رواية ندوب الهوى الفصل الأول 1 بقلم ندا حسن
رواية ندوب الهوى الجزء الأول
رواية ندوب الهوى البارت الأول
رواية ندوب الهوى الحلقة الاولى
“تهوى الروح شخصًا حلمت به ليالي طويلة”
خرج من منزله في الطابق الأول علوي، ثم هبط الدرج بهدوء وبطء قصد أن يفعله لعله يرى شخص لم يراه منذ يومين وكل تفكيره يصب نحوه فقط، والذي ازداد بعدما وقع على عاتقه شيء لن يستطيع أن يتحمله بعد ما حدث بينه وبين والده من نقاش خرج منه هو الوحيد الخاسر..
مر من أمام باب شقة في الطابق الأرضي، بعد أن زفر بحنق لعدم تحقيق ما تمنى وكأنه كان يعلم أن ذلك سيحدث وقد خلف الوعد معه..
ولحسن حظه بينما يمر بهدوء تفاجئ بصوت قوي ميزه بأنه صوت باب! ثم شعر بشيء يرتضم بظهره وبعدها استمع إلى أشياء أخرى اصطدمت بالأرضية!..
أعتقد أنها “مريم” الابنة الصغرى لهذا المنزل، ربما تكن متأخرة على إحدى محاضراتها كالعادة، فهو دائمًا يراها تهرول سريعًا إلى أصدقائها بعد تأخرها عليهم، يا لها من كسولة..
استدار بجسده ينظر إليها ليجدها هي!، ليست “مريم” بل الشقيقة الكبرى لها “هدير”، التي كان يتمنى رؤيتها منذ قليل فقط!..
استدارت إليه بعد أن أغلقت باب الشقة بهرجلة ونظرت إليه نظرة معتذرة دون حديث وهي تهبط إلى الأرضية لتلملم كُتبها الذي وقعت على الأرضية، هبط معها سريعًا هو الآخر ليساعدها في جمعهم ولكنه في الحقيقة كان يريد أن ينظر إليها وإلى تفاصيل وجهها وملامحه الذي غابت عنه يومين..
رفعت عينيها عسلية اللون إليه وهي تنظر إلى وجهه وودت لو نظرت كثيرًا لتحفظ معالمه داخلها، هتفت قائلة باعتذار وخجل:
-أنا آسفة والله يا بشمهندس جاد كنت خارجة بضهري مشوفتكش
ثم وقفت على قدميها فوقف معها هو الآخر، وزع نظره عليها من الأعلى إلى الأسفل، إنها حورية!، جميلة برغم البساطة التي تحلت بها، ترتدي فستان أرضيته لونها أزرق منقوش عليها باللون الأبيض، مغلق بالكامل وأكمامه تصل إلى بداية كف يدها، يحمل على خصرها حزام أبيض اللون ويصل طوله إلى الأرضية، بينما يزين وجهها الأبيض المستدير ذلك الحجاب الأبيض، الذي يجعلها تبدو كالحورية التي تهبط من الجنة..
لا تضع أي مستحضرات تجميل على ملامح وجهها، دائمًا يراها بكامل أناقتها ومع ذلك مثلما هي على طبيعتها، عينيها بلونها العسلي تسحره دائمًا بنظرتها إليه كما الآن تمامًا وذلك النمش البسيط الذي يزيدها جمالًا فوق جمالها..
شعر أنه أطال النظر إليها، أخذ يتمتم بالاستغفار داخله عدة مرات وبأن يرحمه ربه ويسامحه، أنه يفعل الآن الخطأ ليس الصواب..
تحدث قائلًا بجدية وهو يحاول أبعاد نظرة عنها بعد أن قدم لها الكتب لتأخذها بهدوء:
-آسفة على ايه محصلش حاجه
هل كان ينظر إليها بهذه الطريقة؟.. أنه منذ فترة ليس “جاد” الذي تعرفه، هل يريد أن يقول لها شيء أو يريد أن يوضح لها شيء بهذه النظرات؟.. سريعًا عادت ونفضت هذه الأفكار السخيفة من رأسها فهي في هذه الفترة أصبحت تتوهم كثيرًا باشياء لم تحدث بعد وربما لن تحدث أبدًا..
وجدته عاد بنظره إليها مرة أخرى فنظرت إليه تحاول أن تعرف ما هي هذه النظرة وإلى ماذا تشير؟. ولكن وجدت نفسها تتوه داخله، تُبحر داخل تفاصيله، خصلاته السوداء اللامعة الممزوجة بالبنية التي اكتسبت طولًا هذه الفترة، عينيه الرمادية ذات اللمعة الغريبة، أنفه الحاد الشامخ، وشفتيه الرفيعة التي يهبط عليها ذلك الشارب يخفي جزءًا منها وتحيط تلك اللحية ذقنه بينما برزت تفاحة آدم بعنقه..
أنه “جاد الله أبو الدهب” كيف سيكون غير ذلك الرجل الوسيم الذي يقف أمامها؟، كيف سيكون غير ذلك الرجل المعروف بأخلاقه واحترامه لكل شخص بتلك الحارة؟..
تنهدت بصوتٍ مسموع وقد أطالت بوقفتها معه هنا وهي تعلم أن ذلك لا يجوز أبدًا، غير أنها من الأساس متأخرة، انتشلها من أفكارها به هاتفها الذي بين يدها خرج صوته عاليًا آتي بمكالمة من صديقتها فوضعته على وضع الصامت ونظرت إلى ذلك القابع أمامها قائلة بتوتر وخجل من ذلك الموقف الذي وضعت نفسها به:
-عن اذنك لازم أمشي
ثم خرجت سريعًا ولم تعطي إليه الفرصة للرد من الأساس لتذهب إلى كليتها، حيث أنها كانت تدرس بالسنة الأخيرة بكلية الزراعة، تركته يقف بداخل ردهة المنزل يفكر بها، وبحديثها، حركاتها التلقائية، ونظراتها العفوية التي تأتي من عينيها عسلية اللون الساحرة، يفكر بكل شيء يخصها وهناك مع ذلك التفكير دقة قلب عنيفة خائفة من القادم..
هو الآخر خرج من المنزل والذي كان ملك لوالده وعمه، مكون من طابقين علوي هو ووالده ووالدته بالأول وعمه بالثاني مع عائلته وفي الطابق الأرضي منزل “هدير” وعائلتها..
خرج متوجهًا إلى المنزل المقابل والذي كان ملك لهم أيضًا الطابق الأرضي به ورشة ميكانيكا سيارات ملك له، بينما الطابقين الآخرين كانت شقة منهم له ليتزوج بها والأخرى إلى ابن عمه وشقيقه “سمير”..
تقدم إلى الورشة ووجد بها الشباب الذين يعملون معه بها تحت إشرافه، المهندس “جاد الله أبو الدهب”
❈-❈-❈
“بمنتصف اليوم”
جلست “مريم” في غرفة شقيقتها “هدير” على الأريكة تحت النافذة التي تنظر منها على الشارع بأكملة يمين ويسار وبالأخص البيت المقابل لهم وورشة “جاد أبو الدهب”، فتاة غاية في الجمال مثل شقيقتها وأكثر، وجهها أبيض مستدير لا يحمل أي شيء من أدوات التجميل بل دائمًا على طبيعته، شفتيها صغيره وأنفها كذلك وجميع ملامح وجهها، غير عينيها العسلية الصافية مثل شقيقتها تمامًا، جلست تفكر بشخص أحبته كثيرًا ولا ينظر لها يومًا، ربما لا يدري بوجودها من الأساس، تنظر له من بعيد الأفق وتحلم بأن يكون ذلك الزوج الصالح لها، صغيرة على أن تفكر بهذه الأشياء ولكن قلبها لم يعد يعرف ذلك، من وسط الجموع أحبه هو وهو لا يبالي بها، ربما لو عرف بمكنون قلبها سيبالي ولكنه لا يعرف..
وضعت يدها على ايطار النافذة ثم اراحت رأسها عليها وهي تنظر على المارة بحارتهم، وتفكر به وتسترجع ملامحه الخلابة بذاكرتها، كلماته الجافة وطريقته الصلبة في الحارة، حركاته الرجولية وسيرة الفريد بالنسبة لها لا يوجد مثله أبدًا وتلك السيجارة التي يمسكها دائمًا وفي جميع الأوقات من خلف النافذة ترى ابن عمه يأخذها منه ويدعسها موبخًا إياه، حتى أنه في الفترة الأخيرة لم تراه يستنشق منها أمامه..
تدعي دائمًا في كل صلاة أن يجعله الله من نصيبها، وتدعي أن يحقق الله لها دعائها وأمنياتها التي تحمله داخل طياتها، من الممكن أن يكون يكبرها بكثير ولكنها تحبه وتريده هو فقط..
بينما تمرر نظرها في الشارع وجدته يتقدم من الورشة بابتسامة خلابة ورائعة، وقف يتحدث مع ابن عمه، يشير بيده يمين ويسار وكأنه يتحدث بأمر هام، وزعت نظرها عليه من الأسفل إلى الأعلى، تُملي عينيها به لتذكره في كل وقت، ولتراه وتميزه من بين الجميع..
قلبها يخفق بشدة وهي تراه يبتسم هكذا، وتفكيرها يتناسى كل شيء إلا هو!
رفعت نظرها إلى بداية الشارع من بعيد فوجدت شقيقها يتقدم ناحية المنزل، وضعت يدها على رأسها تجذب الحجاب وتحكم إغلاقه وقد كان مغلق حقًا ولكن خوفها منه يجعلها متوترة دائمًا، ثم جذبت أبواب النافذة لتغلقها ودلفت إلى الداخل والابتسامة على شفتيها قد رُسمت لأنها رأته..
خرجت من الغرفة إلى صالة المنزل الصغيرة، وجدت شقيقها يفتح الباب ثم تقدم إلى الداخل، نظرت إليه بهدوء وهي تراه يدلف غرفته، ذهبت إلى المطبخ لتساعد والدتها في تحضير العشاء..
وقفت جوارها وتحدثت قائلة مُبتسمة بهدوء وراحة:
-خلصتي يا ماما؟
استدارت إليها والدتها “نعمة” صاحبة القلب الرقيق الحنون، أم مصرية أصيلة تظهر الطيبة عليها وعلى وجهها البشوش، جسدها قصير وممتلئ قليلًا وأجابتها قائلة بابتسامة:
-قربت أخلص روحي أنتِ يا حبيبتي ذاكري
كادت أن تُجيبها ولكنهم استمعوا إلى صوت شقيقها “جمال” وهو يهتف بصوتٍ عالٍ يتساءل عن شقيقته الأخرى:
-اومال هدير فين؟ هي لسه مرجعتش
أجابته والدته قائلة بجدية وهي تقلب الطعام وتستدير بوجهها بعيد عنه:
-لأ لسه زمانها جايه
زفر بضيق ليتحدث بحدة وهو يخرج من المطبخ قائلًا بعصبية وغضب:
-بتعملهم عليا.. كل يومين ترجع متأخر، بتروح فين بقى الله أعلم
ذهبت “مريم” خلفه وتحدثت بحدة مثله قائلة بضيق وهي تدافع عن شقيقتها التي كانت تعمل لتعيل هذا المنزل وهو في فراشة ينعم بالراحة:
-عيب اللي بتقوله على أختك ده يا جمال أنتَ عارف هدير كويس
استدار ينظر إليها بضيق وانزعاج قائلًا وهو يشير بيده بحركات هوجاء:
-بت أنتِ هو أنتِ هتعرفيني العيب واللي مش عيب.. غوري من وشي
-خلاص يا جمال يا بني هدير زمانها جايه دلوقتي
قالت والدته هذه الكلمات بهدوء لتجعله يصمت ولا يفعل مثل كل يوم، يبحث عن أي شيء ليرفع صوته عليهم وليعود إلى نفس النقطة مع “هدير” التي يعرفها الجميع..
❈-❈-❈
خرج “جاد” إلى بداية الشارع وهو يقود سيارة ليجربها بعد أن قام بإصلاحات بها، بينما وهو يقود إلى الخارج نظر بعينيه دون قصد منه ليراها وهي تخرج من سيارة أول مرة له أن يراها، يقودها شاب لا يعرفه ولا يبدو من الحارة، أنه يعلم أنها لا تجلس مع أحد غريب عنها بمكان مغلق كالسيارة وحدها فهذا خارج حدودها، تمعن بالنظر من بعيد ليراها تميل على نافذة السيارة تتحدث إليه مبتسمة بسعادة وتحرك يدها إليه بعفوية ربما!.
ودعته بيدها وهي تلوح له ثم ذهبت بطريقها إلى الداخل وهي تنظر يمينًا ويسارًا، هل خائفة من أن يكون هناك أحد رآها؟..
من ذلك الشاب الذي كانت معه؟.. وكيف لها أن تكون معه وحدها؟. ولما خرجت من السيارة بعيد إلى هذا الحد؟.. هل تخفي شيء؟.
هل تخاف من أن يراها أحد معه؟. لقد انهشت الأفكار رأسه واثقلت عليه الأسئلة الذي ستجعله ينفجر كالبركان، كيف لها أن تكن معه وحدها؟!..
إلى هذه الدرجة لم تعد تقدر أحد أم أنها لم تعد تعلم ما هو الحلال والحرام وما هو الصواب والخطأ..
ما الذي يفكر به هي ليست هكذا، مؤكد هناك شيء هو لا يعرفه..
وضع يده على المقود وأدارها من جديد عائدًا إلى الداخل سريعًا قبل أن تصل إلى المنزل ليعلم منها من الذي كانت معه فهو لن يستطيع أن يبقى هكذا دون علم..
وقف بالسيارة أمام الورشة وهبط منها بينما هي تدلف إلى المنزل، أوقفها شقيقها أمام الباب عندما كان يخرج منه..
تحدث معها سائلًا إياها بجدية وهو يشير بيده بطريقة فظة متسائلًا:
-اتأخرتي كده ليه؟.
أجابته بتوتر وهي تنظر إليه بصعوبة قائلة وهي تدلف إلى الداخل:
-زحمة مواصلات
ذهبت للداخل وذهب خلفها شقيقها، ووقف هو مذهول من كذبها على شقيقها الآن أمامه، لم تراه وهو يقف على مقربة منهم يستمع إلى حديثهم، ولم تراه وهو في السيارة، لماذا كذبت على شقيقها؟.. هي لم تكن اليوم في المواصلات بل أتت بالسيارة، لو كانت تفعل شيء صحيح وليس خطأ كانت تحدثت ولم تخفي ما فعلته ولكنها تعلم أنه خطأ كبير..
ربما هناك شيء بينها وبين ذلك الشاب تخاف من أن يعلمه أحد؟.. لا مؤكد لن يكن بينها وبين أي أحد شيء، هذا مؤكد أنها مثال للأدب والاحترام في هذه الحارة لن يصدق ذلك عنها..
ربما يستمع إلى صوتها العالي في المنزل ويعلم أن لسانها سليط ولكن يعلم أيضًا أنها على قدر عالي من الأخلاق لن يصدق أن هناك شيء بينهم ولن يصمت إلى أن يعلم من هو ولما أتت معه ولما كذبت على شقيقها؟..
وقفت أمامه تستمع إلى هذه الأسئلة الذي تعرفها جيدًا وتعرف لماذا يريد أن يصل بها:
-اتأخرتي ليه؟.. ما كل يوم فيه زحمة مواصلات
وضعت كُتبها على الأريكة القديمة في الصالة ووقفت أمامه تضع يدها الاثنين أمام صدرها ثم تحدثت بثقة كبيرة قائلة له:
-جمال.. اسمع بقى الكلمتين دول، هدير أنتَ عارفها كويس ومش هسمحلك كل شويه تلمح بحاجه شكل علشان تعمل اللي في دماغك، آه خليك عارف ده.. أنتَ أخويا الكبير واللي المفروض يكون هو السند ليا مش العكس ومش أنتَ اللي تقول عني الحاجات اللي في دماغك دي.. اومال الغريب يعمل فينا ايه؟
نظر إليها بانزعاج وتحدث قائلًا بمكر لن تتقبله:
-وأنتِ عارفه أن أبوكي وصاني عليكم
أشارت بيدها بهمجية وهي تتقدم إليه تتحدث بعصبية وانزعاج شديد سيطر عليها بعد الاستماع إلى هذه الكلمات التي يقولها دائمًا محللًا ما يفعله:
-لأ يا حبيبي أبويا الله يرحمه لما وصاك علينا كان مفكرك راجل قد المسؤولية مكنش يعرف أنك هتخلي البنات هما اللي يشتغلوا ويصرفوا عليك… كفاية لحد كده يا جمال
ثم تركته وأخذت اشيائها متوجهة إلى الداخل بعد أن عكر صفوها وجعلها تشعر بالضيق والانزعاج لما وضعت به..
❈-❈-❈
“في المساء”
مازال لا يعرف من الذي كانت معه في السيارة وحدها!.. داخل قلبه يشتغل بنيران لا تهدأ أبدًا، عقله لا يود أن يفرج عنه بل يأتي إليه بأبشع السيناريوهات ويجعله يتخيلها، حركاته ليست محسوبة وهو هكذا، يريد حقًا أن يعلم من ذلك ولما كانت معه وكيف من الأساس أن تكون معه وهي لا تعرفه!.
أو ربما هي تعرفه، ربما هذه ليست أول مرة لها، ربما هي هنا تمثل دور الاحترام والمثالية!..
ضرب مقدمة رأسه على هذه الأفكار السخيفة التي يرسلها إليه شيطان عقله الأبلة ليجعله يفكر بها هكذا..
خرج من شقتهم وأغلق الباب خلفه، وقف أمام الدرج وانحنى بجذعه العلوي ينظر إلى الأسفل ربما يراها ولكن لن يحدث ذلك..
استدار بقدميه وصعد إلى الأعلى، يريد أن ينعش صدره ببعض الهواء الطلق من على سطح المنزل صديقه الأقرب، أقترب من باب السطح وقد رأى النور مشتعل فعلم أن هناك أحد..
دلف إليه ليراها هي، تجلس على المقعد بجانب السور وبيدها كتاب تقرأ منه، ربما تدرس!.. تقدم إليها ثم أصدر صوتًا خشنًا لتشعر بوجوده معها..
أغلقت الكتاب بيدها ووقفت على قدميها بعد أن نظرت إليه لتراه يتقدم منها ووقف أمامها محافظًا على مسافة بينهم، تحدث سائلًا إياها بنبرة رجولية خشنة:
-ازيك يا بشمهندسة هدير
ابتسمت بهدوء مُخفضة وجهها بالأرض ثم رفعتها مُجيبة إياه قائلة بخفوت:
-الحمدلله بخير.. بس مش لسه بدري على بشمهندسة دي
ذهب ليقف جوار سور السطح وأستند بيده الاثنين عليه ينظر إلى الخارج وتحدث بهدوء مُبتسمًا:
-لأ مش بدري ولا حاجه خلاص هانت
-عندك حق
نظر إليها وهو يود لو يلقي عليها جميع الأسئلة الذي برأسه لتُجيبها هي وترحم عدم معرفته ما الذي يحدث معها:
-أنتِ بتعملي ايه هنا؟.
وقفت جواره على مسافة مقبولة ونظرت إلى الخارج بعد أن وضعت الكتاب على الطاولة جوار المقعد وهتفت قائلة بابتسامة ساخرة:
-زي ما أنتَ شايف بذاكر.. كالعادة محدش عارف يذاكر في البيت من الجو اللي عامله جمال بالاغاني في اوضته
ابتسم هو الآخر بسخرية وقد رأت تلك الابتسامة الرجولية الساحرة لتجعل قلبها يدق بعنف داخل صدرها، ماذا لو وضعت يدها على وجنته وشعرت به!.. أغمضت عينيها بقوة وداخلها يقوم بالاستغفار، دائمًا تفعل الخطأ وهي تنظر إليه..
استمعت إليه يقول متسائلًا بجدية وهو ينظر إليها:
-هو أنتِ سيبتي الشغل في محل الأدوات الكهربائية ليه؟.. حد ضايقك؟
فتحت عينيها ببطء ليظهر بحر العسل الصافي المخفي خلف جفنيها:
-لأ لأ أبدًا أنا بس لقيت نفسي مش قادرة أوفق بين الكلية والمذاكرة والشغل، قولت اسيبه والدنيا كويسه معانا الحمدلله
سألها مرة أخرى قائلًا:
-يعني مش محتاجة شغل
ابتسمت إليه وهي تشعر بذلك الإهتمام الفريد منه وودت لو بقى هكذا دائمًا، أجابته بنفي قائلة:
-لأ كلها كام شهر وهخلص الكلية بعد ما أخلص هشتغل إن شاء الله علشان مريم
نظر إليها وهو يبتسم هو الآخر، لقد كانت مثال الاحترام والأخلاق الحميدة، أنها فتاة صغيرة تأخذ دور كبير العائلة وتعمل لتجعلهم لا يطلبون شيء من أحد، تأخذ دور شقيقها الأكبر الذي لا يهمه أي شيء سوى نفسه وراحته، وإلى الآن لم يقدم لهم شيء يتذكرونه به من بعد أن توفى والدهم، وهي لا تقبل نظرة شفقة من أحد ولا تقبل مال شفقة حتى من والده وعلى الرغم من أنهم يجلسون في بيته إلا أنها تدفع له إيجار رمزي بسيط بعد أن عانى معها في إقناعها بعدم دفع شيء إكرامًا لوالدها الذي كان يعمل عندهم..
نظر أمامه ثم دون مقدمات وفجأة سألها بنبرة رجولية جافة ارهقها التفكير:
-مين اللي كنتي راكبه معاه النهاردة؟
توترت قليلًا من سؤاله الغير متوقع، من أين علم؟ أنها خرجت من السيارة بعيد عن هنا؟. هل رآها؟ ماذا قال عنها يا ترى، لابد أنه فكر بها السوء عندما رآها مع شخص لا تعرفه…
نظرت إليه وأجابته بتردد بعد أن شعرت بالتوتر من نبرته التي تغيرت مئة وثمانون درجة عندما سألها:
-ده أخو زميلتي في الكلية
اعتدل في وقفته وأصبح مقابلًا لها، ذلك بعد أن استمع إجابتها الغير مريحة بالنسبة إليه كليًا، وضع يده خلف عنقه يمررها عليه بحدة وأردف قائلًا بجدية وقوة تتنافى مع حديثه:
-أنا عارف إن مش من حقي أسألك بس بصراحة كده الموقف كان وحش أوي لما شوفتك نازلة من عربية حد غريب عن هنا وبعدين ألاقيكي بتكدبي على جمال.. ولا أنتِ ايه رأيك؟
ابتلعت ما وقف بحلقها ونظرت إلى الأرضية بخجل يكاد أن يجعلها تختفي من أمامه بالكامل، هو معه كامل الحق أنه موقف لا يدل إلا على شيء واحد، استمعت إلى سؤاله مرة أخرى قائلًا:
-وأنتِ بتركبي عربيات مع أي حد كده عادي
رفعت رأسها إليه سريعًا مُجيبة إياه بحدة ونفي لكلماته:
-لأ طبعًا
وجدته يتساءل بعينيه مطالبًا تفسير فقالت وهي تضغط على أصابع يدها الاثنين بتوتر مُجيبة إياه:
-أنا مكنتش معاه لوحدي
نظرت إليه لتراه مثلما هو يطالب بتفسير آخر فقالت بصدق ما حدث وما تفعله هي:
-أنا عمري ما ركبت مع حد غريب لوحدي دي أول مرة وكمان كان معايا زميلتي تبقى أخته.. هو كان جاي ياخدها فـ أصر أنه يوصلني لأني كنت متأخرة بس مش أكتر
حك فروة رأسه وهو يقلب عينيه وتساءل مردفًا مرة أخرى:
-بس أنا مشوفتش حد معاه غيرك
أخذت نفس عميق وأجابته بجدية شديدة وهي تراه لا يصدق حديثها:
-لأ على فكرة كانت موجودة في الكرسي اللي قدام جنبه وأنا كنت ورا ممكن تكون شوفتنا من ناحيته علشان كده مشوفتهاش
هتف بجدية وهو يلقي عليها نصيحة هادئة ومن داخلة يشتعل وهو يستند على السور بيده ضاغطًا عليه بشدة:
-ممكن بردو.. بس بعد كده خدي بالك ومتركبيش مع حد متعرفيهوش تاني
نظرت إليه باستغراب، ثم ابتسمت بسخرية وفعلت كما طلب منها قائلة:
-عن اذنك أنا هنزل بقى.. شكل وقفتنا كده غلط
ابتسم بسخرية وتهكم أكثر منها وهو يرى ذكائها بوضوح، لم يقصد الحديث عنه أيتها البلهاء، رآها تأخد كتابها وهاتفها من على الطاولة وعندما أخذتهم بيدها وجدت الهاتف يصدر صوت مكالمة، نظرت إلى شاشة الهاتف لتراه رقم غير مسجل، فأجابت وهي تعطي له ظهرها:
-السلام عليكم.. أيوه أنا مين معايا
بعد أن استمعت إلى الصوت على الطرف الآخر أردفت مرة أخرى متسائلة باستغراب بعد أن عقدت ما بين حاجبيها:
-وأنتَ جبت رقمي منين؟
تقدمت مرة أخرى من سور الشرفة وألقت نظرة إلى الأسفل أمام المنزل لترى شقيق زميلتها يقف في الشارع والهاتف على أذنه يتحدث معها، وكل ذلك تحت نظرات “جاد” الذي لو أراد أن يحرقها ويحرق ذلك الأبلة الذي يوزع تبسُمات ليس لها معنى لفعل وأحرقهم دون أن يسأله أحد لما فعل ذلك..
نظرت إلى “جاد” بتوتر وهو الذي كان يتحدث معها الآن عن ذلك الغبي الذي أتى إلى هنا وفي هذا الوقت لتراه ينظر إليها بحدة وعصبية ظاهرة بسبب أفعالها الغريبة والغير محسوبة.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)