رواية ندوب الهوى الفصل السابع 7 بقلم ندا حسن
رواية ندوب الهوى الجزء السابع
رواية ندوب الهوى البارت السابع
رواية ندوب الهوى الحلقة السابعة
خرج “جاد” من المنزل وكأن الشياطين تلاحقه، عقله يدعوه لقتل “مسعد” بأي طريقة كانت، هناك داخله غضب يكفي أن يجعل الجميع يرتابون منه إلى أن يبللون أنفسهم..
تقدم منه بخطوات واسعة ثابتة وغضبه يعميه عن أي شيء أمامه سوى “مسعد”، قبض على مقدمة قميصه جاذبة منه بحدة شديدة وهو يتحدث بعصبية قائلًا:
-شكل علقة امبارح معملتش معاك الصح.. والمرة دي بقى هتعمله
لكمة في وجهه على حين غرة أمام الجميع بحدة وعصبية شديدة إلى أن ترنح “مسعد” إلى الخلف ووقع على الأرضية جالسًا ينظر إليه بذهول، ألم يكتفي بعد!.. سيجعله يندم كثيرًا اليوم على كل ما فعله به ليشاهد فقط..
تقدم “عبده” من “جاد” جاذبًا إياه من الخلف حتى لا يجعله يتقدم من ذلك الأبلة وهو بهذه الحالة وتقدم كلًا من “طارق” و “حمادة” لمساعدته في إبعاده عنه..
صرخ بهم “جاد” بصوت عالي أن يتركوه ليخلص عليه حتى يشعر بالراحة بعد ذلك ولكنهم لم يفعلوا بل جذبوه بقوة أكبر ليبتعد عنه فصرخ به قائلًا أمام الجميع:
-جاد الله أبو الدهب هيعلم عليك يا مسعد وهيمحي النقص اللي عندك علشان تتعلم بعد كده تبص ناحية مين وتعرف تحدد كويس مين اللي من مقامك علشان شكلها كده هبت منك خالص
وقف “مسعد” بعيد عنه نسبيًا ليحتمي من بطشه بينما كان “سمير” يأتي من بعيد بعد أن علم ما يحدث ليستمع إلى صوت “مسعد” يقول بحقد وكذب:
-اللي كانت من مقامي بت الهابط وأنتَ خدتها مني للشمال ياض.. فوق لنفسك أنا أعمل منك أربعه يلا
نظر ناحية النافذة وغمز بعينيه إليها عندما وجدها تنظر إليهم ويكاد الخوف يندلع من عينيها ليقع أمام الجميع متحدثًا عن مخاوفها، ضغط “جاد” على أسنانه بشدة محاولًا الفرار من هؤلاء الأغبيه ولكنه استمع إلى صوت “سمير” الصارخ يهتف وهو يشيح بيده بهمجية:
-شمال مين يا راجل يا قله أنتَ، أنتَ هتعمل علينا شريف ولا نسيت اللي عملته امبارح لما….
وضعت “هدير” يدها على فمها شاهقة بفزع خوفًا من أن يتحدث “سمير” وكاد قلبها أن يتوقف عن العمل ولكن أنقذه “جاد” عندما صرخ به هو الآخر:
-سمير أسكت خالص
فهم “سمير” أنه لا يريد ذكر ما حدث بينما أغمضت والدة هدير عينيها براحة بعد أن جعله جاد يصمت فلو كان تحدث لفضحت ابنتها أمام الجميع، استندت على باب المنزل بقلة حيلة وهي ترى الجميع ينظر إليها وإلى ابنتها هكذا بهذه النظرة الرخيصة لأول مرة!..
-يسكت ليه ما تسيبه يتكلم
كانت هذه كلمات “مسعد” الساخرة وهو يخرج هاتفه من جيبه ثم فتحه وضغط عليه عدة مرات متتالية وسار أمام جميع من يقف وهو يضع الهاتف أمام عينيهم ويتحدث بسخرية:
-أهو عشان محدش يكدبني.. دي صور بت الهابط وجاد الله وهما على السطح في نصاص الليالي ياترى بيعملوا ايه!. بيلعبوا استغمايه
-سيبوني بقولكم.. موته على أيدي النهاردة
صرخ بهم “جاد” وهو يحاول الوصول إليه ليفتك به وجسده متشنج بشدة بينما تقدم منه “سمير” ليجذبه هو الآخر إلى الخلف فلا أحد يستطيع السيطرة عليه وهو هكذا..
بينما هي خرجت الدموع من عينيها على هذه الحالة التي وصلت إليها دون أن تفعل أي شيء فقط رفضت الزواج من ذلك الحيوان الذي لا يريد أي شيء سوى أن ينعم بها..
صرخ “رشوان أبو الدهب” في ابنه بعد صمت دام طويلًا جاعلًا الجميع يبتعد عنه:
-سيبوه.. أقف مكانك يا جاد ومش عايز اسمع ولا كلمة منك
وقف “جاد” دون أن يلمسه أحد احترامًا لحديث والده أمام الجميع ولكنه يحترق من داخله، يشعر بأنه إن لم يقتل “مسعد” سيموت هو، قبض عليه يده الاثنين بشدة حتى ابيضت مفاصله وبرزت عروق جسده..
تقدم والده من “مسعد” ووقف على بعد مسافة صغيرة منه، رفع عصاة مُشيرًا بها على صدر “مسعد” وتحدث أمام الجميع قائلًا بهدوء:
-زي ما الكل سمع كلامك لازم يسمعوا كلامي… قولي يا مسعد أنتَ عايز ايه!
ابتسم بسخرية وتهكم واضح أمام الجميع ونظر إليه بغل مُجيبًا إياه قائلًا:
-أنا جتلك لحد عندك أخطب البرنسس منك وأنتَ رفضت وطلع ابنك مدورها معاها يبقى لازم افضحهم قدام أهل الحارة كلهم علشان يبقوا عبرة وزي ما قال ابنك كل واحد يعرف مقامة ايه
أومأ “رشوان” برأسه بهدوء ثم دفع بالعصا في صدره قائلًا بجدية شديدة ونظرة حادة:
-وهو مش عيب من راجل كبير زيك إنه يخوض في عرض بنت من بنات الحارة… وخصوصًا بقى لو كانت خطيبة ابني!..
استدار “جاد” بوجهه ناظرًا إلى والده بدهشة واستغراب شديد لم يستطيع أن يخفيه في اللحظات الأولى من استماع هذه الكلمة ولكن سريعًا تدارك نفسه وابتلع ما وقف بحلقه ناظرًا إلى “هدير” في النافذة ووجد صدمتها لم تقل عنه أبدًا، اتسعت عينيها بدهشة وهي تستمع إلى حديثه غير مصدقة ما الذي تفوه به..
تحدث مرة أخرى بجدية وثبات أمام الجميع:
-موافقتش عليك تتجوزها يا مسعد علشان كان جاد اتقدملها ومستنين الرد وعيب أوي مننا نقول إنه خطيبها من غير ما يوافقوا.. علشان كده قولتلك لأ يا مسعد…. وبعدين قرينا الفاتحة والنهاردة كانت هتروح هي وأمها وأختها يختاروا الدهب مع جاد وسمير وكتب الكتاب لما أخويا ومراته يرجعوا، ولا ايه يا أم جمال
نظرت إليه باستغراب لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله، إنه ينقذ ابنتها من حديث الناس غير مُجبر على ذلك ولكنه فعلها، وهي لا تعلم ما الذي تتفوه به أمام الجميع هكذا وهم ينظرون إليها منتظرين حديثها المؤكد له:
-أيوه.. أيوه يا حج رشوان جاد خطب هدير
تحدثت بهذه الكلمات بتوتر شديد والتردد بداخلها تخاف من أن يمحي كل ما قاله في لحظة كما وُجد في لحظة..
نظر “رشوان أبو الدهب” إلى “مسعد” والابتسامة على محياه تُبرز تجاعيد وجهه، أخفض العصا من على صدره ثم استدار للجميع قائلًا بجدية تامة:
-انتوا عارفين يا جماعة إني راجل كبير ومش بتاع مشاكل لا أنا ولا ابني، بس مسعد حاطط عينيه على واحده هتبقى مرات جاد الله رشوان أبو الدهب وهو اللي بياخدنا للمشاكل والمرة دي أنا مش هسكت لكن هسيبكم انتوا اللي تحكموا بعقابة… لما يرمي بنات الناس كل يوم والتاني بالطوب يبقى يتعاقب
تحدث أحد الواقفين في الجمع قائلًا:
-هو إحنا يعني يا حج رشوان مش عارفين مسعد بتاع الحته بميه ولا عارفين تربية سامي الهابط الله يرحمه
بينما آخر تحدث قائلًا بجدية هو الآخر:
-الأول ألف مبروك للاسطى جاد والتاني مسعد يقعد في قعدة ويتحكم عليه بفلوس مهي بنات الناس مش لعبة وبعدين عايز تتجوز واحده قد بناتك يا راجل اختشي على دمك
تقدم “مسعد” من هذا الرجل وداخله يحثه على أن يبرحه ضربًا ولكن عصا “رشوان أبو الدهب” منعته عن ذلك قائلًا:
-الراجل مغلطش يا مسعد دا قال الحقيقة.. قدام الكل ولو غلطان يقولولي هنعتبر دي القاعدة وأهي تبقى في حضور الحارة كلها كبير وصغير.. ميه وخمسين ألف جنية الجمعة الجاية يكونوا عندي نجهز بيهم البنات اللي أهاليهم مش قادرين يجهزوهم ويبقى ثواب ليك عند ربنا
تعالت أصوات الجميع منهم من يشكره، والآخر يقول إن هذا الحل المناسب بينما الباقون فرحون بما حل بـ “مسعد” لأنهم يعرفونه جيدًا
بينما “مسعد” كان داخله يحترق والنيران تنهش قلبه، الغل يحرقه والحقد يطفو داخله إلى آخره، تفاجئ بما قاله ذلك العجوز عن هذه الخطبة الكاذبة لو لم يقل ذلك لكان فعل كل ما في رأسه في لحظة واحدة ولكن صبرًا، كل شيء بمعاده جيد..
ابتسم بخجل اصطنعه دون مجهود ليظهر الرجل الجيد وتحدث قائلًا:
-سامحني يا معلم رشوان مكنتش أعرف وحيات عيالي لو كنت أعرف مكنتش عملت كده، إن شاء الله قبل الجمعة تبقى الفلوس عندك وأنا راضي بحكمك
نظر إلى “جاد” قائلًا بجدية شديدة وعينيه مثبته عليه بغل واضح له هو فقط وقد تبادله معه:
-ألف مبروك عليك البرنسس يسطا جاد
نظر إليها نظرة خاطفة ثم استدار وذهب من أمام الجميع يجر خيبته خلفه مقررًا أنه لن يصمت هنا بل سيفعل المزيد إلى أن يصل لما يريده..
صرخ “عبده” بالجميع بحدة شديدة:
-يلا كل حي يروح لحاله
ذهب الجميع واحدًا تلو الآخر وأشار “رشوان” إلى “عبده” ومن معه بالدخول إلى الورشة ثم تقدم من والدة “هدير” وهتف بجدية قائلًا:
-بعد اذنك يا أم جمال هنيجي بالليل شوية أنا وجاد نحل الأمور
أومأت إليه عدة مرات متتالية وداخلها يقول إنه سينهي ما قاله حقًا:
-تنور… تنور يا حج طبعًا
أبتعد من أمامها بعد أن ابتسم لها بجدية وتقدم من “جاد” قائلًا له أن يذهب خلفه إلى المنزل سريعًا، وفعل “جاد” كما قال له بعد أن ألقى نظره عليها وهو يذهب جاذبًا “سمير” معه بحدة إلى الداخل..
-طب وأنا مالي يا عم سيبني
نظر إليه “جاد” بحدة وأجابه بعصبية:
-أخرس خالص
سار معه على مضض وهو يراه ليس معه هنا من الأساس بل كان “جاد” في منطقة أخرى يفكر فيما فعله والده أمام الجميع وتحدث به وكأنه حدث بالفعل..
جذبت “هدير” أبواب النافذة للداخل لتغلقها وعقلها لم يستوعب بعد أن “رشوان أبو الدهب” أعلن خطبتها بابنه “جاد”! ربما لم تستمع جيدًا! كيف لم تستمع وهو تحدث بكل شيء حتى أنه ذكر عقد القرآن!..
❈-❈-❈
في مكان آخر تجلس به “كاميليا” مع إحدى صديقاتها والتي تدعى “شهيرة”، كانت تتحدث معها بضيق واضح وانزعاج تغلب عليها بسبب زوجها الحقير بنظرها..
-أنتِ دلوقتي هتعملي ايه
نظرت إليها “كاميليا” بحيرة ولا تدري ما الذي ستفعله معه لتجعله يطلقها ويبتعد عنها، أخفضت السيجارة من على فمها وتحدثت قائلة بانزعاج:
-مش عارفه هعمل ايه.. الواطي بيعمل راجل عليا، مكنتش أعرف إنه هيعمل كده
نفثت دخان سجارتها واكملت حديثها بغل وحرقة:
-مكنتش أعرف إنه هيقوى كده، بس بردو هيطلقني وهاخد منه القناة غصب عنه
مرة أخرى بغل واضح تحدثت وهي تسبه:
-الواطي
تحدثت “شهيرة” بهدوء وهي تلوي شفتيها متذكرة كم من مرة حذرتها سابقًا:
-أنا قولتلك كتير إنه شكله مش سالك مسمعتيش الكلام كل اللي كان هامك شكله
تقدمت الأخرى إلى الأمام قليلًا ثم أمسكت بخصلات شعرها قائلة بحدة:
-وحيات ده لازم يطلقني واتجوز سيد سيده وأخد منه القناة وهفضل بردو كاميليا عبد السلام اللي مفيش زيها
رفعت “شهيرة” أحد حاجبيها باستغراب منتظرة أن تعلم ما الذي ستفعله:
-وده هتعمليه إزاي بقى؟..
-لحد دلوقتي مش عارفه بس هطلع عينيه لحد ما يطلقني
قالت الأخرى بجدية محاولة أن تفهم كيف تفكر به الآن وما الذي يدور بخلدها:
-معتقدش أنه هيعملها بسهولة كده أنتِ بالنسبة ليه كنز
تشدقت “كامليا” قائلة بسخرية وتهكم لأنه الآن أصبح من الرجال أصحاب الأموال الكثيرة، لا ينتظر امرأة لتقوم بالانفاق عليه:
-لأ.. لا كنز ولا حاجه أصلًا مبقتش فرقاله هو بس بيعاند فيا
-آه قولتيلي
نظرت إليها “شهيرة” بابتسامة سخيفة وداخلها تحتقر هذه الغبية الذي ترى كل شيء مال ومظهر ووجود “كاميليا عبد السلام” ولا ترى زوجها الذي تتحدث عنه بالسوء وأنه كان لا شيء وبمالها ظهر وأصبح له عمله الخاص ونسيت أنه أصبح هنا بفضل جهوده وتركيزه على أن يكون شخص ذو أهمية وكانت هذه الغبية هي اليد التي تمده بالمال بفضل الله.. إنه سيطلقها وأيضًا سيعطيها مالها بالكامل ولكنه يريد أن يعذبها قليلًا حتى تعلم ما مقامها ومن هو، أنه لا يريدها من الأساس فـ وجود زوجته “شهيرة” أغناه عنها!…
❈-❈-❈
-هو ده كل اللي حصل يا حج
هذه كانت كلمات “جاد” لوالده وآخرها بعد أن أخبره بكل شيء حدث بدايةً من تعرض “مسعد” إلى “هدير” وبالنهاية ما حدث في بيتهم، قص عليه كل شيء حتى مقابلته لها على السطح ليكون على دراية تامة وليقرر على أساس ما حدث لها وله وللجميع
أومأ والده بهدوء وهو يمط شفتيه للأمام وآمال رأسه قليلًا ولم يتحدث، نظر “سمير” إلى “جاد” باستفهام فنظر الآخر إليه ولوى شفتيه كدليل على عدم معرفته بما يفكر..
رفع والده نظره إليهم وتحدث قائلًا بنبرة جادة وملامحه تُظهر الجدية التامة حقًا:
-هنروح النهاردة نخطبها ليك يا جاد
ابتسم “سمير” بسعادة واضحة عليه لما تفوه به عمه الآن ونظر إلى ابن عمه ليجده لم يبتسم، لم يفرح ولم يظهر على وجهه أي شيء سوى تعابير الدهشة أو الاستغراب، استمع إلى سؤاله الجاد:
-علشان أنتَ قولت أنها خطيبتي قدام أهل الحارة ولا علشاني يا حج؟
ابتسم والده وحرك رأسه يمينًا ويسارًا بخفة، نظر إلى ولده وهتف بهدوء قائلًا:
-لما لقيتك عايزها بجد.. بحق وحقيقي يعني فكرت كده مع نفسي وقولت يا واد يا رشوان هي البت دي ناقصها ايه يعني مهي زي الفُل وتربيتي وأنا معتبرها هي وأختها زي عيالي تمام يبقى ليه أرفض
عاد بجسده إلى الخلف يستند بظهره إلى ظهر الأريكة وأكمل قائلًا بجدية وهو يبتسم بوجهه وظهر حديثه صادقًا للغاية لأنه كان هكذا حقًا:
-كنت ناوي أقولك النهاردة الكلام ده ونروح نتقدملها بس مسعد كان رايد إني أقول الكلام ده قدام الحارة كلها قبل ما أقول ليك
ابتسم “سمير” باتساع مبادلًا عمه بينما الآخر بقى مثلما هو لم يظهر عليه أي شيء ربما يحاول الاستيعاب وأن يتفهم ما قاله والده الآن، إنه وافق دون شروط أي قبل كل ذلك!
خرج من شروده على صوت “سمير” وهو يتحدث قائلًا بمرح ومزاح إلى عمه:
-بقولك ايه يا عمي دا شكله رجع في كلامه، أنا هنا موجود في الخدمة
نظر إليه “جاد” بحدة وغضب مُجيبًا إياه وهو يقترب منه بعصبية:
-أقسم بالله هعمل فيك زي اللي عملته في مسعد بالظبط
وقف “سمير” سريعًا وتوجه يجلس جوار عمه يضحك عاليًا ويتبادل عمه معه الضحك بينما اعتدل “جاد” في جلسته وتحدث مرة أخرى بجدية إلى والده سائلًا إياه:
-يعني مقولتش كده علشان تحميها من كلام الناس!. وكنت مقرر من قبلها فعلًا
نظر إليه والده بجدية بعد أن نظر إلى ابن أخيه وكأنه يقول له هل هذا الشاب أبله!:
-أيوه يا جاد وكان ممكن متكلمش قدام الناس واستنى لحد ما أقولك ونروحلهم بس زي ما قولتلك أنا اعتبرتها بنتي ومكنش ينفع اسيب حد يتكلم عليها… تحب احلفلك!
-العفو يا حج مش قصدي أنا بس كنت عايز اطمن أنك راضي عن الجوازه
-اطمن يا بشمهندس
ابتسم “جاد” وقلبه يرفرف من الفرحة حامدًا الله داخله وشاكره على ما حدث وكأن ما حدث هو سبب من الأسباب ليجعلها من نصيبه حقًا، لقد كان واثقًا في قدرة الله رغم أن كل شيء لم يكن لصالحه ولكن ها هو الآن والده وافق والجميع يعلم أنها له.. له هو وحده بعد أن سبب الله الأسباب ليتم ذلك على أكمل وجه، ابتسم وشعر بالراحة بعد أن علم أن يقينه وإيمانه بقدرة الله في محلها ودائمًا ستكون في محلها..
أردف قائلًا بهدوء وسعادة:
-حيث كده بقى يبقى ألف مبروك ليا
ابتسم الجميع بينما وجد والدته تدلف إليهم بعد أن استمعت إلى آخر كلماته تهتف بالزغاريد عاليًا، لقد كانت تستمع إلى حديثهم!
فرحة والدته لا توصف، عانقته وعينيها تدمع، لقد كانت تريد أن يتزوج بها منذ زمن هي الوحيدة التي اختارها قلبه، وهي الوحيدة التي تستطيع إسعاده من بين الجميع، كانت تريد له السعادة معها لأنها تعلم أن “هدير” فتاة على قدر من الجمال والأخلاق وستناسب ابنها كثيرًا..
تلقى المباركات واللقاء سيكون في المساء في شقة “الهابط”
❈-❈-❈
-هو إزاي يقول كده أكيد ابنه مش موافق ليه يعمل كده
صرخت والدتها مُجيبة إياها بحدة بعد أن ملت من الحديث معها:
-علشان بيحاول يبعدك عن كلام الناس عمل كده الراجل مشكور وابنه لو مش موافق محدش هيجبره على حاجه
أردفت رحمة بجدية وهدوء والتي أتت إليها بعد أن استمعت بما حدث:
-براحة يا هدير مش كده.. طنط معاها حق مفيش حد بينجبر على حاجه ولو خايفه أنه يكون مدبس خليكم شوية مخطوبين وفركشوا ياستي
هتفت “مريم” بعقلانية متحدثة هي الأخرى بعدما عملت بما حدث منهم لأنها كانت في الخارج:
-وليه يفركشوا أنا معتقدش أن الاسطى جاد هينجبر على الجواز منها مهو أكيد مش هيضع حياته علشان حركة شهامة زي دي.. هو آه شهم وجدع بس مش لدرجة شريكة عمره يعني
-بالظبط كده اهدي بقى يا هدير
صاحت هي بحدة وعصبية من جديد وهي تسير ذهابًا وايابًا في الصالة:
-لأ أنا مستحيل أوافق على الجوازه دي… دي جوازه شفقة منهم ليا
فجأة استمع الجميع إلى صوت الزغاريد العالية، انتبهوا جميعًا إلى ذلك ووقفت “مريم” سريعًا وفتحت باب الشقة لتستمع إلى الصوت وترى من أين يأتي، وجدته يأتي من الأعلى شقة “جاد”، ابتسمت وأغلقت الباب لتنظر إلى شقيقتها بهدوء قائلة:
-مظنش أنها لو زي ما بتقولي هيعملوا كده
أتت لتتحدث مرة أخرى فقاطعتها “رحمة” قائلة بجدية شديدة وحزم:
-أكيد مش علشان الناس يعني يا هدير ده علشان جاد موافق أكيد.. وبعدين هو هيلاقي زيك فيك أصلًا
جلست “هدير” على الأريكة بهدوء وعقلها لا يستوعب إلى الآن فكرة أنها ستتزوجه بهذه الطريقة الغريبة، لم يطلبها بل كان سيتزوج غيرها، لم يعترف بحبها بل لم يتحدث من الأساس وعلى حين غرة حدث هذا أمام الجميع شفقة ليس إلا..
نظرت إلى والدتها قائلة بجدية وحزن:
-ابنك فين؟.. هيجوا يكلموا مين؟..
-يكلموني أنا يا هدير.. أنا الكبيرة هنا مش هو وكلامه لا هيقدم ولا هيأخر
أومأت “مريم” رأسها مؤكدة حديث والدتها:
-ماما معاها حق، هو أصلًا على طول مش موجود لما نحتاجه
وقفت والدتها جوارها وتحدثت بحزم قائلة:
-متتعبيش نفسك في التفكير بالليل كله هيبان ولو مش موافق إحنا كمان مش هنوافق يا بنتي متقلقيش
❈-❈-❈
-نورتوا البيت يا حج رشوان
ابتسم “رشوان” وتحدث بهدوء مُجيبًا إياها:
-بنورك يا أم جمال
حمحم بحدة ثم تحدث مرة أخرى بجدية وثبات قائلًا وهو يشير إلى “جاد”:
-إحنا بإذن الله جاين علشان نخطب هدير لجاد ابني
ابتسمت بحرج واخفضت وجهها بالأرضية لحظات ثم رفعته وتحدثت بجدية دون خجل لتحسم الأمر:
-أنا مقدرة المعروف اللي عملته أنتَ والاسطى جاد علشان خاطر بنتي وكلام الناس بس انتوا مش مُجبرين تعملوا كده ولا الاسطى جاد مُجبر أنه يتجوز بنتي ولو على الناس والكلام اللي قولته نقول إن الدنيا ماشيه وأسبوع ولا حاجه ونقول إن محصلش نصيب
وضع والده يده الاثنين متكئًا بهم على العصا وهو ينظر إليها بهدوء بينما “جاد” دق قلبه داخل صدره خوفًا من رفضهم..
استمعت “هدير” إلى كلمات والدتها من خلف باب غرفتها وحمدت الله كثيرًا أنها فعلت هكذا لأنها لا تريد أن يشفق عليها بهذه الطريقة المُهينة..
تحدث والده مُتسائلًا:
-افهم من كده إنك رافضه جواز هدير من جاد يا أم جمال
أجابته بصوتٍ حازم سريعًا لتنفي ما قاله وهي تنظر إليه بجدية:
-لأ طبعًا أنا بنتي تحت أمرك أنتَ وجاد ماهو أنتَ زي أبوها… بس أنا بعفيكم من الجوازه دي علشان جاد مش ذنبه يتجوزها وهو مش عايزها
أردف “جاد” باستنكار قائلًا وهو يُشير إلى نفسه:
-ومين قال إني مش عايزها يا أم جمال!
استغربت حديثه ولم تستطيع الرد عليه، هل هو يريد ابنتها حقًا!
استمعت إلى والده مرة أخرى يردف:
-أنا معملتش كده علشان أداري على بنتك مثلًا يا أم جمال، ولا شهامة مننا لأ.. إحنا فعلًا كنا جاين نخطبها لجاد الله، جاد رايدها يا أم جمال مش مغصوب ولا بيشفق عليها
دقات قلبها تتسارع خلف بعضها والفرحة ظهرت على وجهها بعد الاستماع إلى هذه الكلمات لتتحدث بلهفة متسائلة:
-والنبي صحيح!
أومأ إليها “جاد” وابتسم والده لها، فوقفت على قدميها وهي تهتف قائلة بفرحة:
-حيث كده بقى ناخد رأي العروسة
انتهت من كلماتها لتجد باب الشقة يُفتح ويدلف منه ولدها “جمال” العاطل الذي لا تعلم عنه شيء سوى أن “مسعد” يقوم بإستغلاله في عمله الغير قانوني وهو كالأبلة يفعل ما يقول له ويدفعه لإجبار شقيقته على الزواج منه..
دلف إلى الداخل وهو ينظر إليهم ويعلم ماذا يفعلون هنا بعد أن قال له أحد أصدقائه ما حدث اليوم في الحارة أمام الجميع، سلم عليهم ثم جلس وقصت عليه والدته باختصار شديد أنهم هنا لخطبة “هدير” والتي كانت تستمع لكل شيء..
بعد أن تحدث معهم قليلًا وداخله كان يقوم بتقليب الأمور بهدوء حتى يعلم أيوافق أم لأ!.. ولما لأ فـ “جاد” لا يقل غناء عن “مسعد” بل يزيد عنه، وهذه الشقة ربما بمجهود شقيقته تكن لهم حقًا وملكهم، وغير ذلك كثير وكثير لن يستطيع أن يفكر به الآن..
عاد “جمال” بظهره إلى الخلف ناظرًا إلى “جاد” ووالده ثم تحدث بجدية والاثنين يعلمون ما يفكر به جيدًا:
-حيث كده بقى إحنا نتفق على كل حاجه من دلوقتي
حمحم “جاد” وهتف بهدوء قائلًا:
-لأ يا جمال قبل ما نتفق نشوف رأي البشمهندسة الأول.. وافقت نتفق موافقتش يبقى على الله
-هتوافق يسطا جاد متقلقش
زفرت هدير بضيق من خلف الباب وهي تستمع إلى كلمات شقيقها والذي تفهمت نيته جيدًا بعد أن وافق بهذه السرعة، يا له من جشع!.
هتف “رشوان” مؤكدًا على حديث “جاد”:
-معلش يا جمال لازم بردو نعرف رأيها.. اتفضلي يا أم جمال شوفيها
أبتعدت “هدير” سريعًا عن الباب حتى لا يراها أحد ووالدتها تدلف إليها، دلفت والدتها وأغلقت الباب خلفها ثم نظرت إليها قائلة:
-أكيد سمعتي كل حاجه ها ايه رأيك بقى
أجابتها “مريم” سريعًا بلهفة وفرحة وهي تتقدم منها:
-طبعًا موافقة هي دي فيها كلام
-لأ…. أنا عايزة أتكلم مع البشمهندس جاد الأول
زفرت والدتها بحنق ونظرت إليها بضيق بسبب أفعالها الغريبة، لقد قال في الخارج أنه كان يريد الزواج منها قبل كل ما حدث، ما المانع إذًا؟:
-ودي اعملهالك إزاي يا ست هدير اقولهم تكلم الاسطى جاد الأول وبعدين تقول رأيها
-أيوه يا ماما دي مش حاجه صعبة ومن حقي أكلمه الأول قبل ما أوافق
نظرت والدتها إلى “مريم” وفعلت الأخرى المثل واومأت برأسها أن تفعل لها ما تريده حتى يمر الأمر على خير، زفرت والدتها ثم أشارت لـ “مريم” بالخروج معها ثم وجهت حديثها إلى “هدير” وهي تخرج:
-ألبسي حاجه عدله يلا
خرجت ثم أغلقت الباب خلفها وتركتها بالداخل تبدل ثيابها لاستقبال مالك القلب وحارسه، توجهت والدتها إليهم وجلست قائلة بهدوء وخجل:
-هي محتاجة تتكلم مع الاسطى جاد في كام حاجه كده يعني الأول قبل ما تقول رأيها
هتف والده بجدية وهو يتقدم للأمام:
-حقها
وقفت مرة أخرى وذهبت إليها لتراها إذا كانت ارتدت شيء مناسب أم لأ وقد كانت بدلت ملابسها بالفعل فذهبت والدتها إلى “جاد” لتأخذه إلى الغرفة، وقف معها وتقدم إلى الداخل ليراها تقف في إنتظار قدومه إليها، ترتدي فستان أسود طويل يغطي أصابع قدميها، يتوسط خصره حزام أسود مثله تمامًا وأكمامه طويله أيضًا، وترتدي حجاب من اللونين الأبيض والأسود..
نظر إلى وجهها الأبيض المستدير، عينيها العسلية، وهذا النمش البسيط الذي يعطيها مظهر خلاب، تبسم بهدوء ثم تابع السير إلى الداخل وجلس على الأريكة بعد أن ألقى عليها السلام وذهبت والدتها تاركة الباب مفتوح إلى آخره..
نظر إليها بهدوء ثم تحدث قائلًا بجدية وهو يعتدل في جلسته:
-ايه الحاجات اللي عايزه تتكلمي معايا فيها
جلست على الفراش أمامه وأدارت عينيها في جميع الاتجاهات للحظات تُعد، أخذت نفس عميق وزفرته محاولة أن تخرج الحديث من داخلها:
-أنتَ.. أنتَ عايز تتجوزني ليه!
ابتسم بسخرية ظهرت إليها جيدًا محركًا رأسه بخفه، نظر إليها متسائلًا هو الآخر:
-هو اللي بيتقدم لوحده بيتقدملها ليه!؟
احتدت نبرتها لسخريته من سؤالها وأجابته بجدية:
-مش لسبب واحد، ممكن عايز يتجوز وخلاص وممكن أنها تكون مناسبة ليه ولعيلته، ممكن أُعجب بشكلها
صمتت لبرهة واستكملت على استحياء:
-وممكن يكون بيحبها
نظر إليها للحظات ووجدها تهبط بنظرها إلى الأرضية، داخله يرفرف من الفرحة، يطير بين السحاب، يعلم أنها ستوافق حديثها يشير إلى هذا ونظراتها وجميع ما بها وهو لم يتحمل إلا الموافقة وربما من الفرحة يتوقف قلبه..
تقدم إلى الأمام بجسده مبتسمًا بسعادة يهتف كلماته الذي تحدث بها على السطح معها في السابق:
-طب لو اتقدملك واحد في سني، من الحارة مثلًا.. ومش متجوز، بيسمع من والدتك دايمًا أنه كويس، ممكن هو مش قريب من ربنا أوي بس على الأقل بيصلي وبيقرأ قرآن على طول يمكن كل يوم وبياكل بالحلال وعايز يتجوزك علشانك أنتِ مش علشان حاجه تانية.. هتوافقي؟. ولا لازم تكوني بتحبيه
صمت لبرهة وهو ينظر إليها بعد أن وجدها ترفع رأسها إليه بدهشة واستغراب شديد، يتذكر تلك الكلمات جميعها! يعلم أنها أثرت داخلها! كان يرتب إذًا من وقتها أم هي تبالغ؟
هتف “جاد” متسائلًا:
-فاكرة وقتها قولتيلي ايه!؟
ابتلعت ما وقف بحلقها، توترت كثيرًا وظهر على وجهها ويديها التي أخذت تضغط عليها بشدة، أبعدت نظرها عنه غير قادرة على النظر إليه هل هو يُشتتها لتوافق! هل كان سيتزوجها قبل كل ذلك أم يكذب! هل هو يراها نفس الفتاة حتى بعد ما حدث من قبل “مسعد” أمامه!؟
-تحبي افكرك قولتي ايه!
رفعت نظرها إليه بحدة وكأن التفكير يعمل على جعل كل وسواس داخلها يحضر:
-أنتَ فعلًا كنت هتطلبني للجواز قبل كل ده ما يحصل ولا والدك بيقول كده علشان مايبنش إنك مغصوب
نظر إليها بحدة، لا يعلم ما الذي تريد قوله، أهو أمامها رجل لا يستطيع أخذ قرار من عقله ليُغصب عليها؟.. وقف على قدميه أمامها وتحدث بجدية قائلًا وهو ينظر إلى الأسفل ليقابل عينيها وهي تجلس:
-أنا لو مش موافق على الجوازة دي مكنتش جيت هنا وأنا مش بتغصب على حاجه يا بشمهندسة… كنت هتجوزك قبل ولا بعد ده شيء مايخصكيش المهم إني هنا دلوقتي، الظاهر كده أنك مش واثقة فينا
نظر إليها نظرة أخيرة ثم خرج من الغرفة وتقدم منهم ورسم الهدوء والراحة على وجهه بمنتهى الإبداع لتدلف والدتها إليها سريعًا حتى تعلم ما الذي قررته بعد الجلوس معه كما أرادت:
-ها يا هدير؟.
رفعت نظرها إلى والدتها وكلماته تتكرر داخل أذنها خاصة “كنت هتجوزك قبل ولا بعد ده شيء مايخصكيش المهم إني هنا دلوقتي” إذًا هو حقًا لم يكن يريد الزواج منها وإلا كان سيقول لما سيخفي الأمر، كان سيقول ببساطة أنه أراد الزواج منها قبل أن يفعل “مسعد” كل هذا في منتصف الشارع بالحارة!..
أنه لا يريدها فقط يفعل هذا لأجل حديث والده.. ولكن كلمات السطح!..
-هدير
-موافقة
بعد أن صاحت والدتها بإسمها لتخرجها من شرودها هتفت بهذه الكلمة بعفوية سريعة لتطلق والدتها العنان لنفسها وتطلق الزغاريد عاليًا لتعم أرجاء المكان..
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)