دا هيبجبلي شلل .
قالها وانطلقت الضحكات من الجميع يتبادالن المزاح والدعابات، في جو يسوده الالفة والمحبة التي جمعت بينهم
…. تمت والحمد لله…..
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))