روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل الثالث عشر 13 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء الثالث عشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت الثالث عشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة الثالثة عشر

كالعادة وفي كل يوم خميس، تجهزت على الميعاد، لترتدي عباءتها السوداء ثم تناولت سلة المخبوزات التي اعدتها منذ الأمس لتهبط الدرج من الطابق الثاني إلى الأول،
ولكن وقبل ان تحط قدميها على الأرض جبدًا وصلها الصوت المتحشرج عن قرب، لتفاجأ به بجوار والدته في الصالة الداخلية، جالسًا بجذعه على الأريكة الخشبية، يحيط رأسه بكفيه، ويغطي نصف جسده بغطاء ثقيل وكأنه…….
– انت نمت هنا يا فايز؟
صدر منها السؤال بما تفكر به ، لينتبه لها مع سكينة التي تكفلت هي بالرد:
– ايوة يا بنتي، امبارح كان راسه تعباه جوي وانا اللي دجيت عليه يبيت هنا، خوفت ليمجدرش يكمل للبيت هناك ولا يوقع في الطريق.
كانت الكلمات تخرج منها بنبرة اسفة وكأنها تخشى غضبها، حتى شعرت سليمة بالحرج لتعقب ملطفة لها:
– انا مجولتش حاجة يا مرة عمي، انا بس اتفاجات انه….
يبيت هنا ويسيب اهل بيته هناك لحالهم….
– مش جاعدين لحالهم يا سليمة
قالها فايز لترتفع رأسه اليها مستطردًا :
– خوات شربات لسة بيبتوا معاها ومش سبينها، على ما تهدى شوية وترد لعجلها، يمكن تبطل عمايلها، اطمني يا بت عمي انا مش جاي ارمي بلايا عليكي زي كل مرة،
برغم كل ما حدث وما لاقت منه، الا ان رؤيته بهذا الانكسار بالفعل يؤلمها، ولكنها ايضًا لن يفوتها السؤال الملح:
– طب وبناتك يا فايز، هتسيبهم ومرتك بالحالة دي اللي بتجول عليها؟
ردد خلفها بما يشبه العتاب:
– دول عرضي يا سليمة اسيبهم كيف؟ اسيبهم كيف وهما الحبل اللي ربطني بامهم دلوك، يعني مهما شوفت منيها مجدرش افوتها عشانهم، دول هما اللي باجينلي في الدنيا.
تأثرت سليمة بالمرارة التي تنبع مع حرف يخرج منه، حتى عبرت له عن تضامنها بالدعاء:
– ربنا يخليهمولك، وتلاجي العوض فيهم.
اومأ يطرق رأسه ويعود لحالته الأولى، لتمسك سكينة دفة الحديث معها، بسجيتها المعهودة:
– انا كنت جايمة اعمله كوباية شاي عشان رأسه المصدعة، تجعدي تشربي معانا؟ ولا نعمل فطار ونفطر مع بعضينا احسن .
تبسمت سليمة لعفوية المرأة، لتتحلى بالزوق ف الرد لها، حتى تتحاشى ان تخذلها:
– افطروا انتوا بالهنا يا مرة عمي، انا ماشية اصلا للمدافن، دا ميعادي في زيارة المرحوم، عن اذنكم.
قالتها لتتحرك على الفور ذاهبة، وتتمم سكينة من خلفها بأسى
– اذنك معاكي يا بنتي، تعيشي وتفتكري يا حبة جلبي.
قالتها ثم انتبهت على ابنها الذي تجمد في متابعتها وهي تذهب، وحسرة ارتسمت على ملامحه الجامدة، تشطر قلبها المعذب بالحزن عليه وما جناه بفعله
.
❈-❈-❈
هل طالت الايام ولم يشعر هو بها لقربها منه؟ تبا، انه لم يمر سوى اسبوعين منذ زواجه الصوري منها، ولكن قلبه المعذب يتألم لألمها، جزعها على شقيقها الذي طالت غيبوبته لتقارب الشهر ، تجعلها زهرة ذابلة امامه، لولا انه يجبرها بإلحاحه على مشاركته الطعام لما وضعته بفمها ابدا، كيف السبيل ليجعلها تفرح؟
زفر قانطًا في محاولة منه لمخاطبتها:
– عاملة ايه في كليتك الجديدة؟ قدرتي تندمجي ولا لسة برضوا مش قادرة تسايري الجو الجديد؟
سألها ليفك جمودها قليلًا، حتى يسمع صوتها الذي يفتقده برغم وجودها معه في منزل واحد فكانت اجابتها كالعادة باقتضاب، تومئ بهز خفيفية من رأسها:
– حمد لله، تمام ، الزملا هناك محترمين، واكيد مع الوجت ان شاء الله هصاحب واندمج.
– ان شاء الله أكيد، انتي بس اضغطي على نفسك
شوية في مرافقة نانسي، على ما تاخدي ع الدنيا هنا وتتعودي، وبعدها اقلبيها براحتك ولا تعبريها حتى.
تبسمت بخفة لدعابته المقصودة عن ابنة خالته، لتهديه نظرة ممتنة قبل ان تعود لطعامها، الذي تتناوله بدون شهية كالعادة.
وتطلع هو اليها بنظرة حانية، على قدر ما تحمل داخلها من عشق مدفون، لم يتمكن حتى الاَن من البوح به، على قدر ما تحمل من شفقة تؤلمه لهذه الحالة التي هي مازالت بها، ولا تمكنها من التعايش او المضي قدمًا في
طريقها، أو العودة لشخصيتها الأولى التي عرفها بها، المشاكسة المرحة، يشتاق بشدة لهذه الايام، وهذه المواقف التي جمعهتما قبل ذلك، في احب الأماكن على قلبه، ولكن ما عليه الاَن سوى الصبر
امتدت كفه فجأة لتعانق كف يدها الصغيرة، ليخطف انتباهها نحوه، مخاطبًا لها:
– انا عايزك تتأكدى اننا مش ساكتين، غازي كل يوم معايا ، لحظة بلحظة يتابع الجديد، عمرنا ما هنسكت عن حق اخوكي..
رمقته بنظرة لن ينساها ابدا، وكأنها تعبت ولم تعد بها طاقة للتحمل:
– انا مش عايزة حق، انا عايزاه هو نفسه ، هو يجوم ويجيب كل حاجة، حتى لو مجابش ، كفاية يجوم وياخذني فى حضنه .
هتفت بالاخيرة، تبغي نزع يدها من قبضته كي تهرب بدموعها بعيدا عنه، ولكنه كان الأسرع ليجذبها فجأة بقوة، فيضمها اليه مشددًا بذراعيه عليها، يتلقى نشيج بكائها على صدره، وسيل الدموع اغرق قميص حلته، ظلت على هذه الحالة لمدة من الزمن،
يربت على ظهرها بحنو، وكفه الأخرى تمسح على حجاب رأسها الذي لم تخلعه ابدا في حضرته، وهو لم ينبهها او ينهرها على ذلك، رغم عذابه لكل شيء يشتاق اليه منها، ولكنه لن يضعط او يذكرها بصفته كزوج، يكفيها ما تعانيه، وهي صغيرة وبريئة لا تعي لأي شيء مما يدور برأسه المنحرف.
حينما هدأت اخيرًا رفعت وجهها اليه، فتقابلت عسليتها بخاصتيه، تحدث يمسح بإبهامه اثر الدموع على وجنتيها؛
– الجميل هدي خلاص ولا لسة بقى هتشغلي حنفية الدموع من تاني، بالمرة ياللا قبل ما اغير القميص اللي غرفتيه.
قال الأخيرة يجذبها بلطف اليه مرة أخرى حتى ضحكت لطرافته تلهب قلبه بروعة الملامح الباكية حينما تحولت للضحك فجأة، حتى لم يقوى على كبت شعوره ليقربها إليه دون سابق إنذار، طابعًا قبلة متطلبة على جبهتها، جعلتها تطالعه مبهوته، لتركض بعد ذلك من امامه دون استئذان
ليغمغم ناظرا في أثرها محدثًا نفسه بلوم وبؤس:
– دي بوسة بريئة ع القورة! امال لو نزلت ودوقت العسل من الشفايف كنتي عملتي إيه؟…… طب يمكن طولت شوية؟!
❈-❈-❈
وصلت بما تحمله على الصنية الفضية الكبيرة، لتهتف بالاطفال بمرح:
– الحلو وصل يا ولاد
– والله دا انتي اللي ما في احلى منك.
تمتم بها غازي قبل ان يعود لمتابعة مكالمته الهاتفية، من داخل الشرفة الواقف بها، وعيناه تتابعها بعشق وهي توزع الحلوى على اطفاله بحنانها ورقتها ف التعامل معهن، تسر القلب والعين بحق.
– الووو يا غازي بيه، انت سامعني ولا لأ؟
انتفض من شروده على صوت من يحدثه عبر الاثير في الناحية الأخرى، ليتحمحم مجليًا حلقه، يستعيد اتزانه في الرد عليه:
– ايوة سامعك متجلجش، كمل…
صمت غازي يسمع لبقية الحديث من الرجل ، حتى اذا انتهى اصدر امره:
– برافو عليك، كمل واياك عنيك تغفل….. وبلغني كل
لحظة بالجديد،
– امرك يا غازي بيه
ختم بها الرجل قبل ان ينهي معه المكالمة، ليعود الى الداخل ويتخذ مقعده وسط الأطفال، يخاطبهم وابصاره اتجهت نحوها وقد جلست أمامه تشاهد التلفاز ، بعدما انتهت من توزيع الأطباق عليهم.
– ايه يا ولاد عجبتكم المهلبية
هللت ايه بلهفة كعادتها:
– فظيعة يا بابا فظيعة، تجنن تسلم ايدك يا خالتي نادية
قهقه غازي للهفة صغيرته، ومبالغتها التي تثير الطرافة لديه احيانا، لتعقب هي بابتسامة متوسعة في الرد للصغيرة:.
– تسلمي يا حبيبتي من كل شر، متضحكش عليها يا غازي، اية دي بالذات معزتها ف جلبي اضعاف، كفاية انها شبه روح، وجلبها زي البفتة البيضة.
اومأ غازي مصدقًا على قولها مع فرحة اية بالغزل، ليتجه بأبصاره نحو معتز وأصغر بناته دنيا، يلمس تفاهمًا بينهما وكأنهما شقيقان من نفس الأب والأم ، انتقل منهما نحو النغمة الشاردة عن الجميع, ابنته الوسطى، وهي تتناول من طبقها وتشاهد التلفاز بعدم اكتراث، ليخاطبها مشاكسًا علّه يجد منها استجابة:
– وانتي يا شروق ، متعرفيش شكرا زي ايه اختك يا بابا.
اعوجت شفتها بعدم رضا، تلتف نحو زوجته بابتسامة صفراء :
– شكرا .
– شكرا .
ردد بها من خلفها ليغمغم بيأس:
– مفيش فايدة،
اما نادية فقد تبسمت لها بصفاء نية تناكف زوجها:
– يا ختي ع الادب والزوق، ملكش دعوة بيها يا غازي، شروق دي عسل حتى لو متكلمتش.
– خلاص اطلع منها انا يا بوي، كان لازم اعرف من الاول، دخلة الراجل مكروهة بين اي اتنين ستات، ياما احنا غلابة يا رجالة.
عقب بها بدرامية أثارت الضحك لدى الأطفال وهي ايضًا وقد حتى أصبحت تقهقه بصوتها الناعم، وتحولت لون الوجنتين للحمرة المحببة من فرط ضحكاتها لتأسر عينيه بالنظر اليها، وقد تحسن مزاجها هذه الأيام، ليكتشف مع الوقت روحها المرحة ودلال الانثي ومكرها حينما تريد منه شيئًا، فيذعن بالاستجابة لها مضطرا، وبكل نفس راضية
اجفل فجأة يناظرها بقلق، بعدما نهضت راكضة من أمامهم نحو المرحاض، بفعل يعرفه تماما، نتيجة اعراض الحمل الغبية، والتي دائمًا ما تفقده لذة اللحظات معها:
سألته اية ؟
– مالها خالتو نادية؟ هي تعبانة؟
– لا يا بابا متجلجيش، هي بس لما تضحك بتدوخ
كان رد غازي لصغيرته قبل ان يصعق بتخمين الوسطى:
– لتكون حامل؟!
برقت عينيه بعدم استيعاب ينهرها:
– ايه اللي بتجوليه دا يا شروق؟ اش عرفك انتي بالكلام ده،
ردت ببساطة:
– ما هي ماما دايما بتسألني، مرة ابوكي حبلت ولا لاه؟ كل ما نروح من هنا تسألنا حتى اسأل اية؟
انتقل بعيناه نحو الأخيرة، ليجدها مطرقة رأسها بخجل، جعله يستنتج صحة قولها، فتغضنت ملامحه بضجر، متمتمًا داخله بالسباب نحو زوجته السابقة وقلة حياءها فى لفت نظر الصغيرات لهذا الشيء ، زفر ينهرها ببعض اللطف:
– غيب الكلام دا يا شروق ملكيش دعوة بيه، خليكي في طبقك ومتشغليش نفسك بأمور الكبار سمعاني؟
❈-❈-❈
لقد أتت، من تنتظرها منذ ساعات ، اخيرا اتت .
هذا ما حدثت به نفسها، وهي تنهض عن جلستها على نجيل الأرض الرطبة، لتركض نحو السيارة المقصودة، تلوح لمن بها:
– فتنة هانم، فتنة هانم .
اتت نتيجة تعبها حينما توقفت السيارة بجوارها، لتخرج لها الأخيرة رأسها من النافذة تخاطبها:
– عايزة ايه يا زفتة؟ كل الناس عرفت اسمي من نداكي
تبسمت لها بسماجة، ثم فتحت باب السيارة دون استئذان لتنضم بها، قائلة:
– كدة ع الواجف، طب دا ينفع؟
– لاه يا ختي احشري نفسك من غير استئذان.
تمتمت بها فتنة كرد لها، وامتقعت ملامح السائق في الامام ليزفر بصوت مكتوم، يستغفر ربه، ثم يخاطب سيدته:
– طب احنا كدة هنمشي يا فتنة هانم؟ ولا هنفضل واجفين في نص الطريج
تطوعت نفيسة تتملقه، قبل ان تنقل للأخرى:
– دجيجتين بس يا عم اسماعيل ونازلة مش هعوج، عاملة ايه يا ست الناس؟ وحشتني ايام العز في داركم ، امتى بجى ترجع تاني؟
ردت فتنة بابتسامة فاترة:
– زينة يا ختي وعال العال، اختصري يا نفيسة وجولي عايزة ايه؟ مش ناجصين عطلة
– عطلة دا ايه؟ دا الطريق طريقكم، هو في حد يقدر يتكلم……
زمجرت فتنة مقاطعة لها:
– اممم، اخلصي يا بت انا ورايا مشوار مهم.
اسرعت على الفور:.
– خلاص خلاص هتكلم على طول، عشان معطلكيش عن مشوارك، صراحة بجى انا عايزة رقم الست هانم بت عمك، روح
أجفلت فتنة ترفرف بأهدابها قليلًا بعدم استيعاب عبرت عنه:
– روح مين يا بت اللي عايزة نمرتها؟ مالك يا نفيسة انتي عجلك راح منك ولا ايه بس؟
قالتها بمغزى فهمته الأخرى على الفور، لتبرر مراعية انتباه السائق معهما:
– مراحش عجلي ولا حاجة، انا بس واجعة في عرضها، اصلي سمعت وشوفت بنفسي التجهيزات اللي بتعملها لمشروعها الكبير اللي عايزة تشغل فيه البنات، وانا عشمانة يبجالي نصيب من ضمنهم، حرام يعني يا ست فتنة؟
– لا يا ختي محرمش ولا حاجة بس انا اللي اعرفه هو انك شغالة في مزرعة عم…..
قعطت باستدراك تأكدت منه ، حينما طالعت المكر جليًا في عينيها، لتتبسم لها مقربة رأسها منها هامسة:
– عايزاه عشان اللي بالي صح؟
لم تجيبها بالكلام ، واستكفت بتعيير وجهها الذي اظهر الأجابة بكل وضوح، ليزداد مرح الأخرى فتسجيب لها بالقول:
– ماشي يا مضروبة الدم، هشفهولك مع واحدة من البنتة عيالي، وابعتهولك، ياللي بجى جومي خلصي، خليني اشوف مشواري، جومي
❈-❈-❈
– ها يا ست روح، عجبك المكتب ولا لاه؟
هتف بها، بعدمة أجلسها خلف مكتبها الجديد في المشروع الذي قارب على انتهاء التجهيزات به.
لتجيبه هي بابتسامة ممتنة وفرح يغمرها:
– عجبني بس؟ وه يا عارف، دا انا حاسة نفسي دلوك سيدة اعمال، بذمتك ما انفع ابجى سيدة اعمال او مجتمع؟
ختمت ضاحكة ليهلل هو متصنعًا الاستنكار:
– الله اكبر، انا جولت من الأول، هي دي البداية يا هانم، اولها مشروع وبعدها سيدة اعمال ومحد يعرف يكلمك بعد كدة، وشيل يا عارف….
اطلقت ضحكة دوت صاخبة في قلب الغرفة لتردد بمشاكسة:
– ومالوا ياسي عارف، اللي يسألك جولهم مرتي وبت عمي، محدش له دعوة بينا، واحد بيجلع مرته، فيها حاجة دي .
– فيها ضربة دم لما يصبغك، جومي يا بت ، جومي انا هاخد المكتب دا واتبرع بيه لعم سنوسي الجزار، اهو راجل غلبان، يريح عليه وهو بيتأمر ع البشر اللي بتشتري منه.
قالها واقترب يحاول رفعها عنه، وقد غرفت هي في نوبة من الضحك مندمجة معه:
– لاااا، دا انا مصدجت لجيته، انا دلوك بس هاخد وضعي واعصى الحريم على أجوازهم الظلمة.
– يعني هتعملي فيها رضوى الشربيني.
– وانا أجل منيها يعني؟
تمتمت بها ردًا له، ليعقب هو ببعض الجدية:
– لا طبعًا مش اجل منيها، بس احنا عايزين عمار ، انتي عايزة الستات يبجى ليها كيان ومصدر مالي، وانا عايزة اساعدك بحيث اننا نساعد الأسرة نفسها، ماشي يا ست روح.
تحولت للجدية هي الأخرى تجيبه:
– ما انا برضك دا غرضي، بس كمان دا مينعش ان اجف جمب الستات المقهورة ومش لاقية اللي يساعدها ولا يبجى سند…. زيك كدة يا عارف، انت سندي ربنا ما يحرمني منك.
حاول كبت ابتسامة سعيدة تأثرًا بما تفوهت به، ليشاكسها مداعبًا طرف انفها بإصباعيه:
– ليه يا ست الحسن؟ عايزة تجولي ان ماكنتيش لاجية السند مع اخوكي، كبير العيلة، دا برضوا كلام يا بت .
بكفها ابعدته يده عنها كابحة ابتسامتها، قبل ان تجيبه:
– لا طبعا مين يجدر يجول كدة؟….. الاخ سوى كان جوي ولا ضعيف يكفي انه يبجى حنين وحامي لاخته، لكن الراجل لما يبجى في ضهر مرته ، دي حاجة تانية خالص يا عمنا، واخدلي بالك انت .
– اممم
زام يفرد ظهره امامها منتفخ الصدر قائلًا:
– اخجلتم تواضعنا يا ست روح، مكنتش اعرف اني الصفات دي فيا.
ردت بصدق يقطر مع كل كلمة منها :
– انا عارفة انك واخدها هزار، بس انا بجولها من جلبي يا عارف، انت سندي وحظي الحلو، وربنا شاهد على صحة اللي بجولوا.
لم يعد هناك مجالا للعبث او الاستخفاف، مال بجسده ليطبع قبلة فوق جبهتها مرددًا:
– وانت تستاهلي يا جلب عارف،
❈-❈-❈
في ناحية أخرى
خرج عمر من غرفته بعد استيقاظه من غفوة القيلولة، ليبحث بعينيه عنها، وما أن هم بالنداء، حتى وقعت عينيه عليها ، جالسة في غرفة المعيشة وحدها، شاشة التلفاز مشتعلة أمامها ولا تعطي لها بالا، فقد كانت منشغلة بتصفح الهاتف وفمها متسع بالضحكات والابتسام من الاذن الى الاذن، وكأنه اختصت العبوس له وحده…..
– بتتكلمي مع مين بجى وبيضحك كدة.
رافق كلماته سحبه للهاتف منها ، لتنظر له مبهوته بعدم تصديق:
– بتخطف مني التليفون يا عمر، طب انا بتكلم مع صاحبتي، تجول عليا ايه دلوك؟
تأكد من صدق قولها ليجلس بعدم اكتراث قائلًا لها:
– تجولك اللي تجوله، مش هي دي برضك اللي كانت بتكلمك عني المرة فاتت وتجول عني كبير، ياللا في داهية تاخدها.
استفزها برده لتهتف به معبرة عن حنقها منه:
– هو ايه اللي في داهية؟ دي صاحبتي مش صاحبتك انت، ولا هو تحكم وبس…. اه.
خرج تأوهها الأخير تأثرا بقبضته التي حطت على شعرها من الخلف يضغط عليه بقوة هادرًا:
– وحسك كمان بجى يطلع، كل ده من اجارة الهنا اللي جعدتيها بيت ابوكي، لا يكون عينك زاغت كمان على واد خالتك اللي عايزك يا بت وانا مبجيتش مالي عينك،
– ااااه
صرخت بتوجع تتوسله:
– حرام عليك يا عمر، شعري هيتجلع في يدك ، حل يدك عني الله يخليك.
اشتدت كفه ليهم بزيادة الضغط، ولكنه تراجع على اخر لحظة ليدفع رأسها للأمام بعنف ويتركها، ثم قال بتحذير:
– لتكوني ظنيتي اني نسيت، لا يا ست هدير، انا صاحيلك زين جوي، حسك عينك تفتكريني هين وممكن افرطلك الحبل ترجعي لحبيب الجلب، اصحي يا بت دا انا عمر.
اومات برأسها بألم ثم خرج صوتها ببكاء:
– طب وانا كنت عملتلك ايه دلوك؟ دا كله عشان بكلم صاحبتي.
– بتضحكيلها وانا لا .
ود ان يقولها معبرًا عن حنقه لتجاهلها له، وتعاملها الجاف معه هذه الايام ، لكن كبرياءه منعه ان يتساهل معها، لينهض فجأة مستمرًا في تعنته:
– والله انا عرفتك بطبع جوزك وانت حرة، يا تكسبيني، يا تجيبي الشجاوة لنفسك.
❈-❈-❈
– مش ياللا بجى يا خالة، امي هتستعجلني
زفرت سليمة تغلق المصحف بعدما انتهت من قراءة القراءن به ، كما انهت توزيع جميع المخبوزات المحلاة على الأطفال، لتعطي اهتمامها الاَن لهذه الثرثارة والتي أتت لها بدلو الماء منذ قليل لتسقي به زرعة الصبار والنخلة الصغيرة التي زرعتها بجوار قبر الراحل، وتحرص على رعايتهما، ولكن لابد من تلبية الطلبات الغريبة من النساء.
– امك عايزة حتة من الصبارة كبيرة ولا صغيرة يا بت؟
ردت الصغيرة بحماس وهي تعطيها السكين الصغير كي تقطع لها به:
– عايزة حتتين يا خالة، اصلها عايزة تفطم اخويا الصغير .
– جوم تمرر حلقه عشان يكرهها خالص ، جلبها جامد امك دي والله
عقبت بها سليمة بابتسامة ساخرة وهي تقترب من الصبارة ثم تقطع لها قطعتين، تضعهم لها بحرص على ورقة سميكة:
– خلي بالك وانتي بتمسكيها، لا ينزل المرار على يدك انتي كمان متعرفيش تغسليه حتى بالصابون.
تناولتها منها الفتاة بحرص شديد تنفيذًا لتعليماتها، لتذهب على الفور نحو وجهتها، ونهضت سليمة هي ايضًا تبغي الرحيل، لكن وما ان شرعت بلملمة أشيائها حتى تفاجأت بالسكين الصغير لتتذكر الفتاة:
– استني يا بت.
صدر منها النداء قبل ان تستدرك لابتعاد الفتاة بمسافة ليست بقليلة ، همت لتعلو من صوتها ولكن شيئًا اخر لفت نظرها كان اكثر اهمية، شيئًا طويل بجسد هزيل، يعرج بقدمه…….
الا هنا ولم تشعر بنفسها وهي تتحرك على الفور، نحو الجهة التي يسير نحوها الفتى، بعد ان نهض من جوار قبر….. تبًا، انه قبر مالك، الذي بني حديثًا وعليه يا فطة باسمه وتاريخ الميلاد والوفاة زادت النيران بقلبها وعقلها كان كجمر ملتهب بالأفكار السوداء، تتبع هذا الفتى بهدوء شديد،.
تقترب، وتقترب بخطواتها ، حتى التقطت فرصتها فور ان توقف بجوار المسقى الخيري ، ليرتشف من ماءه، يطفئ عطشه، ثم اذا انتهى ليضع الكوب في محله، ليعرج بعدها بخطواته، ثم يلتف للناحية الأخرى، يتخذ الطريق نحو الخروح من المدفن، باغتته هى بحركة سريعة ، لتدفعه للخلف فيصطدم ظهره بالحائط الأسمنتي، وقبل ان يخرج صوته وجد نصل السكين الصغير فوق رقبته..
– انتي مين يا ولية؟
شهق مجفلًا مرددًا بها، ثم سرعان ما لاح على وجهه شيء اَخر علمته هي بفطنتها، لترفع كفها الحرة، تغطي نصف وجهه، فتتأكد من زوج الأعين التي أرقت منامها ليال طويلة، فتصرخ به الاَن:
– انت اللي اتهجمت عليا يا حرامي ، بأمارة العرج اللي في رجلك، واللي انا السبب فيه برضك. جاوب عن سؤالي وجولي دلوك انتي مين؟ ومين اللي كان باعتك ليا؟
ابتلع الفتى ريقه يردد باضطراب المفاجأة:
– مين اللي اتهجم ومين اللي زفت؟ انتي شكلك مرة مجنونة، واهلك طالجينك ف الشارع، بعدي عني……
زادت بضعطها تهدر بشراسة:
– انا دلوك اتأكدت ان مالك كان شريك، بس اللي عايزة اعرفة، كان ليه دور في جتل اخوه ولا لاه؟ وانت، كنت شريكه فيها دي ياض؟
ان كان ما سبق اليها هو مجموعة من الظنون، ف ان ما رأته الاَن على وجه هذا الغريب من شحوب حل على الفور، بأعين برقت بفزع، قبل ان يستعيد وعيه، فيدفعها بقسوة على الأرض الترابية، ويركض سريعًا بعرجه من امامها وكأنه يهرب الموت، كل ذلك جعلها توقن تمام اليقين، انه يملك جزءا كبيرا من الحقيقة، ان لم تكن بأكملها
❈-❈-❈
وعند مشمش
حيث كانت تؤدي عملها مع مريضها المفضل، رغم تعبها من المحاولات المتواصلة معه دون فائدة، انهت المطلوب منها في رعايته، ثم شرعت في تقليم اظافر يده، وما زال حديثها لا ينتهي معه:
– ظوافرك طولت اوي يا سي بسيوني، طبعًا، ما انت هتكمل الشهر دلوقتي وانت راقد على سريرك، اموت واعرف، عاجبك ايه في النومة دي؟ اختك كل يوم تبكي جمبك وتترجاك، وانا شرحها مخليتش حاجة معملتهاش معاك لاجل ما تجوم وتسمعني……… انا بدأت ازهق على فكرة وكدة مش حلو….. اه ما انت لو زودت في الرقدة هتضطر اوافق على الواد محروس، زميلي في المستشفى، والنعمة لو حصل يا بسيوني، وبعدها قومت، لاكون مطينة عيشتك، وابقى قول مجنونة براحتك بقى هه…..
كانت مندمجة في استرسالها، حتى غفلت لفترة من الوقت عن تحرك الأصابع معها، لتستدرك اخيرا باستجابته مع ضغط يدها…… لتتوقف بعدم تصديق تراقب ازداياد انتفاض الأصبع، لتصرخ مهللة:
– يا دين النبي، انت عملتها بجد ولا بتهزر؟ ياللهوي انت قومت صح يا بسيوني……
توقف فجأة لتصرخ به:
– نهارك اسود انت هترجع تاني ولا ايه؟ والنعمة ما يحصل، يا دكتور، حد يلحقنا بدكتور يا بنات ، بسرعة الله يخليكم..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى