روايات

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر

موقع كتابك في سطور

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الفصل العاشر 10 بقلم أمل نصر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الجزء العاشر

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) البارت العاشر

نسائم الروح (ميراث الندم 2)
نسائم الروح (ميراث الندم 2)

رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2) الحلقة العاشرة

داخل السيارة التي تقلهم للعودة الى البلدة، كان الحديث الملح بين الثلاثة لم يتوقف بعد ، وعارف يضرب كفًا بالآخر يردد بعدم تصديق:
– اقسم بالله انا لحد دلوك ما مستوعب.
– تاني يا عارف، شكلك هتفضل تلت في الحكيوة سنة قدام
قالها غازي باستهجان متأثرًا بإجهاد الأيام السابقة في السهر والقلق داخل المشفى، ليعقب على قوله الاَخر:
– ولتلاتة وأربعة كمان، انا لحد دلوك مش مستوعب عملة صاحبك المجنون، ولا مصدق كيف لف الموضوع لصالحه، وفي عز الظروف الصعبة دي، جاب الفكرة بسرعة تدهش، طب يعني دا شفقة ولا هي البت عجبته، ما هو مفيش حد يعمل كدة لله يا عمنا .
لم يجيبه غازي، فضل التكتم على ما يخص صاحبه، لتتدخل روح وتدلي بدلوها:
– بصراحة انا حاسه الموضوع اكبر من الإعجاب، يوسف كان مبيشلش عينه من عليها، تقريبًا كان بيجي مخصوص ويجعد اليوم كله معانا في المستشفى عشانها، مش عشان مجاملة لصاحبه وشريكه، زي ما كنت فاهمة في الاول، هو يعرفها من امتى يا غازي؟
أجفل لسؤالها المباشر، حتى وضح عليه الإرتباك في البداية، قبل ان يتحمحم مجليًا حلقه، يجيب بمرواغة:
– لااا هو يمكن شافها مرة ولا مرتين مع أخوها لما كان بينزل البلد، اصله كان مستجدع بسيوني جدا، وبيروح وياجي معاه كتير
– يا اارجل، يعني عايز تفهمنا ان الموضوع اصله جدعنة وبس.
تمتم بها عارف بنظرة تشكيك يوجهها بها، حتى استفزه، فهتف به موبخًا:
– وحتى لو مش كدة، انت مالك ياخي ما تخليك في السواجة وانت ساكت، عمال ترط وتفتح في المواضيع زي الحريم، ما تركز في اللي ف يدك.
رد عارف متصنعًا الحزن:
– اخص، بجى دي جزاتي ان شايل عنك ومتحمل تعب الطريق في السواقة لوحدي، عشان صعب عليا تعبك، صحيح المعروف ما ينفع ابدا مع واحد بينكر زيك .
عبس غازي بغيظ:
– طيب يا اخوي، اديك اتعلمت يعني متبجاش تعمله المعروف دا تانى مع ناس نكارة خير زيي، ابو شكلك ، عيل غلس، سرع شوية خلينا نوصل
– لا يسرع فين؟ هو انا ناجصة تعب با غازي
هتفت بها روح بنهي جعل زوجها يكف عن الابتسام ومناكفة غازي، ليعلق بقلق:
– اهو ده اللي كنت خايف منه، اكيد العيل اتأثر من السفر والوجفة، صح ولا لا يا ست روح،
– يعنى كنت هسيب البنية لحالها يا عارف وهي كانت زي اليتيمة وسطينا، اهي جات من عند ربنا ولجيت اللي يغنيها عن الجميع، سبحان الله، من جلب المحن، ربنا بيخلق اللطف لعباده.
– ونعم بالله.
تمتم بها الاثنان، ليرد عارف بلهجة متأسفه:
– ربنا يتم فضله عليها كمان ويفوق اخوها ، برضك دا سندها الأهم، حتى عشان تفرح.
ردد خلفه غازي بتضرع:
– اللهم امين يارب، اللهم امين
– خلاص احنا كدة اول ما نوصل ، نريح شوية وبعدها ع الدكتورة عدل، عشان نطمن ع الجنين.
قالها عارف لتضيف على قوله هي:
– بس نوصل يا عارف ان شاء الله، انا نفسي اطب سريري بس عشان انام، بجالنا يومين على اعصابنا
❈-❈-❈
دلف الى المنزل ، يحمل عددًا من الأكياس الممتلئة عن اخرها باحتياحات المطبخ الضرورية كالمعلبات
والفاكهة، الأطعمة الجاهزة والنصف جاهزة.
خطا سريعًا لثقل الحمل الذي يحمله، حتى وصل الى الطاولة بوسط المنزل ليضعه عليها، بحث بعينيه عنها لاهثًا يهتف مناديًا:
– ورد انتي فين؟
لم يكد يكمل سؤاله حتى تفاجأ بها جالسة بإحدى الاركان من الناحية الأخرى لصالة المنزل، رمقته بنظرة خاطفة، قبل ان تطرق برأسها مرة أخرى، رق قلبه لهيئتها الساكنة تلك، والمختلفة جذريًا عن طبيعتها، ف اقترب ليجلس مقابلها لها سائلَا باستغراب:
– انتي لسة قاعدة مكانك يا ورد ما تحركتيش، معقول؟ من وقت ما سيبتك وخرجت اوصل الجماعة، لساكي قاعدة ما تحركتيش من مطرحك؟
كانت تفرك بكفيها بتوتر يفضحه فعلها، لتجيبه بصوت بالكاد يخرج:
– يعني، ما انا كنت هروح فين؟ انا مقدرش اتحرك اساسا في اي مكان غريب عني.
امتدت كفه بدون ارداته نحو كفيها يبتغي بث الطمأنينة بها قائلا:
– بس دا مش غريب عنك، دا بيتك دلوقتي……
انتفضت تبتعد بكفيها عنه، وقد برقت عينيها امامه بزعر تطالعه، حتى اضططر لرفع يداه الاثنان امامها باستسلام يهادنها:
– اهو ، اهو والله، انا مش هقربلك اساسا، عايزك تطمني ومتقلقيش ابدا من الموضوع ده
اومأت برأسها تدعي استجابة لقوله، ثم ما لبثت تسأله :
– طب انت عملت كدة ليه؟ ايه اللي خلاك تتجوزيني؟
تطلع اليها بصمت ، رافعًا كفه ، يتحسس موضع الألم بفك وجهه، الذي ما زال تارك أثره حتى الاَن، ليعود بذاكراته لما سبق زواجه بها.
قبل ساعات
((وفي جهة بعيدة تمامًا عن تجمع الأفراد في المشفى، انفرد به، ليوبخهه وينهره على رعونته:
– كانك اتجننت يا يوسف، دي عملة تعملها ، الراجل لولا وجفتي معاك، كان طلع بروحك في ايده دلوك
رد الاخير محتدًا بعدم اكتراث:
– يبقى تكمل جميلك بقى وكمل وقفتك للاخر، لأن انا لا يمكن هسيبه يسحبها زي البهيمة كدة وهي قلبها مفطور على اخوها ، دا كان هيمد ايده عليها قدامنا، ومنكسفش مننا ولا من الوضع اللي هي فيه، تخيل بقى لما تبقى في بيته ولوحدها، كان عمل ايه؟ اقسم بالله ما هسيبه يروح بيها.
كاد غازي ان يجن، يضغط بصعوبة على الا يفتك به:
– انا اللي عايز افهمه دلوك، عايز تمنعها من ابوها بصفة إيه؟ اذا كنت انا اللي كبير ع البلد كلها، مقدرش اعملها ، كيف امنع بت عن ابوها يا غبي؟
– انا اللي غبي برضوا؟ ولا انت اللي فهمك تقيل يا غازي؟ ما انا بقولك اهو هتجوزها؟ افسر اكتر من كدة ايه ؟
– الله يخرب بيتك .
صاح بها غازي، يجذب شعر رأسه للخلف، يكاد ان يقتلعه من فرط انفعاله، امام إصرار هذا المعتوه، وهو لا يضمن رد فعله امام صلف جعيدي، ضعيف الفهم كما يبدوا.
تطلع اليه جيدًا والى هيئته المتحفزة للقتال، كم ود ان يكسر بقبضته صف اسنانه او يشبعه ضربًا حتى يعود لصوابه ، ولكن ما الفائدة وهو أعلم الناس بحماقته بفضل التاريخ الذي جمعهما منذ الدراسة في الجامعة وتحديه لرجال الأمن في العديد من المظاهرات من اجل الدفاع عن حقوق الضعفاء ، والذي لم يكن ابدا منهم، فما باله فيما اعتبرها تخصه؟
، وهو بالفعل يخشى عليه، تبا له ولهذه الورطة الذي وضعه بها.
تنفس بخشونه وقد حسم الامر داخله، ليضرب بكف يده على الجدار من خلفه بعنف ، حتى ظنه سوف يضربه، ثم صمت بصورة اوحت للأخر بأنه اقتنع، قبل ان يباغته غازي بجذبه من ياقتي قميصه، يهدر كازًا على اسنانه:.
– عارف يا يوسف انا نفسي اعمل فيك ايه دلوك؟
اومأ برعب يجيبه:
– نفسك تضربني، بس حتى لو عملتها فعلا، برضوا انا مش هسكت ولا اخليه ياخدها، ان شالله حتى اعمل فضيحة في قلب المستشفى….. اه .
صرخ متأوهًا في الاخير، اثر لكمة قوية تلقفها على فكه من غازي الذي نثر قبضته بعد ذلك وابتعد قليلًا يعدل من جلبابه، ثم يردف لاهثًا بتهديد ووعيد :
– هتيجي ورايا دلوك، وتخرس خالص مسمعش نفسك، ياما همسح بيك رخام المستشفى، وتبقى عملت فيا جميلة ان اخلص منك بيدي.
بعدها بقليل
كان اجتماعهما بالرجل الذي كان متجهمًا بصورة لا تشجع ابدًا على النقاش معه، ليبادره غازي بالحديث بمهادنة:
– عم جعيدي، انا جيبتك هنا في القهوة المشهورة دي، بعيد عن المستشفى وبعيد عن الناس، عشان نتكلم مع بعض برواجة ومن غير ما نتعصب وتفرج الناس علينا.
فهم الرجل على قصد غازي، ولكنه لم يبالي ليهدر بعدم اكتراث:
– جصدك عشان ماتعركش معاكم، طب كنت جول الكلام دا لنفسك، بدل ما تجمعني مع المجنون ده، يعنى انا اخلص منيه في المستشفى، عشان اشبط فيه هنا.
هم غازي ان يرد ولكن الاخر سبقه:
– ويا عم ما تيجي على نفسك وتسمع الاول ، ولا انت اللي عليك عايز تتخانق وبس
زمجر جعيدي بغضب:
– شايف البجاحة، انا جولت من الأول، الواد ده يطلبوله السرايا الصفرا أحسن.
– انا برضوا اللي يطلبولي السريا الصفرا؟
ردد بها يوسف من خلفه قبل يباغته غازي بلكزة قوية بكوعه على بطنه تأوه على أثرها بألم ، ليزجره بشراسة محذرًا بهمس:
– اخرص خالص ومسمعش صوتك، لهسيبك منك ليه؟
اومأ يغلق فمه مجبرًا، ليتولى غازي دفة الحديث بعدها:
– عم جعيدي انا عايزك تسمعني انا وسيبك منه دلوك، هتقدرني وهتعمل لي جيمة عاد؟
– العفو يا غازي يا بيه، بس انت لازم تراعي موجفي انا كمان، المجنون دا عايز يكتب على بتي واخوها في العناية، لا وكمان ، رأسه والف سيف ان مش هيسمحلي اخدها معايا، مين اللي يعجل الكلام ده بس؟
رد غازي يجاريه، قبل ان يصل لغرضه:
– طبعًا معاك كل الحق يا عم جعيدي، بس اللي انا عايز افهمولك، يوسف طلب ورد من اخوها وكان ناوي ياجيلك، عشان تبجى الخطوبة رسمي .
اعجب يوسف بالاخيرة، خصوصا وهو يرى رد فعل الرجل ، وقد ارتخت ملامحه بعض الشيء ليضيف عليه بلهفة وتسرع كعادته:
– ايوة يا عم جعيدي، زي ما بيقولك كدة بالظبط، يعني في كل الحالات هتبقي مراتي، يبقى ليه منخلصش دلوقتى بدل ما نتعب.
– طب رد عليه انت بجى؟
صاح بها جعيدي وقد عاد لحالته الأولى، ليحدجه غازي بتهديد وقد فاض به، فيجبره على غلق فمه مرة أخرى، قبل ان يعود للرجل بحزم كي ينهي:
– شوف يا عم جعيدي، انا هاجي معاك دوغري، إنت عارف زين ان البت روحها في اخوها، يعني لو حصل وخدتها غصب، الله اعلم هيبجي رد فعلها ايه معاك؟ دا غير ان سكة السفر من مصر للصعيد طويلة جدا، يعني صعب جوي تجيبها يوماتي ولا كل اسبوع حتى ، لو لا قدر الله طالت غيبوبة بسيوني، مصاريف سفر ومصاريف للبت اللي اخوها مجلعها من كله.
لاح التردد على ملامح الرجل، وقد تذكر ما ينتظره من مشاكل مع رفض زوجته الثانية لحضور ابنته المنزل معه، ولكنه أبى أن يظهر بهذا السوء:
– وافرض يعني مصاريفها كتيرة، ولا مصاريف السفر حتى، ما هي بتي وهو ولدي، ولا هو الدم عمره هيبقى مية!
كاد يوسف ان يبتسم ساخرًا دون مرح ليقارع الرجل بما يستحقه، ولكن غازي كان الأسبق، بحزم لا يقبل الجدال:
– عم جعيدي، الواد هيعجد ع البت على سنة الله ورسوله، يعني مش هتجعد معاه ف الحرام، على ما يجوم اخوها بالسلامة ان شاء الله، هنعمل فرح تشهد عليه البلد كله، يعني انت هتروح على بيتك وانت مطمن عليها انها في حما راجل، ومش اي راجل على فكرة.
هم جعيدي ان يجادل بتراجع مكشوف؛
– لكن يا ولدي الأصول، دي بتي يا ناس اللي عايزني الكلكها في السُوكيتي، وولدي ما بين ايدين ربنا.
– انا هدفع مهر وردة فوري، مية الف جنيه، دا غير المؤخر وكل حقوقها اللي يقرها المأذون وان كان ع الشبكة، فدي ليها وقتها ان شاء الله.
ازبهل جعيدي بعد سماعه لرقم المبلغ ، ليجمد غير قادر على الرفض، واستغل غازي يطرق على الحديد ساخنًا:
– نبعت نجيب المأذون حالا، ونعجد ع البت جبل سفرنا،
ابتلع جعيدي باضطراب قائلًا:
– اا ناخد رأي البت الأول))
عاد من شروده وهي تعيد عليه بالسؤال ولكن بصيغة أخرى:
– انا بسألك يا يوسف، كيف جدرت تقنع ابويا؟ وايه اللي بجبرك تعمل كدة.
زفر يطرد دفعة من هواء محبوس بصدره، ليجيبها بمرواغة وهو ينهض من أمامها:
– ممكن تعتبريها طقت في دماغي او تحسبيني مجنون زي ما كان والدك بيقول، المهم دلوقتي، قومي بقى معايا ناكل لنا لقمة، عشان كمان اعرفك على اؤضتك بعد كدة، عايزين نلحق الأكل وهو سخن، دا ريحته تهبل.
تحرك سريعاً نحو الطاولة يخرج الطعام المغلف، فلحفته باستفسارها:
– طب انا ليه مش شايفه حد خالص، هو انت ساكن هنا لوحدك؟
تبسم وهو يرفع عن احدى العلب غطائها، ليشاكسها بقوله:
– اه لوحدي ليه؟ تكونيش خوفتي ولا عقلك راح ناحية الظنون التكهنات؟
تجمدت بأعين فضحت ما تشعر به، لتطرق رأسها بحياء جعل الدماء تتدفق لوجنتيها، تضيف لها هالة من السحر، جعلته يزمجر بعدم تحمل:
– ورد، الله يرضى عنك يارب، تعالي كلي عشان تلحقي تريحي ، وانا اللحق اتخمد عشان كمان اللحق الشغل المتكوم عليا بعد ما اوصلك المستشفى.
❈-❈-❈
في حمام غرفتها وبعد ان انتهت من حمامها للتو، وقد كانت امام المراَة، تجفف على خصلات شعرها المبلل بالمنشفة، حينما وصل لأسماعها الصوت المعروف، بحديثه مع ابنها الذي هلل فور دلوفه الغرفة:
– بابا خازي يا ماما جه، بابا وصل من السفر يا ماما.
برقت عينيها، تشاهد الإجفال الذي ارتسم على ملامحها عبر انعكاس وجهها، لتوارب الباب قليلًا فتتأكد برؤيتها له،
بزعر تملكها مع تذكرها لموقفها الاخير معه، حينما اغلقت بوجهه الهاتف:
– يا مراري دا رجع من السفر صح،
بتوتر جلي ، عادت الى المراَة تحدث نفسها :
– طب انا هطلع اجابله ازاي دلوك؟ اضحك ف وشه واعتذر له بكهن الحريم، ولا اعمل نفسي عادي، وهو نفسه تلاجيه نسي، بس كيف؟ هو لحق؟
– كل ده بتعملي ايه عندك يا نادية؟
انتفضت من شرودها على الصوت الأجش، تجيبه باضطراب:
– انا طالعة اها
عدلت من هيئتها سريعاً، لتسحب شهيقًا مطولا ثم تطرده، كي تشجع نفسها وتهدأ من وتيرة القلق بداخلها، ثم خرجت اليه، بتحية فضحت توترها رغم ادعاء العكس:
– حمد الله ع السلامة يا غازي، انت جيت امتى من السفر؟
كان مسترخيًا على قائم التخت ، يطالعها بصمت يزيد من ارباكها، ثم يجيبها بتمهل كأسد كسول
– رجعت من نص ساعة تقريبا، كنت جاعد تحت مع جدتي، استنيتك تنزلي، لكنك منزلتيش.
– ما انا كنت بتسبح والله، زي ما شوفت اها.
كاد ان يضحك وهي تشير له على شعرها المبلل، ولكنه تمكن من الحفاظ على جموده في الرد عليها:
– حمام الهنا .
لماذا تشعر بريبة في لهجته؟ ابتعلت لترسم ابتسامة على ثغرها:
– الله يهنيك يارب، تحب احضرلك الحمام انت كمان تتسبح؟
سبقه معتز يخبرها:
– سوفتي يا ماما، اللعبة اللي جابهالي بابا غازي؟ سوفي بتنور كيف؟
اشرق وجهها بالابتسام لها:
– شوفت يا حبيبي، ربنا يخليهولك، وميحرمكوش من بعض ابدا
ضاقت عينيه مع انتباهه لتملقها الواضح، ليستجيب بنصف ابتسامة لها، فتابعت تخاطبه:
– ها يا غازي، احضرلك تتسبح ولا اروح اسخن الوكل تاكل احسن، شكلك هفتان، ولا اكنك كنت بتاكل اصلا، مفيش اخبار جديدة عن بسيوني؟
عبس بتذكره حال اوفى رجاله، ليعتدل يجيبها بأسى وهو يخلع عنه الشال الصوفي:
ادعيلوا ربنا ياخد بيده، ويقومه بالسلامة
لم ينتظر ردها، فنهض فجأة ليخلع عنه الجلباب مردفًا على عجالة؛
– انا داخل بسرعة ارش جسمي بالمية، متسخنيش ولا تعملي اي حاجة، عشان هطلع واترمي ع السرير دوغري….. سمعاني؟
اومات رأسها بطاعة:
– سمعاك حاضر من عيوني، ياللا يا معتز تعالى فرجني ع اللعبة فى اؤضتك، عشان بابا عايز ينام
قالت الأخيرة وابصارها ارتكزت عليه، بعدما اعطاها ظهره، تشعر بالأسى لحالته، هذه القامة المحنية، ليست ابدا من طبيعة زوجها المعروف عنه النشاط الزائد والحيوية ، تتضرع من قلبها ان ينجي رجله الأوفى حتى يقوم من كبوته.
❈-❈-❈
وعند فتنة التي كانت تشاهد من شرفة غرفتها، الغنح واللعب بين شقيقها الأهبل كما أصبحت تدعوه هذه الايام ، وزوجته الملعونة جوليا، تلك الفتاة التي تعلق قلوب الجميع بها، تضحك وتتدلل بميوعة ومرح، تعرف من اللغة ما يجعل السامع يظنها خلقت مصرية ، ولكنها ولدت في بلد اخر
غيظ يفتك بها وهي تراها تكسب حب الجميع، وتفعل ما تشاء، حتى تلك الملابس التي نهرتها عن ارتدائها قبل ذلك، ما زالت لم تتخلى عنها سوى العارية منها فقط، تخصها لذلك الاخرق، الذي يركض خلفها الاَن في حديقة المنزل الخلفية، مستغلين خلوها عليهم،
– جطيعة تاخدكم انتو الجوز.
تمتمت بها قبل ان تشيح بوجهها عنهما، ثم تعود لغرفتها، تتطلع لهذا الهاتف الصامت لا أحد يتصل بها، سوى تلك الغبية الأخرى زوجة عزب، اما ما تنتظره، فلم يكلف نفسه عناء الاتصال بها، رغم اخذه الرقم منها في اول جلسة جمعتها به، حينما شرح لها عن اصله الراقي، من عائلة كريمة ترجع لعهد الملك،
تبا له هو الاخر، وقد تبدل منها منذ ان علم بحالتها الاجتماعية كمطلقة، في تعبير لا ارادي عما يكتنفها، كانت تقضم على اظافرها، تقرقض بهم بعصبية، كم ودت لو تتصل هي به،
❈-❈-❈
اقتربت لتأخذ مكانها بجواره على الفراش تتأمله، لقد
طال في نومه، واستغرق العديد من الساعات، كم من مرة دلفت الى الغرفة واثارت بها اصوات وضجة وهو لم ينهض ولم يشعر بها
يروادها شعور بالأسى عليه، تريد ايقاظه، حتى يأكل ولو جزءا ضعيفا من الطعام، وبنفس الوقت تريده ان يستكفي من الراحة، علُه يعوض الجسد ولو قليلًا من سهر الايام الفائتة والإجهاد ،
مرت بكفها على شعر رأسه الناعم، تتأمل الملامح الرجولية الخشنة، وداخلها حروب وصرعات، لا تعلم سببها، كلما نظرت اليه وشعرت بشيء ما…..
قطعت بشهقة عالية خرجت من جوفها، حينما وجدت نفسها تنقلب على للخلف متسطحة على ظهرها، وقد باغتها باستيقاظه ودفعه لها، ليصبح فجأة اعلاها دون سابق إنذار
– انت صحيت امتى؟
هذا كان ردها الاولي على فعلته، ليزفر بخشونة مجيبها:.
– من وجت ما حطيتي يدك الباردة دي على شعري، ولمستي على وداني كأنك بتزغزغيني
برقت تستدرك صحة قوله وخطورته ايضا:
– كيف غفلت بغباءها في غمرة شرودها، عن برودة كفيها الطبيعية؟ يبدوا بحماقتها قد ايقظت الوحش.
– مالك بتبصلي كدة ليه غازي، مش ناوي ترجع تكمل نومك.
حرك رأسه برفض:
– لاه يا نادية، مليش مزاج، اصلي افتكرت حاجة كدة ، نسيت احاسبك عليها.
زاد اتساع عينيها تفطن لفداحة فعلها وقد خدعها بسكونه، عما كانت تخشاه، ليعود ويذكرها الاَن بهدوء مريب:
– بتجفلي السكة في وشي يا نادية؟
على الفور ردت بدفاعية:.
– لا والله ما كان جصدي اجفل السكة في وشك.
– امال كان جصدك ايه؟
سألها بمكر يتأمل كل خلجة وكل تفصيلة في ملامحها الشفافة امامه، ببراءة تزيده هياما بها، وكما توقع صدر ردها بارتباك واسهاب:
– يا غازي ما انت بصراحة اللي بتستفزني، انا بسألك عامل ايه، جوم تجيب سيرة بنات الناس وتشكر فيهم، كيف يعني؟ هي تكلمك ولا تتكلم معاها اساسا ليه؟ خلاص صفصفت؟ مفيش دكاترة رجال؟
– انت واخدة بالك من كلام؟
كالعادة انكرت تبرر:
– واخدة باللي من ايه بالظبط؟ انا بتكلم في الصح وفي الغلط يا غازي، متخليش مخك يروح لبعيد ، وع العموم انا برضوا بتأسفلك، كنت تعبانة ساعتها ومخدتش بالي وانا بدوس واجفل المكالمة…
ضاقت عينيه في النظر لها واستكشافها المحبب على قلبه، ولكنه كان مرهقًا لدرجة لم تمكنه لمواصلة الضغط لينزل فجأة مقاطعًا لها ، يسحبها اليه، ويضمها بقوة، يشتم من رائحتها النفس الذي يحي روحه من جديد، ويخفف عنه من ضغوط وهموم تقسم ظهره، في غمرتها يجد الحياة
– انت خلاص سامحتني يا غازي .
قالتها وراسها مدفوس ف بين عنقه وكتفه، وكان رده بتعب:.
– وانا من إمتى كنت بشيل منك….. بس متكررهاش تاني لا اجلب عليكي بجد.
تبسمت براحة لتبادله العناق، ودون ارداتها ارتفعت كفيها الى شعر رأسه مرة أخرى ليعلق بغيظ:.
– تاني يدك الباردة يا نادية؟!
❈-❈-❈
في اليوم التالي
بجوار جسد شقيقها كانت جالسة على كرسيها الصغير، ممسكة بيده، بعدما انتهت من قراءة العديد من سور القرآن الكريم، تناجيه لعله يسمع، ويعود اليها:
– جوم يا حبيبي، اختك يتيمة من غيرك، انت ضهري وعزوتي….. الاسد اللي بيخوف اي حد يجرب مني، مش انت برضوا كنت دايما بتجولي كدا، اي حد يكلمك نص كلمة، جولي بس انا اخت بسيوني……. من غيرك يحميني ويراعيني يا حبيبي.
كانت مندمجة ف بكائها ، حتى احست بدخول أحدهم، لترفع رأسها نحو فتاة ترتدي زي التمريض، تدلف حاملة بعض الأدوية والأشياء التي اعتادت على رؤيتها توضع في المحلول لشقيقها .
– صباح الخير، بتبكي ليه بس يا قمر؟ مش الافضل برضوا تدعيله.
تفوهت بها الفتاة القصيرة، رغم وجود العلكة داخل فمها بصورة واضحة.
لم تجيبها ورد بشيء بل ظلت على وضعها حتى تفاجأت بقول الفتاة:
– بسم الله ما شاء الله، ودا يقربلك ايه صاحب الجتة الكبيرة؟ الله اكبر دا واخد السرير كله
التفت ورد نحوها مجفلة، لتفاجأ بجرأة الفتاة، وهي تتمعن النظر بشقيقها، قائلة بإلحاح :
– يا بت ما تقولي هركليز دا يقربلك ايه،
– هركليز.
تمتمت ترددها ورد بدهشة، ثم تجيبها:
– دا اخويا يا ستي، بس زي ما انتي شايفة اها، ضربة غدر ع الراس من الخلف هي اللي عملتله غيبوبة.
– طبعا لازم يبقى غدر عشان يقدروا عليه، هي الجتة دي حد يقدر يقف قصادها اساسا.
للمرة الثانية تجفلها بكلماتها حتى عقبت تنهيها بحنق:
– يا ستي ما تخلي بالك من ألفاظك، اشحال لو ما كان بين ايدين ربنا دلوك
ضحكت الفتاة التي انهت عملها المطلوب منها للمريض ، لتقف امامها واضعة كفيها في جيبي سترة اليونيفورم الخاص بممرضات المشفى، تخاطبها بسجية وعفوية:
– يا ستي ما تبقيش حنبلية، انا بهزر معاكي، دي طبيعتي على فكرة اللي في قلبي على لساني، اسألي عني والناس تقولك مين مشيرة، والشهيرة مشمش، احسن ممرضة فيكي يا جمهورية، بس بقى كنت في اجازة بقالي كام يوم، دي اول مرة اباشر حالة المريض هنا، ما قولتيش بقى، تقربي ايه للبرنس النائم ده؟
– البرنس النائم.
للمرة الثانية تتمتم خلفها المفردات العجيبة، تلك التي تطلقها على شقيقها :
– انا ابجى اخته يا ستي، استريحتي يا ست مشيرة، او يا مشمش .
– يا ختي يريح قلبك ، اصل افتكرتك مراته ولا حاجة، بصراحة ما كنتش بلعاها، اصلك صغيرة اوي عليه ومنمنة كدة، الا هو مراته سايباه ليه؟
قالتها الفتاة بعفوية جعلت ورد هذه المرة تطالعها بفم مفتوح، حتى تمكنت من الرد اخيرا:
– مراته مش سايباه،لانه مش متجوز من اساسه.
سمعت منها مشيرة لتتوسع ابتسامة غير مفهومة على ثغرها الذي ما زال تلوك داخله علكتها، ثم تذهلها بقولها، وهي تتأمله دون خجل شقيقها:
– يا ختي بكرة يقوم بالسلامة، ويملا عليكم البيت باولاده، خلي عندك امل فيها دي، دا حتى اسم النبي حارسه، الله اكبر يعني، عضلات قوية، ولا الشنب….. يقف عليه صقر، انتي متأكدة انه في غيبوبة؟
– كيف يعني السؤال ده، لهو مش باين انه في غيبوبة؟
ردت مشيرة ببساطة وهي تنسحب مغادرة:
– يا ختي انا بتكلم عن ما سيكون، بكرة يفوق، وتبقى تقولي مشمش قالت ، عن اذنك بقى يا عسل

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نسائم الروح (ميراث الندم 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى