رواية نجمه ليلى الفصل الثاني 2 بقلم سارة مجدي
رواية نجمه ليلى الجزء الثاني
رواية نجمه ليلى البارت الثاني
رواية نجمه ليلى الحلقة الثانية
حين اشرقت شمس النهار …. و بدأت الحركه تدب فى ذلك الملجىء الكبير … لاحظ الحارس تلك الطفله النائمه اسفل الشجره الكبيره و فوقها شال اسود من الواضح انه باهظ الثمن و بجانبها حقيبه صغيره و ظرف كبير
حمل الطفله على كتفه ثم امسك بالحقيقه و الظرف و توجهه مباشره الى المسؤله عن الدار
سلمها الطفله و الاغراض و غادر
كانت مسؤله الدار تشعر بالاندهاش من هيئه الطفله و ملابسها التى يبدوا عليها الثراء
و ايضا من هذا السلسال الكبير المعلق به خاتم كبير مميز الشكل
امسكت الظرف الكبير و فتحته و كانت الصدمه التى جعلتها تتصل سريعا بالحج نجيب الزيني
و الذى حضر سريعا بصحبه الحجه وفيه و كذلك ولده عاصم
لتحل الصدمه على الجميع حين وقعت عيونهم على الصغيره التى تحمل الكثير من ملامح والدها و اخذت شعر والدتها الطويل ولون عينيها الزرقاء المميز
و كان واضح للجميع خاتم الحجه وفيه المعلق بعنق الصغيره امسك عاصم الاوراق و بدء فى قرأتها
شهاده ميلاد نجمه و قسيمه زواج سليم و نجمه … شهاده وفاه سليم و ايضا تشخيص الطبيب لحاله نجمه المرضيه
و اخيرا جواب منها و بدء فى قرأته بصوت عالى
(( الحج نجيب بيه و الست وفيه هانم …. عاصم به الزيني … البنت دى بنت ابنكم سليم بيه الزينى … هو اتوفى من خمس شهور … و بعد وفاته اكتشفت انى مريضه سرطان و رحله علاجى طويله و مؤلمه و اكيد حضراتكم عارفين … علشان كده ملقتش حل قدامى غير انى ابعت لكم نجمه تراعوها ما هى فى الاول و الاخر بنتكم … و انا ربنا يتولانى برحمته … سليم كان بيتمنى انه يرجع لحضنكم و ان بنته تكون وسطكم … انا عارفه حنيه قلبك يا ست وفيه هانم و حنانك يا حج نجيب بيه … و رحمه سليم تحافظوا على حته منه لانى بين ايد ربنا و مش عارفه هقدر ارجع لها تانى و لا لا ((نجمه )) ..))
اغلق عاصم الجواب بقليل من العنف و قال بتقزز
– خدامه … مجرد خدامه
ثم نظر الى الطفله التى تشبه والديها بشده و ذلك جعله يقول بامر غير قابل للنقاش موجه كلماته لمسؤله الدار
– افتحى ملف للبنت و شوفي ليها سرير
و تحرك يغادر الغرفه ثم الدار كلها امام صدمه الحج نجيب و الحجه وفيه الزاهله و المصدومه
و فى البيت الكبير اجتمع الجميع يتناقشون فى الامر يحاولن اقناع عاصم ان ما يقوم به خاطىء و ترك ابنتهم فى الملجىء خطىء كبير اكراما لروح سليم و لكن لم يستطع احد ان يقف امامه او يقنعه بالامر خاصه مع مسانده خالد له
خالد الذى لا يهتم سوا بالمال و الارض و ان يصبح كل شىء له هو و اولاده من بعده … حتى لو كان هذا سيكون بان يبقى بابنه اخيه فى الملجىء
كانت زوجه خالد تقف فى اعلى السلم تحتضن اولادها بخوف و عيونها تحمل كره كبير لخالد الذى لم يعاملها يوما باحسان او حب … تعلم السبب جيدا … و لكن ليس بيدها شئ تفعله … اصبح خالد غول لا يهتم سوا بالمال و الانتقام
فى نفس الوقت الذى كان فريد الابن الاكبر لخالد الذى لم يتعدى عمره السبع سنوات ينظر الى والده بشر كبير … خاصه مع نظره الحزن الساكنه دائما في عين امه
مرت سنوات كثيره للاسف لم تتحمل نجمه الالم و لم تعد قادره على اكمال العلاج و اختارها الله ان تذهب الى حبيبها و مصدر امانها و سعادتها فى الدنيا
و حدث ذلك بعد سنه واحده من تركها لابنتها فى ملجىء ال الزيني
اصبح فريد الان هو المسؤل عن كل املاك العائله بعد وفاه جده نجيب و لحقه جده عاصم و مرض والده الذى تسبب فى جلوسه على كرسى متحرك فقد اصابه مرض الرعاش و جلطه دماغيه اثرت على النطق و اصبح لا يستطيع التحكم فى جسده …. جزاء على كل الظلم الذى قام به فى حياته و لكل من كان تحت رحمته ….
كان فريد منذ كان بالعاشرة يذهب مع جده نجيب لزياره نجمه فى الملجىء يحضرون لها الالعاب و ايضا الملابس و العلاج الخاص بها
فمنذ تركتها والدتها بالملجىء و شاهدت قسوه جدها و عمها و انها بمفردها فى الحياه دون والديها و بمكان لا تعرفه …. تحلت بالصمت امام كل شىء و منذ ذلك الوقت لم يسمع احد صوتها
علمت الحقيقه و فهمت كل شئ حين ذهب لها جدها اخر مره قبل وفاته و كان ذلك منذ سنه و اخبرها بكل شىء و لكنها ترفض ان تكون فرد من هذه العائله التى رفضتها … و لولا خوفها من العالم الخارجى … و احساسها انها بمفردها و لا تعرف احد سوا اهل الملجئ لرحلت عن هذا المكان البغيض الذى يحمل اسم مشابهه لاسمها … رغم انها اصبحت فى السن الذى يفرض عليها ترك الملجىء الا انها فضلت ان تعمل به و بدون آجر تكتفى فقط بتناول الطعام هناك
حتى انها اصبحت ترفض كل ما يرسله لها فريد
فهو لم يذهب الى الملجىء منذ اخر زياره لجده لكنه يعلم جميع اخبارها …. و يخبر جدته وفيه بكل شىء … فهى لا تستطيع الخروج من المنزل بسبب المرض و لكنها دائما تبكى من اجل تلك الصغيره التى لم ترى من الحياه سوا القسوه و الجحود … و كم من مره تتوسل من اجل اخراجها من الملجئ … لكن رد فريد دائما الصمت
كان يفكر في كل هذا و هو يقف امام المرآه ينظر الى نفسه بتحدى و قوه
خرج فريد من غرفته متوجهه الى غرفه والده بعد ان تأكد من مظهره فاليوم بالنسبه له هام جدا … و مصيرى … و ككل يوم يدلف الي والده قبل ان يغادر يجلس معه لعده دقائق بمفردهم ثم يغادر البيت كله و لا يعود الا ليلا و لا احد يعلم ماذا يفعل بالداخل او ماذا يقول لوالده . فهو لا يقبل دخول اى شخص عليهم .
ثم توجه الى غرفه جدته يقبل يدها .. و تدعوا له … و لكنه اليوم همس بجانب اذنها بشئ جعلها تبتسم بسعاده كطفله صغيره اشترى لها والدها الدميه التى تتمناها منذ سنوات
ليغادر غرفه جدته و بداخله طاقه كبيره … لتنفيذ ما عزم عليه
كان ينزل درجات السلم حين وصل صوت اخته الصغيره رباب تتوسل والدتها ان توافق على شئ ما … وصل الى غرفه الطعام لتصمت رباب تماما … اقترب يقبل راس والدته ثم وجنه اخته وهو يقول
– انا موافق
نظرت اليه رباب باندهاش و صدمه … ليبتسم وهو يجلس مكانه و اكمل دون ان ينظر اليها
– بس السواق هيوصلك … و يرجعك … و مفيش تاخير
لتقول باندهاش لم يفارها
– انت موافق اروح فرح صاحبتى يا آبيه ؟
رفع عيونه اليها و قال بابتسامه حانيه
– طبعا موافق زى ما كل اصحابك هيحضروا فرحك ان شاء الله
كانت والدته تنظر اليه بنظرات هادئه لكنها تتغلل الى روحه تقرأ ما بداخله … كان يشعر بنظرات والدته و لكنه لم ينظر اليها … بل وقف وهو يخرج من جيب بنطاله … مبلغ لا بأس به من المال و اعطاه لاخته وهو يقول
– اشترى احلى فستان لاحلى رباب
لتبتسم رباب بسعاده كبيره و ركضت اليه تضمه ليربت على ظهرها بحنان … في تلك الحظه التقت عينيه بعيون والدته التى ابتسمت و هى ترى الحقيقه كامله داخل عينيه … لتأخذ نفس عميق براحه
ليقترب يقبل راسها من جديد بعد ان ركضت رباب الى غرفتها … لتقول هى بهدوء
– ربنا يوفقك يا ابنى .
ليبتسم بسعاده و غادر سريعا … و الامل و الشوق يسابقوه
توجهه فريد الى الارض الزراعيه يباشر كل ما يحدث بها ثم توجه الى المصنع الخاص بالنسيج كان يقوم بكل شىء سريعا … هو اليوم عقله مشغول بما قرر فعله
اليوم سيذهب لرؤيتها بعد كل تلك السنين … انهى كل شىء واجل البعض الاخر و ذهب مباشره الى الملجىء
حين وصل الى هناك وقف امام حارس الملجىء الذى وقف باحترام و قال
– اهلا يا بيه نورت الدنيا
نظر اليه فريد بصمت لعده ثوان عيونه تنظر في كل مكان ثم قال
– فى حد موجود فى الجنينه و لا الكل فرق
شعر الحارس بالاندهاش و لكنه اجابه قائلا
– لا يا بيه كلهم فوج
اومىء فريد بنعم و توجه الى الداخل و مباشره الى غرفه المديره التى وقفت بأحترام ترحب به
ليجلس على كرسى المكتب و جلست هى امامه باحترام شديد
و قالت
– نورت الدار كلها يا فريد بيه
اومىء برأسه فقط دون ان يجيب على كلماتها ليخيم الصمت عليهم لعده دقائق كانت هى ترتعش حرفيا من الخوف
و انتفض جسدها حين وقف فجأه و توجه الى النافذه الكبيره التى تطل على حديقه الملجىء عينيه تبحث عنها هو يعلم جيدا مكان اختبائها عن العالم او بمعنى اخر مخبئها السرى الذى لم يعد سري ظل ينظر حول تلك الشجره الكبيره التى وجدوها بجوارها … الشجره التى اصبحت تشبه البيت الخشبى الكبير … و من بين اغصانها المتشابكه لمحها تجلس ارضا تستند الى سور الملجىء … و تمدد قدميها امامها و بين يديها كتاب لم يتبين ما هو ابتسم ابتسامه صغيره و هو يرى ضفيرتها المستريحه بجانبها ارضا و عيونها التى تشبه البحر الهادىء رغم قسوه نظراتها المحاطه ببعض الانكسار
خرج من افكاره و هو يقول
– اخبار نجمه ايه ؟
– زى ما هى يا فريد بيه … ساكته طول الوقت بتقرا و بتساعد فى تنظيف الملجىء
اجابته سريعا لينظر اليها سريعا و عينيه تحمل الكثير من الشر و ردد قائلا
– تنظيف ؟!
تراجعت المديره الى الخلف بخوف شديد و هى تتذكر ذلك اليوم الذى كان اخر يوم يروا فيه السيد خالد
خاصه وصوت السيد فريد كان سيحطم جدران الملجىء حين حضر على غير عادته حين علم ان والده هنآ و منعه من رؤيه نجمه او الاقتراب منها و من وقتها ولم يرى احد السيد خالد و لا يعلموا ماذا حدث له
اعاد كلمته بصوت عالى
– بتنظف ؟!
– و الله يا بيه حاولنا معاها كتير لكن هى بترفض و لو منعناها بالعافيه من الشغل مش بترضا تاكل و لا تشرب
قالت الكلمات بسرعه كبيره و بصوت يرتعش خوفا ليعتدل فى وقفته و ظل ينظر اليها من اعلى الى اسفل ثم تحرك ليغادر المكتب ظلت هى واقفه فى مكانها لا تعلم هل تلحق به …. ام تنتظره و لكن الوقت قد فات على هذا حين لمحته عبر النافذه الكبيره يقترب من الشجره الكبيره
كانت هى غارقه حتى اذانها داخل احداث تلك القصه التى تقرها
معجبه بقوه البطل الذى استطاع اخذ حق حبيبته من اعدائها … و ايضا عاشقه لصديقه صاحب الدم الخفيف و تشعر بتعاطف كبير مع البطله التى ظلمتها الحياه و لكن وجدت فى البطل العوض الكبير عن كل ما حدث معها
شعرت بان الشمس قد حجبت عنها و ان هناك شىء ضخم يقف امامها لترفع عيونها تنظر الى الحائط البشرى الذى يقف امامها بشموخ
خاصه مع جسده الرياضى المتناسق و تلك الملابس التى تظهر تقسيم عضلات جسده بوضوح
رفعت عيونها اكثر حتى وصلت الى عينيه …. حاده النظره رغم ان بداخلها حنان لم تراه يوم غير بعيون والدها التى لا تتذكر من ملامحه الا انها تشبه تلك العيون كثيرا
ملامح رجوليه صارخه وسامه حاده تقطع الانفاس و كأنها تشاهد احد ابطال الروايات قد تجسد امامها
و لكن لما قلبها ينبض بذلك الشكل المتسارع
كان هو ايضا يتأملها بل غرق فى بحور عينيها …. سمائها الصافيه من اى سحب
عاشق لتلك الملامح البريئه التى سكنت عينه و قلبه و عقله من اول مره شاهدها
اقترب منها اكثر ثم انحنى حتى يعبر من تحت ذاك الغصن الكبير لتشعر ان المكان الواسع بداخل تلك الشجره الكبيره اصبح ضيق بشده ولكنه يحفظ ذلك المكان …. فتوجه لذلك الغصن الكبير الذى يلتوى على شكلٍ كرسى و جلس عليه بكبرياء و نظر اليها بثبات رغم تلك النظره الحانيه و قال
– انتِ متعرفيش انا مين … بس انا اعرفك كويس … كويس اوووى
صوته الرخيم المليء بالقوه … و الحنان و الامان جعل قلبها يكاد يغادر صدرها من قوه نبضاته
ليكمل هو كلماته قائلا
– انا فريد خالد عاصم نجيب الزيني
صمت لثوان يلاحظ اتساع عينيها بصدمه ليكمل بصوت هامس لكن واضح
– ابن عمك
كانت نظراتها ثابته لكنه لاحظ تلك الامواج العاتيه التى تثور داخل عينيها
و كانت هى تنظر اليه و تتذكر ذلك الطفل الذى كان يحضر مع جدها فى تلك الزيارات المتفرقة من وقت لاخر
اغلقت كتابها بعنف و تحولت تلك الأمواج العاتيه بداخل عيونها الى عاصفه تسونامى قويه جعلته يشعر من داخله بسعاده كبيره لا توصف خاصه و هو يشعر و لا يعلم سبب هذا الشعور … انها ستخرج عن صمتها
ابتسم بسعاده ابتسامه ليست لها مُبرر بالنسبه لها لكنه قال بهدوء
– عارف بتفكرى فى ايه و عارف كمان كم الكره اللى جواكى لعيله الزيني … بس لازم تعرفى حاجه كويس جدا …. صحيح انا ابن عمك لكن انا مليش اى دخل بكل اللى حصل … و لو عايزه تعرفى الحكايه بشكل مختلف احكيهالك
ظلت نظراتها كما هى ليكمل هو كلماته بهدوء و بدء فى سرد كل تفاصيل القصه من اول لحظه حتى ذلك الوقت الذى يقفون فيه
– جدك عاصم لقيناه مقتول فى مكان غريب و موصلناش ليه غير بعد ايام … كان قتل عن عمد او صدفه محدش عارف … و عمك قاعد دلوقتى على كرسى متحرك … مش بيقدر يتحكم فى جسمه و كمان مبقاش يقدر يتكلم
كانت نظراتها غريبه بالنسبه له … لم يرى هذا المزيج من قبل سعاده محاطه بشفقه … و بعض الحزن ليكمل هو كلماته
– اول ما بدأت افهم اللى بيحصل حوليها شوفت كره ابويا لعمى … اللى مفهمتش سببه ايه … و وسوسته لجدى علشان ميسامحش عمى سليم على جوازه من والدتك … و على اصراره على انك تفضلى هنا فى الملجىء
و اشار بيديه الى المبنى الموجود خلفه و قال
– لحد ما امى حكت ليا كل حاجه حصلت و فهمت كل اللى حصل … ذنب عمى الوحيد انه اتجوز والدتك اللى ابويا كان عايز يتجوزها على امى و علشان كده قرر يحرمه من عيلته و من ماله و من كل شىء
الان ترتطم تلك الامواج بشواطىء وجنتيها لتغرق وجهها بالكامل …. كان يود ان يقترب منها يضمها بحنان يزرعها داخل قلبه بساتين سعاده و فرح …. لكن عليه ان يكمل كلماته … عليه ان يستطيع اقناعها بما يريد
– نجمه … املاك الزيني كلها تحت ايدى دلوقتى …. و انا عايز ارجعلك حقك … و حقك مش فلوس بس حقك اسم و سمعه … حقك عيله لازم تبقى فى وسطهم …. حقك انى احقق امنيه عمى انك ترجعى بيت الزيني الكبير و الكل يعترف بيكى و يعرفك
كانت تنظر اليه بنظرات مظلمه فلقد خيم الليل و اصبحت زرقه البحر فى عيونها سوادًا
ليقف على قدميه و اقترب منها حتى وقف امام قدميها الممددة امامها و جثى على احدى ركبتيه و نظر الى عمق عينيها و قال بصدق
– تقبلى تتجوزينى يا بنت عمى ؟
ظهرت الصدمه جليه على ملامحها البريئه و هدأت امواج عينيها العاتيه و اصبحت هناك امواج متلاحقه من الخجل و القلق … ليكمل كلماته قائلا
– ردى عليا يا نجمه انا عارف و متأكد ان سكوتك ده بختيارك … ردى عليا واجهينى … خرجى كل غضبك …. علشان خاطر عمى و مرات عمى لازم تتكلمى
وقفت سريعا على قدميها و ظل هو على جلسته تنظر اليها برفض و غادرت سريعا
ليذهب هو خلفها و دون ان يلمسها وقف امامها سريعا و هو يقول
– متهربيش … كفايه لحد كده هروب … اصلا انا مش هسمح لك انك تهربى
كانت يتحدث و هو ينظر الى عمق عينيها لتبعد عينيها عن خاصته و نظرت بعيدا ليتحرك خطوه واحده و عاد يأسر نظراتها بخاصته بتحدى و ظل الموقف ثابت عده ثوان
– أثق فيك ليه ؟
إتسعت ابتسامته حين سمع صوتها …. و لكنه قال سريعا
– مش لازم تثقى فيا … كفايه يحركك انتقامك حتى لو هتنتقمى منى انا
ثم فتح ذراعيه و هو يقول
– و انا مستعد لده …. و صدرى مفتوح
من داخلها تثق به …. تتذكر كلمات جدها نجيب الاخيره حين زارها و لاول مره بمفرده … كان يبدوا عليه التعب الشديد … و قبل ان يغادر قال لها
– يمكن تكون يا بنتى دى اخر زياره …. بس عايزك تعرفى انك لو احتجتى حد من العيله تثقى فيه و تأمنى على نفسك معاه …. هو فريد ابن عمك
وقتها شعرت ان جدها يهزى … او انه مريض لدرجه جعلته ينسى من هو فريد و من هو عمها
و لكنها الان و رغم الخوف الساكن داخل قلبها منذ سنوات الا انها تشعر بالثقه …. تشعر انها تثق به و تشعر بالامان فى وجوده و داخل هيئه ترى نفسها بوضوح و قوه
كانت نظراتهم فى هذا الوقت اقوى من اى حديث يقال بالالسن … حتى قطعت هى هذا التواصل و قالت
– جواز على الورق
لم يتوقع ان تم تثق به … ليصدم انها وافقت على الزواج منه … فرغم انه يشعر الان بالم قوى فى قلبه لكنه تجاهل هذا الالم … عليه ان يكمل ما بدئه … اقترب منها و قال بقوه و ثبات
– جواز على الورق .. بس من دلوقتى و لحد ما تحققى كل اللى انت عايزاه لازم تسمعى كلامى
اومئت بنعم ليبتسم بحنان و هو يقول بأمر
– اطلعى لمى هدومك علشان نسافر
– على فين ؟
قالتها بشك و اعتراض لينظر اليها بحاجب مرفوع و قال
– هننزل على العاصمه انا بعت حد امبارح ينظف شقه عمى … هتقعدى فيها يومين على ما ارتب استقبال يليق ببنت سليم الزيني
ظهرت الحيره على ملامحها ليمسك يدها يجذبها خلفه و هو يقول
– اطلعى لمى حاجتك و فى الطريق هفهمك كل حاجه
سحبت يدها من يده بخجل و تحركت سريعا الى غرفتها ليظل واقف فى مكانه ينظر فى اثرها و هو يأخد نفس عميق براحه
ها هى اول خطوه قد تمت بنجاح
بعد ساعه كان الاثنان بداخل سياره فريد المتوجهه الى العاصمه … يخيم عليهم الصمت بين سعاده كبيره بداخله و خجل كبير بداخلها
كان من وقت لاخر ينظر اليها .. و هى تتابع الطريق بصمت … انها المره الاولى لها خارج دنيا الملجئ … و كم اشفق عليها .. حين شاهد احدى المحالات التجاريه الكبيره فوقف امامها و قال بابتسامه هادئه
– انزلى نشترى شويه حاجات من هنا
نظرت الى ذلك المحل بانبهار فهى لم تغادر الملجىء منذ كان عمرها خمس سنوات …. هناك الكثير من الاشياء التى لم تعرفها فى حياتها يوما و لم تراها يوما
كانت عيونها تنظر الى كل شىء بانبهار و اندهاش
و كان هو يتلوى قلبه الما على طفله صغيره تسكن بداخلها حرمت من كل شىء …. حين كان ينام هو واخته بين ذراعي والدته كانت هى تحتضن دميه و تنام منفرده على سرير الملجىء
حين كان يشعر بالخوف كان يجد كل احضان عائلته مفتوحه له و لكن هى كانت لا تجد الا وسادتها تبكى و هى تحتضنها
لم تحصل على التعليم المناسب حين حصل هو و اخته على اعلى الشهادات
نظره عينيها الى كل تلك الحلوى و الاطعمه التى لم تتزوقها من قبل جعلته يحضر لها كل شىء وقعت عيونها عليه
احضر الكثير من المقرمشات و الشوكلاتة … الكاندى و الحلوى … و جميع انواع العصير و المشروبات الغازيه
و احضر اليها الكثير من الاطعمه سريعه التحضير
و كانت هى تسير خلفه عيونها تنظر الى كل شىء غير منتبهه الى ما يقوم به حتى وقفوا امام الكاشير
لتجد الكثير من الاشياء وحين توجهه الى السياره قالت باستفهام
– ايه كل الحاجات دى ؟
ابتسم بمرح و قال
– دى حاجات علشان اليومين اللى هتقعديهم لوحدك فى العاصمه
لتفتح فمها باندهاش و صدمه ليقترب منها و هو يقول بابتسامه
– اقفلى بوقك ده بدل ما دبانه تدخل فيه و لا حاجه
لتغلق فمها بتقزز و صعدت الى مكانها بالسياره ليغلق هو الباب و دار حول السياره و جلس مكانه و بدء فى العوده الى الطريق من جديد
ظل الصمت ثالثهم حتى قالت بصوت هامس سمعه بقلبه قبل اذنه
– هى ماما ماتت ازاى ؟
نظر اليها بشفقه ثم قص عليها كل ما اخبره به جده لتبكى بصمت ليوقف السياره بجانب الطريق و هو يقول بهدوء رغم المه لروئيه لحبات اللؤلؤ الذى يسقط فوق وجنتيها
– نجمه انا مقدر حزنك و وجعك لكن لا عمى و لا مرات عمى اختاروا البعد …. هى يوم ما جبتك الملجىء كانت مفكره ان العيله مش هتسيبك ابدا … كانت فاكره انهم هيضموكى و يحموكى
صمت لثوان ثم اكمل قائلا
– على فكره … فى حد فى العاصمه مستنيكى … طول السنين اللى فاتت دى و هو بيطمن عليكى و بيتابعك …. و بينفذ وصيه والدك و والدتك بالحرف
نظرت اليه باندهاش و قبل ان تسأل اشار لها ان لا تقول شىء و اكمل هو
– لما نوصل هتفهمى كل حاجه
ليعود الصمت يخيم عليهم من جديد … الا من تلك الاغنيه من الراديو
(( يا شىء عجز اللسان عن وصفه يا لحن عجز وتر الوريد عن عزفه …. يا ايه من السماء مثل المطر يا ساهره تضىء ليلى يا قمر … احببتك و صرتى وحدك تملكين عقلى وقلبى و اتفقوا على حبكي … احببتك و صرتى و حدك تملكين عقلى و قلبى و اتفقوا على حبكي… احببتكى ))
لينظر اليها بابتسامه صغيره و عيونه تنطق بكل كلمه من كلمات هذه الاغنيه …. لتشعر هى بالخجل و تنظر ارضا و لكن كيف تخفى تلون وجنتيها بالاحمر القانى الذى زادها جمالا
لتعود كلمات الاغنيه من جديد و لكن هذه المره مرافق لصوت فريد المميز
(( و بات قلبى على امل … العمر معك يكتمل و محُوت كلمه مستحيل و كتبت كلمه محتمل … و بات قلبى على امل … العمر معك يكتمل و محُوت كلمه مستحيل و كتبت كلمه محتمل … و صرت ادعى فى الصباح و فى المساء الا يزول حُبك حتى يزول عنى الهواء …. احببتك و صرتى و حدك تملكين عقلى و قلبى و اتفقوا على حبكي…. احببتك و صرتى و حدك تملكين عقلى و قلبى و اتفقوا على حبكي…. احببتكى …. عقلى و قلبى اتفقوا على حبكي …. احببتكى ))
كانت تستمع الى صوته دون ان تستطيع النظر اليه من كثره الخجل
و كان هو فى غايه السعاده و السرور … هى بجواره و بعد يومين من الان ستكون زوجته …. و سيحقق كل ما يتمنى
و يسعدها بقدر ما تعذبت طوال سنواتها العشرون
وصل امام البنايه الموجود بها بيت عمه
ترجل من السياره بعد ان اشار لها بأن تفعل مثله
ظلت تنظر الى البنايه بعيون تمتلىء بالدموع و امطار سماء عينيها تهدد بالهطول
ليقترب منها بعد ان اشار لحارس العقار ان يحمل الخقائب و الاغراض و قال
– نجمه تعالى نطلع فوق
لتنظر اليه بتشتت و ضياع ليحتوي كتفها برفق و قال من جديد
– يلا
و بالاعلى كان البيت كما كان قديما … على قدر تذكرها من فتره طفولتها البسيطه التى عاشتها هنا
وجدت فتاه تكبرها بعده سنوات تقف بجانب الباب ترحب بهم واحترام ليقول فريد و هو يشير اليها قائلا
– دى نجوى … هتقعد معاكى اليومين دول لحد ما ترجعى البلد
ابتسمت للفتاه التى تبتسم اليها بود و قالت
– نورتى بيتك يا هانم
نظرت نجمه الى فريد بزهول ليبتسم بهدوء و غمض عينه و كنه يقول لها
(( اعتادى من الان على هذا ))
حين وصلت الى صاله البيت كان هناك رجل خمسيني يجلس على حدى كراسى الصالون … ينظر اليها بحب ابوى … و كان هناك شىء اخر داخل عيونه لم تفهمه
اقتربت من مكان جلوسه ليقف يستقبلها حين قال ريد
– اقدم ليكى استاذ صادق عبد الحى محامى عمى الله يرحمه
اقترب صادق و هو يقول
– اول مره شوفتك كان بعد وفاه سليم بكام يوم … و كنت مع والدتك لحد اخر يوم فى عمرها
لتفهم الان لما تلك النظره التى رأتها فى عينيه من اول لحظه تلاقت عيونهم
اشار فريد للسيد صادق ان يجلس و جلس هو و نجمه على الاريكه
لتقول هى بلهفه
– احكيلى عنهم …. قولى طباع بابا … اخلاقه … كان بيحب ماما ؟…… و ماما كانت بتحبه ليه سابتنى فى الملجىء ليه مفضلتش معاها
كان صادق يستمع اليها بشفقه كبيره … كحال فريد الذى يتلوى قلبه الما عليها
و لكنه اقترب قليلا منها و قال
– اهدى يا نجمه … استاذ صادق جاى النهارده مخصوص علشان يحكيلك كل حاجه
لتنظر الى صادق بشك و رجاء ليقول صادق بابتسامه عطف
– هقولك كل حاجه
و بدء. فى سرد كل ما حدث من والدها و حبه الكبير لوالدتها و كيف كان يتعامل معها بحب كبير و حنان لا يوصف و كيف كان سعيد حين رزق بطفلته الصغيره و من كثره عشقه لوالدتها اسماها باسمها و لما و كيف كتب الشقه و الشركه باسمها هى و والدتها …. و موته المفاجىء و كيف ان الشركه حتى تلك اللحظه قائمه و ارباحها توضع فى حساب خاص بها فتحه لها والدها منذ كانت صغيره … و ان الشركه من الان ملك لها و تستطيع ادارتها …. اخبرها ايضا عن مرض والدتها
لتقول هى سريعا
– عايزه اعرف بالتفاصيل … كل اللى حصلها قبل ما تموت
نظر صادق الى فريد الذى اومىء له بنعم ليعود بنظراته اليها و قال
– و الدتك كانت مريضه سرطان …. و الحكايه كانت لسه فى اولها …. كانت بتتعالج و انت فى حضنها و جلسات الكيماوي رغم انها كانت بتتعبها جدا الا انها رفضت ان اى حد يهتم بيكى غيرها و كانت ديما بتقول (( نجمه هى كل اللى ليا … ريحه سليم و اثره … مينفعش اسيبها لحد ))
لتقاطعه و هى تقول بصوت عالى
– طيب سابتنى ليه ؟
– علشان الورم انتشر فى كل جسمها
اجابها صادق بصوت عالى مشابه لصوتها …. و لكنه اكمل كلماته بهدوء
– جلسات الكيماوي مبقتش جايبه نتيجه … و العمليه مش هتفيد … امك عاشت ثلاث شهور من غير علاج بعد ما عرفت ان مفيش امل من شفاها علشان توفر ليكى الفلوس …. اخر حاجه قالتها (( قول لبنتى ان مكنش فى حياتى اغلى منها و من سليم … قولها تسامحني بس مكنش بأيدى و لا بأيد ابوها نبعد عنها و نسيبها لوحدها … قولها انها شبه سليم … و قولها انى عايزاها تكون قويه زيه ))
كانت الدموع تغرق و جهها و هى تستمع الى تلك الرساله التى كانت تتمنى لو تستمع اليها بصوت والدتها و كان القدر اراض ان يهديها تلك الامنيه
لتجد صادق يخرج هاتفه وصوت والدتها يصل الى قلبها و روحها قبل اذنيها بتلك الكلمات
– طلبت منى اسجله .. علشان تسمعيها بنفسك … و انا كنت بسمعها كل يوم … علشان افكر نفسى بوعدى ليها …. انى اكون فى ظهرك طول العمر زى موعدت ابوكى كمان انى افضل جمب والدتك فى اى حاجه تحتاجها
مدت يدها تمسك بهاتفه تعيد كلمات والدتها مره بعد مره بعد مره ثم خبأت وجهها بيديها و بدء صوت بكائها يعلو
لم يتحمل فريد من كم الالم الذى تشعر به حبيبته ليضمها الى صدره بقوه حانيه و عيونه تتجمع بها الدموع و لاول مره فى حياته
كذلك صادق الذى يشعر تجاه نجمه انها ابنته الذى لم ينجبها
بعد عده دقائق كانت هدأت قليلا ليفتح صادق حقيبته و اخرج منها ملف كبير مليىء بالاوراق و قدمه لها و هو يقول
– ده كل الورق الى يخصك …. شهاده ميلادك .. قسيمه جواز والدك و والدتك … و ورق الشركه و الشقه و الحساب اللى فى البنك
اخذت منه الملف و ضمته الى صدرها بحنان و كأنها تحتضن والديها بدل تلك الاوراق ليقول فريد ببعض الهدوء
– وهتلاقى جوه البومات الصور اللى كانت بتجمع عمى و مرات عمى معاكى
نظرت اليها بعدم تصديق …. ليهز رأسه بنعم لتقف سريعا و توجهت الى الداخل و لكنها وقفت فى منتصف الطريق و نظرت الى فريد و قالت بقوه و شموخ يشبه شموخ فريد و عائله الزيني كثيرا
– يومين و ننفذ اللى أتفقنا عليه … لازم ارد حق ابويا و امى
ليقف فريد ينظر اليها بنفس الشموخ و قال بثقه
– لكى اللى تأمرى بيه … و من اول ما تخطى برجلك اول خطوه فى البلد .. هتكون البدايه
اومئت بنعم و دلفت الى الغرفه و اغلقت الباب
لينظر فريد الى صادق و قال
– لو سمحت يا استاذ صادق نفذ اللى اتفقنا عليه
ثم نظر الى باب غرفتها المغلق و هو يضع يديه فى جيب بنطاله و يأخد نفس عميق بعيون يملئها الاصرار
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نجمه ليلى)