روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الحادي والعشرون

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الحادي والعشرون

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الحادية والعشرون

– هتتجوز! فتنة هتتجوز وتسيب البلد كمان!
تفوهت بها بتعجب يثير التسلية، حتى تبسم زوجها يعقب:

– وايه العجيب في كدة يا ستي، ما خليها تتجوز وتحل عنينيا، اهي تريح البشرية ببعدها، وغازي يعرف يربى بناته بدال ما هما مشندلين ما بينه وما بينها.

انزوى ما بين حاجبيها باندهاش، لتجاوره على الفراش تردد موافقة رأيه:
– يا سيدي مختلفناش فيها دي؟ مصلحة البنات في البعد عنها رغم انها امهم، ضرورة حتمية الواحد كان بيتمناها من زمان ، بس اللي عايزة اعرفه، امتى الكلام ده حصل؟ وامتى غازي اتلم واتفق معاهم، انا مسمعتش نهائي عن حد اتجدملها ولا اتخطبت.

– يا ستي اهي هتتجوز وخلاص، احنا هنججه، مش المهم البنات يرسوا في حضن ابوهم، ياللا بجى ربنا يهني سعيد بسعيدة.

قالها لينهض عن التخت ذاهبًا نحو خزانة الملابس في تصرف واضح للتهرب منها، مما جعل الشك يتسرب اليها لتقول بفراسة:
– هو انا ليه حاسة ان مشوار امبارح والكدبة اللي اخترعتوها عن العجرب اللي لاشت الواد في ارضنا، وراها قصة تخص الموضوع ده؟ ما تجول يا عارف، روحتوا فين امبارح.

القى اليها بابتسامة ماكرة بعدما خلع عنه قميصه، ليلتف نحو الخزانة يبحث بداخلها عما يريد ارتدائه، متجاهلا الرد عليها ، لتقسم بتأكد:
– اجطع دراعي ان ما كان وراها قصة كبيرة، عمي سعيد لا يمكن يعدي موضوع البنات من غير ما يشعللها ويشربنا المر، اكيد الموضوع فيه سر، ريح جلبي وجول يا عارف.

مالت رأسه للخلف في ضحكة عالية، ليغمغم بصوت عالي:
– انا غلطان اصلًا اني اتكلمت معاكي من الاول، دا عيب اللي يحكي مع مرته ويبلغها كل جديد

– يبجى صح زي ما جولت.
هتفت بها، لتنهض عن التخت بحركة سريعة ، ثم اقتربت منه لتحاوطه بذراعيها على خصره من الخلف، متابعة بتحايل ودلال:
– انا جولت من الأول أنك مش هتداري عني، حبيبي يا عارف هتقولي كل حاجة، ما انا بت عمك وسترك وغطاك، عمرك شفتني كشفت سر.

رفع ابصاره للسماء بعدما خارت كل قواه بفضل تأثيرها عليه، ليردد بقلة حيلة:
– يارب عيني يارب، هي بتضغط من ناحية واخوها ياجي بعد كدة بجولي لسانك ميتبلش فيه فولة،

ضحكت بشقاوة تزيد من ضمه، لتريح رأسها من الخلف، تزيد بنعومتها عليه:
– يجول زي ما يجول، انا برضوا هعرف منك، عشان جوزي الجدع، اللي عمرك ما خبيت عني حاجة، وانا برضوا شطورة وبحفظ السر.

قهقه هذه المرة، ليلتف اليها برأسه مرددًا باعتراض:
– انتي مش شطورة، انت كهينة ومش ساهلة.

اومأت رأسها بابتسامة شقية:
– صح، بس برضك هتجول.
هم ان يقاوم رغم تردده، الا أن صوت اشعار بالهاتف لفت انتباهه ليأخذه حجة:
– دا صوت رسالة، روحي شوفيها، وحلي دي يدك عني.

القت بنظرة نحو هاتفها بعدم اكتراث، لتعود اليه بتصميم:
– مش مهم اي حد دلوك، خلينا في موضوعنا، اتكلم يا عارف.

– تاااني
– وتالت ورابع كمان، انا مش هسيبك النهاردة

❈-❈-❈

مال بجذعه للخلف لينفض كفيه، مرددًا بشبع وامتلاء:
– الحمد لله، لقمة زي عسل
رد بسيوني المتوقف عن الطعام منذ فترة، بفضل التركيز معه:
– شبعت يا يوسف، الف هنا.

– الله يهنيك يا بوس، بس انا لاحظت ان اكلتك خفيفة، انت لازم تتغذى عشان العلاج .
رد بامتعاض وضيق:
– اولا بلاها الاسم الزفت ده، تانيا يا سيدي الف شكر ع النصيحة، انا برضك عارف مصلحتي، خلصتي ولا لسة يا ورد….

هتف بالاخيرة بصوت عالي، لتركض هي خارجة اليهما سريعا من غرفتها:
– انا خلصت اها ..
قالتها وهي تلف حجاب رأسها على عجالة، وما همت ان تتناول حقيبتها من فوق المقعد حتى اوقفها بقوله:

– بس انتي مكلتيش حاجة، هتروحي كدة من غير فطار.
تكفل بسيوني بالإجابة عنها بابتسامة شقت محياه:
– لا اطمن يا باشا، انا حشيت لها شندوتشات وحططها في التلاجة من ساعة ما جومت صليت الفجر، روحي هاتيهم وحطيهم في شنطتك يا ورد، وابجي كلي منهم وجت ما تجوعي.

اخفى يوسف بصعوبة غيظه، ليعلق فور ان أتت إليه، بعدما قيمها سريعًا:
– مش الطقم دا اللي كنتي لابساه امبارح، انتي هتروحي بيه تاني مش ناوية تغيري؟

القت بنظرة مرتبكة نحو شقيقها قبل ان تجيبه بحرج:
– ما انا كنت ناوية النهاردة بعد ما اخلص محاضراتي ع الضهر ، اني اروح البيت واجيبلي كام واحد……

– كلهم….
قاطعها شقيقها بها متسرسلًا بحزم ”
– كل هدومك تجيبها، وأي حاجة تخصك هناك، مينفعش الروحة والجاية كل شوية.

كتم يوسف زفرة الغيظ، ليظهر ابتسامة صفراء والاخر يتابع له:
– انا بتكلم في الأصول يا يوسف، تجيب حاجتها بالمرة، عشان بعد كدة ملهاش داخلة…… غير ع الفرح…. ودا على ما ربنا يسهلها….

وصل اليه قصده بوضوح، انه يماطله، وهو ليس بالغبي حتى لا يفهم عما يدور برأس هذا الرجل العنيد، حسنًا، هو ايضًا ليس بالهين.

– ومالوا يا ابو نسب، اخدها النهاردة من الكلية ونروح نلم كل حاجتها.

قارعه بمراوغة:
– دا برضوا كلام يا يوسف؟ يا راجل بجولك الاصول ، يعني ميصحش….. ومتكلمنيش على جعدتها الايام اللي فاتت معاك، انت بنفسك اكدت انها كانت زي الضيفة، وانا عمري ما هكدبك يا يوسف، عشان كدة ياريت تديني مفتاح الشجة، اخدها انا بنفسي النهاردة ونروح نلم الحاجة.

هذه المرة كان على وشك ان ينفجر بالفعل به، ولكن بنظرة منها، وهذه الرجاء الذي كان يراه بعسليتها، تماسك واستطاع ان يحجم غضبه، ليعود لعقل الداهية، متبسمًا بمرونة، يعطيه المفتاح:

– وانا ابن أصول وعمري ما هاخالفك يا ابو نسب
بادله ابتسامة ماكرة يقول:
– تشكر يا يوسف يا ابو الزوق كله…. ياللا بجى، اجوم انا اغير هدمتي عشان تاخذوني معاكم في سكتكم ع المستشفى.

❈-❈-❈

عودة الى الجنوب
تحديدًا في منزل سليمة التي حطت قدميها على أرض المنزل، هابطة الدرج من مسكنها بالطابق الثاني، لتفاجأ بهذا الصوت الانثوي القوي، يأتي من الداخل، عند سكينة امرأة عمها،

تحفزت كل خلية بجسدها، لتستقيم رافعة ذقنها للأمام بشموخ، وتتحرك بخطواتها للمواجهة التي كانت تنتظرها منذ شهور، لا بل هي منذ سنوات!

كانت الجلسة بصحن الدار ، سكينة صامتة ببؤس، تستمع لمبرارتها الواهية دون ان تكذبها او تصدقها، فقد اعتادت السلبية بقلة حيلة نشأت عليها، وابنتها بجبروت غير عادي، تردف بحجج ووقائع وهمية، تريد فرض قناعتها على المرأة، بتبرئة من ثبتت عليهم الجرائم بالدليل القاطع.

– زي ما بجولك كدة ياما، مرة ولدك هي السبب، هي اللي جوزت المحروسة مرة المرحوم للمجرم كبير ناسه، عيالنا راحو وضاع مستقبلهم بسبب العداوة اللي ما بين صدجى سليم وبينه، ولا انتي مصدجة صح ان الغفير بتاعه كان جاي في خير، لاه ياما، دول جتلوا الجتيل ومشيو في جنازته، وكمان لابسوها للغلابة عيالنا، ربنا هو المطلع، يجيب حجنا من عنيهم ان شاء الله.

هذا ما وصل الى سليمة بالحرف، لتزداد يقينًا ان ما كانت تظنه بابنة عمها، لم يكن ابدا شعور كاذب، تلك المتظاهرة دائما برزانة وطيبة تتصنعها طوال الوقت، وما تضمره بقلبها هو السواد القاتم لكل من يعارض مصلحتها.

– ازيك يا ام سند، طب مش كان من الواجب تندهيني يا مرة عمي اسلم وارحب بيها.
خرجت منها الكلمات بتهكم واضح، لم تغفل عنه المذكورة، لتلتف اليه بجذعها تجيبها بجمود مذهل:

– اهلا يا بت يا عمي، هو انا محتاجة اللي يرحب بيا، انا صاحبة بيت.

– لاه مش صاحبة بيت.
خرجت من سليمة بقوة، تنقل بنظرها نحو المرأة العجوز قبل ان تعود إلى هذه المتبجحة، تواجهها بقوة:

– انا صاحبة البيت، ومن بعدي اخوكي يبجالوا جزء في فيه بحكم الشرع، ولا انتي ناسية.

صعقتها بالكلمات المقصودة، باغتتها بالرد الذي لم تتوقعه ابدًا، لتضييق عينيها بحقد ظاهر، تكشف عن وجهها الحقيقي:
– لاه مش ناسية، بس شكلك انتي اللي نسيتي ان انا السبب، انا اللي زنيت على ابوي عشان احمي ولدك من غدر ابوه، انا اللي مهنش عليا يترمي في الشارع بعد ما يموت ابويا، بعد ما يدخل فايز ومرته اللي كانت هتشغلك خدامة عنديها.

رددت تخالفها بقوة:
– تشغل مين يا هويدا؟ ما خلاص يا غالية، كل حاجة انكشفت وبان اللي كان متخفي، يعني بلاها منه الوش الناعم ده……. بان المستور وانكشف المعيوب…

توقفت برهة مراقبة جمود المفاجأة على ملامحها، لتواصل المواجهة:
– مجاتش ليه معاكي نعيمة؟ خايفة ولا مكسوفة تورينا وشها بعد عملة المجرمين اللي جتلوا واد خالهم بدم بارد…

لاح الغضب جليًا على ملامح هويدا، غير مستوعبة لهذا الوجه الجديد من سليمة المنكسرة الصامتة والمفرطة في حقها طوال الوقت، لتهدر ردًا لها:

– كانك اتجنيتي ولا مخك لحس يا جزينة، بتعومي على عوم اللي لبسها للعيال، واكنك كنتي معاهم؟ جرا ايه يا مرا، طب افتكري غلاوتهم للمرحوم ولدك، افتكري انهم اتنازلوا عن حجهم في البيت عشانكم، اييه؟ هو دا جزاة المعروف.

– معرووف!
صرخت بها وقد انفرط عقد تحكمها، وفاض الكيل من افعالهم الدنيئة والخسيسة، لتواصل بعنف ما تحمله بصدرها:

– بتسمي الغدر والطمع معروف، اتنازلتي عن البيت وزنيتي على ابوكي يكتبه بإسم ولدي، ليه يا هويدا؟ عشان فكر الشياطين، ان الاهم هو انكم تبعدوا فايز عن البيت ، خوفكم ان يكوش عليه ويمنعكم تشاركوه فيه، طول الوجت بتخططي، حتى بعد ولدي ما راح ضحية الطمع بسببكم موجفتوش، زجيتوا عيالكم التنين على مرة المرحوم لاجل ما واحد فيهم يتجوزها ان شالله غصب عنها، المهم انها هي وواد ولدي يبجوا تحت يدكم، ناركم جادت لما كل ترتيبكم باظ وبجى الاهم هو انكم تتخلصوا مني، سلطوا عليا مرة نعيم الراعي، تحطلي السم البطيء في الحليب اللي كانت تجيبهولي، عشان عارفين ان امكم مبتشربهوش، وبرضوا مهمدتوش، اول ما جات الفرصة وبعدت انا عن البيت ، جريوا عيالكم زي الديابة يلحجوا اللجية مع كبير الحرامية صدجي، واما اتدخل المرحوم مالك عشان يجاسم معاهم، كان جزاته الموت في نفس الحفرة اللي طلعوا منها اللجية، ايييه؟ هو انتوا معندكمش دين، مفيش ضمير يفكركم بالحلال والحرام، جايبين الفُجر دا منين؟

بصمود تحسد عليه، ظلت هويدا لفترة من الصمت تطالعها بحقد وعدم تأثر، غير ابهة بالحقائق التي القتها بوجهها، لا يعنيها سوى الإنكار، حتى اذا خرج صوتها اخيرًا:

– ألفتي الحكيوة وصدجتيها، خلاص دلوك ولد شربات بجى مظلوم، واحنا بجينا شياطين؟ بتدوري على حج فايز اللي رماكي زي البيت الوجف بجالوا سنين، حنيت له دلوك يا عديمة الكرامة، اخص عليكي، وانا اللي افتكرتك بني ادمة وكنت جاية اخد بخاطرك لكن طلعتي متستهليش…..

– لمي نفسك واطلعي يا هويدا.
صدرت فجأة من جهة غير متوقعة، جهة والدتها! لتنظر اليها غير مصدقة، او ربما ظنت ما سمعته وهما، قبل ان تؤكد لها بحزم لا يقبل الشك:

– اطلعي يا هويدا وروحي على بيتك، لا عدتي تلزميني انتي ولا اختك ولا عيالكم، انا رضيت بنصيبي ومستنية جضا ربي، بعد ما راح سندي، وانتوا اعتبرتكم موتوا .

❈-❈-❈

في الجهة الخلفية، حيث المقر الهادئ له اسفل عرش الكرم يراقب الخيول وأفعال أطفاله في مناغشتهم واللعب معهم
، بعيدًا عن صخب المنزل ومشاكل العائلة وهمومها، كان شاردًا هذه المرة بصورة اوضحت ثقل ما يشعر به، صورة انتبهت لها زوجته حينما اقتربت لتجلس بجواره بطبق الفاكهة التي اعدته من اجل الأطفال ومن اجله، لتسأل وهي تضعه على الطاولة الصغيرة امامه:

– مخك فين يا غازي؟ لتكون سرحان في حد غيري؟

استجاب ليهديها ابتسامة خفيفة بدون ان يعلق، مما شجعها ان تواصل:

– اااه، دا اللي انا كنت خايفة منه، حكم الراجل لما يتنيها
مش صعب عليه خالص انه يتلت ويربع كمان، يا وجعتك يا نادية بعد ما اتشبكتي بالعيال.

استطاعت بدعابتها ان تنتشله من حزنه، ليميل عليها يقبل رأسها بامتنان قائلًا بغزل:
– ولا تلاتة ولا اربعة، ولا مية حتى يسدوا مكانك يا نجمة غازي، ربي ما يحرمني منك يارب.

ربتت على كفه لتسأله برقة:
– امال ايه اللي شاغلك طيب؟ دا انت يوم سعدك لما بياجوا البنتة، عشان تلعب معاهم وتلاطفهم، ايه اللي حاصل النهاردة؟ بتبصلهم وشايل الهم…….

توقفت فجأة باستدراك طرأ فجأة برأسها:
– هو انت زعلان ان امهم هتتجوز ؟ ولا…… تبجى لحد غير..ك.
تقطع الكلمات بفمها جعله يتأكد من ثقل ما تشعر به او يدور برأسها في هذا الوقت، ليصحح على الفور:

– مش حبًا فيها يا نادية، او انها تبجى لحد غيري.
– أمال ايه؟
نبرة الشك المختلطة بغيرتها تدخل البهجة في قلبه، رغم ما يعتريه من حزن، ليطمئنها بصدقه:

– ام بناتي يا نادية وبت عمي، حتى وهي معوجة وراسها عايزة التكسير والادب من جديد، بس برضك امرها يهمني، اللي هتتجوزو دا غريب، يعني ما حد عارف اصله من فصله…. وربنا يستر بجى……

زفر يطرد دفعة من الهواء المكبوت بصدره، ليتابع بتمني:
– بس يطلع واد ناس، ان شالله حتى ياخدها ويرحل، المهم تريحنا من همها.

اممت من خلفه:
– يارب يا غازي، انا مهما شوفت منها والله ما اتمنالها غير الخير.

قالتها بصدق يعلمه جيدا من معرفته بها وبرقة قلبها الذي لا يقبل السوء حتى لمن بادر بأذيتها.

– جاعدين هنا وعاملين جاعدة رومانسية، اه يا غجر.

هتف بها عارف الذي كان قادمًا نحوهم مع زوجته والتي علقت مثله:
– ايوة يا عارف، سايبين العيال مع الحصنة، وهما مجضينها تحت العنبة.
– الله اكبر عليكم انتوا الجوز، ما تهمدوا بجى وارحمونا يا جوز الغربان انتوا.

تمتم بها يلوح بأصابع كفه الخمسة في وجوههم، لتتنطلق ضحكاتهم يتبادلا المزاح والدعابات، قبل ان يتفرقا السيدتين مع الأطفال اسفل عرش الكرم، والرجلين مع الأحصنة:

– شوفت يا عارف عمك وجنانه، دا ناوي يجوزهالوا صح!

خرج رد الاخير بهدوء وهو يمسح بكفه على الخصلات الاماميه الحصان،
– اللي بيشيل جربة مخرومة بتخر على راسه، والله خد بنصيحتك وسأل عنه كان بها، مسألش هو حر، دول مش صغيرين عشان تشيل همهم!

تحركت رأسه بعدم رضا:
– اخ، ياريت اجدر، حتى اريح من وجع المخ……
عاد عارف يعيد عليه بتصميم:
– اعمل زي ما بجولك، اينعم عمك عنده العنتريه والكبر اللي ع الفاضي، بس برضك مهوش هين، ولا ناجي كمان…. دا موته الجرش والفلوس..

تبسم غازي مع تذكره لطبيعة ابن عمه المتحفظة بشدة على المال، ليتخلل بعض الارتياح الى قلبه، فيرد امتنانًا لصديقه:

– كلامك زين يا عارف، خلى مخي هدي شوية من التفكير، ياللا بجى…. هي ونصيبها.

وعند النساء، كان الحديث نفسه ما يدور بينهما، ولكن بصوت خفيض، حتى لا يلفتن النظر اليهم من الأطفال:
– طب انتي معرفتيش العريس دا من فين بالظبط يا روح؟

– عارف جالي من القاهرة، لكن اصل وفصل معرفش بالظبط هو من فين؟ لكن انتي بتسألي ليه؟ فضول الأنثي ولا حاجة تانية؟

قالت الأخيرة بمغزى فهمت عليه الأخرى، لتصحح على الفور:
– لا والله يا روح، انا بسأل عشان اطمن عليها، مدام بتجولوا غريب، يبجى لازم اقلق.

طالعتها بنظرة متمعنة، ترا الصدق جليًا في نبرتها، عكس الأخرى، تلك التي كادت ان تسبب لها بفضيحة سابقًا، ولكن الله ستر، ليعود عليها فعلها بالأمس، وتزوق من نفس الكأس، من وقت ما سمعت بقصتها من زوجها، وعقلها لا يكف عن التفكير واسترجاع الأحداث، مع ما اكتشفته حديثًا من اشياء كانت غافلة عنها، لتتيقن من داخلها ان الله كان خير مدبرا حينما جعل من تكرهها سببًا في انقاذها.

– روح انتي سرحتي ولا ايه بس؟
هتفت بها نادية لتنتشلها من شرودها، لتعود اليها قائلة:
– لا يا ستي وانا اجدر، خلينا نحكي في اي حاجة تانية غير السيرة الفقر دي، الا جوليلي ايه اخبار الحمل في التوأم، زي الحمل في واحد ولا في اختلاف؟

❈-❈-❈

وفي منزل سعيد الدهشان
حيث كان حاضرا في هذا الوقت الجلسة مع ابنه امام هذا الضيف الثقيل، وقد اتى اليوم تنفيذًا للقرار الذي اصدره الرجل بالأمس لخطبتها والتعريف عن نفسه لهم،

– انا يا عمي ابن أصول، ابا عن جد، والد والدتي كان من العيلة المالكة، ووالدي كان اكبر تاجر في بلده، من فئة الشعب المكافح، يعني حاجة تشرف اي انسان، اتفضل حضرتك، دي البطاقة بتاعتي، تقدروا تسألوا عني وتعرفوا انا مين بالظبط.

قالها ثم نهض يعطي الاثنان، البطاقة، ليضيف عليها كرت صغير، مدون به اسم الرجل وتجارته كإعلان له .

بامتعاض شديد تطلعا الاثنان في الاسم وصورته في البطاقة، بالإضافة للكرت الصغير عن تجارة والده، بصورة اولية يبدوا انه صادق، خصوصًا مع هذه الهيئة الراقية والمهندمة برقي شديد، ووسامة مختلفة عن سمرة الرجال هنا، ايدي بيضاء لم تعرف الشقاء ابدا، ومع ذلك، يوجد هناك شيئا ما به غير مريح:

تجهم سعيد يخاطبه بغضب مدفوعًا بتذكره لذل الأمس من ابن اخيه اللدود، زوجها السابق:
– ولما انت ابن أصول ومن عيلة زينة كدة، مدخلتش ليه البيت من بابه من الأول؟ لزومه ايه اللف والدوران والشغل اللي مش مظبوط.

سارع على الفور يبرر بدفاعية:
– يا عمي احنا معملناش حاجة غلط، فتنة كنت بقابلها في محلات عامة بكل ادب واحترام، وحتى لما جاتني المكتب، كانت جاية تباركلي ، دي انسانة واعية وناضجة، وانا راجل محترم مش عيل صغير تافه.

– اممممم
زمجر بها ناجي بغل يأمره:
– اتكلم عن نفسك ومتجيش سيرتها خالص، بلاش تفكرني، يدي لساها سخنة ع الضرب من امبارح.

سأله بتوجس:
– ضرب مين؟ هو انت ضربت فتنة؟

❈-❈-❈

– اااه، شالله يدك تتكسر ولا تنشل يا ناجي، ويجيبلي حقي منك.
هتفت بالكلمات امام المراَة تتوجع من الألم وهي تتطلع الى اثار اللطمات على وجهها، وتتحسس البقع الملونة على بشرتها نتيجة الضرب المبرح منذ الأمس .

عقبت رئيسة بغضب منها:
– بلاها من الدعا واحمدي ربنا انه مخلصش عليكي، كنت عايزاه ياخدك بالحضن ولا يطبطب عليكي بعد عملتك السودا؟

التفت اليها صارخة بهياج:
– تاني بتدافعي عنه ومش متحملة كلمة كمان؟ طب اهو الراجل داخل البيت من بابه، عشان تعرفوا اني عمري ما غلطت، بكرة اهج معاه واغور من وشكم وعيشتكم الزفت.

– في داهية شالله ما ترجعي خالص حتى
تمتمت بها رئيسة ببغض، لتشيح بوجهها عنها بعدم تحمل، وقد تخطت بأفعالها كل الخطوط الحمراء ، والفضل يرجع طبعا لزوجها، ذاك الذي يصيح قهرا وغضبا منها الاَن، هو السبب الرئيسي بفضل دلاله المفرط لها، وتفرقته في المعاملة لها عن باقي ابناءه، وكأنها الاميرة بينهم، لينمى بداخلها الغرور والنعجهية حتى على زوجها السابق ابن عمها وكبير العائلة، وكانت النتيجة خسارته، لتأتي اليهم الاَن برجل غريب، الله الأعلم بصفته، ان كان ابن حلال او غير ذلك.

رفعت رئيسة رأسها على هتاف زوجة ابنها الأجنبية صوفيا، والتي دلفت فجأة اليهم داخل الغرفة:
– فوتنة يا فوتنة، عاملة ايه يا هبيبتي؟

كزت اسنانها بغضب شديد ودت لو تفتك بها:
– وانتي مالك؟ بتسألي ليه يا وش الفقر يا بووومة.

شهقت صوفيا بإجفال لترتد بجسدها للخلف امام زهول رئيسة ، ليتلقفها ناجي من ظهرها، ويربت عليه بحنو قبل ان يلتف نحو شقيقته يزجرها:

– بتزعجي فيها ليه؟ اتنجنتتي؟ ولا علجة امبارح مأثرتش فيكي؟

انتفضت صارخة بها:
– طب اعملها تاني يا ناجي، عشان اصرخ والم عليكم البلد.

– تعمليها ما انتي فاجر.
صدرت الكلمات من مدخل الغرفة، حيث والدها الذي وقف يحدجها بنظرة اخرستها ليهدر بوعيد:
– اسمعي يا بت، مرة اخوكي خط احمر، زيها زي جوزها، جملي نفسك معانا اليومين دول واجعدي مأدبة، كلها كام يوم على ما ياجي الخميس، ينكتب كتابك ع الزفت اللي متجدملك، وبعدها تغوري معاه ان شالله تهجي ولا تهاجري حتى، فاهمة؟

انتفضت بصيجته الأخيرة لتومئ بطاعة:
– فاهمة يا بوي فاهمة.
سمع منها ثم خرج، يتبعه ناجي، ثم زوجته التي رمقتها ببرائة قبل ان تغادر لتغمغم من خلفها:

– داهية تاخدكم، انتي والدلدول جوزك.
التفت نحو والدتها لتجدها تفور غيظا منها، تجاهلت بعدم اكتراث، لتسألها بفضول:
– هو صلاح مشي من غير ما اشوفه، طب اتفجتوا معاه على ايه.

زامت رئيسة تزفر بحنق، لتنهض وتغادر لها الغرفة مغمغمة:
– مفيش فايدة، ولا عمر هتيجي الفايدة منك يا بتي.

❈-❈-❈

وبداخل السيارة التي كان يغادر بها بمزاج رائق يدندن اثناء القيادة، ليتلقى الإتصال الذي كان ينتظره :

– حبيبي….. اقسم بالله كنت منتظرك……. لا طبعا يا عم مقدرش اجيلك، انا دلوقتي بقى وضعي حساس……. ايوة يا حساس امال ايه؟ انا راجل بجهز لجوازي، كلها كام يوم واكتب كتابي على عروستي وننطلق ع القاهرة، نقضي شهر العسل هناك………

اطلق ضحكة مدوية ليتابع بزهو ردًا على استفسار الاخر:.
– وليه بتقولها باستغراب كدة؟ هو انت تايه عن مواهب صاحبك؟……… لا يا حبيبي انا فاكر كويس اوي، انت ادتني المعلومات وقولت لك حرية التصرف ، وانا يا باشا مقصرتش، اينعم كنت مخطط بشكل مختلف، بس ربك بقى حب يسهلها عليا، وحطها في ايدي زي البيضة المقشرة ، الحظ والنصيب بقى يا سيدي .

ختم ليقهقه بمرح، لا يصدق نفسه، وكأنه فاز بجائزة اليانصيب، ليردد بصوت عالي:
– والله وهترجع لايام العز من تاني يا ابو صلح.

❈-❈-❈
وفي الناحية الأخرى
وبعد ان انهى المكالمة معه، غمغم بعدم تصديق:
– يا بن ال…… دايما كدة تفلت بحظك، ندل وجبان وفيك كل العبر، ومع ذلك دايما تمشي معاك حلاوة….

تبسم ضاحكًا ليتابع حديث نفسه:
– ولا الأكيد هو حظها هي…. بت حلال وتستاهلك
توقف ليطلع على الهاتف متذكرًا تجاهل الاخرى ليعقب:
– ولا التانية اللي عاملة فيها من بنها…… ماشي يا ست روح، اما اشوف اخرك ايه،

❈-❈-❈

بحزن تجاهد لإخفاءه، دلفت خلف شقيقها داخل الشقة التي ظلت فيها بما يقارب الشهر، مع رجل غريب عنها، وجدته في يوم وليلة اصبح زوجها، وهذه هي مملكتها،
حتى ولو تم ذلك على الورق فقط، ولكنها لا تنكر نبل اخلاقه معها، وشقاوته التي كانت تلمسها منه اوقات كثيرة، رغم تحجيم نفسه عنها، حتى لا يثير زعرها منه

انتبهت من شرودها على تعليق شقيقها، الذي كان يتأمل الأرجاء من حوله:
– حلوة الشجة وحاجة فاخر من الاخر زي ما بيجوله…. عجباكي يا ورد؟

– هاا
عاد بتوجيه السؤال لها:
– بسألك يا بت ابوي ان كان عجباكي الشجة اللي سكنتي فيها ايام واسابيع، عايز اعرف ان كنتي ارتحتي فيها ولا لاه؟

لا تعلم لما يكتنفها الاحساس بأن مقصده بعيد تمامًا عما يسال به، فضلت ان تغلق باب الحيرة بالتهرب تجيبه:

– كانت مدة مؤقتة يا واد ابوي، ملحقتش اخد بالي، عن اذنك اللحق اللم حاجتي في الاوضة جوا.
قالتها وتحركت ذاهبة نحو حجرتها، ليسقط هو على الكرسي يتنفس بتعب مفضلا عدم الجدال او الضغط عليها ، ليتركها لوقت اخر، ثم هتف من خلفها بما يشبه الرجاء:
– حاولي تخلصي بسرعة، انا جسمي مهدود وعايز اريح على سريري

– حاضر يا خوي مش هتأخر.
قالتها ثم دفعت باب الغرفة، لتدلف داخلها وما همت ان تشعل قابس الكهرباء حتى تفاجأت بكف كبيرة حطت على فمها تكتمه، واليد الأخرى طوقت خصرها لتدفعها سريعًا نحو الجدار من الخلف، وما همت ان تقاوم فور ان استوعبت؛ حتى اصطدمت عيناها به، يطالعها عن قرب بابتسامة مرحة، وكأنه لم يوقع قلبها زعرًا منذ لحظة، قائلًا بتسلية:

– انا اسف يا قلبي خضيتك، بس اعمل ايه بقى ما هو السبب.

تطلعت اليه بأنفاس لاهثة مزهولة من فعلته، مرعوبة من رد فعل شقيقها ان علم بوجوده الاَن، لتنقل بنظرها نحو الباب، حتى فهم على مقصدها، ليهادنها قائلًا:

– على فكرة انا جوزك ودي شقتي، يعني تهدي كدة، عشان اشيل إيدي عن بقك، عايز اتكلم معاكي من غير اللي برا ما يحس بينا.

اومأت بهز رأسها، ليرفع كفه على الفور ، وترتخي ذراعه عن خصرها، يتمتم بوله:
– كنتي وحشاني اوي، واخوكي عمايله تطفش بلد، بس انا مقدرتش على بعدك يا وردتي.
ابتعلت ريقها بتوجس، وهذا القرب منه يزيدها ارتباكًا، لتهمس اليه بتحذير:

– اخويا لو حس بيك دلوك، هيجلب الدنيا فوج راسك، انت بتعمل كدة ليه يا يوسف؟ مش جادر تصبر؟

تمتم ردا لها:
– عشان مجنون بيكي يا وردتي….
زاد من قربه لها:
– ولو ع الصبر ، انا فعلا مش قادر اصبر اكتر من كدة، شهر بحاله كنتي قاعدة فيه بيتي وتحت عيني، وانا بتكوي بالنار على امل قربك، دلوقتي بقى يجي هو. وبدل ما يرحمني، يزود عليا.

تعاطفت معه، ولكن الخوف من اقتراب شقيقها، جعلها تتجمد عن الرد استجابة له، او التصدي، لتظل صامتة، تطالعه بعيناها فقط، وبهذا القرب تزيد من لوعة المحب، فقد كانت شهية بشكل موجع، جميلة وصغيرة وبريئة، لتُضعف من مقاومته، فواصل بضغطه:

– طب بذمتك هو يحوشك عني ليه؟ ها، انا عمري حتى طالبتك بحق من حقوقي او حتى تصبيرة؟

– تصبيرة ايه؟
قالتها بعدم فهم، ليستغل موضحًا بالفعل:
– زي دي؟!
شهقة مجفلة صدرت منها، كادت ان تفضحه، قبل ان يكتمها بخبرته….

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى