روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل السادس عشر 16 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء السادس عشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت السادس عشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة السادسة عشر

توقف بها امام البناية المتهالكة ، ليشير لها بيده قائلًا بهمس:

– هنا يا سليمة.

طالعت المبنى بنظرة شاملة لتسأله بفضول:

– فين بالظبط؟ وانه دور؟

مال نحوها يجيب بحرص هامسًا:

– في اوضة ع السطوح، هتطلعي معايا من غير صوت وبشكل طبيعي، لحد ما نوصل لأوضته، مش عايزين شوشرة ولا اصطدام مع الواد، يعني الله يرضى عنيكي حاولي تمسكي اعصابك ومتتعصبيش عليه.

تطلعت اليه بأنفاس متلاحقة، ليقرأ ما بعقلها بشكل اثار ارتيابه فاستأنف مشددًا:

– فهماني يا سليمة؟ ولا نرجع ونبجيها خالص؟

قال الأخيرة وقد توقف عن السير في إشارة لعزمه على العودة، لتزعن له قائلة:

– خلاص فهمت، وهتبع كلامك يا فايز، بس ياللا خلصنا

سمع منها ثم استجاب بأن خطا يسبقها في دخول المبنى وهي خلفه تتبعه، نحو وجهتهما.

❈-❈-❈

أتت بخطواتها الرزينة ، تخطو داخل الرواق الطويل في اتجاه الغرفة المقصودة وحدها، وقد سبقتها روح مع زوجها، والاَن هو ايضًَا تركها مجبرًا بعد ان استوقفه احد الأشخاص في طريقهما الى هنا، فور خروجهم من المصعد، التقت عينيها بخاصتي ذلك المحب، والذي كان واقفًا مربع الذراعين في زاوية قريبة من جلستهن على مقاعد الانتظار ، يتحدث مع عارف بوجه عابس انبأها عما يشعر به:

– ايه اللي حصل؟

خرج السؤال منها باستفهام حول حالة هذه المنهارة من البكاء في حضن روح التي كانت تهون عليها في هذا الوقت وأتى الرد منها:

– بتبكي عشان اخوها يا نادية، ربنا يستر شكله مش هيفوتها على خير، كان عنده حق عارف لما اتصل بيا يبلغني عشان اجف معاها في اللحضة دي .

اومأت نادية رأسها بتفهم لتجلس بجوارهما على أحد مقاعد الانتظار ف المشفى، وقالت بدعم:

– ان شاء الله خير يا ورد، غازي لا يمكن يسيبه من غير ما يفهمه، وهو اكيد هيعمله حساب.

كالغريق الذي يتمسك بالقشة، رفعت رأسها اليها بسؤال بدا كرجاء:

– بجد يا خالة نادية؟ طب خليه يدخله على طول دلوك ويعرفه بالسبب اللي خلانا نعمل كدة، خليه يأثر عليه ويجوله اني كنت مجبورة، دا مش راضي حتى يسمعني، وانا كان بيدي ايه بس يا ربي؟

ربتت على ذراعها مهونة :

– هيجول يا حبيبتي واخوكي ان شاء الله هيسامح، بس اصبري شوية.

– تصبر ليه؟ هو غازي فين اصلا؟

سألها ذاك المحب بتوجس وقد اقترب هو الاخر ليشترك ف الحديث، فخرج رد الأخرى:

– غازي جه معايا، بس جبل ما نوصل، وجفه الظابط، انا سيبتهم يتحدتتو مع بعض، وجيت على هنا، بعد ما فهمني ان ده المسؤول عن الجضية، وانه أكيد جاي دلوك عشان يباشر تحقيقه مع بسيوني بصفته الشاهد الرئيسي

اوما رأسه بتفهم ، ثم سرعان ما لاح على ملامحه خيبة الأمل وهو يتمتم:

– يعني لسة كمان هينشغل بالتحقيق، ومضطرين برضوا نصبر ونستنى.

قال الأخيرة بنظرة واضحة نحو ورد التي عادت للبكاء مرة أخرى، ليعلق بحنق:

– جرا ايه يا بنتي؟ ما تخفي شوية حنفية الدموع اللي ما بتقفلش دي، هتموتي نفسك من العياط .

احست روح بضيقه فقالت مهونة:

– معلش يا يوسف راعي حالتها هي روحها في اخوها، وكل اللي تعبها دلوك هو زعله منها،

– طب انا شرحت ورغيت على قد ما اقدر معاه، لكنه هو سادد ودانه، سمع مني وبعدها طردني انا وهي من الأوضة، من غير ولا اي كلمة زيادة، ولا اكننا اجرمنا.

تدخل عارف يدلي بدلوه:

– الموضوع مش هين يا عم الحج، حتى وانت الحق معاك، وجصدك كان نبيل وهو متأكد من كدة، لكنه لازم ياخد في نفسه، دي يعتبر بته، جبل ما تكون خيته اللي رباها لوحده، من غير مشاركة من حد. الصبر يا جماعة، اهدوا كدة وسيبوه يستوعب من غير الحاح ولا زن يزود من عصبيته.

وكان بكلماته خير مقنع ليهون قليلًا عليهما.

❈-❈-❈

التزمت بتعليماته، تبعته بهدوء في صعود الدرج حتى وصل بها الى اخره ، لتخطو خلفه الان فوق سطح البناية، تتجنب في خطواتها الاصطدام بالعديد من الاشياء التي تقابلها في طريقها، كقطع الاثاث القديم والمتاَكل والعديد من الزاوئد التي تخلى عنها السكان والقوا بها الى هنا، لعدم حاجتهم بها.

انتبهت لاقترابه من غرفة صغيرة تحتل الانفراد في المحيط وحدها، استنبطت بفراستها انها مسكن الشاب، لتتأكد من ظنها حينما وجدته يقف امام الباب يلتف اليها برأسه، ويشير بسبابته لها على فمه بإشارة نحوها حتى لا يصدر منها صوت

اومات رأسها له بطاعة، ظنًا منها انه سوف يقوم بالطرق على الباب، ولكنه فاجأه بأن دفع الباب بقدمه وبحركة سريعة جعلتها تسمع لصرخة الفتى من داخل الغرفة بإجفاله:

– ايه في ايه؟ انتو مين؟….

تقدم فايز يدلف اليه ولحقت هي به، لتقابل بأبصارها الفتي جالسًا بجذعه على فراشه وكأنه قد استيقظ مفزوعًا من نومه على اثر الدفعة القوية

بوجه انسحبت منه الدماء راقب اقتراب الاثنان منه ، حتى جلس فايز على طرف الفراش بجواره يتحدث بشكل عادي، وكأنه لم يوقف للتو قلبه بفعلته:

– متأخذناش يا ولدي، صحناك من نومك وانت يدوبك حاطط راسك من ساعتين بس بعد رجعتك من الورشة اللي بتشتغل فيها طول الليل

برقت عينيه وتعالت انفاسه باضطراب جلي، لتتحرك تفاحة ادم في عنقه، يبتلع في ريقه الذي جف، وهو يرد على كلماته، وابصاره تتنقل بينهما

– ايه جابك عندي يا عم فايز؟ وساحب الولية المجنونة دي معاك ليه؟

احتدت سليمة تردد خلفه باستهجان:.

– مجنونة في عينك جليل ادب…..

– استني يا سليمة.

هتف بها فايز مقاطعا لها، ليستأنف حديثه مع هذا الفتى بابتسامة صفراء:

– دا انت طلعت كمان عرفني، طب تصدج بقى، انا دي اول مرة اتعرف عليك مباشر كدة واتعامل معاك، كنت اعرف ان المرحوم ولدي عنده صحاب كتير ، بس للحق مكنتش اعرف منهم غير الجريب، اسمك انت حسين مش كدة برضوا؟ ساكن هنا لوحدك ، عشان طفشان من بيت ابوك الزحمة بخواتك وعيال خواتك، بتشتغل في ورشة ميكانيكا واللي بيطلعك من مكسب بتضيعه على مزاجك والسنكحة مع اصحابك الشمال زيك ، لا في حد يشكم ولا حد يسأل حتى لو غبت بالشهور.

سهم حسين بنظره اليه، منعقد الحاجبين بتوجس للقادم، اما عن سليمة فقد تأكدت ان فايز هذه المرة قد أخذ الأمر بجدية متناهية، وهذه بادرة جيدة لتترك له دفة الحديث.

– انتوا عايزين ايه مني؟ داخلين هجم على بيتي ليه؟

خرج السؤال من حسين بتجهم نحوهما وقد ضاق به منهما، حدجته سليمة بنظرة صارمة دون صوت وجاء الرد من فايز بهدوء ما يسبق العاصفة:

– احنا جاين يا ولدي طماعنين في كرمك، تحكيلنا كل اللي تعرفوا عن المرحوم وغرضكم كان ايه انتو الاتنين لم اتهجمت على بيت سليمة ولا…… غرق المرحوم اخوه، امه شاكة كمان ان انتوا ليكم يد فيه….

صاح به حسين منفعلا:

– مين اللي ليه يد؟ انا مليش دعوة بكل اللي بتجولوه، انتوا جايين تتهموني بالباطل وتلبسوني نصيبة.

– شكله عايز يتعبنا يا سليمة

صدرت من فايز نحوها بلهجة هادئة، ثم ما لبث ان يعود بحركة سريعة يقبض على قماش قميص الاَخر، ليهدر به بوحشية:

– اسمع يا واد، اكيد انت واخد فكرة من المرحوم عني،

انا راجل فاجد من كل شيء، وعامل كل المصايب في دنيتي، دا غير اني واكل عيالي الاتنين على حياة عيني، يعني معنديش شيء اخسره تاني، ودلوك بالذات على اَخري، لا حمل مماطلة ولا لت وعجن، يا تجاوب عن سؤالي يا تستلجى وعدك بأني احط غلب السنين كلها فيك .

انتفض حسين وقد شحب وجهه يقارب لون الموتي، ليواصل الاَخر بضغطه:

– ناوي تتعدل وتريحني بالحجيجة كاملة ولا اخد تار عيالي التنين منك انت، ما هو انا معنديش غيرك….

دافع بمظلومية:

– وانا مالي يا عم الحج، والله العظيم ما ليا دعوة بجتل أي واحد فيهم، انا مالي بكل ده….

– مالك انت كنت شريكه

صرخت بها سليمة تخرج عن صمتها لتواصل:

– انت دخلت ع البيت واتهجمت علي وانا طخيتك في رجلك اللي بتعرج منها قبل انت ما تشق صدري بطعنة غادرة منك، ولما سألتك المرة اللي فاتت عن موت ولدي زاغت عينيك، وساعتها اتأكدت انك متورط…..

صرخ بدوره بخطأ منه وبما اثبت الشك داخلها:

– مش انا اللي متورط، انا أخري كنت مراجب…..

قطع الأخيرة حينما جذبه فايز بعنف، مقربًا وجهه المخيف منه، حتى أصبحت انفاسه تلامس بشرته، ليتمتم بفحيح:

– مدام اعترفت بدورك، يبجى تحكي كل اللي تعرفوا دلوك على طول، يا أما قسما بالله لاكون جاتلك في الأوضة المعزولة دي، وحتى الجيران ما تعرف بموتك غير بعد ريحتك ما تطلع.

زاده فزعًا فوق الفزع، يكتنفه شعور قوي بصدق تهديده، لينصاع مجبرًا لرغبتهما على مضض:

– انا هجول كل اللي اعرفه، على شرط ان محدش فيكم يجربلي بعدها، ترحوا لحالكم وتسببوني في حالي……

تردد فايز في الاستجابة لطلبه، عكس سليمة التي باغتته بموافقتها:

– لك مني الامان، بس اتكلم.

سمع منها ليطالعها بنظرة مترجية جعلتها تخاطب الاَخر:

– سيبه يا فايز وهو لو حاول يكدب بنص كلمة، انا هكشفه على طول.

تنفيذا لرغبتها، تركه على مضض، ليزفر بحنق ما يشعل صدره قائلًا:

– واديني سيبتك، خلصنا ياللا

التقط حسين انفاسه، يتمالك زمام امره قليلًا بعد الاختناق وتهديد الاخر، ليفرغ ما جعبته، كاشفًا الستار عن حقيقة ما حدث في الحالتين اخيرًا:

– انا هبتدي باليلة اياها، ليلة غرج المرحوم الكبير حجازي.

اهتزت سليمة بوقفتها، لتسحب سريعًا كرسي قديم، فتجلس بالقرب منهما مخاطبة له برجاء:

– جول يا ولدي، ريحني الله يرضى عنك بالحجيجة، مهما كانت جسوتها انا راضية المهم اعرف.

اومأ لها بهز رأسه، ليعود بذاكرته لهذه اللحظة المشؤمة حينما كان يعمل في ورشته بتركيز واقتحم عليه مالك بصوته:

((- حسين، تعالى عايزك بسرعة

ترك حسين اطار السيارة التي كان يعمل عليها ، ليرفع رأسه متسائلًا:

– عايزني في ايه؟

وقبل ان يستوعب وجد الاخر يفاجئه بجذبه من ذراعه لينهضه عن جلسته يسحبه للخارج قائلًا:

– هفهمك دلوك،

اعترض معبرًا عن حنقه:

– يا جدع ساحبني كدة زي البهيمة، طب اديني فكرة ع اللي انت عايزني فيه.

– يا بوي بجولك هتفهم،

هتف بها قبل ان يستوقفه امام القهوة الشهيرة في هذا المكان الممتلئ بعمال المنطقة الصناعية، او سائقي السيارات التي تتوقف هنا ليستريح قائديها من عناء الطريق بشرب القهوة او تناول شطائر سريعة ، تعد خصيصا لذلك

– اها هو دا اللي عايزك تشوفه.

اشار بذقنه نحو طاولة حجازي ومساعده ، ليردف بغل:

– انا شايف ان دا احسن وجت، الباشا جاعد هنا براحته ولا هامه وعربيته جاعدة في اخر الدنيا تحت الكبري

القى حسين بنظرة نحو السيارة ذات الحمل الثقيل بأجولة الدقيق الفاخر، ليستاَئل بتوجس:

– جصدك ايه؟ مش فاهم.

انفعل مالك في مخاطبته:

– يا جدع افهم، اللي قاعد قدامك دا اللي واكل حق ابويا في بيته، دا اللي منع ملايين كنا مستنينها وهترفعنا لفوق،

واكمل بحقد:

– دا اللي واخد حظه وحظنا كلنا، ومخلي الجميع يكرهنا حبا فيه.

– ااااه

تمتم بها حسين يحرك رأسه بتفهم:

– قولتلي بقى، هو دا حجازي اخوك اللي خد ورثكم ف البيت، طب انت جايبني هنا عشان اتفرج عليه يعني، خلاص يا سيدي عرفته .

– يا جدع متبقاش غبي وافهم، انا جايبك هنا عشان نويت انفذ اللي بخطط فيه بقالي ايام، دي انسب فرصة عشان اخلص.

سمع منه تبرق عينيه بتفهم سريع لمقصده، والذي طالما ايده عليه سابقا اثناء حديثهم، لكنه تفاجأ الاَن من جديته،

– مالك…. انت واخد بالك م اللي بتجوله، خلي بالك يا حبيبي دا مفيهوش هزار والغلطة هنا بفورة.

قالها بتحذير علٌه يتراجع، ليفاجأه الاَخر بتصميمه مشددًا بكلماته:

– بجولك دي فرصتي عشان انهي الكابوس ده، وبدل ما هو يورثنا في حياتنا نورثه احنا في مماته، عايزك بس تبجى ضهري وتراجب، فاهمني.

ذهب لتنفيذ ما عزم عليه بعدما اخذ الامان من صاحبه في تغطية ظهره، والذي فضل دخول المقهى يجاور الاثنان على طاولة اخرى، حتى لا يثير الشك بوقفته ف الخلاء وحده، يتعامل بطبيعية معتمدًا على عدم معرفتهم به، ليطلب من العامل كوب شاي يلهي نفسه بارتشافه، وابصاره لا تفارق جلسة الاثنان وضحكاتهم المستمرة حتى توقفت فجأة مع دلوف شخصان ليقتربا منهما ويشاركا الجلسا معهما،

انتبه حسين على لمحة التوتر التي اعتلت معالم المقصود، حتى استشعر مساعده الحرج، فقام بالاستئذان للذهاب نحو المرحاض، وتركه في التعامل معهما وحده.

تشتت حسين ما بين مراقبة المساعد الذي ذهب الى المرحاض وبين متابعة هذا الذي احتد في نقاشه مع الشابين حتى وصلت أصواتهم اليه:

– جولت لا وكفاية يا سند، انا غلطت لما تبعتكم من الاول ، لكن لحد كدة وكفاية، جدي اللي يباركله اتعامل بحسن نية، وانا مش جادر استحملها دي ولا استحمل حقد ابويا واخواتي عليا.

– يعني ايه؟ انت واعي للي بتهلفط فيه؟ دا احنا مصدجنا خلاص، عايز تجلب الطرابيزة علينا واحنا خلاص على وشك، ارسى على حيلك يا حجازي، انت عارف من الاول ان ابوك هيطردك من البيت بمجرد ما جدك يرحل ، هيستولى ع البيت ويمنع عن خواته نصيبهم، اهدي يا حبيبي وفكر في اللي جاي والخير اللي مستانينا،

– اسمع كلامك واد عمتك يا حجازي وبلاش غشم يخسرك اللي وراك واللي جدامك.

– ما انا كدة برضك خسران يا عم عيسى، ولا انتوا فكركم ابويا هيسكت لما يظهر المستخبي ويعرف اللي فيها ، دا مش بعيد ينفذ تهديده ويطخني صح جدام الخلج.

– ومين هيعرفوا؟ احنا زي ما كتمنا في الأول هنكمل للاخر، بعد كدة بجى تجدر اللي انت عايزه، ترجعله البيت ، تعطيه مما انعم عليك الله، تعمل انت عايزه، المهم تبجى خدت حجك واحنا خدنا حجنا.

استمر النقاش لدقائق، وهذا يتصنت بتركيز شديد

ينتابه الفضول بشدة لمعرفة الباقي السر الخفي وراء حديثهم، ولكن الحديث انتهى فجأة ونهض الثلاثة تزامنا مع خروج المساعد من المرحاض، ليخرج اربعتهم، ثم تفرقا كل اثنان في اتجاه،

تبعهم في الخروج وابصاره مصوبة نحوهم، حتى دلفا حجازي ومساعده للسيارة فتذكر هو امر صديقه، ليبحث بعيناه يريد اخباره بالجديد، حتى ظهر اخيرا بعد ان كان متخفيا بركن ما، ليتقدم نحو بضحكة ملأ فمه جعلته يتوجس سائلًا باقتضاب:

– نفذت يا مالك؟

رد بثقة لا تشوبها اي ذرة من ندم:

– طبعا ودي فيها هزار، خلينا ننهي يا عم الحج، وكل واحد يا خد حقه))

– معناوته ايه كلامك ده؟

صاح بها فايز يجفله ، ليقطع سيل ذكرياته ويستدرك الاَن خطورة ما تفوه به امامه وامام سليمة التي أغمضت عينيها بألم تذرف الدموع بصمت وقد تأكدت الاَن من صدق حدسها، ليعود مؤكدًا هو:

– انا بجول الحجيحة اللي انتوا طلبتوا تعرفوها، مالك هو اللي جطع فرامل العربية…

– وكمان بتأكد الله يخرب بيت ابوك

صرخ بها لينقض عليه يقبض على ياقتي قميصه، يردد بصدمة وعدم استيعاب، وكأنه ينوي الفتك به؟

– انت أكيد بتكدب ياد؟ ولدي لا يمكن يكون السبب في موت اخوه ، انا هموتك يا بن ال……

كان يهدر به بهياج وعدم تقبل، يضغط بقبضتيه على عنقه حتى كاد ان يخنقه، لولا سليمة التي كانت تجذبه بقوه حتى ابعدته عنه، لتدفعه عن الفتى حتى سقط منهارًا على الأرض:

– خلاص يا فايز سيبه في حاله…….. سيبه واترحم ع المرحوم……. مش هيألف من مخه هو.

بصوت مختنق وبؤس ارتسم جليًا على ملامحه، خاطبها بتساؤل:

– يعني انتي مصدجه كلامه دا يا سليمة؟ ولدي انا يجتل اخوه؟

ظلت لبعض الوقت تطالعه صامتة، تتركه يستنبط الاجابة من نفسه، ويتذكر حماقاته، والأفعال العدائية نحو ابنه الأكبر، ليحصد الاَن نتاج غبائه، ويحترق بنيران الاثنان معاً بخسارتهما، وقد ثبت الاَن انه هو المتسبب في كل ما حدث بين الشقيقان، حتى عض الانامل لن تحدي نفعًا في ندمه.

اطرق بحزن قسم ظهره، لا يقوى على رفع رأسهِ في وجه ابنة عمه التي ظلمها واحرق الاخضر واليابس لها، البغض والكره هو اقل ما يستحقه الان منها.

– هات يدك يا فايز.

ارتفعت ابصاره إليها والى يدها الممدودة اليه، عالية الهامة، قوية كالجبل تقف امامه، وتصعقه بالمبادرة بمساعدته حتى برغم ما علمته الاَن.

– لا يا بت عمي، انا اجدر اجوم.

قالها ثم استند بكفيه، لينهض عن الأرض بصعوبة ولكنه اهتز في وقفته ليجد يداها تتلقف ذراعه،

– براحة على نفسك يا فايز.

التقت عينيه بخاصتيها يجتاحه خزي عظيم، ليجاهد ضعفه ويستقيم بوقفته ثم ينزع يدها بلطف يكفيه ذلًا وخسة، انه لم يترك لها شيئا واحد يشفع له!

كان ينوي الخروج ولملمة الباقي من كرامته ولكنه توقف على سؤالها لهذا المدعو حسين:

– انت جولت عن حاجة واحدة، دلوك انا عايزة اعرف التانية، ايه اللي خلاك تتهجم على بيتي؟

اجابها بتجهم:

– انا لما جيتلك مكنتش لوحدي كان هو تحت مستنيني اطلع واديله الامان، عشان يطلع بعدي ويفتش في حاجة جده، ويطلع ورق البيت، بس انتي فاكرة طبعا حصل ايه؟

قال الأخيرة بإشارة نحو قدمه التي يعرج منها حتى الاَن، لتومئ برأسها له زافرة دفعة ثقيلة من انفاس مشحونة بغضبها، وقد صدق ظنها للمرة الثانية، ليومض عقلها بتذكر سريع:

– حاجة تاني عايزة أسألك فيها، وياريت تجاوب من غير ملاوعة لو كنت تعرف، عمي عبد المعطي جد مالك، عرف كيف بجريمة حفيده رغم انه كان في غيبوبة.

توقفت صامتًا لحظات حتى ظنت بعدم معرفته، ثم ما لبث ان يجيبها:

– اللي اعرفه ان الله يرحمه مالك كذا مرة يروح يتكلم معاه ويأنبه على عملته، وانه كان السبب في كل اللي وصلوا ليه، هو و………….

توقف برهة يراقب رد فعل فايز، قبل ان يكمل بتردد:

– هو ووالده، كان دايمًا ساخط على كل فعل منه، مالك كان طول الوجت جواه نار بتغلي.

عودة الى القاهرة وبداخل المشفى

حيث غرفة مشمش والتي تفاجأت بزيارة الثلاثة لها:

– يا أهلا يا ست ورد انتي والقمرات اللي جم معاكي، تعبتوا نفسكم ليه بس؟

تفوهت بالكلمات مرحبة بهن وامتنانها لزيارتها بباقة الزهور التي أتين بها اليها، رغم قلقها لحال ورد وهذا الحزن الذي يكسو قسماتها، والتي ردت بابتسامة اغتصبتها بصعوبة:

– مفيش تعب يا مشمش، انت بنت حلال ودي حاجة بسيطة متستهلش.

اضافت على قولها روح:

– دا انتي تستاهلي الدنيا وما فيها يا مشمش بعد العمل البطولي اللي جومتي بيه، مش بس شوية زهور ريحتهم حلوة.

تدخلت نادية هي الأخرى تدلي بدلوها:

– لسة يا مشمش مكافأتك الحجيجة هتاخديها من جوزي، غازي بيه، كبير عيلته والبلد كلها، دي علاوة بسيوني عندي ولا غلاوة عياله حتى.

تمتمت بارتياب:

– ربنا يديم الود ما بينكم يارب، بس هي ليه الست ورد شكلها زعلان؟ ولا يكونش بسيوني تعبان؟ انا خدت بالي من ساعة زارني هنا الصبح، وشه قلب فجأة وخرج من غير ما يكلمني.

شاركت نادية مع روح التطلع اليها بازبهلال ودهشة، لتجيبها ورد وقد اعتادت على طريقتها:

– لا اطمني يا ورد، اخويا زين والحمد لله، انا اللي دماغي مصدعة بس شوية كدة

– الف سلامة عليكي يا قلبي

عقبت نادية على قولها:

– شكلك حنينية جوي يا مشمش، مش بس جدعة، احنا حبناكي جوي والله

– والله وانا دا كمان حبيت بلدكم من غير ما اشوفها

ضحكت روح تعقب بمرح على كلماتها:

– ان شاء الله تشوفيها يا مشمش وتيجي تنوريني، ومين عارف يمكن تبجى منينا

حاولت كبح ابتسامتها وقد فهمت المغزى من خلف كلماتها، لتقول بتضرع :

– ربنا يسمع منك يارب، فعلا مفيش حاجة بعيد عن ربنا.

❈-❈-❈

وفي الخارج، كان الحديث متواصلا بين الاثنان:

– شوف يا عمنا بقى، انا مش هقدر اصبر اكتر من كدة، ياريت تتصرفوا وتلاقولي حل، ابن عمك حاطط ايده في المية الباردة وانا قلبي مولع نار.

– لا إله إلا الله

تمتم بها عارف ليستأنف بحنق:

– انت مجنون يا يوسف؟ عايز نضغط على بسيوني والراجل لسة مستوعبش اساسًا جوازك من اخته.

أكمل متشدقًا، يخرج مكنون ما يجيش بصدره:

– ما هي دي بقى اللي مخلياني مُصر على رأيي، قلبته عليا ساعة ما شرحتله الوضع عملالي قلق، انا خايف ليحجزها عني ولا يرفض جوازي منها، اقسم بالله ما هقدر، انا بيتي مكنتش بدخله غير ع النوم او الأكل، دلوقتي ما بصدق اخلص شغل عشان اجري عليه عشان ابقى قربها، حتى وهي بتقفل عليها الباب جوا اوضتها وتنشغل عني بمذاكرتها، بتحايل انا بأي حاجة عشان ادخل واطل عليها، طعم الاكل لما تشاركني فيه بينزل معدتي اطعم من الشهد، طلت الصبح لوشها، بتخليني ابدأ اليوم بقلب منشرح للحياة، نفسها في البيت بس معايا اجمل من أي شيء في الدنيا.

تبسم عارف ليعقب بمشاكسة رغم تأثره:

– دا انت طلعت واجع فيها يا جزين، بجى كل ده تعمله فيك اخت بسيوني؟ طب دي تاجي ايه في اللي تعرفهم؟

رد بجرأة يزيد من اندهاش الاخر:

– دي أجمل من كل اللي اعرفهم، وتقدر تقولها بكل تأكيد، انا فعلا واقع فيها…….

توقف برهة ثم ما لبث ان يعود لجنونه:

– يبقى تلموني بقى وتخلصوا موضوع جوازي منها ، يا اعملكم مصيبة انا على اخري.

انفجر عارف ضاحكًا ليضرب كفًا بالآخر مرددًا بياس:

– مفيش فايدة فيك يا يوسف

كان على وشك ان يرد عليه حتى انتبه لعودتهن، انتفض على الفور ليتحرك من جواره مستئذنًا:

– عن اذنك هروح اشوف عملوا ايه؟

قالها وذهب سريعًا ليتلقفها ممسكًا بيدها، ويسحبها ليبتعد بها عنهما، امام دهشة الاثنتان، وذهول عارف الذي غمغم ضاحكًا وهو يتحرك ذاهبًا اليهما:

– الله يخرب عجلك يا يوسف، دي كانها البت لحست عجلك صح.

تسائلت زوجته فور ان اقترب منهما:

– هو سحبها يروح بيها على فين؟

رد وهو يتناول كفها ليجلسها:

– يا ستي احنا مالنا، مش مرته، يمكن لما يتمشى بيها تفك شوية.

بعدما اتخذت نادية مقعدها بجوار زوجته، سالته بلهفة:

– غازي فين؟ لسة مجاش برضوا؟

– لا غازي لساتوا جوا في الأوضة مع بسيوني بيحضر التحقيق، ما انت عارفة كل حاجة كانت على يده

– عارفة طبعًا، ربنا يجيب العواقب سليمة.

رددت بها وشيء ما يقبض على صدرها بقلق

❈-❈-❈

ساحبني ورايح بيا على فين يا يوسف؟ مينفعش كدة

تمتمت بحنق وهي تجده يدخل بها مرحاض السيدات، رغم تحذيرها له، ليواصل غير مكترثًا:

– محدش له دعوة، انا داخل مع مراتي

وقبل ان تواصل اعتراضها، تفاجأت به يقربها من المغسلة، ليفتح الصنبور، ملتقطًا حفنة صغير من المياه، نفضها سريعًا قبل ان تحط كفه المبللة على بشرة وجهها، معلقًا امام دهشتها:

– انا قولت اغسلك وشك، لعله تبطلي عياط وترحميني

ظلت على ازبهلالها مستسلمة حتى تناول مجموعة من المحارم الورقية، يجفف البلل بخفة، ثم توقف يتمعن النظر بها قائلًا:

– عيونك دبلت يا حبيبتي، حرام عليكي.

اربكها، شتتها، بعثرها، تبًا انها لا تجد وصفًا لما تشعر به الاَن معه، كيف له ان يخرجها من حالة الحزن الشديد الى امر اخر لا تعلم مسمًا له، تحمحمت باستدراك، لتسبل اهدابها عنه باضطراب قائلة بتهرب من هذا الشيء الذي يعصف بكيانها:

– ممماشي، ع العموم انا بطلت بكا اصلا، ياللا بجى خلينا نطلع.

همت أن تتحرك ولكنه اوقفها ممسكا مرفقها، مخاطبًا لها :

– ورد انا مش عايزك تخافي ولا تقلقي، انا جنبك ولا يمكن هتخلى عنك، حتى لو اخوكي زود في عناده ومتقبلش فكرة جوازنا من اصله.

لامست الصدق جليًا في نبرته، حتى خرج ردها دون تفكير او حساب:

– افهم من كدة انك ناوي تكمل جوزانا صح زي ما جولت، هو انت ناوي على كدة فعلا.

انتصب في وقفته، يأسر انتباهها الكامل له:

– وتفتكري لما قولتهالك كنت بهزر؟ لا يا ورد، انا جوازي منك ملهوش اي دعوة بأي ظرف، دا جواز على سنة الله ورسوله، وبكرة اتمم كل حاجة واديكي حقك من شبكة تليق بيكي وفرح يسمع في الدنيا كلها، انا صابر ومستني عليكي، لحد ما تاخدي فرحتك كاملة كعروس .

تجمدت تنظر اليه صامتة، وقد داعب بكلماته خيالها البريء، يذكرها بفرح لطالما تمنته وتخلت عن الحلم به من وقت غيبوبة شقيقها، اما الاَن وقد استفاق، هل يا ترى سيتحقق هذا الحلم ، ام سيؤد في مهده؟

– ساكتة ليه يا ورد، شكلك كدة سرحتي مني.

كان يتحدث بصوت متحشرج لفرط ما يشعر به، يلامس بأصابعه على بشرتها بحنو جعلها ترخي دفاعتها، غير قادرة على صده.

– جوازي منك حاجة كبيرة اوي عندي يا ورد، يمكن انتي تكوني شايفاه عمل انساني، عشان القدر رتبها كدة، لكن انا بقى كنت ناوي على كدة من البداية، فاهماني يا ورد .

يريد إجابة واضحة منها وكيف تفعل وقربه الشديد منها يزيدها اضطربًا وتوتر:

– ايه بيحصل هنا؟

شهقت تستفيق من حالتها، لتلتف نحو المرأة الغريبة التي كانت واقفة تطالعهم بنظرات يملأها الشك، وقبل ان تنبت شفاهاها بتبرير مقنع، فجأها كالعادة بأن ضمه اليه من كتفيها يرد بعدم اكتراث:

– يعني انت شايفانا بنعمل ايه؟ مراتي وكنت بغسل لها وشها، فيها حاجة دي؟

وجمت المرأة لرده الغريب، اما هي فقد برقت عينيها اليه، حينما باغتها بقبلة على وجنتها بتملك مردفًا ببساطة:

– ولا ايه يا قلبي؟

❈-❈-❈

خرج اليهم اخيرًا، برفقة رجل التحقيق الذي انهى معاه الحديث مغادرًا ليعود هو اليهما، فكانت هي اول من نهض اليه يتلقفه:

– اخيرًا خلصتوا يا غازي، تلت ساعات في التحقيق مع الراجل، دا زمانه فرهد معاكم.

ضمها اليه بلطف قبل ان ينضم في جلسته معهم قائلًا:

– دلوك يرتاح على كيفه، مدام خلصت مهمته اخيرًا.

كان يتحدث بإرهاق شديد يتخلل نبرته، ليعلق عارف بفراسة:

– واضح ان انت كمان تعبان وعايز ترتاح، هو لدرجادي التحقيق كان صعب؟

اوما بجفنيه، يزفر دفعة كثيفة من الهواء المحبوس في صدره، قائلًا بثقل الكلمات على لسانه:

– صعب ولا تجيل، حمد لله انه في الاخر خلصنا، عشان اللي غلط ياخد حسابه، واللي فارق، ربما يتولاه برحمته.

– جصدك مين باللي ربنا يتولاه؟

سألته بتوجس شعر به، ليطالعها صامتًا لبعض الوقت ثم ما لبث ان يرد بشرود:

– الواد معتز مجاش معانا ليه صح؟

جاءه الرد من شقيقته:

– اسم الله يا خوي، انت ناسي ان عزب رفض انه ياجي معانا المستشفى وفضل انه يروح يزور بيه الجماعة جرايبه.

– ايوة صح.

تمتم بها بتذكر يحرك رأسه، لتعلق زوجته بارتياب:

– غازي هو انت سمعت ايه بالظبط جوا؟ حاساك متبرجل ومش بطبيعتك.

رمقها صامتًا بنظرة زادت من حيرتها وعقله يسبح فيما سمعه منذ قليل، من حقائق تكشفت اخيرا بالصدفة على يد رفيقه، في المواجهة التي شهدها بنفسه قبل ان ينال نصيبه من الأذى هو الاخر.

قبل قليل .

في غرفة بسيوني والذي جالسًا بجذعه، يجيب على الأسئلة الروتينية من المحقق الذي كان يسأله بدقة ليكشف حقيقة ما حدث:

– ها يا بسيوني، هتقدر تحكي باللي شوفته ولا نأجل ليوم تاني .

رد الاخير بحسم ينقل بابصاره نحو رئيسه غازي الدهشان والذي فضل الا يسمع منه المرة السابقة حينما الح عليه ، ولكنه رفض حتى لا يرهقه، وليعرف منه الحقيقة الاَن بعدما حان اخيرًا وقتها:

– انا رايج والحمد لله، واجدر احكي دلوك بكل اللي شوفته بعيني، وسمعته بوداني.

– تمام يا بطل، احكي بقى.

قالها محقق الشرطة، لينطلق بسيوني، يسرد ما حدث، بكل صدق وامانة……..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى