روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الثاني والعشرون

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الثاني والعشرون

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الثانية والعشرون

لم يخطط ولم يضع في باله ابدا ان يفعل ما تمناه وارق مضجعه أيام ولا ليالي لا حصر لها، ان يتذوق لأول مرة رحيقها، لقد غلبه شوقه وضعف دون ارداته، امام سحر برائتها، ليباغتها واضعا نصب عينيه ان يخطف قبلة صغيرة عابرة، ولكن ما حدث كان غير ذلك على الإطلاق، حينما قاومته كرد فعل طبيعي منها، زاد تشبثًا بها ليكبلها بذراعيه، ويضعف مقاومتها بقوته، ثم يتوه في بحرها

غافلها واستغل خوفها من غضب شقيقها اذا اكتشف الأمر، ليظهر على حقيقته؟ قليل الحياء والأدب
هذا ما طرأ في عقلها في هذا الوقت، بعدما اجفلها بهجومه، باغتها بعاطفته، شيء لم تعرفه قبل ذلك، تختبره لأول مرة، ولم تتوقعه في هذه اللحظة ابدًا، نسبةً لتاريخه القصير معها، لقد كانت في بيته تنام بغرفة مجاورة لغرفته، ابدا لم يحدث ان اقترب منها بهذه الصورة، ابدا لم….. تبًا….

كادت ان تنسى شقيقها في الخارج

استفاقت بعد لحظات قليلة لتشحذ كل قوتها وتدفعه حتى ابعدته عنها ، لتقابل عينيه بشراسة ذكرته، بالوجه الثاني لها، الوجه الذي اوقعه اسير عشقها، حينما رأها لاول مرة في البلدة التي عشقها من أجلها، ومغامراته معها ومع زينهم.

تبسم يلتقط أنفاسه، ليهدئ من ضجيج قلبه الذي يخفق بضراوة في هذا الوقت، لقد طار وحلق في سماء السعادة بقبلته الاولى معها؛ التي لم يكن يتخيل ولو في أقصى أحلامه، أن تكون بهذه الروعة، بهذا الكمال، ثم يرى تأثيرها الاَن على بشرتها التي امتقعت بخليط من غضب وخجل تحاول ان تخفيه خلف ستار شراستها،

– اقسم بالله ما هنسهالك دي يا يوسف.
هدرت بها هامسة بتوعد، تلوح بسبابتها في وجهه بتحذير، تقبله بسعة صدر، ممتنًا لرجاحة عقلها بأن لم تصرخ او ترفع صوتها لتلفت انتباه الوحش المنتظر في الخارج الا وهو شقيقها.

اومأ يرفع كفيه امامها علامة استسلام بغرض تهدئتها، لكن وما ان هم بالتقدم خطوة، حتى زمجرت بهياج توقفه، ارتد على الفور وابتسامة مشاكسة لاحت على محياه رغم حرصه الا يزيد عليها:

– اهدي اهدي، مش هقرب تاني خلاص، انا أصلا مكنتش قاصد وهي جات كدة معايا……
– انت جليل أدب.

هتفت بها مقاطعة له بجدية أجفلته في البداية، ليتجمد بأعين توسعت بذهول، ثم وبصعوبة بالغة جاهد ان يكبت ضحكة كادت تفلت منه وتفضحه، ليشير بسبابته نحو صدره ويردد ببرائة:
– انا برضوا قليل ادب يا ورد؟ انا جوزك يا بنتي…..
برقت عينيها بغضب متعاظم، حتى يصمت ويكف عن عبثه، ثم التفت بحركة كشفت عن نيتها في المغادرة، لينتفض باستدراك ويذكرها:

– استني هنا هتمشي فين وانتي مخدتيش حاجتك؟
انتي عايزة اخوكي ياخد باله ؟
افتر فاهاها برفض قائلة:
– لاه مش عايزة، وماشية وسيبهالك يا يوسف، عشان مجعدتش معاك في مكان واحد.

– حتى وانا لامهم كلهم وعامل حسابي.
قالها يومئ برأسه نحو التخت، لتنتبه على الحقيبة الكبيرة فوق الفراش، وقد خلت الغرفة تقريبا من ملابس واحذية، وتلك الأشياء التي تخصها.

رمقته بنظرة حانقة ثم اقتربت تجرها لتخرج من أمامه دون اي كلمة، فيظل هو على وضعه حتى صفقت باب الغرفة تغلقها عليه ، ليسند بظهره عليه من الداخل، وشعور جامح يدفعه ليخرج اليها ضاربًا بالخرص من غضب شقيقها عرض الحائط، ليضع كفه على صدره مغمغمًا:

– اه يا انا يا قلبي ياما، هو اللي حصل دا كان بجد؟…
الله يهديك يا بسيوني، ويحنن قلبك عليا، انا كدة مينفعش انتظر نهائي.

وعلى ذكر الاخير فقد كان في هذا الوقت شاردًا في عالم آخر لا يعلم له اسم، عالم قصير وجميل، لم يراه اليوم اثناء زيارة المشفى؛ ليشعر وكأن شيئًا ما ينقصه:

– انا خلصت يا خوي.
قالتها تلفت انتباهه، ليرفع رأسه نحوها بتعجب يسألها:
– انتي لحجتي تلمي كل حاجتك؟
سألها باستفسار جعلها تستدرك لقصر الوقت في خروجها إليه، بصورة تحث على ان تثير بداخله الشكوك.

تمالكت لتجد تبريرًا سريعًا:
– لااا مما انا مجهزة شنطتي من ساعة انت ما فوجت، كنت عارفة ان هروح معاك في المكان اللي تسكن فيه اول ما تطلع من المستشفى.

كاد أن يبتسم فرحًا لثقته بصغيرته، ولكن:
– امال حاسك متغيرة ليه؟
نفت بهز رأسها بتوتر كشفها:
– لااا مفيش يا واد ابوي، ياللا خلينا نمشي بجى.
قالتها وتحركت تسبقه نحو الخارج، مما اضطره ان يتبعها ليغادر الشقة هو الأخر.

❈-❈-❈

– سرحانة في ايه يا مشمش.
جاءها السؤال من والدتها، لتخرجها من شرود لازمها منذ عودتها الى المنزل، مغادرة المشفى بتصريح من الأطباء ، كم ودت ان تظل بها لتشبع عينيها برؤيته، والحديث الممتع معه، لقد اشتاقت وبشدة لسماع النبرة المميزة منه، خوفه عليها ومرعاته لرضاءها، ترى هل تذكرها اليوم؟ ام انها لم تأتي على باله من الأساس؟

– ينيلك يا بت، هو انا اسألك من هنا وانتي ترجعي لسرحانك من تاني، ايه اللي واخد عقلك؟

زمت شفتيها بضيق، لترفع رأسها بسأم ترد:
– عايزة ايه ياما، ما تسبيني في حالي، انا واحدة تعبانة اصلا، يعني اسرح ولا انام على سريري براحتي..

تبسمت المرأة بمكر، تلقي الكلمات نحوها بمغزى:
– يا ختي ولا تتعصبي ولا تتنرفزي، اسرحي ولا تختفي من الوجود كله حتى ، ربنا يعينك على نفسك ووجع قلبك، صحيح يا ولاد، الحب بهدلة.

ختمت بضحكة أثارت استفزازها، لترمقها بغيظ وهي تغادر بخطوات منتشية بالمرح، لتغمغم في اثرها بضجر:
– فرحانة فيا ياما؟ ماشي، ربنا يسامحك.

❈-❈-❈

في المنزل الكبير وبعد انتهاء تناولهم لوجبة الغداء ، كانت الجلسة مع الجدة والمناكفات والمشاكشات لها، وهي كالعادة لا تتأخر عن الرد:

– جولي يا فاطنة واعترفي ، الدهشان الكبير مكانش بيتحرك ولا يخطي خطوة واحدة من غيرك، انا كذا مرة اسمع ابويا بيقول كدة.

– ابوك برضوا يا ملعون؟ يامن مأدب ما يجولش كدة يا جليل الرباية، لم الواد ده عني يا غازي، ولا اجولك احبسه في الزريبة احسن مع البهايم خليه يتربى

قهقه عارف بصوت الجهوري، ليرد غازي من بين ضحكاته هو الاخر:
– فات الأوان يا جدة، دا كان عايز جرص من وهو عيل صغير، دلوك شحط كبير، وحظنا وجعنا معاه واتجوز بتنا، بجى زي الأتب اللي لازق في الضهر، مش لاجيله حل يا جدة.

– اهو جالك يا فاطنة، حتى الكبير غلب فيا، فات اوان التربية، انا دلوك راجل مسؤول في بنك محترم، بكرة اولادي اطلعهم زيي.

– جلالاة رباية .
قالتها فاطمة لتصدر الضحكات العالية مرة أخرى، واصوات المرح والمزاح تصل لخارج المنزل، بين الرجال والجدة والاطفال ايضًا ، اما عن النساء فقد نهضت نادية من جوارهم، بعد اختفاء صديقتها لتبحث عنها، فقد اشتاقت للجلسة معها .

❈-❈-❈

حاولت بقدر الامكان الا يبدوا عليها شيء، مثلما فعلت الايام السابقة، تتمنى ان تنهي ما بدأته على نفس الوتيرة، لقد سارت ف طريق خطتها وها هي الاَن قاربت على الوصول، حتى تنهي هذا الأمر ونهائيًا، هي ليست ضعيفة حتى تترك احد ما يمسك عليها ذلة لشيء لم تخطئ فيه، من بدأ الغدر لا يشتكي من نتائج أفعاله.

– روح انتي بتعملي ايه؟
جاءها السؤال المفاجئ لترفع رأسها عن الهاتف وتنتبه الى زوجة اخيها التي اقتحمت عليها الغرفة التي اختلت بها عن الجميع، لتباشر ما تفعله:

– نعم يا نادية ، انتي عايزاني في حاجة؟
– عايزاكي في حاجة!
رددت خلفها باستغراب قبل ان تقترب وتتخذ جلستها بجوراها على طرف التخت، وما همت ان تسألها حتى وجدتها تخفي عنها الهاتف للناحية الأخرى، لتزيد عليها من توجس:

– روح انا ليه حساكي متغيرة!
– متغيرة كيف يعني؟

– شاردة ومش بعادتك، حتى وانتي بتهزري وتضحكي ، حاسة دماغك مش معانا.

ابتعلت ريقها الذي جف بتوتر، وقد اربكتها بملاحظاتها الدقيقة لها في هذا الوقت القصير من جلوسها معها، فخرج ردها في تبرير:

– يا نادية انا مخي مشتت اليومين دول في المشروع، ما انتي عارفة، احنا خلاص جربنا نفتتحه…. اا انا بحاول بقدر الامكان انه يطلع بالمستوى اللي بتمناه، ادعيلي بس ربنا يوفقنا.

حركت رأسها بعدم اقتناع تردد:
– يا ستي ربنا يوفقك….. بس متزعليش مني في التدخل….

صمتت برهة ثم باشرت في استفسارها:
– انتي خبيتي عني التليفون بمجرد ما جعدت جمبك، ودي اول مرة تعمليها، خصوصا وانتي عارفة اني مش فضوليه للدرجة التطفل على البص في تليفونك، بس معنى انك شيلتيه فجأة، يبجى كان في حاجة وانتي خايفة اني المحها.

حينما تجمدت امامها بصورة اظهرت صدق ظنها، سارعت على الفور ان تلطف:

– انا اسفة يا روح بس انتي اختي…..
– مش هو يا نادية والله.
قاطعت بها توضح:
– او ممكن يكون الأمر يخصه، بس انا بعمل كدة عشان عايزة اخلص من خلجته، ويبطل يطاردني نهائي بعد كدة.

– يطاردك؟
– ايوة بيطاردني.
– طب ومبلغتيش اخوكي ولا جوزك ليه،
– عشان يوجع فيها جتيل ولا العيلتين يدخلوا ف دوامة الطار بسبب واحد زي ده؟ جوزي غيور وجوزك متهور .

كانت اجابتها منطقية الى حد ما، لكنها لم تمنع من قلق عبرت عنه نادية:
– طب يعني انتي كدة هتتصرفي ازاي، انا كدة خوفت اكتر.

تبسمت بثقة تجيبها:
– انا دلوك هعمل يا نادية، بجالي أيام وليالي ببحث وادور لحد ما عرفت كل حاجة، والنهارده هخلص.

– يا مري، تخلصي ايه، فهميني زين الله يرضى عنك .
– هفهمك، بس ثواني ابعت رسالة مهمة، وجبل كل شيء، اوعديني ان الكلام ده ميطلعش لمخلوج.

ابتعلت نادية بتوجس، وزعر يكتنفها من شيء لا تعلمه،
لتجسر نفسها قاطعة الوعد لها:
– اوعدك.

❈-❈-❈

في غرفتها القديمة والتي اشتاقت لها بعد غياب طال هذه المرة، نتيجة لتجبره ومنعها عن زيارة والديها بقصد، ولأوهام اختلقها في عقله المريض، كما اصبحت تصنفه هذه الأيام، نتيجة طبيعية لما وصلت اليه معه،

على فراشها وبجوار اشقائها كانت تشاهد المسلسل المفضل على الشاشة الصغيرة التي يملكونها، وكأنها تسترجع ايامها السعيدة، حينما كانت لا تحمل هما ولا تعرف معنى للحياة ، سوى بمجموعة احلام وردية وأدها الواقع الذي أصبحت تعيشه الاَن، امرأة متزوجة ، محملة بمسؤوليات لابد من الوفاء بها، ومطالبة بأشياء ان لم تفعلها تنقص منها كأنثى.

– ياللا يا بنات روحوا شوفوا ابوكم جه من المحافظة وجاب معاه الفاكهة.
هتفت بها والدتها نحو الصغيرات ، لينهضن سريعا في استجابة فورية لما تفوهت به، وتنجح خطتها هي في صرفهم، ثم تجلس قبالها متمتمة بمرح:

– كل مرة كدة، ولا اكنهم بيدجوها.
عقبت من خلفها بابتسامة هادئة:
– سيبوهم ياما يفرحوا، ربنا ما يحرمهم من داخلة ابوي عليهم ولا بمجايبه ليهم، دي احلى ايامهم.

– وه، اللي يسمعك ولا يشوفك ما يجولش انك كنتي بتعملي نفس حركاتهم دي من كام شهر، كبرتي وعجلتي يا هدير…..

تفوهت والدتها بالكلمات بنبرة تملؤها الدهشة، لتضغط بدون وعي منها، على جرح اصبح يتوسع مع الايام، لدى ابنتها التي خبئت ابتسامتها وتغضنت ملامحها بحزن شعرت به المرأة، لتسترسل سائلة:

– هو الواد دا لسة معكنن عليكي؟ مهديش على حيله ولا كن عشان يعجل ويحمد ربنا؟ انا مش عارفة دا كمان شايف نفسه على ايه؟

– على ماله ياما.
تفوهت بها سريعًا لتتابع بغصة توقفت بحلقها:
– شايفني جليلة عليه من كله، هو متعلم ولف الدنيا ومعاه فلوس يشتري مية غيري، وانا واحدة دبلوم وابوها عامل في مصنع، يعني ابوس يدي وش وضهر انه جبل بيا، وبجاحة وجلة ادي مني اني جاعدة لحد دلوك من غير ما اجيبله الخلفة اللي عايزها…

زمت إجلال فمها بحنق متعاظم تشيح بوجهها عن ابنتها لتغمغم بكلمات ساخطة كانت تصل للأخرى:
– نسي نفسه دا كمان واد الأجري، على أساس انه اتولد ولد بهوات ولا من ملاك الأراضي، انا مش عارفة دا بيتعنطز على ايه؟.

عادت اليها تشدد بجدية:
– انا لازم اكلم اخته مرة تانية، خليها تشوف صرفة معاه يمكن تلمه ولا تعجله، انتي بت ناس مش شاريكي من السوج.

لم تعلق على قول والدتها فهي تعلم تمام العلم انه لا فائدة من الجدال مع رجل مثله، لتتجاهل وتلتف نحو ما تعرضه الشاشة قبل ان تنتبه للسؤال:

– بت يا هدير، هو انتي لساكي مداومة ع العلاج ولا نغير الدكتورة، لا تكون مش عارفة دي كمان .

ردت بعند مقصود:
– لا ياما مبطلة ومش من النهاردة، لا دا من فترة طويلة،
نفسي اتسدت ومبجتش فارجة، يجعدني على زمته ولا يطلج حتى معدتش فارجة.

– تفي من خشمك يا مضروبة الدم، بلاش منه الفال الفجر ده، ولا تكوني اتعديتي من جنان جوزك.

– اه ياما اتعديت، وياريت تجفلي على سيرته من الاساس ان ما صدجت جيت عندكم النهاردة عايزة اريح واشم نفسي، تعبت من الخنجة

– سلامتك يا بتي من الخنجة، انا جايمة خالص من جنبك،.
قالتها المرأة ونهضت متابعة:
– خلصي المسلسل وتعالي عشان تتغدى معانا، خالتك يمكن تاجي بعد شوية هي كمان تسلم عليكي اصلها اتصلت بيا من شوية ولما عرفت انك موجودة النهاردة عندنا فرحت وجالت يمكن تيجي تشوفك هي كمان.

❈-❈-❈

وفي جهة أخرى
بداخل مزرعة الدواجن التي كان يباشر العمل بها، توقف يراقب هذه الملعونة التي اخذت الثقة، وكأنها ملكت المكان ، توزع التعليمات على الفتيات العاملات وتتمايع دون خجل او حياء امام الرجال من العمال او الزبائن، مستغلة تغاضي رئيس العمال عن محاسبتها، بعدما فاض به من الشكوى اليه، وهو لم يردعها في مرة او اتخذ نحوها اي اجراء حازم.

كان يؤجلها لغرض ما، ولكن الاَن لم يعد بها فائدة، إذن
فليستريح من قرفها وينظف المزرعة منها.

– نفيسة.
التفت منتبهة اليه على الفور، وقد لفت نظر الجميع نحوه، ليأمرها:

– تعالي ورايا ع المكتب عايزك

على الفور تحركت تهرول اليه، لتدلف الى داخل غرفة المكتب بلهفة:
– تأمر بإيه يا عمر بيه، عايزني في حاجة؟
طالع وقفتها المائلة وهذه النعومة المقصودة في التحدث اليه بتقزز، ليلقي اليها فوق سطح المكتب مجموعة من الأوراق المالية قائلًا:
– خدي الفلوس دي وغوري، ارجعي لوظيفتك الاساسية ولا شوفيلك شغلة تانية، من النهاردة ملكيش عيش عندي

شهقت ضاربة بكف يدها على صدرها بجزع:
– يا مري، ليه يا بيه؟ حد اشتكالك مني ولا انا عملت حاجة زعلتك، سامحني يا عمر بيه لو حصل، دا انا خدامتك وتحت امرك….

تجهم بغضب ينهرها:
– لا خدامتي ولا تحت امري، خدي الفلوس دي بكرامتك وانجلبي من وشي يا نفيسة، يا ابعت العمال يرموكي في الشارع شر طردة، انا لا طايجك ولا طايج خدمتك.

حاولت مرة اخري استعطافه بالبكاء والنواح:
– بس يا بيه…..
– اخلصي.
هدر بها لاطما بكفه سطح المكتب بقوة انتفضت منها، لتدنو على الفور تتناول النقود خوفا من هيئته التي توحشت فجأة امامها، ثم تركض على الفور مغادرة الغرفة والمزرعة بأكملها، ليعود جالسًا بزفرة ارتياح، وقد تخلص اخيرا من امرأة تمثل صنفا من النساء يمقته بشدة.

وما أوشك ان يلتقط أنفاسه قليلًا حتى تفاجأ بالرسالة التي ظهر اشعارها بالهاتف، ليفتح ويراها على الفور، متمتمًا بذهول:

– وه، مجابلة مرة واحدة.
تردد لحظات مستغربًا سر التغير المفاجئ، ولكن في النهاية غلبه الشوق، لينهض ذاهبًا وبدون تفكير… نحو العنوان المقصود!

❈-❈-❈

عودة الى القاهرة
بداخل شقة غازي الدهشان، حيث الهاتف الذي لم يتوقف عن الدوي حتى ازعج بسيوني بداخل غرفته، حتى خرج اليها ليستكشف الأمر بنفسها.

– خبر ايه يا خيتي، يا تردي يا تجفلي المدعوج دا خالص.
هتف بالكلمات يتناوله من فوق الاَريكة الملقى عليها بإهمال، مما اضطرها لتترك المطبخ وتذهب اليه:

– ااا ما انا كنت بغسل المواعين، مخدتش بالي منه
نظر نحو الشاشة، يطالع الرقم الذي أصبح لا يطيقه، ليعلق بامتعاض:

– هو صاحبنا دا مش وراه شغل ولا مصالح، كل شوية رن وحكاوي.

اطرقت بخجل دون ان تجيبه، ليقترب منها ويعطيه لها معلقًا:
– نبهي عليه يخف شوية، اخوكي تعبان ومش متحمل زن .

اومأت برأسها دون ان ترفع عينيها اليه، ليرق قلبه، ويقبلها على وجنتها قبل ان يذهب عائدا لغرفته، فتحركت مبتعدة نحو الشرفة، لتفتح وترد بغيظ:
– نعم يا يوسف عايز ايه.

– نعم الله عليكي يا روح يوسف.
وصله زفرتها ليضيف ويشاكسها:

– لسة القمر برضوا زعلان مني .
ودت ان تصرخ به، ولكن الخوف من شقيقها جعلها تتماسك لترد كازة على اسنانها بصوت خفيض:

– بلاش تفكرني، انا دمي بيغلي من ساعتها، ومكنتش ناوية ارد عليك اصلا، لولا اخويا مسك التليفون دلوك، وهو اللي جالي انبه عليك تخف شوية عشان تعبان.

– كمااان، يعني حتى دي عايزين تمنعوها عني، اه يانا يا غلبك يا يوسف، كان مستخبيلك فين بس الظلم ده.

تفوه بها بطريقة فكهاية اجبرتها على الابتسام، لكن سرعان ما استعادت بأسها؛
– انا وراي مواعين، روح شوف نفسك وراك ايه؟

– خلاص هتصل بيكي بعد شوية تكوني خلصتي .
– برضوا لا ورايا مذاكرة
– طب اتصل بيكي ع الساعة سبعة، اكون خلصت شغل وانتي فضيتي .

– برضوا لا، هأكل اخويا وانام بدري يا يوسف.
صرخ بها وقد فاض به:
– وانا هعملكم فضيحة لو مردتيش، هاجي ساعتها بالعربية واصرخ تحت البيت واقول عايز مراتي، عشان الم الشارع كله عليكم، ايه رأيك بقى؟

أغلقت الهاتف، ولم تقوى على كبت ضحكاتها، لتغمغم بمرح:
– يا مراري دا مجنون صح.

❈-❈-❈

أغلقت مصحفها، بعدما انهت قراءة الايات الكريمة، على روح المرحوم، الذي تزوره كالعادة كل اسبوع في هذا اليوم وتوزع على روحه ما تصنعه بيداها من كحك وقرص، لملمت اشياءها لتنهض في طريقها للمغادرة، ولكنها انتبهت عليه، صاحب الجسد الذي هزل وانحنى ظهره كنتيجة طبيعية لكل ما مر به، جالسًا بجوار قبر ابنه الثاني،

ساقتها قدميها لتتأخذ طريقه اليه، لتتفقده، وفور ان اقتربت منه، القت بتحيتها:

– عامل ايه يا فايز؟
وكأنه كان يعلم بوجودها، رد دون ان يرفع رأسه اليها:
– زين يا بت عمي، عايش والحمدلله,

صمت فترة حتى ظنته لن يرد، حتى همت ان تغادر بعد قراءة الفاتحة على روح الفقيد، ولكنه تابع على نفس الوضع :

– انا كل يوم بسأل واطمن عليكي من امي، وهي بتجولي انك جوية كيف الجبل، ومفيش حاجة تهزك.

استوعبت كلماته لتعقب:
– دا اللي هي شايفاه، راسمالي صورة في عجلها، لكن في الاول والاخر انا بشر، بتهز وبجع كمان، بس المهم اني اجوم من تاني .

فهم على مقصدها ليرفع رأسه اليها هذه المرة قائلًا؛
– طب واللي مش جادر يا سليمة، اللي ذنوبه تجلت بحجم الكون، وخرب على نفسه وكان بلاء ونكبة على كل اللي بيحبهم، دا يعملها ازاي؟ دا انا حاطط عيني في عينك بالعافية.

بثبات ليس بغريب عنها ردت:
– باب التوبة مفتوح دايما عند ربنا ، اما عنا البشر فالأيام كفيلة تهدي، موعدكش بالنسيان، بس ع الاجل فينا نسامح….. اصحى لنفسك ولبناتك دلوك، دول الزرعة اللي فاضلالك، راعيهم عشان تلاجي الطرح الزين فيهم.

صمتت برهة ثم استرسلت بشجاعة تحسد عليها:
– حتى مرتك كمان تجدر تحتويها وتشوف الزين منها، فقدان الضنا بيكسر مهما كان العضم جوي وشديد، وهي أكيد في احتياج ليك.

بغصة تشكلت بحلقه، خرج صوته بنبرة يملؤها الندم:
– ما انتي كمان مرتي، ولا معدتيش تحسبيها من الأساس يا سليمة؟

تجمدت لحظة بوجه مغلف، خالي من أي تعبير، لتبزغ ابتسامة ضعيفة منها، تخفي بداخلها سنوات من الوجع والقهر، ثم تجيبه:

– خليك في اللي في يدك دلوك، وسيبك من النبش في جروح مفتوحة لسة، ومفتكرش ابدا ان الزمن جادر يشفيها……

خرجت تنهيدة من عمق تحمله بداخلها، لتكمل وراسها تشير للخلف نحو قبر ابنها:
– انا مزجيتش الصبارة النهاردة، عشان عرفت انك كل يوم بتيجي تزجيهم بنفسك وتوزع جعدتك ما بين الاتنين، ربنا يصبر جلبك عليهم.

قالتها وغادرت تتركه في همومه، بداخله نبتت هناك لمحة من امل، لكنه لا يعرف الطريق يبدأ من اين؟

❈-❈-❈

دلف غازي الى غرفة الاطفال بعد بحثه عنها في جميع المنزل، حتى وجدها هنا، ليفاجأ بها، تشب بأقدامها لتضع احدي المفارش الثقيلة فوق خزانة الملابس الصغيرة، بصورة أثارت الرعب بقلبه، ليهتف بهلع نحوها:
– خلي عنك ياست، ايه اللي بتعمليه ده بس.
تركته يرفعه عنها ويضعه بمنتهى البساطة، وكأنها لا تزن شيء، لتعلق هي بمرح:

– يا سلام ع الطول لما ينفع صاحبه يا ولاد.

زم فمه بغيظ يخاطبها:
– دي عمايل تعمليها يا بت الناس؟ مش عارفة ان الرفعة دي غلط عليكي وع العيال، خلي بالك من نفسك الله يرضى عنك.

تبسمت لتضمه من ذراعه، تشاكسه بدلال:.
– وانت خوفت عليا ولا العيال؟

– شوف المرة.
تمتم بها ليرد بحنق:
– مفيش فايدة فيكم يا حريم، الراجل يبجى جايد صوابعه العشرة شمع وبرضك يجوا يسألوه، عتبحني ولا لاه؟ خوفت عليا ولا العيال.

ضحكت بشقاوة تدغدغ مشاعره، مستمتعة بغضبه منها، لتزيد عليه:
– طب وفيها ايه لما اسأل؟ ما انا كمان شايفة انها حاجة بسيطة ومش مستاهلة العصبية دي، دا حتة مفرش اطفال، يعني خفيف ومش تجيل.

– خفيف ومش تجيل! عليا النعمة انتي…….
قطع رافعًا قبضته في الهواء يلوح بها امامها، ضاغطًا بأسنانه على شفته السفلى يدعي التهديد لها، لتواصل بضحكاتها، وتزيد من بهجته، حتى سألها بتذكر:

– هي روح راحت فين صح؟ انا مش شايفها يعني
توقفت تعتدل بوقفتها، وابتعلت تجيبه بتوتر:

– اا هي جالت انها هتزور واحدة صاحبتها عيانة، وهتيجي على هنا تكمل اليوم معانا زي ما اتفقت مع عارف، هو لسة برضوا بيغلس على جدتي فاطنة؟

❈-❈-❈

اختارت ان تقابله في منطقة محايدة، بعيدا عن منزلها ومنزله، فلا يصلح لها ان تقابله في المدينة ايضا ولن تقبل، لذلك لم تجد افضل من هنا، داخل الساحة الكبيرة لعمل الخير، بمدافن القرية.

دلف من الباب الخارجي، ليجدها أمامه، او بالأصح في انتظاره، تبسم بملئ فمه :
– مكنتش مصدج الرسالة وافتكرتها مجلب في البداية، لما معبرتيش ولا صورة من اللي بعتهم.

مطت ثغرها بابتسامة ساخرة بغضب ترد:
– لا ما انا مش جيالك عشانها دي، اصل عارفة ومتأكدة انك بعد ما تسمع اللي جاية عشانه، هتلم نفسك وتمسحها انت من عندك.

سألها باستفسار:
– كلام ايه؟
– هجول متستعجلش، بس لازم يبجى حد حاضر معانا
قالتها ثم اشارت بذقنها نحو الجهة الأخرى، لينتبه بقدوم شقيقته والتي ما ان اقتربت منهم، توجه اليها سائلًا:

– وايه لزوم جميلة معانا؟ ايه الحكاية انتي جيبانا ليه من الأساس؟

وزعت ابصارها ما بين الأثنان، لتقول:…..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى